الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
1 -
عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضى اللَّه عنه إلى اليمن. فذكر الحديث وفيه: أن اللَّه قد افترض عليهم صدقة فى أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد فى فقرائهم" متفق عليه واللفظ للبخارى.
[المفردات]
الزكاة: هى فى اللغة النماء. وترد أيضًا بمعنى التطهير. وفى الاصطلاح: هى إعطاء حق مخصوص لشخص مخصوص من المصارف الثمانية المذكورة فى قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الآية} ، والزكاة هى الركن الثالث من أركان الإسلام.
بعث معاذا إلى اليمن: قاضيا أو واليا سنة عشر من الهجرة وقيل فى أواخر سنة تسع عند منصرفه من تبوك. وقيل بعثه سنة ثمان ولم يزل فى اليمن إلى أن قدم فى عهد أبى بكر رضى اللَّه عنه ثم توجه إلى الشام ومات بها.
فذكر الحديث: أى فأكمل الحديث.
افترض عليهم: أى ألزمهم وأوجب عليهم.
صدقة: هى ما يعطى فى ذات اللَّه تعالى ولوجهه الكريم.
[البحث]
روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما هذا الحديث عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتى قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقوائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب" وفى لفظ للبخارى ومسلم عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضى اللَّه عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا اله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.
وقد فهم بعض أهل العلم من قوله صلى الله عليه وسلم: تؤخذ من أغنيائهم
فترد فى فقرائهم" أن زكاة كل بلد تصرف على مصارف الزكاة من أهله، غير أنه إذا كان أهل البلد الآخر أحوج فإنها تصرف لهم واللفظ بعمومه قد يشملهم فالمعطى أغنياء المسلمين والآخذ فقراء المسلمين. وقد أثر أن عمر رضى اللَّه عنه تعرضت له امرأة فقيرة وهو فى طريقه إلى خيبر وذكرت حاجة لها فأمرها أن تراجعه بالمدينة وأعطاها من أموال الزكاة. وقال البخارى: وقال طاوس: قال معاذ رضى اللَّه عنه لأهل اليمن: أئتونى بعرض ثياب خميص أو لبيس فى الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة اهـ. وهذا الحديث أحد مبانى الإسلام التى يقوم عليها مجتمع التراحم والتعاطف والتكاتف، وأن التكافل الاجتماعى فى الإسلام لا يدانيه مذهب قديم أبى حديث فهو يعطى كل ذى حق حقه، ويشيع روح الحب والتعاطف بين المسلمين ويطهرهم ويزكيهم وينمى مودتهم وأموالهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الزكاة فرض لازم من فرائض الإسلام.
2 -
وأن فقراء كل بلد أولى بزكاة أموال أغنيائه من غيرهم.
2 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه
عنه كتب له: هذ فريضة الصدقة التى فرضها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتى أمر اللَّه بها رسوله: فى كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم فى كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين. ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإذا زادت على عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون، وفى كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإِبل فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، وفى صدقة الغنم فى سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلثمائة ففى كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج فى الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس إلا أن يشاء المصدق، وفى الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين
ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ومن بلغت عنده من الإِبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسر له أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنهما تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين" رواه البخارى.
[المفردات]
كتب له: أى حين وجهه إلى البحرين عاملا عليها.
هذه فريضة الصدقة: أى هذه نسخة فريضة الصدقة.
الصدقة: أى الزكاة فهى تطلق على الواجبة ذات الأنصبة وعلى غيرها. والمراد منها هنا الزكاة الواجبة ذات الأنصبة.
فرضها رسول اللَّه: أى بين مقاديرها الواجبة شرعا فإن اللَّه تعالى قد فرضها فى كتابه العزيز مجملة وبينها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتقدير أنواعها وأجناسها. والفرض يطلق بمعنى التقدير وبمعنى البيان كقوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وبمعنى الإنزال كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} وبمعنى الحل كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى
النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} قال الحافظ فى فتح البارى: وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير. ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه. وهو لا يخرج أيضا عن معنى التقدور وقد قال الراغب: كل شئ ورد فى القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام وكل شئ ورد فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه، وذكر أن معنى قوله تعالى: إن الذى فرض عليك القرآن أى أوجب عليك العمل به. انتهى من الفتح.
والتى أمر اللَّه بها رسوله: أى فى مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} .
فى كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم: أى فى كل أربع وعشرين من الإبل وما نزل عن هذا العدد إلى خمس: الغنم" وليس على صاحبها إخراج شئ من الإبل فما نقص عن خمس لا شئ فيه ألبتة.
وفى الخمس من الإبل شاة وفى العشر شاتان وهكذا فى كل خمس شاة حتى تصل إلى خمس وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض.
بنت مخاض: المخاض بفتح الميم هى من الإبل ما استكمل السنة
الأولى ودخل فى السنة الثانية ذكرا كان أو أنثى وسمى بذلك لأن أمه من المخاض أى من الحوامل. والماخض الحامل التى دخل وقت حملها وإن لم تحمل.
فإن لم تكن: أى فإن لم توجد.
فابن لبون: هو من الإبل ما استكمل السنة الثانية ودخل فى الثالثة وسمى بذلك لأن أمه ذات لبن.
حقة: بكسر الحاء وتشديد القاف هى من الإبل ما استكمل السنة الثالثة ودخل فى الرابعة وسميت بذلك لاستحقاقها أن يحمل عليها ويركبها الفحل.
طروقة الجمل: أى من شأنها أن يطرقها الجمل وأن تقبل ذلك والمراد بالجمل الفحل.
جذعة: بفتح الجيم والذال وهى ما استكملت أربع سنين ودخلت فى الخامسة.
إلا أن يشاء ربها: أى إلا أن يرغب ويريد صاحبها أن يخرج عنها نفلا وتطوعا.
فى سائمتها: أى فى التى ترعى بنفسها الكلأ دون أن تعلف.
شاة: أى واحدة من الغنم تطلق على الذكر والأنثى والضأن والمعز.
هرمة: بفتح الهاء وكسر الواء هى الكبيرة التى سقطت
أسنامها.
عوار: بفتح العين وضمها أى ذات العيب وقيل بالفتح معيبة العين وبالضم عوراء العين. والأول أعم وأشمل.
الرقة: بكسر الراء وتخفيف القاف هى الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. وقيل يطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق فإنه خاص بالفضة.
[البحث]
هذا الحديث العظيم فرقه البخارى رحمه الله على أبواب فى كتاب الزكاة من صحيحه فساق بعضه فى باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع عن أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر رضى اللَّه عنه كتب له التى فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا يجمع لين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة اهـ قال الحافظ فى الفتح: قال مالك فى الموطأ معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة. أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة اهـ، ثم قال البخارى: باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ثم ساق من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر رضى اللَّه عنه كتب له التى فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وما كان من خليطين فإنهما
يتراجعان بينهما بالسوية". وقد فسر بعض أهل العلم الخلطة بالاجتماع فى المسرح والمبيت والحوض والفحل وقد تستعمل الخلطة بمعنى الشركة لكن الشركة أخص من الخلطة. قال الحافظ فى الفتح: وفى جامع سفيان الثورى عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضى اللَّه عنهما: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية. قلت لعبيد اللَّه: ما معنى الخليطين؟ قال: إذا كان المراح واحدا والراعى واحدا والدلو واحدا اهـ. قال الصنعانى فى سبل السلام: والتراجع بين الخليطين أن يكون لأحدهما مثلا أربعون بقرة وللآخر ثلاثون بقرة ومالهما مشترك فيأخذ الساعى عن الأربعين مسنة وعن الثلاثين تبيعا فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على خليطه وباذل التبيع بأربعة أسباعها على خليطه لأن كل واحد من السنين واجب على الشيوع كأن المال ملك واحد اهـ. ثم قال البخارى: باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده وساق عن أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر رضى اللَّه عنه كتب له فريضة الصدقة التى أمر اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة. الحديث. إلى قوله: فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطى معها عشرين درهما أو شاتين، وبالرغم من أن البخارى لم يسق فى هذا الباب من الحديث ما يكون نصا على ترجمته فقد قال الحافظ فى الفتح نقلا عن ابن رشيد: إنما مقصده أن يستدل على من بلغت
صدقته بنت مخاض ليست عنده هى ولا ابن لبون لكن مثلا عنده حقة وهى أرفع من بنت مخاض لأن بينهما بنت لبون. وقد تقرر أن بين بنت اللبون وبنت المخاض عشرين درهما أو شاتين وكذلك سائر ما وقع ذكره فى الحديث من سن يزيد أو ينقص إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقع بينهما بتفاوت درجة فأشار البخارى رحمه الله إلى أنه يستنبط من الزائد والناقص والمنفصل ما يكون منفصلا بحساب ذلك فعلى هذا من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده إلا حقة أن يرد عليه المصدق أربعين درهما أو أربع شياه جبرانا أو بالعكس فلو ذكر اللفظ الذى ترجم به لما أفهم هذا الغرض فتدبره. انتهى كلام ابن رشيد ثم قال الحافظ: قال الزين بن المنير: من أمعن النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعه فيها من أسرار المقاصد استبعد أن يغفل أو يهمل أو يضع لفظا بغير معنى أو يرسم فى الباب خبرا يكون غيره به أقعد وأولى، وإنما قصد بذكر ما لم يترجم به أن يقرر أن المفقود إذا وجد الأكمل منه أو الأنقص شرع الجبران كما شرع ذلك فيما تضمنه هذا الخبر من ذكر الأسنان فإنه لا فرق بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها قال: ولو جعل العمدة فى هذا الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت المخاض لكان نصا فى الترحمة ظاهرا، فلما تركه واستدل بنظيره أفهم ما ذكرناه من الإلحاق بنفى الفرق: تسويته بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها، وبين فقد الحقة ووجود الأكمل منها. واللَّه
أعلم اهـ ثم قال البخارى: باب زكاة الغنم وساق عن أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه الى البحرين: بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتى أمر اللَّه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط: فى كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى. الحديث إلى قوله: وفى الرقة ربع العشر فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها. قال المصنف فى الفتح: قوله: إلا تسعين ومائة يوهم أنها إذا زادت على التسعين ومائة قبل بلوغ المائتين أن فيها صدقة وليس كذلك وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب اذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئين والألوف. وذكر التسعين ليدل على أنه لا صدقة فيما نقص عن المائتين اهـ وقد صح الخبر أنه ليس فيما دون خمس أواق صدقة. ثم قال البخارى رحمه الله: باب لا تؤخذ فى الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق، ثم أخرج عن أنس رضى اللَّه عنه أن أبا بكر رضى اللَّه عنه كتب له التى أمر اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم: ولا يخرج فى الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الإبل لا زكاة فيها من جنسها حتى تبلغ خمسا وعشرين وأن ما دون ذلك يكون فيها فى كل خمس منها شاة واحدة.
2 -
أن الإبل إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى.
3 -
أن الإبل إذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى.
4 -
أن الإبل إذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة.
5 -
أن الإبل إذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة.
6 -
أن الإبل إذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون.
7 -
أن الإبل إذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان.
8 -
أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فيكون فى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة.
9 -
أن ما نقص عن خمس من الإبل لا صدقة فيها إلا أن يتطوع صاحبها.
10 -
أن الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة واحدة حتى ولو بلغت عشرين ومائة.
11 -
وأن الغنم إذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان.
12 -
وإذا كانت الغنم فوق المائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث ثم فى كل مائة فوق ذلك شاة.
13 -
إذا نقصت سائمة الغنم عن أربعين فليس عليها صدقة إلا أن يتطوع صاحبها.
14 -
لا يجوز الاحتيال من صاحب المال لإنقاص الصدقة ولا يجوز الاحتيال من العامل على الصدقة لزيادتها عن الحق فيها.
15 -
أن ما يؤخذ من الزكاة من الخليطين يتراجعان فيه بالسوية.
16 -
لا يجوز لصاحب المال إعطاء الرديئة ولا يجوز للعامل اختيار أجودها وإنما يأخذ من أوساطها.
17 -
أن زكاة النقدين هى ربع العشر.
18 -
إذا نقصت الفضة عن خمس واق لا زكاة فيها إلا أن يتطوع صاحبها.
19 -
يجوز أخذ الأعلى من الإبل إذا لم يوجد عين المستحق ويدفع العامل الفرق الذى حدده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
20 -
يجوز أخذ الأدنى من الإبل إذا لم يوجد عين المستحق ويدفع صاحب المال الفرق الذى حدده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
3 -
وعن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافريا". رواه الخمسة واللفظ لأحمد وحسنه الترمذى وأشار إلى اختلاف فى وصله. وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
تبيعا أو تبيعة: ذكر البقر فى السنة الأولى يقال له تبيع والأنثى يقال لها تبيعة لأنه يتبع أمه عادة.
مسنة: البقرة ذات الحولين.
حالم: أى محتلم بالغ يعنى من الذين تؤخذ منهم الجزية من أهل الكتاب.
أو عدله: أى أو قيمته.
معافريا: هى برود باليمن منسوبة إلى معافر وهى قبيلة باليمن.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داود والنسائى من رواية أبى وائل عن معاذ ورواه. أبو داود والنسائى وباقى أصحاب السنن وابن حبان والدارقطنى والحاكم من رواية أبى وائل عن مسروق عن معاذ رضى اللَّه عنه وأبو وائل أدرك معاذا وروى عنه وأما مسروق فقد اختلف فى سماعه من معاذ رضى اللَّه عنه ورواه الترمذى من حديث أبى وائل عن مسروق أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره
أن يأخذ قال: وهذا أصح، قال ابن عبد البر فى الاستذكار لا خلاف بين العلماء أن السنة فى زكاة البقر على ما فى حديث معاذ هذا وأنه النصاب المجمع عليه فيها اهـ، أما أصل وجوب الزكاة فى البقر فما رواه مسلم فى صحيحه من حديث جابر ين عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غم لا يؤدى حقها إلا أقعد له فى يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها، الحديث، وفى لفظ لمسلم عن أبى ذر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما على الأرض رجل يموت فيدع إبلا أو بقرا أو غنما لم يؤد زكاتها، وهو بنحو حديث جابر رضى اللَّه عنهما فهو صريح فى وجوب الزكاة فى البقر قال النووى: وهو أصح حديث ورد فى زكاة البقر اهـ.
4 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم" رواه أحمد ولأبى داود: ولا تؤخذ صدقائهم إلا فى دورهم".
[المفردات]
على مياههم: أى لا تجلب للساعى بل يذهب الساعى إليها فى محالها.
ولأبى داود: من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
[البحث]
هذا الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ففيه علتان، عنعنة ابن إسحاق والخلاف فى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما تقدم.
5 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم فى عبده ولا فى فرسه صدقة رواه البخارى ولمسلم: ليس فى العبد صدقة إلا صدقة الفطر.
[المفردات]
صدقة: أى زكاة.
ولمسلم: أى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
[البحث]
روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم فى فرسه وغلامه صدقة، وأخرج مسلم فى صحيحه من طريق مالك من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المسلم فى عبده ولا فرسه صدقة، ورواه من طريق سفيان بن عيينة من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم فى عبده ولا فرسه صدقة، فحديث الباب من المتفق عليه ولم ينفرد به البخارى كما يوهم صنيع المصنف رحمه الله، وأما اللفظ الذى
انفرد به مسلم فقد أخرجه من طريق ابن وهب من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ليس فى العبد صدقة إلا صدقة الفطر، أى إن صدقة الفطر يخرجها السيد عن عبده وجوبا، وقد أشار الحافظ فى فتح البارى إلى أنه لا خلاف عند أهل العلم فى أن الفرس المعد للركوب لا للتجارة لا زكاة فيه، وكذلك العبد المعد للعمل لا للتجارة أما ما أعد للتجارة من فرس أو عبد ففيه الزكاة إذا بلغت قيمته نصابًا لأن زكاة التجارة ثابتة بالاجماع كما نقل ابن المنذر وغيره فيكون مخصصا لعموم هذا الحديث، وقد روى أبو داود والدارقطنى والبزار من حديث سليمان بن سمرة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه يأمرنا أن نخرج الزكاة مما يعد للبيع، قال الحافظ فى التلخيص: وفى إسناده جهالة اهـ، ونحن نسوقه بسنده لنتبين ما فيه قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان ثنا يحيى بن حسان ثنا سليمان بن موسى أيو داود ثنا جعفر بن سعد بن سمرة ابن جندب: حدثنى خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة ابن جندب قال: أما بعد فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذى نعد للبيع، وجعفر بن سعد ابن سمرة وخبيب بن سليمان وأبوه سليمان بن سمرة ذكرهم ابن حبان فى الثقات وقد حسن هذا الحديث ابن عبد البر، وقد وصف الحافظ فى التقريب محمد بن داود بن سفيان بأنه مقبول
ووصف يحيى بن حسان بأنه ثقة وقال فى سليمان بن موسى: فيه لين وقال فى جعفر بن سعد: ليس بالقوى وقال فى خبيب، بن سليمان مجهول: وقال فى سليمان بن سمرة مقبول: وهذا الحديث وإن كان فى سنده ما رأيت فإن عامة علماء المسلمين سلفا وخلفا يرون وجوب الزكاة فيما أعد للتجارة. قال الطحاوى رحمه الله: ثبت عن عمر وابنه زكاة عروض التجارة ولا مخالف لهما من الصحابة رضى اللَّه عنهم اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا زكاة فى العبد المتخذ للقنية.
2 -
لا زكاة فى الفرس المتخذ للقنية.
3 -
تجب على السيد زكاة الفطر عن عبده.
6 -
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فى كل سائمة إبل فى أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل من حسابها من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شئ" رواه أحمد وأبو داود والنسائى وصححه الحاكم وعلق الشافعى القول به على ثبوته.
[المفردات]
بهز بن حكيم: هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة بن معاوية
ابن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيرى. مختلف فيه.
سائمة إبل: هى التى ترعى الكلأ غير المعلوفة.
لا تفرق إبل عن حسابها: هو بمعنى ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة.
مؤتجرا بها: أى قاصدا الأجر والثواب من اللَّه تعالى بإعطائها.
وشطر ماله: أى ونصف ماله.
عزمة من عزمات ربنا: أى فريضة محتمة لازمة وحقا من حقوق اللَّه تبارك وتعالى.
لآل محمد: المراد من تحرم عليهم الصدقات من بنى هاشم وهم آل عباس وآل على وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب.
[البحث]
ذكر المصنف هنا أن الحاكم صحح هذا الحديث وقال فى تهذيب التهذيب فى ترجمة بهز بن حكيم: قال الحاكم: كان من الثقات ممن يجمع حديثه وإنما أسقط من الصحيح روايته عن أبيه عن جده لأنها شاذة لا متابع له عليها ثم قال الحافظ: وقال الآجرى عن أبى داود: هو عندى حجة وعند الشافعى ليس بحجة. ولم يحدث شعبة عنه وقال له: من أنت ومن أبوك؟ وقال ابن حبان كان يخطئ كثيرا فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به، وتركة جماعة من أئمتنا ولولا
حديثه: "إنا آخذوها وشطر ماله" لأدخلناه فى الثقات اهـ وقد نسب إليه أنه كان يلعب بالشطرنج وأن الذين تركوه إنما تركوه لأجل ذلك.
7 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شئ حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زادا فبحساب ذلك وليس فى مال زكاة حتى يحول عليه الحول" رواه أبو داود وهو حسن وقد اختلف فى رفعه، وللترمذى عن ابن عمر "من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول" والراجح وقفه.
[المفردات]
حال عليها الحول: أى مضى عليها سنة من تاريخ امتلاكها.
فما زاد: أى على النصاب.
فبحساب ذلك: أى فيه ربع العشر.
[البحث]
وصف المصنف هنا حديث أبى داود بأنه حسن وقد اختلف فى رفعه وقال فى تلخيص الحبير: (تنبيه) الحديث الذى أوردناه عن
أبى داود معلول فإنه قال: حدثنا سليمان بن داود المهرى (فى نسخة التلخيص المصرى) ثنا ابن وهب ثنا جرير بن حازم وسمى آخر عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث عن على، ونبه ابن المواق على علة خفية فيه وهى أن جرير بن حازم لم يسمعه من أبى إسحاق فقد رواه حفاظ أصحاب وهب: سحنون وحرملة ويونس وبحر بن نصر وغيرهم عن ابن وهب عن جرير بن حازم والحارث بن نبهان عن الحسم بن عمارة عن أبى إسحاق فذكره، قال ابن المواق: الحمل فيه على سليمان شيخ أبى داود فإنه وهم فى إسقاط رجل اهـ والحسن بن عمارة متروك والحارث الأعور كذبه الشعبى، وعاصم بن ضمرة قريب الحال من الحارث الأعور.
7 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس فى البقر العوامل صدقة" رواه أبو داود والدارقطنى والراجح وقفه أيضا.
[المفردات]
العوامل: هى بقر الحرث والدياس.
صدقة: أى زكاة.
[البحث]
هذا الحديث عند أبى داود والدارقطنى من رواية أبى إسحاق
عرق عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن على رضى اللَّه عنه وعاصم بن ضمرة والحارث الأعور تقدم الكلام علهما فى الحديث السابق وغيره. وقال زهير الراوى عرق أبى إسحاق عند أبى داود: أحسبه عرق النبى صلى الله عليه وسلم فهو على الشك فى رفعه، وقد رواه الدارقطنى عن ابن عباس أيضا وفى سنده سوار بن مصعب وهو ضعيف. قالوا: عامة ما يرويه غير محفوظ.
9 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من ولى يتيما له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" رواه الترمذى والدارقطنى وإسناده ضعيف. وله شاهد مرسل عند الشافعى.
[المفردات]
من ولى يتيما: أى تقلد أمره وصار وصيا عليه بعد موت أبيه.
فليتجر له: أى فليبع وليشتر له فيه حتى ينميه له.
تأكله الصدقة: أى تفنيه الزكاة إذا استمر مجمدا.
[البحث]
ليس فى الترمذى عبارة: عن جده عبد اللَّه بن عمرو وإنما الذى فيه: عن جده عرق النبى صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الفرق بين العبارتين،
وقد قال الترمذى بعد إخراجه: وإنما روى هذا الحديث من هذا الوجه وفى إسناده مقال لأن المثنى بن الصباح يضعف فى الحديث ثم قال الترمذى: وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص وشعيب قد سمع من جده عبد اللَّه بن عمرو وقد تكلم يحيى بن سعيد فى حديث عمرو بن شعيب وقال: هو عندنا واه، قال الترمذى: ومن ضعفه وإنما ضعفه من قبل أنه يحدث من صحيفة جده عبد اللَّه بن عمرو، وأما أكثر أهل الحديث فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب ويثبتونه اهـ والدارقطنى أخرجه كذلك من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب. عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهم. وأخرج الدارقطنى من طريق عبيد بن إسحاق عن مندل عن أبى إسحاق الشيبانى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: احفظوا اليتامى فى أموالهم لا تأكلها الزكاة" وعبيد بن إسحاق العطار ضعيف ومندل ضعيف أيضا، وأخرج الدارقطنى من طريق روَّاد بن الجراح عن محمد بن عبيد اللَّه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فى مال اليتيم زكاة" وروَّاد ضعيف وشيخه محمد بن عبيد اللَّه العزرمى ضعيف أيضا، أما شاهده المرسل عند الشافعى فلفظه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ابتغوا فى أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" رواه الشافعى عن عبد المجيد ابن أبى رواد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك به مرسلا.
10 -
وعن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم". متفق عليه.
[المفردات]
عبد اللَّه بن أبى أوفى: اسم أبى أوفى: علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمى شهد هو وابنه عبد اللَّه بيعة الرضوان تحت الشجرة وعمَّر عبد اللَّه رضى اللَّه عنه حتى كان آخر من مات بالكوفة من الصحابة رضى اللَّه عنهم سنة سبع وثمانين من الهجرة.
اللهم صل عليهم: أى اللهم اغفر لهم وارحمهم.
[البحث]
روى البخارى ومسلم من حديث عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان" فأتاه أبى بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبى أوفى" وقد ترجم له البخارى فقال: باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة. وقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ثم ساق الحديث. وقد نقل الحافظ فى الفتح عن ابن المنير أنه قال: عبر المصنف فى الترجمة بالإمام ليبطل شبهة أهل الردة فى
قولهم للصديق: إنما قال اللَّه لرسوله: وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم -وهذا خاص بالرسول فأراد أن يبين أن كل إمام داخل فى الخطاب على أن هذا الأمر ليس للوجوب لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر السعاة بالدعاء للمتصدق عند أخذ الصدقة منه، وإنما هو إرشاد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب دعاء آخذ الصدقة للمتصدق.
2 -
جواز أن يقال: اللهم صل على آل فلان أو على فلان بمعنى: اغفر له وارحمه.
11 -
وعن على رضى اللَّه عنه أن العباس رضى اللَّه عنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم فى تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له فى ذلك" رواه الترمذى والحاكم.
[المفردات]
قبل أن تحل: أى قبل دخول وقت وجوبها.
فرخص: أى فأذن له، وأجاز له ذلك.
[البحث]
هذا الحديث رواه الخمسة إلا النسائى، وأخرجه أيضا الحاكم
والدارقطنى والبيهقى، وقد رجح أبو داود والدارقطنى أنه مرسل، وقال الشافعى: لا أدرى أثبت أم لا؟ وقال الترمذى: وقد روى هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبى صلى الله عليه وسلم والحكم بن عتيبة أبو محمد الكندى الكوفى من الثقات الفقهاء، ذكر أنه روى عن أبى جحيفة رضى اللَّه عنه، وعامة روايته عن التابعين، وروى عن عمرو بن شعيب وهو أكبر منه وقد ولد سنة 47 هـ وقيل سنة 50 هـ ومات سنة 113 هـ أو 114 هـ أو 115 هـ رحمه الله. هذا ولم يصح خبر فى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تعجل صدقة عمه العباس سنتين، وقد روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد ابن الوليد وعباس بن عبد المطلب فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه اللَّه ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدراعه وأعتده فى سبيل اللَّه، وأما العباس بن عبد المطلب فعم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهى عليه صدقة ومثلها معها. وفى لفظ مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه اللَّه، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده فى سبيل اللَّه، وأما العباس فهى علىَّ ومثلها معها" ثم قال: "يا عمر أمَا علمت أن
عم الرجل صنو أبيه" وهذا الحديث يحتمل أن يكون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسلف الزكاة من عمه لعامين لحاجة المسلمين قبل ذلك، ويحتمل أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التزم بدفع الزكاة عن عمه لهذه السنة ولسنة مقبلة أيضا لحاجة المسلمين، وهو مشعر أيضا بجواز تعجيل الزكاة لحاجة المسلمين متى كان الأصل الذى تجب فيه الزكاة موجودا، ويستبعد أن يكون أخذ الزكاة من العباس مضاعفا عقوبة له لقوله فى الحديث: أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه. واللَّه أعلم.
12 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خسمة أوسق من التمر صدقة" رواه مسلم وله من حديث أبى سعيد: ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة" وأصل حديث أبى سعيد متفق عليه.
[المفردات]
خمس أواق من الورق: أواق جمع أوقية والورق بكسر الراء الفضة مضروبة، أو غير مضروبة وخمس أواق من فضة تساوى مائتى درهم.
ذود: أصل الذود بفتح الذال وسكون الواو السوق والطرد
والدفع ويطلق على ثلاثة أبعرة إلى العشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو ما بين الثنتين والتسع.
أوسق: جمع وسق بفتح الواو وسكون السين هو ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد الحفنة بكفى الرجل الذى ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما.
وله: أى ولمسلم.
[البحث]
هذا الحديث رواه مسلم عن جابر رضى اللَّه عنه باللفظ الذى ساقه المصنف، وساقه من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه بألفاظ منها: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة" ومنها ما ساقه المصنف، ومنها: ليس فى حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة" ولفظ التمر فى جميعها بالتاء المفتوحة وسكون الميم، وفى لفظ بعض رواة مسلم أنه قال:"بدل التمر ثمر" أى بدل قوله من تمر بالتاء المثناة "من ثمر" بالثاء المثلثة وفتح الميم. أما البخارى فقد ساق حديث أبى سعيد بلفظ: ليس فيما دون خمس أواق صدقة" وبلفظ: ليس فما دون خمس ذود صدقة من الإبل، وليس فما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما
دون خمسة أوسق صدقة".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن نصاب الإبل إذا بلغت خمسا.
2 -
أن نصاب الفضة إذا بلغت مائتى درهم.
3 -
أن نصاب الحبوب والتمور خمسة أوسق أى ثلاثمائة صاع.
13 -
وعن سالم بن عبد اللَّه عن أبيه رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر" رواه البخارى. ولأبى داود: إذا كان بعلا العشر وفيما سقى بالسوانى أو النضح نصف العشر.
[المفردات]
سالم بن عبد اللَّه: هو سالم بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهم.
عن أبيه: هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهما.
فيما سقت السماء: أى فيما أروت السماء بمطر أو ثلج أو بَرَد أو طل.
والعيون: أى وفيما سقت العيون والمراد بها الأنهار الجارية سواء كانت جوفية أو ظاهرة ويسقى منها
بإساحة الماء من غير اغتراف أو آلة.
عثريا: بفتح العين والثاء وكسر الراء وتشديد الياء. وقد يقال فيه "عثريا" بضم العين وسكون الثاء وهو الذى يشرب بعروقه من غير سقى لقرب الماء من وجه الأرض فيصل إليه عروق الشجر والزرع فيستغنى عن السقى لعثوره على الماء.
بالنضح: بفتح النون وسكون الضاد أى بالسانية. والمراد ما سقى بآلة تدفع الماء إلى الأرض لسقى الأشجار والزروع سواء كان بواسطة الحيوان أو اليد أو آلة (كهربائية) أو غيرها.
ولأبى داود: أى من حديث سالم عن أبيه رضى اللَّه عنه.
بعلا: هو بفتح الباء وسكون العين وهو كل نخل وشجر وزرع لا يسقى، وإنما يشرب بعروقه أو ما سقته السماء.
بالسوانى: جمع سانية وهى الغرب وأداته والناقة يسقى عليها والدابة تسنى -كترضى- أى يستقى عليها، وكل حيوان يرفع بواسطته الماء من بئر أو نهر سواء كان ناقة أو جلا، أو ثورا، أو حمارا أو غيره يقال له: سانية. وأشار فى القاموس إلى أن الرى بالنضح أو بالسوانى بمعنى واحد
فقد قال: نضح النخل سقاها بالسانية. فالعطف فى الحديث عطف تفسير أو لفظة "أو" للشك من الراوى فى أن أى اللفظين هو الذى قيل لأنهما بمعنى واحد.
[البحث]
قال أبو داود رحمه الله: حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلى ثنا عبد اللَّه بن وهب أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد اللَّه عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر، وفيما سقى بالسوانى أو النضح نصف العشر" وهارون بن سعيد من رجال مسلم، وعبد اللَّه بن وهب من رجال الشيخين، ويونس بن يزيد من رجال الشيخين أيضا، والعجيب ما نقله المصنف فى التلخيص عن أبى زرعة رحمه الله أنه قال: الصحيح موقوف على ابن عمر بعد أن أشار الحافظ إلى أنه أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى وابن حبان وابن الجارود، وقد رأيت صريح رفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذا السند الصحيح عند أبى داود بعد التصريح فى البخارى برفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقد رواه مسلم من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقى بالسانية نصف العشر" وقد أشار البخارى رحمه الله إلى أن حديث ابن
عمر رضى اللَّه عنهما يفسره حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه: وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" لأنه لم يوقت فى حديث ابن عمر "فيما سقت السماء العشر" وبين فى هذا ووقت أى فى حديث أبى سعيد -قال البخارى رحمه الله: والزيادة مقبولة والمفسر يقضى على المبهم إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل فى الكعبة، وقال بلال: قد صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل اهـ من صحيح البخارى. ويريد رحمه الله أن حديث ابن عمر لم يبين حد النصاب، وبينه حديث أبى سعيد رضى اللَّه عنه عنهم فالخاص يقضى على العام.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن ما سقى بغير آلة فيه العشر يعنى إذا بلغ النصاب.
2 -
وأن ما سقى بآلة فيه نصف العشر يعنى إذا بلغ النصاب.
14 -
وعن أبى موسى الأشعرى ومعاذ رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لهما: لا تأخذ فى الصدقة إلا من هذه الأصناف. الأربعة: . الشعير والحنطة والزبيب والتمر" رواه الطبرانى والحاكم والدارقطنى عن معاذ قال: فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف.
[المفردات]
قال لهما: أى حين بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم ويليان أمرهم.
عفا عنه: أى أسقط الزكاة عنه فلا تجب فيه.
[البحث]
أما حديث الطبرانى والحاكم فقد رواه أيضا البيهقى وقال: رواته ثقات وهو متصل. وأما حديث الدارقطنى فقد قال فيه: حدثنا على بن أحمد بن الأزرق ثنا محمد بن أحمد بن النفاح الباهلى ثنا يحيى ابن المغيرة ثنا ابن نافع حدثنى إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر يكون ذلك فى التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو عفا عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقد أخرج الحاكم هذا الحديث فى المستدرك وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه وهذا عجب فإنه حديث ضعيف فإن إسحاق بن يحيى تركه أحمد والنسائى وقال ابن معين لا يكتب حديثه، وقال البخارى: يتكلمون فى حفظه، وقال أبو زرعة: موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه عن عمر مرسل، وإذا كانت رواية موسى بن طلحة عن عمر مرسلة فروايته عن معاذ أولى بالارسال لأن معاذا رضى اللَّه عنه توفى فى خلافة عمر رضى اللَّه
عنه وموسى رحمه الله توفى سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة، وقد تقدم في الحديث الصحيح رقم 12 من هذا الباب قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب" وفى بعض ألفاظه عند مسلم "من ثمر" بدل ثمر وكلمة حب تشمل الذرة والأرز والدخن ونحوها كما أن كلمة ثمر تشمل التمر والزبيب واللوز والفستق والبندق. واللَّه أعلم.
15 -
وعن سهل بن أبى حثمة رضى اللَّه عنه قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
إذا خرصتم: أى إذا حزرتم ما تحمله النخيل من الغلة لتقدير الزكاة فيها فالخرص هو حزر ما على النخل من الرطب تمرا.
فخذوا: أى ثلثى ما تقدرونه بطريق الحزر وغلبة الظن من العشر أو نصفه وفى بعض طبعات بلوغ المرام: فجدوا بالجيم والدال. والذى فى الأصول: فخذوا.
ودعوا الثلث: أى اتركوا ثلث ما تقدرونه وتحزرونه من العشر لأهل المال إما ليأكلوها ويطعموا منها قبل الحصاد أو ليتولوا توزيعها بأنفسهم على الفقراء والمستحقين.
فدعوا الربع: أى إن لم تطب نفوسكم بترك الثلث فاتركوا الربع رحمة بهم وشفقة عليهم.
[البحث]
قال الحافظ فى تلخيص الحبير: فى إسناده عبد الرحمن بن مسعود بن نيار الراوى عن سهل بن أبى حثمة. وقد قال البزار: إنه تفرد به وقال ابن القطان: لا يعرف حاله اهـ وقد عنوان البخارى رحمه الله فى صحيحه فقال: باب خرص التمر وساق من حديث أو حميد الساعدى المتفق عليه: قال غزونا مع النبى صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادى القرى إذا امرأة فى حديقة لها فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اخرصوا وخرص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال: أحصى ما يخرج منها فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان معه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طئ، وأهدى ملك أيلة للنبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم، فلما أتى وادى القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحديث. وذكر الخطابى أن الخرص عمل به فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم فى عهد أبى بكر وعمر
رضى اللَّه عنهما فمن بعدهم. وذكر ابن تيمية رحمه الله أن الخرص من محاسن الشريعة لأنه قد جرت العادة أنه لابد لرب المال بعد كمال الصلاح أن يأكل هو وعياله ويطعم الناس ثم قال: فإنه لابد للنفوس من الأكل من الثمار الرطبة ولابد من الطعام بحيث يكون ترك ذلك مضرا بها وشاقا عليها. قال الحافظ فى فتح البارى: وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار فى التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل. والجيران والفقراء لأن فى منعهم تضييقا لا يخفى اهـ.
16 -
وعن عتاب بن أسيد رضى اللَّه عنه قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا" رواه الخمسة وفيه انقطاع.
[المفردات]
عتاب بن أسيد: عتاب بفتح العين وتشديد التاء وأسيد -بفتح أوله على وزن كريم وعتّاب هو ابن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموى أبو عبد الرحمن المكى وقد استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على مكة عام الفتح ولم يزل على مكة حتى قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأقره أبو بكر رضى اللَّه عنه
عليها وتوفى فى اليوم الذى توفى فيه أبو بكر رضى اللَّه عنه وقيل بل تأخرت وفاته إلى سنة 22 هـ.
[البحث]
سبب الانقطاع فى هذا الحديث أنه من رواية سعيد بن المسيب رحمه الله عن عتاب رضى اللَّه عنه قال أبو داود: لم يسمع سعيد بن المسيب من عتاب شيئا وقال ابن قانع: لم يدركه، وقال المنذرى: انقطاعه ظاهر لأن مولد سعيد فى خلافة عمر ومات عتاب يوم مات أبو بكر قال الحافظ فى التلخيص: وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر وقال ابن السكن: لم يرو عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا، وقد رواه الدارقطنى بسند فيه الواقدى فقال: عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب وقال أبو حاتم: الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عتابا، مرسل اهـ والواقدى متروك.
17 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفى يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال أيسرك أن يسورك اللَّه بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ "فألقتهما". رواه الثلاثة وإسناده قوى وصححه الحاكم من حديث عائشة.
[المفردات]
مسكتان: بفتح الميم والسين تثنية مسكة وهى الأسورة والخلاخيل.
[البحث]
أخرج الترمذى هذا الحديث بلفظ: ان امرأتين أتتا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفى أيديهما سواران من ذهب فقال لهما: أتؤديان زكاته؟ قالتا: لا. فقال لهما: أتحبان أن يسوركما اللَّه بسوارين من نار؟ قالتا: لا قال: فأديا زكاته" قال الترمذى: لا يصح فى الباب شئ وجزم بأنه لا يعرف إلا من حديث ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب. أما أبو داود والنسائى فروياه بلفظ قريب من اللفظ الذى ساقه المصنف من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سبق بحثه. أما حديث عائشة الذى أشار إليه المصنف فقد أخرجه أبو داود والدارقطنى واللفظ لأبى داود من طريق محمد بن عطاء عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرأى فى يدى فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول اللَّه قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا. أو ما شاء اللَّه قال: هو حسبك من النار" ولفظ الدارقطنى: هن حسبك من النار" ثم قال الدارقطنى:
محمد بن عطاء مجهول وقد رد البيهقى على الدارقطنى فقال فى المعرفة: هو محمد بن عمرو بن عطاء لكنه لما نسب إلى جده خفى على الدارقطنى أمره فجعله مجهولا.
18 -
وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت: يا رسول اللَّه! أكنز هو؟ قال: إذا أديت زكاته فليس بكنز" رواه أبو داود والدارقطنى وصححه الحاكم.
[المفردات]
أوضاحا: جمع وَضَح وهو نوع من الحلى وقد قيد فى هذا الحديث بأنه من ذهب إلا أن صاحب القاموس قال: وحلى من الفضة ج أوضاح.
فليس بكنز: أى فليس بداخل فى الوعيد الذى توعد اللَّه به الذين يكنزون الذهب والفضة.
[البحث]
هذا اللفظ الذى ساقه المصنف هنا هو لفظ الدارقطنى أما لفظ أبى داود عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول اللَّه كنز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز. وأبو داود أخرجه من طريق عتاب بن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضى اللَّه عنها وأخرجه
الدارقطنى من طريق محمد بن مهاجر عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضى اللَّه عنها. قال البيهقى: تفرد به ثابت ابن عجلان اهـ وثابت بن عجلان فد أخرج له البخارى ولما سئل عنه أحمد بن حنبل سكت عنه وقال ابن معين ثقة، وقال دحيم والنسائى: ليس به بأس، وقال العقيلى فى الضعفاء: لا يتابع فى حديثه قال فى تهذيب التهذيب: وساق له ابن عدى ثلاثة أحاديث غريبة وقال أحمد: أنا متوقف فيه ثم قال: وقال عبد الحق فى الأحكام: لا يحتج به، ورد ذلك عليه ابن القطان وقال فى قول العقيلى: لا يتابع إن هذا لا يضر إلا من لا يعرف بالثقة وأما من وثق فانفراده لا يضره، وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفته الثقات لا غير فيكون حديثه حينئذ شاذا واللَّه أعلم اهـ أما محمد بن مهاجر فقد قال ابن الجوزى فى التحقيق: محمد بن مهاجر قال ابن حبان: ضع الحديث على الثقات قال فى التنقيح: وهذا وهم قبيح فإن محمد بن مهاجر الكذاب ليس هو هذا فهذا الذى يروى عن ثابت بن عجلان ثقة شامى أخرج له مسلم فى صحيحه ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ودحيم وأبو داود وغيرهم وقال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: كان متقنا وأما محمد بن مهاجر الكذاب فإنه متأخر فى زمان ابن معين قاله الزيلعى اهـ واللَّه أعلم. وقد روى مالك فى الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحلى بناته وجواريه بالذهب فلا يخرج منه الزكاة كما
أخرج مالك فى الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها كانت تلى بنات أخيها يتامى فى حجرها لهن الحلىّ فلا تخرج منها الزكاة. ولا يعارض هذا ما رواه مالك فى الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تلينى وأخًا لِى يتيما فى حجرها وكانت تخرج من أموالنا الزكاة" لأن الحديث الأول عنها خاص بزكاة الحلى والثانى بغير الحلى إذ الأول فى بنات لهن حلى والثانى فى ولدين لا حلىّ لهما.
19 -
وعن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذى نعده للبيع" رواه أبو داود وإسناده لين.
[المفردات]
نعده للبيع: أى نتجر فيه.
[البحث]
قال المصنف هنا: وفى إسناده لين وقال فى التلخيص: وفى إسناده جهالة. وقد تقدم بحث هذا الحديث عند بحث الحديث الخامس من هذا الباب.
20
- وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قال: وفى الركاز الخمس" متفق عليه.
[المفردات]
الركاز: المال الذى يعثر عليه مدفونا تحت الأرض.
الخمس: أى إن الإمام يأخذ الخمس.
[البحث]
أشار البخارى رحمه الله إلى المراد بالركاز فقال: باب فى الركاز الخمس وقال مالك وابن إدريس الركاز دفن الجاهلة فى قليله وكثيره الخمس. وليس المعدن بركاز. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: فى المعدن جبار وفى الركاز الخمس. وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة وقال الحسن: ما كان من ركاز فى أرض الحرب ففيه الخمس وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة وإن وجدت اللقطة فى أرض العدو فعَرِّفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس ثم ساق الحديث عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفى الركاز الخمس اهـ ومعنى جبار أى هدر قال الحافظ فى الفتح: وليس المراد أنه لا زكاة فيه وإنما المعنى أن من استأجر رجلا للعمل فى معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شئ على من استأجره اهـ ولفظ مسلم: العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفى الركاز الخمس" وقد عرف أن ما يخمس مصرفه مصرف الفئ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تخميس الركاز ليأخد العاثر عليه أربعة أخماسه ويأخذ الإمام خمسه.
2 -
أن مصرف خمس الركاز مصرف الفئ.
3 -
أنه لا يشترط فيه الحول.
21 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فى كنز وجده رجل فى خربة: "إن وجدته فى قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته فى قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس" أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن.
[المفردات]
مسكونة: أى عامرة.
غير مسكونة: أى خربة دامرة.
[البحث]
لم أجد هذا الحديث فى كتاب الزكاة من سنن ابن ماجه وصنيع الحافظ فى التلخيص يشعر بأن ابن ماجه لم يخرجه فقد قال: حديث: أن رجلا وجد كنزا فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: إن وجدته فى قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه وإن وجدته فى خربة جاهلية أَو قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس" الشافعى عن سفيان
عن داود بن شابور ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى كنز وجده رجل فى خربة جاهلية: إن وجدته" فذكره سواء. ورواه أبو داود من حديث عمرو بن الحارث وهشام بن سعد عن عمرو بن شعيب نحوه ورواه النسائى من وجه آخر عن عمرو بن شعيب اهـ ويعقوب بن عطاء ضعيف لكنه لم ينفرد به كما رأيت فى سند الشافعى وأما الوجه الآخر الذى أخرجه به النسائى فهو من طريق عبيد اللَّه بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: ما كان فى طريق مأتى أو فى قرية عامرة فعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فلك، وما لم يكن فى طريق مأتى ولا فى قرية عامرة ففيه وفى الركاز الخمس" وعبيد اللَّه بن الأخنس أخرج له الجماعة وهو صدوق لكن قال ابن حبان: كان يخطئ.
22 -
وعن بلال بن الحارث رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة" رواه أبو داود.
[المفردات]
بلال بن الحارث: هو بلال بن الحارث بن عاصم المزنى أبو عبد الرحمن المدنى ذكره ابن سعد فى الطبقة الثالثة من المهاجرين وقيل إنه أول وافد إلى
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى رجال من مزينة سنة خمس من الهجرة وكان أحد من يحمل ألوية مزينة يوم الفتح. مات سنة ستين هجرية وله من العمر ثمانون سنة رضى اللَّه عنه.
القبلية: بفتح القاف والباء وكسر اللام هى موضع من ناحية الفرع.
[البحث]
روى أبو داود من طريق عبد اللَّه بن مسلمة عن مالك عن ربيعة ابن أبى عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقطع بلال ابن الحارث المزنى معادن القبلية وهى من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" ثم روى أبو داود من طريق العباس بن محمد بن حاتم وغيره عن الحسين بن محمد أخبرنا أبو أويس ثنا كثير بن عبد اللَّه بن عوف المزنى عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزنى معادن القبلية جلسيها وغوريها وقال غيره: جلسها وغورها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم" ولم يرد فى رواية أبى داود: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة" وإنما الذى فيه: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" وربيعة بن أبى عبد الرحمن أدرك بعض الصحابة والأكابر من التابعين. قيل توفى سنة 133 هـ أو سنة 136 هـ أو سنة 142 هـ قال ابن
عبد البر: هذا الحديث فى الموطأ عند جميع الرواة مرسل، وأشار الشافعى إلى أن قوله: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" زيادة لم يثبت نقل معناها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقد قال بعد أن روى حديث مالك: ليس هذا مما يثبت أهل الحديث ولم يثبتوه ولم يكن فيه رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه اهـ وقد رأيت أن لفظ الحديث "معادن القبلية" وليس "المعادن القبلية".