الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مد التاءات وقبضها
وهذا جاء في الإسم المفرد المضاف الذي فيه علامة التأنيث.
وذلك أن هذه الأسماء لما كانت يلازمها الفعل صارت تعتبر اعتبارين: أحدهما من حيث هي أسماء وصفات. فهذا تقبض فيه التاء.
والثاني من حيث يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود. فهذا تمد فيه التاء كما تمد في: قالت: وحقت. و " جهة " الفعل والأثر ملكية ظاهرة، وجهة الإسم والصفة ملكوتية باطنة.
فمن ذلك: (الرَحمَة) مدت في سبعة مواضع للعلة التي ذكرت. يدل عليه ما جاء في أحدها: (إنّ رَحمَتَ اللَهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ) .
فوصفها على التذكير فهو الفعل. وكذلك: (فانظُر إِلى آثارِ رَحمَتِ
الله. والأثر هو بالفعل ضرورة.
ومن ذلك: (النعمة) مدت في أحد عشر موضعا. أحدها في سورة إبراهيم: (وَإِن تَعُدوا نِعمَتَ اللَهِ لا تُحصوها) الآية. فهذه بمعنى الحاصلة بالفعل في الوجود. يدلك عليه قوله تعالى: (إِنّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّار) فهذه نعمة متصلة بالظلوم " الكفار " في تنزلها وقال تعالى في سورة النحل: (وَإِن تَعُدوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصوها) وهذه قبضت تاؤها لأنها بمعنى الإسم. يدلك عليه قوله تعالى: (إِنّ اللَهَ لَغَفورٌ رَحيم) فهذه نعمة وصلت من الرب الغفور فهي ملكوتية ختمها باسمه عز وجل وختم الأولى باسم الإنسان.
ومن ذلك: (الكلمة) قد مدت في موضعين.
أحدهما في الأعراف: (وَتَمَت كَلِمةُ رَبِكَ الحُسنى عَلى بَنَيهِ إِسرائيل) هو ما تم لهم في الوجود بالفعل الذي أظهره لهم في ملكه.
وفي هود: (وَتَمَت كَلِمَةُ رَبّكَ لأَملأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ وَالناسِ أَجمَعين) ، " هو ما تم " لهم في الوجود الأخروي بالفعل الذي ظهر دليله في الملك، وهو الاختلاف وتمامها. وهو أن لها نهاية تظهر في الوجود بالفعل فمدت التاء.
ومن ذلك: (السنة) مدت في خمسة مواضع حيث تكون بمعنى الإهلاك والانتقام الذي ظهر في الوجود.
أحدها في الأنفال: (فَقَد مَضَت سُنّتُ الأَولين) يدل على أنها للإنتقام قوله تعالى قبلهاك (إِن يَنتَهَوا يُغفَر لَهُم ما قَد سَلَف) الآية. وبعدها: (وَقاتِلوهُم حَتى لا تَكونَ فِتنَة) .
وفي فاطر: (فَهَل يَنظُرونَ إِلاّ سُنَتَ الأَولين فَلَن تَجِدَ لِسُنّتَ اللَهِ تَبديلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ اللَهِ تَحويلاً) يدلك على أنها كلها بمعنى الإنتقام قوله تعالى قبلها: (وَلا يَحيقُ المَكرُ السَيءُ إِلاّ بِأهلِهِ) وسياق ما بعدها.
وفي المؤمن (فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم لِما رَأَوا بَأسَنا سُنّتَ اللَهِ التَي قَد خَلَت في عِبادِهِ) .
فإذا كانت السنة بمعنى الشريعة والطريقة المتبعة فهي ملكوتية بمعنى الإسم تقبض تاؤها كما في الأحزاب: (سُنّةَ اللَهِ في الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبل) فهذه بمعنى حكم الله و " شرعه " فيهم.
وكذلك: (سُنَةَ مَن قَد أَرسَلنا قَبلَكَ مِن رُسُلِنا) فهذه بمعنى الشريعة والطريقة المتبعة.
ومن ذلك (بَقيّتُ اللَهِ) فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى ما يبقى في أموالهم من الربح المحسوس. لأن الخطاب إنما هو فيها من جهة الملك.
ومن ذلك (فِطرَتُ اللَهِ) فرد وصفها الله بأنها فطر الناس عليها فهي فعل حصل في الوجود كما جاء: كل مولود يولد على الفطرة.. الحديث.
ومن ذلك: (قُرّت عَينٍ لي وَلَك) فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى الفعل. إذ هو خبر عن موسى وهو موجود حاضر في الملك. وذلك
على غير حال: (قُرَةُ أَعيُن) فإن هذا الحرف هو بمعنى الإسم وهو ملكوتي إذ هو غير حاضر.
ومن ذلك ((مَعصِيتُ الرسول) مدت في موضعين في سورة المجادلة لأن معناها الفعل إذ تقديرها: لا تتناجوا بأن تعصوا الرسول ونفس هذا النجوى الواقع منهم في الوجود هو فعل معصية لوقوع النهي عنه.
ومن ذلك: " اللعنى " مدت في موضعين: في آية المباهلة وفي آية اللعان، وكونهما بمعنى الفعل ظاهر.
ومن ذلك: (الشَجَرَة) مدت في موضع واحد: (إِنّ شَجَرَت الزَقومِ طَعامُ الأَثيم) فهذه بمعنى الفعل اللازم لها وهو تزقمها بالأكل ويدلك عليه قوله تعالى: (في البُطون) فهذه صفة فعل كما قال تعالى في الواقعة: (ثُمّ إِنّكُم أَيُها الضالُون المُكَذّبون لأَكِلون مِن شَجَرٍ مِن زَقوم) . فهذا الحرف على غير حال الذي في قوله تعالى: (أَذلِكَ خَيرٌ أَم شَجَرَةُ الزَقوم) فإِنّ هذه وصفها بأنها فتنة للظالمين، وأنها شجرة تخرج في أصل الجحيم فهي جلية
للإسم. فلذلك قبضت تاؤها.
ومن ذلك: (الجَنّة) مدت تاؤها في موضع واحد في الواقعة: (وَجَنّاتِ نَعيم) يدل على أنها بمعنى فعل التنعم بالنعيم اقترانها بالروح والريحان. وتأخرت عنهما وهما من الجنة. فهذه جنة خاصة بالمنعم بها.
وأما: (مِن وَرَثَةِ جَنّةِ النّعيم) و (أَن يَدخُل جَنَةَ نَعيم) فإن هذا بمعنى الإسم الكلي.
ولم تمد (تَصلِيةَ جَحيم) لأنها اسم ما يفعل بالمكذب في الآخرة " أخبرنا الله بذلك. فالمؤمن يعمله تصديقا به " ولا يجده بالفعل أبدا في الدنيا ولا في الآخرة. وقال تعالى: (وَنادى أَصحابُ الجَنَةِ أَصحابِ النارِ أَن قَد وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُنا حَقاً فَهَل وَجَدتُم ما وَعَد رَبّكُم حَقّا قالوا نَعَم) فكلمة العذاب إنما حقت على الكافرين هم الذين يجدون ذلك بالفعل. وما المؤمن فلا يجد منها إلا الإسم دون الفعل.
والخطاب إنما هو " للمؤمن " فلذلك كانت (تَصليَةَ جَحيم) بمعنى الإسم في حق المؤمن. وإن كانت بمعنى الفعل في حق الكافر " فهي " على خلاف " جنة " نعيم فإنما يجده المؤمن بالفعل.
وكذلك " جميع " ما لم تمدن تاؤه فهو بمعنى الإسم مثل: (زَهرَة الحَياة الدُنيا) و (صَبغَةَ اللَهِ) و (زَلزَلَةَ الساعَة) و (تَحِلَةَ أَيمانَكُم) و (رَحلَةَ الشِتاءِ وَالصَيف) و (حَمّالةَ الحَطَب) .
ومن ذلك: (اِبنَت عِمران) مدت " التاء " تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة.
ولم يضف في القرآن ولد إلى " والد " ووصف به اسم الولد الاّ عيسى وأمه عليهما السلام " لما اعتقد " النصارى فيهما أنهما " إلهان "
فنبه سبحانه بإضافتهما للولادة على جهة حدوثهما بعد عدمهما حتى أخبر الله تعالى في موطن بصفة الإضافة دون الموصوف. قال تعالى: (وَجَعَلنا اِبنَ مَريمَ وَأُمّهُ آَيَة) لما غلو في إلاهيته أكثر من أمه.
كما نبه الله تعالى على حاجتهما وتغير أحوالهما في الوجود يلحقهما ما لحق البشر. قال تعالى (كانا يَأكلانِ الطَعام) .
ومن ذلك: (يا أبتِ) مدت تاؤه لأنه اسم النسبة المأخوذة من فعل الأبوين وهو فعل التربية والتغذية وهي جهة فعل وأثر ظاهر.
ومن ذلك: (اِمرَأَة) هي في القرآن في سبعة مواضع وهن: خمس من النساء: (اِمرأَتُ عِمران) و (اِمرَأَت العَزيز) و (اِمرَأتُ
فِرعَون) و (اِمرَأَةُ نوح) و (أاِمرَأتُ لوط) .
كلها ممدودة التاء حيث وقعت تنبيها على فعل التبعل والمحبة وشدة المواصلة والمخالطة والإئتلاف في الوجود المحسوس.
وأربع منهن منفصلات في بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن.
وواحدة خاصة هي التي واصلت بعلها ظاهرا وباطنا وهي: امرأت عمران فجعل الله لها بذلك ذرية وأكرمها بذلك وفضلها على نساء العالمين كما قص علينا في كتابه.
وواحد من الأرعبة انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله وتوكلا عليه وخوفا منه فنجاها وأكرمها وهي: امرأة فرعون.
واثنان منهن انفصلتا بباطنهما عن أزواجهما كفرا بالله
فأهلكهما الله ودمرهما ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة مع أنها أقر وصلة بأفضل أحباب الله كما لم يضر فرعون وصلها الظاهر بأخبث عبيد الله.
وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها فلم تبلغ من ذلك مرادها مع تمكنها من الدنيا واستيلائها عما مالت إليه بحدبها وهو في بيتها وقبضتها فلم يغن ذلك عنها شيئا.
وقوتها بها وعزتها إنما أتت لها من بعلها العزيز. ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها. كما لم يضر يوسف عليه السلام ما امتحن به منها ونجاه الله من السجن ومكن له في الأرض، وجعل من شأنه ما قص علينا، وذلك بطاعته لربه. فلا سعادة إلا بطاعة الله ولا شقاوة إلا بمعصية الله واعتماد النفوس على الحيل جهالة والعمل بها بطالة.
فهذه كلها عبر واقعة بالفعل في الوجود من شأن كل اِمرأة منهن. فلذلك مدت تاءاتهن. فافهم والله أعلم.