الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سابعًا المرور في المسجد واتخاذه طريقًا لغير حاجة]
سابعًا: المرور في المسجد واتخاذه طريقًا لغير حاجة: فإن المساجد لها مكانتها وشرفها، فلا يجوز امتهانها بكثرة المرور والعبور فيها من بابٍ لبابٍ دون حاجة ضرورية، وإنما لمجرد العادة أو اختصار الطريق، فأما إن كان المرور لحاجة فلا بأس بذلك، وهو ما كان يقع في المسجد النبوي.
وقد ترجم البخاري في صحيحه (باب المرورِ في المسجد) وذكر فيه حديث أبي موسى رفعه: «من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها» . . .) (1) إلخ.
وروى قبله حديث جابر بلفظ: «مرَّ رجلٌ في المسجد معه سهام» . . .) (2) إلخ.
ولعلّ ذلك كان لحاجة ألجأته إلى المرور، وقد يراد بالمرور الدخول لصلاة أو عبادة ونحو ذلك.
(1) هو في البخاري برقم 452.
(2)
هو في صحيح البخاري برقم 451.
وهكذا ما روي في تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43](1) . عن ابن عباس قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل قال: تمر به مرًا ولا تجلس. [رواه ابن أبي حاتم](2) .
وروى ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجالا كانت أبوابهم في المسجد، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم، ولا يجدون ممرًا إلا في المسجد، فأنزل الله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43](3) . وفي هذا جواز مرور الجنب في المسجد لحاجة الإتيان بالماء أو للاغتسال، ولا يجوز لغير حاجة، فقد روى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة، عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» (4) . لكن قال الخطابي: إن أفلت مجهول، وضعف الحديث به، وتعقبه المنذري في تهذيب السنن، وابن القيم في شرح التهذيب بأنه معروف، وقد وثقه بعض الأئمة (5) .
(1) سورة النساء الآية 43.
(2)
هكذا ساقه ابن كثير عند تفسيره هذه الآية بإسناد ابن أبي حاتم.
(3)
رواه ابن جرير عند تفسيره هذه الآية، ونقله ابن كثير في تفسيره.
(4)
هو في سنن أبي داود برقم 232 به مطولا.
(5)
انظر كلام الخطابي والمنذري وابن القيم على الحديث في تهذيب السنن برقم 220.
وقد روى البخاري هذا الحديث في ترجمة أفلت من تاريخه الكبير، ولم يجرح أفلت، وسماه بعضهم: فليت، ولكنه ذكر أن عند جسرة عجائب (1) وقد رواه ابن ماجه عن أبي الخطاب الهجري، عن محدوج الذهلي، عن جسرة، عن أم سلمة، بلفظ:«إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض» (2) . قال في الزوائد: "إسناده ضعيف، محدوج لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول"(3) اهـ. ويمكن أنه عن جسرة عن عائشة وأم سلمة إن كان ثابتًا، ولعل نهي الحائض مخافة تلويث المسجد، ومتى أمن ذلك جاز دخولها المسجد، والحديث قد حسنه الزيلعي في نصب الراية عن عائشة، وناقش ما قيل في إسناده من المقال (4) . وقد روى مسلم في صحيح «عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد) فقلت: إني حائض. فقال: (إن حيضتك ليست في يدك) » (5) . ثم روى نحوه عن أبي هريرة، ولفظه: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال
(1) ترجم البخاري لأفلت برقم 1710.
(2)
هو في سنن ابن ماجه برقم 645.
(3)
هكذا نقله المحقق عن صاحب الزوائد وهو البوصيري.
(4)
انظر نصيب الراية 1 / 193. وقد أطال في تقوية الحديث.
(5)
هو في صحيح مسلم برقم 298، وفسرْ النووي الخمرة: بأنها السجادة من حصير من نحوه.
صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة ناوليني الثوب) فقالت: إني حائض. فقال صلى الله عليه وسلم: (إن حيضتك ليست في يدك) فناولته» (1) . وظاهره أنه طلب منها ثوبا وهو في المسجد فأتت به، ولم يمنعها الحيض، ولعلها أمنت من التلويث، أو اعتبرت أن النهي عن الجلوس فيه.
وأما الجنب فلعل النهي عن دخوله المسجد لأنه محدث حدثًا أكبر، والمسجد موضع للعبادة، فلابد أن يكون محل احترام، فلا يجلس فيه الجنب، وقد ذهب الأئمة الثلاثة إلى منع الجنب من المسجد حتى يغتسل، لقوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43](2) . أي: لا تقربوا أماكن الصلاة، وذهب الإمام أحمد إلى جواز دخول الجنب المسجد إذا توضأ، وروي عن الصحابة أنهم كانوا يجلسون في المسجد للتعلم وهم جنب إذا توضؤا، ذكر ذلك ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وروى ذلك بإسناد سعيد بن منصور، عن عطاء بن يسار، قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا وضوء الصلاة. [وإسناده على شرط مسلم](3) .
(1) حديث أبي هريرة رواه مسلم برقم 299 ولفظه: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال يا عائشة: (ناوليني الثوب) . إلخ.
(2)
سورة النساء الآية 43.
(3)
هكذا ذكره ابن كثير عند تفسير هذه الآية.