الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللقاء الرابع
في هذا اللقاء
* الذين يتطوعون بتيسير الزنا.
* هل ألسنة الناس أقلام الحق دائماً؟
* قبر الجرائم الأخلاقية أفضل.
* لو كنت سترته بثوبك كان خيراً لك.
* لا توثقوه بالحبال.
* أوَّلُه سفاحٌ وآخره نكاحٌ.
لم تعرف القرية فتاة في طهرها، وحسن سيرتها، مما دعا طلاب الغفاف أن يتقدموا لخطبتها.
وفي زحام الركب تسرَّب "حلاق الفضيلة" - آسف - حلاق النساء - صاحب "الكوافير" الجديد بالقرية.
تقدم لخطبتها.
فحالت سيرته الشائنة بينه وبين ما يريد.
ولأول مرة يرى نفسه أمام امرأة من طراز خاص.
أمام امرأة لن تسمح لمثله أن يكشف غطاء رأسها ليعبث بشعرها.
فضلاً عن السماح له أن يعبث بما تحت هذا الشعر، من عقل صنعه الإسلام.
هاجت سموم الحرمان في نفسه - تنسج من
خياله الكليل ما يبرر رفض الأسرة له.
وصادف افتراؤه أحقاد المتردّدات على محله.
فتلقوا كل فرية بالقبول.
وأشاعوا بها أحقادهم.
وفي الظلام تنشط الخفافيش.
علاء: لعلك ما يدور على ألسنة الناس في القرية.
عارف: غياب الشريعة عن سلوك الناس هو سبب متاعبهم.
علاء: أَلسِنَةْ الناس أَقلام الحق.
عارف: أي ناس؟ وأي حق؟ أتعني أن ألسنة الناس أَقلام الحق عندما تكلموا عن مريم البتول، فطهّر القرآن سيرتها {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران 42] .
أم تعني أن أَلسنة الناس أقلام الحق عندما وقعوا في حديث الإفك المفتري على السيدة عائشة، فبرّأَها الله مما قالوا {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور 11] .
علاء: أيّ خير في حديث الإفك؟
عارف: عرف المسلمون من دفاع القرآن الكريم عن
عائشة رضي الله عنها منزلتها الكريمة عند الله.
فقد أثبت الله براءتها في عشر سور من القرآن.
يا علاء
…
إن ألسنة الناس عندما تخوض في الأعراض هي حبائل الشيطان.
وليست أقلام الحق.
وكثير منهم يُمهّد للجرائم الأخلاقية، وهو يتصور أنه يستنكر الفاحشة بكلامه.
علاء: ماذا تعني؟ أَيأتي الخيرُ بالشر؟.
عارف: أَي خير؟!
علاء: استنكار الفاحشة.
عارف: هل يستطيع شاب - مهما بلغ فسقه - أن يطرق الأبواب المستورة ويراود نساءها على الفاحشة؟
علاء: بالطبع لا
…
عارف: ولكن عندما يجلس أحدهم مُتطوعاً يخوض في أعراض الناس، فسوف يدلّ بحديثه هذا كل
راغب في الفاحشة على صيده.
أن هذا الغبيّ يتطوع بتذليل أَشدَّ العقبات للزنا
وهي البحث عن الفريسة في مجتمع مستور.
فإذا وقع الزنا بسبب حديثه، فهو شريك في الإثم:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت 13] أثقالهم
…
في رمي المحصنات، وكشف ستر الله.
وأثقالاً مع أثقالهم..
إذا تمّ الزنا بسبب دلالتهم.
على بيوت الفاجرات.
روت السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما أربى الربا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال فإن أربي الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم.
ثم قرأ قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب 58]
إن الله يحب أن تقبر الجرائم الأخلاقية في مكانها.
لأن إشاعتها كثيراً ما تنقل المرأة من الانحراف إلى الاحتراف {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور 19] .
علاء: عذاب الآخرة هو النار، فما عذابهم في الدنيا؟
عارف: يُطالب بأربعة شهداءٍ يُؤيدون دعواه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور 4] .
علاء: سبحان الله
…
يحاول أن يأتي بأربعة شهداء ليدفع الجلد عن نفسه.
لقد أصبح في قفص الاتهام.
عارف: وبعد الجلد لن يخرج من قفص الاتهام لأنه
سيظل ما بقى من عمره متهماً، ومردود الشهادة أمام القضاء وأما الناس {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
علاء: قد يكون صادقاً.
عارف: فليأتنا بأربعة شهداء.
علاء: الجرائم التي تحدث في الطريق العام يصعب أن نقيم عليها أربعة شهداء.
فكيف بالزنا الذي لا يحدث إلا من وراء جدار؟.
عارف: القتل يثبت بشهادة اثنين فقط.
أما الزنا فلابد من أربعة شهداء: قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور 13] .
يا علاء يا ولدي
…
ذكر ابن قدامة في كتابه المغني: أن عدم إكمال
الشهود أربعة يوجب جلد الشهود.
استدل على ذلك بما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جلد "أبا بكر بن مسروح" وأصحابه في قضية المغيرة بن شعبة.
فقد جلدهم عمر عندما شهد ثلاثة، وتراجع الرابع - وهو زياد بن عبيدة ولم يشهد.
(القصة بتمامها في تاريخ الأُمم والمسلوك للطبري حـ 4 ص 206) .
علاء: مجرد اكتمال الشهود أربعة هل يوجب إقامة الحدّ؟.
عارف: لابد أن يناقش القاضي الشهود.
حتى يقتنع بصدقهم.
علاء: فإذا رأى القاضي بنفسه الزنا، هل يجلدهم بعلمه؟.
عارف: يصبح القاضي في حكم المبلغ ويطلب منه أربعة شهداء.
جاء في مسند الإمام أحمد: أن أبا بكر
الصديق رضي الله عنه قال لو رأيت أحداً على حدٍ من حدود الله ما أخذته، حتى يكون معي غيري.
(أي شهود) .
علاء: هذا ما نسميه اليوم "حيادية القضاء" وأسألك يا شيخ عارف: حديث القرية عنها، ألا يُعتبر دليلاً، على الأقلّ يمنعني من إتمام لازواج بها؟
فما بيننا مجرد خطبة.
عارف: لا ياعلاء
…
فقد قال صلى الله عليه وسلم "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ فُلَانَةَ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهَا الرِّيبَةُ فِي مَنْطِقِهَا وَهَيْئَتِهَا وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا".
(رواه ابن ماجة. 2549) .
فمع ظهور الريب في منطقتها
…
وهيأتها
…
والذين يدخلون عليها مع كل هذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
(إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) أما خطيبتك فلم يظهر
منها سوى الإيمان والتقوى.
إن الأحكام الكبيرة لا تُؤخذ في ثورة الغضب.
ولا تُبنى على الشبهات.
روى عن عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ".
(رواه الترمذي. 1344) .
علاء: ماذا المراد بالشبهات؟.
عارف: ليس كل من جمع على دعواه أربعة شهداء لابد أن تُقبل دعواه، وأن نقيم الحد بشهادتهم.
يا علاء إن الحد - في موضوع الزنا - حد صارم.
جلد مائة جلدة لغير المتزوج، ورجم حتى الموت للمتزوج.
ولا تنس ما يلحق أُسرتها بعد ذلك من عار.
لذلك شدد الإسلام في قبول الدعوة ما لم يُشدد في أي دعوة أُخرى.
فلابد أن يناقش
القاضي شهود الإثبات.
وأي اختلاف بينهم في الشهادة تُرد شهادتهم، كاختلافهم في تحديد المكان الذي حدث فيه الزنا، أو الزمان الذي حدث فيه.
ولابد أن يعترف الشهود بمشاهدتهم لعورة الرجل والمرأة بما يثبت تمام الزنا.
فعندما شهد ثلاثة أمام عمر بن الخطاب بتمام الزنا، وقال الرابع: {ايت منظراً قبيحاً، وسمعت نَفَساً عالياً.
وما أَدري أَخالطها أو لا.
رد عمر شهادته.
وأمر بجلد الثلاثة "البلاذرى: فتوح البلدان" فإذا علمت يا علاء إن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ".
(رواه مسلم. 512)
علمت أنّ إتمام الشهادة أَمرٌ صعب.
إنّ الله يحب أن تقبر الجرائم الأخلاقية في مكانها
"وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
(رواه البخاري.4867)
وعندما زنى (ماعز) أمره هزال أن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطهره من ذنبه.
فلما أُقيم عليه الحد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال: "وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ".
(مسند أحمد. 20885) .
حتى الذين من شأنهم - عادة - أن يدخلوا البيوت بلا تحرج،
كالمرأة تدخل على جارتها، والصبي كذلك.
لا تقبل شهادتهما في الحدود.
علاء: "متعجباً" أي مانع يمنع قبول شهادة المرأة؟.
عارف: لأنَّ كل الآيات التي حددت الشهود بأربعة ذكرت كلمة "أربعة مؤنثة" وأنت تعرف يا علاء أن العدد من ثلاثة إلى عشرة يُذَكّر مع المؤنث، ويؤنث مع الذكر.
فإذا قال القرآن الكريم {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} فدلالة اللغة استشهاد أربعة رجال.
علاء: أليس في هذا إهانة لكرامة المرأة؟.
عارف: بالعكس.
فالإسلام يقبل شهادة المرأة الواحدة في دفع الحدود، ووقفها عن التنفيذ.
وإن كان لا يقبل شهادتها في إثباتها.
فلو شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا، ثم ادعت المرأة أنها بكر، وكشفت عليها امرأة واحدة.
وشهدت ببكارتها.
يسقط الحد عنها بشهادة امرأة واحدة.
قال عبد القادر عودة - يرحمه الله -: لأنَّ شهادة المرأة الواحدة مقبولة عند أبي حنيفة وعند الإمام أحمد بن حنبل.
وأساس درء الحدّ عنها هو احتمال توهّم إتمام الزنا، لأنَّ دوام البكارة شبهة.
والحدود تُدْرَأُ بالشبهات. (التشريع الجنائي جـ 2 ص 425) .
علاء: من يُعلم نساءنا أن شهادة المرأة الواحدة تعدل شهادة رجلين.
بل أكثر فيما تخصصت فيه النساءٌُ؟.
عارف: الإسلام يحترم التخصصات.
علاء: نحن بحاجة إلى كوب من الشاي.
لأنَّ الحديث ذو شجون.
عارف: بل نتناول طعام العشاء.
ثم نشرب الشاي.
وعلى مأْدُبة العشاء دار حوار هادئ.
علاء: تفضلت يا شيخ عارف وقلت:
إن الذين يدخلون البيوت عادة بدون استئذان كالمرأة والصبي لا تقبل شهادتهما في الحدود.
ولكن الزوج - صاحب البيت - هل تُرفض شهادته أيضاً وهل يطالب بالخروج والبحث عن أربعة شهود؟ حتى لو وجد الشهود فسوف يدخلون البيت فيجدون كل شيء قد انتهى.
عارف: شريعة الله لم تتجاهل هذه القضية لم تطلب من الزوج في مثل هذه الحالة أن يقدم الشهود
ليثبت ما رآه.
عليه أن يُقْسِمَ أربعة أيمان بالله.
إنه لمن الصادقين.
واليمين الخامس: أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
علاء: قد يكون مع هذه الأَيمان - كلها - كاذباً يريد أن يختار طريقاً ملتوياً للتخلص من زوجته.
عارف: الله أعلم بطوايا عباده.
من أجل ذلك لا نقيم الحدّ على المرأة بشهادة زوجها وحده.
بل يطلب منها أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والشهادة الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وهذه الحالة من الحالات التي تتساوي فيها شهادة المرأة بشهادة الرجل.
فهو يشهد خمس شهادات، وهي تشهد نفس هذا العدد.
علاء: وكيف تطاق المعيشة بعد ذلك؟.
عارف: إذا تمت (الملاعنة) .
فرق القاضي بينهما.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ رَجُلًا لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَا يُدْخِلُهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عز وجل مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
(سنن النسائي. 3427)
علاء: لست أدري أيهما أشهى: طعامك.
أم كلامك؟
عارف: يا علاء إن الله لم يحكم عباده بالسياط.
إن الله يحكم عباده من داخلهم.
والعقوبة لمن شذَّ فقط.
ومع ذلك فالله سبحانه لم يكلفنا أن نتجسس على من تحوم حوله الشبهات، لنقيم عليه الحدَّ.
بل يطلب منا أن نستر على من وقعت عيوننا عليه.
آملين إصلاحه وتوبته.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُلقّن من يعترف بالزنا أمامه حجة التراجع.
فقد روي أنّ (ماعز) لما أقرَّ بالزنا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم
لقَّنه الرجوع.
فقال له: لعلك قبلتها.
لعلك مسستها، لعلك.
لعلك.
وماعز يصرُّ على الاعتراف.
وبعد أن يعترف الزاني أربع مرات.
لا يلقي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم القبض حتى يحين وقت العقوبة.
بل ربما يتركه سنة أو أكثر يعيش
في بيته.
بلا حبس ولا تحفظ عليه.
فعندما طلبت الغامدية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ليطهرها.
حاول النبي صلى الله عليه وسلم إرجاعها عن إقرارها.
فأرادت المرأة أن يؤكد له زناها.
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ".
(مسلم. 3208) .
علاء: إصرار عجيب.
كنت أتصورّ أن اعترافهما مجرد صحوة ضمير، ربما عالجته مشاغل الحياة.
عارف: لم يسجنهما النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعطي لهما فرصة التراجع.
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَرْجِعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا عِنْدَ الرَّابِعَةِ.
(رواه أبو داود. 3847) .
حتى عند تنفيذ الحد على المقر لا يسمح الإسلام بتوثيقه بالحبال، ولا وضعه في حفرة، فإن حاول الفرار عند التنفيذ لا يتبعونه بالرجم.
ويعتبر أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد مجرد محاولة الهروب عند التنفيذ رجوعاً عن الإقرار.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبعه بالرجم.
فقال "هلا تركتموه" وكره من الصحابة اتباعهم (لماعز) بالرجم عندما فر منهم.
(راجع بدائع الصنائع جـ 7 ص 61) .
علاء: ما رأيك يا شيخ عارف لو تزوج بمن زنى بها ليصلح خطأه، لا مانع شرعاً من الزواج بها إذا
تابت، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَنْ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَالَ: أَوَّلُهُ سِفَاحٌ وَآخِرُهُ نِكَاحٌ لَا بَأْسَ بِهِ".
(رواه البيهقي. 1425) .
وجاءَ في فتاوى ابن تيمية "نكاح الزانية حرام حتى تتوب.
سواءٌ زنى بها هو أو غيره.
هذا هو الصواب.
وهو مذهب معظم السلف والخلف" فيجوز له أن يتزوجها بعد أن تتوب.
علاء: زواجه بها يسترها.
فقد يفضحها الحمل.
عارف: الإمام الشافعي رضي الله عنه أجاز له أن يتزوجها وهي حامل.
سواءٌ كان الحمل منه أو من غيره.
لأن نطفة الزاني لا تتعلق بها أحكام شرعية عند الإمام الشافعي.
علاء: وزواجه منها.
هل يسقط العقوبة؟.
عارف: الأئمة الأربعة يوجبون الحدّ بسبب الزنا السابق للزواج - ولا يسقطونه بالزواج - جاء في أحكام القرآن لابن العربي (جـ 3 ص 130) : أن رجلاً جاء إلى أبي بكر وقال له: إنَّ ضيفا ضافه فزنى بابنته فضربه عمر على صدره.
وقال: ألا تستر على ابنتك.
فجلدهما الحد.
ثم زوجها، وغربهما سنة.
فالزنا لا يحرم الزواج منها.
والزواج بها لا يسقط الحد عنهما عند الأئمة الأربعة، ولم يخالف في هذا الموضوع إلا الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة فقال: إن الزواج بها يسقط الحدَّ.
لأن المرأة تصير مملوكة له بالنكاح في حق الاستمتاع.
فحصل الاستيفاءُ من محل مملوك له.
فيصير الزواج شبهة.
والحدود تدفع بالشبهات (بدائع الصنائع جـ 7 ص 62) .
ولعله قاس ذلك على السارق إذا اشترى الشيء الذي سرقه
قبل الحكم عليه بقطع يده.
لا تقطع يده لشبهة الملكية الطارئة.
علاء: لكن رأيه يخالف رأي الأئمة الأربعة رضي الله عنهم.
عارف: اختلاف الأئمة في الحكم يسقط الحد.
وأسوق لك مثالاً.
(زواج المتعة) - مثلاً باطل عند الأئمة الأربعة.
ومع ذلك لو عقد على امرأة (بزواج المتعة) ثم دخل بها يعتبر العقد شبهة تسقط الحد عند أئمة السنة.
لأن الشيعة قالوا بصحته.
فيعتبر قولهم شبهة تُؤثر في إسقاط الحد من باب أنّ كل شبهة تُفسر لصالح المتهم.
وعلى هذا فيمكن أن يسقط الحد عن الزاني الذي تزوج بمن زنى بها.
بناءً على قول أبي يوسف.
أما عقوبة الآخرة فالتوبة تُكفرها.
يا علاءُ يا ولدي
إن عقوبة الزنا عقوبة صارمة.
وكثيراً ما يمتد شؤمها إلى أُسرة المرأة فيتخفض رؤوسهم.
والناس غالباً يحكمون بالزنا على الشخص بمجرد الظن والوهم.
بدون تحقق.
من أجل ذلك شدد الإسلام في غثبات هذا الحد.
وحاول العلماء دفع العقوبة بمجرد توافر أي شبهة.
حتى تسلم أعراض الناس وتقبر الجرائم الأخلاقية في مكانها.
علاء: جزاك الله خيراً.
ولكن ما زواج المتعة؟.
عارف: زواج المتعة هو الزواج المؤقت.
يدفع لها مبلغاً من المال على أن يتمتع بها مدة محددة من الزمن، كأُسبوع أو شهر.
وينتهي العقد بانتهاء المدة.
وهو زواج باطل عند الأئمة الأربعة.
لما رواه النسائي ومسلم وأبو داود وابن ماجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة بالنساء في حجة الوداع.
وحكى صاحب كتاب "معالم السنن" أن تحريكه موضع إجماع الأُمة إلا شيئاً ذهب إليه بعض الروافض، ومع ذلك فمن تمتع بامرأة يسقط عنه الحد لشبهة العقد.
ولأنّ الشيعة اعتبرته نوعاً من الزواج المباح.
علاء: يبدو لي من حديثكم أن إثبات الحد بالشهود أمر صعب جداً.
ليس في عدد الشهود فحسب.
ولكن في محاولة إقناع القضاء بصدق شهادتهم ومحاولة دفع الشبهات التي تثار حول الثبوت خصوصاً إذا لم يفضحها الحمل.
عارف: وهل الحمل لغير المتزوجة يغني عن التقاضي؟
علاء: وهل يحتاج النهار إلى دليل؟
عارف: ليس كل النزر نهار.
قد يحدث الحمل ولا يقام عليها الحد.
علاء: وأي شبهة بعد الحمل؟.
عارف: قد تكون أُكرهت على الزنا.
يقول الإمام البخاري: إذا أُكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها.
علاء: هذا مجرد عنوان في صحيح البخاري.
وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
عارف: العلماءُ يقولون: فقه البخاري في عناوينه.
وروي أن عبداً من عبيد أمير المؤمنين عمر وقع على وليدة من سبى المسلمين فاستكرها حتى افتضها.
فجلده عمر الحد.
وغربه - اي نفاه - ولم يجلدها، من أجل أنها استكرهت "البخاري" وحدث في عهده أيضاً رضي الله عنه قُدّمَتْ له امرأة بتهمة الزنا.
فقالت: طلبت من أحد الرعاة أن يسقني في الصحراء فأبى إلا أن
أمكنه من نفسي.
فأفتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنها مكرهة.
فدفع لها عمر مساعدة وخلا سبيلها.
"نيل الأوطار للشوكاني".
علاء: حتى مع الحمل
…
لابد من التقاضي!!
عارف: ذكر ابن قدامة في كتابه المغني: لو حملت امرأة لا زوج لها لم يلزمها الحد حتى تعترف، أو يقوم على زناها شهود.
فلعلها أُكرهت، أو حملت من زواج فيه شبهة.
ثم قال: وقد تحمل الفتاة البكر نتيجة انتقال ماءِ الرجل إليها (المغني جـ 8 ص 200) .
علاء: كل هذا علماءُ المسلمين قبل العلم الحديث!! إنه على حق.
فلعلها لبست ملابس الرجل الداخلية الملوثة بنطفته، فانتقلت إليها الحيوانات المنوية.
عارف: رفعت امرأة إلى عمر بن الخطاب وهي حامل.
ولا زوج لها..
فقالت: والله يا أمير المؤمنين إني امرأة ثقيلة الرأس يعني النوم - ووقع عليّ رجل وأنا نائمة، فما قمت حتى فرغ.
لم يُقم عليها الحد.
لأن النائم لا يُسأل عما جنى.
علاء:
…
إن الله يحكم عباده - كما قلت لك - من داخلهم.
وقبر الجرائم الأخلاقية في مكانها خير من إشاعتها.
علاء: الهروب من عقوبة الدنيا أمر سهل.
ولكن كيف الفرار من الله؟ {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} القيامة [7 - 13] .
عارف: اسمح لي يا علاءُ أن أَسأَلك.
هل حاول أحد الشباب أن يطلب يد خطيبتك قبلك، ثم رفضته
الأُسرة.
وآثرتك عليه؟ "يفكر علاء ثم يقول: صاحب "الكوافير" رفضته الأُسرة - مع ثرائه - لأنه يُدْمِن الخمر.
عارف: الآن سأدلك على مفتاح القضية.
(الكوافير) - تتردد عليه نساءٌُ كثيرات يحقدن على خطيبتك لدينها وحجابها.
وصاحب (الكوافير) يخشى من انتشار الحجاب الإسلامي لأنَّ ذلك يُقلل من زبائنه.
فضلاً عن رفض الأُسرة وإيثارك عليه.
ففي تصوري أن هذه الفتنة نبتت في "الكوافير" وروجتها الحاقدات على خطيبتك.
علاء: والعلاج يا شيخ عارف؟.
عارف: سأعرض خطة تكشف لك عن الحقيقة إن شاء الله عندما تراه في الليل يتأرجح من سكره، حاول استدراجه بلطف إلى النادي.
وحدثه أنّك
تركت خطيبتك.
وأنك تشكره على كشفه لما غاب عنك.
وساعتها سوف ينطق عقله الباطن بكل خواطره الدفينة.
ويتجلى الحق أمام الشباب في النادي.
فَمُدْمِنَ الخمر لا يقوى على ستر سرِّه، وساعتها سوف تعرف أنك شريك في الخطأ، عندما صدقت الأوهام.
والقرآن يقول {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور 12] .
كما سوف يسمع الشباب من لسانه أنه نسج خيوط العنكبوت.
يا علاءُ يا ولدي..
إنه مُدمِنَ الخمر لا سرَّ له.