الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صدقة التطوع
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم اللَّه فى ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكر الحديث وفيه: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" متفق عليه.
[المفردات]
سبعة: أى سبعة أنواع من الناس.
يظلهم اللَّه: أى يدفع عنهم حرارة الشمس يوم تدنو من رءوس الخلائق عند الحشر.
فى ظله: أى فى ظل عرشه كما جاء فى لفظ حديث سلمان رضى اللَّه عنه عند سعيد بن منصور بإسناد حسن "سبعة يظلهم اللَّه فى ظل عرشه" فهم فى كنف اللَّه وكرامته قبل دخول الجنة.
فأخفاها: أى فأسرها عند إخراجها إمعانا فى دفع الرياء وصيانة لكرامة المتعدق عليه.
[البحث]
أخرج البخارى ومسلم هذا الحديث عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم اللَّه فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ فى عبادة ربه، ورجل قلبه معلق فى المساجد، ورجلان تحابا فى اللَّه اجتمعا عليه وتفرقا
عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنى أخاف اللَّه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وليس هذا الفضل محصورا فى هذه السبعة فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى اليسر رضى اللَّه عنه قال: أشهد بَصَرُ عينى هاتين ووضع إصبعيه على عينيه وسَمعُ أُذُنَيَّ هاتين ووعاه قلبي هذا -وأشار إلى مناط قلبه- رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله اللَّه فى ظله" فالعدد فى حديث الباب لا مفهوم له، وقد ذكر الحافظ فى الفتح أنه تتبعها فأبلغها إلى ثمان وعشرين خصلة وألف فيها رسالة سماها (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) وأوصلها السيوطى إلى سبعين خصلة وألف فيها رسالة سماها (بزوغ الهلال فى الخصال المقتضية للظلال) ولكن أكثر ما ذكر ابن حجر والسيوطى لا يعتمد على حديث صحيح. أما قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ورجل تصدق بصدقة إلخ فقد أشار الحافظ فى فتح البارى إلى أن المرأة تشارك الرجل فى هذه الخصال إلا الإمامة وتعلق القلب بالمساجد لأن صلاتها فى بيتها أفضل قال: وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الرجل الذى دعته المرأة فإنه يتصور فى امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من اللَّه مع حاجتها اهـ وإخفاء صدقة التطوع أفضل من إعلانها كما أن إعلان الزكاة المفروضة أفضل من إخفائها إلا أن يخاف على نفسه من إعلانها الرياء قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} .
[ما يفيده الحديث]
1 -
صدقة التطوع من أعظم القربات.
2 -
يستحب إخفاء صدقة التطوع.
2 -
وعن عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: كل امرئ فى ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" رواه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
كل امرئ: أى كل إنسان.
فى ظل صدقته: أى تدفع عنه صدقته حرارة الموقف يوم القيامة.
حتى يفصل: أى حتى مضى.
[البحث]
لقد أشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن الصدقة تستر عن وجه وصاحبها النار يوم القيامة فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عدى بن حاتم رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللَّه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة" وفى
رواية "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل" وروى أحمد بسند صحيح من حديث عبد اللَّه بن مسعود أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة" أما حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه هذا فقد رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم من طريق يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير مرثد بن عبد اللَّه اليزنى عن عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: كل امرئ فى ظل صدقته حتى يقضى بين الناس" قال يزيد: فكان أبو الخير مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشئ ولو بكعكة أو بصلة" وفى رواية لابن خزيمة أيضا عن يزيد بن أبى حبيب عن مرثد بن عبد اللَّه اليزنى أنه كان أول أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلا المسجد قط إلا وفى كمه صدقة: إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح قال: حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير إن هذا ينتن ثيابك، قال: فيقول يا ابن أبى حبيب أما إنى لم أجد فى البيت شيئا أتصدق به غيره، إنه حدثنى رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ظل المؤمن يوم القيامة صدقته" ويزيد بن أبى حبيب من رجال الشيخين، وشيخه مرثد من رجال الشيخين أيضا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
عظيم فضل الصدقة.
2 -
أن الصدقة تدفع النار عن وجه صاحبها يوم القيامة.
3 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عرى كساه اللَّه من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه اللَّه من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه اللَّه من الرحيق المختوم" رواه أبو داود وفى إسناده لين.
[المفردات]
ظمأ: عطش.
الرحيق المختوم: اسم من أسماء الخمر ويطلق على الخالص من الشراب الذى لا غش فيه. والمختوم: المصون والمراد خمر الجنة.
[البحث]
قال أبو داود: حدثنا على بن الحسين ثنا أبو بدر ثنا أبو خالد الذى كان ينزل فى بنى دالان عن نبيح عن أبى سعيد رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيما مسلم. الحديث. وفى سنده أبو خالد الدالانى الأسدى الكوفى واسمه يزيد بن عبد الرحمن قال الحافظ فى التقريب: صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس اهـ وهو
هنا قد عنعن ونقل الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب عن أحمد ابن حنبل أنه قال: لا بأس به وقال أبو إسحاق الحربى: وقال ابن سعد منكر الحديث وقال ابن حبان فى الضعفاء: كان كثير الخطأ فاحش الوهم خالف الثقات فى الروايات ثم قال: لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق فكيف إذا انفرد بالمعضلات وذكره الكرابيسى فى المدلسين وقال الحاكم: إن الأئمة المتقدمين شهدوا له بالصدق والاتقان وقال ابن عبد البر: ليس بحجة اهـ.
أما شيخه نبيح بنون مضمومة فباء مفتوحة فياء ساكنة بعدها حاء مهملة فهو ابن عبد اللَّه العنزى أبو عمرو الكوفى قال الحافظ فى التقريب: مقبول وقد نقل توثيقه عن أبى زرعة وابن حبان والعجلى وذكره على بن المدينى فى جملة المجهولين وقد صحف فقيل: فليح.
4 -
وعن حكيم بن حزام رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه" متفق عليه واللفظ للبخارى.
[المفردات]
اليد العليا: هى اليد التى تعطى وقيل يد المتعفف.
واليد السفلى: هى اليد السائلة الآخذة.
وابدأ بمن تعول: أى ابدأ فى الانفاق بمن يجب عليك أن تمونه من أهلك وعيالك.
ما كان عن ظهر غنى: أى ما كان المتصدق بة غير محتاج لسداد دين عن نفسه أو نفقة لازمة لعياله وأهله.
ومن يستعفف: أى لا يسأل الناس حتى يحسبه الجاهل غنيا.
يعفه اللَّه: أى يحفظ عليه عفته وييسر له حاجته.
يستغن: أى يقطع الطمع من نفسه.
يغنه اللَّه: أى يسد حاجته ويقنعه.
[البحث]
روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث حكيم بن حزام رضى اللَّه عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعطانى، ثم سألته فأعطانى، ثم سألته فأعطانى ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضبر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى" قال حكيم: فقلت يا رسول اللَّه والذى بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضى اللَّه عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر رضى اللَّه عنه دعاه ليعطه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أنى
أعرض عليه حقه الذى قسمه اللَّه له فى هذا الفئ فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبى صلى الله عليه وسلم حتى توفى، وحديث الباب يضع أمام المسلم أوضح المناهج للأغنياء والفقراء فيحض الأغنياء على البذل ويحض الفقراء على محاولة الكسب الشريف، وأن أفضل النفقة ما كان بعد قضاء حاجة أهل المنفق وعياله أو سداد ما عليه من دين، وبراءة ذمته، وأن على المسلم ألا يعود نفسه على الاستكانة والذلة بسؤال الناس والتطلع إلى ما فى أيديهم بل عليه أن يعمل ليستغنى وأن يستعين باللَّه عز وجل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الترغيب فى البذل والانفاق.
2 -
ينبغى أن يبدأ الانسان بقضاء حاجة عياله وأهله ومن تجب عليه نفقتهم.
3 -
كراهة السؤال وأنه ينبغى ألا يكون إلا عن ضرورة.
4 -
أفضل الصدقة ما كان عن سعة فلا تكون ذمة المتصدق مشغولة.
5 -
وعد اللَّه لطالب العفة أن يعفه.
6 -
وعد اللَّه لمن حرص على الاستغناء عما فى أيدى الناس أن يغنيه.
7 -
حض الاسلام على العمل.
5 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قيل: يا رسول اللَّه أى الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وابدأ بمن تعول" أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
[المفردات]
جهد المقل: بضم الجيم وسكون الهاء أى قدر ما يحتمله حال القليل المال.
[البحث]
قال البيهقى رحمه الله: والجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" وقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة جهد المقل" أن يختلف باختلاف أحوال الناس فى الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية اهـ ولا شك أن من اتسعت أمواله جدا فإن تصدقه بألف دينار مثلا لا تقاس بمن تصدق بدينار يكون هو الفاضل عن حاجته، لأن الدينار عند هذا أثقل من الف دينار عند ذلك.
6 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تصدقوا فقال رجل يا رسول اللَّه عندى دينار، قال: تصدق به على نفسك" قال عندى آخر: قال: تصدق به على ولدك" قال عندى آخر: قال: تصدق به على خادمك" قال
عندى آخر، قال: أنت أبصر" رواه أبو داود والنسائى وصححه ابن حبان والحاكم.
[المفردات]
تصدقوا: أى تبرعوا للفقراء والمساكين.
تصدق به على نفسك: أى أنفقه على نفسك تؤجر على ذلك تصدق به على ولدك: أى أنفقه على ولدك تؤجر على ذلك. تصدق به على خادمك: أى امنحه خادمك تؤجر على ذلك.
أنت أبصر: أى أنت أعرف أين تنفقه وأعلم بحوائج من حولك.
[البحث]
هذا الحديث يشير إلى فضل النفقة على الأهل والعيال ومن تحت يد الانسان من الخدم وغيرهم وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أعطى اللَّه أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته كما روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: دينار أنفقته فى سبيل اللَّه، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك" كما روى مسلم من حديث ثوبان رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله،
ودينار ينفقه على دابته فى سبيل اللَّه، ودينار ينفقه على أصحابه فى سبيل اللَّه".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الاحسان إلى الأهل والعيال والخدم فى النفقة عليهم من أحسن ما يقرب العبد إلى اللَّه عز وجل.
2 -
يستحب للانسان عند بدل الصدقة أن يتحرى ذوى الأرحام.
7 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا" متفق عليه.
[المفردات]
أنفقت المرأة: أى تصدقت الزوجة.
غير مفسدة: أى غير مسرفة ولا مرائية ولا قاصدة إتلاف مال زوجها.
أجرها: أى ثوابها.
ما أنفقت: أى بنيتها وإخراجها الطعام لجهة الخير التى أدت له ولا سيما أهل الزوج.
بما اكتسب: أى بسبب ما بذله فى تحصيل هذا الطعام.
وللخادم مثل ذلك: أى وللخادم الذى تولى اصلاح هذا الطعام أجره وثوابه على ما بذل فيه من جهد ما دام غير مفسد وهو يعلم أنه مأذون له ولاسيما أهل صاحب المال.
[البحث]
قد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره" وفى بعض نسخ البخارى: فله نصف أجره" ولفظ مسلم: فإن نصف أجره له" وقوله فى حديث الباب: "لا ينقص بعضهم من أجبر بعض شيئا" يدل على أنهم جميعا سواء فى الأجر، وحديث أبى هريرة يشعر بأن لها نصف الأجر، فيحتمل نصف أجر الزوج ويحتمل نصف أجر الصدقة ليكون للزوج نصفها الآخر لكن قوله فى حديث أبى هريرة: عن غير أمره يدل على أن لها نصف الأجر فى هذه الحال أما إذا كانت عن أمره فلها الأجر ولزوجها الأجر فيحمل حديث عائشة على أنها مأمورة ويحمل حديث أبى هريرة على أنها فعلت عن غير أمره لكنها غير مفسدة. واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز تصدق المرأة والخادم من طعام البيت بما لا يضر.
2 -
ينبغى أن تستأذن المرأة زوجها قبل أن تتصدق.
3 -
ينبغى للخادم أن لا يتصدق من مال مخدومه إلا بما يعلم أنه لا يمنع مثله.
8 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود فقالت: يا رسول اللَّه إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندى حُلِىٌّ لى فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم فقال النبى صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم" رواه البخارى.
[المفردات]
زينب امرأة ابن مسعود: هى بنت معاوية ويقال: بنت عبد اللَّه ابن معاوية بن عتاب الثقفية رضى اللَّه عنها.
أمرت اليوم: كان يوم أضحى أو فطر.
[البحث]
روى البخارى فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى أضحى أو فطر إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة، فقال: أيها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإنى رأيتكن أكثر أهل
النار، فقلن وبم ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء" ثم انصرف، فما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل يا رسول اللَّه! هذه زينب فقال: أى الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود قال: نعم. ائذنوا لها فأذن لها قالت: يا نبى اللَّه إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عند حلىٌّ، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم" وقد عنون البخارى لهذا الحديث بأكثر من عنوان فى صحيحه فقال: باب الزكاة على الأقارب وساقه بعد حديث أبى طلحة فى قصة تصدقه ببيرحاء. تم عنون له بعنوان آخر فقال: باب الزكاة على الزوج والأيتام فى الحجر وساقه وفيه: نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة. وصنيع البخارى مشعر بأن هذا يشمل الزكاة الواجبة وصدقة التطوع. وعامة أهل العلم على أن الزكاة الواجبة لا تعطى لمن تجب على المزكى نفقته، ولا شك أن نفقة الزوج لا تجب على الزوجة فلها أن تدفع له من زكاتها بخلاف العكس ولذلك فليس للزوج أن يدفع من زكاته لزوجته، أما الأولاد فنفقتهم على أبيهم لا على أمهم ما دام الأب موجودا على أنه قد جاء عند البخارى فى بعض ألفاظ حديث زوجة ابن مسعود
هذه رضى اللَّه عنهما: أيجزئ عنى أن أنفق على زوجى وأيتام لى فى حجرى وهو يدل على أن المراد بقوله فى حديث الباب: "أنه وولده" أنهم ليسوا أبناء عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه لأن اليتيم لا يطلق إلا على من مات أبوه. ويشعر أيضا بأنهم ليسوا بأولادها بل هم أيتام فى رعايتها ورعاية زوجها ابن مسعود فأطلق عليهم أنهم ولده وقد أشار الحافظ فى فتح البارى عند قوله: وأيتام لى فى حجرى" أنه جاء فى رواية للنسائى: على أزواجنا وأيتام فى حجورنا" وأنه جاء فى رواية الطيالسى: أنهم بنو أخيها وبنو أختها.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز للمرأة أن تتصدق على زوجها الفقير.
2 -
وأنه أولى من تصدقها على غيره.
3 -
يجوز للمرأة أن تتصدق على أولادها وأقربائها الذين لا تجب نفقتهم عليها.
4 -
وأنه من أفضل الصدقات.
9 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتى يوم القيامة وليس فى وجهه مزعة لحم" متفق عليه.
[المفردات]
يسأل الناس: أن طلب منهم أن يتصدقوا عليه.
مزعة لحم: أى قمة لحم ومزعة بضم الميم وحكى كسرها وسكون الزاى بعدها عين وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاى والذى أحفظ عن المحدثين الضم.
[البحث]
قال الحافظ ابن حجر في فتح البارى فى شرح قوله: مزعة لحم" قال الخطابى: يحتمل أن يكون المراد أنه يأتى ساقطا لا قدر له ولا جاه، أو يعذب فى وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة فى مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذى يعرف به انتهى. والأول صرف للحديث عن ظاهره وقد يؤيده ما أخرجه الطبرانى والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا لا يزال العبد يسأل وهو غنى حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند اللَّه وجه" وقال ابن أبى جمرة: معناه أنه ليس فى وجهه من الحسن شئ لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم، ومال المهلب إلى حمله على ظاهره والى أن السرفية أن الشمس تدنو يوم القيامة فاذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره قال: والمراد به من سأل تكثرا وهو غنى لا تحل له الصدقة، أما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه انتهى.
وهذا الحديث طرف من حديث طويل جاء فيه ذكر دنو الشمس يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، وفيه ذكر الشفاعة، وسيأتى فى الحديث الذى يلى هذا الحديث ما يفيد أن الممنوع من سأل الناس تكثرا وقد عنون البخارى لحديث الباب بذلك فقال باب من سأل تكثرا وساق الحديث.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم السؤال إذا كان السائل غنيا.
2 -
تحريم الإلحاف فى السؤال.
10 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر" رواه مسلم.
[المفردات]
تكثرا: أى لا يسأل عن حاجة وفقر وإنما يسأل ليكثر ماله ويزيده.
جمرا: أى قطعا من النار.
فليستقل أو ليستكثر: أى فليطلب قليلا أو كثيرا.
[البحث]
يحتمل قوله: فإنما يسأل جمرا أن يعاقب بالنار يوم لقيامة ويحتمل أن هذا المال الذى يجمعه يصير جمرا فيكوى به
كما يحصل لمانع الزكاة. وليس قوله: فليستقل أو ليستكثر" أمرا يراد تحصيله بل المراد التنفير منه على حد قوله تعالى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وهذا اُسلوب من أشد أساليب النهى والتحذير والتوبيخ والتهديد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تحريم سؤال الناس للاستكثار.
2 -
الحض على القناعة بما رزق اللَّه من طريق حلال.
11 -
وعن الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتى بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" رواه البخارى.
[المفردات]
فيكف بها وجهه: أى فيحمى بها وجهه.
خير له: ليست هذه أفعل تفضيل فإنه لا خير فى السؤال للقادر على الاكتساب فهى على حد قوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} .
[البحث]
هذا الحديث رواه البخارى من حديث الزبير بن العوام باللفظ
المذكور فى المتن هنا إلا أنه فى البخارى فيكف اللَّه بها وجهه" وقد رواه البخارى أيضا من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: والذى نفسى بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتى رجلا فيسأله أعطاه أو منعه" وفى حديث أبى هريرة زيادة القسم على هذا الشئ لتأكيده فى نفس السامع. وفى قوله فيأتى بحزمة من الحطب على ظهره إشعار بأن حمل الحطب على الظهر مع ما فيه من شدة على كثير من النفوس ومشقة ومذلة على ذوى المروءات أفضل عاقبة من ذل السؤال.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الحض على التعفف عن المسألة.
2 -
قبح المسألة فى نظر الشريعة الاسلامية.
3 -
أن أدنى المهن خير من سؤال الناس.
12 -
وعن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: المسألة كد يكدبها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو فى أمر لابد منه" رواه الترمذى وصححه.
[المفردات]
كد: أصل الكد الإتعاب وكد فى عمله إذا تعب فيه وكد
الوجه ذهاب مادة رونقه والمسألة تجئ فى وجه صاحبها كدوح أى خدوش وكل أثر من خدش أو عضل فهو كدح.
فى أمر لابد منه: أى لا حيلة فى ترك السؤال إما بسبب حمالة تحملها، أو جائحة اجتاحت ماله، أو فاقة أصابته.
[البحث]
أخرج الترمذى هذا الحديث فى جامعه وقال: قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وهذا الحديث يشير إلى أنه لا حرج على الإنسان إذا سأل السلطان مالا أو سأل وهو مضطر.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز السؤال عند الضرورة.
2 -
لا بأس بسؤال السلطان.