المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقضى صلاة الوتر إذا فاتت - فتاوى يسألونك - جـ ٨

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌مقدمة

- ‌الطهارة والصلاة

- ‌قيء الآدمي طاهر ولا ينقض الوضوء

- ‌تحرم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة

- ‌صفة التشهد في الصلاة

- ‌حكم الصلاة بين السواري

- ‌حكم قطع الصلاة المفروضة

- ‌تقضى صلاة الوتر إذا فاتت

- ‌لا يجوز لمن يصلي في بيته أن يجمع بين الصلاتين بسبب المطر

- ‌حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بسبب المطر

- ‌لا يجوز تخصيص ليلة الجمعة بصلاة قيام الليل

- ‌الصلاةُ خيرُ موضوع

- ‌صلاة الحفظ صلاة مبتدعة غير مشروعة

- ‌التكبير في عيد الأضحى

- ‌صلاة الجنازة

- ‌يجوز تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي

- ‌لا يُصلَّى على العضو المقطوع من الإنسان الحي

- ‌ما يُصنع بأعضاء الميت إذا قطع جسده إلى أجزاء

- ‌حكم الصلاة على الجنين الذي يسقط قبل تمام الحمل

- ‌حكم وضع الميت أمام المصلين

- ‌حكم الصلاة على الجنازة داخل المسجد

- ‌السهو في صلاة الجنازة

- ‌يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت

- ‌الزكاة

- ‌زكاة المال المشترك

- ‌لا يجوز القرض الحسن من مال الزكاة

- ‌الصدقة الجارية

- ‌لا يشترط ملك النصاب في صدقة الفطر

- ‌الصيام

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان

- ‌حكم إكراه الزوجة على الجماع في رمضان

- ‌معاشرة الرجل زوجته في ليالي رمضان

- ‌حكم صيام يوم الجمعة في التطوع

- ‌صيام العشر الأوائل من ذي الحجة

- ‌الأضحية والعقيقة

- ‌لا تفوت الأضحية بسبب فرض نظام حظر التجول

- ‌حكم الاستدانة ليعق عن المولود

- ‌المعاملات

- ‌المزارعة والإجارة ليستا من طرق تملك الأرض

- ‌دفع الأجرة حسب السنة الهجرية

- ‌شركات التسويق الهرمي

- ‌عقد المقاولة

- ‌انخفاض قيمة العملة وأثره على الرواتب المتأخرة

- ‌أثر وفاة أحد الشركاء على الشركة

- ‌استخدام سيارة العمل في الأمور الخاصة

- ‌أثر فرض نظام حظر التجول لفترات طويلة على عقود الإجارة

- ‌التصرف في الوقف

- ‌حكم دهن ثمار التين بالزيت

- ‌المرأة والأسرة

- ‌عدة المرأة المختلعة

- ‌لا يجوز طرد المطلقة الرجعية من بيت الزوجية

- ‌يحرم قيام المرأة بعرض الأزياء الشرعية وغيرها أمام الرجال

- ‌يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها الخاص دون إذن زوجها

- ‌حكم تصدق المرأة من مال زوجها بدون إذنه

- ‌نكاح المتعة منسوخ في الشريعة الإسلامية

- ‌العدل بين الأولاد في العطية

- ‌تحرم مصافحة المرأة الأجنبية

- ‌متفرقات

- ‌معركة هرمجدون

- ‌حديث مكذوب

- ‌حديث مكذوب

- ‌تخزين المواد الغذائية لا ينافي التوكل على الله

- ‌الدعاء للمسلمين المظلومين المقهورين

- ‌ما يفعله الشيعة في احتفالاتهم من منكرات

- ‌معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك)

- ‌حكم تمني الموت إذا ضاقت الدنيا بالإنسان

- ‌معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صحابي ومن كتبة الوحي

- ‌دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم

- ‌الحجامة من السنة

الفصل: ‌تقضى صلاة الوتر إذا فاتت

أو غيرهما في بئر ونحوه. كما تقطع الصلاة خوف اندلاع حريق أو مهاجمة حيوان مفترس لأن في ذلك إحياء للنفس أو المال ويمكن تدارك الصلاة بعد قطعها؛ حيث إن أداء حق الله تعالى مبني على المسامحة ويجوز للمرأة قطع الصلاة خوفاً على ولدها إن خشيت عليه السقوط من مكان مرتفع أو الوقوع في قدر على النار ونحو ذلك. ويجوز قطع الصلاة ليدفع الإنسان عن نفسه أذى العدو أو الحيوان المفترس. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية34/ 51، الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 37.

وخلاصة الأمر أن الصلاة المفروضة لا يجوز قطعها إلا لأمر هام وخطير يترتب عليه دفع شر وأما الصلاة النافلة فالأمر فيها أهون وأسهل من المفروضة وما ذكره السائل من رن البلفون أثناء صلاة الجماعة لا يجيز قطع الصلاة من أجل تنبيه صاحب البلفون ليغلقه.

‌تقضى صلاة الوتر إذا فاتت

يقول السائل: إنه قرأ قولاً لأحد العلماء أن صلاة الوتر لا تقضى ومن فاتته يفعل كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه وجع أو نوم عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة فما قولكم في ذلك؟

الجواب: صلاة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها:

عن علي رضي الله عنه قال: (الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة ولكن سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/ 383.

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل) رواه مسلم.

ص: 363

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر) رواه أبو داود وصححه الألباني في المصدر السابق 1/ 384.

وعن أبي تمام الجيشاني قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوتر الوتر) ألا وإنه أبو بصرة الغفاري. رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي أحمد رواته رواة الصحيح قاله المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه الألباني في المصدر السابق 1/ 384.

إذا تقرر هذا فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أن صلاة الوتر تقضى قال الشوكاني:

[وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عباس كذا قال العراقي. قال: ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان. ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة. ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال: أحدها: ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم. ثانيها: أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي. ثالثها: أنه يقضى بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روي ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاووس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان. وروي أيضاً عن ابن عمر رابعها: أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهاراً حتى يصلي العصر فلا يقضيه

ص: 364

بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين في ليلة حكي ذلك عن الأوزاعي. خامسها أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهاراً لأنه من صلاة الليل ويقضيه ليلاً قبل وتر الليلة المستقبلة ثم يوتر للمستقبلة. روي ذلك عن سعيد بن جبير. سادسها: أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهاراً فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعاً حكي ذلك عن الأوزاعي أيضاً. سابعها: أنه يقضيه أبداً ليلاً ونهاراً وهو الذي عليه فتوى الشافعية. ثامنها: التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمداً فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان ليلاً أو

نهاراً وهو ظاهر الحديث واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) قال وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة وهو في الفرض أمر فرض وفي النفل أمر ندب)] نيل الأوطار 3/ 55 - 56.

والذي يظهر لي رجحان قول ابن حزم الظاهري أن من فاتته صلاة الوتر لنوم أو نسيان يقضيها متى ذكرها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) رواه أبو داود ورواه الترمذي بزيادة (أو إذا استيقظ) وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل ثم قال: [ولا تعارض بينه وبين الحديث الذي قبله خلافاً لما أشار إليه محمد بن يحيى ذلك لأنه خاص بمن نام أو نسي فهذا يصلي بعد الفجر أي وقت تذكر وأما الذاكر فينتهي وقت وتره بطلوع الفجر وهذا بين ظاهر] إرواء الغليل 2/ 153.

وقال الشيخ الألباني أيضاً: [ومما يشهد لهذا حديث قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له). أخرجه الحاكم وعنه البيهقي وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وأما البيهقي فأعله بقوله: ورواية يحيى بن كثير كأنها أشبه. يعني الحديث الأول فقد روينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء الوتر. يعني حديث محمد بن مطرف المذكور آنفاً. ولا وجه لهذا الإعلال

ص: 365

بعد صحة الإسناد وهو بمعنى الحديث الأول بل هو أصرح منه وأقرب إلى التوفيق بينه وبين حديث ابن المطرف. لأنه صريح فيمن أدرك الصبح ولم يوتر فهذا لا وتر له وأما الذي نسي أو نام حتى الصبح فإنه يصلي كما تقدم] إرواء الغليل 2/ 153 - 154. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح فيوتر) رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 246. ويؤيده أيضاً أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إن أصبحت ولم أوتر؟ قال: (فأوتر). رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر قاله الهيثمي في المصدر السابق 2/ 246.

وعن عروة بن الزبير قال: كان ابن مسعود يوتر بعد الفجر وكان أبي يوتر قبل الفجر رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون. المصدر السابق 2/ 247.

وأما ما ورد في أحاديث من أنه لا وتر بعد الصبح كحديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) رواه مسلم. فتحمل على من أدرك وقت الصبح ولم يوتر وأما من نام عنه أو نسيه فيوتر متى استيقظ أو تذكر. وأما الحديث المذكور في السؤال فلا أرى فيه دلالة على أن الوتر لا يقضى.

وخلاصة الأمر أن صلاة الوتر تقضى في حالة نسيانها أو النوم عنها.

القنوت في النوازل

يقول السائل: إنه قد صلى الظهر في أحد المساجد فما كان من الإمام إلا أن قنت في الركعة الرابعة ودعا بدعاءٍ طويل فما قولكم في ذلك؟

الجواب: الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت أحياناً في النوازل التي كانت على عهده صلى الله عليه وسلم وهذا ثابت في أحاديث منها: حديث أبي هريرة -

ص: 366

رضي الله عنه - قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري.

وفي رواية أخرى عند البخاري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) سورة آل عمران الآية 128.

وفي رواية عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا.

وفي رواية أخرى عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان القنوت في المغرب والفجر) رواه البخاري.

وروى البخاري بسنده عن عاصم قال: (سألت أنس بن مالك عن

ص: 367

القنوت فقال: قد كان القنوت قلت: قبل الركوع أو بعده قال: قبله قال: فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال: كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً أراه كان بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو عليهم).

وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه) رواه مسلم.

وفي لفظ للبخاري: (قنت شهراً حين قتل القراء فما رأيته حزن حزناً قط أشد منه).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، يدعو على حي من بني سُليم، على رعل وذكوان وعصية، ويُؤَمِن من خلفه). رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن أو صحيح كما قال النووي في الخلاصة 1/ 461.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لَأُقَرِّبَنَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة في صلاة الظهر والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار). وفي رواية لأحمد: صلاة العصر، مكان: صلاة العشاء الآخرة) رواه البخاري ومسلم.

والذي يؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها مشروعية القنوت عند النوازل والمصائب والبلايا العامة في الصلوات الخمس ويقنت الإمام جهراً في جميع الصلوات بعد الركوع ويجوز قبله فإذا ارتفعت النازلة ترك القنوت.

قال العلامة ابن القيم: [والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وسلم جهر وأسر وقنت وترك وكان إسراره أكثر من جهره وتركه القنوت أكثر من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم وتخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاءوا

ص: 368

تائبين فكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت ولم يختص بالفجر بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب ذكره البخاري في صحيحه عن أنس وقد ذكره مسلم عن البراء وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه ورواه أبو داود. وكان هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روي هذا وهذا في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) سورة الإسراء الآية 78] زاد المعاد 1/ 272 - 273.

وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك - أي القنوت - ثم تركه فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وهذا ردٌّ على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها ويقولون: هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أسعد بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون: فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفاً للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن، وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم فيه ودعاء القنوت دعاء وثناء فهو أولى بهذا المحل وإذا جهر به الإمام أحياناً ليعلم المأمومين فلا بأس بذلك فقد جهر عمر رضي الله عنه بالاستفتاح ليعلم المأمومين وجهر ابن عباس رضي الله عنه بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة ومن هذا أيضاً جهر الإمام بالتأمين وهذا من

ص: 369

الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة وأنواع النسك من الإفراد والقران والتمتع وليس مقصودنا إلا ذكر هديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو فإنه قبلة القصد وإليه التوجه في هذا الكتاب وعليه مدار التفتيش والطلب هذا شيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ولما لا يجوز وإنما مقصودنا فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه فإنه أكمل الهدي وأفضله فإذا

قلنا: لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأفضله والله المستعان] زاد المعاد 1/ 274 - 275.

وقال الشوكاني بعد كلام طويل عن القنوت: [إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ (كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد وأصله في البخاري كما سيأتي] نيل الأوطار 2/ 386 - 387. وبهذا يظهر لنا أن القنوت في النوازل مشروع، وأما قول السائل إن إمام المسجد قد دعا بدعاء طويل فأقول إن الأولى في لفظ دعاء القنوت أن يدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن دعا بغير ذلك جاز. قال الإمام النووي: [وأما لفظه - أي القنوت - فالاختيار أن يقول فيه: ما روينا في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرها بالإسناد الصحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر:

(اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) قال الترمذي: هذا حديث حسن قال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا. ويستحب أن يقول عقيب هذا الدعاء: " اللهم صل على محمد وعلى آل

ص: 370

محمد وسلم ". فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن: " وصلى الله على النبي ". قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسناً وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: [اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم]. واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه[عذب كفرة أهل الكتاب] لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب وأما اليوم فالاختيار أن يقول [عذب الكفرة] فإنه أعم. وقوله: نخلع أي نترك وقوله يفجرك أي يلحد في صفاتك وقوله: نحفد بكسر الفاء أي: نسارع وقوله الجد بكسر الجيم: أي الحق وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم أي: أمورهم ومواصلاتهم وقوله: والحكمة هي: كل مانع من القبيح وقوله: وأوزعهم: أي ألهمهم وقوله: اجعلنا منهم أي: ممن هذه صفته قال أصحابنا يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر وإن اقتصر فليقتصر على الأول وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمام محصورين يرضون بالتطويل واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت ولكن الأفضل ما جاءت به السنة.] الأذكار 48 - 50.

ولا ينبغي للإمام أن يطيل القنوت نص على ذلك الإمام النووي في المجموع 3/ 499.

ص: 371