المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الوقف على القراء: - عناية المسلمين بالوقف خدمة للقرآن الكريم

[عبد الوهاب أبو سليمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: تطور العناية بالقرآن الكريم ومؤسساته

- ‌أولا: جمعه منذ نزوله

- ‌ثانياً: حفظ القرآن الكريم واستنباط علومه:

- ‌ثالثاً: دور المساجد في العناية بالقرآن الكريم

- ‌رابعاً: الزوايا

- ‌خامساً: الكتاتيب:

- ‌سادساً: تأسيس المدارس القرآنية في الأمصار الإسلامية:

- ‌سابعاً: تأسيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العصر الحديث:

- ‌الفصل الثاني: مشروعية الوقف خدمة للقرآن الكريم ومقاصد الواقفين

- ‌مدخل

- ‌مقاصد الواقفين على القرآن الكريم

- ‌أولا: الوقف على المدارس القرآنية

- ‌ثانياً: الوقف على القراء:

- ‌ثالثاً: الوقف على تدريس القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أو المذاهب الفقهية

- ‌رابعاً: الوقف على خدمة القرآن تلاوة وتأسيس مرافق اجتماعية بالمدينة المنورة:

- ‌خامساً: الوقف على قراءة القرآن هبة للثواب لآخرين

- ‌وقف الأسهم على الجمعية:

- ‌خاتمة البحث

- ‌مدخل

- ‌ملحق المدارس القرآنية في دمشق والقاهرة والأوقاف المحبس عليها

- ‌دور القرآن في دمشق

- ‌دور القرآن الكريم في القاهرة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ثانيا: الوقف على القراء:

العلامة المحقق الأستاذ محمد صلاح الدين منجد تنويهاً بسخاء الواقفين على المدارس القرآنية بدمشق، وإشادة بمكرماتهم، وتجسيداً لعطائهم:"وقد وقف أولئك جميعاً على هذه المدارس المتعددة المختلفة أوقافاً وافرة من الأموال، والقرى، والضياع، والبساتين، والحوانيت، والخانات، والقاعات حتى أصبحت دمشق وأرباضها أوقافاً لهذه المدارس المبثوثة في كل حي من أحيائها، بل في كل درب من دروبها، فكانت هذه الأوقاف تدرُّ المال عليها، وترغب الطلاب في التعلم بها، والشيوخ في التعليم بها، لا يشغل بالهم أمر الدنيا، وطلب المعاش"(1) .

(1) دور القرآن في دمشق، الطبعة الثالثة، (بيروت دار الكتاب الجديد، سنة 1982) ، ص6.

ص: 21

‌ثانياً: الوقف على القراء:

مكة المكرمة مهبط الوحي، جديرة بأن تهتم معاهدها ومؤسساتها بالقرآن ودارسيه، لم يفت الخلفاء، والملوك، والسلاطين هذا المعنى، فكانوا يتسابقون إلى بناء المدارس القرآنية وغيرها، وتشجيع القائمين عليها من القراء، والمعلمين، والفقهاء، وفي العهد القريب لمس المسلمون "مزيد اهتمام الخلفاء العثمانيين، وكثرة القيام بخدمة الحرمين الشريفين، والبلدين المنيفين، والاعتناء بمصالحهما، وما يتعلق بهما، ويتعبدون بذكرهما، ويبجلون أهلهما"(1) وقد سجل التاريخ لهم من هذا مكرمات رفيعة. كان هذا شأن من قبلهم ومن

(1) الحموي، أحمد بن محمد، فضائل سلاطين بني عثمان، الطبعة الأولى، تحقيق محسن محمد حسن سليم، (مصر: دار الكتاب الجامعي) عام 1413/1993) ص126.

ص: 21

بعدهم ممن كانت لهم ولاية على الحرمين الشريفين. يقدم البحث فيما يلي بعضاً من عناية السلاطين المسلمين بالقرآن الكريم نسخاً بأيديهم، وتحبيس الضياع والعقارات على القراء، وتلاوة القرآن الكريم في مكة المكرمة:

سجل التاريخ نماذج عديدة للملوك وسلاطين المسلمين وأمرائهم صفحات مشرقة، صريحة في اعتنائهم بالقرآن الكريم، واهتمامهم به.

من مظاهر هذا الاهتمام نسخه بأيديهم، ومن ثم إهداؤه إلى البلاد المقدسة مكة المكرمة، والمدينة المنورة وبيت المقدس، ليس هذا فحسب بل إنهم يوقفون العقارات، ويقدمون المكافآت السخية للقراء والمدرسين، والمهتمين بتعليم القرآن وتعلمه.

"في سنة 738هـ بعث السلطان أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب صاحب فاس إلى مكة مصحفاً كتبه بخطه، وأخرج من خزائنه أموالاً عينها على شراء الضياع بالمشرق لتكون وقفاً على القراء فيها.

قال الشيخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي في كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى:

انتسخ السلطان أبو الحسن المصحف الكريم بيده ليوقفه بالحرم الشريف، حرم مكة؛ قربة إلى الله تعالى وابتغاء للمثوبة، وجمع الوراقين لتنميقها، وتذهيبها، والقراء لضبطها، وتهذيبها، وصنع لها وعاءً مؤلفاً من الآبنوس، والعاج، والصندل، فائق الصنعة، وغشي بصفائح الذهب، ورصع بالجوهر، والياقوت، واتخذ له أَصْوِنة (1) الجلد، ومن فوقها غلائف الحرير، والديباج،

(1) أصْونة: ج صِوان، وأصْونة الجِلْد: أوعيتها التي تصان فيها..

ص: 22

وأغشية الكتان، وأخرج من خزائنه أموالاً عينها لشراء الضياع بالمشرق لتكون وقفاً على القراء فيها" (1) .

"ثم انتسخ السلطان أبو الحسن نسخة أخرى من المصحف الكريم على القانون الأول، ووقفها على القراء بالمدينة، وبعث بها من تخيره لذلك العهد من أهل دولته سنة أربعين وسبعمائة، وفعل مثل ذلك بحرم بيت المقدس.

قال العلامة أبو العباس المقري في نفح الطيب:

كان السلطان أبو الحسن المديني قد كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه، وأرسلها إلى المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، ووقف عليها أوقافاً جليلة" (2) .

ومن هذه النماذج الرفيعة في العناية بالأوقاف في خدمة القرآن الكريم أوقاف السلطان مظفر شاه الكجراتي على القراء بمكة المكرمة في المدرسة شاهية المظفر يكتب المصحف الشريف بخط يده يودعه في المدرسة المظفرية:

في عام 925هـ اشترى وكيل السلطان مظفر شاه الكجراتي بمكة المكرمة بيوتاً عديدة بلغت قيمة جميعها ستة آلاف ومائتين وخمسين ديناراً، وأوقفها على القراء في المدرسة شاهية المظفر.

بعث السلطان مظفر شاه الكجراتي بنسخة المصحف الشريف التي نسخها بيده مع وفد رفيع المستوى من رجال دولته، وما إن وصل خبر وصول مراكب الهند إلى جدة وفيهم وفد السلطان حتى فرح الناس فرحاً

(1) غازي، عبد الله، إفادة الأنام، ج3،ص63.

(2)

غازي، عبد الله، إفادة الأنام، ج3،ص69.

ص: 23

شديداً، واحتفل بمقدمهم في ثاني يوم دخولهم، ونزل ناخوذة الشاهي (1) حاملاً على رأسه بالمصحف الشريف الذي وصل به معه بخط السلطان مظفر شاه صاحب الصدقة العظيمة وأمر بوضع المصحف في المسجد الحرام.

يقول العلامة جار الله بن العز بن فهد:

"وأما الصدقة الواصلة صحبتهم فهي عظيمة لم يسبق صاحبها، وهي كل لك (2) بخمسة آلاف أشرفي، فمجموعها نحو ستين ألف دينار، ومنها ستة لكوك ونصف لأهل مكة، وأربعة لكوك ونصف لأهل المدينة المشرفة، غير قماش، وبضائع وهدايا للشريف.

وقرر في خدمة المصحف بمكة كاتب هذه الرسالة، وجعلوا له في كل عام معلوم ستين ديناراً، ويوضع في المدرسة التي أمر السلطان بعمارتها بمكة، وأرسل السلطان لَّكين تنكة غير الأحد عشر لُكاً يشترى بها بيوت، وتعمر، وتوقف على المدرسة، ويقرر فيها عشرة أنفس شيخهم إمام الحنفية السيد عبد الله البخاري، وعشرة أنفس من الحنفية يدرسون بها، وشيخهم القاضي الحنفي وعشرة أنفس يقرأون القرآن، وشيخهم إمام الحنفية، ورتب لكل واحد منهم اثني عشر أشرفياً، ولشيخهم عشرين أشرفياً، وللداعي عشرة أشرفية" (3) .

(1) الناخوذة أصله الناخُذاة، وهو المتصرف في السفينة المتولي لأمرها، سواء كان يملكها أو كان أجيراً على النظر فيها وتيسيرها اهـ. (تاج العروس: نخذ) .

(2)

اللّك معناه مائة ألف، وجمه لكوك. وهو تعريب (لاكه) بالهندية. والأشرفيّ: اسم عملة ذهبية.

(3)

ابن فهد، جارالله بن السفر، نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى الطبعة الأولى، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، (لندن: مؤسسة الفرقان، عام 1420/2000) القسم الأول، ص 138،139،140.

ص: 24