الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: حفظ القرآن الكريم واستنباط علومه:
منذ تلك الآونة عكف المسلمون على القرآن تعبداً وتعلماً، ودراسة، فاستنبط منه العلماء علوماً عديدة، واشتقوا منه فنوناً رفيعة على مدى القرون، فألفت فيه المؤلفات الواسعة، ولا يزال العلماء في المجال العلمي الشرعي يستخرجون أسراره، ويكتشفون دقائقه، دون توقف لتياره المعرفي، ومعجزاته التي لا تنتهي.
ثالثاً: دور المساجد في العناية بالقرآن الكريم
.
المساجد هي ساحات الدرس والتعليم، والمكان المناسب لتعليم القرآن ودراسة علومه، ومدارسته. وقد شهدت الأمصار الإسلامية عبر العصور الإسلامية المختلفة نهضة علمية بالعلوم الإسلامية، وبخاصة القرآن وعلومه، وكان من وراء هذا بعد توفيق الله علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين، ومن بعدهم من علماء الأمة في كل عصر وجيل حتى وقتنا الحاضر.
إن الرمز الأول الذي حقق المعنى وجَسَّده دروس حبر الأمة عبد الله بن العباس رضي الله عنهما في ساحات المسجد الحرام، فقد تخصص في العناية بالقرآن الكريم تفسيراً، وتأويلاً، وكان المرجع لعلماء الأمة، تحقيقاً للدعوة النبوية المباركة:"اللهم فقهه في الدين وعلِّمه التأويل"(1) ،فقد كان رضي الله عنهما يعقد حلقة درسه في التفسير والحديث، والأدب والمغازي والسير، وأيام
(1)
هو التفسير، وهو اصطلاح ابن جرير في تفسيره، حيث يقول:" القول في تأويل قوله تعالى، ثمّ يذكر تفسير الآية.
العرب وأشعارهم بالمسجد الحرام.
وكان لحلقته بالمسجد الحرام الفضل في تأسيس مدرسة في علم التفسير لها خصائصها وأعلامها من كبار التابعين مثل عطاء بن أبي رباح الذي خلفه في حلقة العلم تفسيراً، وفقهاً وفتيا، ثمّ صارت هذه الحلقة لابن جريج، وقد تخرج فيها كثيرون، وبرغم وفاة ابن عباس سنة 78هـ ظلت مدرسة مكة قائمة يتلقى أبناؤها العلم طبقة بعد طبقة (1) .
ولئن صح هذا عن المسجد الحرام وأثر حلقات العلماء فيه على تطور النهضة العلمية بالقرآن الكريم وعلومه، وهو المحور الأساس في التعليم الإسلامي، إنه لصحيح أيضاً وصادق في حق كافة الأمصار والمدن الإسلامية التي انتشر فيها الصحابة رضوان الله عليهم، فورَّثوا القرآن وعلومه إلى أجيال التابعين وتابعي التابعين وإلى مَنْ بعدهم، حتى وصل إلينا القرآن الكريم محفوظاً من التغيير والتبديل، تقرؤه أجيالنا كيوم نزوله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وتُبرز الدراسات العلمية الموثقة فيما يخص أثر المساجد في المحافظة على القرآن الكريم والعناية بعلومه، أنه لم يتوقف بنشوء المدارس وتأسيسها فيما بعد، والمسجد الحرام بحلقاته العلمية أنموذج صادق على أهمية هذه الحلقات العلمية في القرنين السابع والثامن للهجرة، بل ظل على مدى القرون الإسلامية، يزدحم برجال الحديث والقراء وأصحاب الفتيا، وظلت حلقاتهم تتدبر تفسير آيات الذكر الحكيم، وأخذ اتساع الحلقات يتضاعف في مواسم
(1) انظر: العبيكان، طرفة عبد العزيز، الحياة العلمية الاجتماعية في مكة في القرنين السابع والثامن للهجرة، (الرياض: مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، سنة 1416هـ/1996م) ، ص54.55.