الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: عمود الشعر والموازنات الأدبية
الفصل الأول: رأي الآمدي في سرقات أبي تمام والبحتري
…
الباب الثالث: عمود الشعر والموازنات الأدبية:
الفصل الأول: الآمدي في سرقات الشاعرين:
أوردنا في الفصل السابق موجزًا من سرقات الشاعرين في نظر الآمدي الناقد. ولنا أن نسأل صاحب الموازنة.
أليست القاعدة في نقد السرقات الأدبية أن الشاعر إذا سرق معنى من آخر فأدَّاه بأبلغ من المسروق منه انفرد الأخير بالفضل. ولم يكن ذلك عيبًا عليه. وكان صاحب الزيادة مثله في الفضل إن لم يكن أفضل منه.
وإذا سلم لنا الآمدي بتلك وهو الواجب عليه. لأنها قاعدة في ذلك الفن. فأي شرف احتجز أبو تمام به وأقام الدليل عليه فيما أوردناه؟ أهو البيت الذي وصفه الآمدي نفسه بأنه أحسن ابتداءات أبو تمام؟
السيف أصدق أنباء من الكتب
…
البيت
لم هو بيت الرثاء: توفيت الآمال بعد محمد
…
البيت؟
أم هو البيت والذي وصفه المدعى بالسرقة لأنه الأحسن وأن الشاعرقد جاء فيه بالزيادة، قد ينعم الله بالبلوى وأن عظمت؟ البيت أم هو الآخر الذي أحسن الطائي في لفظه وأجاد في معناه:
باعتراف الآمدي وفيه يقول الشاعر:
نعود بسط الكف حتى لو أنه
…
دعاه لقبض لم تجبه أنامله
ألم هو البيت الذي لا يجحد فضله إلا مكابر؟ وفيه يقول الطائي:
لا تنكري عطل الكريم من الغني
…
فالسيل حرب للمكان العالي
قد يتوجب الاتصاف علينا أن نقول: إن الآمدي ينظر إلى الشاعرين في مساوتهما ومزاياهما معًا بعين تختلف، وهو بعد ذلك يقول:
"وأذكر طرفًا من سرقات أبي تمام -وإحالاته - وغلطه - وساقط شعره" فإذا ما التفت إلى البحتري هشّ له وقال:
- أما مساوئ البحتري - من غير السرقات فقد دققت واجتهدت أن أظفر له بشيء يكون بإزاء ما أخرجته من مساوئ أبي تمام في سائر الأنواع التي ذكرتها فلم أجد في شعره، لشدة تحرزه وجودة طبعه.
وتهذيب ألفاظه - من ذلك ما أرى إلا أبياتًا يسيرة".
فإذا ما استعرضنا ما أوردناه من سرقات البحتري هذا. وجدنا تعريف السرقة للشاعر. يكاد ينطبق عليه تمامًا وانظر معي:
1-
قال أبو تمام:
وإذا أراد نثر فضيلة
…
طويت أتاح لها لسان حسود
قال البحتري:
ولن تسبين الدهر موضع نعمة
…
إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد
2-
قال أبو تمام:
فكاد بأن يرى للمشرق شرقًا
…
وكاد بأن يرى للغرب غربًا
قال البحتري:
فأكون طورًا مشرقًا للمشرق الأقصى
…
وطورًا مغربًا للمغرب
3-
قال أبو تمام:
وكيف احتمالي للسحاب صيغة
…
بإسقائها قبرًا وفي جوفي البحر
قال البحتري:
ملآن من كرم فليس يضرُّه
…
مرُّ السحاب عليه وهو جهام
4-
قال أبو تمام:
وما خبر برق لاح في غير وقته
…
وواد نجد ملآن قبل أوانه
قال البحتري:
وأعلم بأن الغيب ليس بنافع
…
للناس ما لم يأت في إبانه
وهكذا نجد أن البحتري سرق أبا تمام لفظًا ومعنًى. ثم قصر عنه أسلوبًا وتصويرًا. وكان هو المفضول ولكن الآمدي يرى غير ذلك. ولقد كشف عن هذا التحامل الدكتور خفاجى لائمًا الآمدي بقوله1: "فالآمدي رضي الله عنه لا يترك مؤاخذة أبي تمام على سرقاته في المعاني العابية.
كما فصل مع البحتري. مع أبا تمام في كثير مما أخذ يستبد بشرف المعنى لجودة نظمه، وحسن تأتيه، وارتفاعه بالزيادة على ما أخذه والتأنق في صوغه".
الموازنة بين الشاعرين عند الآمدي:
ينتهي الآمدي في كتابه الموازنة إلى فصل أخير هو الموازنة بين الشاعرين فيقول1: وقد انتهيت الآن إلى الموازنة به وكان الأحسن أن أوزان بين البيتين أو القطعتين إذا اتفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية. ولكن هذا لا يكاد يتفق مع اتفاق المعاني التي إليها المقصد وهي للمرمى والغرض".
ثم يقول: وأنا ابتدئ بإذن الله من ذلك بما افتتحا به القول من ذكر الوقوف على الديار وللآثار ووصف الأمن والأطلال إلى أن يقول: ونحو هذا مما يتصل به من أوصافها ونعوتها وأقدم من ذلك ابتداءات قصائدهم في هذه المعاني إن شاء الله".
1-
الابتاءات بذكر الوقوف على الديار:
قال أبو تمام:
ما في وقوفك ساعة من بأس
…
تقضي حقوق الأربع الأدراس
قال الأمدي "وهذا ابتداء جيد صالح وقوله الأدراس جمع دارس وقليل ما يجمع فاعل على أفعال.
قال البحتري:
ما على من وقوف الوكاب
…
في مغاني الصبا ورسم القصابي
وقال أيضًا:
ذاك وادي الأراك فاحبس قليلًا
…
مقصرًا عن ملامة أو مطيلا
فقال الآمدي: وهذان ابتداءان في غاية الجودة
2-
التسليم على الديار:
قال أبو تمام:
سلم على الربع من سلمى بذي سلم
…
عليه وسم من الأيام والقدم
قال الآمدي: وهذا ابتداء وليس بالجيد، لأنه جاء بالتجنيس في ثلاثة ألفاظ وإنما يحسن إذا كان بلفظتين:
وقال البحتري:
هذي المعاهد من سعاد فلم
…
أسأل وإن وجمت ولم تتكلم
قال الآمدي: وهذا ابتداء جيد.
3-
البكاء على الديار:
قال أبو تمام:
قرى دارهم من الدموع السوافك
…
وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك
قال الآمدي: وهذا ابتداء جيد.
وقال البحتري:
أبكاء في الدار بعد الدار
…
وسلوا عن زينب بنوار
قال الآمدي: وهذا من البحتري وصف في البكاء على الديار حسن. ومعان فيه مختلف عجيبة، كلها جيد نادر، وأبو تمام لزم طريقة واحدة لم يتجاوزها والبحتري في هذا الباب أشعر.
وانتهى الحكم وهو أن البحتري أشعر من أبي تمام في باب افتتاح القصائد ولقد قسم الآمدي هذا الباب إلى فصول وهي:
1-
الوقوف على الديار.
2-
التسليم على الديار.
3 تعفية الديار.
4-
إقواء الديار.
5-
تعفية الرياح للديار.
6-
البكاء على الديار.
7-
سوائل الديار.
8 ما يخلفه الظاعنون في الديار.
9-
فيما تهيجه الديار.
10-
الدعاء للديار بالسقيا.
11-
أوصاف الديار:
وهكذا يستمر الآمدي في موازنته بين الشاعرين على هذا النحو، ولا يتزيد عقب كل بيت منهما إلا بقوله: وهذا ابتداء جيد، أو حسن أو صالح أو غاية في البراعة أو رديء وما شبه ذلك. ونسأل الناقد. هل الموازنة بين البيتين من الشعر هي كل ما فيها أن يكتب الناقد هذه الكلمة أو تلك عقب البيت: جيد أو رديء؟
ثم إن الكاتب تحت عنوان "الموازنة. وليس فيه بابًا إلا هذا فقط وازن فيه الناقد على قدر باعه بين الشاعرين في افتتاح القصائد. والباقي في سرقات أبي تمام وأغلاطه وإحالاته. ومرذول شعره، وساقط كلامه وهكذا، ولكن الدكتور خفاجي يعتذر عنه في ذلك ويقول1: لقد جاء على ذلك تكرار الآراء عند المؤلف ونقده في غضون الصفحات المتباعدة وهو ما عليه أغلب التأليف العربية، فلا داعي للوم الآمدي وحده والنسخ التي بين أيدينا من كتاب الموازنة، والتي طبعت في مصر ناقصة، فليس فيها من الموازنة بين الشاعرين إلا الموازنة في معنى واحد من معنيهما. وهو بكاء الديار وما يتبعه".
وقولنا: ربما كان العذر للآمدي إذا صح القول بأن النسخة ناقصة وقد يكون في الناقص موازنة بين الشاعرين في اتجاهات أخرى الأسلوب، والابتكار والمعاني، والألفاظ والتشبيه وإصابة الأمثال وغير ذلك من احتذاء القدماء في نهج عمود الشعر، وتناول القصيدة العربية، ولذلك قال الدكتور خفاجي في كتابه أصول النقد1.
"ونقد الآمدي لشعر الطائيين ليس نقدًا للروح الشعرية. بما فيها من جوانب "شتى ومن مظاهر متنوعة، وآراء ذهب إليها الشاعر، وشخصية فرضت نفسها على إنتاجه، وحياة تلون هذا الإنتاج بلونها".
قال الآمدي بعد أن أتم محاجة خصمي أبي تمام والبحتري في نحو ست وأربعين صفحة اختتمها على هواه وكما أراد، ووقف بين الشاعرين موقف القاضي العابس، والباش، وموقف المحامي للبحتري والحاجب أيضًا يقول:
وأنا ابتدئ بذكر مساوئ هذين الشاعرين لأختم بذكر محاسنهما وأذكر طرفًا من سرقات أبي تمام وإحالاته وغلطه وساقط شعره. ومساوئ البحتري في آخذه من معاني أبي تمام. إلى أن يقول: وأنا أذكر ما وقع في كتب الناس من سرقاته، "يعني أبا تمام" وما استنبطته أنا منها واستخرجته، فإن ظهرت بعد ذلك منها على شيء ألحقته بها إن شاء الله".
وهذا بعض بعضها$$ مما عدد الأمدي على أبي تمام من السرقات1:
1-
قال الكميت الأكبر:
ولا تكثروا فيه اللجاج فإنه
…
فما السيف ما قال ابن دارة أجمعا
أخذه الطائي فقال:
السيف أصدق أنباء من الكتب
…
في حده الحد بين الجد واللعب
وقال الآمدي في ذلك: وهو أحسن ابتداءات أبي تمام.
2-
قال أبو تمام:
أما الهجاء فدق عرضك دونه
…
والمدح فيك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طابق عرضك
…
إنه عرض عززت به وأنت ذليل
أخذه من قول هشام المعروف بالحلو يهجو بشارا:
بذلة والديك كسبت عزا
…
وباللؤم اجترأت على الجواب
3-
وقال مسلم بن الوليد:
يصيب منك من الآمال طالبها
…
حلمًا وعلمًا ومعروفًا وإسلاما
أخذه أبو تمام فقال وبرز عليه. وإن كان بيت مسلم أجمع للمعنى:
ترمي بأشباحنا إلى ملك
…
تأخذ من ماله ومن أدبه
4-
وقال مسلم بن الوليد يرثي:
سلكت بك الحرب السبيل إلى العلا
…
حتى إذا سبق الردى بك دارو
نفضت بك الآمال إخلاص المنى
…
واسترجعت نزاعها الأمصار
أخذه أبو تمام فقال:
توفيت الآمال بعد محمد
…
فأصبح مشغولًا من السفر السفر
5-
وقال مسلم بن الوليد وهو معنى سبق إليه:
لا يستطيع يزيد من طبيعته
…
عن المروءة والمعروف إحجاما
أخذه الطائي "أبو تمام" المعنى فكشف وأحسن اللفظ وأجاد فقال:
تعود بسط الكف حتى لو أنه
…
معاها لقبض لم تجبه أنامله
6-
قال أبو العتاهية:
كم نعمة لا يستقل بشكرها
…
لله في على المكاره كامنه
أخذه الطائي فقال وأحسن. لأنه جاء بالزيادة التي هي عكس الشيء الأول:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
…
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
5-
وقال حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه:
والمال يغشي رجالًا لا طباع لهم
…
كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
أخذه الطائي فقال:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى
…
فالسيل حرب للمكان العالي
ثم يورد الآمدي فصلًا آخر يعقده لسرقات البحتري من أبي تمام يقرر في بدايته 1.
"أن أقبح مساوئ الرجل أن يقصد ديوان واحد من الشعراء فيأخذ من معانيه كما فعل البحتري مع أبي تمام، ولو كان فقط عشرة أبيات فكيف والذي أخذه منه يزيد على مائة بيت؟ "
وأما غير السرقات من المساوئ عند البحتري، فقد اجتهد الآمدي أن يظفر له بشيء منها مثل أبي تمام فأعيته الحيلة وعبثًا وجد.
وذلك لشدة تحرز البحتري في شعره وجودة طبعه، وتهذيب ألفاظه التهم إلا أبيات لا تذكر، وهذه السرقات للبحتري من الآمدي:
وبعض مما استقصاء أبو الضياء بشر بن تميم. ذلك الرجل الذي بالغ في استقصاء سرقات البحتري، حتى يتجاوز في نظر الآمدي ما ليس بمسروق فعدده وأحصاه عليه.
وإليك بعض من سرقات البحتري لمعاني أبي تمام خاصة:
1-
قال أبو تمام:
وكيف احتمالي للسخاب صنيعه
…
بأسقائها قبرا وفي جوفه البحر
وقال البحتري:
ملآن من كرم فليس يضره
…
مر السحاب عليه وهو جهام
قال أبو تمام:
وإذا أرد الله نشر فضيلة
…
طويت أتاح لها لسان حسود
وقال البحتري:
ولن تستبين الدهر موضع نعمة
…
إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد
2-
قال أبو تمام:
رأيت رجائي فيك وحدك همة
…
ولكنه في سائر الناس مطمع
وقال البحتري:
ثني أملى فاحتازه عن معاشر
…
يبيتون والآمال فيهم مطامع
3-
قال أبو تمام:
فكاد بأن يرى للشرق شرقًا
…
وكاد بأن يرى للغرب غربًا
وقال البحتري:
فأكون طورًا مشرق للمشرق الأقصى
…
وطورًا للمغرب
4-
قال أبو تمام:
وما خير برق لاح في غير وقته
…
وواد نجد ملآن قبل أوانه
وقال البحتري:
وأعلم بأن الغيب ليس بنافع
…
للناس ما لم يأت في إبانه 1