الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأخذ عقله من قريش لأنه خطأ). وروي في الأثر أن عمر رضي الله عنه قضى في رجل نخس دابة عليها راكب فصدمت آخر فقتلته أنه على الناخس لا على الراكب. فقه عمر 2/ 85.
وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً أخذ التعويض المالي إذا كان للتعويض سبب مشروع كما هو الحال في الدية والتعويض عن حوادث الاعتداء على الممتلكات ونحو ذلك وأما من اختار العفو فله الأجر والثواب إن كانت نيته في العفو لله تعالى لقوله جل جلاله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة الشورى الآية 40. ولقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة التغابن الآية 14.
حكم ما يعرف بجمعية الموظفين
يقول السائل: ما الحكم فيما يسمى بجمعية الموظفين وهل يعتبر ذلك من الربا المحرم وينطبق عليها ما ورد في الحديث (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)؟
الجواب: أولا أبين أن الحديث المذكور في السؤال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ وروي بلفظ آخر وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 350 بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سبق وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومعنى الحديث صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من
وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن ما يعرف بجمعية الموظفين هو اتفاق مجموعة من الموظفين على أن يدفع كل منهم مبلغاً متساوياً من المال ويدفع مجموع المبالغ لأحدهم على رأس كل شهر وفي الشهر التالي يأخذه آخر وهكذا حتى تدور الدورة على جميع المشتركين. وهذه المعاملة تعتبر من تبادل القروض وهي معاملة صحيحة شرعاً ولا علاقة لها بالربا وتوضيح ذلك كما يلي: أولاً: إن المقصود بهذه المعاملة (جمعية الموظفين) الإرفاق حيث إن القرض الحسن هو عقد إرفاق عند الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 33/ 11. وما يفعله الموظفون في جمعية الموظفين إنما هو تسهيل أمورهم بأن يأخذ كل واحد منهم مجموع المبالغ التي يدفعها الجميع شهرياً فيأخذه كل منهم في كل مرة حسب مدة الجمعية وهذا العمل من باب التعاون على الخير وفيه ابتعاد عن القروض المحرمة شرعاً.
ثانياً: إن القرض المحرم في الشريعة الإسلامية هو القرض المشروط بالزيادة عند السداد كما هو الحال في قروض البنوك الربوية التي تفرض فيها الفوائد (الربا) وهو ذات الربا المحرم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 278.
وأما في جمعية الموظفين فلا يوجد زيادة على القرض حيث إن كل واحد من المشاركين في الجمعية يسترد المبالغ التي دفعها بدون زيادة فلذلك فهي قرض غير مشروط بزيادة نفع ولا ينطبق عليها ما ورد في الحديث السابق مع عدم ثبوته: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) [وذلك لأن المنفعة التي فيها الربا أو شبهته ويجب خلو القرض منها: هي الزيادة المشترطة للمقرض على مبلغ القرض في القدر أو الصفة وكذا المنفعة المشترطة له التي يبرز فيها ما يشبه العلاوة المالية كشرط المقرض على المقترض أن يحمل له مجاناً بضاعة يبذل عليها في العادة أجر أو أن يعيره شيئاً ليستعمله المقرض ونحو ذلك.
أما منفعة إقراضه نفس المبلغ ولذات المدة مقابل قرضه فليست بزيادة في قدر ولا صفة وليست من جنس المنفعة التي فيها شبهة الربا أو حقيقته وإنما هي من قبيل النفع المشترك الذي لا يخص المقرض وحده بل يعم المقرض والمقترض على السواء ويحقق مصلحة عادلة للطرفين فهذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا هو في معنى المنصوص فلزم إبقاؤه على الإباحة] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص 229 - 230. وقد يقول قائل: إن كل واحد من المشاركين في جمعية الموظفين انتفع بأموال الآخرين من المشاركين في الجمعية. ويجاب عن ذلك بأنه لا مانع شرعاً من أن ينتفع المقرض والمقترض منفعة متبادلة وهذا يشبه تبادل المنافع في مسألة السفتجة المعروفة عند الفقهاء. قال الإمام النووي: [قوله في باب القرض اقترض على أن يكتب له سفتجة. وهو كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما أقرضه] تهذيب الأسماء واللغات 3/ 149. وتعتبر السُفَتْجَة عند جمهور الفقهاء من باب القرض وهي جائزة عند جماعة من أهل العلم مع أن المقرض قد أمن خطر الطريق قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عنه - أي عن الإمام أحمد - جوازها - السفتجة - لكونها مصلحة لهم جميعاً وقال عطاء كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عباس، فلم ير به بأساً. وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن مثل هذا، فلم ير فيه بأساً وممن لم ير به بأساً: ابن سيرين والنخعي رواه كله سعيد. وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد أخرى ليربح خطر الطريق. والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة] المغني 4/ 240 - 241.
والسُفَتْجَة فيها نفع للطرفين المقرض والمقترض ولا مانع يمنع من انتفاعهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية مرجحاً جواز السفتجة: [والصحيح الجواز لأن المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك