الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول بأن الضمير فيه عائد إلى غير الله تعالى هو قول الجهمية ومن تبعهم على قولهم الباطل من علماء أهل السنة في المائة الثالثة فما بعدها. وقد ذهب إليه كثير من الأكابر المشهورين وأصحاب المصنفات الكثيرة في أنواع العلوم. وقانا الله وسائر المسلمين من اتباع زلاتهم. ولا يزال القول بمذهب الجهمية مستمرا إلى زماننا. وقد رأيت ذلك في بعض مؤلفات المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة. وذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه ألقى ذلك على الطلبة في بعض المعاهد الكبار في مدينة الرياض. ولما ذكر له بعض الطلبة قول أهل السنة أعرض عنه وأصر على قول الجهمية. عافانا الله وسائر المسلمين مما ابتلاه به.
وقد استعنت بالله تعالى وابتدأت في الكتابة فيما يتعلق بحديث الصورة. وسأذكر إن شاء الله تعالى قول أهل السنة فيه وأذكر أيضاً ما خالفه من أقوال أهل الكلام الباطل، والله المسئول أن يريني وإخواني المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل. والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فصل
قال عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر -وهم نفر من الملائكة جلوس- فاستمع إلى ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» وقد رواه الإمام
أحمد والبخاري ومسلم وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» كلهم من طريق عبد الرزاق.
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر - يعني عبد الملك بن عمرو العقدي- عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل خلق آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً» إسناده لا بأس به. وقد رواه ابن خزيمة في كتاب «التوحيد» والدارقطني في كتاب «الصفات» من طريق أبي عامر.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب «السنة» حدثنا أبي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً» قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» قال المروذي عن أحمد أنه قال في عبد الرحمن بن إسحاق. أما ما كتبنا من حديثه فصحيح.
قلت وعلى هذا فهذا الحديث صحيح. ويشهد له وللحديث الذي قبله ما تقدم من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود - يعني أبا داود الطيالسي - أخبرنا المثنى- وهو ابن سعيد الضبعي - عن قتادة عن أبي أيوب - وهو يحيى بن مالك المراغي - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته» إسناده صحيح على شرط مسلم. ورواه أحمد أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا المثنى بن سعيد وبهز قالا
حدثنا همام عن قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه - قال ابن مهدي- فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته» إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وقد رواه مسلم وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» عن نصر بن علي الجهضمي عن أبيه عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه مسلم أيضاً عن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» .
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» ورواه الحميدي عن سفيان بمثله، وقد رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد ولم يذكر من لفظه سوى قوله:«إذا ضرب أحدكم» ورواه أبو بكر الآجري في كتاب «الشريعة» من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل رواية أحمد. وفي رواية له بهذا الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقبحوا الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته» .
وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا ابن عجلان قال حدثني سعيد - يعني المقبري- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام على صورته» رجاله رجال الصحيح سوى ابن عجلان وقد روى
له مسلم في المتابعات ووثقه ابن عيينة وأحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والعجلي. ولحديثه هذا شواهد مما تقدم وبهذا يرتقي إلى درجة الصحيح. وقد رواه ابن أبي عاصم وعبد الله بن الإمام أحمد في كتابي «السنة» لهما وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» والدارقطني في كتاب «الصفات» وأبو بكر الآجري في كتاب «الشريعة» والبيهقي في كتاب «الأسماء والصفات» كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عجلان. ورواه ابن أبي عاصم وابن خزيمة أيضاً من طريق الليث عن ابن عجلان.
وقد روي بإسناد ضعيف عن الإمام مالك أنه أنكر هذا الحديث مع اشتهاره وكثرة من رواه من التابعين عن أبي هريرة رضي الله عنه ومن رواه من أتباع التابعين ومن بعدهم من الأئمة قال أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير حدثنا مقدام بن داود (1) قال حدثنا أبو زيد أحمد بن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال سألت مالكاً عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: «إن الله خلق آدم على صورته» . فأنكر ذلك مالك إنكاراً شديداً ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال من هم فقيل محمد بن عجلان عن أبي الزناد. فقال لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال إنه لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات وكان صاحب عمال يتبعهم. قال العقيلي وكان مالك بن أنس لا يرضى أبا الزناد.
قال الذهبي في الميزان في ترجمة أبي الزناد بعد إيراده لما ذكره العقيلي عن مالك من إنكاره لحديث «إن الله خلق آدم على صورته» وكلامه في أبي الزناد وابن عجلان، قلت الحديث في أن الله خلق آدم على صورته لم ينفرد به ابن عجلان فقد رواه همام عن قتادة عن أبي أيوب
(1) مقدام بن داود قد تكلم فيه بعض الأئمة.
عن أبي هريرة، ورواه شعيب وابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ورواه معمر عن همام عن أبي هريرة، ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة. ورواه شعيب أيضاً وغيره عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة، ورواه جماعة عن ابن لهيعة عن الأعرج وأبي يونس عن أبي هريرة، ورواه جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله طرق أخر. وهو مخرج في الصحاح. وأبو الزناد فعمدة في الدين وابن عجلان صدوق من علماء المدينة وأجلائهم ومفتيهم. وغيره أحفظ منه. أما معنى حديث الصورة فنرد علمه إلى الله ورسوله ونسكت كما سكت السلف مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء انتهى.
وذكر الذهبي أيضاً في ترجمة محمد بن عجلان قول مالك لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً، وذلك لما بلغه أن ابن عجلان حدث بحديث «خلق الله آدم على صورته» قال الذهبي ولابن عجلان فيه متابعون وخرج في الصحيح انتهى.
ومن المستبعد أن يكون مالك لا يرضى أبا الزناد وهو قد أكثر الرواية عنه في الموطأ وأما ما روي عنه من إنكار الحديث الذي فيه «إن الله خلق آدم على صورته» ونهيه عن التحديث به فعلى تقدير ثبوت ذلك عنه فهو محمول على ما قيل عنه أنه كان يكره التحديث بأحاديث الصفات ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الباب التاسع والأربعين من «كتاب العلم» من «فتح الباري» .
وأيضاً فلعل مالكاً رحمه الله تعالى كان يخشى أن يكون في التحديث بحديث الصورة فتنة لبعض الناس فيشبهون الله بخلقه أو يتأولون الحديث بما يوافق أقوال الجهمية وذلك من التحريف لكلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم والإلحاد فيه، وقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:«ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» ومن أعظم الفتن صرف النصوص الواردة في الصفات عن ظاهرها وحملها على ما يوافق أقوال المعطلة. وقد وقع في هذا الباب كثير من الأكابر المرموقين وأهل المصنفات الكبار، وهو معدود من زلاتهم التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاف منها على أمته والتي قال فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنها تهدم الإسلام، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أخاف على أمتي ثلاثاً زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر» .
ومنها ما رواه أبو نعيم في الحلية عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أخاف على أمتي من بعدي ثلاثة أعمال قالوا وما هي يا رسول الله قال: زلة عالم وحكم جائر وهوى متبع» .
ومنها ما رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم» .
ومنها ما رواه الطبراني في الصغير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أخاف عليكم ثلاثاً وهي كائنات زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تفتح عليكم» .
ومنها ما رواه الإمام أحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «إنما أخشى عليكم زلة عالم وجدال المنافق بالقرآن» .