الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء الآية 1. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71.
أما بعد، فهذا هو الجزء الثامن من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر في جريدة القدس المقدسية صباح كل يوم جمعة أجيب فيها على الأسئلة التي تردني من القراء. ومن منهجي في الإجابة أنني أفتي بالآثار السلفية الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم وكذا الواردة عن التابعين وأتباعهم. وأعتقد أن هذا المنهج هو المنهج الصحيح فليس الفقه قاصراً على المذاهب الفقهية المعروفة بل إن أئمة المذاهب الأربعة اعتمدوا في فقههم على الآثار السلفية، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: [إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة
رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت، وأدع قول
من شئت، ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم] أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص10.
وقال الإمام مالك رحمه الله في رسالته إلى الليث فقيه مصر رحمه الله: [اعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مختلفة، مخالفة لما عليه الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في أمانتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قِبَلك إليك واعتمادهم على ما جاء منك، حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه، فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) الآية، وقال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) الآية، فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحلَّ الحلال وحُرم الحرام، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم -بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه حتى توفاه الله واختار له ما عنده صلوات الله وسلامه عليه ورحمته وبركاته. ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده، بما نزل بهم، فما علموه أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم، وحداثة عهدهم وإن خالفهم مخالف، أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى، تُرك قوله] مالك للشيخ محمد أبو زهرة ص245 - 246.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله عن الصحابة رضي الله عنهم: [وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم ومن أدركنا ممن أرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا وقول بعضهم إن تفرقوا فهكذا نقول إذا اجتمعوا أخذنا باجتماعهم وإن قال واحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله فإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ولم نخرج من أقاويلهم كلهم] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي 1/ 45.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: [ما أجبت في مسألة إلا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -إذا وجدت في ذلك السبيل إليه، أو عن الصحابة أو عن التابعين فإذا وجدت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعدل إلى غيره فإذا لم أجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر فالأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا لم أجد فعن التابعين وعن تابعي التابعين وما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث بعمل له ثواب إلا عملت به رجاء ذلك الثواب ولو مرة واحدة] المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص336.
وقال العلامة ابن القيم: [فصل في جواز الفتوى بالآثار السلفية: والفتاوى الصحابية وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم وأن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل كما أن عصر التابعين وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ولكن المفضلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم بل يترك قول ابن المبارك والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم بل لا يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم بل لا يلتفت إلى قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعطاء وطاووس وجابر بن زيد وشريح وأبي وائل وجعفر بن محمد وأضرابهم مما يسوغ الأخذ بقولهم بل
يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري وأضرابهم فلا يدري ما عذره غداً عند الله إذا سوَّى بين أقوال أولئك وفتاويهم وأقوال هؤلاء وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها؟] إعلام الموقعين عن رب العالمين 5/ 543 - 545.
هذا ما قرره كبار أهل العلم في الأخذ بالآثار السلفية (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ).
ولا بد من التذكير بأن هذا الجزء من يسألونك قد تضمن عدة ردود على فتاوى صدرت عن بعض العلماء وردود على آراء لعدد من العلماء أُجلُّهم وأُقدرهم، ولكن ذلك لا يمنع من الرد عليهم مع مراعاة أدب الخلاف، فإن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
وختاماً فإن أصبت بغيتي فذلك الفضل من الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبوديس / القدس كتبه الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه
27رجب 1424هـ الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
وفق 24/ 9/2003 كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس