الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاه محمد خدابنده
وهو ابن طهماسب جلس على العرش سنة (985هـ)، وكان ضعيف البصر لدرجة العمى، ولكنه كان جبّاراً، فقد قتل أخته (بريخان) لما لها من نفوذ عالي في القصر، كما قتل أخواله، وحتى أطفال أخيه إسماعيل الثاني، وحصل قتال بينه وبين العثمانيين زمن السلطان مراد الثالث، وحاول القزلباشية التلاعب بالحكم ووضع حاكم يناسبهم، ولكن ابنه عباس وكان عمره (17) سنة فطن لذلك فجمع جيشاً كبيراً من القبائل وخلع أبوه سنة (955هـ/1587م)(1).
عهد الشاه عباس الكبير
كان الشاه عباس على صغره رجلاً صاحب دهاء ومكر، وكل شيء يفعله غايته تبرر وسيلته، فقام بقتل مربيه وخير قواده، ومدة حكمه كانت (42سنة)، من سنة (996هـ - 1038هـ)(1587 - 1628م)، وكان أول ما قام به معاهدة صلح مع العثمانيين سلّم مدناً كثيرة متنازلاً للعثمانيين. كما شرط عليه إيقاف لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة، والذي كان معمولاً به في إيران فقبل. وأبقى ابن أخيه رهينة عند العثمانيين فوافق على كل الشروط (2).
(1)"إيران دراسة عامة"(149 - 250).
(2)
"تاريخ إيران زمين"، د. محمود جواد مشكور (ص275).
كان الأوزبكيون السُنة قد استولوا على خراسان وعلى مدينتي مشهد وسبزوار سنة (1002هـ)، ولكن مات ملك الأوزبك عبد الله خان وقتل أخوه عبد المؤمن فهاجمهم الشاه عباس في مدينة هراة وطردهم من المنطقة سنة (1006هـ).
بعد ذلك اتصل الشاه عباس ببريطانيا لترسل له خبراء أسلحة، ورحبت بريطانيا بذلك فأرسلت له "السير أنطوني شيرلي" وأخوه السير "روبرت سيرلي"، واتفقوا على تكوين جيش جديد من حملة البنادق بدل الرماح والسيوف، كما أدخل المدفعية وبنى مصانع للسلاح، كما إنه كون قبيلة سماها "شاهسون" أي أصدقاء الملك وهو تجمّع على أساس الولاء للملك لا على أساس القربى والنسب (1).
كما إنه ساعد الإنكليز في إضعاف النفوذ الهولندي في الخليج العربي، وإبداله بالنفوذ الإنكليزي، واشتركا معاً بجيوش لتنفيذ هذه المهمة واستمرت حروبهم حتى سنة (1034هـ).
أما حروب الشاه عباس ضد العثمانيين فبدأت عندما شعر الشاه بقوته، شرع بإرجاع ما أعطاه لهم في معاهدته مثل مدينة "تبريز" كما إنه حاول احتلال منطقتي "شروان وديار بكر"، ثم توجه أخيراً إلى بغداد (2).
(1)"تاريخ إيران"، سايكس (2/ 271)، و"إيران دراسة عامة"(ص252).
(2)
"خليج فارس در عصر استعمار"، وادالا، ترجمة شفيع جوادي (42 - 43)، و"تاريخ إيران زمين"(277).
والشاه عباس كان طائفياً بشكل جلي، وأشنع ما أراد فعله أنه حاول أن يقنع الإيرانيين بالتخلّي عن الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد؛ لأن الواجب القومي يحتّم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية ودفع رسم العبور، وكان يحث رجال الدين لتعظيم زيارة الرضا، كما إنه تردد مراراً لزيارته ومشى مرة على الأقدام إلى مدينة مشهد ويقال إنه مشى أكثر من (1300كم)(1).
كم إنه عامل الأكراد السُنة معاملة سيئة، فقد طلب منهم الدخول في المذهب الشيعي فرفضوا مما أدى بالشاه عباس إلى قتلهم وشردهم إلى بلاد خراسان ليكونوا حاجزاً بينه وبين الأوزبك، وقد قتل في أيام (70ألف كردي)، ورحّل (15000) عائلة كردية (2).
وكان يقتل أسرى العثمانيين والأوزبك فإن لم يقتلهم سمّل عيونهم، إلا إذا تخلى عن مذهبه فله حكم آخر. (3)
وكان أحياناً يمثّل بعلماء السُنة فيقطع آذانهم وأنوفهم وتعطى هذه
(1)"الشاه عباس الكبير" د. بديع محمد جمعة (101 - 102).
(2)
"خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن"، محمد أمين زكي، ترجمة محمد علي عوني، 1936م، (207، 208، 211). ( History of Persiav`vol 11، P 174) . وفي ذلك عبرة للأكراد وخاصة أكراد العراق، فقد صمد أجدادهم على المذهب وفعل الشاه عباس ما فعل، فهو يحاربهم من أجل المذهب، واليوم تعاون قادة أكراد العراق (الطالباني-البارزاني) مع الشيعة واطمئنوا لإيران، ولن ترحمهم إذا انتهت من سُنة العراق، فهم على أي حال سُنة، والعاقل من اتعظ بغيره.
(3)
"عالم آراي عباسي"(334 - 335).
الأعضاء لعوام السُنة لأكلها. (1)
وكما كان يحاصر مدناً سنية من أجل تسليمه شخص مطلوب وإلا قتل المدينة كما فعل مع مدينة همدان. (2)
بينما كان يكرّم النصارى سواء من كانوا من أهل إيران أو رعايا الدول الأوروبية، بل كرم حتى التبشير المسيحي في إيران. وبنى مدينة للأرمن قرب أصفهان، تدعى "جلفا"، وكان يكرم النصارى بشكل غير طبيعي، لذا أقبل تجار أوروبا من كل حدب وصوب إلى إيران، وأصدر قوانين بإعفائهم من الضرائب، ومنع رجال الدين الشيعة من إزعاجهم أو مناقشتهم، وكان يقدّم هدايا لحم الخنزيرإليهم، وأمر جميع أعضاء البلاط باحتساء الخمر مشاركة للمسيحيين حتى ولو في شهر رمضان، وبنى لهم الكنائس، بل كان يشاركهم أعيادهم وسماع مواعظهم، مما شجع بعض القساوسة لدعوته للدخول في الدين النصراني ولكنه اعتذر بلطف. (3)
(1)"الشاه عباس الكبير"(ص103).
(2)
مرجع سابق (103 - 104). كما فعل الأمريكان مع فيلق بدر وحاصروا الفلوجة وطلبوا من أهل الفلوجة بعض المطلوبين.
(3)
"الشاه عباس الكبير"(106 - 107).
أما خلاصة ما فعله في مدينة بغداد، فقد ثار قائد من القواد العثمانيين على والي بغداد يدعى (بكرصوباشي) وسيطر على بغداد ولكنه خاف من بطش العثمانيين، فأرسل إلى الشاه عباس يطلب منه دعمه مقابل أن تكون بغداد تابعة له (1)، رحب الشاه عباس بذلك، حتى يستعيد بغداد ويتمكن من زيارة النجف وكربلاء، وتكون تحت تصرفه.
توجه صوب بغداد وعندما اقترب من بغداد طلب من "بكر صوباشي" مفاتيح بغداد، ولكن بكر رفض تسليمه خوفاً من الغدر به.
واستطاع الشاه عباس دخول بغداد والسيطرة على الموصل وكركوك وسيطر على أغلب العراق وذهب إلى النجف.
ولكن ماذا فعل الشاه عباس ببغداد؟
هتك حرماتها وأستارها، ورمل نساءها، ويتمت الأطفال، وأتلفت الثروات، وخربت الجوامع، وجعلت أرضاً منبسطة، وهدمت المراقد ونهبت، ومنها مرقد أبي حنيفة وعبد القادر الجيلاني. وأما العشائر فنكّل بها وأجرى عليهم عدة مظالم.
والشاه عباس خدع أهل بغداد عندما وعدهم بالأمان كي يسلموا اسلحتهم، وأخذ يقتل ويعذب الآلاف ورفض كثير من أهل بغداد تغيير عقيدتهم وفضلوا الموت على التشيع ولو بالظاهر، وأخذ أطفالهم
(1) مثلما فعلته المعارضة العراقية استعانت بالمحتل وإيران على حكومتها.