المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قول الإمام مالك بن أنس - التحفة المدنية في العقيدة السلفية

[حمد بن ناصر آل معمر]

الفصل: ‌ذكر قول الإمام مالك بن أنس

‌ذكر قول الإمام مالك بن أنس

إمام دار الهجرة رضي الله عنه

قال عبد الله بن نافع: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد.

وروى أبو الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى بن يحيى، قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا مبتدعا". فأمر به أن يخرج.

وتقدم عن شيخه ربيعة مثل هذا الكلام. فقول ربيعة ومالك "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" - موافق لقول الباقين "أمروها كما جاءت بلا كيف". فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة.

ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا:"أمروها بلا كيف"، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما، بل مجهولا؛ بمنزلة حروف المعجم. وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي الكيفية إذا أثبتت الصفات.

وأيضا فإن من ينفي الصفات

ص: 89

لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر؛ لما قالوا: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف.

وأيضا فقولهم "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظا دالة على معان، فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها؛ مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو يقال أمروا لفظها؛ مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت - لغو من القول.

قال الذهبي بعدما ذكر كلام مالك وربيعة الذي قدمناه: وهذا قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر به في كتابه، وأنه كما يليق به، ولا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما قد وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إليه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وقد تقدم ما رواه الوليد بن مسلم عن مالك بما أغنى عن إعادته.

وقال أبو حاتم الرازي: حدثني ميمون بن يحيى البكري، قال: قال مالك: من قال القرآن مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

ص: 90