المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو - عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل

[ابن البناء المراكشي]

الفصل: ‌فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو

وكذلك حذفت الألف التي جاءت لمد الصوت بالحرف في النداء أو الإشارة مثل: (يا قَوم)(يا عباد) لأنها زائدة التوصيل بين المرتبتين. و1لك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود.

‌فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو

اعلم أن هذه الألف تكتب في مواضع على موافقة اللفظ وتكتب في مواضع على موافقة الأصل و " تحذف في مواضع.

فما كتبت بالألف على اللفظ في أي كلمة كان فإنّه يدل على أن إستواء قسمي الوجود في معنى تلك الكلمة ظاهر الفهم في الإدراك.

وما كتب بالواو على الأصل في أي كلمة كان فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملك من الوجه أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنى.

وما كتب بالياء على الأصل فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملكوت من الوجود أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنىز وما حذف ولم يكتب فلخفاء أصله وتفصيله في الإدراك والله أعلم.

ص: 76

فمن ذلك: ثمانية أحرف كتبت بالواو على الأصل حيث تكون مفردة عامة. فإن اختصت بإضافة أو خصوص معنى كتبت على اللفظ. وهذه الثمانية أحرف هي جوامع قواعد الشريعة ومفاتح أبواب العلم وضروب الفقه.

فأولها: " الصلاة " وهي طهارة البدن الباطن والظاهر وهي قاعدة " الدين " ومفتاح ذكر رب العالمين. قال الله تعالى: (أَقِمِ الصَلاةَ لِذكري) فتشتمل على أبواب الطهارات والتقديس وأنواع النزاهات والتسبيح وهي جامعة لأصول وفروع " وأحكام " مرتبطة بالموجودات وبالأحياء والأموات.

فاعتبار الصلاة فيه اعتبار " جميع " أجزاء " العالم " فالصلاة كبيرة (وَلَذِكرُ اللَهِ أَكبَر) .

والحرف الثاني: (الزَكاة) وهي النماء والبركة الباطنة والظاهرة. وهي قاعدة النجاح، ومفتاح الأرباح. قال الله تعالى:(مَن ذا الَّذي يُقرِضُ اللَهَ قَرضا حَسَنا فَيُضاعِفُهُ لَهُ وَلَهُ أَجرٌ كَريم) فتشتمل على أبواب الحلال وأنواع الطيبات وهي أصل في الأموال جامع لوجوه المكاسب والاستفادات بالحرث والتجارة وغيرهما ولأقسام الصدقات والمغانم وغير ذلك.

والحرف الثالث: الربوا وهو الزيادة الظاهر والباطن، وهي قاعدة الأمان ومفتاح التقوى. قال الله تعالى: (ياأَيُها الَّذَينَ ءامَنوا اِتَقوا اللَهَ

ص: 77

وَذَروا ما بَقيَ مِنَ الرِبوا إِن كُنتُم مُؤمِنينَ فَإِن لَم تَفعَلوا فَأَذَنوا بِحَربٍ مِنَ اللَهِ وَرَسولِهِ) ويشتمل على أبواب الحرام وأنواع الخبائث وضروب المفاسد وهو نقيص الزكوة. قال الله تعالى: (يَمحَقُ اللَهُ الرِبا ويُربي الصَدَقات والله لا) واجتنابه أصل في التصرفات المالية. ويرجع حاصله فيها إلى جنسين: ربا الفضل وربا النسيئة. ولذلك زيدت الألف فيه بعد الواو علامة على أنه جامع " لهذين " القسمين في الملك بالنسبة إلى قسم الملكوت.

وقد جاء حرف واحد بغير واو في سورة الروم: (وَماءَاتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في) لأن هذا الحرف ليس هو العام الكلي، لأن الكلي منفي في حكم الله عليه بالتحريم. وفي نفي " الكل نفي " جميع جزئياته فهو يعم جزئيائته في باب النفي. فإذا أتوا منها شيئا نقضوا الكلية وبطل العموم في الوجود بفعلهم لخروج ما أتوا منه. ونفي عموم الحكم ثابت أبدا.

واجتمع فيما أتوا النقيضان: النفي الحكمي والإثبات الفعلي. وليس يلزم من نفي الكلي إثبات الجزئي أصلا إنما يلزم نفيه قطعا. هكذا هي حقيقة

ص: 78

الحكم. فليزم منه أن ما أتوا من ربا منفي في حكم الله. وكذلك يلزم في حقيقة الحكم من إثبات الجزئي إثبات الكلي بالضرورة. فما أتوا من زكوة تضمن " كلية في حكم الله وكليه يتضمن كليه " وهلم جرا إلى ما لا نهاية له. ويدلك عليه قوله تعالى: (وَما ءأتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في أَموالِ الناسِ فَلا يَربوا عِندَ اللَهِ وَماءَاتَيتُم مِن زَكاة تُريدونَ وَجهَ اللَهِ فَأَُولَئِكَ هُم المُضعِفونَ) فلهذا كتب في هذه الآية الربا بالألف والزكاة بالواو. فافهم.

والحرف الرابع: الحياة وهي " باطنة وظاهرة " وهي قاعدة النفوس ومفتاح البقاء والخلود. قال الله تعالى: (وَلَكُم في القَصاصِ حَياةٌ يا أَُولي الألباب) .

فتشتمل على أبواب النكاح والولادة والرضاع والقصاصا والذبائح والصيد في البر والبحر والجهاد والعبيد والوصايا و " المواريث " وغير ذلك.

والحرف الخامس: النجاة وهي " باطنة وظاهرةس " وهي قاعدة الطاعات ومفتاح السعادات. قال الله تعالى حكاية عن المؤمن: (وَياقَومِ ما لي أَدعوكُم إلى النَجاةِ وتَدعونَنَي إِلى النار) فهو أصل يشتمل على أبواب

ص: 79

المنجيات وأنواع المهلكات في الحياة وبعد المماة وعلى أقسام البينات والمواعظ والآيات.

والحرف السادس: الغداوة وهي باطنة وظاهرة قاعدة الأزمان ومفتاح الحركات والأكوان ومبدأ تصرفات الإنسان يعلم ذلك بالعيان. قال الله تعالى: (وَاصبِر نَفسَك مَعَ الَّذَينَ يَدعونَ رَبّهُم بالغَداة والعشىّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعد عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُنيا) وهي مشتقة من الغدو فتشتمل على أبواب الأعمال للدنيا والآخرة واختلاف الأزمنة والأيام. فيرجع إليها أوقات الزراعة والفلاحة واحتناء الفواكه والثمار واقتناء الأقوات وتركيب الأدوية واختيار الأغذية وضروب الأسفار وركوب البحار، وجميع ما يتصرف فيه بالليل والنهار. فإن الناس إنما يبتدئون التصرف في ذلك كله من الغداة.

ألا ترى كيف قال أصحاب الجنة: (أَن اِغدوا عَلى حَرثِكُم إِن كُنتُم صارِمينَ) .

والحرف السابع: المشكاة " وهي باطنة وظاهرة " وهي قاعدة الهداية ومفتاح الولاية. قال الله تعالى في الآية: (يَهدي اللَهُ لِنورِهِ مَن يَشاء) فمثلها يشتمل على مدارك العقول وأحكام الوجود ومعارف الملك والملكوت ومعارج الأفكار من الدلائل والآثار إلى ما غاب عن العيان ولا تقارنه الأزمان ولا تقاسم الأذهان، وعلى ضروب الدلائل والبرهان وإقامة القسط بالميزان وصريح الإيمان. فيندرج فيه كل العلوم وما شاء الحي القيوم.

ص: 80

والحرف الثامن: مناة: وهي ظاهرة وباطنة. هي قاعدة الضلال ومفتاح الشرك والإضلال قال الله تعالى في الآية (وَمَناةَ الثالِثَةَ الأَخرى) ووصفها بوصفين: أحدهما يدل على تكثيرهم الإله فمن " مُثَن، ومن " مثلث وغير ذلك.

والثاني يدل على الإختلاف والتغاير: فمن معطل، ومن مشبه، ومن مجسم، ومن مولد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وما وراء هذين الوصفين فيها باطل. (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) يدلك على ذلك قوله تعالى في السورة:(إِن يَتَبِعونَ إِلا الظَنّ وَما تَهوى الأَنفُس وَلَقَد جاءَهُمُ مِن رَبِهِمُ الهُدى) .

وقد جمعت هذه الأحرف التي تكتب بالواو في كلام فقلت: بهداية مثل المشكاة وإقام الصلاة بالعشي الغداة وإيتاء الزكاة وإجتناب الربا ومناة تحصل للعبد النجاة وطيب الجياة.

والحمد لله.

وظهور الواو في الخط يدل على أن معاني هذه الحروف ظاهرة في الإدراك من جهة إعتبار الملك.

ص: 81

وبطون الألف يدل على أن مساواة قسمي الوجود في المعنى باطن في الإدراك فافهم.

وكذلك كل كلمة ثلاثية لامها في اللفظ ألف فإنه إن كان أصلها الياء كتب بالياء لأن معناها يكون أبدا من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين فيه.

وإن كان أصلها الواو كتبت بالألف لأن معناها يكون أبدا من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك مثلك رمى ودعا. فالياء من رمى تدل على أن معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك. وأن إستواء القسمين فيه باطن في الإدراك. والألف من دعا تدل على أن استواء قسمي الوجود في معنى الدعاء ظاهر في الإدراك وأن خصوصوه بقسم الملك منه باطن في الإدراك وإنما انقلب لأجل الغيبة. فإن الحضور أصل والغيبة حال عارضة ولهذا ترد الفعل إلى نفسك التي هي حاضرة. فإن ظهر الحرف بالياء فأصله الياء. وإن ظهر بالواو فأصله الواو.

وقد تكون كلمة من ذوات " الواو أو الياء " ويكون معناها من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك وفي تلك الكلمة بعينها يكون الأصل من جهة الملكوت أظهر في العلم فكتبت بالياء مثل حرفين كتبا بالياء على الأصل وهما: (ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأَى) و (ما زاغَ البَصَرُ وَما طَغى) فتأكدت في شهود الحق كما دل عليه حرف التحقيق والقسم (لَقَد

ص: 82

رَأَى) فهذان الحرفان على غير حال رؤية الأبصار مثل: (فَلَما رَءا قَميصَهُ) . (فَلَما رَءا أَيديهِم لا تَصِلُ إِليهِ نَكِرَهُم) فإِنها من جهة أصل معناها ملكوتية ومن جهة المشاهدة الحسية هي ملكية فاستبوى معناها في قسمين الوجود للإدراك فثبت الألف، فيجتمع ألفان، فيحذف الآخر لأنه لا يجتمع ألفان في الفم فلا يجتمعان في الخط كما ذكرناه قبل.

ومثل أحرف كتبت بالياء وأصلها الواو وهي: (والأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحاها) وذلك أن دحو الأرض وطحوها باطن لم ندركه حساحين الأثر لأنه قبل كوننا منها. فهو ملكوتي. وضحى الشمس كلي غير مختص بجزئي معين. وكذلك تلو القمر ليس ما نحس إذ نحس تلو كل واحد منهما الآخر فهو معتبر من جهة ملكوتية. فجهة الملكوت في هذه الأحرف في هذه المواضع بعينها أظهر في الإدراك.

ص: 83

ومثل: (إِنّا لَمّا طَغا الماءُ) كتب بالألف فظهور الألف فيه يدل على استواء قسمي الوجود في معناه فهو على خلاف حال فرعون (إِلى فِرعونَ إِنّهُ طَغى) لأن هذا يعتبر من جهة نفسه ومن جهة أفعاله وجهة النفس الباطن أظهر في الإدراك.

ومثل الزنا فإنه ملكي للمباشر ملكوتي لغيره. فاستوى معناه في قسمي الوجود وبطن في الفهم اختصاصه بالملكوت الذي هو أصله الياء وملكي من حيث ألفيا فيه سيدها عيانا. فاستوى معناه في القسمين فكتب بالألف فهو بخلاف (لَدى الحَناجِرِ كاظِمين) لأنه باطن.

وما زاد على الثلاثي مما كان اعتبار معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين في معناه فإنه يكتب بالياء وإن كان أصله الواو مثل: أعطى وأوصى ومصفى " واصطفاه "

ص: 84

والتورية. وما كان اعتبار معناه من جهة استواء القسمين فيه أظهر فإنه يكتب بالألف مثل: (فَأَحيا بِهِ الأَرضَ مِن بَعدِ مَوتِها) .

وفي سورة الأعلى: (ثُمّ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) لأن ملكه وملكوته سواء في معناه فإنه خطاب الله تعالى وإخباره عن ملكه. وذلك لا يختلف فيه القسمان. فهو على خلاف الحرف الذي في طه: (فَإنّ لَهُ جَهَنَم لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) كتب بالياء لأنه ملكوتي حيث أخبروا به فرعون في موطن " الدنيا وهو " صفة أخروية.

وكل كلمة يكون عينها ألفا في اللفظ منقلبا عن ياء أو عن واو، فمنها ما يكتب بالألف لأن انقلابها يدل على أن معنى الكملة من جهة الملك الظاهر يتضمن كليها الملكوتي الباطن، فيجتمع على معناها قسما الوجود معا. مثل: الباب ومختال من الأسماء فأصلها: " بوب " و " مختيلط وكل واحد منهما يتضمن معناه قسمي الوجود معا.

ومثل: قال وكاد أطاع وأذاعوا من الأفعال. فإن الفعل الماضي يدل على على تحقق المعنى فيتضمن مصدره ويستلزم فاعله الضرورة،

ص: 85

وقد يخفى معنى الكلمة عن الإدراك فيحذف الحرف رأسا سواء كان عينا أو لاما، من ثلاثة أحرف كانت الكلمة أو من أكثر مثل (مَكاناً عَلِيا) حذف لأنه ملكوتي علوي بخلاف:(مَكاناً ضَيقاً) ثبت لأنه ملكي سافل.

ومثل: (فَمَن تَبِعَ هُدايَ) هو من جهة إضافته إلى ضمير الرب خفي أصله الملكوتي، ومن جهة اتباعه استوى فيه اتباع قسمي الوجود الملكي والملكوتي، ومن جهة الهداية هما معا باطنان فحذف الحرف رأسا.

ومثل: (أَمِ السَماءَ بَناها) هو خفي الملكوت (رَفَعَ سَمكَها فَسواها) ظاهر الملكوت.

ومثل (فَزادوهُم رَهَقاً) حذف لأنه فعل خفي باطن من فاعل خفي هو الجن. فأخفي ألفه لأجل ذلك.

ومثل: (فَأشارت إليه) هو فعل لا يدري كيفه فإنه إشارة فهموا منها أنها قالت لهم: كلموه. ولذلك قالوا: (كَيفَ نُكَلِمُ مَن كانَ في المَهدِ صَبِياً) .

ومثل: (وَالَّذَينَ اِستَجابوا لِرَبِهِم وَأَقاموا الصَلاة) حذف ألف الفعل لأنه جاء بلفظ الماضي، ومعناه الحصول والتحقق على العموم والإطلاق في كل الأزمان فيندرج تحته جزئيات الأزمان. فهو كلي ملكوتي الإعتبار. فاعلمه. وفيما ذكرته كفاية في التنبيه للطالب النبيه.

ص: 86