الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت. رواه الترمذى والنسائى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
الجنائز: جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها، قال فى القاموس: والجنازة الميت ويفتح. أو بالكسر الميت وبالفتح السرير أو عكسه أو بالكسر السرير مع الميت. اهـ قال بعض أهل العلم: ولا يقال نعش إلا إذا كان عليه الميت.
هاذم: أى قاطع.
[البحث]
قال المصنف فى تلخيص الحبير: حديث: "أكثروا من ذكر هادم اللذات" أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم وابن السكن وابن طاهر كلهم من حديث محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة. وأعله الدارقطنى بالإرسال وفى الباب عن أنس عند البزار بزيادة. وصححه ابن السكن وقال أبو حاتم فى العلل: لا أصل له. وعن عمر ذكره ابن طاهر فى تخريج أحاديث الشهاب وفيه من لا يعرف وذكره البغوى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مرسلا.
تنبيه: هاذم: ذكر السهيلى فى الروض أن الرواية فيه بالذال المعجمة ومعناه القاطع وأما بالمهملة فمعناه المزيل للشيخ وليس ذلك مرادا هنا وفى النفى نظر لا يخفى اهـ.
2 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا فليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لى". متفق عليه.
[المفردات]
لا يتمنين أحدكم الموت: أى لا يشتهين أحدكم الموت.
لضر نزل به: أى بسبب بلاء أصابه.
لا بد: أى لا فرار ولا محالة.
[البحث]
نص هذا الحديث الصحيح على أنه لا يحل لمسلم أن يشتهى الموت بسبب ما قد نزل به من مرض أو بلاء ومحنة أو فقر أو نحو ذلك وإنما عليه بحبس النفس عن الجزع وعليه التمسك والالتزام بالصبر على القضاء والرضاء بأقدار اللَّه عز وجل. أما تمنى الشهادة فى سبيل اللَّه فقد صح الخبر بها عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن رواحة وغيرهما من الصحابة رضى اللَّه عنهم أما ما حكاه اللَّه تعالى من قول مريم: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} وكذلك قول يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} فقد
نقل عن قتادة أن هذا كان سائغا فى شريعتهم. وقال بعض أهل العلم: إذا كانت الفتنة فى الدين فإنه يجوز تمنى الموت وحمل عليه قول مريم: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} وكذلك قول السحرة لما آمنوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} . وقد جاء فى بعض ألفاظ هذا الحديث فى الصحيحين: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب، ولكن ليقل: اللهم أحينى ماكانت الحياة خيرا لى. الحديث. وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا. كما روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من طريق قيس بن أبى حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضى اللَّه عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ولولا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبنى حائطا له فقال: إن المسلم ليؤجر فى كل شئ ينفقه إلا فى شئ يجعله فى التراب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهية تمنى الموت بسبب مرض أو نحوه.
2 -
إذا اضطر الإنسان فى الموت فليقل اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا. . الخ الحديث.
3 -
وعن بريدة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى اللَّه عليه وسلم
قال: المؤمن يموت بعرق الجبين. رواه الترمذى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
يموت بعرق الجبين: أى يموت وأثر الكد ظاهر عليه مثل العرق على الجبين وهو ما انكشف من الجبهة. أو هو كناية عن سكرات الموت.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه الترمذى من طريق قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه وساقه ثم قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وقال بعض أهل الحديث لا نعرف لقتادة سماعا من عبد اللَّه بن بريدة اهـ ولعل الترمذى يعنى ببعض أهل الحديث الذين نفوا سماع قتادة من ابن بريدة: الإمام البخارى رحمه الله فقد جاء فى تهذيب التهذيب: وقال البخارى: لا يشبه أن قتادة سمع من بشر ابن عائذ لأنه قديم الموت ولا نعرف له سماعا من ابن بريدة اهـ.
4 -
وعن أبى سعيد وأبى هريرة رضى اللَّه عنهما قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه". رواه مسلم والأربعة.
[المفردات]
لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه: أى ذكروا من حضره. الموت منى بكلمة التوحيد بأن تتلفظوا بها عنده دون إرهاق فالمراد بالموت هنا من هم فى سياقة الموت.
[البحث]
قوله صلى الله عليه وسلم: لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه. يحتمل أمر من فى سياقة الموت بكلمة التوحيد بأن يقول له من حضره: قل لا إله إلا اللَّه. ويحتمل أن المراد بالتلقين: مجرد ذكرها عنده لعله يتذكر فيتلفظ بها فينفعه اللَّه بها لعموم قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث عثمان رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللَّه دخل الجنة. وقد عنون البخارى فى صحيحه فقال: باب الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه وساق حديث أبى ذر رضى اللَّه عنه -وهو متفق عليه- "من مات من أمتى لا يشرك باللَّه شيئا دخل الجنة" على أنه ينبغى لمن حضر إنسانا عند موته ألا يشق عليه بل يتلطف فى تذكيره. وقد ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طلب من أبى طالب عند موته أن يقول لا إله إلا اللَّه، فقد روى البخارى ومسلم من حديث سعيد ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبى صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد اللَّه بن أبى أمية فقال: أى عم قل لا إله إلا اللَّه كلمة أحاج لك بها عند اللَّه عز وجل، فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبى أمية: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب فقال: أنا على ملة عبد المطلب فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك. فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} قال: ونزلت فيه {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تلقين الميت وتذكيره بلا إله إلا اللَّه عند سياقة الموت.
2 -
لا فرق فى التذكير بين أن يكون المحتضر مسلما أو كافرا.
5 -
وعن معقل بن يسار رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا على موتاكم يس". رواه أبو داود والنسائى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
يس: أى سورة يس.
[البحث]
قال المصنف فى تلخيص الحبير: اقرءوا يس على موتاكم، أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث سليمان التيمي عن أبى عثمان -وليس بالنهدى- عن أبيه عن معقل بن يسار ولم يقل النسائى وابن ماجه عن أبيه وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبى عثمان وأبيه ونقل أبو بكر بن العربى عن الدارقطنى أنه قال: هذا حديث ضعيف الاسناد مجهول المتن ولا يصح فى الباب حديث اهـ.
6 -
وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه
ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر. فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لأبى سلمة وارفع درجته فى المهديين وافسح له فى قبره، ونور له فيه، واخلفه فى عقبه" رواه مسلم.
[المفردات]
شق بصره: أى بقى مفتوحا قال النووى: هو بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق هكذا ضبطاه وهو المشهور وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضا والشين مفتوحة بلا خلاف يقال شق بصر الميت وشق الميت بصره اهـ وقال المجد. فى القاموس: شق بصر الميت نظر إلى شئ لا يرتد إليه طرفه ولا تقل شق الميت بصره اهـ.
ضج ناس: أى صرخ ناس. قال ابن الأثير: الضجيج الصياح عند المكروه والمشقة والجزع.
واخلفه فى عقبه: أى كن خليفة له فى ذريته بحفظك لهم وبركتك فيهم.
فى المهديين: أى فى عبادك الصالحين الراشدين.
وافسح له فى قبره: أى وسع له فيه ولا تضيقه عليه ولا تعذبه فيه.
[البحث]
هذا الحديث رواه مسلم عن أم سلمة رضى اللَّه عنها بألفاظ منها
أنها قالت: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ماتقولون ثم قال: اللهم اغفر لأبى سلمة وارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له فى قبره ونور له فيه. وفى لفظ: واخلفه فى تركته وقال: اللهم أوسع له فى قبره ولم يقل افسح له وفى لفظ: قالت قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، قالت فلما مات أبو سلمة أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول اللَّه إن أبا سلمة قد مات قال: قولى اللهم اغفر لى وله واعقبنى منه عقبى حسنة قالت: فقلت، فأعقبنى اللَّه من هو خير لى منه محمدا صلى الله عليه وسلم وقد أرشد هذا الحديث إلى استحباب إغماض عين الميت وأنه لا يحل الضجيج عند الموت وأنه ينبغى للمصاب أن يصبر ويحتسب ولا يقول إلا خيرا وأنه يخشى على من دعا على نفسه عند مصيبة الموت أن يبتليه اللَّه بما يقول وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسلم أن يدعو على نفسه أو ولده أو ماله مطلقا وأكد هنا النهى عن الدعاء على النفس عند المصيبة. ودل الحديث أيضا على أن القبر قد يضيق على الميت وقد يتسع وهذه من شئون الغيب التى يجب الإيمان بها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تغميض عين الميت.
2 -
لا يحل إحداث الضجيج والصياح عند الموت.
3 -
يستحب أن يشتغل من حضر المصيبة بالدعاء للميت ولنفسه.
4 -
يخشى على من دعا على نفسه عند مصيبة الموت أن يعاقب بدعائه.
5 -
وجوب الإيمان بنعيم القبر وعذابه نعوذ باللَّه من عذاب القبر.
7 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين توفى سجى ببرد حبرة. متفق عليه.
[المفردات]
سجى: أى غطى جميع بدنه صلى الله عليه وسلم.
ببرد حبرة: يعنى بحبرة من برود اليمن فالحبرة بكسر الحاء وفتح الباء نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن.
[البحث]
ذكر البخارى رحمه الله حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: أقبل أبو بكر رضى اللَّه عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضى اللَّه عنها فتيمم النبى صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله. الحديث. ولفظ مسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سجى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة، ولم يكن هذا الثوب الذى سجى به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو كفنه فقد ثبت أنه صلى اللَّه
عليه وسلم كفن فى ثلاثة أثواب بيض سحولية. وقد جاء فى لفظ لمسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: أدرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حلة يمنية كانت لعبد اللَّه بن أبى بكر ثم نزعت عنه وكفن فى ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص فقال: أكفن فيها ثم قال: لم يكفن فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأكفن فيها؟ فتصدق بثمنها. وفى لفظ: قال عبد اللَّه: لو رضيها اللَّه عز وجل لنبيه لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تغطية الميت بثوب حتى يغسل ويكفن.
8 -
وعنها رضى اللَّه عنها أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه عنه قبل النبى صلى الله عليه وسلم بعد موته. رواه البخارى.
[المفردات]
وعنها: أى وعن عائشة رضى اللَّه عنها.
[البحث]
هذا الحديث مختصر من الحديث الذى ساقه البخارى تحت باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج فى أكفانه، وهو الحديث الذى سقت صدره عند بحث الحديث المتقدم. قال الحافظ فى فتح البارى: قال ابن رشيد: موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحى التى عهد عليها ولذلك أمر بتغميضه
وتغطيته كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعى: ينبغى ألا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه فترجم البخارى على جواز ذلك اهـ والاستدلال بهذا الحديث والذى قبله من جهة أنها فعلت ولم ينكرها أحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان إجماعا ولم يختلف الأصوليون بأن إجماع الصحابة حجة. يضاف إلى ذلك أنه من عمل الراشدين الذين أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز تقبيل الميت.
2 -
جواز الكشف عن وجهه.
9 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه أحمد والترمذى وحسنه.
[المفردات]
معلقة بدينه: أى محبوسة عن مقامها الكريم.
حتى يقضى عنه: أى حتى يؤدى عنه.
[البحث]
لقد حرص الإسلام على صيانة أموال الناس، وشدد النكير على من يتلفها أو يستدين ولا يريد قضاء الدين، وبشر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من اقترض وهو يريد الأداء أن اللَّه تعالى
يؤدى عنه وتهدد من اقترض وهو لا يريد الوفاء بأن اللَّه يتلفه. فقد روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى اللَّه عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه اللَّه. وأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الشهادة فى سبيل اللَّه تكفر كل شئ إلا الدين فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: القتل فى سبيل اللَّه يكفر كل شئ إلا الدين. كما روى مسلم من حديث أبى قتادة رضى اللَّه عنه فى قصة الرجل الذى قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت فى سبيل اللَّه أيكفر عنى خطاياى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل قال لى ذلك" وثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى على من مات وعليه دين حتى وسع اللَّه عليه فصار يؤدى دينه ويصلى عليه، فقد روى مسلم من حديث أبى هريرة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت، عليه دين فيسأل هل ترك لدينه قضاء فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال: "صلوا على صاحبكم" فلما فتح اللَّه عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلى قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته. وقد أشار اللَّه عز وجل إلى المبادرة بقضاء الدَّين عن الميت قبل تقسيم تركته فقال:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقد أجع علماء السلف والخلف على أن الدَّين مقدم على الوصية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب المبادرة بقضاء دين الميت عنه.
2 -
أن الأعمال الصالحة التى يعملها الإنسان لا يثاب عليها إلا بعد قضاء دينه.
10 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الذى سقط عن راحلته فمات: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبين. متفق عليه.
[المفردات]
فى الذى سقط عن راحلته فمات: أى فى الشخص الذى كان بعرفة حاجا فوقع من فوق ناقته فتوفى وهو محرم رضى اللَّه عنه.
وسدر: السدر هو شجر النبق والمراد: ورقه المطحون يخلط بالماء للغسل وهو يعمل عمل (الصابون).
فى ثوبين: أى فى إزاره وردائه.
[البحث]
لفظ الحديث بتمامه فى صحيح البخارى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: أوقصته قال النبى صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. وفى لفظ البخارى: فى ثوبيه. قال الحافظ فى الفتح: قال المحب الطبرى: إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له كما فى
الشهيد حيث قال: زملوهم بدمائهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب غسل الميت غير شهيد المعركة.
2 -
يجوز الاقتصار فى الكفن على ثوبين ولا سيما المحرم.
3 -
يجب تكفين الميت.
4 -
يستحب أن يكون مع الماء الذى يغسل به الميت سدر فإن لم يوجد وضع مع الماء ما يقوم مقامه.
11 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: واللَّه ما ندرى نجرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا أم لا. الحديث رواه أحمد وأبو داود.
[المفردات]
غسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى قبل تكفينه.
نجرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى نخلع عنه ثيابه؟ .
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق قال حدثنى يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال: سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: واللَّه ما ندرى أنجرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى اللَّه
عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه فى صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، أن غسلوا النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز تجريد الموتى عند تغسيلهم سوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
2 -
لا بأس أن تغسل المرأة زوجها.
12 -
وعن أم عطية رضى اللَّه عنها قالت: دخل علينا النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن وذلك بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورا أو شيئا من كافور، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه. متفق عليه. وفى رواية: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها. وفى لفظ للبخارى: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها.
[المفردات]
ابنته: هى زينب زوجة أبى العاص بن الربيع وهى أم أمامة التى صلى رسول اللَّه عليه وسلم وهو يحملها وقد توفيت زينب رضى اللَّه عنها سنة ثمان من
الهجرة وكانت أكبر بنات النبى صلى الله عليه وسلم وقد ورد التصريح بتسميتها فى صحيح مسلم ولم يقع فى شئ من روايات البخارى.
اغسلنها ثلاثا: أى أفضن الماء عليها ثلاث مرات وقد جاء فى رواية فى الصحيحين: اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا. . الخ. قال النووى: المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الايتار مطلوب والثلاث مستحبة فإن حصل الانقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الانقاء والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن اهـ.
إن رأيتن ذلك: أى إن رأيتن أن الانقاء لا يحصل إلا بما فوق الخمس.
فى الآخرة: أى فى الغسلة الأخيرة.
كافورا: الكافور نبت طيب نوره كنور الأقحوان، وطيب يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين يظل خلقا كثيرا وتألفه النمورة وخشبه أبيض هش ويوجد فى جوفه الكافور وهو أنواع ولونها أحمر قال الحافظ فى فتح البارى: قيل: الحكمة فى الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية فى تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتخلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد اليه وهو أقوى الأراييح الطيبة فى ذاك وهذا هو السر فى جعله فى الأخيرة إذ لو كان فى الأولى مثلا لأذهبه الماء.
فرغنا: أى انتهينا من غسلها رضى اللَّه عنها.
آذناه: أى أعلمناه.
حقوه: أصل الحقو معقد الإزار ويطلق على الإزار وهو المراد هنا.
أشعرنها إياه: أى الففنها به، والشعار الثوب الذى يلى الجسد.
وفى رواية: أى للبخارى ومسلم من حديث أم عطية رضى اللَّه عنها.
بميامنها: أى بنواحى اليمين من جسدها.
ومواضع الوضوء منها: أى وأعضاء وضوئها. ويستحب التيامن فيها أيضا.
فضفرنا شعرها ثلاثة قرون: أى جدلناه وجعلناه ضفائر ثلاثا، وفى لفظ لمسلم عن أم عطية رضى اللَّه عنها: فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها. أى جعلنا شعرها ثلاثة أثلاث وجعلنا كل ثلث ضفيرة فحصلت ثلاث ضفائر: ضفيرتان منها قرناها وضفيرة ناصيتها. وأصل الضفر: النسج بإدخال بعض الشئ فى بعضه.
فألقيناها خلفها: أى جعلنا الضفائر الثلاث من جهة ظهرها.
[البحث]
لقد بوب البخارى لحديث أم عطية عشرة أبواب فى صحيحه متتابعة مستدلا لأبوابه به أو شارحا له ببعض هذه الأبواب فقال: باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر. وساقه، ثم قال: باب ما يستحب أن يغسل وترا ثم ساقه. ثم قال باب يبدأ بميامن الميت
الميت ثم ساقه ثم قال: باب مواضع الوضوء من الميت ثم ساقه ثم قال: باب هل تكفن المرأة فى إزار الرجل ثم ساقه ثم قال: باب يجعل الكافور فى الأخيرة ثم ساقه ثم قال: باب نقض شعر المرأة ثم ساقه ثم قال: باب كيف الاشعار للميت ثم ساقه ثم قال: باب يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون ثم ساقه ثم قال: باب يلقى شعر المرأة خلفها ثم ساقه. ولا نعلم حديثا كرره البخارى فى صحيحه فى عشرة أبواب متتابعة سوى حديث أم عطية هذا. وهذا يؤكد ما ذكره ابن المنذر حيث قال: ليس فى أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية، وعليه عول الأئمة اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب أن يكون غسل الميت وترا.
2 -
استحباب الزيادة من الأوتار إلى حد الإنقاء.
3 -
استحباب جعل الكافور فى الغسلة الأخيرة.
4 -
استحباب البداءة بميامن الميت فى الغسل.
5 -
استحباب البدء بمواضع الوضوء والتيامن فيها أيضا.
6 -
استحباب ضفر شعر المرأة ثلاثة قرون وأن يجعل خلفها.
13 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق عليه.
[المفردات]
سحولية: بفتح السين وضمها هى ثياب بيض نقية أو هى
ثياب يمنية قال ابن الأثير: الفتح منسوب إلى السحول وهو القصار لأنه يسحلها أى يغسلها أو إلى سحول وهى قرية باليمن وأما الضم فهو جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقى ولا يكون إلا من قطن وفيه شذوذ لأنه نسب الى الجمع وقيل إن اسم القرية بالضم أيضا اهـ.
كرسف: أى قطن.
[البحث]
ساق البخارى رحمه الله حديث عائشة رضى اللَّه عنها فى أكثر من باب للاستدلال به على تراجمه هذه وهى باب الثياب البيض للكفن وباب الكفن بغير قميص وباب الكفن بلا عمامة. والحديث ظاهر الدلالة لهذه الأبواب التى بوبها البخارى رحمه الله غير أنه قد جاء فى حديث ابن عمر وجابر رضى اللَّه عنهم عند البخارى: أن قميص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل فى كفن عبد اللَّه بن أبى فيشعر بجواز أن يكون مع الكفن قميص. غير أن ما اختاره اللَّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من الكفن يكون هو أفضل الكفن فلا ينبغى أن يزاد عليه أو ينقص عنه فى السعة واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب الثياب البيض فى الكفن.
2 -
استحباب أن يكون الكفن ثلاثة أثواب.
3 -
لا يستحب القميص أو العمامة فى الكفن.
14 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: لما توفى عبد اللَّه. ابن أبى جاء ابنه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أعطنى قميصك اكفنه فيه فأعطاه إياه. متفق عليه.
[المفردات]
عبد اللَّه بن أبى: هو عبد اللَّه بن أبى بن سلول رأس المنافقين لعنه اللَّه.
ابنه: هو عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى وكان هذا الإبن رجلا صالحا من خيار أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرا وما بعدها واستشهد بوم اليمامة فى خلافة أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهما.
[البحث]
ظاهر حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما هذا يفيد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطى عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى قميصه ليكفن أباه فيه وقد جاء فى رواية للبخارى من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن عبد اللَّه بن أبى لما توفى جاء ابنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أعطنى قميصك اكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له فأعطاه النبى صلى الله عليه وسلم قميصه فقال: آذنى أصلى عليه فآذنه فلما أراد أن يصلى عليه جذبه عمر رضى اللَّه عنه فقال: أليس اللَّه قد نهاك أن تصلى على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين قال اللَّه تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ
لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فصلى عليه فنزلت {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} وظاهر هذا السياق يدل على أن النهى الصريح عن الصلاة على المنافقين لم ينزل إلا بعد أن صلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلعل عمر رضى اللَّه عنه كان قد استنبط من قوله تعالى: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} منع الصلاة عليهم فأخبره النبى صلى الله عليه وسلم أنه لا مانع من ذلك. غير أن البخارى قد روى من طريق جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما ما يفيد أن القميص لم يكن هو كفن عبد اللَّه بن أبى بل ضم إلى الكفن زيادة عليه ولفظ حديث جابر قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن أبى بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه" وليس المراد من قوله "بعد ما دفن"، أنه قد أهيل عليه التراب وأنه نبش ليلبسه القميص بل المراد أنه دلى فى حفرته وقبل أن يهال عليه التراب فعل له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما فعل. فإن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطى عبد اللَّه ابن عبد اللَّه القميص قبل تكفينه فيكون هذا القميص قميصا آخر زيادة تكريم لعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى رضى اللَّه عنه وتطييبا لخاطره مع علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا ينفع الكافرين. وإما أن يكون معنى قوله فى حديث عبد اللَّه بن عمر:(فأعطاه إياه) أنه وعد بإعطائه إياه وجاء عند قبره لتحقيق وعده. واللَّه أعلم
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز وضع قميص مع الكفن لغرض شرعى.
2 -
حرص الاسلام على تأليف القلوب ومكافأة الابن المحسن دون نظر إلى إساءة أبيه.
15 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فها موتاكم. رواه الخمسة إلا النسائى وصححه الترمذى.
[البحث]
هذا الحديث صححه ابن القطان والترمذى وابن حبان لكن الأمر فيه ليس للوجوب بدليل ما رواه مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: خرج النبى صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود روى الترمذى من حديث أبى رمثة قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران. وقد حسنه الترمذى فالأمر فى حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما للاستحباب وقد كفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب بيض كما مر، وكان يدعو: ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب التكفين فى الثياب البيض.
2 -
استحباب لبس الثياب البيض.
16 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" رواه مسلم.
[المفردات]
كفن أحدكم أخاه: أى إذا أراد أحدكم أن يدخل أخاه فى كفنه.
فليحسن: بتشديد السين وتخفيفها أى فليجعله حسنا.
كفنه: بسكون الفاء وفتحها ومعناه بالسكون أى تكفينه أما بالفتح فمعناه ثياب كفنه، وإحسان الكفن عدم التبذير أو التقتير فيه واختيار اللون الأبيض وأن يكون ساترا وقد كتب اللَّه الإحسان فى كل شئ.
[البحث]
روى مسلم هذا الحديث من طريق أبى الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يحدث أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن فى كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" ولعل سبب الدفن ليلا الذى ذكر فى هذا الحديث هو رداءة الكفن لذلك حض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على تحسين الكفن. ويقتضى الأمر بالتحسين أو الاحسان عدم الإفراط أو التفريط.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب تحسين الكفن.
2 -
كراهية الإفراط أو التفريط فيه.
17 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى ثوب واحد ثم يقول: "أيهم أكثر أخذا للقرآن" فيقدمه فى اللحد، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. رواه البخارى.
[المفردات]
وعنه: أى وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما.
قتلى أحد: أى شهداء معركة أحد.
فى ثوب واحد: أى يشقه بينهما ويدرجهما فيه أو يجعلهما جميعا فيه.
أخذا للقرآن: أى حفظا وتناولا له.
فى اللحد: أصل اللحد الشق فى جانب القبر مائلا عن وسطه وأصله من الميل قال البخارى فى صحيحه: وسمى اللحد لأنه فى ناحية وكل جائر ملحد، ملتحدا معدلا، ولو كان مستقيما كان ضريحا اهـ فالضريح شق يشق فى الأرض على الاستواء ويدفن فيه.
ولم يصل عليهم: أى صلاة الجنازة المعروفة.
[البحث]
هذا الحديث رواه البخارى فى باب الصلاة على الشهيد من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى اللَّه عليه وسلم
يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه فى اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم فى دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. ثم اختصره البخارى رحمه الله فى باب دفن الرجلين والثلاثة فى قبر من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم ساقه مختصرا فى باب من لم ير غسل الشهداء عن جابر قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم ادفنوهم فى دمائهم يعنى يوم أحد ولم يغسلهم. ثم ساقه فى باب من يقدم فى اللحد من حديث جابر رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه فى الحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء. وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ثم ساق عن جابر قال: فكفن أبى وعمى فى نمرة واحدة. والحديث ظاهر الدلالة على أنه لا يغسل شهيد المعركة ولا يصلى عليه. وأما ما رواه البخارى من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت فإنه لا يدل على أن هذه الصلاة هى الصلاة المشروعة عقيب الموت قبل الدفن أو بعيده فقد ثبت أن صلاته هذه كانت بعد ثمان سنوات من استشهادهم وأنها كانت كالتوديع قبل موته صلى الله عليه وسلم فقد ساق البخارى رحمه الله هذا الحديث فى باب غزوة أحد من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمانى سنين كالمودع
للأحياء والأموات. قال الشافعى فى الأم: جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغى لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحى على نفسه. قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع فى نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعنى والمخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة قال: وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت. انتهى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن شهيد المعركة لا يغسل بل يدفن فى دمه.
2 -
وأن شهيد المعركة لا يصلى عليه.
18 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغالوا فى الكفن فإنه يسلب سريعا". رواه أبو داود.
[المفردات]
لا تغالوا: أى لا تتجاوزوا الحد ولا تسرفوا.
يسلب سريعا: أى يبلى فى وقت غير طويل.
[البحث]
هذا الحديث من رواية الشعبى عن على وفى سنده عمرو بن
هاشم الجنبى بفتح الجيم وسكون النون بعدها باء موحدة الكوفى أبو مالك قال الإمام أحمد فيه: صدوق ولم يكن صاحب حديث وقال البخارى فيه نظر وقال أبو حاتم لين الحديث يكتب حديثه وقال النسائى ليس بالقوى وقال مسلم فى الكنى ضعيف وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ووروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره. وقد قال الدارقطنى فى رواية الشعبى عن على رضى اللَّه عنه: إنه لم يسمع منه سوى حديث واحد. وأشار الحافظ فى تلخيص الحبير إلى أنه منقطع لهذا السبب. وقد روى البخارى من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن أبا بكر رضى اللَّه عنه نظر. إلى ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردع من زعفران فقال: اغسلوا ثوبى هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنونى فيها. قلت: إن هذا خلق قال: إن الحى أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة.
19 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها: لو مت قبلى لغسلتك. الحديث رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان.
[البحث]
قال المصنف فى تلخيص الحبير: حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "لو مت قبلى لغسلتك وكفنتك" أحمد والدارمى وابن ماجه وابن حبان والدارقطنى والبيهقى من حديثها وأوله: رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من البقيع، وأنا أجد
صداعا فى رأسى وأقول: وارأساه، فقال: ما خبرك لو مت قبلى فقمت عليك وغسلتك وكفنتك. الحديث ولم يذكر المصنف بقية الحديث. وتمامه فى ابن ماجه: وصليت عليك ودفنتك. ثم قال الحافظ فى التلخيص: وأعله البيهقى بابن إسحاق ولم ينفرد به بل تابعه عليه صالح بن كيسان عند أحمد والنسائى وأما ابن الجوزى فقال: لم يقل غسلتك إلا ابن إسحاق. وأصله عند البخارى بلفظ: ذاك لو كان وأنا حى فاستغفر لك وأدعو لك.
(تنبيه) تبين أن قوله: لغسلتك باللام تحريف والذى فى الكتب المذكورة فغسلتك بالفاء وهو الصواب والفرق بينهما أن الأولى شرطية والثانية للتمنى اهـ.
20 -
وعن أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنها أن فاطمة رضى اللَّه عنها أوصت أن يغسلها على رضى اللَّه عنه. رواه الدارقطنى.
[المفردات]
أوصت: أى عهدت.
[البحث]
هذا الحديث رواه الدارقطنى من طريق عبد اللَّه بن نافع عن محمد بن موسى عن عون بن محمد عن أمه عن أسماء وسمى أبو نعيم فى الحلية -فى ترجمة فاطمة- أم عون أم جعفر بنت محمد بن جعفر يعنى ابن أبى طالب الهاشمية زوجة محمد بن الحنفية وأم ابنه عون روت عن جدتها أسماء بنت عميس وقد وصفها الحافظ فى التقريب بأنها مقبولة ووصفها السندى بأنها مجهولة أما عون بن
محمد بن على بن أبى طالب فقد قال ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل: عون بن محمد بن على بن أبى طالب الهاشمى روى عن أبيه عن جدد وروى عنه يونس بن راشد ومحمد بن موسى وعبد الملك بن أبى عياش سمعت أبى يقول ذلك، وكأن ابن أبى حاتم يعتبره فى عداد المجهولين ولا أعلم أحدا وثقه.
21 -
وعن بريدة رضى اللَّه عنه فى قصة الغامدية التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها فى الزنا قال: ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت رواه مسلم.
[المفردات]
الغامدية: منسوبة إلى غامد بطن من الأزد.
برجمها: أى بقذفها بالحجارة إلى حد الموت.
فى الزنا: أى بسبب زناها وإقرارها بذلك.
[البحث]
روى مسلم فى صحيحه قصة الغامدية هذه من طريق عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه رضى اللَّه عنه أن ماعز بن مالك الأسلمى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه إنى قد ظلمت نفسى وزنيت وإنى أريد أن تطهرنى فرده فلما كان من الغد أتاه فقال يا رسول اللَّه إنى قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفىَّ العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به
ولا بعقله. فلما كان فى الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم فقال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إنى قد زنيت فطهرنى وإنه ردها فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردنى؟ لعلك أن تردنى؟ رددت ماعزا فواللَّه إنى لحبلى قال: إما لا فاذهبى حتى تلدى، فلما ولدت أتته بالصبى فى خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبى فى يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبى اللَّه قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت هذا وليست هذه الغامدية هى الجهنية التى روى مسلم قصة رجمها عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما. وتوهم النووى وتبعه الصنعانى فى سبل السلام فزعم أن الجهنية هى الغامدية وأن جهينة بطن من غامد فإن هذا وهم عجيب إذ أن جهينة وغامدا لا يجتمعان فى عمود نسب واحد والقصتان مختلفتان ففى قصة الغامدية جعل الصبى بيد أمه حتى فطمته وفى قصة الجهنية دفع الصبى لوليها بعدما وضعته مباشرة وفى قصة الغامدية قال لخالد لما شدخها: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. وفى قصة الجهنية قال لعمر لما استفهم عن صلاته عليها وقد زنت قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وقصة الغامدية من رواية بريدة بن الحصيب وقصة الجهنية من رواية عمران بن حصين
وسيأتى التنبيه إلى ذلك إن شاء اللَّه تعالى فى كتاب الحدود.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يصلى على المرجوم فى الزنا.
2 -
وأنه يعامل معاملة سائر المسلمين.
22 -
وعن جابر بن سمرة رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. رواه مسلم.
[المفردات]
مشاقص: جمع مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو سهم فيه نصل عريض.
[البحث]
مذهب أهل السنة والجماعة أن قتل الإنسان نفسه من أكبر الكبائر لكنهم لا يحكمون عليه بالكفر ويحملون ما ورد فيمن تحسى سما ونحوه من الأحاديث على أنها من أحاديث الوعيد، وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر رضى اللَّه عنه أن الطفيل بن عمرو الدوسى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه هل لك فى حصن حصين ومنعة؟ قال حصن كان لدوس فى الجاهلية فأبى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم للذى ذخر اللَّه للأنصار فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه
الطفيل بن عمرو فى منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لى بهجرتى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لى أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لى لن نصلح منك ما أفسدت. . فقصها الطفيل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر" وقد فهم أكثر أهل العلم من قوله "فلم يصل عليه" أن ذلك للردع والزجر لا لتحريم صلاة غيره صلى الله عليه وسلم عليه كما فعل بالغال وبما كان يفعل فى الذى عليه دين فى أول الأمر فقد كان يمتنع صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على هؤلاء ويأذن لغيره بالصلاة عليهم وقد ورد فى رواية النسائى: "أما أنا فلا أصلى عليه" وقد روى الخمسة إلا الترمذى بسند رجاله رجال الصحيح من حديث زيد ابن خالد الجهنى رضى اللَّه عنه أن رجلا من المسلمين توفى بخيبر وأنه ذكر لرسول اللَّه عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذى بهم قال: إن صاحبكم غل فى سبيل اللَّه. ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوى درهمين. وقد مر الكلام عن الصلاة فيمن مات وعليه دين فى الحديث التاسع من هذا الباب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يستحب لإمام المسلمين ألا يصلى على من قتل نفسه.
2 -
ينبغى أن يتولى الصلاة عليه غير إمام المسلمين.
23 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه فى قصة المرأة التى كانت تقم المسجد قال: فسأل عنها النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا:
ماتت. فقال: أفلا كنتم آذنتمونى؟ فكأنهم صَغَّروا أمرها. فقال: دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها. متفق عليه وزاد مسلم ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه ينورها لهم بصلاتى عليهم.
[المفردات]
تقم المسجد: أى تكنسه وتخرج قمامته أى كناسته، والمقمة هى المكنسة.
آذنتمونى: أى أعلمتمونى بموتها.
صَغَّروا أمرها: أى حقروا شأنها وليس ذلك لسوادها أو مهنتها بل لتعظيم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن إزعاجه من الليل.
وزاد مسلم: أى من رواية أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
قوله فى قصة المرأة التى كانت تقم المسجد، مبنى على أن الشخص الذى كان يقم المسجد هو امرأة وليس برجل غير أن رواية الشيخين مسوقة على الشك وإن كان الأقرب أنها امرأة ففى لفظ البخارى من حديث أبى هريرة أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه إلا إمرأة. الحديث. وفى لفظ مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتمونى؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال: دلونى على قبرها فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه عز وجل ينورها لهم بصلاتى
عليهم" وقد روى البخارى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: صلى النبى صلى الله عليه وسلم على رجل بعد ما دفن بليلة قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال من هذا؟ فقالوا: فلان دفن البارحة فصلوا عليه، وفى لفظ للبخارى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: مات إنسان كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلا فلما أصبح أخبروه فقال: ما منعكم أن تعلمونى؟ قالوا: كان الليل، فكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز الصلاة على الميت فى قبره إذا لم يكن صلى عليه الإمام أو وليه.
2 -
أن الصلاة على القبر إنما تكون لمن دفن حديثا.
24 -
وعن حذيفة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن النعى، رواه أحمد والترمذى وحسنه.
[المفردات]
النعى: يطلق النعى على الإخبار بالموت وإعلانه.
[البحث]
قال الترمذى: باب ما جاء فى كراهية النعى حدثنا أحمد بن منيع نا عبد القدوس بن بكر بن خنيس نا حبيب بن سليم العبسى عن بلال ابن يحى العبسى عن حذيفة قال: إذا مت فلا تؤذنوا بى
أحدا، فإنى أخاف أن يكون نعيا، وإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعى" هذا حديث حسن اهـ. وقد تقدم فى الحديث الذى قبل هذا الحديث من حديث أبى هريرة المتفق عليه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "قال أفلا كنتم آذنتمونى؟ " كما روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر بموت النجاشى فى اليوم الذى مات فيه فخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا، كما سيجئ فى الحديث الذى يلى هذا الحديث وفى ذلك إعلان بموت الميت للصلاة عليه والدعاء له، ومثل هذا الاعلان قد ثبتت مشروعيته، ولقد كان أهل الجاهلية يبالغون فى النعى ويعددون مفاخر الميت ويجعلون منه نياحة على حد قول طرفة بن العبد الشاعر:
إذا مت فانعينى بما أنا أهله
…
وشقى علىَّ الجيب يا ابنة معبد
وهذا النوع من النعى لاشك فى تحريمه للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالنهى عن ذلك والبراءة من أهله، ولذلك قال القاضى أبو بكر بن العربى: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذه سنة، الثانية: دعوى الحفل الكثير للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم اهـ.
25 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى النجاشى فى اليوم الذى مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربعا" متفق عليه.
[المفردات]
النجاشى: هو أصحمة رضى اللَّه عنه الذى أكرم وفادة المهاجرين إليه وآمن برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكلمة نجاشى كانت تطلق على كل من مَلَك الحبشة.
أربعا: أى أربع تكبيرات.
[البحث]
روى البخارى ومسلم من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: قد توفى اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه. قال: فصففنا فصلى النبى صلى الله عليه وسلم عليه ونحن صفوف قال أبو الزبير عن جابر كنت فى الصف الثانى وفى لفظ للبخارى عن جابر: كنت فى الصف الثانى أو الثالث. وفى لفظ للبخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: نعى لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النجاشى صاحب الحبشة يوم الذى مات فيه فقال: استغفروا لأخيكم" وقد حاول بعض الناس أن يجعل ذلك خصوصية، قال الحافظ فى الفتح قال النووى: لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شئ مما ذكروه لتوفرت الدواعى على نقله، وقال ابن العربى المالكى: قال المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد، قلنا: وما عمل به محمد تعمل به أمته، يعنى لأن الأصل عدم الخصوصية، قالوا: طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه قلنا: إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم،
ولا تحدثوا إلا بالثابتات. ودعوا الضعاف فإنها سبيل تِلَافِ إلى ما ليس له تَلافٍ. وقال الكرمانى: قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع ولئن سلمنا فكان غائبا عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبى صلى الله عليه وسلم اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز إخبار الناس بموت الميت للصلاة عليه والدعاء له.
2 -
جواز الصلاة على الغائب.
3 -
استحباب تكثير المصلين على الميت وتكثير الصفوف.
4 -
استحباب الصلاة عليه فى الأماكن المتسعة ليشارك فى الصلاة عليه العدد الكثير.
5 -
أن تكبيرات الجنازة أربع تكبيرات.
6 -
لا يشترط فى الصلاة على الغائب أن يكون فى جهة القبلة لأن الحبشة لا تقع فى قبلة من يكون بالمدينة المنورة.
7 -
هذا الحديث من أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته فى اليوم الذى مات فيه مع بُعْد الحبشة عن المدينة.
26 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون باللَّه شيئا إلا شفَّعهم اللَّه فيه. رواه مسلم.
[المفردات]
فيقوم على جنازته: أى فيصلى عليه صلاة الجنازة.
شفعهم اللَّه فيه: أى قبل دعاءهم واستجاب لهم فيه وغفر له كأن الداعى ضم رجاءه إلى ما كان يرجوه الميت من اللَّه عز وجل. وأصله الازدواج من قولهم شفع بصرى إذا كان يرى الخط خطين والشخص شخصين. والشفع ضد الوتر.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه مسلم فى صحيحه من طريق كريب مولى ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول: هم أربعون؟ قال نعم. قال: أخرجوه فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون باللَّه شيئا إلا شفعهم اللَّه فيه. وقد روى مسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين ييلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه. كما روى البخارى فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله اللَّه الجنة. فقلنا وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد. كما روى البخارى ومسلم من
حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا علها شرا فقال: وجبت. فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء فى الأرض. وهذه الأحاديث صريحة فى قبول رجاء المسلمين عند اللَّه إذا رجوه أن يغفر لميتهم وتشير هذه الأحاديث إلى أن العدد الوارد فى بعضها لا مفهوم له وأن المسلمين قد تنفعهم شفاعة الشافعين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب كثرة المصلين على الجنازة.
2 -
استحباب إخلاص الدعاء رجاء الاستجابة.
3 -
أن من شرط قبول الشفاعة أن يكون الشافع لا يشرك باللَّه شيئا وكذلك المشفوع فيه.
27 -
وعن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنهما قال: صليت وراء النبى صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت فى نفاسها فقام وسطها. متفق عليه.
[المفردات]
وراء النبى: أى خلف النبى صلى الله عليه وسلم.
على امرأة: سماها سمرة فى بعض ألفاظه عند مسلم (أم كعب).
وسطها: بسكون السين وفتحها أى مقابل وسطها.
[البحث]
ساق مسلم رحمه الله حديث سمرة بن جندب بألفاظ منها قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وصلى على أم كعب ماتت وهى نفساء فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها، وفى لفظ قال: لقد كنت على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غلاما فكن أحفظ عنه فما يمنعنى من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن منى وقد صليت وراء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت فى نفاسها فقام عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة وسطها وفى لفظ: فقام عليها للصلاة وسطها. ولم يرد فى حديث صحيح تحديد موقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الرجل الميت عند الصلاة عليه ويظهر أن الأمر على السعة ما دام الإمام مقابل أى جزء من جسم الرجل. أما المرأة فقد ورد فيها هذا الحديث الصحيح.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب وقوف الإمام فى الصلاة على المرأة مقابل وسطها.
2 -
يجوز أن يقف الإمام مقابل أى جزء من جسم الميت عند الصلاة عليه.
28 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: واللَّه لقد صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ابنى بيضاء فى المسجد. رواه مسلم.
[المفردات]
على ابنى بيضاء: هما سهل وسهيل ابنا وهب بن ربيعة القرشى
الفهرى وبيضاء لقب أمهما واسمها دعد بنت جحدم.
[البحث]
قد تكاثرت الأخبار الصحيحة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصلى على الجنائز فى المصلى ففى لفظ للبخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه فى الصلاة على النجاشى قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صف بهم فى المصلى فكبر عليه أربعا، كما روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد قال الحافظ فى فتح البارى: وحكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق اهـ ولازلنا نسمع إلى الآن أن الساحة الواقعة بجانب جدار المسجد النبوى من الناحية الشرقية الجنوبية والمحوطة من الشرق والشمال والجنوب بجدار قصير أنها كانت مصلى الجنائز، وهو ينطبق على ما ذكر ابن بطال عن ابن حبيب. وصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ابنى بيضاء بالمسجد قد تكون لبيان الجواز ولذلك كان أكثر الصحابة يحبون أن يصلوا على الجنازة خارج المسجد إلا أنهم لا يحرمون الصلاة عليها فى المسجد. ولهذا الحديث سبب وهو أنه لما مات سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه رغبت عائشة وغيرها من نساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يصلى عليه فى المسجد ليشاركن فى الصلاة عليه ولعل ذلك كان أرأف بهن. فسياق مسلم لهذا الحديث يشعر أن عائشة لم تكن هى وحدها التى ترى الصلاة عليه فى المسجد ففى لفظ لمسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبى وقاص
فى المسجد فتصلى عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسى الناس، ما صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن البيضاء إلا فى المسجد. وفى لفظ عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها لما توفى سعد بن أبى وقاص أرسل أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته فى المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه أخرج به من باب الجنائز الذى كان إلى المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة فى المسجد، وما صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا فى جوف المسجد وفى لفظ عن عائشة رضى اللَّه عنها: لما توفى سعد بن أبى وقاص قلت: ادخلوا به المسجد حتى أصلى عليه فأنكر ذلك عليها فقالت: واللَّه لقد صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ابنى بيضاء فى المسجد سهيل وأخيه قال مسلم: سهيل بن دعد وهو ابن البيضاء أمه بيضاء اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب اتخاذ مصلى للجنائز.
2 -
جواز الصلاة على الجنازة فى المسجد.
3 -
الصلاة على الجنازة فى المسجد لا تنقص من أجر المصلين.
4 -
لا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على شئ غير مشروع.
29 -
وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى رضى اللَّه عنه قال: كان
زيد ابن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وأنه كبر على جنازة خمسا فسألته فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكبرها. رواه مسلم والأربعة
[المفردات]
عبد الرحمن بن أبى ليلى: اختلف فى اسم أبى ليلى والد عبد الرحمن فقيل: يسار وقيل بلال، وقيل داود ابن بلال بن بليل بن أحيحة ابن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو ابن عوف بن مالكٍ بن أوس الأنصارى الأوسى أبو عيسى الكوفى والد محمد ابن عبد الرحمن بن أبى ليلى. وقد ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر رضى اللَّه عنه ويطلق ابن أبى ليلى على عبد الرحمن هذا وعلى ابنيه محمد وعيسى وابن ابنه عبد اللَّه بن عيسى وقد أخرج الجماعة لعبد الرحمن رحمه الله وقد اختلف فى سبب موته فقيل: قتل بواقعة الجماجم وقيل غرق فى نهر البصرة وقيل فُقِد وكانت وفاته سنة سنة ست وثمانين.
خمسا: أى خمس تكبيرات.
[البحث]
قال النووى فى قوله: كبر خمسا: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا وخمسا وستًا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشى فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك، واختلف الصحابة فى ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع وروى عن على رضى اللَّه عنه أنه كان يكبر على
أهل بدر ستا وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع. وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء فى الأحاديث الصحاح. وما سوى ذلك عندهم شذوذ ولا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبى ليلى اهـ وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار كان يزيد فى التكبير على أربع إلا ابن أبى ليلى اهـ وقد نسب إلى الإِمام أحمد وأبى يوسف جواز التكبير إلى خمس. ونقل الحافظ فى فتح البارى عن ابن المنذر. قال: والذى نختاره ما ثبت عن عمر ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال: كان التكبير أربعا وخمسا فجمع عمر الناس على أربع اهـ. وقال البخارى فى صحيحه: باب التكبير على الجنازة أربعا وقال حميد: صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له: فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم اهـ واللَّه أعلم.
30 -
وعن على رضى اللَّه عنه أنه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال: إنه بدرى رواه سعيد بن منصور وأصله فى البخارى.
[المفردات]
بدرى: أى ممن شهد غزوة بدر الكبرى.
[البحث]
تقدم فى بحث الحديث السابق ما أثر فى عدد التكبيرات على الجنائز وأما ما ذكره المصنف بقوله: وأصله فى البخارى فقد قال فى تلخيص الحبير: وروى البخارى فى صحيحه عن على أنه كبر على سهل بن حنيف زاد البرقانى فى مستخرجه (ستا) وكذا ذكره
البخارى فى تاريخه اهـ.
31 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعا ويقرأ بفاتحة الكتاب فى التكبرة الأولى. رواه الشافعى بإسناد ضعيف.
[المفردات]
فى التكبيرة الأولى: أى عقب التكبيرة الأولى من التكبيرات الأربع.
[البحث]
التكبير على الجنائز أربعا قد ثبت فى المتفق عليه كما مر. أما قراءة فاتحة الكتاب فإن حديث طلحة بن عبد اللَّه بن عوف الذى رواه البخارى يثبته كذلك. وسبب ضعف حديث جابر هذا الذى أخرجه الشافعى أنه من رواية إبراهيم بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل عن جابر رضى اللَّه عنه قال الحافظ فى التقريب: عبد اللَّه ابن محمد بن عقيل بن أبى طالب الهاشمى أبو محمد المدنى أمه زينب بنت على صدوق فى حديثه لين ويقال تغير بآخرة اهـ.
32 -
وعن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف رضى اللَّه عنه قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: ليعلموا أنها سنة. رواه البخارى.
[المفردات]
طلحة بن عبد اللَّه بن عوف: هو طلحة بن عبد اللَّه بن عوف الزهرى المدنى القاضى ابن أخى عبد الرحمن بن عوف يلقب طلحة الندى كان من الثقات الفقهاء توفى سنة سبع وتسعين وهو ابن اثنين وسبعين سنة ووهم الصنعانى فى سبل السلام فوصفه بأنه الخزاعى.
سنة: أى طريقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة على الميت.
[البحث]
هذا الحديث عنون له البخارى فى صحيحه فقال: باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطا وسلفا وأجرا. ثم ساق الحديث. قال الحافظ فى فتح البارى: وروى عبد الرزاق والنسائى عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: السنة فى الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا فى الأولى، إسناده صحيح اهـ وقوله ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم أى بعد التكبرة الثانية وقوله ثم يخلص الدعاء للميت أى بعد التكبرة الثالثة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى من تكبيرات الجنازة.
2 -
أنه يجوز أن يسمع الإِمام المأمومين قراءته فى صلاة الجنازة ليتعلموا السنة.
33 -
وعن عوف بن مالك رضى اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار. رواه مسلم.
[المفردات]
عوف بن مالك: هو عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعى الغطفانى أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد اللَّه ويقال أبو محمد ويقال أبو حماد ويقال أبو عمر، شهد فتح مكة ويقال: كانت معه راية أشجع وقال الواقدى شهد خيبر ونزل حمص ومات سنة ثلاث وسبعين.
من دعائه: أى بعض دعائه وكأنه لم يحفظ كل دعائه صلى الله عليه وسلم حينئذ.
وعافه: أى خلصه من المكاره فهو طلب من المعافاة.
وأكرم نزله: النزل بضم الزاى ويجوز إسكانها ما يعد للنازل من الزاد والضيافة أى أحسن نصيبه من الجنة قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} ولذلك قال عز وجل {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} وكما قال {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} .
ووسع مدخله: بفتح الميم وضمها أى قبره أى افسح له فيه.
ونقص: أى خلصه والتنقية: التنطف.
من الخطايا: أى من المعاصى والسيئات والذنوب.
الدنس: أى الوسخ.
وقه فتنة القبر: أى ثبته واحفظه عند سؤال الملكين له فى القبر.
[البحث]
هذا الحديث رواه مسلم رحمه الله بعدة ألفاظ كلها من طريق جبير بن نفير منها قال: سمعت عوف بن مالك يقول: صلى رسول صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار. قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. وفى لفظ عن عوف بن مالك الأشجعى قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم (وصلى على جنازة) يقول: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار، قال عوف: فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت. وقوله: من دعائه وهو يقول: أى بعد التكبيرة الثالثة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب الإخلاص فى الدعاء للميت فى صلاة الجنازة.
2 -
استحباب الدعاء بهذا المأثور لمن تيسر له.
3 -
استحباب حفظ الأدعية النبوية.
4 -
وجوب الإِيمان بنعيم القبر أو عذابه.
5 -
وجوب الإِيمان بفتنة القبر وأن اللَّه يثبت الذين آمنوا.
34 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإِيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده. رواه مسلم والأربعة.
[المفردات]
شاهدنا وغائبنا: أى المقيم منا والمسافر.
من أحييته: أى من كتبت له الحياة بعد فأعشه على الاستمساك بشريعة الاسلام.
توفيت: أى أمته.
منا: أى من حماعة المسلمين.
أجره: أى أجر الصبر على فراته.
ولا تضلنا بعده: أى ولا تصرف قلوبنا عن طاعتك بعد موته.
[البحث]
وهم المصنف هنا فنسب هذا الحديث إلى مسلم وهو لم يخرجه
ولم يتنبه لذلك الصنعانى فى سبل السلام فأقر هذا الوهم، وقد أشار المصنف فى تلخيص الحبير إلى أن هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان والحاكم ولم يذكر مسلما ولا النسائى وهنا قال والأربعة وهو وهم أيضًا فإن النسائى لم يخرجه من حديث أبى هريرة وإنما أخرجه من حديث إبراهيم الأنصارى عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الصلاة على الميت: اللهم اغفر لحينا وميتنا. . الحديث. كما نسب المجد ابن تيمية فى المنتقى هذا الحديث إلى أحمد الترمذى وساق منه إلى قوله فتوفه على الإِيمان. ثم قال: ورواه أبو داود وابن ماجه وزاد: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده. اهـ ومن العجيب كذلك أن الحافظ فى التلخيص أشار إلى أن النسائى أخرجه من حديث أبى إبراهيم الأشهلى عن أبيه مرفوعا مثل حديث أبى هريرة ثم قال: قال البخارى: أصح هذه الروايات رواية أبى إبراهيم عن أبيه نقله عنه الترمذى قال: فسألته عن اسمه فلم يعرفه. وقال ابن أبى حاتم عن أبيه: أبو إبراهيم مجهول اهـ. وقد رأيت أن النسائى أخرجه من حديث إبراهيم الأنصارى عن أبيه لا من حديث أبى إبراهيم عن أبيه واللَّه أعلم.
35 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء. رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
[ما يفيده الحديث]
وعنه: أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود واين ماجه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه وقد عنعنه ابن إسحاق وهو مدلس ولا شك أن إخلاص الدعاء للميت والمبالغة فى رجاء اللَّه تعالى أن يغفر له ويعفو عنه هو من سيما أهل الخير فى الإسلام.
36 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم. متفق عليه.
[المفردات]
أسرعوا بالجنازة: أى عجلوا بالمشى بها إلى القبر بمعنى أن يكون المشى فوق المعتاد ودون الخبب لأن الشدة الزائدة فى المشى قد تؤدى إلى اضطراب الجنازة وربما تسقط.
تك صالحة: أى الجثة المحمولة.
تضعونه: أى تطرحونه.
[البحث]
عنون البخارى لهذا الحديث فى صحيحه فقال: باب السرعة بالجنازة وقال أنس: أنتم مشيعون. فامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها ثم ساق هذا الحديث. وليس المراد بالإسراع ما يخرج عن حد الوقار، والحديث بعمومه يدل كذلك على
استحباب سرعة. تجهيز الميت ودفنه وعدم حبسه مدة طويلة بين ظهرانى أهله إلا لضرورة قال الحافظ فى الفتح: وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغى ألا يسرع بدفنهم حتى يمضى يوم وليلة ليتحقق: موتهم، نبه على ذلك ابن بزيزة اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب سرعة تجهيز الميت بعد أن يتحقق موته.
2 -
استحباب سرعة السير بالجنازة دون الهرولة والخبب.
3 -
أن سرعة الدفن من مصلحة الميت الصالح.
37 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. متفق عليه. ولمسلم: حتى توضع فى اللحد. وللبخارى: من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين كل قيراط مثل أحد.
[المفردات]
وعنه: أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
شهد: أى حضر.
قيراط: يطق القيراط على عدة معان منها أنه جزء من أجزاء الدينار أو الدرهم، كما يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءا من كامل جملة الشئ أرضا أو
غيرها كما يطلق على الجزء فى الجملة وأن لم تعرف نسبته وقد أشار الحديث إلى أن المراد بالقيراط حظ عظيم من الأجر لأنه شبهه بجبل أحد أو الجبل العظيم.
مثل الجبلين العظيمين: أى بنصيبين كبيرين من الأجر كالجبلين.
ولمسلم: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
حتى توضع فى اللحد: أى حتى تدفن.
وللبخارى: فى كتاب الإيمان من طريق الحسن ومحمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه فى باب اتباع الجنائز من الإيمان.
[البحث]
تمام اللفظ الذى انفرد به البخارى من حديث الحسن ومحمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه: ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط. وهذا الحديث الذى انفرد به البخارى مشعر بأن هذا الأجر إنما يحصل لمن خرج مع الجنازة حتى تدفن وشارك فى الصلاة عليها طلبا للأجر من اللَّه وتصديقا بوعد اللَّه أما من خرج على سبيل المكأفأة لأهل الميت لأنهم قد خرجوا معه قبل ذلك أو على سبيل المحاباة فله ما خرج لأجله لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" ولهذا الحديث. وقد جاء فى رواية لمسلم من حديث ثوبان رضى اللَّه عنه مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من صلى على جنازة فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان. القيراط مثل أحد. وفى لفظ لمسلم من حديث ثوبان رضى اللَّه عنه
سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن القيراط فقال: مثل أحد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
حصول الأجر العظيم لمن شيع الجنازة وصلى عليها ابتغاء وجه اللَّه.
2 -
وحصول بعض هذا الأجر لمن اقتصر على الصلاة أو على التشييع كذلك.
38 -
وعن سالم عن أبيه رضى اللَّه عنهما أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهم يمشون أمام الجنازة. رواه الخمسة وصححه ابن حبان وأعله النسائى وطائفة بالإرسال.
[المفردات]
سالم: هو أبو عمر أو أبو عبد اللَّه سالم بن عبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب القرشى العدوى المدنى أحد الفقهاء السبعة كان يشبه بأبيه فى الهدى والسمت وقد توفى فى آخر سنة ست ومائة على الصحيح. وقد أخرج له الجماعة.
عن أبيه: هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهما.
[البحث]
تقدم فى بحث الحديث رقم 36 ما ذكره البخارى عن أنس رضى اللَّه عنه من قوله: أنتم مشيعون فامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها. ولما أورد المصنف حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما
هذا أشار إلى أنه أخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارقطنى وابن حبان والبيهقى من حديث ابن عيينة عن الزهرى عن سالم عن أبيه به ثم قال: قال أحمد: إنما هو عن الزهرى مرسل. وحديث سالم فعل ابن عمر وحديث ابن عيينة وهم، قال الترمذى: أهل الحديث يرون المرسل أصح، قاله ابن المبارك، قال: وروى معمر ويونس ومالك عن الزهرى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يمشى أمام الجنازة، قال الزهرى: وأخبرنى سالم أن أباه كان يمشى أمام الجنازة قال الترمذى: ورواه ابن جريج عن الزهرى مثل ابن عيينة ثم روى عن ابن المبارك أنه قال: أرى ابن جريج أخذه عن ابن عيينة، وقال النسائى: وصله خطأ، والصواب مرسل، وقال أحمد: ثنا حجاج قرأت على ابن جريج ثنا زياد بن سعد أن ابن شهاب أخبره حدثنى سالم عن ابن عمر أنه كان يمشى بين يدى الجنازة، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها قال عبد اللَّه قال أبى ما معناه: القائل وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى آخره هو الزهرى. وحديث سالم فعل ابن عمر. وأخرجه ابن حبان فى صحيحه من طريق شعيب بن أبى حمزة عن الزهرى عن سالم أن عبد اللَّه بن عمر كان يمشى بين يديها وأبا بكر وعمر وعثمان قال الزهرى: وكذلك السنة. فهذا أصح من حديث ابن عيينة وقد ذكر الدارقطنى فى العلل اختلافا كثيرا فيه على الزهرى قال: والصحيح قول من قال: عن الزهرى عن سالم عن أبيه أنه كان يمشى، قال: وقد مشى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر واختار البيهقى ترجيح الموصول لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ، وعن على ابن المدينى قال: قلت:
لابن عيينة: يا أبا محمد خالفك الناس فى هذا الحديث. فقال: استيقن الزهرى حدثنى مرارا، لست أحصيه، يعيده ويبديه، سمعته من فيه عن سالم عن أبيه. قلت: وهذا لا ينفى عنه الوهم فإنه ضابط لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجا لعل الزهرى أدمجه إذ حدث به ابن عيينة وفصله لغيره، ثم قال الحافظ رحمه الله: وقد روى عن يونس عن الزهرى عن أنس مثله أخرجه الترمذى وقال: سألت عنه البخارى فقال: هذا خطأ، أخطأ فيه محمد بن بكر اهـ.
39 -
وعن أم عطية رضى اللَّه عنها قالت: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا. متفق عليه.
[المفردات]
نهينا: أى نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
اتباع الجنائز: أى تشييعها.
ولم يعزم علينا: أى وليس النهى للتحريم بل للكراهية والتنزيه.
[البحث]
فى هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الأصل فى النهى التحريم وأنه قد يفهم أنه ليس للتحريم من قرائن أخرى كما قالت أم عطية رضى اللَّه عنها: ولم يعزم علينا" وقد جاء فى لفظ للبخارى ومسلم من طريق هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية عن النبى صلى الله عليه وسلم مما يرد على من زعم أن قولها فى هذا الحديث نهينا
يحتمل أن يكون الناهى غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال والحافظ فى الفتح: وفيه رد على من قال: لا حجة فى هذا الحديث لأنه لم يسم الناهى فيه لما رواه الشيخان وغيرهما أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا وهو الأصح. عند غيرهما من المحدثين اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهة اتباع النساء للجنائز.
2 -
أن النهى قد يكون للتنزيه لا للتحريم.
40 -
وعن أبى سعيد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع" متفق عليه.
[المفردات]
عن أبى سعيد: هو أبو سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه.
فمن تبعها: أى شيعها.
حتى توضع: أى على الأرض أو فى اللحد.
[البحث]
القيام عند مرور الجنازة قد رواه البخارى ومسلم عن عدد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنهم رووه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى ولو كانت الجنازة لغير مسلم لأن المقصود تهويل الموت لا تعظيم الميت فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال:
مر بنا جنازة فقام لها النبى صلى الله عليه وسلم وتمنا به فقلنا يا رسول اللَّه إنها جنازة يهودى قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، كما روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارى من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما: إنها من أهل الأرض أى من أهل الذمة فقالا: إن النبى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودى فقال: أليست نفسا، وقد أشار حديث الباب إلى أن من قام للجنازة إذا شيعها ومشى معها فلا يجلس حتى توضع أما إذا لم يشيعها فإن له أن يجلس بعد أن تخلفه. وقد روى البخارى ومسلم من حديث عامر ابن ربيعة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم، وفى لفظ: حتى تخلفكم أو توضع وفى لفظ للبخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث عامر ابن ربيعة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه، وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ثم قعد، وهو يحتمل أنه قعد بعد أن تجاوزته لأنه لم يشيعها ومن قام للجنازة ولم يشيعها فله أن يجلس إذا تجاوزته، ويحتمل أنه قعد لبيان أن الأمر على الاستحباب لا الإيجاب ويحتمل أنه قعد لنسخ الأمر بالقيام وهذا الاحتمال الأخير بعيد لأنه لا يصار إلى النسخ ما دام يمكن العمل بالدليلين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب القيام للجنازة.
2 -
أن من قام للجنازة وشيعها فلا ينبغى له أن يجلس حتى توضع على الأرض أو فى اللحد.
3 -
أن من قام للجنازة ولم يشيعها فله أن يجلس إذا تجاوزته أو وضعت قبل أن تتجاوزه.
4 -
أن القيام لتهويل أمر الموت لا لتبجيل الميت.
41 -
وعن أبى إسحاق أن عبد اللَّه بن يزيد أدخل الميت من قِبل رجلى القبر وقال هذا من السنة. أخرجه أبو داود.
[المفردات]
وعن أبى إسحاق: هو عمرو بن عبد اللَّه الهمدانى أبو إسحاق السبيعى بفتح السين وكسر الباء الكوفى من مشاهير التابعين وكان ثقة عابدا وقد ولد لسنتين من خلافة عثمان رضى اللَّه عنه ومات سنة 129 هـ وقيل غير ذلك.
عبد اللَّه بن يزيد: هو عبد اللَّه بن يزيد بن زيد بن حصين الأنصارى الخطمى بفتح الخاء وسكون الطاء شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد الجمل وصفين مع على رضى اللَّه عنه وولى الكوفة لابن الزبير رضى اللَّه عنهما وكان
الشعبى كاتبه وروايته عن النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح البخارى كما أشار الحافظ فى تهذيب التهذيب.
من قِبل رجلى القبر: أى من جهة المحل الذى يوضع فيه رجلا الميت.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه: باب فى الميت يدخل من قِبل رجليه: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ ثنا أبى ثنا شعبة عن أبى إسحاق قال: أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد اللَّه بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلى القبر وقال: هذا من السنة. وسند أبى داود هذا سند صحيح.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب إدخال الميت عند الدفن من جهة المحل الذى يوضع فيه الرجلان.
42 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضعتم موتاكم فى القبور فقولوا بسم اللَّه وعلى ملة رسول اللَّه. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وصححه ابن حبان وأعله الدارقطنى بالوقف.
[المفردات]
إذا وضعتم موتاكم: أى أردتم وضعهم فى اللحد.
فقولوا: أى عند إدخالهم فى اللحد.
وعلى ملة رسول اللَّه: أى وعلى شريعة ودين وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
ذكر الشوكانى فى نيل الأوطار أن هذا الحديث قد اختلف فى رفعه ووقفه ورجح الدارقطنى والنسائى وقفه، وروى البزار والطبرانى عن ابن عمر نحوه وابن ماجه عنه مرفوعا وفى إسناده حماد بن عبد الرحمن الكلبى وهو مجهول اهـ هذا ولفظ أبى داود فى سننه عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع، الميت فى القبر قال: بسم اللَّه وعلى سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
43 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت ككسره حيا" رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم وزاد ابن ماجه من حديث أم سلمة "فى الإثم".
[المفردات]
ككسره حيا: أى مثل كسره حال حياته يعنى فى الإثم لا فى الضمان.
زاد ابن ماجه: أى عن لفظ حديث أبى داود لكن من طريق أم سلمة لا من طريق عائشة رضى اللَّه عنها.
فى الإثم: أى فى الذنب.
[البحث]
لفظ حديث ابن ماجه عن أم سلمة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت ككسر عظم الحى فى الإثم، قال فى الزوائد: فى إسناده عبد اللَّه بن زياد مجهول ولعله عبد اللَّه بن زياد بن سمعان المدنى أحد المتروكين اهـ أما سند أبى داود فقد وصفه المصنف بأنه على شرط مسلم وأدنى ما فيه سعد ابن سعيد بن قيس ابن عمرو الأنصارى أخويحى قال الحافظ فى التقريب: صدوق سئ الحفظ وأشار إلى أن مسلما أخرج له ويبدو أن إخراج مسلم له ليس لتوثيقه المطلق بل لأن له بعض الأحاديث الصالحة كما قال ابن عدى وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: ضعيف وكذا قال ابن معين فى رواية، وقال فى رواية أخرى: صالح، وقال النسائى: ليس بالقوى، وقال ابن حبان: لم يفحش خطؤه فلذلك سلكناه مسلك العدول، وقال الترمذى: تكلموا فيه من قبل حفظ.
44 -
وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه قال: الحدوا لى لحدا، وانصبوا على اللبن نصبا، كما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم وللبيهقى عن جابر نحوه وزاد: ورفع قبره عن الأرض قدر شبر، وصححه ابن حبان ولمسلم عنه "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه".
[المفردات]
قال: أى فى مرضه الذى مات فيه.
الحدوا لى لحدا: قال النووى: بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء واللحد فى القبر هو الشق تحت الجانب القبلى منه.
اللبن: هو ما يضرب من الطين مربعا للبناء واحدتها لبنة ونصب اللبن على الميت هو وضع اللبنة قائمة على حافة اللحد حتى تتصل بجانب القبر القبلى فتصير كالسقف على الميت ثم يهال عليها التراب.
نحوه: أى نحو حديث سعد رضى اللَّه عنه.
ولمسلم عنه: أى عن جابر بغ عبد اللَّه الأنصارى رضى اللَّه عنهما.
وأن يجصص القبر: أى يطلى بالجص.
وأن يقعد عليه: أى وأن يجلس عليه.
[البحث]
إذا حفر القبر ووضع شق فى وسطه للميت يسمى هذا العمل ضرحا وإذا جعل الشق مائلا إلى ناحية القبلة يسمى لحدا، والأصل جواز الأمرين إلا أن حديث سعد بن أبى وقاص هنا يدل عل استحباب اللحد، وأما ما يروى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: اللحد لنا والشق لغيرنا، فقد قال الترمذى فيه: غريب، وقال الحافظ فى التلخيص أحمد وأصحاب السنن وفى إسناده عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف وصححه ابن السكن وقد روى من غير حديث ابن عباس رواه ابن ماجه وأحمد والبزار والطبرانى من حديث جرير وفيه عثمان ابن عمير وهو ضعيف اهـ، أما ارتفاع القبر فقد روى مسلم
فى صحيحه من طريق ثمامة بن شفى قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفى صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها، كما روى مسلم من حديث أبى الهياج الأسدى قال: قال لى على بن أبى طالب: ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، وجاء فى لفظ لمسلم عنه: ولا صورة إلا طمسها، كما روى البخارى فى صحيحه من حديث سفيان التمار أنه رأى قبر النبى صلى الله عليه وسلم مسما، وسفيان التمار من كبار أتباع التابعين قال الحافظ فى الفتح: وقد لحق عصر الصحابة ولم أر له رواية عن صحابى اهـ ومعنى كونه مسنما أى أن التراب مجعول عليه كسنام البعير، وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص أبى جلده خير له من أن يجلس على قبر، كما روى مسلم من حديث أبى مرثد الغنوى رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى عليه وسلم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" وقد شددت الشريعة الاسلامية النكير على من بنى على قبر ولا سيما إذا كان البناء فوقه ليتخذ مسجدا وأوضح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء شرار الخلق عند اللَّه يوم القيامة وأنه عمل اليهود والنصارى عليهم لعنة اللَّه. فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عائشة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الذى مات فيه "لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا" قالت: ولولا
ذلك لأبرزوا قبره غير أنى أخشى أن يتخذ مسجدا" وفى لفظ البخارى من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما اشتكى النبى صلى الله عليه وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضى اللَّه عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها. فرفع رأسه فقال: أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند اللَّه" وروى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ولذلك تقرر عند أهل العلم أنه لا يجتمع فى دين الإسلام قبر ومسجد وأيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الأحق بالبقاء هو الأول منهما.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب اللحد ونصب اللبن على الميت قبل أن يهال عليه التراب.
2 -
تحريم رفع القبور وتجصيصها.
3 -
تحريم الجلوس على القبور.
4 -
تحريم البناء على القبور.
5 -
أن بناء المساجد على القبور ووضع الصور فيها من الكبائر.
45 -
وعن عامر بن ربيعة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون وأتى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات وهو قائم" رواه الدارقطنى.
[المفردات]
حثى عليه ثلاث حثيات: أصل الحثى كالرمى ما رفعت به يدك أى أخذ كفا من التراب ورمى به فوق القبر مع رفع يده به ثلاث مرات.
[البحث]
هذا الحديث رواه الدارقطنى قال: حدثنا أبو محمد بن صاعد ثنا محمد بن عبد اللَّه المخرمى وعلى بن سهل بن المغيرة واللفظ له قالا: نا على بن حفص المدائنى ثنا القاسم بن عبد اللَّه العمرى عن عاصم بن عبيد اللَّه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلى عليه وكبر عليه أربعا وحثى على قبره بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه قال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى فى كتابه التعليق المغنى على الدارقطنى: فيه القاسم العمرى وعاصم بن عبيد اللَّه وهما ضعيفان اهـ، وقد أخرج البزار من طريق عاصم بن عبيد اللَّه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قاب على قبر عثمان بن مظعون وأمر فرش عليه الماء" وقد وهم الصنعانى فى سبل السلام فقال عند كلامه على حديث الدارقطنى هذا: وأخرج البزار وزاد بعد قوله وهو قائم "عند رأسه" وزاد أيضا "فأمر فرش عليه الماء" فإن قوله: وهو قائم عند رأسه من حديث الدارقطنى وليس عند البزار وليس عند البزار أيضًا فحثى عليه ثلاث حثيات.
46 -
وعن عثمان رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" رواه أبو داود وصححه الحاكم.
[المفردات]
إذا فرغ من دفن الميت: أى أهال عليه التراب وانتهى من دفنه.
استغفروا لأخيكم: أى اطلبوا من اللَّه مغفرة ذنوب أخيكم الميت هذا.
واسألوا له التثبيت: أى اطلبوا من اللَّه أن يثبته بالقول الثابت عند سؤال الملكين له فى قبره.
فإنه الآن يسأل: أى فإنه بعد الفراغ من دفنه وإهالة التراب عليه يسأله الملكان عن ربه ونبيه ودينه.
[البحث]
قال أبو داود فى سننه: باب الاستغفار عند القبر للميت: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازى ثنا هشام عن عبد اللَّه بن بحير عن هانئ مولى عثمان عن عثمان رضى اللَّه عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنه الآن يسأل" قال أبو داود: بحير بن ريسان اهـ وعبد اللَّه بن بحير بن ريسان وثقه ابن معين واضطرب فيه كلام ابن حبان. كما قال الحافظ فى التقريب: وهانئ مولى عثمان هو أبو سعيد البربرى الدمشقى قال النسائى: ليس به بأس وذكره
ابن حبان فى الثقات.
وسؤال الميت بعد دفنه قد صحت به الأخبار عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد روى البخارى ومسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: العبد إذا وضع فى قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك اللَّه به مقعدا من الجنة قال النبى صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا. وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب الوقوف عند القبر بعد الفراغ من الدفن والاستغفار للميت وسؤال التثبيت له.
2 -
وجوب الإيمان بسؤال الملكين للميت بعد الفراغ من الدفن.
47 -
وعن ضمرة بن حبيب رضى اللَّه عنه أحد التابعين قال: كانوا يستحبون إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه أن يقال عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا اللَّه ثلاث مرات يا فلان قل ربى اللَّه ودينى الإسلام ونبيى محمد" رواه سعيد بن منصور
موقوفا وللطبرانى نحوه من حديث أبى أمامة مرفوعًا مطولا.
[المفردات]
ضمرة بن حبيب: هو ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدى أبو عتبة الحمصى ثقة من الرابعة.
[البحث]
حديث أبى أمامة عند الطبرانى بلفظ: إذا أنامت فاصنعوا كما أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يقول: أرشدنا رحمك اللَّه ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما كنت عليه فى الدنيا من شهادة ألا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت باللَّه ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فيقول: انطلق بنا. ما يقعدنا عند من لقن حجته؟ فقال رجل يا رسول اللَّه فإن لم يعرف أمه؟ قال ينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء" قال الهيثمى: أخرجه الطبرانى فى الكبير وفى إسناده جماعة لم أعرفهم. وفى هامشه: فيه عاصم بن عبد اللَّه ضعيف. وقال فى المنار: إن حديث التلقين هذا حديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث فى وضعه وأنه أخرجه سعيد بن منصور عن ضمرة بن حبى عن أشياخ له
من أهل حمص اهـ وقد نص بعض أهل العلم على أن التلقين بدعة، وقد أخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما عن أبيه أنه قال: إذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فشنوا على الترابا شنا ثم أقيموا حول قبرى قد ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وانظر ماذا أراجع به رسل ربى.
48 -
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" رواه مسلم زاد الترمذى فإنها تذكر الآخرة، زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: وتزهد فى الدنيا.
[المفردات]
نهيتكم: أى منعتكم.
تذكر الآخرة: أى تفطن الإِنسان إلى أنه مرتحل لا محالة عن دار الدنيا وأنه سائر إلى الآخرة.
وتزهد فى الدنيا: أى تقلل رغبة الإِنسان فى الحرص عليها والانقطاع إليها.
[البحث]
حديث بريدة رضى اللَّه عنه أخرجه مسلم من طريق سليمان بن
بريدة بن الحصيب ومن طريق عبد اللَّه بن بريدة بن الحصيب بلفظ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" وروى مسلم من طريق أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: زار النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يؤذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" أما الترمذى فقد رواه من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة ثم قال الترمذى حديث بريدة حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم. اهـ أما. رواية ابن ماجة عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه فقد قال ابن ماجه حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب، أنبأنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع عن ابن مسعود أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة" وفى سند هذا الحديث أيوب بن هانئ الكوفى فيه لين. وقال أبو حاتم: شيخ صالح، وقال الدارقطنى يعتبر به وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن عدى: لا أعرفه. وذكره ابن حبان فى الثقات. وإنما كان النهى عن زيارة القبور فى أول الإسلام لخوف أن تكون زيارتها سببا فى عبادتها كما وقع فى الجاهلية. فلما استقرت حقائق التوحيد فى قلوب المسلمين
أذنت لهم الشريعة فى زيارتها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
نسخ المنع من زيارة القبور.
2 -
استحباب زيارة القبور.
3 -
ينبغى لمن زار القبور أن يبتعد عما يلهيه عن تذكر الآخرة.
4 -
ينبغى أن يكون القصد من زيارة القبور الاعتبار.
5 -
يجب الحذر من اتخاذ القبور معابد.
49 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور" أخرجه الترمذى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
لعن: أى دعا بالطرد من رحمة اللَّه.
[البحث]
لفظ حديث أبى هريرة عند الترمذى: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن زَوَّرات القبور، ثم قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبى صلى الله عليه وسلم فى زيارة القبور فلما رخص دخل فى رخصته الرجال والنساء وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور
فى النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. اهـ وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخبرها أن جبريل قال له: إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول اللَّه؟ قال: قولى: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون" وليس فى حديث مسلم هذا التصريح بزيارة القبور للنساء وإنما الذى فيه ما تقوله المرأة لهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهية تردد النساء على المقابر.
2 -
لا بأس على المرأة إذا مرت بالمقابر أن تسلم عليهم وتدعو لهم.
3 -
لا ينبغى للمرأة أن تتعمد زيارة القبور.
50 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه رسلم النائحة والمستمعة. أخرجه أبو داود
[المفردات]
النائحة: هى المرأة التى تبكى الميت وتعدد سجاياه ومحاسن
أفعاله وتستبكى غيرها. ونوح الحمامة سجعها.
المستمعة: أى التى تجلس عند النائحة راضية بفعلها مشجعة لها.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود قال: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن ربيعة عن محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه. ومحمد بن الحسن بن عطية ابن سعد العوفى أبو سعيد الكوفى صدوق يخطئ، وأبوه الحسن بن عطية ضعيف وجده عطية بن سعد بن جنادة العوفى الجدلى الكوفى أبو الحسن صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا. وقد مرَّ فى بحث الحديث رقم 47 من هذا الباب ما وراه مسلم عن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنه: لا تصحبنى نائحة ولا نار" وقد روى البخارى ومسلم من حديث المغيرة رضى اللَّه عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن كذبا علىَّ ليس ككذب على أحد، من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" كما روى البخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وسيأتى بقية هذا البحث فى الحديثين التاليين.
51 -
وعن أم عطية رضى اللَّه عنها قالت: أخذ علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن لا ننوح" متفق عليه.
[المفردات]
أخذ علينا: ى اشترط علينا فى بيعة النساء.
[البحث]
روى البخارى هذا الحديث عن أم عطية رضى اللَّه عنها بلفظ: أخذ علينا النبى صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح" ورواه مسلم بلفظ عن أم عطية قالت: أخذ علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع البيعة أن لا ننوح. وفى لفظ: أخذ علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى البيعة ألا تنحن. وهذه البيعة التى اشترط فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على النساء ألا ينحن هى المعروفة ببيعة النساء: ألا يشركن باللَّه شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينه فى معروف وألا ينحن".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن النياحة حرام.
2 -
وأنها من الكبائر.
52 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب فى قبره بما نيح عليه" متفق عليه ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة.
[المفردات]
بما نيح عليه: أى بسبب النياحة عليه.
ولهما: أى للبخارى ومسلم.
نحوه عن المغيرة: أى نحو حديث ابن عمر لكن من طريق المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
هذا الحديث فى الصحيحين ليس من رواية ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم بل هو من رواية ابن عمر عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم فنسبته إلى ابن عمر وهم وقد جاء فى لفظ للبخارى عن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "الميت يعذب ببكاء الحى عليه" كما جاء فى لفظ عند مسلم من طريق نافع عن عبد اللَّه أن حفصة بكت على عمر فقال: مهلا يا بنية ألم تعلمى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" أما لفظ حديث المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه عند الشيخين فقد تقدم فى بحث الحديث رقم 50 من هذا الباب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم النياحة على الميت.
2 -
أن البكاء على الميت قد يسبب له عذاب القبر.
53 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: شهدت بنتا للنبى صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر فرأيت عينيه تدمعان" رواه البخارى.
[المفردات]
شهدت: أى حضرت.
تدمعان: الدمع ماء العين بسبب حزن أو سرور. والدمعة القطرة منه.
[البحث]
لفظ هذا الحديث فى البخارى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: شهدنا بنتا للنبى صلى الله عليه وسلم قال: ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس على القبر قال: فرأيت عينيه تدمعان. والمراد من قوله ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس على القبر أنه جالس بالقرب من القبر لا فوقه ويشير إلى ذلك اللفظ الذى أورده المصنف هنا بقوله: جالس عند القبر وهذا الحديث يدل على أن دمع العين من الحزن على الميت ليس محرما. وقد جاء فى حديث البخارى عن أنس رضى اللَّه عنه لما دخل عليه صلى الله عليه وسلم وإبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم يجود بنفسه قال أنس: فجعلت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه: وأنت يا رسول اللَّه؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال
صلى اللَّه عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" كما روى البخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وعبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنهم فلما دخل عليه وجده فى غاشية أهله فقاك: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه فبكى النبى صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبى صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: ألا تسمعون إن اللَّه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" وكان عمر رضى اللَّه عنه يضرب فيه بالعصا ويرمى بالحجارة ويحثى بالتراب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن اللَّه تعالى لا يؤاخذ المحزون بدمع العين ولا بحزن القلب.
2 -
وأن الميت لا يعذب بسبب فعل أوليائه ذلك.
54 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا" أخرجه ابن ماجه وأصله فى مسلم لكن قال: زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه.
[المفردات]
إلا أن تضطروا: أى. إلا أن يكون لابد لكم من سرعة دفنه.
زجر أن يقبر: أى نهى أن يدفن.
[البحث]
قال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن عبد اللَّه الأودى، ثنا وكيع، عن إبراهيم بن يزيد المكى فى أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا" وفى سنده إبراهيم بن زيد الخوزى المكى. قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة وليس بشئ. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث. ضعيف الحديث. وقال البخارى سكتوا عنه. قال الدولابى: يعنى تركوه. وقال النسائى: متروك الحديث. وقال البرقى كان يتهم بالكذب. أما أصله الذى أشار المصنف إلى أنه فى مسلم فلفظه من حديث جابر. رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن فى كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" وقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى سبب زجره عن الدفن بالليل أن ذلك قد يؤدى إلى ضياع الصلاة عليه أو قلة المصلين عليه فقال: حتى يصلى عليه
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب الدفن بالنهار.
2 -
كراهة الدفن بالليل لغير ضرورة.
55 -
وعن عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنهما قال: لما جاء نعى جعفر حين قتل. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم" أخرجه الخمسة إلا النسائى.
[المفردات]
جاء نعى جعفر حين قتل: أى جاء خبر موت جعفر بن أبى حين استشهد فى مؤتة رضى اللَّه عنه.
ما يشغلهم: أى ما يلهيهم عن صنع طعام لأنفسهم.
[البحث]
هذا الحديث صورة من صور التراحم والتعاطف فى الإسلام وأنهم كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وقد انقلب على كثير من الناس حقيقة هذه السنة المطهرة فصار أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام للمعزين وغيرهم حتى صار بعضهم يعقر كما كان فى الجاهلية. وهذا من شر البدع التى أمات بها أهلها هذه السنة المطهرة التى أشار إليها هذا الحديث الشريف.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يسن تقديم الطعام لأهل الميت فى يوم مصيبتهم.
2 -
أن قيام أهل الميت بذبح الذبائح وتقديم الطعام للمعزين من شر البدع.
56 -
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون، أسأل اللَّه لنا ولكم العافية" رواه مسلم.
[المفردات]
سليمان بن بريدة: هو سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمى رضى اللَّه عنه أخو عبد اللَّه بن بريدة لأبيه وأمه وقد ولدا فى بطن واحد سنة 15 هـ روى عن أبيه وعن عمران بن حصين وعائشة رضى اللَّه عنهم ومات هو وأخوه فى يوا واحد سنة 105 هـ عن تسعين سنة.
إذا خرجوا إلى المقابر: أى إذا زاروا القبور.
أهل الديار: أى أهل المقابر.
من المؤمنين والمسلمين: إذا اجتمع وصف الإِيمان ووصف
الإسلام كما هنا صار معنى الإيمان هو التصديق باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصار معنى الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. فقوله من المؤمنين والمسلمين أى الجامعين هذه الأركان الأحد عشر.
[البحث]
قال مسلم فى صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأسدى عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول -فى رواية أبى بكر- السلام على أهل الديار -وفى رواية زهير السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء اللَّه للاحقون أسأل اللَّه لنا ولكم العافية اهـ وهذا ظاهر الدلالة على أن زيارة القبور للسلام على أهلها والدعاء لهم لا لدعائهم وسؤالهم فإن ذلك من أعظم مبادئ الشرك ورسومه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب زيارة القبور والسلام على أهلها.
2 -
استحباب الدعاء لأهل القبور.
3 -
أنه لا يجوز السلام على موتى المشركين.
57 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر اللَّه لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر" رواه الترمذى وقال حسن.
[المفردات]
بقبور المدينة: أى بالبقيع فهو مدفن أهل المدينة.
فأقبل عليهم: أى على أهل القبور.
سلفنا: سلف الإِنسان من تقدمه بالموت.
بالأثر: أى تابعون لكم من ورائكم لاحقون بكم.
[البحث]
قال الترمذى: حدثنا أبو كريب نا محمد بن الصلت عن أبى كدينة عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة قأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر اللَّه لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر ثم قال الترمذى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب وأبو كدينة اسمه يحيى بن المهلب، وأبو ظبيان اسمه حصين بن
جندب اهـ ورجال هذا الحديث كلهم من رجال البخارى باستثناء قابوس بن أبى ظبيان ففيه لين ونقل عن ابن معين أنه وثقه كما نقل عنه أنه ضعفه. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه ليس بذاك وقيل إن ابن أبى ليلى جلده فى الحد وقال النسائى: ليس بالقوى. ضعيف. وقال الساجى: ليس بثبت يقدم عليا على عثمان. جاء إلى ابن أبى ليلى فشهد عليه عنده فى قضية فحمل عليه ابن أبى ليلى فضربه. وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له فربما رفع المرسل وأسند الموقوف وأبوه ثقة.
58 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" رواه البخارى وروى الترمذى عن المغيرة نحوه لكن قال: فتؤذوا الأحياء".
[المفردات]
لا تسبوا الأموات: أى لا تشتموهم ولا تذكروا عيوبهم.
أفضوا: أى انتهوا وقدموا ووصلوا.
ما قدموا: أى إلى ما عملوا من خير أو شر.
فتؤذوا: أى فتؤلموا.
الأحياء: أى الذين لم يموتوا من أقاربهم.
[البحث]
قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات" ليس على العموم بل هو مخصوص بالأموات المعروفين بالخير أو التائبين من ذنوب قد ارتكبوها وعرفت توبتهم منها بدليل حديث أنس المتفق عليه: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبى صلى الله عليه وسلم وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت الحديث. وقد ذكر الحافظ فى الفتح أن عموم هذا الحديث مخصوص قال: وأصح ما قيل فى ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم. وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا اهـ.
أما حديث المغيرة الذى أشار إليه المصنف فقد رواه الترمذى قال: حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الحفرى عن سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" قال الترمذى: وقد اختلف أصحاب سفيان فى هذا الحديث فروى بعضهم مثل رواية الحفرى وروى بعضهم عن سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت رجلا يحدث عن المغيرة بن شعبة عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه اهـ كما روى الترمذى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم" وفى سنده عمران بن أنس المكى قال أبو عيسى: هذا حديث غريب سمعت
محمدا يقول: عمران بن أنس المكى منكر الحديث اهـ. على أن سب الأموات من أهل الفسوق إذا كان يؤدى إلى مفسدة ظاهرة فإنه ينبغى الكف عنه لقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز سب الموتى المعروفين بالخير والصلاح.
2 -
لا يجوز سب الموتى التائبين قبل موتهم أو من أقيم عليه الحد منهم.