المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الألف الناقص من الخط - عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل

[ابن البناء المراكشي]

الفصل: ‌فصل في الألف الناقص من الخط

‌فصل في الألف الناقص من الخط

كل ألف تكون في كملة لمعنى له تفصيل في الوجود إذا اعتبر ذلك من جهة ملكوتية أو صفة حالية أو أمور علوية مما لا يدركه الحس فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك.

وإذا اعتبر من جهة ملكية أو صفة حقيقية في العلم وأمور سفلية ثبت الألف.

واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب. فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب. فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل.

قال الله تعالى في هود: (الرَ كِتابٌ أُحكِمَت آَياتُهُ ثُمّ فُصِلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبير) .

وقال في فصلت: (كِتابٌ فُصِلَت آَياتُهُ قُرءاناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعلَمون) وقال تعالى: (إِنّ عَلَينا جَمعَهُ وَقُرءَانَهُ فَإِذا قَرأَناهُ فاتَبِع قُرءانَه) ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن وحذف ألف الكتاب.

وقد حذف ألف القرءان في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الإعتبار. قال الله تعالى في يوسف: (إِنّا أَنزَلناهُ قُرءاناً عَرَبياً) .

وفي الزخرف: (إِنّا جَعَلناهُ قُرءاناً عَرَبِيا) والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله.

ص: 65

وقال بعد ذلك في كل واحد منهما: (لَعَلَكُم تَعقِلونَ) فعربيته هي من الجهة المعقولة.

وقال في الزخرف: (وَإِنّهُ في أَُمِ الكِتابِ لَدينا لَعَليٌ حَكيم) .

وكذلك ثبت ألف الكتاب في أربعة أحرف هي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي.

أحدها في الرعد: (لِكُلِ أَجلٍ كِتاب) هذا الكتاب هو كتاب الآجال فهو أخص من الكتاب المطلق والمضاف إلى إسم الله. وفي الحجر: (وَما أَهلَكنا مِن قَريَةٍ إِلاّ وَلَها كِتابٌ مَعلوم) هذا الكتاب هو كتاب إهلاك القرى، وهو أخص من كتاب الآجال.

وفي الكهف: (وَاتلُ ما أُوحيَ إٍليكَ مِن كِتابِ رَبّكَ) هذا الكتاب هو أخص من الكتاب الذي في قوله تعالى: (اُتلُ ما أُوحِيَ إِليكَ مِن الكِتاب) لأنه أطلق هذا وقيد ذلك بالإضافة إلى الإسم المضاف

ص: 66

إلى معين في الوجود. والذي هو أخص أظهر تنزيلا.

وفي النمل (تِلكَ آَياتُ القُرآنِ وَكِتابٍ مُبين) هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن جاء تابعا للكتاب كما قد تبين لك. وكما جاء في الحجر: (تِلكًَ آَياتُ الكِتاب وَقُرآنٍ مُبين) فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل " الكتاب الكلي بجوامع " كليته " والله أعلم.

وكذلك حذفت الألف من (بِسمِ اللَهِ) تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده، وأن عنه انفصلت الأسماء " فهو كليها " يدلك عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها وأولها. ولذلك لم يتسم بهذا الإسم غير الله. قال الله تعالى:(هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيّا) وسائر أسماء الله ظهرت التسمية بها في المخلوقات، فأظهر ألف الإسم معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود.

وحذف الألف الذي قبل الهاء من إسم (اللَهَ) وأظهرتب التي مع اللام من أوله دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان والباطن من جهة الإدراك والعيان.

وحذفت الألف التي قبل النون من اسمه (الرَحمن) حيث وقع بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود فلا نفرق في علمنا بين الوصف والصفة. وإنما الفرقان في التسمية والإسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسميةب بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقتها إلى الله لا على ما يرتسم

ص: 67

في نفوسنا بالوهم الكاذب والخيال الشعري، لأنه لا يعلم الله إلا الله فلا " نشبه " لأنه ليس كمثله " شيء " ولا نعطل لأنه هو اللطيف الخبير، وهو السميع البصير. فلذلك كتب الإسم على العلم لا على التسميةس.

وكذلك حذفت ألف كثيرمن أسماء الفاعل مثل: (قادِر) و (عالِم) وذلك أن هذه الألف زائدة في وسط الكلمة فهي لمعنى في نفس معنى الكلمة.

فهذه الكلمة لها تفاصيل في معناها إلى وصف وصفة. ولذلك جعل الألف في وسط الكلمة. فما كان منها يدرك فرقانه حقا أو كان سفليا كتب بالألف، وما لا ندركه أو كان علويا شريفا يحذف ألفه.

وكذلك الألف الزائدة في الجموع السالمة والمكسرة. وفي مصار بعض الأفعال (مثل القانِتات والقانِتين) والأبرار والجلال والإكرام واختلاف واستكبر فإنها كلها وردت لمعنى مفصل اشتمل عليه معنى تلك اللفظة " فتحذف " حيث يبطن التفصيل وتثبت حيث يظهر.

وكذلك الألف الزائدة مع النون للمبالغة في الإسم مثل عمران دون الفعل السفلي في الملك " نحو الخسران فإن الفعل السفلي في الملك

ص: 68

ثقيل والإسم علوي خفيف وبعض الجموع والمصادر.

وكذلك ألف الأسماء العجمية مثل إبراهيم وإسماعيل لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في اللسان العربي. لأن العجمي بالنسبة إلى العربي باطن خفي لا ظهور له فحذف ألفه.

وقد تكون الصفة ملكوتية روحانية وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية هي أظهر في الاسم فيثبت الألف كالأواب والخطاب والعذاب و (أَم كُنتَ مِنَ العالين) و (الوَسواس الخَنّاس) .

وقد تكون ملكية جسمانية وتعتبر من جهة مرتبة عليا ملكوتية هي أظهر في الإسم وتحذف الألف كالمحراب ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك فيحتاج إلى تدبر وفهم.

ومنه ما يكون ظاهر الفرقان كالأخير والأشرار يحذف من الأول دون الثاني.

ومنه ما يخفى (كالفَراش) و (يُطعِمونَ الطَعامَ) فالفراش محذوف والطعام ثابت وونهما واحد وهما جسمان لكن

ص: 69

يعتبر في الأول " مقام " التشبيه. فإن المشبه محسوس وصفة " التشبيه " غير محسوسة. المشبه به غير محسوس في حالة التشبيه إذ جعل جزءا من صفة المشبه به من حيث هو منفرش مبثوث لا من حيث هو جسم.

وأما في الطعام فهو المحسوس الذي يعطي للمحتاجين وكذلك: ((وَطَعامُ الَّذَينَ أُوتوا الكِتابَ حِلّ لَكُم وَطَعامُكُم حِلّ لَهُم) .

ثبت الألف في الأول لأنه سفلي بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه، وحذف من الثاني لأنه علوي بالنسبة إلى طعامهم كعلو ملتنا على ملتهم.

كذلك: ((كانا يَأكُلانِ الطَعام) محذوف لعلو هذا الطعام.

وكذلك (وَغَلّقَتِ الأَبواب) غلّقت فيه التكثير في العمل فيدخل فيه أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الإعتصام فحذف الألف من ذلك ويدل عليه (وَاستَبَقا الباب

وألفيا سَيدَها لَدا الباب) .

فأفرد الباب المحسوس من تلك الأبواب.

ص: 70

وكذلك: (وَفُتّحَت أَبوابُها) محذوف لأنها من حيث فتحت ملكوتية علوية.

و (مُفَتِحَةٌ لَهُمُ الأَبواب) ملكية من حيث هي لهم فثببت الألف.

و (قيلَ اِدخُلوا أَبوابَ جَهَنّم) ثابت لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية.

" كذا ": (لَها سَبعَةُ أَبواب) من حيث حصرها العدد في الوجود ملكية، فثبت الألف.

وكذلك " الجراد " و " الضفادع " الأول ثابت هو الذي في الواحدة المحسوسة، والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة.

والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية.

وكذلك (أَن نُبَدِلَ أَمثالَكُم) حذف ألف أمثال لأنها

ص: 71

أمثال كلية لم يتعين منها للفهم جهة التماثل فيها.

و (كَأَمثالَ اللُؤلُؤ) ثابت الألف تعين للفهم جهة التماثل وهو في البياض والصفاء.

كذلك: (يَضرِبُ اللَهُ للِناسِ أَمثالَهُم) حذف للعموم.

و (انظُر كَيفَ ضَرَبوا لَك الأَمثالَ) ثابت في الفرقان لأنها المذكورة ثمة حسية مفصلة ومحذوف في الإسراء لأنها غير مفصلة باطنة.

وكذلك: (فإذا نُفِخَ في الصورِ نَفَخَةً واحِدة وَحُمِلَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكّتا دَكَةً واحِدة) . الواحد الأولى محذوفة الألف لأنها روحانية لا تعلم إلا إيماناً، والثانية ثابتة لأنها جسمانية تتصور من أمثالها من الجزئي.

وكذلك: (كِتابِيه)" محذوفة " لأنه ملكوتي و (حِسابِيه)" ثابت " لأنه ملكي وهما معاف ي موطن الآخرة.

كذلك: (القاضِية) ملكوتية و (مالِيَة) ملكي محسوس. فحذف الأول وثبت الثاني.

ص: 72

وكذلك: (وَلَما بَرَزَوا لَجالوتَ وَجُنودِه) حذف لأنه الإسم.

0و - َقَتَلَ داوودُ جالوتَ) ثابت لأنه مجسم محسوس.

وكذلك: (سُبحانَ) هو محذوف لأنه ملكوتي إلا حرف واحد اختلف فيه المصاحف وهو: (قُل سُبحانَ رَبّي) فمن أثبت الألف فلأن هذا تنزيه من مقام الإسلام وحضرة الأجسام وصدر به مجاوبة للكفار في موطن الرد والإنكار. ومن أسقط فلعلو " حال " المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يشغله عن الحضور بقلبه في الملكوت الخطاب في الملك.

وهذا أولى الوجهين.

وكذلك: (لَقَد كَفَرَ الَّذَينَ قالوا إِنّ اللَهَ ثالِثُ ثَلاثَة) ثبت ألف " ثالث " لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة فثبت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في " الإله " تعالى الله عن قولهم. وحذف ألف (ثَلاثَة) لأنهإسم العدد الواحد من حيث هو " جملة " واحدة وذلك فيه أجلى من التفصيل.

كذلك: (وَما مِن إلهٍ إِلاّ إِلَهٌ واحِد) حذف الألف من إله وثبت في الواحد " الصفة " لأنه إله في ملكوته تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك

ص: 73

واحد في ملكه تنزه بوحدة أسمائه عن الإعتضاد و " الإشراك " ليس لسواه وجود إلا منه (الَّذي أَعطى كُلّ شيءٍ خَلَقَهُ ثُمّ هَدى) . هذا من جهة إدراكنا.

وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا ندرك ذلك بل نسلم علمه إلى الله. فحذف الألف مثل (إِلهاً واحِداً وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ) .

وكذلك ألف " الإثنين ": إن كانت التثنية اللازمة ظاهرة يثبت الألف مثل: (قالا) ، و (إِن تَتُوبا) و (لا يَبغيان) و (يَسجُدان) ، و (اِثنانَ) و (يَداهُ) .

وإن كانت غير ظاهرة في العلم حذف مثل: (قالَ رَجُلان) و (تُكَذِبانِ) .

وكذلك سقط " الألف " الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في

ص: 74

ثلاثة أحرف: (آَيُها المُؤمِنونَ)، (أَيُّهَ الساحِرُ) (أَيُها الثَقَلان) إشارة إلى معنى الإنتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها و " تنبيها " على الإقتصار والإقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي. فقوله تعالى:(وَتُوبوا إِلى اللَهَ جَميعاً) يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والإستغراق فيهم.

وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: (إِنّ هَذا لَساحِرٌ عَلَيم) .

وقول فرعون أيضا: (إِنّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلّمَكُمُ السِحر) يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد.

وقول الله تعالى: (سَنَفرُغُ لَكُم أَيُها الثَقَلان) .

فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية فإنها تتضمن جميع الصفات الملكوتية والجبروتية.

فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم وعلى ما ينبغي لهم " من الرجوع " إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا.

ص: 75