المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابعمع "برتراند رسل" و"فرويد" إمامي العظم - صراع مع الملاحدة حتى العظم

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

الفصل: ‌الفصل السابعمع "برتراند رسل" و"فرويد" إمامي العظم

‌الفصل السابع

مع "برتراند رسل" و"فرويد" إمامي العظم

ص: 205

(1)

من غريب ما شهدت في أقوال الناقد (د. العظم) في كتابه "نقد الفكر الديني" ظاهرة داء التعصب المذهبي لأقوال قادة المذهب المادي الإلحادي، لا سيما واضعو النظريات الإلحادية المادية من اليهود، كأنه لا يكاد يرى علماً إلا ما قالوه، ولا يكاد يمجد نظرية أو رأياً إلا ما ينسب إليهم، ولا يكاد ينظر إلى مدرسة علمية في العالم غير المدارس التي تنسب إليهم، حتى كأن أقواله فيهم أقوال عاشق مشغوف بحب لا أقوال باحث علمي دارس للعلوم وعارف بمختلف النظريات.

أتُراها هي العمالةُ وأعمالها المأجورة تفعل كل هذا؟ أم الغفلة والفتنة والتعصب الأعمى؟

إنه ليس من قبيل المصادفة أن يتعمَّد التنويه بأسماء اليهود الذين وضعوا الآراء والمذاهب الإلحادية، وصنعوا لها ما أسموه بنظريات علمية، فصاغوا مذاهبهم (نظرياتهم) في الاجتماع، وفي الاقتصاد. وفي المادية الجدلية، وفي الدراسات النفسية.

وليس من قبيل المصادفة أن نراه لا يلفت الأنظار بقوة إلا إلى نظرياتهم، أن العلم الحديث كله، ومنجزات الحضارة منحصرة فيما قدم هؤلاء من دراسات لم تحظَ في عالم العلم بالقبول التام، أو لم تؤيد حتى الآن بالبراهين العلمية القاطعة.

ففي الصفحة (20) من كتابه يشيد بكتاب: "أصل الأنواع" لداروين، ومعلوم أن نظرية داروين قد تبناها اليهود وأذاعوها وأشادوا بها لخدمتها لأغراضهم، وهو يشيد بكتاب:"رأس المال" لكارل ماركس، وهو يهودي.

ص: 207

ويكرر في صفحات كتابه الإشادة بالداروينية، ويسميها النظرة العلمية، ويكرر الإشادة بالماركسية أو ما يسمى بالاشتراكية العلمية.

وفي الصفحة (39) من كتابه يشيد باليهود الثلاثة: دوركهايم وفرويد وماركس.

وفي الصفحة (41) يشيد ينظرية المادية الجدلية، ونظرية دوركهايم في الطقوس والعبادات الدينية، كأنها حقائق علمية لا خلاف عند العلماء فيها.

وفي الصفحة (42) يشيد بالثورة الفرنسية، وقد أصبح معروفاً تماماً أن اليهود هم الذين صنعوها، لتحقيق أغراض اليهودية العالمية (1) .

وفي الصفحة (43) ينتقد الفكر الإسلامي المرحوم الشهيد (سيد قطب) لأنه رفض نظرية التطور العضوي، أي: نظرية داروين، ولأنه رفض نظرية فرويد في مجال الدراسات النفسية، ولأنه رفض الماركسية أو الاشتراكية العلمية. ثم أخذ (العظم) يمجد ويشيد بهذه النظريات، كأنه لا يوجد في عالم العلم نظريات علمية غيرها، وكأن المفروض في كل الناس أن يكونوا مثله مقلدين لأئمته اليهود الذين يقلدهم هو تقليداً أعمى. مقروناً بتعصب شبيه بتعصب الجاهلية الأولى، بل هو أشد خطراً وأكثر ضلالة، وكأن المفروض في كل الناس أن يكونوا مثله عشاقاً للقيادات اليهودية العالمية، أعداء الإنسانية عامة، وأعداء الأمة الإسلامية والأمة العربية الخاصة.

ففي انتقاده للمرحوم الشهيد (سيد قطب) يقول في الصفحة (42-43) ما يلي:

"في الواقع يذهب سيد قطب إلى أبعد من ذلك في أفكاره التوفيقية، فيرد المنهج العلمي التجريبي إلى روح الإسلام، ويعتبر المنهج الإسلامي الأساس الذي قامت عليه النظرة التجريبية العلمية الحديثة، وليتبين لنا مدى نجاح هذا التوفيق الشامل بين الدين والعلم ما علينا إلا أن نتابع تفكير السيد قطب، لنجد أنه

(1) انظر كتاب: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، للمؤلف.

ص: 208

بعد مفاخرته بأن المنهج الإسلامي هو الأساس الذي قام عليه المنهج العلمي التجريبي نراه يرفض رفضاً باتاً أهم النتائج التي توصل إليها هذا المنهج، لأنها تتناقض مع العقائد الدينية، إنه يرفض نظرية التطور العضوي، مع أنها توَّجت البحوث العلمية في علم الحياة، ونظرية فرويد مع أنها من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية، ويرفض الماركسية أو الاشتراكية العلمية، مع أنها أهم نظرية شاملة صدرت في العلوم الاجتماعية والاقتصادية في العصور الحديثة. أي: إن السيد قطب يرد المنهج العلمي إلى المنهج الإسلامي، ولكنه يريد أن يبرئهما من جميع التبعات التاريخية الناتجة من قيام العلم، وأن ينكر كل ما يلزم عن مقدمته الكبرى من نتائج. ولذلك نراه يرد على كل ما تمخض عنه المنهج العلمي من نظم ونظريات علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ذلك على الرغم من يقينه أن الجذور التاريخية لكل ذلك تمتد إلى المنهج الإسلامي".

هذا ما كتبه (د. العظم) في نقده للمرحوم (سيد قطب) .

فما أعجب ما اشتمل عليه كلامه من مغالطات!! هل يلزم من الاتفاق على سلوك المنهج العلمي الواحد التسليم بكل النتائج التي يتوصل إليها جميع الباحثين؟

ألا يحتمل وجود خطأ أو نقص في البحث؟

إننا نشاهد عدداً من الباحثين يتفقون على منهج البحث، ثم يختلفون في النتائج اختلافاً بيناً، وقد يكون الاختلاف متناقضاً تماماً.

إذا كان الأمر كما يزعم (د. العظم) فعلينا إذن التسليم بكل النظريات المتعارضة المتناقضة التي تقول بها المدارس العلمية في العالم، لأنها كلها تعتمد المنهج العلمي التجريبي أو النظري، ففي الاقتصاد علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين: الرأسمالية والاشتراكية العلمية، وفي السياسة علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين: الديمقراطية والديكتاتورية.

إن هذا هراء سخيف لا يقول به عاقل. إن عدداً من الذين يحلون مسألة

ص: 209

رياضية قد يختلفون في النتائج، على الرغم من أنهم يلتزمون قوانين رياضية واحدة، وهذا يرجع إلى كبوات الخطأ التي قد يقع بعضهم فيها، فكيف يكون الأمر في الموضوعات الاستنتاجية التي لا يملك الباحث العلمي بالنسبة إليها وسائل تجريبية، كفرضية (داروين) بالنسبة إلى خلق الإنسان، وكفرضية (فرويد) في مجال الدراسات النفسية، على أنه توجد مدارس نفسية أخرى تعارض ما ذهب إليه (فرويد) فهل هذه المدارس العلمية كلها ملزمة برأي (فرويد) إكراماً لعواطف الناقد (د. العظم) نحو إمامه هذا؟ وهل المدارس الاقتصادية في العالم ملزمة بالأخذ بالاشتراكية العلمية، إكراماً لعواطف (د. العظم) نحو إمامه في مجال الاقتصاد، اليهودي (كارل ماركس) ؟

إن هذا المنطق الإلحادي المتعصب تعصباً أعمى أصم لا يستحق عند العقلاء أكثر من السخرية. ومع ذلك فإننا نحن المسلمين لا نسلك هذا الطريق، بل نناقش بالمنطق والعقل ولا نسخر، ونرتقي في الجدال مع الخصوم ومع الأعداء الصرحاء إلى المستوى الجدلي العاقل الرصين، احتراماً للحقيقة التي نبحث للوصول إليها، ولتأييدها والتبشير بها، واحتراماً لمفاهيمنا ومبادئنا التي لا هزل فيها، ولا تدفع إليها أغراض شخصية، بل هي مبادئ الحق التي تنزلت بها شريعة الله للناس.

وفيما يلي دراسة موجزة لإمامين من أئمة (العظم) الملحدين، هما (برتراند رسل) و (فرويد) .

(2)

مع برتراند رسل

اعتمد (العظم) في دعوته إلى الإلحاد على أقوال الفيلسوف الإنجليزي الملحد (برتراند رسل) الذي مات عام 1970 م، بعد أن عاش قرابة قرن كامل.

إن هذا الفيلسوف على الرغم من سعة علمه ودراسته، وعلى الرغم من أنه أمضى كل حياته باحثاً دارساً، فإنه لم يهتد إلى تكوين فلسفة متكاملة كان يصبو إلى بلوغها.

ص: 210

وكان من الطبيعي أن لا يهتدي إلى فلسفة متكاملة بعد أن اتجه في طريق معاكس للحقيقة، إذ اختار لنفسه طريق الإلحاد والكفر بالله. إنه لو عاش مئة قرن أو أكثر يبحث عن فلسفة متكاملة وهو ملتزم طريق الإلحاد فإنه لن يصل.

إن الباطل متاهة يضل فيها أزكى الناس وأعلمهم، ما دام مصراً - لهوى في نفسه - أن يحيد عن الطريق التي سلكها من قبله جماهير العقلاء، إنه لن يجد هذه الفلسفة المنشودة في المتاهة الفكرية التي سلكها بعيداً عن الطريق، لأنه متى اهتدى فلا بد أن يعود إلى الطريق، بيد أنه مصر على أن يظل بعيداً عنه فكيف يهتدي؟.

إنه سيستمر في المتاهة، وسيظل باحثاً عن فلسفة متكاملة في مكان لا توجد فيه هذه الفلسفة، شأنه في هذا كشأن من يحفر في جوانب الصخرة الصماء ليجد فيها عين ماء تُروي ظمأه، وهذه الصخرة منقطعة عن الأرض من كل جوانبها، فهي لا تتصل بأي عرق من عروق الماء.

ونظراً إلى واقع حال (رسل) التائه عن الحقيقة استطاع البروفسور (ألان وُود) أن يقرظه بقوله:

"برتراند رسل فيلسوف بدون فلسفة".

واقتباساً مما كتبه المفكر الإسلامي (وحيد الدين خان)(1) ، أجمع هذه الدراسة عن هذا الفيلسوف الملحد.

ذكر وحيد الدين خان أنه قرأ كل أعمال "برتراند رسل" واستطاع بعد قراءتها أن يلتقط من أقواله ما يكشف عن النهايات الفكرية التي انتهى إليها.

إنه بعد أن درس الفيزياء، وعلم الحياة، وعلم النفس، والمنطق الرياضي، انتهى إلى أن مذهب "التشكيك (في الوجود) مستحيل نفسياً" ومع ذلك فإن الإنسان عاجز عن أن يحيط إلا بأقل قدر من المعرفة، ويقول بالنسبة إلى الفلسفة: "تدَّعي

(1) في كتابه: "الدين في مواجهة العلم".

ص: 211

الفلسفة منذ القدم ادعاءات كبيرة، ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الأخرى".

وما اعترف به (رسل) بعد دراسة طويلة ذكره القرآن بتعبير بسيط، إذ قال الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :

{....وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} .

ويتضمن هذا البيان القرآني أن الإنسان لم يؤتَ من الوسائل العلمية التي يمكن أن تعرِّفه بالحقيقة إلا قدراً محدوداً جداً، بيد أن الحقائق في الوجود كثيرة جداً، ومن المتعذر على الوسائل المحدودة أن تدرك من الوجود الواسع إلا على مقدارها، وكل زيادة على مقدارها دون مستند خارجي عنها يعتبر تكهناً، وضرباً من الظن الاحتمالي الضعيف، وهذا الظن لا يغني من الحق شيئاً.

فعجز الإنسان عن الوصول إلى معارف واسعة من حقائق الكون الباطنة يرجع إلى أن وسائله العلمية لا تستطيع أن تشاهد إلا ظواهر تأخذ منها علماً وصفياً للسطوح الظاهرة، أما الحقائق الباطنة فلا سبيل إليها إلا عن طريق التفسير الاستدلالي أو الاستنتاجي، وهذا التفسير الاستنتاجي لا يستطيع أن يحدد ماهية الحقيقة، إنما قد يستطيع أن يشير إليها إلى بعض صفاتها وخصائصها.

ويقول (رسل) : "إن تصورنا العملي للكون للكون لا تدعمه حواسنا التجريبية، بل هو عالم مستنبط كلياً".

ويبلغ الأمر به إلى أن يقول: "إن أفكار الناس لا توجد إلا في مخيلاتهم فحسب" أي: إن التجربة لا تستطيع أن تثبت مطابقة هذه الأفكار للواقع.

وانتهى (رسل) أيضاً إلى أن التجربة أعطيت لها أكبر أهمية، ولذلك يجب أن تخضع "التجريبية" كفلسفة لتحديات هامة.

يقول هذا حتى في النظريات والقوانين العلمية، ومع ذلك فإنه يختار لنفسه مذهب الإلحاد، ويعتمد على افتراضات لا يمكن إخضاعها للتجربة بحال من الأحوال، وذلك بالنسبة إلى نشأة الكون والحياة، ويرجح الداروينية مع أنها

ص: 212

وجهة نظره فكرة استنباطية لا تدعمها التجربة، ولا تزيد على أنها فكرة في مخيلات أصحابها.

وحين اعتمد (د. العظم) على أقوال (رسل) في نشوء الكون وتطوره ونشوء الحياة وتطورها، إنما اعتمد على قول إنسان يرى أن ما يقوله في هذا المجال لا وجود له إلا في عالم التخيلات الإنسانية فحسب.

فكيف يصح له أن يستهين بعقول شبابنا وثقافة القارئ العربي، فيزعم بعد أن عرض القطعة الأدبية التي كتبها "رسل" عن قصة الكون ونشأة الحياة، أن (رسل) يلخص بكل بساطة النظرة العلمية الطبيعية للقضايا التالية: نشوء الكون وتطوره - نشوء الحياة وتطورها - أصل الإنسان ونشأته وتطوره - النهاية الحتمية لجميع الأشياء وهي العدم وأنه لا أمل لكائن بعدها بشيء؟

أهذه هي النظرة العلمية التي يعتقد المنقولة عنه أنه لا وجود لها إلا في مخيلة القائلين بها، وليس لها مستند من الواقع يدعمها؟

ولكن هكذا راق لـ (د. العظم) أن يضلل. لقد قرر أنه لا وجود للحق والعدل والروح والجمال والخالق، كما صرَّح بذلك في الصفحة (38) من كتابه، لذلك فلا مانع عنده من أن ما يراه (رسل) تخيلاً يصح أن يطلق عليه عبارة النظرة العلمية المحققة، فالقضية عنده لا تزيد على أنها وسائل دعائية جدلية لدعم مذهبه الإلحادي، أما أن يكون الكلام حقاً أو باطلاً، صدقاً أو كذباً، قضية علمية أو تصوراً تخيلياً. فهذا غير مهم ألا يمكن أن يكون طرح مثل هذا التزييف وسيلة لتضليل بعض الناس؟ ألا يمكن أن يكون مثل هذا التزييف شبكة لصيد بعض المغفلين، حتى يكونوا جنوداً مسخرين في أيدي المنظمة الإلحادية العالمية، التي تعمل لخدمة مصالح معينة لفئة خاصة من الناس؟

لكن معظم شبابنا سيكتشفون بسرعة هذا الزيف، وسيسخرون منه، وسيقابلونه بالتحدي العلمي الذي تقوم عليه مبادئ الإسلام.

ص: 213

(3)

ويقول (رسل) أيضاً: "لقد وجدت أن معظم الفلاسفة قد أخطأوا في فهم الشيء الذي يمكن استنباطه بالتجربة فحسب، والشيء الذي لا يمكن استنباطه بالتجربة".

ويقول أيضاً: "لسوء حظنا لم تعد الطبيعة النظرية تحدثنا اليوم بالثقة الرائعة نفسها التي كانت تحدثنا بها في القرن السابع عشر. لقد كانت لأعمال (نيوتن) أربعة تخيلات أساسية: المكان والزمان والمادة والقوة. وقد أصبحت هذه العناصر نسياً منسياً في علم الطبيعة الحديث. فقد كان الزمان والمكان من الأشياء الجامدة والمستقلة عند (نيوتن) والآن قد تم استبدالهما بما يسمى "المكان - الزمان" والذي لا يعتبر جوهرياً أساسياً، وإنما هو نظام للروابط، وأصبحت (المادة) شكلاً لسلسلة الوقائع، وأصبحت (القوة) الآن (الطاقة) والطاقة نفسها شيء لا يمكن فصله عن المادة الباقية. والسبب كان هو الشكل الفلسفي لما كان يسميه علماء الطبيعة بالقوة، وقد أصبح هذا التصور قديماً، إن لم أقل: إنه قد مات فعلاً، إلا أن هذه الفكرة لم تعد قوية كما كانت من قبل".

فهذا هو (برتراند رسل) يرى أن التفسيرات التي يفسر بها العلماء الماديون ظواهر الطبيعة تفسيرات لا تمثل الحقيقة الواقعة تمثيلاً يوثق به، وهذه التفسيرات تخضع للتغير وفق اختلاف النظرات التي يراها الباحثون.

ويقول أيضاً: "إنه قد توصل بعد دراسات استنفدت كل عمره إلى أن الاستنباط الذي لا يمكن إيضاحه يعتبر أيضاً مقبولاً وجائزاً، وعند رفض هذا النوع من الاستنباط سوف يصاب النظام الكامل للعلوم والحياة الإنسانية بالشلل".

ويقول أيضاً: "إن العلوم تشمل كلا العالمين: الحقيقي والعالم المتخيل وجوده. وكلما تقدم العلم ازداد فيه عنصر الاعتقاد، فبعض الأشياء في العلوم حقائق مشاهدة، ولكن الأشياء العليا تجريدات علمية يتم استنباطها بناءً على المشاهدة. والحقيقة أنه لا يمكن رفض مذهب الشك الكلي إطلاقاً، إلا أنه مع ذلك يصعب قبول التشكيك الكلي في نفس الوقت".

ص: 214

ويقول أيضاً: "إنه لا يمكن الادعاء بالقطعية (في النظريات أو الآراء) على النحو الذي سار عليه الفلاسفة المتسرعون بكثرة وبدون جدوى".

فمن هذه الأقوال المقتبسة مما كتب (رسل) نلاحظ أن فلسفته تعتمد على الاعتراف بأن العلوم متى تجاوزت منطقة المدركات الحسية فإنها لا تملك معارف يقينية، ولكن مع ذلك لا بد من قبول هذه المعارف التي يتوصل إليها بالاستنباط وإن لم تكن يقينية، لئلا تتعطل الحياة العلمية وتقف عن الإنجاز، إذ لا سبيل إلى اليقين فيها.

هذا هو مذهبه الفلسفي، فليس هو من الذين لا يقبلون إلا ما يدرك بالحس المباشر أو غير المباشر، وإنما يجعل ما يقبله من تفسيرات علمية مقبولاً بصفة ترجيحية، لضرورة العجز عن الوصول إلى اليقين.

فما الذي صده عن الإيمان بالله، والأدلةُ الاستنباطية الترجيحية عليه أقوى بكثير من التخيلات الأخرى التي يفسر بها الملحدون نشأة الكون وتطوره، ونشأة الحياة وتطورها؟

هنا تظهر عقدة الهوى والتعصب ضد الدين عند (رسل) وعند سائر الملحدين، وهذا التعصب لا تدعمه أدلة مرجحة لقضية الإلحاد، بل ليس للإلحاد في الحقيقة أي دليل غير مجرد سفسطات وتخيلات تقوم في رؤوس أصحابها فقط، إن التفسير البديل لقضية الإيمان بالخلق الرباني إنما هو فرضية الارتقاء وأزلية المادة، أما أزلية المادة فقضية مرفوضة علمياً، وأما الارتقاء فيعبر عنه السير "آرثر كيث" من علماء هذا العصر بقوله:"الارتقاء غير ثابت، ولا يمكن إثباته، ونحن نؤمن بهذه النظرية لأن البديل الوحيد هو (الإيمان) بالخلق المباشر، وهو أمر لا يمكن حتى التفكير فيه".

وإذا تساءلنا لماذا لا يمكن التفكير فيه؟ كان الجواب الوحيد: لأنه لا يسمح له هواه بأن يعترف بالله الخالق، وبأن يخضع له بعد ذلك خضوع العبادة والطاعة.

فتمرده وتمرد نظرائه تمرد المستكبرين المعاندين، لا ضلال الجاهلين الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق.

ص: 215

و (د. العظم) حمّالُ أثقال في مؤخرة ركب الملحدين، يردد ما يقولون، وينعق بما يهرفون.

ما أعجب سلطان الهوى، وسلطان التعصب، وسلطان الالتزام بالمبادئ الحزبية على الناس.

إن هذه المؤثرات التي تجنح عنهم عن سواء السبيل تسوقهم إلى الشقاء الأبدي والعذاب الأليم، وتجعلهم يؤثرون الضلال على الهدى، والظلمات على النور.

(3)

مع فرويد

إني لأعجب أبلغ العجب حينما أجد مثقفاً عربياً يندفع في تمجيد أمثال (فرويد) وهو يعلم أنه يهودي متعصب ليهوديته، وصديق حميم لهرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة.

أفلا يخطر على باله ولو من قبيل الشك والحذر، أن التحليلات النفسية التي قدمها (فرويد) تحت ستار الدراسة العلمية المتجردة، إنما صاغها على الوجه الذي قدمها به ليخدم القضية اليهودية الصهيونية في العالم؟.

أفلا يخطر على باله أن الإلحاد الذي أعلنه لم يكن أكثر من طرح نظري جدلي، ليفتن الناس به، وهو في حقيقة وجداني يهودي صميم شديد التعصب ليهوديته، يخدم عن طريق ستار العلم أغراض الصهيونية؟

وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون متهماً في كثير من تحليلاته وآرائه، وما على الباحثين إلا أن يعيدوا النظر ألف مرة في كل رأي علمي قدَّمه.

فهل يعقل أن يكون صهيوني متعصب ذو أهداف سياسية معلومة، وأغراض عالمية مرسومة، تكيد لجميع الشعوب غير اليهودية بلا استثناء، أميناً على العلم والمعرفة، صادقاً متجرداً في كل ما يقدم للناس، لا سيما في أمور نظرية بحتة لا يملك الباحثون فيها أدلة تجريبية تقدم نتائج يقينية؟

ص: 216

على أن هذا التصور الذي يتصوره أي عاقل من قبيل الشك والحذر، قد أثبته باحثون متتبعون لحياة (فرويد) ولآرائه في مجال الدراسات النفسية وفي غيرها.

ومن الذين تتبعوه: (د. صبري جرجس)(1) وقد وضع هذا الباحث أصابعه على كثير من آراء (فرويد) المقتبسة من جذور التراث اليهودي الصهيوني، وأوضح في كثير من المناسبات ما يجعل كثيراً من آرائه (نظرياته) محلاً للريبة أو الجزم بأنه إنما وضعها لخدمة أغراض اليهودية العالمية، ولم يضعها على أساس دراسات علمية متجردة، ثم حملت الدعايات اليهودية العالمية آراءه (نظرياته) وروجت لها في جميع الأوساط العلمية والثقافية. ثم وضع اليهود كل ثقلهم الكيدي لجعلها معارف علمية تدرس في الجامعات العالمية، على أنها فتح في ميادين العلم، وذلك ضمن الخطط اليهودية المرسومة ضد شعوب العالم، ولمصلحة الشعب اليهودي فقط. ثم رفعت وسائل الإعلام اليهودية العالمية (فرويد) إلى منزلة غير عادية، وحمله ملاحدة الشعوب غير اليهودية على رؤوسهم، وداروا به في الآفاق تمجيداً وإكباراً.

مع العلم بأن الإلحاد الذي أعلنه (فرويد) لم يكن إلا خطة سياسية أخفى بها أهدافه اليهودية الصهيونية. كما فعل اليهود بنظرية (داروين) ، وكما فعل (دوركهايم) في بحوثه العلمية التي قدَّمها باسم البحث العلمي وتحت ستاره. ليخفي أغراضه اليهودية الخاضعة لخطط مرسومة من قبل القيادات اليهودية السرية في العالم.

ومن تتبعات (د. صبري جرجس) اقتبس معظم الدراسات التالية عن (فرويد) :

يقول (فرويد) عن نفسه: "ولدت في 6 مايو 1856م في مدينة (فريبورج) بمقاطعة (مورافيا) بجمهورية تشيكوسلوفاكيا الحالية، وقد كان والداي يهوديين، وظللت يهودياً أنا نفسي".

ويعلق الكاتب على قوله: "وظللت يهودياً أنا نفسي" بأن في قوله هذا إيماءً

(1) في كتابه: "التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي".

ص: 217

واضحاً بأنه لم يتخل يوماً عن يهوديته، على الرغم من إعلانه للإلحاد لأن إلحاده هذا لم يكن إلا إلحاداً ذهنياً، لم يصل قط إلى وجدانه، ولم يغير شيئاً من محتويات ذلك الوجدان واتجاهاته.

ونقل الكاتب عن (شويزي) - وهي محللة من خاصة (فرويد) وذات معرفة به وصلة وثيقة - أن إلحاد (فرويد) لم يكن إلا إلحاداً زائفاً، لأنه تركه بعد ذلك متشبثاً باليهودية الصهيونية، وفياً لها، سائراً في طريقها، منفذاً لمخططاتها.

وبدهي أن ندرك أمام هذا أن إلحاده المزيف إنما هو عملية من عمليات المخادعة اليهودية، لترويج مصنوعات الفكرية في أسواق معاهد العلم والثقافة، وأنديتها، ونشراتها ومؤلفاتها وسائر وسائل إعلامها وهذه المصنوعات الفكرية تحمل في طياتها ألغام نسف الحقائق الفكرية الأصيلة الثابتة لدى الشعوب، بغية خدمة المخططات اليهودية العالمية.

وقد انخدعت بمكيدته مدارس كثيرة من مدارس التحليل النفسي، وزعمته باحثاً حيادياً، ومكتشفاً مبدعاً في مجال دراساته التي قدمها، وكان للعصابة اليهودية التي انتمت إلى مدرسته أثر عظيم في الترويج لأفكاره وآرائه. وكان من ورائها أجهزة الإعلام اليهودية المنبثة في العالم.

ويؤكد الكاتب المتتبع فيقول: "وليس في حياة (فرويد) ما يومئ بأنه قد تخلى يوماً عن يهوديته، بل إن فيها ما يؤكد تمسكه بها، واستغراقه فيها إلى درجة غير مألوفة".

ثم عقد المشابهة بين إلحاده وإلحاد (بن غوريون) وغيرهما من اليهود الذين يعلنون عن إلحادهم، وذكر أنه مثل إلحاد فرويد في ذاته، ومن خصائصه أنه لا يرى حرجاً أو تناقضاً في الجمع بين إنكار الله وبين الإيمان بدعوة دينية عنصرية متعصبة تستند إلى كتاب مقدس.

ثم فرق الكاتب بين (بن غوريون) و (فرويد)، فقال: "ولعل الفارق بينهما أن (بن غوريون) أعلن عن إلحاده، ثم اتجه في الوقت نفسه إلى العمل السافر من

ص: 218

أجل الدعوة العنصرية المتعصبة، بينما جعل (فرويد) من إلحاده قناعاً يحاول أن يخفي وراءه الوجه القبيح لهذه الدعوة".

وذكر الكاتب: أن (فرويد) كان يعتز جداً بيهوديته، وكان على معرفة متضلعة بالحياة اليهودية، وبالجوانب العقائدية لها، وبالطقوس الخاصة بها، وكان يرجع إلى التوراة ويقرؤها ويعجب بما فيها من فكر وفلسفة، وهذا على خلاف ما أعلنه من إلحاد مزيف.

ألا فليعلم (د. العظم) وسائر ملحدي العرب وغير العرب الذين يتنكرون لدينهم أمتهم هذه الحقائق عن (فرويد) وأمثاله قبل أن يتبعوهم.

وقصة التظاهر بالإلحاد من قبل المضللين اليهود وغيرهم قصة متكررة معروفة ومدروسة، وهي خطة من خطط المكر بأبناء الأمم الأخرى.

ففي الوقت الذي يكون فيه اليهودي متعصباً شديد التعصب لدينه، شديد الإيمان به، والثقة بتعاليمه، يرى من وسائل خدمة دينه وخدمة الشعب اليهودي، وخدمة أهدافه السياسية، أن يتظاهر بالإلحاد وإنكار الله، وبعدم تمسكه بالدين، ثم يقدم في أوساط أبناء الأمم الأخرى أفكاراً ومذاهب وعقائد مناقضة لما في الدين، ويزينها بزخرف من الصياغة النظرية، ويُلبسها أثواب البحث العلمي المتجرد، لتفتتن بها الأجيال الناشئة، وتتلقفها دون أن تشعر بالحذر من أغراض صاحبها، لأن صاحبها لا ينتمي فكريا ًكما أعلن إلى أي دين حتى يتعصب له ويعمل من أجله.

وهكذا تنطلي الخديعة، ويدخل المكر على أبناء الأمم، فيتركون أديانهم بحماسة، ويقاومونها بشدة، ويحملون آراء المضلل على رؤوسهم، على أنها حقائق علمية لا تقبل النقض ولا المعارضة، ويُضفُون عليها من القدسية العلمية ثوب إجلال وإكبار، ويروجون لها في أسواق العلم، وأندية الثقافة، وأوكار الأحزاب المتصلة بواضعي الخديعة والمخططين لها، ويكونون جنوداً صادقين في خدمة أفكار المضلل وآرائه، مع العلم بأنه هو غير صادق فيها، وإنما اتخذها وسيلة لخدمة غاية أخرى قد وضع عليها قناعاً كثيفاً، ليستُرها عن جنوده وأتباعه، ومروجي آرائه، ومنفذي مخططاته وهم لا يعلمون، أو هم يعلمون ولكنهم مستأجرون.

ص: 219

(4)

نشأ (فرويد) نشأ يهودية مغلقة، تلقى فيها كل سمات الناشئ اليهودي، في أسرة شديدة التمسك بيهوديتها.

يقول (د. جرجس) : "وإذا شئنا في هذا الصدد الاستعارة من الفكر الفرويدي نفسه، وبالتحديد ما أكده من أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل في صياغة شخصيته فيما بعد، لكان جلياً أن المؤثرات الصهيونية التي أحاطت بفرويد منذ نشأته، وأحاطت بأسرته لعدة قرون من قبل أن يولد، صبغت شخصيته وفكره على نحو لم يستطع إخفاءه دائماً".

وقد لا يهمنا تطبيق آرائه ونظرياته عليه كما يقول الكاتب، لكن حياته في الواقع قد كانت فعلاً مشحونة بالشعور بالذاتية اليهودية، ذات السمات المعروفة في عامة اليهود.

يقرر الكاتب المتتبع أن يهودية (فرويد) قد كانت ممتدة إلى الجوانب الثقافية والوجدانية في حياته كلها، ففضلاً عن علاقاته المهنية والشخصية الوثيقة، التي كادت أن تكون مقصورة على أفراد من اليهود، فقد كان أيضاً على معرفة متضلعة بالحياة وبالجوانب العقائدية وبالطقوس اليهودية، كما كان على استيعاب شامل للتاريخ والأدب اليهودي، ولفلسفة اليهود وعاداتهم ونكاتهم وأقوالهم المأثورة، وأن (فرويد) على الرغم من مجاهرته بعدم الإيمان قد كان يهودياً في أعماق وجدانه، وهذا ما جعله شديد الحساسية لأية بادرة يشتبه في اتجاهها المضاد لليهود، وكانت استجابته لجميع هذه المواقف عنيفة أشد العنف، وعلى الرغم من أنه لم يشاهد في حياته أي اضطهاد من أجل يهوديته، إذ ترقى في الدراسة والوظيفة حتى حصل على منصب أستاذ مساعد في الجامعة، إلا أنه كان يشعر بالاضطهاد في داخل نفسه من أجل يهوديته، ولذلك كان ينطوي على نفسه وداخل دائرة من أصدقائه، وكلهم من اليهود، إذ إنه ما كان ليأنس إلى صديق أو يطمئن إليه إلا أن يكون يهودياً.

وكان انتماؤه ليهوديته لا للبلاد التي عاش فيها حياته، وهذا ما صرَّح به هو

ص: 220

عن نفسه، فقد قال ذات مرة:"إنه يهودي، وليس نمساوياً أو ألمانياً". كذا نقل عنه (جونز) مؤرخ سيرته.

وذكر اليهودي (ماكس جراف) أنه كثيراً ما كان يزور (فرويد) ويدخل معه في نقاش حول ما أسماه "المسألة اليهودية"، فكان يلاحظ دائماً اعتزاز (فرويد) بيهوديته، وفخره بانتسابه إلى الشعب اليهودي، الذي قدم التوراة إلى العالم.

وتساءل (ماكس جراف) ذات مرة عما إذا كان من الخير أن يوجه اليهود أبناءهم إلى اعتناق المسيحية، إذا اقتضى الأمر ذلك، فإذا بفرويد يعترض بشدة قائلاً:"إذا لم تنشيء ابنك على أنه يهودي، فسوف تحرمه من مصدر طاقة لا يمكن أن يعوض بشيء آخر، إن عليه كيهودي أن يكافح، ومن واجبك أن تنمي فيه نفسه كل الطاقة اللازمة لذلك الكفاح، فلا تحرمه من هذه الميزة".

قال الكاتب المتتبع: "وقد كرر (فرويد) بأن اليهودية مصدر للطاقة في كثير مما كتب.

ويهودية فرويد الوجدانية والعصبية هي التي جعلت البطانة الأولى من مشايعيه كلها من اليهود، ولما اتسع نطاق التحليل وانتشرت دائرة الملتفين حوله ظل معظم المقبلين عليه من اليهود أيضاً".

ألا فليعلم ملاحدة العرب أنهم يشايعون بإلحادهم اليهودية العالمية المعادية لهم ولأمته، ويجندون أنفسهم في صفوف الأعداء.

(5)

كما كان (فرويد) يهودياً صهيونياً في مشاعره ووجدانه، وصديقاً لهرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة (1) ، فقد كان عضواً في بعض المنظمات الصهيونية العاملة.

(1) وكان (فرويد) يولي (تيودور هرتزل) الاحترام والتقدير، وقد أرسل إليه أحد كتبه مع عبارة (إهداء شخصي) عليه.

ص: 221

فمن الحقائق المعروفة أنه قد انضم إلى جمعية (بناي برث) الصهيونية، أي: جمعية أبناء العهد، وكان انضمامه إليها في عام (1895م) وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وظل يواظب على حضور اجتماعات هذه الجمعية الصهيونية، التي كانت تعقد يوم الثلاثاء كل أسبوعين طوال عدة سنوات، وفي هذه الجمعية ألقى (فرويد) أولى محاضراته عن تفسير الأحلام، وكانت مساهمته في نشاط هذه الجمعية أحد وجوه النشاط القليلة جداً، التي كان يبيح لنفسه المساهمة فيها، لأنه كان يضن بوقته أن ينفقه في نشاط لا يلح عليه وجدانه أن يساهم فيه.

ومن المعروف أن جمعية (بناي برث) لا تقبل بين أعضائها غير اليهود، وليست على غرار الجمعيات اليهودية الأخرى كالماسونية، وهدف هذه الجمعية في الظاهر رعاية المصالح اليهودية الحضارية والثقافية والخيرية، أما هدفها الحقيقي فهو العمل في خدمة الصهيونية العالمية.

وقد أنشئت هذه الجمعية أول الأمر في أمريكا، ثم تكونت لها فروع في كثير من البلاد الأوروبية، وكان لها نشاط قوي وملحوظ تغلغلت عن طريقه في صميم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد التي أُنشئت فيها، لا سيما بريطانيا وأمريكا. وسارت في سبيل تحقيق المخطط الصهيوني عن طريق التحالف مع رأس المال اليهودي، للسيطرة على أجهزة الإعلام، وفي مقدمتها الصحافة ودور النشر، وللقضاء على كل من تسول له نفسه أن يتصدى لها ويكشف عن خبائثها.

وتنفيذاً لهذه المهمة عملت الجمعية على إسكات الألسن، وتحطيم الأقلام، وهدم الجهود التي كانت تحاول الكشف عن المخططات اليهودية الصهيونية.

وصرح رئيس وفد هذه الجمعية الأمريكي، في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد بمدينة "بال" بسويسرا في عام (1897م) بقوله:"علينا أن ننشر روح الثورة بين العمال، وهم الذين سندفع بهم إلى خطوط دفاع العدو، موقنين بأنه لا نهاية لرغباتهم، ونحن بأمس الحاجة إلى تذمرهم، لأنه السبيل إلى تخريب المدنية المسيحية، والوصول سريعاً إلى نشر الفوضى فيها. ولسوف يحين الوقت سريعاً الذي يطلب فيه المسيحيون أنفُسهم إلى اليهود أن يتسلموا السلطة".

ص: 222

هذا ما ذكره الكاتب المتتبع.

ومنه يتضح لنا أن (فرويد) - وهو واحد من أعضاء هذه الجمعية الصهيونية - لا بد أن يكون مسخراً لخدمة الأهداف الصهيونية عن طريق نشاطه العلمي، كما غدا معروفاً تماماً في كل النشاطات التي يقوم بها أصحاب الغايات الخاصة، إنهم يسخرون ما يستطيعون من نشاطهم لتحقيق غاياتهم، والحياد العلمي المزعوم أصبح مشكوكاً فيه شكاً يرجح جانب الاتهام دائماً، فلا ثقة بالحياد العلمي المدعى من قبل ذوي العصبيات الخاصة، لا سيما أصحاب المكايد من اليهود، لقد غدا معروفاً ومكشوفاً أنهم يصوغون نظريات كاملة، ويلبسونها أثواب البحث العلمي الحيادي المتجرد، كذباً وزوراً، وغرضهم منها خدمة غاياتهم القريبة أو البعيدة، علماً بأن هذه المذاهب أو النظريات التي وضعوها لا أساس لها من الصحة بصيغتها العامة، ولكن قد يكون فيها عناصر صحيحة متفرقة، ومع هذه العناصر الصحيحة عناصر أخرى فاسدة. تجعل النظرية فاسدة بوجهها العام، وتكون العناصر الصحيحة فيها هي الطعم الذي يقدم فيها لقبولها جميعاً، وبقبولها جميعاً يتحقق المطلوب من المكيدة، ويقع الصيد فريسة صياده".

ونستطيع أن نقول بيقين: إن كل نظرية علمية تنتهي إلى إقرار الإلحاد بالله، وبرسالاته، مذهباً اعتقادياً، فهي نظرية موجهة لغايات خاصة، مهما وُجد في عناصرها الأولى من أمور صحيحة، وعند التتبع البصير الواعي تنكشف العناصر المزيفة الداخلية التي أفسدت الصيغة العامة للنظرية، وجعلت النتائج التي بُنيت عليها نتائج باطلة.

وبما أن (فرويد) منفذ خطة يهودية صهيونية، وعضو من أعضاء الصهيونية العالمية، كان من الطبيعي أن تمجده الحركات الصهيونية، وتعمل على نشر آرائه وما تسميه بنظرياته، والتبشير بها بين الأميين (1) ، فهذا العمل إحدى مراحل خطتها.

(1) المقصود بالأميين سائر الشعوب والأمم الأخرى غير اليهود.

ص: 223

أما الترويج لأفكاره فقد شهدنا آثاره بشكل منقطع النظير، حتى أمست آراؤه وأفكاره على ألسنة معظم المثقفين، وصارت متداولة تداول الحقائق، وفتن بها الكثيرون، بتأثير الدعاية اليهودية العالمية.

وأما تمجيده وتكريمه بشكل خاص فنجده فيما فعلته جمعية (بناي برث) الصهيونية، إذ أقامت حفلاً له بمناسبة بلوغه من العمر سبعين سنة، ولم يحضر فرويد هذا الحفل، ولكن أناب عنه في حضوره طبيبه الخاص البروفسور (لدفيج براون) الذي ألقى كلمة فرويد فيه، وقد جاء في كلمة (فرويد) ما يلي:

"

إن كونكم يهوداً لأمر يوافقني كل الموافقة، لأنني أنا نفسي يهودي، فقد بدا لي دائماً أن إنكار هذه الحقيقة ليس أمراً غير خليق بصاحبه فحسب، بل هو عمل فيه حماقة إيجابية، إنه لتربطني باليهودية أمور كثيرة، تجعل إغراء اليهودية واليهود أمراً لا سبيل إلى مقاومته، قوي انفعالية غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تعذر التعبير عنها في كلمات، بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية

وهكذا وجدت نفسي واحداً منكم أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية، واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثت الأصدقاء القليلين الذين تبقَّوا لي على الانضمام إليكم" (1) .

هذا هو الصهيوني (فرويد) إذ كان عمره (70) سنة.

وبالإضافة إلى كونه عضواً في جمعية (بناي برث) الصهيونية كما بينَّا كان عضواً فخرياً في منظمة (كاديما) وهي منظمة صهيونية معروفة، وإذ اكتفى بالعضوية الفخرية بالنسبة إلى هذه المنظمة فقد دفع أحد أبنائه ليكون عضواً عاملاً فيها.

ومعلوم أن الحركة الصهيونية حركة ذات طابع ديني وقومي مفرط في التعصب ضد الأمم والأديان الأخرى، وما كان (فرويد) ليعمل فيها ويدفع إلى العمل فيها أحد أبنائه لو لم يكن مؤمناً بمبادئها، ومن مبادئها ما أعلنه (تيودور هرتزل) لدى

(1) أخذا من تتبعات دكتور صبر جرجس في كتابه: "التراث اليهودي والفكر الفرويدي".

ص: 224

افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول بقوله: إننا هنا لنضع حجر الأساس لبناء المأوى الذي يأوي الشعب اليهودي إليه

إن الصهيونية هي عودة اليهود إلى اليهودية قبل عودتهم إلى الأرض اليهودية. إن الصهيونية هي القومية الجديدة للشعب اليهودي ".

أفلا يدل هذا دلالة قاطعة على أن تظاهر (فرويد) بالإلحاد وعدم إيمانه بأي دين قد كان عملية من عمليات المكر والمخادعة، ليضم إلى فكرة الإلحاد أنصاراً من الأمم غير اليهودية، وبذلك يجندون أنفسهم في الكتائب المنفذة للمخططات اليهودية العالمية.

يقول الكاتب المتتبع لفرويد: "فإذا كان الأمر كذلك فقد كان شأنه فيه - كشأنه في كل المناسبات الصهيونية العنصرية التي ناصرها فعلاً - الحذرَ والبعد عن الأضواء، حتى لا يثير الريبة فيما أحيط به من هالة الموضوعية تفكيراً، والإلحاد عقيدة، والحقيقة العلمية هدفاً

وهكذا كان (فرويد) برغم كل ما تظاهر به من تفكير حر، وبرغم كل ما أعلن من إلحاد، غارقاً في اليهودية، بل اليهودية الصهيونية إلى أعمق الأعماق، وهكذا وجد "فرويد" نفسه في قمة شعوره بالذاتية اليهودية الصهيونية، وقمة توحده مع تلك الذاتية، مسوقاً في الطريق العلمي إلى التحليل النفسي، ومسوقاً في الطريق السياسي إلى العمل الصهيوني

".

(6)

استغل (فرويد) وتلاميذ مدرسته اليهود طريق التحليل النفسي لخدمة اليهودية العالمية، والحركة الصهيونية.

من ذلك ما استغلوه في موضوع معاداة السامية، الفكرة التي حمل اليهود رايتها في العالم الغربي، لإسكات كل لسان يمكن أن يتحرك في انتقاد اليهود، ولإيقاف كل مقاومة تتوجه لصد مكايدهم وتحركاتهم المريبة، في السياسة، أو في الاقتصاد، أو في الإعلام، أو في مجالات العلم والثقافة، أو في غير ذلك من مجالات.

ص: 225

ومما يثير العجب في خطة العمل اليهودية أن قادة الصهيونية قد كانت لهم رغبة بتحريض الأمم الأخرى على معاداة السامية (أي: معاداة اليهود) لتستفيد الحركة الصهيونية من ذلك، حتى قال (هرتزل) مؤسس الصهيونية الحديثة:"إن الصهيونية أحوج ما تكون إلى مبدأ معاداة السامية لكي تنتعش ".

وغدت قصة معاداة السامية هي السلاح الدعائي الذي يحمله اليهود في العالم الغربي، لاتهام كل من يعارض يهودياً ولو كان اليهودي هو المجرم الجاني بأنه معادٍ للسامية، باعتبار أن اليهود ساميون منبثون في شعوب غير سامية، وبذلك يتحمل المظلوم الغربي ظلامته في نفسه، خشية أن تلصق به تهمة التفرقة العنصرية والمعاداة على أساس عرقي.

وفي ظل هذا السلاح الدعائي نشط اليهود نشاطاً كبيراً في اغتنام خيرات البلاد التي نزلوا فهيا، وفي صنع المكايد الكثيرة دون أن تجرؤ الأمم الأخرى على مقاومتهم، خشية أن تلصق بها تهمة معاداة السامية، واليهود وحدهم من دون سائر الساميين هم الذين يستفيدون من هذا السلاح، كأنهم وحدهم هم الساميون في العالم، أما سائر الساميين فلا بأس أن يحرضِّ اليهود الدول على استغلالهم واستعمارهم ونهب خيراتهم.

أما دور (فرويد) وتلاميذ مدرسته في هذا المجال، فقد كان يعتمد على تسخير مبدأ التحليل النفسي لتزييف الواقع والحقيقة، وتمجيد اليهود وخدمة الصهيونية.

ولفرويد أقوال صريحة وواضحة في هذا المجال، وله تحليلات يزينها وفق أهوائه الخاصة، وقد ذكرها في كتابه "موسى والتوحيد".

وقد ذكر (فرويد) في تحليلاته أن أسباب كراهية الأمم لليهود كثيرة، واعتبر أنها ترجع إلى صنفين:

* الصنف الأول:

ظاهر وليس بعميق، وذكر من هذا الصنف سببين:

الأول: كون اليهود غرباء من الأوطان التي يقيمون فيها.

ص: 226

الثاني: كون اليهود أقلية، لأن الشعور الجماعي كي يكون كاملاً فيما يُقرر يقتضي بتوجيه العداء نحو الأقلية.

* الصنف الثاني:

ما أسماه (فرويد) بالأسباب العميقة، وزعم أنها ترجع إلى الماضي السحيق، وأنها منبعثة من اللاشعور، وهي في رأيه تتلخص فيما يلي:

1-

غير الشعوب الأخرى من اليهود، لأنهم آثرُهم عند الله، بوصفهم أكبر أبناء الله.

2-

تمسك اليهود بعادة الختان.

3-

أن الشعوب غير اليهودية لما تركت وثنياتها الأولى تحت قوة الضغط حقدت على أديانها الجديدة في مستوى اللاشعور منها، فأسقطت حقدها على اليهود، لأنها لا تستطيع أن تكره دينها الجديد.

هذه هي التحليلات النفسية التي أرجع إليها (فرويد) كراهية الأمم غير اليهودية لليهود.

وفي اعتقادي أن أي عاقل لا يملك نفسه عن ضحكات ساخرات من هذا التحليل، ومن هذه الأسباب التي ذكرها.

أما زعمه أن من أسباب كراهية الأمم لليهود كونهم غرباء عن الأوطان التي يقيمون فيها، فهو مردود من وجهين:

الوجه الأول: أننا نجدهم مكروهين ولو كانوا هم الأصلاء لا الغرباء.

الوجه الثاني: أننا نجد كثيراً من الغرباء في الشعوب محبوبين محترمين غير مكروهين.

فليست الغربة إذن من أسباب كراهية الأمم لهم، إلا أن ينضم إليها شيء آخرُ من اليهود أنفسهم، كالاستغلال والأنانية وعقدة الاستعلاء وحقدهم هم على الأمم.

وأما زعمه أن من أسباب كراهية الأمم لليهود كونهم أقلية، فهذا خلاف

ص: 227

الواقع تماماً، بل هو عكس الواقع تماماً، إذ الواقع أن العداء يتوجه من الأقلية إلى الأكثرية بدافع الحسد، وليس العكس.

فليست الأقلية من أسباب كراهية الأمم لهم، إلا أن ينضم إليها شيء آخرُ من الأقلية نفسها، كمكايد تكيدها، واستغلالات تستأثر بها، وعقدة استعلاء تفتخر بها.

فالكراهية سببها اليهود أنفسهم، وأعمالهم داخل الأمم التي يعيشون بينها.

وأما ما ذكره من الأسباب العميقة فشيء مضحك جداً جداً.

أما غيرة الشعوب الأخرى من اليهود لأنهم آثرهم عند الله بوصفهم أكبر أبنائه، فلا أحد يعترف لهم بهذه الميزة حتى يغار منهم، ولكن الحسد والغيرة من سمات اليهود منذ تاريخهم القديم.

وأما تمسك اليهود بعادة الختان فمع بالغ السخرية نقول: إن غير اليهود يختتنون أيضاً، والأمم الأخرى لا تكرههم لذلك.

وأما حقد الأمم على أديانها في مستوى اللاشعور، وإسقاط حقدها على اليهود، فتحليل خيالي خرافي لا نظير له إلا في مستشفى المجانين.

فهل يوجد سخف أكبر من هذا السخف الفرويدي باسم التحليل النفسي، لدعم اليهودية العالمية؟!!.

(7)

ثم إذا تجاوزنا كل ما سبق، ونظرنا إلى نظرية (فرويد) في التحليل النفسي نظرة موضوعية غير متحيزة، فإننا لا نجد فيها ما يبرر للناقد (د. العظم) أن يمجدها ويقول عنها: إنها من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية.

أما فكرة تحليل دوافع الأنفس إلى السلوك فهي فكرة إنسانية قديمة، وليست هي بحد ذاتها من مبتكرات (فرويد) إلا أن هذا الرجل قد أفرط في السبح الخيالي

ص: 228

في تحليل تصرفات الإنسان، إفراطاً حشد فيه أوهاماً وفرضيات أقرب ما تكون إلى التخريف المطلق منها إلى الدراسة العلمية الموضوعية.

بيد أنه باتجاهه نبه الباحثين النفسيين على البحث الموضوعي في مجال التحليلات النفسية، حتى تكونت مدارس التحليل النفسي في عالم العلم، وأصبحت مدرسة فرويد اليهودية في نظر العلماء بدائية متخلفة جداً. والسر في هذا أن فرويد كان مسخراً أساساً لمحاربة الأديان، وتهديم القيم الأخلاقية والاجتماعية، وقد فرضت عليه الخطة اليهودية العالمية أن يضع نظرية تتستر بالعلم لتحقيق هذه الغاية، فاستخدم التحليل النفسي طريقاً إلى ذلك، كما استخدم غيره من اليهود طرقاً أخرى تحت ستار البحث العلمي لتحقيق الغاية نفسها، وطبيعي أن تكون الدراسة العلمية الموجهة أساساً لإبطال حقيقة من الحقائق مُكرهة على أن تحمل في حقيبتها وعلى ظهرها أكداساً من التخيلات والأوهام والفروض التي لا سند لها من الواقع، ومُكره على أن تصوغ نظرية تجمع في لبناتها بعض الحقائق لإقامة بعض الزوايا، ثم تملأ سائر الثغرات بأوراق ملونة مصبوغة، تشبه في ظاهرها صورة لبن البناء وقواعده، وهي في حقيقتها وهم خداع تمزقه أية يد تمتد إليه بالفحص والبحث العلمي.

واقتبس هنا نقداً موضوعياً لمدرسة (فرويد) في التحليل النفسي، مما كتبه صديقنا الدكتور عبد الحميد الهاشمي، وهو نقد مؤلف من النقاط التالية:

1-

إن آراء (فرويد) هي أولاً وقبل كل شيء نظرية افتراضية وليست من الحقائق النفسية أو المبادئ العلمية التي أثبتتها التجارب، أو صدَّقتها الملاحظة العلمية.

فليس لآراء (فرويد) تلك الهالة التي يحاول بعض مناصريها أن يُلبسوها ثوب الحقائق العلمية، أو كما تحاول بعض الجهات العالمية أن تحيطها بالدعاية.

2-

تعتبر هذه النظرية امتداداً لفلسفة أفلاطونية، إلا أن أفلاطون كان يحاول أن يسير بالنفس الإنسانية نحو المثالية، أما (فرويد) فقد تشبث - كما يقول تلامذته - بالدافع الجنسي، ليظل هو الدافع والوسيلة والغاية.

ص: 229

والواقع أن الصحة النفسية إذ تسعى للإشباع الشرعي المعترف به فإنها تدعو إلى الضبط والاتزان، لأن الحقيقة الفسيولوجية والنفسية تؤكد أن الإشباع الفوضوي المطلق يزيدها تفتحاً، وتصبح الشغل الشاغل، ومن أجل هذا فالصحة النفسية في مناهجها التكوينية والوقائية والعلاجية دعت إلى التسامي والإبدال، بجانب دعوتها إلى الإشباع المشروع.

3-

لقد تأثر فرويد في آرائه بالحالات الشاذة المرضية التي كان يعالجها في مرضاه، ويكمن الخطأ العلمي في التعميم الذي أطلقه فرويد، إذ أخذ يفسر السلوك المتزن العادي لدى الأسوياء في ضوء ما عاينه من السلوك الشاذّ لدى المصابين.

وهذه نقطة أخذها عليه زملاؤه وتلامذته في العلاج النفسي، وانفصلوا بها عن جماعته ثم عارضوا نظريته بنظريات أقاموها وعرفوا بها.

4-

تأثره واضح بالأساطير اليونانية، كقصة أديبوس.

ويعلق علهيا (روبرت ودورث) بقوه: "ولو بحثت عن رأيي الشخصي في سيكولوجيا فرويد لكان علي أن أقول: إنني لا أؤمن بأن يكون مذهبه صحيحاً بأي معنى مطلق. ولا أن يوضع في مصاف النظريات العلمية الكبرى، التي تربط المعرفة الراهنة. فإنها بكائناتها وثناياها تبدو متخلفة أكثر منها ناظرة إلى الأمام".

وإذا علمنا أن البروفسور (ودورث) يعتبر من رواد علم النفس الحديث فيما بعد الحرب العالمية الأولى في كتبه الكثيرة عن علم النفس التجريبي، وعلم النفس الديناميكي. ورياسته لعلم النفس في لجنة البحث القومي الأمريكي، ولهيئة علماء النفس الأمريكيين. إذا علمنا ذلك أدركنا أن آراء فرويد تمثل في تطور الدراسات النفسية مرحلة بدائية متخلفة لا ينبغي الوقوف عندها في مجال علم النفس الحديث.

5-

إن نظرية الفرويد تعكس الحياة المتناقضة الشاذة للمجتمع الغربي (الأوروبي) بعد النهضة الصناعية المادية، وانتشار الاختلاط المطلق، وشيوع الإباحية بشتى أسمائها، نتيجة الترف والغرور الأوروبي، في عنوان العهد الاستعماري.

ص: 230

فكانت نظرية فرويد انعكاساً أو تبريراً للواقع الشاذ، وليست دراسة علمية دقيقة تنظر إلى المشكلة من جميع أسسها.

6-

والخطأ العلمي النفسي الكبير أن نظرية فرويد تحاول تفسير السلوك الإنساني بنظرة جانبية جزئية. وذلك حين يحاول فرويد أن يحدد السلوك الإنساني بدافع جنسي.

ولقد قام لمناهضة هذا التفسير الجانبي والمتحيز عدة علماء نفسيين لهم وزنهم العلمي حتى يومنا هذا غير من تقدم ذكرهم، ولعل أعظمهم في ذلك (وليم مكدوجل) الذي قام لمناهضة هذا التفسير الضيق والمتحيز، في كتابه "تخطيط علم النفس" سنة (1923م) ، وفيه يرد على كل من فرويد ويونج وكارل لتحديدهم دوافع السلوك البشري بدافع واحد أو اثنين.

أما مكدوجل فقد ذكر عدة دوافع سماها غرائز، وقد أوصلها بعد عدة تعديلات إلى عشرة غرائز أو تزيد. منها غريزة الأبوَّة في حماية الصغار، وغريزة المقاتلة مع انفعال الغضب وغريزة الهروب من الخطر مع انفعال مصحوب بالخوف، وغريزة حب الاستطلاع، وغريزة تقدير الذات مع الشعور بالتفوق، وغريزة البحث عن الطعام، وغريزة التجمع مع الشعور بالعزلة، وغيرها

7-

في آراء فرويد المتحيزة نحو التفسير الجنسي كدافع لكل سلوك يتجلى التفكير اليهودي، الذي اشتهر به اليهود منذ أيامهم الأولى، وفي اتهامهم لبعض أنبيائهم، وفي معاملتهم للأمم التي عاشوا معها، وهو تحيز مقصود ومخطط، خدمة للسياسة اليهودية العالمية بعيدة المدى.

فهل بعد هذا يسوغ لكاتب عربي أن يمجد آراء فرويد ونظريته، وأن يعتبرها كما ذكر (د. العظم) من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية، إلا أن يكون أجيراً ذليلاً وخادماً مطيعاً للصهيونية العالمية؟

*

*

*

ص: 231