المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يحرم التعامل بالربا مطلقا سواء أكان مع مسلم أو مع غيره - فتاوى يسألونك - جـ ٣

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِمَة

- ‌ الجزء الثالث

- ‌الصلاة

- ‌الأذان الموحد

- ‌قول الإمام للمصلين: " استحضروا النية " بدعة

- ‌موقف المأموم الواحد بمحاذاة الإمام

- ‌لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام

- ‌تكرار صلاة الجماعة في المسجد

- ‌سنة الظهر القبلية

- ‌التسبيح باليدين بعد الصلاة المفروضة

- ‌بدعة ختم الصلاة جماعة

- ‌صلاة المسافر خلف المقيم

- ‌صلاة الحاجة

- ‌صلاة الجمعة

- ‌إذا صلت المرأة الجمعة فلا تصلي الظهر

- ‌تسليم الخطيب على المصلين

- ‌يكره السجع في الخطبة

- ‌لا يجوز ذكر الأحاديث المكذوبة في الخطبة

- ‌صلاة الجنازة والقبور

- ‌صلاة الجنازة على قاتل نفسه

- ‌كيف يكون حال مشيع الجنازة

- ‌إعداد الكفن قبل الموت

- ‌حكم الدفن في الفساقي

- ‌زيارة النساء للقبور محظورة

- ‌لا يشترط طهارة المرأة عند حضورها المحتضر

- ‌الزكاة

- ‌دفع الزكاة للأقارب

- ‌لا يجوز احتساب الدين من الزكاة

- ‌حكم استثمار أموال الزكاة

- ‌يصح إعطاء المتضررين من السيول والعواصف من الزكاة

- ‌تعجيل الزكاة

- ‌لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها

- ‌تقدير نصاب زكاة النقود بالذهب

- ‌الصيام

- ‌النية في الصيام

- ‌المسائل الطبية في الصيام

- ‌الأيمان

- ‌إبرار المقسم

- ‌حكم وضع الحالف يده على المصحف الشريف

- ‌تعجيل العقوبة في الدنيا للحالف كاذباً

- ‌يصح تقديم الكفارة على الحنث باليمين

- ‌يحرم على المسلم أن يحرم الحلال وكفارة ذلك

- ‌الأضحية

- ‌بعض أحكام الأضحية

- ‌لا تصح الأضحية بالعجل السمين وعمره تسعة أشهر

- ‌حكم الذبح على مقدمة السيارة

- ‌المعاملات

- ‌العربون في البيع جائز

- ‌يحرم التعامل بالربا مطلقاً سواءً أكان مع مسلم أو مع غيره

- ‌لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل

- ‌لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض

- ‌سداد الدين بعملة أخرى

- ‌يحرم أخذ الأجرة على عسب الفحل

- ‌سماح صاحب الأرض لجاره بالمرور من الأرض لا يعطي الجار الحق في الطريق

- ‌مضاربة فاسدة

- ‌حقوق الناس لا تسقط بالشهادة

- ‌حكم الرجوع في الهبة

- ‌حق التقادم

- ‌ضمان صاحب الدابة لما تسببه من أضرار

- ‌لا ضمان على صاحب البيت إن مات العامل بدون تقصير من صاحب البيت

- ‌حكم المحكم لازم للمتخاصمين

- ‌يجوز الصلح بإسقاط الحق

- ‌المرأة والأسرة

- ‌تغريب النكاح

- ‌قراءة الفاتحة عند عقد الزواج بدعة

- ‌ماذا يترتب على العدول عن الخطبة

- ‌إخبار الطبيب الخاطب عن مرض المخطوبة

- ‌بطلان الدعوة إلى تأخير سن الزواج

- ‌أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل دون إذنه

- ‌يحرم استئصال القدرة على الحمل إلا لضرورة ملحة

- ‌يحرم تمزيق الملابس عند الحزن والغضب

- ‌المعتدة عدة وفاة لا تسافر لحج أو عمرة

- ‌حكم خروج المعتدة عدة وفاة من بيتها

- ‌ضرب الزوج زوجته مشروع بشروط

- ‌نظام الأحوال الشخصية بين الثبات والتطور

- ‌المتفرقات

- ‌الاستماع لقراءة القرآن الكريم

- ‌أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار

- ‌كتاب (مولد العروس) مكذوب على الإمام ابن الجوزي

- ‌احذروا هذين الكتابين

- ‌إحذروا هذه الخرافة

- ‌مداراة الناس

- ‌يكره تسمية العنب كرماً

- ‌بدعة إقامة المولد عند ختان المولود

- ‌العدوى في المرض

- ‌يحرم الطعن في العلماء

- ‌الفرق بين كبائر الذنوب وصغائرها

- ‌حكم الإكرام بالقيام

- ‌فساد ذات البين

- ‌استخدام الجن في العلاج

- ‌حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌صيغة مكذوبة في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أحاديث الأبدال

- ‌هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرر الحديث في أكثر من مجلس

الفصل: ‌يحرم التعامل بالربا مطلقا سواء أكان مع مسلم أو مع غيره

‌يحرم التعامل بالربا مطلقاً سواءً أكان مع مسلم أو مع غيره

يقول السائل: هل صحيح ما يقال، أنه يجوز التعامل بالربا بين المسلم وغير المسلم فيجوز للمسلم أن يضع أمواله في بنوك غير المسلمين، ويأخذ الربا ولا يكون ذلك حراماً؟

الجواب: إنّ الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة / 275 - 279.

وإنَّ أكثر العلماء على تحريم الربا في جميع الظروف والأحوال فالربا في ديار الإسلام حرام، وكذلك هو حرام في ديار الكفر، والربا بين المسلم والمسلم حرام، وكذلك هو حرام بين المسلم وغير المسلم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف من الحنفية، والزيدية وأهل الظاهر وغيرهم.

ونقل عن أبي حنيفة أنه يجيز الربا بين المسلم والكافر في دار الحرب فقد ورد عن أبي حنيفة قوله: " لو أنَّ مسلماً دخل أرض حربٍ بأمان، فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس ".

واستدل من أجاز الربا، بما ورد عن مكحول بن زيد الدمشقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)، وهذا

ص: 123

الحديث ليس بثابت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام الشافعي " وما احتج به لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه " معرفة السنن والآثار 13/ 276.

وقال الإمام الزيلعي عن هذا الحديث: بأنه غريب، أي لا أصل له.

وقال الإمام النووي عن حديث مكحول، أنه مرسل ضعيف، فلا حجة فيه.

ومذهب الجمهور هو الحق إن شاء الله، فالربا حرام في حق المسلم في كل بلدٍ سواء أكان بلد إسلام أم بلد حرب.

قال الإمام الشافعي: " ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون، أنَّ الحلال في دار الإسلام حلالٌ في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام حرامٌ في دار الكفر فمن أصاب حراماً فقد حدَّه الله على ما شاء منه، ولا تضع بلاد الكفر عنه شيئاً " الأم 4/ 165.

وقال الإمام النووي: " يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالإجماع، ولا فرق بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواءً جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي، سواءً دخلها المسلم بأمان أم بغيره، هذا مذهبنا وبه قال الإمام مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور " المجموع 9/ 391 - 392.

ومما يرد على القائلين بالجواز، أنَّ حديث مكحول ضعيفٌ لا يصلح للاستدلال به، ولو كان مقبولاً، فإنه معارضٌ لإطلاق النصوص من كتاب الله وسنة رسوله الواردة في تحريم الربا.

قال ابن قدامة: " ولا يجوز ترك ما ورد تحريمه بالقرآن وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيحٍ ولا مسند ولا كتاب موثوق، وهو مع ذلك مرسلٌ محتمل، ويحتمل أنَّ المراد بقوله (لا ربا) النهي عن الربا كقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) سورة البقرة /197 " المغني 4/ 32.

ومما يؤيد القول بالتحريم، قياس الربا على القمار وشرب الخمر

ص: 124

بجامع أنّ كل ذلك معصية، فالقمار وشرب الخمر لا يحلان في دار الحرب وكذلك الربا، فما كان حراماً في دار الإسلام فهو حرامٌ في دار الكفر، ولا فرق.

*****

تعقيب على مقال " البنوك وفتوى شيخ الأزهر "

كتب د. تيسير التميمي في جريدة القدس بتاريخ 9/ 2/1998 تعليقاً على فتوى شيخ الأزهر المتعلقة بالبنوك، وأشار إلى المكانة التي يتبوؤها شيخ الأزهر، وطرح موضوع الفتوى للمناقشة لمن يهمه الأمر.

وقد كان يجول في خاطري منذ زمن أن أعلق على فتوى شيخ الأزهر، حول فوائد البنوك، إذ أنه قد طرح رأيه هذا منذ سنين مضت، ولكن كنت أحجم عن ذلك لأن عدداً من كبار العلماء قد ردوا على فتوى شيخ الأزهر ووضعوا في ذلك مؤلفات، مثل د. يوسف القَرَضَاوي، ود. علي السالوس وغيرهما.

ولكن لما أعيد طرح هذه الفتوى مرة أخرى في الصحافة المحلية، أحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، فأقول وبالله التوفيق:

ينبغي أن يعلم أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال هم الذين يعرفون بالحق، فصدور الفتوى من أي مرجع مهما كانت مكانة هذا المرجع، لا يعطيها صفة الحق والصواب، وإنما هذه الصفة تُستَمَد من الأدلة والمستندات التي تعتمد عليها تلك الفتوى، وقد قال الإمام مالك يرحمه الله:" كلٌ يؤخذ منه ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ".

وإن كان صدور الفتوى من مرجع مرموق يتولى منصباً رفيعاً، له أثر كبير على عامة الناس، ولكن ذلك لا يعني شيئاً كثيراً عند أهل العلم، هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى، فإن الرد العلمي على فتوى شيخ الأزهر، لا يتسع له هذا المقام، حيث إنه يحتاج إلى صفحات وصفحات،

ص: 125

وقد كفانا المؤونة العلماء الذين أشرت لهم، ولكن لا بأس بذكر بعض الأمور التي تلقي الضوء على إبطال الفتوى، فأبدأ أولاً بذكر ما صدر عن شيخ الأزهر الحالي صاحب هذه الفتوى عندما كان مفتياً للديار المصرية، حيث إنه أصدر فتوى في تحريم فوائد البنوك، وأذكر هنا نص السؤال المقدم إليه، وجوابه عليه:

((سؤال ورد إلى دار الإفتاء من المواطن، يوسف فهمي حسين، وقيد برقم 515/ لسنة 1989، يقول فيه: إنه قد أحيل على المعاش، وصرفت له الشركة التي كان يعمل فيها مبلغاً - أربعين ألف جنيه -، والمعاش الذي يتقاضاه لا يفي بحاجته الأسرية، ولأجل أن يغطي حاجيات الأسرة، وضع المبلغ في بنك مصر، في صورة شهادات استثمار بعائد شهري، حيث لم يعد هناك أمان لوضع الأموال في شركات توظيف الأموال، وعندما فكر في وضعها في أي مشروع، لم يجد وخاصة أن حالته الصحية لا تسمح بالقيام بأي جهد، وقد قرأ تحقيقاً بجريدة أخبار اليوم، شارك فيه بعض المشايخ والعلماء الأفاضل، بأن الودائع التي تودع في البنوك تخدم في مشاريع صناعية وتجارية، وأن هذه الشهادات الإستثمارية تدر عائداً حلالاً لا رباً .... إلى أن قال السائل: وحيث إنه حريص على أن لا يدخل بيته حراماً، بعث إلى دار الإفتاء يستفسر عن رأي الدين في هذا الأمر، حيث إن بعض العلماء يقولون بأن العائد حلالٌ والبعض الآخر يقولون إنه رباً)).

هذا هو نص السؤال الوارد إلى دار الإفتاء فماذا كان جواب المفتي؟

((الجواب: بعد المقدمة ......

يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة / 278 - 279.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروي أبو سعيد قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى،

ص: 126

الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم.

أجمع المسلمون على تحريم الربا، الربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل، وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية.

لما كان ذلك وكان إيداع الأموال في البنوك، أو إقراضها، أو الإقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محدودة مقدماً زمناً ومقداراً، يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددةً مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً، بمقتضى النصوص الشرعية، وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار أمواله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)).

أخي القارئ ما تقدم، هو نص الفتوى التي صدرت عن مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور. محمد طنطاوي، بتاريخ 20/ 2/1989، وسجلت برقم 41/ 124، وهو نفسه الذي صار شيخ الأزهر فيما بعد وما زال، وأصدر الفتوى التي تنص على أن فوائد البنوك ليست من الربا المحرم، وأن لا فرق بين بنك إسلامي وغير إسلامي.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا غيَّر الشيخ طنطاوي فتواه تغييراً جذرياً، ففي الفتوى الأولى الربا حرام، وفوائد البنوك حرام، وفي الثانية فوائد البنوك ليست من الربا المحرم.

ومن المعلوم عند أهل العلم أن تغيير الفتوى في المسألة الواحدة من العالم الواحد لا بدَّ له من سبب صحيح، فإذا بنى المجتهد فتواه على اجتهاد، ثم بلغه حديث شريف لم يكن قد سمع به من قبل، والفتوى تعارضه يلزمه العدول فوراً عن قوله إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا أفتى في واقعة ثم تغيرت الواقعة وجب أن تتغير الفتوى تبعاً لتغير الواقعة انظر فوائد البنوك هي الربا المحرم للدكتور. يوسف القرضاوي ص 140 - 142.

ص: 127

ومن المسلّم به والمؤكد أن البنوك الربوية لم تتغير طبيعة عملها وأنظمتها، ولم تختلف صورة تعاملها في الفترة ما بين الفتوى الأولى للشيخ طنطاوي، عندما كان مفتياً لمصر، والفتوى الثانية عندما صار شيخاً للأزهر.

إن الأدلة التي ساقها الشيخ طنطاوي في الفتوى الأولى في تحريم فوائد البنوك لم تتغير، فالأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم الربا ما زالت قائمة وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

بعد هذا أقول:

إن فتوى شيخ الأزهر بإباحة فوائد البنوك الربوية، مناقضة تماماً للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الربا، ومخالفة لأقوال العلماء والفقهاء قديما ً وحديثاً في تحريم الربا بمختلف صوره وأشكاله، ولا شك لدى العلماء والفقهاء في هذا العصر، أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، وقد انعقدت مجامع علمية كثيرة في هذا العصر، وأقرت وأكدت على أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، فمن ذلك:

1 -

قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1965 م والذي حضره عدد كبير من العلماء من مختلف العالم الإسلامي، ومن ضمن قراراته " الفائدة على أنواع القروض كلها رباً محرم ".

2 -

قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية سنة 1985 م والذي يضم ثلة من فقهاء العالم الإسلامي.

3 -

قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1406 هـ.

4 -

قرار المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية لسنة 1983 م.

5 -

لجنة الفتوى بالأزهر الشريف لسنة 1988 م.

6 -

البيان الصادر عن علماء الأزهر بمكة المكرمة، عن حرمة معاملات البنوك الربوية، رداً على مفتي مصر، ووقع عليه ثلاثة وثلاثون عالماً أزهرياً.

ص: 128

وغير ذلك من الفتاوى ....

وقد ردَّ فتوى شيخ الأزهر عددٌ كبير من أهل العلم المعتبرين، وأبطلوا فتواه من وجوه كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى:

1.

كتاب الدكتور يوسف القَرَضَاوي [فوائد البنوك هي الربا المحرم].

2.

كتاب الدكتور علي السالوس [الإقتصاد الإسلامي].

3.

كتاب الدكتور وهبة الزُحَيّلي [الفقه الإسلامي وأدلته / ج 9]، وغيرها.

" وإننا لنعجب كثيراً ونشفق على فضيلة المفتي، وعلى المسلمين إذ هو يشككهم في أمور مجمع عليها، بل تعتبر مما عُلمَ من الدين بالضرورة، وإذا تطرَّق الشك إلى هذه الأمور وصل الأمر إلى هدم الشريعة من الأساس، فهل يسمح لنا المفتي أن نسأله: إذا كانت فوائد البنوك ليست ربا، فما هو الربا المحرم شرعاً؟ " الإقتصاد الإسلامي 1/ 369.

*****

لا يجوز الإشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد

يقول السائل: إنه اقترض مبلغاً من المال لبناء مسكن له، على أن يسدد القرض على أقساط، واشترط عليه أنه إذا تأخر في سداد قسط من الأقساط أن يدفع غرامة مالية بسبب التأخير، واشترط عليه أنه لا يجوز له بيع المسكن إلا بموافقة المقرض وإذا باع مسكنه فإنه يدفع غرامة مالية للمقرض زيادة على القرض، فما الحكم في ذلك؟

الجواب: القرض الحسن مشروع بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى:(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) سورة البقرة /245.

ص: 129

ووجه الدلالة فيه، أن الله سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرَض، وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض شيئاً ليأخذ عوضه، ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به، عقد القرض ص13.

وثبت في الحديث الصحيح، عن أبي رافع رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكراً - أي جملاً فتياً - فقدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فقال: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً - أي جملاً كبيراً -، فقال: أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم.

وإقراض المعسر وتفريج كربه أمر مرغَّب فيه شرعاً ويدخل ذلك في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم.

وللمقرِض أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين، إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة والطبراني وهو حديث حسن.

وينبغي أن يعلم أنَّ القروض تقضى بأمثالها، ولا يجوز شرعاً الزيادة المشروطة في رد بدل القرض، وكل زيادة تعتبر من باب الربا.

قال الحافظ ابن عبد البر: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط ".

وقال ابن المنذر: " أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا " الموسوعة الفقهية 33/ 130.

ص: 130

وهنا لا بد من التنبيه على بعض القضايا المهمة والمتعلقة بالقروض:

أولاً: يحرم على المدين الموسر أن يماطل في أداء ما حلَّ عليه من الأقساط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم.

ثانياً: وإن ماطل المدين الموسر، يحرم شرعاً فرض أية غرامة مالية عليه، في حال التأخر عن السداد لأن ذلك يعتبر من الربا، وهذا ما قرره أكثر الفقهاء قديماً وحديثاً، وأخذت به المجامع الفقهية المعتمدة، فقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة ما يلي:

((نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟

الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه)).

وفد يقول قائل: إن هذا الكلام يشجع المدينين على المماطلة وعدم الوفاء بالدين، ونقول يمكن للمقرض أن يشترط على المدين أنه في حالة تأخره عن سداد قسط من أقساط الدين تحلّ بقية الأقساط ويمكن اتخاذ أمور أخرى ضد المدين المماطل كمطالبة الكفلاء وغير ذلك.

ثالثاً: لا يجوز شرعاً منع المقترض من بيع منزله الذي بناه بالقرض، لأن ذلك مخالف للقواعد المقررة شرعاً من حرية تصرف المالك في ملكه وغير ذلك.

ص: 131