الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثبات صفة العلو من السنة
وأما الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فكثيرة جدا:
منها: ما رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وغيرهم «عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: لطمت جارية لي، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ((بلى، ائتني بها)) ، قال: فجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، فقال: ((فمن أنا؟)) قالت: أنت رسول الله، قال: ((اعتقها، فإنها مؤمنة)) .»
وفي هذا الحديث مسألتان:
إحداهما: قول الرجل لغيره: أين الله؟
وثانيهما: قول المسئول: في السماء.
فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت
زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي» ، وفي لفظ آخر: كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده:«إن رحمتي تغلب غضبي» ، وفي لفظ:«فهو مكتوب عنده فوق العرش» .
وهذه الألفاظ كلها صحاح في صحيح البخاري ومسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى، قال:«قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار»
«وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الرب، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهو يصلون» .
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ» أخرجه أبو داود.
وفي الصحيحين في قصة المعراج، وهي متوترة:" «وتجاوز النبي صلى الله عليه وسلم السماوات سماء سماء حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقربه وأدناه، وفرض عليه خمسين صلاة، فلم يزل يتردد بين موسى وبين ربه، ينزل من عند ربه إلى موسى، فيسأله: كم فرض عليك؟ فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فسله التخفيف» ".
وذكر البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه حديث أنس حديث الإسراء، وقال فيه: " «ثم علا به - يعني جبريل - فوق ذلك بما لا يعلم إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه»
«جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو في مكانه: يا رب خفف عنا» . وذكر الحديث.
ولما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم وتغنم أموالهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة» . وفي لفظ: «من فوق سبع سماوات» . وأصل القصة في الصحيحين، وهذا السياق لمحمد بن إسحاق في المغازي.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: «بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في أديم مقروض»
وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم، قال:«جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، سبحان الله"، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، فقال: "ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه، إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه لهكذا، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب» . وقد ساق الذهبي
هذا الحديث في كتاب العلو من رواية محمد بن إسحاق، ثم قال: (هذا حديث غريب جدا، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ والله عز وجل ليس كمثله شيء جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره.
والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت.
وقولنا في هذه الأحاديث: أنا نؤمن بما صح منها وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله على عرشه مما يوافق آيات الكتاب) .
وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد من «حديث العباس بن عبد المطلب، قال: كنت جالسا بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت سحابة، فنظر إليها، فقال: "ما تسمون هذه؟ " قالوا: السحاب، قال: "والمزن"، قالوا: والمزن، قال: "والعنان"، قالوا: والعنان، قال: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ " قالوا: لا ندري، قال: "إن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون»
«سنة، ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء وسماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش، أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله عز وجل فوق ذلك» ، زاد أحمد:«وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم» .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله؟ " فأشارت بأصبعها السبابة إلى السماء، فقال لها: "من أنا؟ " فأشارت بأصبعها إلى»
«رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، أي: أنت رسول الله، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة» .
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته»
«إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» .
وفي حديث الشفاعة الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فأدخل على ربي تبارك وتعالى وهو على عرشه» وذكر الحديث، وفي بعض ألفاظ البخاري في صحيحه:«فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه» .
وصح عن أبي هريرة بإسناد مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سيارة يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا معهم، فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم» . وأصل الحديث في صحيح مسلم، ولفظه:«فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟» الحديث.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا لا يتسع هذا الجواب لبسطها، وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله وألهمه رشده، وأما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه، بل لا تزيده كثرة الأدلة إلا حيرة وضلالا؛ كما قال تعالى:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة:64 و68] .
[الإسراء:82] .
وقال جل ذكره: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26] .
وقال تبارك وتعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:125] .
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] .