المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أبو عبد الله: حدثوا بها فقد تلقتها العلماء بالقبول. وقال - عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن - جـ ١

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: أبو عبد الله: حدثوا بها فقد تلقتها العلماء بالقبول. وقال

أبو عبد الله: حدثوا بها فقد تلقتها العلماء بالقبول. وقال أبو عبد الله تسلم الأخبار كما جاءت.

قال الآجري: سمعت أبا عبد الله الزبيري وقد سئل عن معنى هذا الحديث، فذكر مثل ما قيل فيه ثم قال أبو عبد الله نؤمن بهذه الأخبار التي جاءت كما جاءت ونؤمن بها إيماناً ولا نقول، كيف؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث انتهي بنا فنقول في ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت انتهى كلام الآجري رحمه الله تعالى.

وقد ذكرت في هذا الوجه من أقوال أكابر العلماء المتقدمين ما ينبغي العمل به في آيات الصفات وأحاديث الصفات وهو الإيمان بها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وفيما ذكرته عنهم كفاية لمن كان حريصاً على اتباع السلف الصالح. والأخذ بما كانوا عليه في باب الأسماء والصفات.

‌فصل

ومن زلات ابن خزيمة أيضاً نفرته من إثبات خلق آدم على صورة الرحمن وتأويله لحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن» .

قال ابن خزيمة وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء عالم ممن لم يتحر العلم وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات فغلطوا في هذا غلطاً بيناً وقالوا مقالة شنيعة مضاهية لقول المشبهة أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم.

قال: والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من جهة النقل

ص: 37

موصولاً فإن في الخبر عللاً ثلاثاً - ثم ذكر العلل وقد تقدم ذكرها والجواب عنها فليراجع (1) - قال فإن صح هذا الخبر مسنداً. بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح. وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه. وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قول الله عز وجل:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه إذ الله تولى خلقه، وكذلك قوله عز وجل:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود: 64]، فأضاف الله الناقة إلى نفسه وقال:{تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [هود: 64]، وقال:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]، وقال:{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [الأعراف: 128]، فأضاف الله الأرض إلى نفسه إذ الله تولى خلقها وبسطها، وقال:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، فأضاف الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر الناس عليها، فما أضاف الله إلى نفسه على مضافين إحداهما (2) إضافة الذات والأخرى (3) إضافة الخلق. فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا.

قال فمعنى - الخبر إن صح من طريق النقل مسنداً - فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11]، والدليل على صحة هذا التأويل أن أبا موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا المغيرة -وهو ابن عبد الرحمن- عن أبي

(1) ص21 - 37.

(2)

إحداهما، والأخرى: كذا هو في «كتاب التوحيد» ولعله خطأ مطبعي، وصوابه، أحدهما، والآخر.

(3)

إحداهما، والأخرى: كذا هو في «كتاب التوحيد» ولعله خطأ مطبعي، وصوابه، أحدهما، والآخر.

ص: 38

الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً» حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث، وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً فلما خلقه، قال: اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاسمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» .

قال ابن خزيمة فصورة آدم هي ستون ذراعاً التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم عليه السلام خلق عليها لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم فظن أن قوله على صورته صورة الرحمن صفة من صفات ذاته جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار قد نزه نفسه وقدس عن صفات المخلوقين فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وهو كما وصف نفسه في كتابه على لسان نبيه لا كصفات المخلوقين من الحيوان ولا من الموتان كما شبه الجهمية معبودهم بالموتان ولا كما شبه الغالية من الروافض معبودهم ببني آدم، قبح الله هذين القولين وقائلهما.

والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال أما حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحيح ثابت، وقد صححه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وكفى بهذين الإمامين قدوة في تصحيح

ص: 39

الحديث والحكم بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صححه أيضاً شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية والحافظ الذهبي. وقال ابن حجر رجاله ثقات. وكفى بهؤلاء الحفاظ قدوة في تصحيح الحديث، وفي تصحيح هؤلاء الأئمة النقاد له أبلغ رد على من علله بالعلل الواهية.

الوجه الثاني: أن يقال إن خلق آدم على صورة الرحمن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أربعة أحاديث تقدم ذكرها في أول الكتاب (1)، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته» وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه، والضمير في قوله «على صورته» عائد إلى الله تعالى كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة.

وثانيها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن» وهذا نص صريح في أن الله تعالى خلق آدم على صورته. وهذا النص لا يحتمل التأويل، ومن تأوله فقد أبعد النجعة وتكلف غاية التكلف.

وثالثها: حديث أبي يونس الدوسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإنما صورة الإنسان على صورة وجه الرحمن» وهذا نص صريح في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورة وجهه الذي هو صفة من صفات ذاته. وهذا النص لا يحتمل التأويل وفيه أبلغ رد على ابن خزيمة وعلى كل من تأول الحديث بتأويلات الجهمية المعطلة.

ورابعها: حديث أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه

(1) ص 6 - 8 و20 و26 - 27.

ص: 40

فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه» وهذا نص صريح في خلق آدم على صورة وجه الله تعالى، وهذا النص لا يحتمل التأويل، وفي هذه الأحاديث الأربعة أبلغ رد على من تأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما على غير تأويله ونفى إضافة الصورة إلى الرحمن وزعم أنها من إضافة الخلق والتصوير إلى الله تعالى.

الوجه الثالث: أن أقول قد ذكرت قريباً قول أهل السنة والجماعة في أحاديث الصفات أنه يجب أن تقابل بالقبول والتسليم وأن تمر كما جاءت من غير تفسير مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، ولا يجوز رد شيء من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات وفي غير الصفات ولا النفرة مما هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات التي يستوحش منها بعض الناس ولا تقبلها نفوس الجهمية المعطلة.

الوجه الرابع: أن يقال إن الذين قالوا إن إضافة الصورة إلى الرحمن في حديث ابن عمر رضي الله عنهما إنما هو من إضافة صفات الذات لم يغلطوا ولم يضاهوا المشبهة وإنما أثبتوا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمروه كما جاء من غير تفسير عملاً بقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وتصديقاً لقول الله تعالى في صفة رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم: 3 - 5]، ولا شك أن الغالط في الحقيقة من يغلط الذين يتمسكون بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وينزهونا عن أقوال الجهمية المعطلة وعن تأويلات الذين يزعمون أن ظاهرها غير مراد.

الوجه الخامس: أن يقال من زعم أن إضافة الصورة إلى الرحمن

ص: 41

في حديث ابن عمر رضي الله عنهما إنما هو من إضافة الخلق والتصوير إلى الله تعالى فقد صرف الحديث عن ظاهره وأفسد معناه، وعلى هذا التأويل المستكره لا يكون لآدم مزية على غيره من المخلوقات ولا يكون بينه وبينها فرق مؤثر لأن الله تعالى هو الذي خلق المخلوقات كلها وصورها ولكنه قد خص آدم من بينها بخصائص عظيمة امتاز بها على سائر المخلوقات. منها أنه خلقه بيديه، ومنها أنه خلقه على صورته، ومنها أنه نفخ فيه من روحه، ومنها أنه علمه الأسماء كلها، ومنها أنه أمر الملائكة بالسجود له، فمن أنكر شيئاً من هذه الخصائص فقد بخس آدم حقه وجحد الفضيلة العظيمة التي خصه الله بها وفضله بها على سائر المخلوقات، وهذا من أعظم العقوق لآدم.

الوجه السادس: أن يقال لا يشك أحد من العقلاء أن بني آدم قد خلقوا على صورة أبيهم آدم ولم يخلقوا على صورة غيره من المخلوقات، ولو كان المراد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما الإخبار بأن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح لما كان في الحديث فائدة ولا كان فيه فضيلة خاصة لآدم وذريته وإنما يكون ذلك من تحصيل الحاصل.

الوجه السابع: أن يقال إن ابن خزيمة قد قرر في آخر كلامه قول من أعاد الضمير في حديث الصورة على آدم وذلك واضح في قوله فصورة آدم هي ستون ذراعاً التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق عليها، وقد تقدم قول الإمام أحمد أن هذا قول الجهمية.

ص: 42