الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقاصد الواقفين على القرآن الكريم
أولا: الوقف على المدارس القرآنية
…
مقاصد الواقفين على القرآن الكريم
أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أهمية الأوقاف لاستمرار أعمال البر وديمومتها، خصوصاً في المرافق التعليمية والدينية كالمدارس، والمساجد والاجتماعية كالملاجئ والمستشفيات.
هذه الأوقاف على تلك المرافق تكفل لها الاستمرار تبعاً لرغبات الواقفين ومقاصدهم المشروعة، يقول الأستاذ محمد بن عبد العزيز بن عبد الله في دراسته القيمة عن (الوقف في الفكر الإسلامي) بأنه:"أهم مورد مالي رصد لحياة المسجد ليستمر بكل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية، ودور تحفيظ القرآن الكريم. فهذه كمؤسسة (الوقف) كانت وما تزال أهم مورد لشؤون الدين، وللتعليم الإسلامي على الإطلاق، وأكثرها دخلاً وإدراراً، وإليها يرجع الفضل في بقائه واستمراره أحقاباً وقروناً، وفي انتظام الحياة العلمية والدراسية في جامعات الإسلام وكلياته"(1) ومؤسساته.
يثبت الاستقراء التاريخي أن مقاصد الواقفين على خدمة القرآن الكريم متنوعة ومتعددة، لا تخلو أن تكون واحداً من المقاصد التالية:
أولاً: الوقف على المدارس القرآنية.
ثانياً: الوقف على القراء.
ثالثاً: الوقف على مدارس تضم إلى تعليم القرآن تدريس الحديث النبوي الشريف أو المذاهب الفقهية، أو بعض العلوم الأخرى.
(1) الوقف في الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة 1416/1996) ، ج2، ص57.
رابعاً: خدمة القرآن تلاوة، وتأسيس مرافق اجتماعية.
خامساً: الوقف على قراءة القرآن لهبة الثواب للآخرين أحياء، أو أمواتاً. (قراءة الربعات بالمسجد الحرام) ، الوقف على قراءة القرآن على المقابر والحكم الشرعي في هذا.
هذا معظم ما كان شائعاً من الأوقاف في خدمة القرآن الكريم في جميع أقطار البلاد الإسلامية.
أما وقد تغيرت الأمور في العصر الحديث فأصبحت للعصر تنظيماته وخططه التي تتباين عما كانت عليه في الماضي، فإن الاهتمام بالأوقاف في خدمة القرآن الكريم أخذ اتجاهاً آخر في معظم البلاد الإسلامية، وهو طريق التنظيم، والتخطيط، والعمل الجماعي، وقد توجه الغُيُر من الأمة الإسلامية نحو هذا فنتج عنه:
سادساً: إنشاء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
وفيما يلي نماذج تفصيلية عن كل مقصد من هذه المقاصد.
أولاً: الوقف على المدارس القرآنية
الهدف الأساس من إنشاء المدارس القرآنية هو تعليم أبناء المسلمين للقرآن الكريم حفظاً، وتلاوة وتجويداً، وفهماً لمعانيه. يكاد يكون هذا المقصد الوحيد والأمل المنشود من قبل المؤسسين لهذه المدارس طمعاً في الأجر والثواب من الله عزوجل.
انتشر هذا النوع من المدارس المتخصصة بالقرآن الكريم، وأسهم في تأسيسها القادرون من أبناء المجتمع الإسلامي، كل على قدر استطاعته
وإمكاناته، وكان للعواصم العلمية الإسلامية: مكة، والمدينة، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة، وفاس، وتونس وغيرها الحظ الأوفر من هذه المدارس، وقد خصصت لها أوقاف من العقارات والضياع والقرى بما يغني القائمين عليها، والدارسين فيها عن الحاجة، والانشغال بأمور المعاش.
في صدر الحديث عن هذا الجانب بالنسبة للحرمين الشريفين مكة والمدينة يتملك المرء الإعجاب والتقدير لعظم الأموال الثابتة والمنقولة والموقوفة المخصصة لهذه المدارس في بلاد الحرمين الشريفين، وخارجها في البلاد الإسلامية الأخرى.
يقول العلامة المؤرخ الأستاذ محمد عمر رفيع المكي، وشهادته في هذا الصدد عن رؤية ومشاهدة قائلاً:"ولنعد الآن نذكر ما وفق الله إليه المسلمين وملوكهم، وأولي الثراء منهم من بناء المدارس، والمساكن لطلبة العلم، والمجاورين بمكة، بل ولمن يَفِدُ من ممالكهم ليسكنوها زمن أدائهم للفريضة مجاناً، ولو أردنا استيعاب ذلك كله لطال بنا القول، ولكن سأذكر بعض ما شهدته قائماً من دور شيدت لطلبة العلم، ونزلٍ للحجاج، والمجاورين، وغير ذلك من أعمال البر والرعاية، وإني لأعتقد جازماً أن جميع ما كان ملتفاً حول المسجد من مبانٍ ودور كانت كلها أو جلها من الأوقاف التي خصصت للعناية بالعلم وطلبته"(1) .
وهذه الصورة من صور الاهتمام بالمدارس القرآنية في مكة المكرمة تماثلها تماماً بقية البلاد الإسلامية، ويمكن الاستشهاد على صحة هذا بما كتبه
(1)
مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري، الطبعة الأولى، (مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي، 1404هـ/1984م) ، ص99.