الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الألف
اعلم أن الألف على ثلاثة أقسام في الخط: منه ما يكون زائدا.
ومن ما يكون ناقصا.
ومنه ما يكون بدلا.
وهذه الأقسام على أصل الثبوت في الخط والكلام إنما هو في هذه الثلاثة أقسام في ثلاثة فصول.
فصل في الألف الزائدة
وهي على ثلاث أضرب: ضرب تزاد من أول الكلمة.
وضرب تزاد فيه من آخرها.
وضرب تزاد فيه من وسطها.
فالضرب الأول الذي تزاد فيه من أول الكلمة.
هذا يكون باعتبار معنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود مثل: (أو لأَذبَحَنّه) أو (لأَاوضَعوا خِلالَكُم) زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد وأثقل في الوجود من المقدم عليه لفظا. فالذبح أشد من العذاب والإيضاع " أشد فسادا " ن من زيادة الخبال. وظهرت الألف في الخط لظهور القسمين في العلم.
واختلف المصاحف في حرفين: (لا إٍلى الجَحيم) و (لا إِلى اللَهِ تُحشَرونَ) .
فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم وأن محشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا أثبت الألف ومن لم ير ذلك لأنه غيب عنا فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته وهو أولى.
وكذلك (يايئس)(وَلا تايئسوا)(إِنّهُ لا يايئس)(أَفَلَم يايئس) لأن الصبر وانتظار الفرج " أخف " من " الإياس. والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار.
والضرب الثاني الذي تزاد فيه من آخر الكلمة.
هذا يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة فحصل في الوجود مثل زيادتها بعد الواو في الأفعال مثل (يَرجوا)(وَيَدعوا) وذلك أن الفعل " أثقل " من الإسم لأن الفعل يستلزم معناه فاعلا بالضرورة فهو جملة في الفهم منقسمة قسمين، والاسم مفرد لا يستلزم غيره. فالفعل أزيد من الإسم في الوجود، والواو أثقل حروف المد واللين، والضمة أثقل الحركات والمتحرك أثقل من الساكن وكل ذلك حاصل في الوجود يجده كل إنسان من نفسه ضرورة.
وأصل يرجو يرجو اجتمع الفعل والواو والضمة وحركة الواو. فخففت الواو بالسكون لأنها في محل الوقف آخر الكلمة. وبقي ثقل الفعل والحرف
فزيدت الألف تنبيها على هذا " الثقل " الذي هو للجملة بالنسبة إلى الإسم المفرد الذي هو شيء خارج عن الفعل ولازم عن فهم الفعل بعده وفي الاعتبار. وكلاهما ظاهر في العلم فلذلك زيدت الألف من آخر الكلمة. فإذا كانت الألف تزاد فيه مع الواو التي هي لام الفعل فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى لأن الكلمة جملة مثل: قالوا وعصوا إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الإعراب فيتحصن الواو بالنون التي هي من جملة الفعل إذ هي إعرابه، فتصير كلمة واحدة وسطها واو، كالعيون والسكون.
فإذا دخل ناصب أو جازم مثل: (فَإِن لَم تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوا) ثبت الألف.
وقد تسقط في مواطن حيث لا يكون ذلك على " الجهة المحسوسة من الفعل بل على أمر باطن في الإدراك مثل: (وَالَّذَينَ سَعَوا في آَياتِنا مُعاجِزِين) هذا سعي بالباطل ملكوتي لا يصح له ثبوت في الوجود من حيث هم
(مُعاجِزونَ) فسعيهم باطل في الوجود. وكذلك: (وَجاءَ بِسِحرٍ عَظيم) و (جاءوا ظُلماً وَزوراً) ، (وَجاءوا أَباهُم عِشاءَ)(وَجاءَوا عَلى قَميصِهِ) هذا المجيء ليس على وجهه من حالة الوجود الملكي الصحيحة.
وكذلك: (فَإِنّ فاءَو) و " هو " في بالقلب والاعتقاد. وكذلك (تَبَوّءو الدارَ وَالأيمان)(اِختارُوهُما) مسكنا لكن لا على الجهة المحسوسة لأنه سوى بين الدار والإيمان، وإنما اختاروهما مسكنا " لمرضاة " الله تعالى. ويدل عليه وصفهم بالايثار مع الخصاصة. فهذا دليل على زجرهم في محسوسات الدنيا.
وكذالك: (وَباءوا) لأنه رجوع معنوي.
وكذلك: (عَسى اللَهُ أَن يَعفوَ عَنهُم) لا يتصور فيه التركيب في الفهم لأنا لا ندركه إنما تركيبه وهميّ شعري. فإن كيف هذا الفعل لا يعلم إذ هو ترك المؤاخذة فحذف ألفه لذلك.
وكذلك: (وَعَتَو عُتُوّاً كَبيراً) هذا عتو على الله لذلك وصفهم بالكبر فهو باطن باطل في الوجود.
وكذلك سقطت من: (وَإِذا كالوهُم أَو وَزَنوهُم يُخسِرونَ) ولم تسقط من (وإِذا غَضِبوا هُم يَغفِرونَ) لأن " غضبوا " جملة بعدها أخرى والضمير " مؤكد للفاعل " في الجملة الأولى.
و" كالوهم " جملة واحدة، الضمير جزء منها. وفرقانه ظاهر.
وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في " كلمتين ": (إِنّي أُريدُ أَن تَبُوأَ) و (ما إِنّ مَفاتِحَهُ لَتَنوأ) تنبيها على تفصيل المعنى " فإنه " يبوء " بإثمين " من فعل واحد. وتنوء المفاتح بالعصبة فهو نوآن " للمفاتح " لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم. وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس إلى كنوز العلم التي تنوء بالعصبة أولي القوة في بقيتهم إلى ما عند الله في الدار الآخرة من النعيم المقيم.
وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة " المعضودة " بالواو لبيان وقوع المعنى على تفاصيله بالنسبة إلى شيء خارج عنه كما ذكرناه في باب الهمزة. ومنه: (كَأمثالَ اللُؤلُؤ) . زيدت الألف بعد الهمزة المعضودة آخراً تنبيها على صفتي البياض والصفاء، وبالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الأفراد.
يدل عليه قوله تعالى: (كَأَمثالِ) وهو على خلاف حال: (كَأَنّهُم لُؤلؤٌ)" لم " تزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل: يدل على ذلك قوله تعالى: (كَأَنّهُم لُؤلُؤٌ مَكنَون) .
وكذلك زيدت الألف في الإسم المفتوح المنون علامة على أنه وسط بالنسبة إلى المرفوع والمخفوض وأنه كامل التمكن بالنسبة إلى غيره.
وكذلك: (وَتَظُنونَ بِاللَهِ الظُنونا) و (فاضَلونا السَبيلا)(وَأَطعنا الرَسولا) . زيدت الألف لبيان القسمين واستواء الظاهر والباطن بالنسبة إلى حالة أخرى غير تلك. ولم تزد لتناسب رءوس الآي كما قال قوم. لأن في سورة الأحزاب (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) . وفيها:
(فَأَضلونا السَبيلا) ، وكل واحد منهما رأس آية، وثبت الألف في الثاني دون الأول. فلو كان لتناسب رؤوس الآي لثبت في الجميع.
والضرب الثالث الذي تزاد فيه في وسط الكلمة.
هذا يكون لمعنى في نفس بمعنى الكلمة ظاهر في الفهم مثل: (وَجاىء يَومَئِذٍ بِجَهَنّم) زيدت الألف دليلا على " أَنّ " هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن معهود المجيء. وقد عبر عنه بالماضي، ولا يتصوّر إلا بعلامة من غيره ليس مثله، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء. ويدل على ذلك قوله تعالى في غير هذا الموضع (وَبُرَزَتِ الجَحَيمُ لِمَن يَرى) وقال:(إِذا رَأَتَهُم مِن مَكانٍ بَعيد سَمِعوا لَها تَغَيُظاً وَزَفيراً) فهو على خلاف حال: (وَجيء بِالنَبيينَ وَالشُهَداء) فإن هذا على معنى معروف المثل في الدنيا والآخرة.
ومن تأوله بمعنى البروز في " المحشر " لعظيم حساب الخلق " أثبت الألف فيه أيضا.
وكذلك: (وَلا تَقُولَنَّ لِشاىءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غداً) . الشيء هنا معدوم
وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الإسم منه من حيث إنه بقدر أنه يكون مثله في الوجود.
وعلى ذلك ثبت له الإسم لا من الجهة التي هو بها معدوم لأنه من تلك الجهة ليس بشيء. فانقسم في الإعتبار قسمين والجهة التي هو بها شيء غير الأخرى فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود إذ هو موجود في الأذهان حقا معدوم في الأعيان حقا.
وهذا على خلاف حال الحرف الذي في النحل: (إِنّما قَولُنا لِشيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقَولَ لَهُ كُن فَيَكون) لأن الشيء هنا من جهة قول الله له: (كُن) لا نعلم كيف ذلك فلا ينقسم.
ووما يرسم في نفوسنا من ذلك بالتوهم هو راجع إلينا حال شعرية كاذبة فنؤمن بالمعنى تسليما لله فيه لأنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها، ونحن إنما نعلم الأشياء بوجودها لا بعلمنا فلا نشبه ولا نعطل.
وكذلك: (إِلى فِرعَونَ وَمَلائِهِ) زيدت الألف بين اللام والهمزة المعضودة بالياء تنبيها على تفصيل في هذا الملإ ظاهر في الوجود. وقد جاء ذكر هامان وقارون منهم. وهذا تقسيم ظاهر في الوجود.
وكذلك زيدت الألف في مائة لأنه في اسم اشتمل الوجود على كثرة مفصلة بمرتبتين آحاد وعشرات.
وهو تضعيف العشرة عشرة أمثال الذي هو التضعيف الواحد عشرة أمثال إذا علم ذلك بالفعل في الوجود وكان حقا لا شك فيه. فالمائة أضعاف الأضعاف للواحد ففيها تفصيل الأضعاف مرتين لذلك زيدت الألف في مائتين أيضا تنبيها على المرتبتين في الأضعاف.
وليس زيادة الألف في مائة للفرق بينها وبين " منه " كما قال قوم لأنه ينعكس بالمائتين إذ لا تلتبس فقد وجد الحكم وهو زيادة الألف في المائتين مع تخلف العلة.
وينتقض قولهم أيضا بفئة فإنها تلتبس بفيه. فقد وجدت علة الإلتباس وتخلف حكم زيادة الألف للفرق.
ولا يصح أيضا قول من قال للفرق بينها وبين مية لأن مية لم يأت في القرآن وينعكس قوله بالمائتين وينتقض بفية كما تقدم.