الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: منهج أبي عوانة في مستخرجه
عمد أبو عوانة في مصنِّفه إلى أحاديث كتاب "صحيح مسلم" المرفوعة، والموقوفة، فرواها بإسنادها من غير طريق صاحب الكتاب. فزاد فيه أحاديث كثيرة زائدة على"صحيح مسلم"، وفيها الصحيح، والحسن، بل والضعيف أيضًا.
ويقع في "مستخرجه" زيادة في أحاديث، أو تتمة لمحذوف، أو نحو ذلك، فهي تعتبر صحيحة، لكن مع وجود الصفات المشترطة في الصحيح، فيمَن بين صاحب المستخرَج والراوي الذي اجتمعا فيه هو وصاحب الأصل، وقد يقف على أحاديث "صحيح مسلم" من طريق عالٍ لم يكن قد وقف عليه صاحبُ الكتاب.
وقد يُعَيِّن مبهمات، أو مهملات كانت في "صحيح مسلم"، ولكنها جاءت مسماة من طريقه
(1)
وذكر المعلمي في كتابه "التنكيل"
(2)
: (أصحاب المستخرجات يَلتزمون إخراج كل حديث من الكتب التي يستخرجون عليها، فأبو عوانة جعل كتابه مستخرجًا على "صحيح مسلم" ومعنى ذلك أنه التزم أن يخرج بسند نفسه كلَّ حديث أخرجه مسلم، فقد لا يقع له بسند نفسه الحديث إلا من طريق رجل ضعيف، فيتساهل في ذلك؛ لأن أصل الحديث صحيح من غير طريقه، ومع ذلك زاد أبو عوانة أحاديث ضعيفة لم يَحكم هو بصحتها، وإنما سمَّى كتابه صحيحًا، لأنه مخرَّج على الصحيح، ولأن معظمَ أحاديثه صحيحة، فإخراجه لرجل لا يَستلزم توثيقه ولا تصديقه، بل صاحب "الصحيح" نفسه قد يخرِّج في المتابعات والشواهد لمن لا يُوثقه، وهذا أمر معروف عند أهل الفن).
(1)
"فتح المغيث"(1/ 37 - 43).
(2)
"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل "(2/ 159).
ويقول أبو عوانة في "مستخرجه على مسلم"بعد أن ساق طرق مسلم كلها: (من هنا لمخرجه)، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمَن فوق ذلك، وربما قال:(من هنا لم يخرجاه)، ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلمًا، فالسيوطي رحمه الله استقرأ صنيعه في ذلك، فوجده إنما يعني مسلمًا وأبا الفضل أحمد بن سَلمة
(1)
، فإنه كان قرينَ مسلم، وصنَّف مثلَ مسلم.
وربما أسقط المستخرِج أحاديث لم يجد لها سندًا يَرتضيه، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب، وهذا قليل. ولم يلتزم في مُستخرجه بموافقته لـ "صحيح مسلم" في الألفاظ، لأنه إنما يروي الحديث بالألفاظ التي وقعت له عن شيوخه، فحصَل فيها تفاوتٌ قليل في اللفظ وفي المعنى، كما ذكرنا في حُكم المستخرجات.
وقد رتَّبه على كتب الجوامع، بدأه بكتاب الإيمان، وختَمه بكتاب اللباس، ثم قسّم الكتاب الواحد إلى أبواب، وأوردَ في كل باب جملة من الأحاديث والآثار، كما هي عادة الأئمة، بلغ عددها (10780) حديثًا وأثرًا.
(1)
هو أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل، البزاز النيسابوري، أحد الحفّاظ المتقنين. قال الذهبي: له مستخرج كهيئة "صحيح مسلم" تُوفِّيَ سنة (286) هـ.
انظر "تاريخ بغداد"(4/ 186)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 637)، و"شذرات الذهب"(2/ 192) ، و"الرسالة المستطرفة"ص (23).