المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ونفي الفضائل المذكورة قبلها عنه، وهذا من أعظم المحادة لله - عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن - جـ ١

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: ونفي الفضائل المذكورة قبلها عنه، وهذا من أعظم المحادة لله

ونفي الفضائل المذكورة قبلها عنه، وهذا من أعظم المحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن أعظم العقوق لآدم حيث قد جعله الدارونيون من‌

‌فصل

اً من القردة التي هي من أخبث الحيوانات طبعاً وأشدها قبحاً وتشويهاً في الخلقة، فقاتل الله من قال بهذه المقالة الخبيثة ومن تلقاها بالقبول وقدمها على ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ابتداء خلق آدم عليه الصلاة والسلام.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضاً الحاكم والذهبي، وفي هذا الحديث أبلغ رد على من قال بالنشوء والتطور والارتقاء في بني آدم.

فصل

وقد عقد الرازي في كتابه الذي سماه «أساس التقديس» فصلاً في إثبات الصورة لله تعالى وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي جاء فيه «أن الله خلق آدم على صورته» وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي جاء فيه «أن الله خلق آدم على صورة الرحمن» وتأول الحديثين على طريقة أهل الكلام الباطل المذموم عند السلف واستشهد في كلامه بتأويل ابن خزيمة للحديثين، وقد رد عليه وعلى ابن خزيمة بحر العلوم وسيف الله المسلول على أهل البدع. شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية

ص: 48

قدس الله روحه ونور ضريحه في كتاب الذي سماه «نقض أساس التقديس» بكلام مفصل مبسوط واضح بيّن لا يوجد مثله في كلام غيره من العلماء (1). ولعظم فائدته رأيت أن أذكر ملخصه في هذه النبذة لعل الله تعالى أن ينفع به من قرأه ومن سمعه ويكون سبباً لإطراح أقوال أهل الكلام الباطل وتأويلاتهم المستكرهة في حديث الصورة.

قال الرازي: الفصل الأول في إثبات الصورة. اعلم أن هذه اللفظة ما وردت في القرآن، لكنها واردة في الأخبار، فالخبر الأول: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق آدم على صورته» وروى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقولن أحدكم لعبده قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» .

والجواب (2) اعلم أن الهاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «على صورته» يحتمل أن تكون عائدة على شيء غير صورة آدم وغير الله

(1) قد طبع من رد شيخ الإسلام على الرازي مجلدان كبيران في مطبعة الحكومة بمكة المكرمة بأمر الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وذلك في سنة 1391 هـ وسنة 1392 هـ ووضع عليهما هذا الاسم: «بيان تلبيس الجهمية، في تأسيس بدعهم الكلامية» أو «نقض تأسيس الجهمية» وقد بقي من الكتاب بقية لم تزل مخطوطة إلى الآن، وهي التي فيها الرد على كلام الرازي فيما يتعلق بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي جاء فيه:«إن الله خلق آدم على صورته» وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي جاء فيه: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» وقد وضع على هذه القطعة المخطوطة هذا الاسم: «نقض أساس التقديس» نسأل الله تعالى أن ييسر طبعها وينفع بالكتاب كل من قرأه أو سمعه. وهو موجود في مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض.

(2)

هذا الجواب للرازي أجاب به عن الحديث وسيأتي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على هذا الجواب.

ص: 49

ويحتمل أن يكون عائداً إلى آدم عليه السلام ويحتمل أن يكون عائداً إلى الله، فهذه طرق ثلاثة.

الطريق الأول: أن يكون هذا الضمير عائداً إلى غير آدم وإلى غير الله تعالى. وعلى هذا التقدير ففي تأويل الخبر وجهان: الأول: هو أن من قال للإنسان قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فهذا يكون شتماً لآدم فإنه لما كان صورة هذا الإنسان مساوية لصورة آدم كان قوله قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك شتماً لآدم عليه السلام ولجميع الأنبياء وذلك غير جائز فلا جرم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وإنما خص آدم بالذكر لأنه هو الذي ابتدئت خلقته على هذه الصورة.

الثاني: أن المراد منه إبطال قول من يقول إن آدم كان على صورة أخرى مثل ما يقال أنه كان عظيم الجثة طويل القامة بحيث يكون رأسه قريبا من السماء فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى إنسان معين وقال إن الله تعالى خلق آدم على صورته، أي كان شكل آدم مثل شكل هذا الإنسان من غير تفاوت البتة، فأبطل بهذا البيان وهم من توهم أن آدم كان على صورة أخرى غير هذه الصورة.

الطريق الثاني: أن يكون الضمير عائداً إلى آدم عليه السلام، وهذا أولى الوجوه الثلاثة لأن عود الضمير إلى أقرب مذكور واجب. وفي هذا الحديث أقرب الأشياء المذكورة هو آدم عليه السلام فكان عود الضمير إليه أولى، ثم على هذا الطريق ففي تأويل الخبر وجوه. الأول: أنه تعالى لما عظم أمر آدم فجعله مسجود الملائكة ثم إنه أتى بتلك الزلة فالله لم يعاقبه بمثل ما عاقب به غيره فإنه نقل أن الله أخرجه من الجنة وأخرج معه الحية والطاووس وغيّر خلقهما مع أنه لم يغيّر خلقة آدم بل تركه على الخلقة الأولى إكراماً له وصوناً له من عذاب المسخ. فقوله

ص: 50

صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» معناه خلق آدم على هذه الصورة التي هي الآن باقية من غير وقوع المبدل فيها. والفرق بين هذا الجواب وبين الذي قبله أن المقصود من هذا بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان مصوناً عن المسخ، والجواب الأول ليس فيه إلا بيان أن هذه الصورة الموجودة ليس هي إلا التي كانت موجودة قبل من غير تعرض لبيان أنه جعل مصوناً عن المسخ بسبب زلته، مع أن غيره صار ممسوخاً.

الثاني: المراد منه إبطال قول الدهرية الذين يقولون إن الإنسان لا يتولد إلا بواسطة النطفة ودم الطمث فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» ابتداء من غير تقدم نطفة وعلقة ومضغة.

الثالث: أن الإنسان لا يكون إلا في مدة طويلة وزمان مديد وبواسطة الأفلاك والعناصر فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» أي من غير هذه الوسائط، والمقصود منه الرد على الفلاسفة.

الرابع: المقصود منه بيان أن هذه الصورة الإنسانية إنما حصلت بتخليق الله تعالى وإيجاده لا بتخليق القوة المصورة والمولدة على ما يذكره الأطباء والفلاسفة ولهذا قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، فهو الخالق: أي هو العالم بأحوال الممكنات والمحدثات. والبارئ: أي هو المحدث للأجسام والذوات بعد عدمها. والمصور: أي هو الذي ركب تلك الذوات على صورها المخصوصة وتركيباتها المخصوصة.

الخامس: قد تذكر الصورة ويراد بها الصفة يقال شرحت له صورة هذه الواقعة وذكرت له صورة هذه المسألة. والمراد من الصورة في

ص: 51

كل هذه المواضع الصفة. فقوله: «إن الله خلق آدم على صورته» أي على جملة صفاته وأحواله. وذلك لأن الإنسان حين يحدث يكون في غاية الجهل والعجز ثم لا يزال يزداد علمه وقدرته إلى أن يصل إلى حد الكمال. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق من أول الأمر كاملاً تاماً في علمه وقدرته. وقوله: «خلق الله آدم على صورته» معناه أنه خلقه في أول الأمر على صفته التي كانت حاصلة له في آخر الأمر. وأيضاً فلا يبعد أن يدخل في لفظ الصورة كونه سعيداً أو شقياً كما قال صلى الله عليه وسلم: «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه» فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» أي على جميع صفاته من كونه سعيداً أو عارفاً أو تائباً أو مقبولاً من عند الله.

الطريق الثالث: أن يكون ذلك الضمير عائداً إلى الله تعالى وفيه وجوه. الأول المراد منه الصفة لما بيناه فيكون المعنى أن آدم عليه السلام امتاز عن سائر الأشخاص والأجسام بكونه عالماً بالمعقولات قادراً على استنباط الحرف والصناعات، وهذه صفات شريفة مناسبة لصفات الله من بعض الوجوه فصح قوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله خلق آدم على صورته» بناء على هذا التأويل.

فإن قيل المشاركة في صفات كمال تقتضي المشاركة في الإلهية، قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة لا تقتضي المساواة في الإلهية ولهذا المعنى قال الله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم: 27]، وقال صلى الله عليه وسلم «تخلقوا بأخلاق الله» (1).

الثاني: أنه كما يصح إضافة الصفة إلى الموصوف فقد يصح

(1) هذا حديث موضوع وسيأتي التنبيه على ذلك في كلام شيخ الإسلام رحمه الله، تراجع صفحة 89.

ص: 52

إضافتها إلى الخالق والموجود فيكون الغرض من هذه الإضافة الدلالة على أن هذه الصورة ممتازة عن سائر الصور بمزيد الكرامة والجلالة.

الثالث: قال الشيخ الغزالي: ليس الإنسان عبارة عن هذه البنية بل هو موجود ليس بجسم ولا جسماني ولا تعلق به بهذا البدن إلا على سبيل التدبير أو التصرف، فقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله خلق آدم على صورته» أي نسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري إلى العالم من حيث أن كل واحد منهما غير حال في هذا الجسم وإن كان مؤثراً فيه بالتصرف والتدبير.

قال: الخبر الثاني ما رواه ابن خزيمة في كتابه الذي سماه «التوحيد» بإسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن» قال: واعلم أن ابن خزيمة ضعف هذه الرواية، ويقول: إن صحت هذه الرواية فلها تأويلان، الأول: أن يكون المراد من الصورة الصفة على ما بيناه. الثاني: أن يكون المراد من هذه الإضافة بيان شرف هذه الصورة كما في قوله بيت الله وناقة الله.

قلت (1): هذا الحديث أخرجوه في الصحيحين من وجوه. ففي الصحيحين عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً ثم قال اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاسمع ما يجيبونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم» قال في رواية جعفر (2) ومحمد بن

(1) هذا أول كلام شيخ الإسلام في رده على الرازي وما قبله فكله من كلام الرازي.

(2)

كذا في المخطوطة والصواب، يحيى بن جعفر، وروايته عند البخاري، وأما رواية محمد بن رافع فهي عند مسلم.

ص: 53

رافع: «على صورته» وروى البخاري من حديث أبي سعيد المقبري ويحيى (1) بن همام أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» ورواه مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» ومن حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بهذا الإسناد وقال: «إذا ضرب أحدكم» ومن حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه» ومن حديث أبي أيوب يحيى بن مالك الخزاعي (2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه» وفي رواية محمد بن حاتم فيه قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» وليسِ ليحيى بن مالك عن أبي هريرة في الصحيحين غيره.

والكلام على ذلك أن يقال هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك، وهو أيضاً مذكور فيما عند أهل الكتابين من الكتب كالتوراة وغيرها، ولكن كان من العلماء في القرن الثالث من يكره روايته ويروي بعضه كما يكره رواية بعض الأحاديث لمن يخاف أن يلم بنفسه ويفسد عقله أو دينه كما قال عبد الله بن مسعود:«ما من رجل يحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم» (3) وفي البخاري عن علي بن أبي طالب أنه

(1) كذا في المخطوطة والصواب معمر عن همام.

(2)

كذا في المخطوطة والصواب المراغي، والمراغ حي من الأزد

(3)

هذا الأثر رواه مسلم في مقدمة صحيحه، وتقدم ذكره في ص11.

ص: 54

قال: «حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله» وإن كان (1) مع ذلك لا يرون كتمان ما جاء به الرسول مطلقاً بل لا بد أن يبلغوه حيث يصلح ذلك. ولهذا اتفقت الأمة على تبليغه وتصديقه، وإنما دخلت الشبهة في الحديث لتفريق ألفاظه، فإن من ألفاظه المشهورة:«إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» «ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» وهذا فيه حكم عملي يحتاج إليه الفقهاء وفيه الجملة الثانية الخبرية المتعلقة بلا. فكثير من الفقهاء روى الجملة الأولى فقط وهي قوله: «فإذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» ولم يذكر الثانية، وعامة أهل الأصول والكلام إنما يروون الجملة الثانية وهي قوله:«خلق الله آدم على صورته» ولا يذكرون الجملة الطلبية، فصار الحديث متواتراً بين الطائفتين وصاروا متفقين على تصديقه. لكن مع تفريق بعضه عن بعض، وإن كان هو محفوظاً عند آخرين من علماء الحديث وغيرهم، وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً في إخباره بخلق آدم في ضمن حديث طويل (2)

إذا ذكر على وجهه زال كثير من الأمور المحتملة ولكن ظهر (3) لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة. وذلك مثل ما ذكر أبو بكر ابن خزيمة في «كتاب التوحيد» فإنه ذكر الاحتمالات الثلاثة، ذكر عود الضمير إلى المضروب،

(1) كذا في المخطوطة ولعل الصواب كانوا.

(2)

هو حديث همام بن منبه عن أبي هريرة وقد تقدم ذكره في ص6 ..

(3)

كذا في المخطوطة ولعل قوله ظهر زيادة من بعض النساخ.

ص: 55

وذكر عوده إلى آدم، وتأول عوده إلى الله على إضافة الخلق فقال: باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تأويلها ففتن عالماً من أهل الجهل والعناد حملهم الجهل بمعنى الخبر على القول بالتشبيه جل عز عن أن يكون وجه خلق من خلقه مثل وجهه والذي وصفه بالجلال والإكرام ونفى الهلاك عنه، حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا شعيب يعني بن الليث حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يقولن أحدكم لأحد قبح الله وجهك ووجهاً أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» ، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» وحدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد حدثني ابن عجلان قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه» .

قال أبو بكر ابن خزيمة ليس في خبر ابن عجلان أكثر من هذا. ومعنى هذا أن يحيى بن سعيد القطان الإمام رواه عن ابن عجلان عن المقبري كما رواه الليث وغيره. ورواه أيضاً عنه عن أبيه عن أبي هريرة لكن يذكر إحدى الجملتين فقط وكان عند ابن عجلان الحديث عن المقبري وعن أبيه. وقد رواه البخاري في صحيحه من طريق مالك عنه مختصراً، فقال البخاري: «باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه حدثنا محمد بن عبد

ص: 56

الله قال: حدثنا ابن هب حدثني مالك بن أنس قال: وأخبرني ابن فلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: وحدثني محمد (1) قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» وقد روى البخاري ومسلم الحديث في خلق آدم بطوله (2).

ثم قال ابن خزيمة: توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله على صورته يريد صورة الرحمن عز وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله:«خلق آدم على صورته» الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب والذي قبح وجهه فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول ووجه من أشبه وجهك لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك كان مقبحاً وجه آدم صلوات الله عليه الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم، فتفهموا رحمكم الله تعالى معنى الخبر لا تغلطوا ولا تغلطوا فتصدوا عن سواء السبيل وتحملوا القول بالتشبيه الذي هو ضلال.

قال وقد رويت في نحو هذا لفظة أغمض من اللفظة التي ذكرناها في خبر أبي هريرة وهو ما حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رياح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبحوا الوجه فإن ابن

(1) قوله وحدثني محمد، كذا في المخطوطة والصواب عبد الله بن محمد وهو المسندي.

(2)

تقدم الحديث في ص6.

ص: 57

آدم خلق على صورة الرحمن» قال: وروى الثوري هذا الخبر مرسلاً غير مسند حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن» .

قال أبو بكر: وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء عالم ممن لم يتحر العلم وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات فغلطوا في ذلك غلطاً بيناً وقالوا مقالة شنيعة مضاهية لقول المشبهة، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم.

قال والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من جهة النقل موصولاً فإن للخبر عللاً ثلاثاً، إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسل الثوري ولم يقل عن ابن عمر، والثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت، والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء، سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: قال حبيب بن أبي ثابت: لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال أن أرويه عنك: يريد لم أبال أن أدلسه. قال أبو بكر: ومثل هذا الخبر لا يكاد يثبت عند أهل الأثر لاسيما إن كان الخبر في مثل هذا الجنس فيما يوجب العلم لو ثبت لا فيما يوجب العمل بما قد يستدل على صحته وثبوته بدلائل من نظر وتشبيه وتمثيل بغيره من سنن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الأحكام والفقه.

ص: 58

قال فإن صح هذا الخبر مسنداً بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت وحبيب بن أبي ثابت قد سمعه من عطاء بن أبي رباح وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق مضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه إذ الله تولى خلقه، وكذلك قوله تعالى:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود: 64]، فأضاف الله الناقة إلى نفسه وقال:{تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [هود: 64]، وقال:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]، وقال:{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [الأعراف: 128]، فأضاف الأرض إلى نفسه إذ الله تولى خلقها وبسطها، وقال:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين. أحدهما: إضافة الذات. والآخر: إضافة الخلق. فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا.

قال فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسنداً فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح قال الله جل وعلا: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ (1) صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11]، والدليل على صحة هذا التأويل أن أبا موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً» حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما أنبأنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث،

(1) كذا في المخطوطة والصواب {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} .

ص: 59

وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» .

قال أبوبكر فصورة آدم هي ستون ذراعاً التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق عليها لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم فظن أن قوله على صورته على صورة الرحمن صفة من صفات ذاته عز وجل عن أن يوصف بالذرعان والأشبار قد نزه الله نفسه عن صفات المخلوقين فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وهو كما وصف نفسه في كتابه على لسان نبيه لا كصفات المخلوقين من الحيوان ولا من الموتان كما شبه الجهمية معبودهم بالموتان ولا كما شبه الغالية من الرافضة معبودهم ببني آدم، قبح الله هذين القولين وقائلهما، حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا أخبرنا أبو سعد الصاغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا: لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 1]، قال: ولم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء، وقال ابن خداش في حديثه:(فالصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا يموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله لا يموت ولا يورث) والباقي مثل لفظ ابن منيع.

هذا مجموع ما ذكره ابن خزيمة.

ص: 60

قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي في كتابه الذي سماه: «الفصول في الأصول، عن الأئمة الفحول، إلزاماً لذوي البدع والفضول» . فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول وإن صدر ذلك التأويل عن إمام معروف غير مجهول نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة تأويل الحديث «خلق آدم على صورته» فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث لما روينا عن أحمد رحمه الله تعالى. ولما يتابعه أيضاً من بعده، حتى رأيت في «كتاب الفقهاء» للعبادي الفقيه أنه ذكر الفقهاء وذكر عن كل واحد منهم مسألة تفرد بها، فذكر الإمام ابن خزيمة وأنه تفرد بتأويل هذا الحديث «خلق آدم على صورته» على أني سمعت عدة من المشايخ رووا أن ذلك التأويل مزور مربوط على ابن خزيمة وإفك مفترى عليه. فهذا وأمثال ذلك من التأويل لا نقبله ولا نلتفت إليه بل نوافق ونتابع ما اتفق الجمهور عليه. قال شيخ الإسلام أبو العباس وقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام الملقب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي صاحب «كتاب الترغيب والترهيب» قال سمعته يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة. ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب. قال أبو موسى أشار بذلك إلى أنه قل من إمام إلا وله زلة فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل. قال شيخ الإسلام أبو العباس وقد ذكر أبو بكر الخلال في «كتاب السنة» ما ذكره إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله المشهورة عن أحمد وإسحاق أنه قال لأحمد:«لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» أليس تقول بهذه الأحاديث، قال أحمد: صحيح وقال إسحاق: صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي، وذكر أيضاً عن يعقوب بن بختان أن أبا

ص: 61

عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم «خلق الله آدم على صورته» فقال: لا نفسره.

ما لنا أن نفسره. كما جاء الحديث.

قال الخلال وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: قلت لأبي عبد الله كيف تقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «خلق الله آدم على صورته» قال الأعمش: يقول عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر، قال: وقد رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم على صورته فنقول كما جاء الحديث. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول لقد سمعت الحميدي بحضرة سفيان بن عيينة فذكر هذا الحديث «خلق الله آدم على صورته» فقال: من لا يقول بهذا فهو كذا وكذا. يعني من الشتم، وسفيان ساكت لا يرد عليه شيئاً.

قال المروذي أظن أني ذكرت لأبي عبد الله عن بعض المحدثين بالبصرة أنه قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته» قال: صورة الطين، قال: هذا جهمي، وقال نسلم الخبر كما جاء.

وروى الخلال عن أبي طالب من وجهين قال: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول من قال إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه.

قال: الخلال وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله قيل له: أي شيء أنكر على بشر بن السري وأي شيء كانت قصته بمكة، قال: تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال: إن قوماً يحدون، قيل له: التشبيه، فأومأ برأسه نعم. قال: فقام به مؤمل حتى جلس، فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج وأراه كان صاحب كلام.

ص: 62

وقال الخلال أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال: سمعت إسحاق يعني بن راهويه يقول: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نطق به. قال إسحاق: حدثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن» فقد صحح إسحاق حديث ابن عمر مسنداً خلاف ما ذكره ابن خزيمة.

وقال الخلال: أخبرنا يعقوب بن سفيان الفارسي قال: حدثنا محمد بن حميد حدثنا الفرات بن خالد عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق آدم على صورته» .

وقال الخلال: أخبرنا علي بن حرب الطائي حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن ابن لهيعة عن أبي يونس والأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن صورة الإنسان على صورة الرحمن عز وجل» .

وما كان من العلم الموروث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلنا: أن نستشهد عليه بما عند أهل الكتاب (1) كما قال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]، وقال تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [يونس: 94]، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ

(1) سيأتي إن شاء الله تعالى في الوجه الثامن من الرد على الرازي ما استشهد به شيخ الإسلام من نص التوراة على مثل ما جاء في حديث ابن عمر وأبي هريرة: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» .

ص: 63

كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]، وقال تعالى:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ (197)} [الشعراء: 196 - 197]، وقال تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114]، وقال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد: 36]، بل قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه

وسلم لما أخبره تميم بخبر الدجال والجساسة فرح بذلك وقال: حدثني حديثا يوافق ما كنت حدثتكموه.

إذا عرف ذلك فيقال: أما عود الضمير إلى غير الله فهذا باطل من وجوه، أحدها أن في الصحيحين ابتداء:«أن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً» وفي أحاديث أخر: «إن الله خلق آدم على صورته» ولم يتقدم ذكر أحد يعود الضمير إليه، وما ذكر بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يضرب رجلاً ويقول قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فقال:«خلق الله آدم على صورته» أي على صورة هذا المضروب، فهذا شيء لا أصل له ولا يعرف في شيء من كتب الحديث.

الثاني: أن الحديث الآخر لفظه «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» وليس في هذا ذكر أحد يعود الضمير إليه.

الثالث: أن اللفظ الذي ذكره ابن خزيمة وتأوله وهو قوله: «لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجهاً أشبه وجهك فإن الله خلق آدم

ص: 64

على صورته» ليس فيه ذكر أحد يصلح عود الضمير إليه، وقوله في التأويل أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب والذي قبح وجهه فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول ووجه من أشبه وجهك.

فيقال له لم يتقدم ذكر مضروب فيما رويته عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في لفظه ذكر ذلك، بل قال:«إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» ولم يقل إذا قاتل أحدكم أحداً وإذا ضرب أحداً، والحديث الآخر ذكرته من رواية الليث بن سعد ولفظه «ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجهاً أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» وليس في هذا ذكرٌ مرَّ حتى يصلح عود الضمير إليه.

فإن قيل قد يعود الضمير إلى ما دل عليه الكلام وإن لم يكن مذكوراً، قيل إنما يكون فيما لا لبس فيه حيث لم يتقدم ما يصلح لعود الضمير إليه إلا ما دل عليه الخطاب فيكون العلم بأنه لا بد للظاهر من مضمر يدل على ذلك، أما إذا تقدم اسم صريح قريب إلى الضمير فلا يصلح أن يترك عوده إليه ويعود إلى شيء متقدم لا ذكر له في الخطاب وهذا مما يعلم بالضرورة فساده في اللغات.

الرابع: أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد لاسيما وقوله: وإذا قاتل أحدكم وإذا ضرب أحدكم عام في كل مضروب. والله خلق آدم على صورهم جميعهم فلا معنى لإفراد الضمير، وكذلك قوله:«لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك» عام في كل مخاطب، والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم.

ص: 65

الخامس: أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم لم يخلق آدم على صورهم فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده، لا يقال إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود كما يقال خلق الخلق على غير مثال أو نسج هذا على منوال هذا ونحو ذلك فإنه في جميع هذا إنما يكون المصنوع المقيس متأخراً في الذكر عن المقيس عليه. وإذا قيل خلق الولد على صورة أبيه أو على خلق أبيه كان كلاماً سديداً، وإذا قيل خلق الوالد على صورة ولده أو على خلقه كان كلاماً فاسداً بخلاف ما إذا ذكر التشبيه بغير لفظ الخلق وما يقوم مقامه، مثل أن يقال الوالد يشبه ولده فإن هذا سائغ لأن قوله خلق إخبار عن تكوينه وإبداعه على مثال غيره ومن الممتنع أن الأول يكون على مثال ما لم يكن بعد وإنما يكون على مثال ما قد كان.

السادس: أنه إذا كان المقصود أن هذا المضروب والمشتوم يشبه آدم فمن المعلوم أن هذا من الأمور الظاهرة المعلومة للخاص والعام، فلو أريد التعليل بذلك لقيل فإن هذا يدخل فيه الأنبياء إذ كان هذا يدخل فيه آدم ونحو ذلك من العبارات التي تبين قبح كلامه وهو اشتمال لفظه على ما يعلم هو وجوده. أما مجرد إخباره بما يعلم وجوده كل أحد فلا يستعمل في مثل هذا الخطاب.

السابع: أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا فإن هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره بل يقال أن وجهه يشبه وجه آدم أو فإن صورته تشبه صورة آدم.

الثامن: أن يقال مثل هذه العلة تصلح لقوله: «لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك» فكيف يصلح لقوله: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» ومعلوم أن كون صورته تشبه صورة آدم لا

ص: 66

توجب سقوط العقوبة عنه فإن الإنسان لو كان يشبه نبياً من الأنبياء أعظم من مشابهة الذرية لأبيهم في مطلق الصورة والوجه ثم وجبت على ذلك الشبيه بالنبي عقوبة لم تسقط عقوبته لهذا الشبه باتفاق المسلمين فكيف يجوز تعليل تحريم العقوبة بمجرد المشابهة المطلقة لآدم.

التاسع: أن في ذرية آدم من هو أفضل من آدم وتناول اللفظ لجميعهم واحد فلو كان المقصود بالخطاب ليس به ما يختص آدم من ابتداء خلقه على صورة بل المقصود مجرد مشابهة المضروب المشتوم له لكان ذكر سائر الأنبياء والمرسلين بالعموم هو الوجه وكان تخصيص غير آدم بالذكر أولى كإبراهيم وموسى وعيسى وإن كان آدم أباهم فليس هذا المقام مقاماً له به اختصاص على زعم هؤلاء.

العاشر: وهو قاطع أيضاً أن يقال كون الوجه يشبه وجه آدم هو مثل كون سائر الأعضاء تشبه أعضاء آدم فإن رأس الإنسان يشبه رأس آدم ويده تشبه يده ورجله وبطنه وظهره وفخذه وساقه يشبه ظهره وبطنه وفخذه وساقه فليس للوجه بمشابهة آدم اختصاص بل جميع أعضاء البدن بمنزلته في ذلك فلو صح أن يكون هذا علة لمنع الضرب لوجب أن لا يجوز ضرب شيء من أعضاء بني آدم لأن ذلك جميعه على صورة أبيهم آدم، وفي إجماع المسلمين على وجوب ضرب هذه الأعضاء في الجهاد للكفار والمنافقين وإقامة الحدود مع كونها مشابهة لأعضاء آدم وسائر النبيين دليل على أنه لا يجوز المنع من ضرب الوجه ولا غيره لأجل هذه المشابهة.

الوجه الحادي عشر: أنه لو كان علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم لنهي أيضاً عن الشتم والتقبيح لسائر الأعضاء، لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك.

الوجه الثاني عشر: أن ما ذكره من تأويل ذلك بأنه إبطال لقول من

ص: 67

يقول إن آدم كان على صورة أخرى مثل ما يقال إنه كان عظيم الجثة طويل القامة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى إنسان معين وقال: «إن الله خلق آدم على صورته» . أي كان شكل آدم مثل شكل هذا الإنسان من غير تفاوت البتة. يقال لهم الحديث المتفق عليه في الصحيحين مناقض لهذا التأويل مصرح فيه بأن خلق آدم أعظم من صور بنيه بشيء كثير وأنه لم يكن على شكل أحد من أبناء الزمان كما في الصحيحين عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم قال فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» قال في رواية يحيى بن جعفر ومحمد بن رافع «على صورته» فهذا الحديث الذي هو أشهر الأحاديث التي فيها أن الله خلق آدم على صورته، ذكر فيه أن طوله ستون ذراعاً وأن الخلق لم يزل ينقص حتى الآن وأن أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة آدم، ولم يقل إن آدم على صورتهم، بل قال هم على صورة آدم. وقد روي أن عرض أحدهم سبعة أذرع. فهل في تبديل كلام الله ورسوله أبلغ من هذا أن يجعل ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به وأوجب التصديق به قد نفاه وأبطله وأوجب تكذيبه وإبطاله.

الوجه الثالث عشر: أنه قد روي من غير وجه «على صورة الرحمن» .

ص: 68