المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌سورة سبأ قال القرطبي: في قول الجميع إلا - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ١١

[صديق حسن خان]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌سورة سبأ قال القرطبي: في قول الجميع إلا

بسم الله الرحمن الرحيم

‌سورة سبأ

قال القرطبي: في قول الجميع إلا آية واحدة اختلف فيها وهي قوله: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ)، فقالت فرقة: هي مكيّة. وقالت فرقة: هي مدنية، وسيأتي الخلاف في معنى هذه الآية إن شاء الله تعالى، وفيمن نزلت. وعن ابن عباس قال: نزلت سورة سبأ بمكة.

ص: 159

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)

ص: 161

(الحمد لله) التعريف إن أجري على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود، وإن أجري على الاستغراق فالتعريف مشعر باستحقاق جميع أفراد الحمد لله سبحانه على ما تقدم تحقيقه في فاتحة الكتاب. وقيل: معناه أن كل نعمة من الله فهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه واللام لام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلاً فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلاً، وقيل هي لام التخصيص والمعنى متقارب أي وله بكل المحامد الاختصاص.

(الذي له ما في السموات وما في الأرض) معناه أن جميع ما هو فيهما في ملكه وتحت تصرفه يفعل به ما يشاء ويحكم فيه بما يريد، فكل نعمة واصلة إلى العبد فهي مما خلقه له ومَنّ به عليه، فحمده على ما في السموات والأرض هو حمد له على النعم التي أنعم بها على خلقه مما خلقه لهم، ولما بين أن الحمد الدنيوي من عباده الحامدين له مختص به، بين أن الحمد الأخروي مختص به كذلك أيضاًً فقال:

ص: 161

(وله الحمد في الآخرة) كما له في الدنيا لأن النعم في الدارين كلها منه، وقيل المعنى أن له على الاختصاص حمد عباده الذي يحمدونه في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة كما في قوله (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) وقوله (الحمد لله الذي هدانا لهذا) وقوله (الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن) وقوله (الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله) وقوله (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) فهو سبحانه المحمود في الآخرة كما أنه المحمود في الدنيا، وهو المالك للآخرة كما أنه المالك للدنيا، غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا، لعدم التكليف وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم وتلذذاً بما نالوا من الأجر العظيم، كما ورد: يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس.

(وهو الحكيم) الذي أحكم أمر الدارين (الخبير) بأمر خلقه فيهما، وبضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض، ثم ذكر سبحانه بعض ما يحيط به علمه من أمور السموات والأرض التي نيطت بها مصالحهم الدينية والدنيوية فقال:

ص: 162

(يعلم ما يلج في الأرض) أي ما يدخل ويوضع فيها من مطر أو كنز أو دفين أو أموات (وما يخرج منها) من زرع ونبات وحيوان وشجر وعيون ومعادن وأموات إذا بعثوا (وما ينزل من السماء) من الأمطار والسروج والثلوج والبرد والصواعق وأنواع البركات ومن ذلك ما ينزل منها من ملائكته وكتبه إلى أنبيائه قُرىء: ينزِل مسنداً إلى ما وينزّل مشدداً مسنداً إلى الله سبحانه.

(وما يعرج فيها) أي في السماء من الملائكة، وأعمال العباد والدعوات وضمن العروج معنى الاستقرار فعداه بفي دون إلى، والسماء جهة العلو مطلقاً (وهو الرحيم) بعباده (الغفور) لذنوبهم وتفريطهم في أداء ما وجب عليهم من شكر نعمه.

ص: 162

(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) المراد بهؤلاء القائلين جنس الكفرة على الإطلاق أو كفار مكة على الخصوص والأول أولى، والمعنى لا تأتي بحال من الأحوال إنكار منهم لوجودها بالكلية لا بمجرد إتيانها في حال تكلمهم، أو في حال حياتهم مع تحقق وجودها فيما بعد، وإنما عبروا عنها بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها فرد الله عليهم كلامهم وأثبت ما نفوه وأمر رسوله أن يقول لهم:

(قل بلى) على معنى ليس الأمر إلا إتيانها (وربي لتأتينكم) وهذا القسم لتأكيد الإتيان على أتم الوجوه وأكملها. قرىء: لتأتينكم بالفوقية أي الساعة، وبالتحتية على تأويل الساعة باليوم أو الوقت، كأنه قال: ليأتينكم البعث أو أمره كما قال (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك).

(عالم الغيب) تقوية للتأكيد لأن تعقيب القسم بحلائل نعوت المقسم به يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة إثباته وصحته، لما أن ذلك في حكم الاستشهاد على الأمر (لا يعزب) أي لا يغيب (عنه) ولا يستر عليه ولا يبعد عنه من عزب يعزب -بكسر الزاي- إذا غاب وبعد. وخفي وقرىء بضم الزاي، قال الفراء: والكسر أحب إليّ وهما لغتان (مثقال ذرة) أي مقدار أصغر نملة ووزن ذرة.

(في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك) أي من مثقال ذرة وفيه إشارة إلى أن مثقال لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب أيضاًً، ولو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر لكونها محل النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال (ولا أكبر) منه (إلا في كتاب مبين) أي إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ الذي اشتمل على معلومات الله سبحانه ومكتوب فيه فهو مؤكد لنفي العزوب.

ص: 163

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)

ص: 164

(ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات) اللام للتعليل لقوله لتأتينكم أي إتيان الساعة فائدته جزاء المؤمنين بالثواب (أولئك) أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات (لهم مغفرة) لذنوبهم (ورزق كريم) أي حسن وهو الجنة بسبب إيمانهم وعملهم الصالح مع التفضل عليهم من الله سبحانه، ثم ذكر فريق الكافرين الذين يعاقبون عند إتيان الساعة فقال:

ص: 164

(والذين سعوا في) إبطال (آياتنا) المنزلة على الرسل وقدحوا فيها وصدّوا الناس عنها وجاهدوا في ردها بالطعن فيها ونسبتها إلى السحر والشعر وغير ذلك لأن المكذب آت بإخفاء آيات بينات؛ فيحتاج إلى السعي العظيم والجد البليغ ليروج كذبه لعله يعجز المتمسك به.

(معاجزين) مقدرين عجزنا أو مسابقين لنا يحسبون أنهم يفوتوننا ولا يدركون، وذلك باعتقادهم أنهم لا يبعثون، يقال: أعجزه وعاجزه إذا غالبه وسبقه. قرىء: معاجزين ومعجزين أي مثبطين للناس عن الإيمان بالآيات (أولئك) الذين سعوا (لهم عذاب من رجز) الرجز هو العذاب فمن للبيان وقيل الرِّجز هو أسوأ العذاب وأشده والأول أولى.

ص: 164

ومن ذلك قوله فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء (أليم) أي الشديد الألم، ولما ذكر الذين سعوا في إبطال آيات الله ذكر الذين يؤمنون بها فقال:

ص: 165

(ويرى) أي يعلم (الذين أوتوا العلم) وهم الصحابة قاله قتادة وقال مقاتل: هم مؤمنو أهل الكتاب.

وقيل: جميع المسلمين، والأولى أنه كلام مستأنف لدفع ما يقوله الذين سعوا في الآيات، أي أن ذلك السعي منهم يدل على جهلهم، لأنهم مخالفون لما يعلمه أهل العلم في شأن الكتاب.

(الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) أي الصدق يعني أنه من عند الله (ويهدي إلى صراط) معطوف على الحق عطف فعل على اسم لأنه في تأويله كما في قوله: (صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) أي: وقابضات كأنه قيل وهادياً وقيل إنه مستأنف وفاعله ضمير يرجع إلى فاعل أنزل، وهو القرآن، والصراط: الطريق أي: ويهدي إلى طريق.

(العزيز) في ملكه (الحميد) عند خلقه والمراد أن يهدي إلى دين الله الإسلام وهو التوحيد، ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من كلام منكري البعث فقال:

ص: 165

(وقال الذين كفروا) بعضهم لبعض: (هل ندلكم على رجل)؟ أي هل نرشدكم إلى رجل يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، والتعبير برجل المنكر من باب التجاهل، كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل وهو عندهم أشهر من الشمس قاله الشهاب، وقال القرطبي: كانوا يقصدون بذلك السخرية والهزأة.

(ينبئكم) يخبركم بأمر عجيب ونبأ غريب هو أنكم (إذا مزقتم كل ممزق) أي فرقتم كل تفريق وقطعتم كل تقطيع وصرتم بعد موتكم رفاتاً وتراباً، وقال الكرخي: أي كل مكان تمزيق من القبور، وبطون الوحش والطير.

(إنكم لفي خلق جديد) أي تخلقون وتنشأون خلقاً جديداً، وتبعثون

ص: 165

من قبوركم أحياء، وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها بعد أن تمزقت أجسادكم كل تمزيق، قال هذا القول بعضهم لبعض استهزاء بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث، وأخرجوا الكلام مخرج التلهي به والتضاحك مما يقوله من ذلك، قال الزجاج: التقدير إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم، وأصل المزق: خرق الأشياء يقال ثوب مزيق وممزق ومتمزق وممزوق.

وعن قتادة في الآية قال: قال ذلك مشركو قريش، إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتاً وعظاماً وتقطعتكم السباع والطير، أنكم ستحيون وتبعثون، قالوا ذلك تكذيباً له، وجديد عند البصريين بمعنى فاعل، يقال جد الشيء فهو جاد، وعند الكوفيين بمعنى مفعول من جددته أي قطعته، ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم رددوا ما وعدهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من البعث بين أمرين فقالوا:

ص: 166

(أفترى على الله كذباً أم به جنة)؟ أي أهو كاذب فيما قاله، أم به جنون بحيث لا يعقل ما يقوله. قال قتادة: إما أن يكون يكذب على الله وإما أن يكون مجنوناً والهمزة في أفترى همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل كما تقدم في قوله (أطلع الغيب) ثم رد عليهم سبحانه ما قالوه في رسوله فقال:

(بل الذين لا يؤمنون بالآخرة) أي ليس الأمر كما زعموا بل هم الذين ضلوا عن الفهم وإدراك الحقائق فكفروا بالآخرة، ولم يؤمنوا بما جاءهم به فصاروا بسبب ذلك (في العذاب) الدائم في الآخرة وهم اليوم.

(والضلال البعيد) عن الحق غاية البعد، ثم وبخهم سبحانه بما اجترأوا عليه من التكذيب مبيناً لهم أن ذلك لم يصدر منهم إلا لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض، وأن من قدر على هذا الخلق العظيم لا يعجزه أن يبعث من مخلوقاته ما هو دون ذلك ويعيده إلى ما كان عليه من الذات والصفات فقال:

ص: 166

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)

ص: 167

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، والمعنى أَعَموا فلم يروا ومن المعلوم أن ما بين يدي الإنسان هو كل ما يقع نظره عليه من غير أن يحول وجهه إليه وخلفه هو كل ما لا يقع نظره عليه حتى يحول نظره إليه فيعم الجهات كلها أي أنهم إذا نظروا رأوا السماء قدامهم وخلفهم، وكذلك إذا نظروا إلى الأرض رأوها خلفهم وقدامهم، فالسماء والأرض محيطتان بهم فهو القادر على أن ينزل بهم ما شاء من العذاب بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسوله. وإنكارهم للبعث.

فهذه الآية اشتملت على أمرين:

أحدهما: أن هذا الخلق الذي خلقه الله من السماء والأرض يدل على كمال القدرة على ما هو دونه من البعث كما في قوله (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ).

والأمر الآخر: التهديد لهم بأن من خلق السموات والأرض على هذه الهيئة التي قد أحاطت بجميع المخلوقات فيهما قادر على تعجيل العذاب لهم كما قال:

(إن نشأ نخسف بهم الأرض) كما خسفنا بمن كان قبلهم كقارون (أو نسقط عليهم كسفاً) أي قطعاً (من السماء) كما أسقطها على أصحاب الأيكة فكيف يأمنون ذلك، وقال قتادة: إن يشأ أن يعذب بسمائه فعل،

ص: 167

وإن يشأ أن يعذب بأرضه فعل، وكل خلقه له جند، قرىء بالنون وبالتحتية في الأفعال الثلاثة.

(إن في ذلك) المذكور المرئي من خلق السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظرين من جميع الجوانب (لآية) واضحة ودلالة بينة.

(لكل عبد منيب) أي راجع إلى ربه بالتوبة والإخلاص، وخص النيب لأنه المنتفع بالتفكر، وقال قتادة: منيب أي تائب مقبل إلى الله، وقال هنا: لآية بالتوحيد، وفيما بعد ذلك لآيات يجمعها لأن -ما- هنا إشارة إلى إحياء الموتى فناسب التوحيد. وما بعد إشارة إلى سبأ قبيلة تفرقت في البلاد فصاروا فرقاً فناسب الجمع، ثم ذكر سبحانه من عباده المنيبين إليه داود وسليمان كما قال في داود:(فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب). وقال في سليمان: (وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب) فقال:

ص: 168

(ولقد آتينا داود منا فضلاً) أي آتيناه بسبب إنابته فضلاً منا على سائر الأنبياء، واختلف في هذا الفضل على أقوال فقيل النبوة وقيل الزبور وقيل العلم، وقيل القوة كما في قوله (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) وقيل تسخير الجبال كما في قوله (يا جبال أوّبي معه)، وقيل التوبة، وقيل الحكم بالعدل، كما في قوله (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)، وقيل هو إلانة الحديد كما في قوله:(وألنا له الحديد)، وقيل حسن الصوت والأولى أن يقال: إن هذا الفضل المذكور هو ما ذكره الله بعده من قوله.

(يا جبال) إلى آخر الآية أي قلنا له يا جبال (أوبي معه) التأويب التسبيح كما في قوله: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن)، قال أبو ميسرة: هو التسبيح بلسان الحبشة، وقال ابن عباس: أوّبي سبحي.

وروي مثله عن مجاهد وعكرمة وابن زيد وكان إذا سبح داود سبحت

ص: 168

الجبال معه، ومعنى تسبيحها أن الله يجعلها قادرة على ذلك أو يخلق فيها التسبيح معجزة لداود، وقيل معنى أوبي سيري معه من التأويب الذي هو سير النهار، أجمع قراء العامة أوبي على صيغة الأمر من التأويب وهو الترجيع والتسبيح أو السير أو النوح، وقرىء أوبي بضم الهمزة أمراً من آب يؤوب إذا رجع أي ارجعي معه.

(والطير) بالنصب عطفاً على (فضلاً) على معنى وسخرنا له الطير، لأن إيتاءه إياها تسخيرها له أو نادينا الجبال والطير، وقال سيبويه وأبو عمرو ابن العلاء: انتصابه بفعل مضمر على معنى وسخرنا له الطير وقال الزجاج والنحاس: يجوز أن يكون مفعولاً معه، كما تقول: استوى الماء والخشية، وقال الكسائي أي آتيناه فضلا وتسبيح الطير، وفي هذا النظم من الفخامة ما لا يخفى.

(وألنا له الحديد) أي جعلناه ليناً له ليعمل به ما شاء.

قال ابن عباس: كالعجين وقال الحسن: كالشمع يعمله من غير نار، وقال السدي: كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة، وكذا قال مقاتل، وكان يفرغ من عمل الدرع في بعض يوم.

ص: 169

(أن اعمل سابغات) أي بأن اعمل أو لأن اعمل أو (أن) مفسرة لقوله ألنا قاله الحوفي وفيه نظر، لأنها لا تكون إلا بعد القول أو ما هو في معناه، وقيل: التقدير أمرناه أن اعمل ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، والمعنى دروعاً سابغات والسوابغ الكوامل الواسعات، يقال: سبغ الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه، وفضل منه فضلة، وقرىء صابغات بالصاد لأجل الغين.

(وقدر في السرد) السرد نسج الدروع، ويقال: السرد والزرد كما يقال: السراد والزراد لصانع الدروع والسرد أيضاًً الخرز، يقال: سرد يسرد إذا خرز

ص: 169

ومنه سرد الكلام إذا جاء به متوالياً، ومنه حديث عائشة:[لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم] قال سيبويه: ومنه سريد أي جرى، ومعنى سرْد الدروع إحكامها وأن يكون نظام حلقها ولاء غير مختلف.

قال قتادة: كانت الدروع قبل داود ثقالاً. فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة، أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه، فلا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة فتزيل المنعة. وقال ابن زيد: التقدير الذي أمر به في قدر الحلقة أي لا تعملها صغيرة فتضعف، ولا يقوى الدرع على الدفاع، ولا تعملها كبيرة فتثقل على لابسها.

وقيل: إن التقدير في المسمار أي لا تجعل مسمار الدرع دقيقاً فيقلق ولا غليظاً فيفصم الحلق، وقال ابن عباس: قدر في السرد أي في حلق الحديد وعنه لا تدق المسامير وتوسع الحلق فتسلس، ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلق فتفصم، واجعله قدراً.

وقال البقاعي: إنه لم تكن في حلقها مسامير لعدم الحاجة إليها بسبب إلانة الحديد، وإلا لم يكن بينه وبين غيره فرق، ولا كان للإلانة كبير فائدة وقد أخبر بعض من رأى ما نسب إليه بغير مسامير.

وقال الرازي: معناه إنك غير مأمور به أمر إيجاب وإنما هو اكتساب والكسب يكون بقدر الحاجة. وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل فيه القوت فحسب، ثم خاطب داود وأهله فقال:

(واعملوا) عملاً (صالحاً) كما في قوله (اعملوا آل داود شكراً) ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله (إني بما تعلمون بصير) أي لا يخفى على شيء من ذلك فأجازيكم به.

ص: 170

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)

ص: 171

(ولسليمان الريح) أي سخرنا له الريح كما قال الزجاج قرأ عاصم بالرفع على الابتداء والخبر أي ولسليمان الريح ثابتة أو مسخرة وقرىء: الريح والرياح بالإفراد والجمع.

(غدوها) أي سيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال أي جريها من أول النهار إلى الزوال (شهر ورواحها) أي سيرها من الزوال إلى الغروب (شهر) والجملة مستأنفة لبيان تسخير الريح أو حالية من الريح والمعنى: أنها كانت تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين قال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقبل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل أو ببابل وبينهما مسيرة شهر. وقيل: إنه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند.

(وأسلنا) أي أذبنا (له عين القطر) أي النحاس الذائب قال الواحدي قال المفسرون: أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء وكان بأرض اليمن، وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطى سليمان ولولاها ما لان النحاس أصلاً، لأنه قبل سليمان لم يكن يلين أصلاً لا بنار ولا بغيرها والمعنى أسلنا له عين النحاس كما ألنا الحديد لداود.

وقال قتادة أسأل الله له عيناً يستعملها فيما يريد. قال ابن عباس:

ص: 171

القطر النحاس لم يقدر عليها أحد بعد سليمان، وإنما يعمل الناس بعده فيما كان أعطي: سليمان، وقال مجاهد القطر الصفر والمعنى: جعلنا النحاس لسليمان في معدنه عيناً تسيل كعيون المياه دلالة على نبوته أي كالعين النابعة من الأرض.

(ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) الإذن مصدر مضاف إلى فاعله أي مسخراً أو ميسراً بأمر ربه (ومن يزغ منهم) أي ومن يعدل من الجن (عن أمرنا) الذي أمرناه به وهو طاعة سليمان.

(نذقه من عذاب السعير) قال أكثر المفسرين: وذلك في الآخرة، وقيل في الدنيا قال السدي، وكل الله بالجن ملكاً بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه بذلك السوط ضربة فتحرقه، ثم ذكر سبحانه ما يعمله الجن لسليمان فقال:

ص: 172

(يعملون له ما يشاء من محاريب) من للبيان والمحاريب كل موضع مرتفع وهي الأبنية الرفيعة، والقصور العالية، والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال والمساكن.

قال المبرد: لا يكون المحراب إلا أن يرتقي إليه بدرج ومنه قيل للذي يصلي فيه محراب لأنه يرفع ويعظم، وقال مجاهد: المحاريب دون القصور، وقال أبو عبيدة: المحراب أشرف بيوت الدار وقال الضحاك وقتادة: المراد بالمحاريب هنا المساجد وكان مما عملوا له بيت المقدس.

(وتماثيل) جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء أي صورته بصورته من نحاس أو زجاج أو رخام أو غير ذلك قيل: كانت هذه التماثيل صور الأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء كانوا يصورونها في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهاداً، وفي الحديث " إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصورة ليذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة " وقيل: هي تماثيل أشياء ليست من الحيوان، وقيل: صور السباع والطيور.

ص: 172

وقد استدل بهذا على أن التصوير كان مباحاً في شرع سليمان ونسخ ذلك بشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس قال: اتخذ سليمان تماثيل من نحاس فقال: يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فنفخ الله فيها الروح فكانت تخدمه؛ وكان أسفنديار من بقاياهم فقيل لداود وسليمان (اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور)!!

(وجفان) جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة (كالجواب) جمع جابية وهي حفيرة كالحوض، وقيل: هي الحوض الكبير يجبي الماء أي يجمعه. قال الواحدي: قال المفسرون يعني قصاعاً في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها.

قال النحاس: الأولى إثبات الياء في الجوابي ومن حذف الياء قال: سبيل الألف واللام أن يدخل على النكرة فلا يغيرها عن حالها فلما كان يقال: جواب، ودخلت الألف واللام أقر على حاله فحذف الياء، قال الكسائي يقال جبوت الماء وجبيته في الحوض أي جمعته، والجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل وقال النحاس: والجابية القدر العظيمة، والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع، ومنه جبيت الخراج وجبيت الجراد جمعته في الكساء، وقال ابن عباس كالجوبة من الأرض.

(وقدور راسيات) قال ابن عباس: اثافيها منها، وقال قتادة: هي قدور النحاس تكون بفارس، وقال النحاس: هي قدور تنحت من الجبال الصم عملتها له الشياطين، ومعنى راسيات ثابتات لا تحمل ولا تحرك لعظمها، وكان يصعد إليها بالسلالم، وكانت باليمن قيل: إنها باقية بها إلى الآن ثم أمرهم سبحانه بالعمل الصالح على العموم سليمان وأهله فقال:

(اعملوا آل داود شكراً) أي: وقلنا لهم: اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً له على ما آتاكم واعملوا عملاً شكراً على أنه صفة مصدر

ص: 173

محذوف، أو اعملوا للشكر على أنه مفعول له أو حال أي شاكرين أو مفعول به وسميت الطاعة شكراً لأنها من جملة أنواعه، أو منصوب على المصدرية بفعل مقدر من جنسه، أي اشكروا شكراً قيل: المراد بآل داود نفسه، وقيل: داود وسليمان وأهل بيته، وقيل: المعنى ارحموا أهل البلاء واسألوا ربكم العافية وسئل الجنيد عن الشكر فقال: بذل المجهود بين يدي المعبود، ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده ليسوا بكثير فقال:

(وقليل من عبادي الشكور) أي العامل بطاعتي الشاكر لنعمتي قليل وقال ابن عباس: يقول قليل من عبادي الموحدين توحيدهم والشكور المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقاداً واعترافاً وكدحاً.

وعن ابن عباس: من يشكر على أحواله كلها، وقيل من يشكر على الشكر ومن يرى عجزه عن الشكر وعن داود عليه السلام أنه جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.

ص: 174

(فلما قضينا عليه الموت) أي حكمنا على سليمان به وألزمناه إياه (ما دلهم) أي الجن (على موته إلا دابة الأرض) يعني حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتاً، وهي دويبة يقال لها: سرفة وقرىء: الأرض بفتح الراء أي الأكل يقال: أرضة الخشبة أرضاً إذا أكلتها الأرض.

(تأكل منسأته) قال البخاري: يعني عصاه أي عصاته التي كان متكأ عليها والمنسأة العصا بلغة الحبشة أو هي مأخوذة من نسأت الغنم أي زجرتها.

قال الزجاج: المنسأة التي ينسأ بها أي يطرد، قرأ الجمهور منسأته بهمزة مفتوحة وقرىء بهمزة ساكنة وبألف محضة قال المبرد: بعض العرب تبدل من همزتها ألفاً فلما أكلتها الأرضة شكرتها الجن وأحبوها فهم يأتونها بالماء

ص: 174

والطين في خروق الخشب وزاد السدي، وقالوا لها: لو كنت تأكلين الطعام والشراب لأتيناك بهما.

(فلما خر) أي سقط سليمان (تبينت الجن) أي ظهر لهم وانكشف من تبينت الشيء إذا علمته أي علمت الجن (أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) أي لو صح ما يزعمونه من أنهم يعلمون الغيب لعلموا بموته ولم يلبثوا بعد موته مدة طويلة في العذاب، أي العمل الذي أموهم به والطاعة له، وهو إذ ذاك ميت.

قال مقاتل العذاب المهين: الشقاء والنصب في العمل. قال الواحدي قال المفسرون: كانت الناس في زمان سليمان يقولون: إن الجن تعلم الغيب فلما مكث سليمان قائماً على عصاه حولاً ميتاً والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة سليمان لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتاً، فعلموا بموته علم الناس أن الجن لا تعلم الغيب. ويجوز أن يكون تبينت من تبين الشيء لا من تبينت الشيء أي ظهر وتجلى وإن وما في حيزها بدل اشتمال مع تقدير محذوف أي ظهر أمر الجن للناس أنهم لو كانوا يعلمون الغيب. ما لبثوا في العذاب المهين قرأ الجمهور: تبينت على البناء للفاعل مسنداً إلى الجن وقرأ ابن عباس وغيره: على البناء للمفعول ومعنى القراءتين يعرف مما قدمنا.

قال ابن عباس: لبث سليمان على عصاه حولاً بعد ما مات، ثم خر على رأس الحول فأخذت الجن عصى مثل عصاه ودابة مثل دابته. فأرسلوها عليها فأكلتها في سنة، وكان ابن عباس يقرأ: فلما خر تبينت الإنس، قال سفيان: وفي قراءة ابن مسعود: وهم يدأبون له حولاً، وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن السني وغيرهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان سليمان إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فتقول: لها ما اسمك فتقول كذا وكذا فيقول لم أنت؟ فتقول لكذا وكذا، فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء

ص: 175

كتبت فصلى ذات يوم فإذا شجرة نابتة بين يديه فقال لها ما اسمك؟ قالت: الخروب. قال: لأي شيء أنت؟ قالت لخراب هذا البيت. قال لها سليمان: ما كان الله ليخربه، وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ثم نزعها وغرسها في حائط له، ثم قال سليمان اللهم عمِّ عن الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فهيأ عصى فتوكأ عليها وقبضه الله وهو متكىء عليها، فمكث حولاً ميتاً والجن تعمل فأكلتها الأرضة فسقطت فعلموا عند ذلك بموته فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ".

وكان ابن عباس يقرأها كذلك فشكرت الجن للأرضة فأينما كانت يأتونها بالماء، وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس موقوفاً.

وأخرج الديلمي عن زيد بن أرقم مرفوعاً يقول الله: إني تفضلت على عبادي بثلاث: ألقيت الدابة على الحبة، ولولا ذلك لكنزها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة، وألقيت النتن على الجسد ولولا ذلك لم يدفن حبيب حبيبه واستلبت الحزن ولولا ذلك لذهب النسل.

ذكر أهل التاريخ أن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وبقي في الملك مدة أربعين سنة وشرع في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه وتوفي وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وقيل: إن داود أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى فمات قبل أن يتمه فوصىّ به إلى سليمان فأمر الشياطين بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل ربه أن يعمّيَ عليهم موته حتى يفرغوا عنه ولتبطل دعواهم على الغيب، روي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها، فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه.

ولما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقّبه بحال بعض الجاحدين لها، والمقصود من ذكر هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها لقومه لعلهم يتعظون وينزجرون ويعتبرون بها فقال:

ص: 176

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)

ص: 177

(لقد كان لسبأ) المراد بها القبيلة التي هي من أولاد سبأ هو سبأ ابن يشجب بضم الجيم بن يعرب بن قحطان بن هود، قرأ الجمهور: لسبأ بالتنوين على أنه اسم حي أي الحي الذين هم أولاد سبأ وقرىء: لسبأ ممنوع الصرف بتأويل القبيلة ويقوي القراءة الأولى قوله في مسكنهم ولو كان على تأويل القبيلة لقال في مسكنها، وقرأ الجمهور على الجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم، ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة ومساكن متعددة، وقرىء بالإفراد ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل والكثير، أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع، وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن مأرب وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال، وكانت أخصب البلاد.

وقد أخرج أحمد والبخاري والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهم عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم، فأذن لي في قتالهم، وأمرني، فلما خرجت من عنده أرسل في إثري فردني فقال: ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك، وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ أرض أم امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة. وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا فالأزد

ص: 177

والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار؟ قال: الذي منهم خثعم وبجيلة.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبراني وابن عدي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بأخصر منه.

(آية) أي علامة دالة على كمال قدرة الله وبديع صنعه بملاحظة أحوالها السابقة وهي نضارتها وخصبها وثمارها، واللاحقة كتبديلها وعدم ثمرها ثم بين هذه الآية فقال:(جنتان) أي جماعتان من البساتين.

(عن يمين وشمال) أي وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه وقيل: عن يمين من أتاهما وشماله، وكانت مساكنهم في الوادي، وكل طائفة من تلك الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة، والآية هي الجنتان كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها المكتل فيمتلىء من أنواع الفواكه التي يتساقط من غير أن تمسها بيدها.

وقال عبد الرحمن بن زيد: إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذباباً ولا برغوثاً ولا قملة ولا عقرباً ولا حية ولا غير ذلك من الهوام، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم، قال القشيري: ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجهتين يمنة وشرة في كل جهة بساتين كثيرة وأشجار وثمار تستر الناس بظلالها.

(كلوا من رزق ربكم) أي قيل لهم ذلك وهذا الأمر للإذن والإباحة، وقيل: لم يكن ثم أمر ولكن المراد تمكينهم من تلك النعم والأول أظهر، وقيل: إنها قالت لهم الملائكة، وقيل: إنهم خوطبوا بذلك على لسان نبيهم، والمراد بالرزق هو ثمار الجنتين.

ص: 178

(واشكروا له) على ما رزقكم من هذه النعم. واعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه.

(بلدة طيبة) مستأنفة لبيان موجب الشكر والمعنى: هذه بلدة طيبة فكثيرة أشجارها وطيبة ثمارها وقيل: معنى كونها طيبة أنها غير سبخة وقيل: ليس فيها هوام لطيب هوائها، قال مجاهد: هي صنعاء، وقيل: كانت على ثلاثة فراسخ من صنعاء وفي المصباح: يطلق البلد والبلدة على كل موضع من الأرض عامراً كان أو خلاء.

(ورب غفور) أي المنعم بها عليهم رب غفور لذنوبهم، فجمع لهم بين المغفرة وطيب البلدة، ولم يجمع ذلك لجميع خلقه، وقال مقاتل: المعنى: وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب، وقيل: إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام، قرىء بنصب بلدة ورباً على تقدير اسكنوا بلدة واشكروا رباً، ثم ذكر سبحانه ما كان منهم بعد هذه النعمة التي أنعم بها عليهم فقال:

ص: 179

(فأعرضوا) عن الشكر وكفروا بالله وكذبوا أنبياءهم قال السدي: بعث الله إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم وكذا قال وهب وزاد وقالوا: ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع فذلك إعراضهم؛ ثم لما وقع منهم الإعراض عن شكر النعمة أرسل الله عليهم نقمة سلب بها ما أنعم به عليهم كما قال:

(فأرسلنا عليهم سيل العرم) وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن فردموا ردماً بين جبلين وحبسوا الماء وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض وكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث فأخصبوا وكثرت أموالهم فلما كذبوا رسلهم بعث الله جرذاً ففتقت ذلك الردم حتى انتقض، فدخل الماء جنتهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم،

ص: 179

فهذا هو سيل العرم، وهو جمع عرمة وهي السكر التي تحبس الماء، وكذا قال قتادة وغيره.

وقال السدي: العرم اسم للسد والمعنى أرسلنا عليهم سيل السد العرم، وقال عطاء: العرم اسم الوادي، وقال الزجاج: العرم اسم الجرذ الذي نقب السد عليهم، وهو الذي يقال له: الخلد فنسب السيل إليه لكونه سبي جريانه. قال ابن الأعرابي: العرم من اسماء الفأر، وقال مجاهد وابن نجيح العرم: ماء أحمر أرسله الله في السد فشقه وهدمه، وقيل: إن العرم اسم المطر الشديد، وقيل: اسم للسيل الشديد والعرامة في الأصل الشدة والشراسة والصعوبة، ويقال: عرم فلان إذا تشدد وتصعب، وروي عن ابن الأعرابي أنه قال: العرم السيل الذي لا يطاق. وقال المبرد: العرم كل شيء حاجز بين شيئين وعن ابن عباس قال: العرم الشديد، وعنه قال: وادٍ كان باليمن كان يسيل إلى مكة.

(وبدلناهم بجنتيهم جنتين) أي أهلكنا جنتيهم اللتين كانتا مشتملتين على تلك الفواكه الطيبة، والأنواع الحسنة، وأعطيناهم بدلهما جنتين لا خير فيهما، ولا فائدة لهم فيما هو نابت فيهما، وتسميتهما جنتين تهكم بهم على طريق الشاكلة، ولهذا قال:

(ذواتي) تثنية ذوات مفرد على الأصل لأن أصله ذويه قالوا: وعين الكلمة والياء لامها لأنه مؤنث ذو، وذو أصله ذوي فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت الياء فصار ذوات ثم حذفت الواو تخفيفاً وفي تثنيته وجهان تارة ينظر للفظه الآن، فيقال: ذاتان، وتارة ينظر له قبل حذف الواو فيقال: ذواتان وقال السمين في تثنية ذات لغتان: أحدهما الرد إلى الأصل فإن أصله ذوية فالعين واو واللام ياء لأنها مؤنثة ذو، والثانية تثنيته على اللفط فيقال ذاتان.

(أكل خمط) قرىء: بتنوين أكل وعدم إضافته إلى خمط وقرىء:

ص: 180

بالإضافة والأولى أولى، قال الخليل: الخمط ضرب من الأراك وله حمل يؤكل، وبه قال ابن عباس وكذا قال كثير من المفسرين وقال أبو عبيدة: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك، وقيل هو ثمر شجر يقال له: فسوة الضبع على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به، وقال الزجاج: كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله، وقال المبرد: كل شيء يغير إلى ما لا يشتهى يقال له: خمط، ومنه اللبن إذا تغير والخمط: اسم للمر والحامض من كل شيء والخمط: نعت لأكل أو بدل منه، لأن الأكل هو الخمط بعينه، وقال الأخفش: الإضافة أحسن في كلام العرب مثل ثوب خز ودار آجر والأولى تفسير الخمط بما ذكره الخليل، ومن معه. قال الجوهري: الخمط ضرب من الآراك له حمل يؤكل.

(وأثل) هو الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء كذا قال الفراء وغيره، قال: إلا أنه أعظم من الطرفاء طولاً وورقه كورق الطرفاء، ومنه اتخذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الواحدة أثلة، والجمع أثلاث، وقال الحسن: الأثل الخشب، وقال أبو عبيدة: هو شجر النظار والأول أولى ولا ثمر للأثل.

(وشيء من سدر قليل) السدر شجر معروف، قال الفراء هو السمر وقال الأزهري السدر من الشجر سدران: بري لا ينتفع به ولا يصلح للغسول وله ثمر عفص لا يؤكل، وهو الذي يسمى الضال، والثاني سدر ينبت على الماء وثمرة النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب، قيل ووُصف السدر بالقلة لأن منه نوعاً يطيب أكله وهو النوع الثاني الذي ذكره الأزهري، ولذا يغرس في البساتين، قال قتادة بينما شجرهم من خير شجر إذ صيره الله من شرّ الشجر بأعمالهم فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك والطرفاء والسدر ويحتمل أن يرجع قوله (قليل) إلى جميع ما ذكر من الخمط والأثل والسدر والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من التبديل أو إلى المصدر.

ص: 181

ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)

ص: 182

(جزيناهم بما كفروا) أي ذلك التبديل أو ذلك الجزاء بسبب كفرهم للنعمة بإعراضهم عن شكرها.

(وهل نجازي إلا الكفور) أي وما نجازي هذا الجزاء بسلب النعمة ونزول النقمة إلا الشديد الكفر المتبالغ، قرأ الجمهور: بضم التحتية وفتح الزاي على البناء للمفعول وقرىء: بالنون وكسر الزاي مبنياً للفاعل، وهو الله سبحانه، والكفور على الأولى مرفوع وعلى الثانية منصوب وظاهر الآية أنه لا يجازي إلا الكفور، مع كون أهل المعاصي يجازون، وقد قال قوم إن معنى الآية أنها لا يجازي هذا الجزاء وهو الاصطلام والإهلاك إلا من كفر وقال مجاهد: إن المؤمن تكفَّر عنه سيآته والكافر يجازى بكل عمل عمله، وقال طاووس: هو المناقشة في الحساب، وأما المؤمن فلا يناقش. وقال الحسن: إن المعنى أنه يجازي الكافر مثلاً بمثل ورجح هذا الجواب النحاس.

ص: 182

(وجعلنا بينهم) أي وكان من قصتهم أنا جعلنا بين مساكنهم قبل إرسال السيل عليهم (وبين القرى التي باركنا فيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام يعني الأرض المقدسة قاله ابن عباس.

(قرى ظاهرة) أي متواصلة عامرة مخصبة وكان مُتَّجرهم من أرضهم التي هي مأرب إلى الشام وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد يحملونه من أرضهم إلى الشام فهذا من جملة الحكاية لما أنعم الله به عليهم، قال الحسن: إن هذه القرى هي بين اليمن

ص: 182

والشام قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام وقيل هي بين المدينة والشام قال المبرد القرى الظاهرة هي المعروفة وإنما قيل لها ظاهرة لظهورها إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى فكانت قرى ظاهرة، أي معروفة يقال: هذا أمر ظاهر أي معروف وقيل ظاهرة لأعين الناظرين أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم.

(وقدرنا فيها السير) أي جعلنا السير من القرية إلى القرية ومن المنزل إلى المنزل مقدراً معيناً واحداً، وذلك نصف يوم في الغدو والرواح، فإذا صاروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار فكان ما بين اليمن والشام كذلك كما قال المفسرون، قال الفراء: أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والماء، ولخوف الطريق فإذا وجد الزاد والأمن لم يحمل نفسه المشقة، بل ينزل أينما أراد، والحاصل أن الله سبحانه عدد عليهم النعم ثم ذكر ما نزل بهم من النقم، ثم عاد لتعديد بقية ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم وبين ما يريدون السفر إليه، ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبراري كما سيأتي.

(سيروا فيها) أي قلنا لهم سيروا في تلك القرى المتصلة فهو أمر تمكين أي ومكناهم من السير فيها متى شاءوا وفي لفظ: (في) إشعار بشدة القرب حتى كأنهم لم يخرجوا من نفس القرى قال ابن عباس: أي إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام المقدسة.

(ليالي وأياماً آمنين) مما تخافونه، وقال قتادة: كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضاً ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه، قيل: وأتى بلفظ النكرة تنبيهاً على قصر أسفارهم أي كانوا لا يحتاجون إلى طول السفر لوجود ما يحتاجون إليه. ثم ذكر سبحانه أنهم لم يشكروا النعمة بل طلبوا التعب والكد.

ص: 183