المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قول الإمام أبي حنيفة - التحفة المدنية في العقيدة السلفية

[حمد بن ناصر آل معمر]

الفصل: ‌ذكر قول الإمام أبي حنيفة

‌فصل

في ذكر أقوال الأئمة الأربعة

رضي الله عنهم

‌ذكر قول الإمام أبي حنيفة

رضي الله عنه

روى البيهقي في كتاب الصفات عن نعيم بن حماد، قال: سمعت نوح بن أبي مريم، يقول: كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر؛ إذ جاءته امرأة من ترمذ، وكانت تجالس جهما، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف نفس، فقيل لها: إن هاهنا رجلا قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته، فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل، وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبد؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا، وقد وضع كتابا: أن الله عز وجل في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] .

قال: هو كما تكتب إلى الرجل إني معك، وأنت غائب عنه.

ثم قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله

ص: 85

عز وجل من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، واتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء.

وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور المروي بالأسانيد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو الأرض؟ قال: قد كفر، إن الله تعالى يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وعرشه فوق سماواته. فقلت: إنه يقول: أقول إنه على العرش، ولكنه قال: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض! قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر؛ لأن الله تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.

وفي لفظ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، قال: قد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وعرشه فوق سبع سماواته.

روى هذا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب (الفاروق) .

ص: 86

وقال الإمام أبو محمد موفق الدين بن قدامة: بلغني عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: من أنكر أن الله عز وجل في السماء فقد كفر.

فتأمل هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه أنه كفر الواقف الذي يقول لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فكيف يكون حكم الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض؟ واحتج أبو حنيفة على كفره بقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .

بين أن الله فوق السماوات فوق العرش، فقال: وعرشه فوق سماواته، وبين بهذا أن قوله {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فوق العرش، ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض، قال: لأنه أنكر أن يكون الله في السماء، وأن الله في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.

وكذلك أصحاب أبي حنيفة من بعده كأبي يوسف ومحمد؛ كما قدمنا ما روي عنهم، وكذلك هشام بن عبيد الله؛ كما روى ابن أبي حاتم وشيخ الإسلام بإسنادهما أن هشام بن عبيد الله صاحب

ص: 87

محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلا في التجهم، فتاب، فجيء به ليمتحنه، فقال: الحمد الله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري "ما بائن من خلقه"، فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب.

وسيأتي كلام الطحاوي إن شاء الله تعالى.

وفي الفقه الأكبر أيضا عن أبي حنيفة: لا يوصف الله بصفات المخلوقين، ولا يقال: إن يده قدرته ولا نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف.

وقال في الفقه الأكبر: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ليست كأيدي خلقه، وهو خالق الأيدي جل وعلا، ووجهه ليس كوجوه خلقه، وهو خالق كل الوجوه، ونفسه ليست كنفوس خلقه، وهو خالق النفوس، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

وقال في الفقه الأكبر أيضا: وله تعالى يد ووجه ونفس، بلا كيف ذكر الله تعالى في القرآن، وغضبه ورضاه وقضاه وقدرته من صفاته تعالى بلا كيف، ولا يقال غضبه عقابه، ولا رضاه ثوابه. انتهي.

ص: 88