المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه أسعد - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ١

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه أسعد

‌ذكر من اسمه أسعد

[140]

أسعد بن مهذّب بن زكريا بن مماتي، أبو المكارم، الكاتب المصري.

أصله من نصارى لميوط- بليد بصعيد مصر.

وهو من أهل بيت في الكتابة عريق يتوارثونه وكان جدّه أبو المليح مماتي كاتبًا لبدر الجمالي؛ وهو كالمستولي على الديار المصرية، ليس علي يده يد.

وأما والده المهذب [فـ] كان كاتب ديوان الجيش بمصر في آخر أيام المصريين، وأول أيام بني أيوب مدّة. فقصده الكتَّاب، وجعلوا له حديثًا عند الملك /246 ب/ فهمَّ به صلاح الدين يوسف وأسد الدين شيركوه- وهو يومئذ المتولي على الديار المصرية- فخاف المهذب فجمع أولاده، ودخل على السلطان وأسلموا على يده فقبلهم وأحسن إليهم، وزاد في ولاياتهم.

ولما مات المهذب خلفه ابنه أبو المكارم على ديوان الجيش، وتصدّر فيه مدّة طويلة.

ثم أضيف إليه في الأيام الصلاحية والعزيزية ..... ديوان المال- وهو أجل دواوين مصر- وتصدّر فيه. واختصّ بصحبة القاضي الفاضل ونفق عليه، وحظي عنده، وكرم لديه، فأقام بأمره، وأشاع في ذكره ونبّه على فضله. وكان يسمِّيه بلبل المجلس لما يرى من حسن خطابه، وجودة بيانه، وفصاحة منطقه، وكمال بلاغته. وكان متفردًا في عصره، فات النظراء بنظمه ونثره ذا فضل جلي وأدب عليّ، وشعر سويّ، وخاطر في الإنشاء قوي، ..... والفطنة الثاقبة، والدراية الصائبة. وصنّف عدّة تصانيف باسم القاضي الفاضل. ولم يزل كذلك إلى أن ملك الملك العادل

ص: 369

سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب- رضي الله عنه الديار المصرية فكان وزيره والمدبر /247 أ/ لدولته الصفي عبد الله بن علي بن شكر. وكان بينه وبين أبي المكارم ذحلٌ قديم أيام رآسته عليه.

ووقعت من أبي المكارم إهانة في حق ابن شكر فحقد عليه، إلى أن تمكن منه. فلما ورد إلى مصر أحضر أبا المكارم إليه، وأقبل بكليته عليه، وفوّض إليه أمور الدواوين التي كانت باسمه قديمًا، وبقي على ذلك سنة كاملة عمل له المؤامرات، ووضع عليه المحالات، وكثر فيه التأويلات، ولم يلتفت إلى أعذاره فنكبه نكبة قبيحة، ووجه عليه أموالًا كثيرة وطالبه بها، فلم يكن لها وجه؛ لأنه كان عفيفًا ذا مروءة؛ فأحال عليه الأجناد فطالبوه وقصدوه ولزوه، فهرب إلى حلب وأقام إلى أن مات بها ثامن عشر جمادى الأولى سنة ستّ وستمائة ودفن بالمقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق المسلوك إلى دمشق خارج تربة أبي الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الموصلي الخراط.

وكان له نوادر مطبوعة، ونكت مستحسنة، وذلك أنَّ الملك الظاهر سلطان حلب كان قد استخدم السديد محمد بن المنذر على مصالح قناه حلب؛ /247 ب/ فاتفق أن سئل القاضي الأسعد عن السديد بن المنذر ما هو؟ فقال مجاوبًا للسائل: مستخدم على القناة.

أنشدني القاضي أبو الماثر عبد الصمد بن عبد الله بن أحمد المصري بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدني ابن مماتي لنفسه: [من مجزوء الرجز]

لمَّا شكوت صدَّه

وما لقيت من أذى

ورقَّ قاسي قلبه

وحبَّذا وحبَّذا

قال: صفا الوقت ولكنَّ الرَّقيب كالقذى

قلت: إذا غاب ارضني

يا قاتلي، قال: إذا

ص: 370

وقال يصف أترجة كانت بين يدي القاضي الفاضل: [من السريع]

لله بل للحسن أترجَّةٌ

تذِّكر النَّاس بأمر النَّعيم

كأنَّها قد جمعت نفسها

من هيبة الفاضل عبد الرَّحيم

وقال من قصيدة: [من الخفيف]

لا تلم في اصفراره لاحمراره

جلُّ نار القلوب من جلَّناره

وهو خدٌّ يكاد يقتصُّ منه

كلُّ طرف لولا أعتذار عذاره

/248 أ/ مارئي منكرًا مدام رضابٍ

مذ روى طرفه حديث خماره

ليس فيه من راحه لمريدٍ

قبله تطفئ اضطرام اضطراره

غير أنَّ الحياء فيه مضاهٍ

للحيا في انهماله وانهماره

أوجدا الفاضل الَّذي أوجد الجود فمن كفِّه انفجار بحاره

وقال يصف الخليج يوم فتحه بالقاهرة: [من الوافر]

خليجٌ كالحسام له صقال

ولكن فيه للرائي مسرَّه

رأيت بها الملاح تجيد عومًا

كأنَّهم نجومٌ في المجرَّه

وقال في قصيدة عملها السديد أبو القاسم الكاتب "لامية مقيّدة":

[من السريع]

تبكي قوافي الشِّعر لاميَّة

بيَّضتها من حيث سوَّدتها

لمَّا علا وسواس ألفاظها

ظننتها جنَّت فقيَّدتها

وقال أيضًا: [من البسيط]

أحبابنا والَّذي يقضي بألفتنا

يوم الفراق ويخلينا من الفرق

ومازلت أخبط في عشواء مظلمة

من بعدكم وأبيع النَّوم بالأرق

/248 ب/ حتَّى ثويت بنار الشَّوق في حرقً

وصرت أشرق من دمعي على الشَّرق

فمتِّعوني ولو ليلًا بطيفكم

ما دمت أقدر من روحي على رمقي

وقال في غلام خيّاط: [من مجزوء الوافر]

وخيَّاطٍ نظرت إليه مفتونًا بنظراته

أسيل الخدِّ أحمره

بقلبي ما بوجنته

ص: 371

وقد أمسيت ذا سقمٍ

كأنِّي خيط إبرته

واحسد منه ذاك الخيط فاذبرى ريقته

وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]

يأ بدر تمٍّ هيَّجت

شوقي لرؤيته المنازل

وغدت أدلَّته على

ما قلت فيه من الدَّلائل

ظنَّ الشَّمول بريقه

تخفى فاسكر بالشَّمائل

رشا تفقَّه في الخلاف فصار يلقيه مسائل

لا تقبلنَّ من الوشاة

وتقبلن على العواذل

فالعين قد جنَّت ببعدك والدُّموع لها سلاسل

وأنشدني القاضي السعيد أبو محمد الحسن /249 أ/ ابن إبراهيم بن الخشاب- أيده الله تعالى- قال: أنشدني ابن مماتي لنفسه بحضرة السلطان الملك الظاهر بحلب وقد حا [ن سقوط الثلج] فأشار عليه السلطان أن يعمل فيه شيئًا فأنشد بديهة:

[من البسيط]

قد قلت لمَّا رأيت الثَّلج منبسطًا

على البسيطة حتَّى ضلَّ سالكها

ما بيَّض الله وجه الأرض في حلبٍ

إلَّا لأن غياث الدِّين سالكها

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه في المعنى: [من الطويل]

بعزِّ غياث الدِّين غازي بن يوسف بن أيُّوب دام النَّصر واتَّصل الفتح

فشبَّهته في الدَّست والثَّلج حوله

فقلت سليمان بن داود والصَّرح

وله وقد خرج مع العماد أبي حامد الكاتب الأصفهاني إلى ثغري دمياط والإسكندرية، فوصلا إلى ترع وخلجان ومخاضات وغدران، فقال بديهًا:

[من البسيط]

لو أطلق الدَّمع مشتاقٌ ومدَّكرٌ

لمن يحبُّ لأشفينا على الغرق

/249 ب/ لكنَّما هذه الخلجان قتاقه

لأنَّها رشح ما يغضي من الحدق

ص: 372

[141]

أسعد بن عليِّ بن المبارك بن عبد الغفار بن محمدٍ، أبو القاسم الواسطيُّ، المعروف بابن رشادة الواعظ.

ولد بواسط، وبها نشأ، وتوفي فيها في جمادى الآخرة سنة ستّ عشرة وستمائة. وكان فقيهًا شافعيًا فاضلًا حافظًا للقرآن العزيز، لطيف التكلم في المواعظ؛ له فصول وعظية وشعر.

أنشدني ولده أبو المظفر عبد الله، قال: كتب إلى والدي من واسط، وأنا مقيم يومئذ بالجزيرة العمرية لنفسه من صدر كتاب، وأنشدنيها فيما بعد ذلك:[من الكامل]

أحباب قلبي لا الطَّلاقة بعدكم

عندي ولا ذاك السُّرور بباقي

جهَّمت وجهًا كان قبل فراقكم

طلقًا وساءت بعدكم أخلاقي

قسَّمت قلبًا كان غير مقسَّمٍ

وأرقت دمعًا كان غير مراق

فغدت على الإنفاق كلّ ذخيرة

ولأدمعي مددٌ على الإنفاق

/250 أ/ دمعًا لو أنَّ الورق تبكي شجوهًا

يومًا به عطلت من الأطواق

صبرًا على نوب الزَّمان فرُّبما

سمح الزَّمان برجعةٍ وتلاقي

[142]

أسعد بن أحمد بن موسى بن منصور بن عليِّ بن نصرٍ، أبو المحاسن الإربليُّ الخزندار.

كانت ولادته بإربل، وبها توفي في ليلة الخميس سابع المحرّم سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وقد جاوز أربعًا وثمانين سنة.

وكان يتولّى خزانة السلاح بإربل من قبل سلطانها الملك المعظّم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه.

وكان شيخًا فكهًا ظريفًا يستظرف أشعاره ويستعذبها من يسمعها.

ص: 373

أنشدني أبو محمد الحسن بن أفشين بن حسنون الإربلي، قال: أنشدني أبو المحاسن لنفسه من قصيدة ويعرض فيها بنواب مطبخ الملك المعظم مظفر الدين-رضي الله عنه: [من الكامل]

والعدل عثمان المعنَّى لم يزل

في المطبخ المعمور خلف المنزل

عيناه إن رمدت تشمُّ دخانه

تشتمُّ رائحة الطَّبيخ فتنجلي

/250 ب/ ينقضُّ كالشَّاهين إن لاحت له

زبديَّة السِّكباج حتَّى يمتلي

ويقول: لا شلَّت يدا طبَّاخها

هذا النَّعيم فلا عدمنا جوسلي

وأنشدني: قال: أنشدني أبو المحاسن: [من الطويل]

إذا كان شعر المرء في أمِّ رأسه

قليلًا وباقي الرَّأس من شعره قفر

فذاك دليلٌ أنَّه ليس عنده

من الخير شيءٌ بل بساحته شرُّ

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يهجو المنتجب إبراهيم بن أبي نصر. وكان هذا رجلًا من المعدلين بإربل، ويلقب مشكي:[من مخلّع البسيط]

رأيت ثورًا على جوادٍ

ووجهه المكفهرُّ يبكي

فقلت: من ذا، فقيل: هذا

منتجب الدِّين، قلت: مشكي

وله وأنشدني ولده أبو المجد، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الوافر]

إذا ..... لم يغن عنِّي

معالجة الطَّبيب ولا الدَّواء

ولا يغني سوى التَّقوى وحبِّي

بقومٍ شمل ضمِّهم العباء

وأنشدني أيضًا ولده المذكور، قال: /251 أ/ كتب إليّ والدي لنفسه وأنا بالموصل: [من الطويل]

فدتك حياتي والحياة عزيزةٌ

لأنَّك أحلى من حياتي وأعذب

فلا كان يومٌ لا أرى فيه شخصكم

فبعدكم عنِّي من الموت أصعب

قال فأجبته بهذين البيتين: [من البسيط]

إذا ذكرتك كاد الشَّوق يقتلني

وأرَّقتني صباباتٌ وأوجاع

فإن نطقت فكلِّي فيك ألسنةٌ

وإن سكتُّ فكلِّي فيك أسماع

ص: 374

ومما نسب إليه أيضًا من الشعر: [من الطويل]

كتبت بأقلام اشتياقي إليكم

سطور دموعي كزمًا مدادها

وهاجر قلبي بعدكم كلَّ لذَّة

كما هجرت عيني لذيذ رقادها

وجانب جنبي مضجعي فكأنَّما

وسادي محشوٌّ بشوك قتادها

[143]

أسعد بن سعد بن زين العابدين الجرباذقانيُّ، أبو سعدٍ.

كان ذا علم بالعربية والآداب؛ فاضلًا شاعرًا مشهور الذكر ببلده.

أنشدني محمد بن أحمد الجرباذقاني الفقيه، قال: أنشدني أسعد لنفسه:

[من الطويل]

/251 ب/ حنانيك يا صدر ..... ..... نحو لقياك جأشه

فأنحى عليه إذ أثيرت ضبابةٌ

فمن يحترشه اليوم جلَّ احتراشه

[144]

أسعد بن عبد الرحمن بن الخضر بن هبة الله بن عبد الواحد بن حبيشٍ، أبو التمام التنوخيُّ.

أصله من حماة.

وكانت ولادته بدمشق في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة في شوال. وكانت وفاته رابع صفر سنة خمس وثلاثين وستمائة بالمَّزة من نواحي دمشق.

وكان أحد الشهود المعدلين بدمشق، واستوطنها إلى أن توفي بها. وكان يكتب الشروط على باب جامعها، وإمامًا بمسجد واثلة بن الأسقع باب الصغير. وسمع الحديث من أبي الفضل الحدوي، وحدّث عنه وعن غيره.

ص: 375

وكان ينظم شعرًا حسنًا رائقًا؛ ولي منه إجازة بجميع رواياته ومقولاته من النظم والنثر؛ وله أدب وفضل.

ومن شعره: [من الخفيف]

خلِّ لومي يا لائمي في البكاء

كلُّ داءٍ رأيته دون دائي

/252 أ/ نح معي ساعةً مع الرَّبع إنَّ الرَّبع أقوى من سادتي الكرماء

هول يوم الفراق فرَّق قلبي

فرقًا من شماتة الأعداء

لهذ نفسي على الَّذين تولُّوا

إذ تولَّوا بفطنتي وذكائي

فغرامي من بعدهم لي غريمٌ

ليس ينفكُّ والسَّقام ردائي

خيَّموا يوم بينهم في فؤادي

وأقاموا في منزل البعداء

ليس آسي على الحياة لأنِّي

بعدهم في مراتب الشُّهداء

ومما أنشدني لنفسه: [من السريع]

فعل الفتى يخبر عن أصله

فاختبر الإنسأن من فعله

ولا تعاتبه على زلَّةٍ

واحمله إن شئت على جهله

واصبر إذا الخلُّ جفا لا تقل:

كم يصبر الخلُّ على خلِّه

وأدرج الأيَّام حتى إذا

ما سأل الدَّهر به خلِّه

إن لم تكن أصلًا بليغ الأذى

عنك وإلَّا كنت من أهله

وأنشدني الأمير أبو حفص عمر بن أسعد بن عمار، قال: حدّثني أبو التمام بدمشق في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وستمائة /252 ب/ قال: جاءني من سألني أن أعمل له على وزن قول الشاعر:

إن يكن حبلك من حبلي وهى

فإلى شوقي إليك المنتهى

قال: فقلت بديهًا: [من الرمل]

وإلى رؤياك طرفي طامحٌ

وإلى غيرك يومًا ماسها

كم أسلِّي النَّفس يا متلفها

وهي لا تزداد إلَّا ولها

ص: 376

ولزوم الصَّبر يا منيتها

وغرامي بك للصَّبر .....

قال لي العاذل: ماذا تشتهي

قلت: هل غير حبيبي يشتهي

يخجل البدر إذا عاينه

وتغار الشَّمس ..... .....

إنتهى وجدي به عن صدِّه

وتناهى بي وعنه ما انتهى

وأخبرني أيضًا، قال: أتاني من سألني وأنا بالجامع أن أضع على وزن بيتي عمر بن الشحنة وهما:

نعم عند الكثيب الفرد والبان وواديه

غزال ثمل اللَّحظ من الشَّوق بناديه

قال: فقلت بديهة: [من مجزوء الهزج]

/253 أ/ وأبكيه إلى أن ضحك الرُّوض بواديه

غزالٌ عزَّ لقيأه

ومن لي بتلافيه

ووجهٌ سجد البدر له سبحان باديه

أراني الورد من خدَّيه

والصَّهباء من فيه

فلو عاينه العاذل ما عنَّفني فيه

تعالى الله ما أحلى

تلافي في تلافيه

وأنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن حمدان العروضي الموصلي، قال: أنشدني أبو التمام لنفسه ما خلا البيت الأول: [من مخلّع البسيط]

(إن قدَّر الله بالتَّلاقي

وكفَّ عنَّا يد الفراق)

وعاد عود الوصال غضًّا

بعودة الأهل والرِّفاق

شكوت ما في الفؤاد منكم

لتعلموا بعض ما ألاقي

فما لذا البعاد شافٍ

ولا للسع الغرام راقي

يا سادةً حين فارقوني

طلَّقت أنسي كلَّ الطَّلاق

صبري من بعدكم تولَّى

عنِّي وجيش الغرام باقي

/253 ب/ فالجسم في جلَّق مقيمٌ

والقلب في حيِّز العراق

وإن تصبَّرت قال وجدي

صبرك هذا من النِّفاق

ص: 377

يا لهف نفسي على زمان

بهم تولَّى عذب المذاق

أمرض بعد المزار عنكم

قلبي وأضناني اشتياقي

وصرت في أمركم رهينًا

فخلِّصوني من الوثاق

وعلِّلوني منكم بقربٍ

قد بلغت روحي التَّراقي

وقال أيضًا: [من الكامل]

أترى الأحبَّة عاقهم مرض

أم هل لهم في غيرنا غرض

وعدوا الزِّيارة مغرمًا بهم

لكن حديث الزُّور ينتقض

إن أعرضوا فهم أحبَّتنا

أو أعرضوا ما منهم عوض

هب أنَّهم غدروا بلا سببٍ

من ذا على الأحباب يعترض

يا لائمي في حبِّهم سفهًا

هم جوهرٌ وسواهم عرض

قد خانني الصَّبر الجميل فهل

من مقرضي صبرًا فأقترض

[145]

أسعد بن نصرٍ، أبو غانمٍ الأبزريُّ.

/254 أ/ كان من بلد بفارس يعرف بأبزر.

وكان فقيهًا جدلًا مناظرًا أصوليًا، درس علم الخلاف وأتقن طرفًا من الحكمة، ونظر في فن الأدب، وإنشاء الرسائل، وصنّف التصانيف مع قوله للشعر.

وكان يميل إلى الأدباء والفقهاء، ويحبّ المناظرة؛ فلما رآه صاحب فارس ماهرًا في العلوم، متبحرًا في فنونها عرض عليه وزارته، فأبى عنها. وكان يعمل عمل الوزارة إلَّا أنه لم يكن يليها. وكان إليه الأمر والنهي والحكم ببلاد فارس أجمع. وكان يلقب عميد الملك. وبقي إلى سنة إثنتين وعشرين وستمائة ثم قتله صاحب فارس.

ومن شعره يقول: [من الكامل]

من للمحبِّ براجل أو فارس

ينبئه حالًا عن أحبَّة فارس

ينبيه عن غزلانها رأد الضُّحى

يصر عن لحظًا كلَّ ليثٍ فارس

ص: 378

مفتون نيرنجات أسود ساحرٍ

وقتيل نارنجات غصن فارسي

ومباسم لو ذاقها دنف الهوى

حسد الزمان على نعيمٍ يابس

وقال أيضًا: [من الطويل]

/254 ب/ بنفسي فؤادٌ يزدهيه غرام

ولا سيَّما إن حلَّ منه مرام

مرامي مرامي والسِّماكان دونها

إذا حلَّ شكلي خطوه فتمام

فخطوي لقومٍ آخرين مراحلٌ

وساعي أيَّامٌ ويومي عام

وما أدَّعي في الفضل فهو مسلَّمٌ

وما يدَّعي غيري ففيه كلام

ألام على حبِّ الكمال وحبَّذا

ملامٌ على حبِّ الكمال يلام

[146]

أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن رجب بن هبّان بن سوار بن عبد الله بن ربيع بن ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو المعالي السُّلميُّ السِّنجاريُّ:

القاضي الفقيه الشافعيُّ.

ص: 379

تفقه ببغداد على أبي القاسم بن فضلان، والمجير أبي القاسم البغداديين، وبالموصل على القاضي تاج الإسلام أبي عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الجهني؛ ثم على الشيخ /255 أ/ القاضي أبي سعد بن أبي عصرون بالشام، والقاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي.

وتميّز في الفقه، وتكلم في المسائل الخلافية، وسمع الحديث على القاضي أبي الفرج عبد القاهر بن نصر بن أسد بن غياث بن عبسون؛ إلَّا أنه غلب عليه قول الشعر، واشتهر به.

وولي القضاء بدنيسر سنين وبغيرها من البلاد. وكان شاعرًا من الشعراء المكثرين الفضلاء المتأدبين؛ طاف بلاد الشام، وامتدح ملوكها، وانتجع سلاطينها. وممن سار شعره واشتهر بين الناس أمره، وغنى به المغنون، ولطف موقعه في القلوب، وتداوله الناس بينهم.

وكان- مع ذلك- فقيهًا شافعي المذهب شيخًا مفاكهًا ظريفًا متنادرًا. وبلغ من العمر تسعين سنة، بل نيّف عليه.

واستوزره صاحب حماة وميّزه على نظرائه. وكان ينفذه إلى البلاد رسولًا.

أدركت أواخر أيامه ولم أرزق لقاءه، وروى لي عنه جماعة؛ وخبرت أنه توفي بسنجار في أوائل المحرم سنة أربع وعشرين وستمائة. وكان مولده في حادي عشر جمادي الأولى /255 ب/ من سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.

[ساق ذكره الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي في تاريخه ..... قال: الفقيه الفاضل الشاعر ذو الألفاظ المتناسقة، والمعاني الرائقة، المفرغة في قوالب الإحسان صورها، المتلون بكل لسان آياتها وسورها، له أخلاق للصبا لطفها، ومحاسن لعطارد ظرفها. قال: وقرأ عليه أخي أبو المعز المظفر بن أحمد المستوفي شيئًا من شعره وكتبه له بخطه، وكنت أحب أن أجتمع به وآخذ عنه شيئًا من شعره حتى أتاح الله لقاءه رسولًا من حماة من الملك المنصور، وكان له عنده منزلة، فأنشدني من

ص: 380

أشعاره قطعًا عدّة رويتها عنه. ثم قدم في صفر سنة أربع وستمائة ..... ].

حدّثني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- رحمه الله قال: قدم علينا أبو المعالي أسعد بن يحيى السنجاري إربل غير مرّة، وقدم أخرى في صفر سنة أربع وستمائة، وقد ساءت حاله، وكان ورد قبلها من حماة وهو حسن الحال كثير التجمل.

ثم قال: وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من الكامل]

وهواك ما خطر السُّلوُّ بباله

ولأنت أعلم في الغرام بحاله

ومتى وشى واشٍ إليك بأنَّه

سالٍ هواك فذاك من عذَّاله

أو ليس للكلف المعنَّى شاهدٌ

من حاله يغنيك عن تسآله؟

جدَّدت ثوب سقامه وهتكت سرَّ غرامه وصرمت حبل وصاله

أفزلَّةٌ سبقت له أم خلَّةٌ

مألوفة من تيهه ودلاله

يا للعجائب من أسير دأبه

يفدي الطَّليق بنفسه وبماله

بأبي وأمِّي نابلٌ بلحاظه

لا يتَّقي بالدِّرع حدَّ نباله

ريَّان من ماء الشَّبيبة والصِّبا

شرقت معاطفه بطيب زلاله

كتب العذار على صحيفة خدِّه

نونًا وأعجمها بنقطة خاله

تسري النَّواظر في مراكب حسنه

فتكاد تغرق في بحار جماله

/256 أ/ فكفاه عين كماله في نفسه

وكفى كمال الدِّين عين كماله

وأنشدني الأمير ركن الدين أبو الثناء أحمد بن قرطايا المظفري الإربليّ، قال: أنشدني أبو المعالي أسعد بن يحيى السنجاريّ لنفسه، وعمل هذه الأبيات لمن سأله إياها بالموصل في غلام مليح الصورة اسمه سنجر بباب سلّة مصعب سنة ستّ وستين وخمسمائة:[من الكامل]

لام العواذل في هواك فأكثروا

هيهات ميعاد السُّلوِّ المحشر

جهلوا مكانك في القلوب فطوَّلوا

لو أنَّهم وجدوا لوجدي قصَّروا

ص: 381

صبرًا على عذب الهوى وعذابه

فأخو الهوى أبدًا يلام ويعذر

لولا التَّفاوت في المحبَّة لم تبت

تلتذُّ طيب كرى الجفون وأسهر

بأبي الَّذي حجبت محاسن وجهه

أشياء فيها ناظري متحيِّر

يا للعجاب بباب سلَّة مصعب

ظبيٌ ومن أسراه ليثٌ مخدر

متناسب الأوصاف خدٌّ أحمرٌ

ضرجٌ بحمرته وشعرٌ أشقر

يبدو بقدٍّ كالقضيب أماله

سكر الصِّبا لله ذاك المنظر!

ويميس كالغصن الرَّطيب يكاد من

أعطافه ماء الشَّبيبة يقطر

/256 ب/ يا راشقًا غرض القلوب بلحظه

رفقًا فقتل النَّفس أمرٌ منكر

ما إن عطفت برمح قدِّك طاعنًا

إلّا وأنت بمن أردت مظفَّر

أصبحت سلطان القلوب ملاحةً

وجمال وجهك في البريَّة عسكر

طلعت طلائع عارضيك مغيرةً

بالنَّصر يقدمها لواءٌ أخضر

وتسرَّبت سرب القلوب وأقبلت

تبغي الأمان ومثل جيشك ينصر

فلأنت أعلى رتبةً من سنجرٍ

أبدًا يدين لك الورى يا سنجر

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه من قصيدة أولها: [من السريع]

عذاب قلبي فيكم يعذب

والموت في حبِّكم طيِّب

كدَّرتم صفو حياتي وقد

لذَّ لقلبي ذلك المشرب

أحبابنا ما كان ظنِّي بكم

هذا ولا كنت له أحسب

ما لي منكم سادتي مهربٌ

إلَّا إليكم المهرب

ولا لقلبي عنكم مذهب

كيف وعشقي مذهبٌ مذهب

لا نلت آمالي من وصلكم

إن كنت في غيركم أرغب

سلبتم عيني لذيذ الكرى

وكلُّ من يهواكم يسلب

/257 أ/ كأنَّما قد ذبح النّوم في

عيني فأجفاني دمًا تسكب

يا بدر تمٍّ برجه خاطري

مشرقه ليس له مغرب

ما الخمر إلَّا ريقك المشتهى

والدُّرُّ إلَّا ثغرك الأشنب

يسكرني حين أرى شخصه

كأنَّني في ناظري أشرب

وتلعب الرِّيح بأصداغه

وصولجان الصُّدغ بي يلعب

ص: 382

قلت لمن يلعب في سلوتي

بعذله أنت إذًا أشعب

قال: تبدَّى الشَّعر في خدِّه

قلت له هذا الَّذي أطلب

لا تحسبوه شعرًا إنَّما

ذا قلتم الحسن به يكتب

هبَّت نسيمات الصَّبا سحرةً

ففاح منها العنبر الأشهب

فقلت إذ مرَّت بوادي الغضا

من أين هذا النَّفس الطَّيِّب

هل خطر الظَّاهر يومًا به

عطَّره من نشره الموكب

أم ذاك من طيب ثنا نشره

طيب الثَّنا من طيبه أطيب

وأنشدني أيضًا الأمير أبو الثناء أحمد والشيخ أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الفقيه الشافعي- أيدهما الله تعالى- /257 ب/ قالا: أنشدنا أبو المعالي لنفسه: [من البسيط]

من منصفي من ملول لجَّ في الغضب

يظلُّ يلعب والأشواق تلعب بي

تناسب الحسن فيه غير مكتسبٍ

والحسن ما كان طبعًا غير مكتسب

مستعربٌ من بني الأتراك ما تركت

أيَّام جفوته في العيش من أرب

مناني من لذَّة الدُّنيا بأجمعها

تقبيل دُّرِّيِّ ذاك المبسم الشَّنب

فديته من حبيبٍ قال مبتسمًا

دعني من الهزل ما أجني من اللَّعب

لله ليلتنا والشمس دائرةٌ

على النَّدامى ووجه البدر لم يغب

طافت لحيني كفُّ الأعجميِّ بها

فكدت أسلب من عقلي ومن أدبي

بكرٌ إذا قرعت بالماء ولَّدها

بكر السُّرور فيا فخر ابنة العنب

كادت تطير وقد طرنا بها طربًا

لولا الشِّباك التي صيغت من الجبب

تخالها بيد السَّاقي وقد مزجت

منثور درٍّ طفا في مائع الذَّهب

أدارها فتغشَّته أشعَّتها

فخلته غاص في بحرٍ من اللَّهب

فقلت: يا قوم هذي النَّار تحملها

كفٌّ من الماء هذا غاية العجب

وأنشدني أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسين الرازي، قال: أنشدني أسعد بن يحيى لنفسه: [من الكامل]

ص: 383

/258 أ/ أعلمت ما صنع الغرام بقلبه

أودى به لمَّا ألبَّ بلبِّه

بأبي الَّذي لا يستطيع لعجبه

ردَّ السَّلام فإن سلكت فعج به

لبَّاه لمَّا أن دعأه وهكذا

من يدعه داعي الغرام يلبِّه

متتائهٌ بالحسن مغرورٌ به

لا يرعوي عند العتاب لعتبه

إن كنت تنكر ما جناه بلحظه

من سلبه يؤم الغوير فسل به

أو شئت أن تلقى غزالًا أعفرًا

في سربه أسد العرين فسر به

ظبيٌ من الأتراك ما تركت ظبا

ألحاظه من سلوة لمحبِّه

يا ما أميلحه وأعذب ريقه

وأعزهَّ وأذلَّني في حبِّه

[الشَّمس تبدو من أسرَّة وجهه

والغصن يخجل من مهفهف رطبه

كم من خمار دون خمرة ريقه

وعذاب قلبٍ دون رشفة عذبه

يا للرجال أظلُّ أطلب قربه

عجبا وأصل بليَّتي من قربه]

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي الحنفي- أدام الله أيامه- بمحروسة حلب بمنزله المعمور في العشر الأول من ربيع الآخر سنة اربع وثلاثين وستمائة- من لفظه- قال: حدّثني أبو المعالي أسعد بن يحيى بن موسى السنجاري الشاعر، قال: كان صاحب آمد يهوى قينة، فقال لها يومًا وهو سكران، فعلقت يدها في طوقه وقالت متمثلة:

/258 ب/ (لتقرعنَّ عليَّ السِّنَّ من ندمٍ

إذا تذكَّرت يومًا بعض أخلاقي)

فوقع ذلك في قلبه، فدخلت عليه فأخبرني بالقصة، فقلت: ارتجالًا وضمّن البيت: [من البسيط]

أدر كؤوسك عنِّي أيُّها السَّاقي

وأرفق عليَّ فهذا وقت إرفاقي

أما ترى سورة الصَّهباء قد سلبت

عقلي وقد أسكرتني خمر أشواقي

نار الغرام وماء الدَّمع قد جمعا

فاعجب له بين إعراقٍ وإغراق

لم يبق منِّي هوى ليلى سوى رمقٍ

وفي الزُّجاجة باق يطلب الباقي

قالت وقد قلت في سكر أمازحها:

سلوت عنك فمدَّتني بإطراق

ص: 384

(لتقرعنَّ عليَّ السِّن من ندمٍ

إذا تذكارت يومًا بعض أخلاقي)

وعدت معتذرًا ممَّا جنيت وقد

قامت وقد قامت الدُّنيا على ساق

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف]

كلَّ يومٍ يلوح لي منك معنى

وأنا العاشق الكئيب المعنَّى

وسقامي يزيد في كلِّ وقتٍ

أنا أفني وحبُّكم ليس يفنى

يا غزالًا ما بين نجد وسلعٍ

لك بين الضُّلوع ربعٌ ومغنى

كنت لا تستطيع عنَّا اصطبارًا

ليت شعري بمن تشاغلت عنَّا

/259 أ/ ما رأينا من قبل قدِّك إن تأ

..... الورد باللَّواحظ يجنى

غنّى لي سائحًا على مهره يومًا فناديته فعن فعنّا

ورماني عن قوس حاجبه سهمًا فناديته بوسنان وسنا

فتأمَّلته وقلت لصحبي

ما عليه لو أمَّ في اللَّيل وهنا

ثمَّ قالوا بأسرهم وهو معنى

أنَّ هذا في حسنه ألف معنى

قد أصبنا به فقلت لهم: تالله بل كلُّنا به قد أصبنا

لي حبيبٌ كالبدر وجهًا

وكالغصن قوامًا إذا بدا وتثنَّى

ومتى ما شكوت ما بي إليه

من جوى حبِّه جنى وتجنَّى

لهف نفسي على زمانٍ تقضَّى

بأهيل الأثيل كانوا وكنَّا

فرَّق الدَّهر شملنا فافترقنا

واشتفى الحاسدون منهم ومنَّا

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح الأمير مجاهد الدين قايماز- رضي الله عنه: [من السريع]

يا عاذلي في الحبِّ كن عاذري

أما لهذا العذل من آخر

عمرك لولا شقوتي لم أقل:

ويلاه من ظبي بني عامر

مغفلٌ عمَّا ألاقي به

وراقدٌ عن سهر السَّاهر

/259 ب/ ما كنت لولا سحر أجفانه

أصدِّق القول على السَّاحر

نشوان من خمر الصِّبا قدُّه

أهيف مثل الغصن النَّاضر

تجول قرطاه على سالفٍ

مثل صقال المرهف الباتر

يا قلب تبًّا لك من صاحبٍ

كلُّ البلا منك ومن ناظري

ص: 385

لله أيامي على لعلعٍ

وطيب أوقاتي على حاجر

يكاد للسرعة في مرِّها

أوَّلها يعتزُّ بالآخر

أحبابنا عودوا فقد عادني

عيد الضَّنا من زجره الزَّاجر

أهكذا كلُّ الورى غادرٌ

واحربا من صحبة الغادر

والله ما كان انقطاعي قلى

ولا جرى يومًا على خاطري

وإنَّما الأقدار تأتي بما

لا أشتهي والحكم للقادر

كسرتم قلبي بهجرانكم

وجابري بحر النَّدى الزَّاخر

مجاهد الدِّين ومن لم يزل

مذ كان للوارد والصَّادر

وله: [من البسيط]

سائل برامة أهل الحيِّ مذ بانوا

وأين هم بعد ذاك الجزع سكان

وإن عطفت على وادي الأراك فقل

بان الغضا فعسى أن يعطف البان

/260 أ/ كم قد بكيت فما حنُّوا ولا عطفوا

وكم شكوت فما رقُّوا ولا لانوا

كيف استقلَّ ركاب الرّكب يوم غدوا

وهل على العهد من ..... أم خانوا

وقل لأهل الكثيب الفرد عادلنا

وللشُّؤون وقد حمَّ النَّوى شأن

وله: [من الوافر]

وخلٍّ لامني لمَّا رآني

أسوِّد لون شيبي بالخضاب

فقلت له جهلت مكان قصدي

وذا حزنٌ على فقد الشَّباب

وأنشدني الخطيب أبو النجاء سالم بن عمر بن سالم الموصلي، قال: أنشدني أسعد بن يحيى لنفسه: [من مجزوء الكامل]

ومن العجائب أنِّني في لجِّ بحر الجود راكب

وأموت من ظمأٍ ولكن عادة البحر العجائب

وحدّثني الصاحب أبو البركات المستوفي- رحمه الله قال: حدّثني أبو

ص: 386

المظفر بن سنينيرة الشاعر الواسطي، قال: كنت أنا وأبو المعلى أبعد بن يحيى السنجاري سائرين في طريق سنجار، وكان معه مملوك حسن الصورة بديع في جماله، /260 ب/ فتقدمنا فناداه فلم يجبه، فأنشد بديهة:[من الطويل]

بنفسي حبيبٌ جار وهو مجاورٌ

بعيدٌ عن المشتاق وهو قريب

يجيب صدى الوادي إذا ما دعوته

على أنَّه صخرٌ وليس يجيب

وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين- رضي الله عنه: [من السريع]

ما أومض البارق من نجد

إلَّا واذكى لوعة الوجد

ولا جرت ريح نسيم الصَّبا

إلَّا جرى دمعي عى خدِّي

اشتاق أنفاس نسيم الصَّبا

إذ تتهادى عذب الرَّند

وأشتكي البين إلى بانةٍ

وقلَّما أجدى ولا يجدي

يا لأصيحابي على لعلعٍ

هل عندكم للبين ما عندي

قالوا أتشتاق ليالي الحمى

قلت: لقرب العهد بالعهد

ليس الحمى إلَّا بأهل الحمى

طيب زمان الورد بالورد

يا واحدًا شام بريقًا على

الشَّام غدا يحدو على الوخد

حيِّ أثيلات بوادي النَّقا

وقف بأعلى العلم الفرد

وقل له حيِّيت من هاجرٍ

يحبُّه قلبي على الصَّدَّ

/261 أ/ يمزج لي صابًا بشهد وما

أحبُّ مزج الصَّاب بالشَّهد

بسهمه أثبت قلبي وما

أثَّر خرق السَّهم في جلدي

أبعدني عنه زماني وما

أعلم ما أحدثه بعدي

فعدِّ عن نجد وسكَّانها

إلى نمير البارد العدِّ

وذِّكر النَّاقة سعدانها

وقل لها: يا نأقتي جدِّي

قال: لقد بالغت في زجرها

قالت: لقد جزت عن الحدِّ

أمطلع الشَّمس بنا تبتغي

فقلت: لا بل مطلع الحمد

الملك النَّاصر من وجهه

كالقمر الزَّاهر للرِّفد

ص: 387

سلطان أرض الله من ماله

مقسَّم للحرِّ والعبد

يا ملك الدُّنيا ويا أوحد الوجود يا واسطة العقد

عدلت في العالم حتَّى لقد

رعيت سرح الشَّاء بالأسد

سر واملك الأرض فإنَّ السُّرى

تبلغ فيه منتهى القصد

فالشَّمس لولا سيرها دائمًا

ما طلعت في شرف السَّعد

يا من إذا أوعد يومًا عفا

ومن نداه سابق الوعد

لا ترض دون السّدِّ قصدًا فما

مثلك من يرضى سوى السّدِّ

[147]

/261 ب/ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليٍّ، أبو المجد النَّشّابيُّ، الكاتب الإربليُّ.

كان مولده بمدينة إربل في صفر اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكانت صنعته في ابتداء عمره عمل النشاب فلذلك لا يعرف إلَّا بها.

فارق إربل وخرج إلى البلاد الشامية، وغاب عنها مدَّة، ثم عاد إلى إربل فقلّده الملك المعظّم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه كتابة الإنشاء بديوانه، وصار الراتق والفاتق عنده ذا أمرٍ ونهي كبير المنزلة بسيط الجاه، نافذ القول. ولم يزل كذلك في أمره ونفسه حتى قبض عليه الملك المعظم مظفر الدين في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وستمائة وسجنه بقلعة كرخين لشيء أبلغ عنه؛ فلما أخذت إربل العساكر المستنصرية أفرج عنه، وذلك سنة ثلاثين وستمائة.

رحل إلى مدينة السلام فتولى بها عملًا جليلًا وكان شاعرًا بذيء اللسان مقدامًا /262 أ/ على الهجو والسب، ذا أهاج سخيفة، وذم فاحش، كثير التعرض بأرباب الدولة وأصحاب المناصب؛ قلّ أن سلم احد من رؤساء إربل وأماثلها من لسانه؛ لأنه

ص: 388

سلك طريقة أبي الحسن علي بن بسّام في هجاء الأشراف والأكابر وتمزيق أعراضهم. وأشعاره لاذعة في الهجاء، ونثره دون شعره، واتصلت مدائحه بالديوان العالي المستنصري- مجده الله تعالى- فصارت له كل عام وظيفة تدرّ عليه، ورسم لا ينقطع.

لقيت أبا المجد النشابي بإربل سنة خمس وعشرين وستمائة، فأنشدني كثيرًا من أشعاره؛ ومما أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- أدام الله أيامه- ويشير إلى ذكر الخلفاء الراشدين- صلوات الله عليهم- من عهد السفاح إلى الدولة المستنصرية- ثبتها الله وأيدها:[من الكامل]

الجدُّ يرتع في المقام الأفخر

والعزُّ يربع في الجنا الأخضر

والدَّهر من بعد القطوب بدا لنا

يزهو كوجه الضَّاحك المستبشر

وتجلَّت الدُّنيا على أبنائها

تدعو بحيَّ على الفلاح الأكبر

/262 ب/ وغدا بها الإسلام يحمل رايةً

سوداء راية منذر ومبشِّر

والدِّين لاح له دليل النَّصر من

سيف الإمام القائم المستنصر

أعلى الأئمَّة من سلالة هاشمٍ

قدرًا وأشرف محتدًا من عنصر

ورث الخلافة طاهرًا عن طاهرٍ

إرثًا تنزَّه عن مقالة مفتري

ولحقِّه إرث اللِّواء وبرده

وحسامه وقضيبه والمنبر

فإذا أردنا ذكر بعض صفاته

يومًا قرأنا سورة المدَّثر

وإذا رأى الرَّاؤون نور جلاله

لم يلق غير مهلِّل ومكبِّر

أعطى إلى أن قالت الدُّنيا قدٍ

وحبا إلى أن قال سائله: اقصر

فنداه في الدُّنيا بأرزاق الورى

جمعًا وفي الأخرى بنهر الكوثر

جمعت مكارمه الشّراف جميع أوصاف الخلائف مفخرًا عن مفخر

فبكلِّ وصف منه نعت خليفةٍ

كالفعل شقَّ بيانه عن مصدر

فنواله السَّفَّاح والمنصور فالمنصور سيِّدنا الإمام الأنور

مهديُّ هذا العصر والهادي إلى الأمر الرَّشيد بنور هديٍ مبصر

وأمين أمَّة أحمد وإمامها

حقًّا ومأمونٌ لها في المحشر

طوبى لمعتصم به من واثق

من فضله بأواصرٍ لم تخفر

/263 أ/ كم مدقعٍ أضحى على إنعامه

متوكِّلًا أمسى بمالٍ مكثر

ص: 389

لم يرض منتصرٌ ببعض عبيده

إن شبَّهوه بتبَّع في حمير

ما بات غير المستعين بعزَّة

في جنَّة من جوده أوعبقري

لو شاء معتزٌّ به أن يملك الدُّنيا رآها خاتمًا في خنصر

نصب السِّراط المستقيم لمهتدٍ

وأفاض نائله العميم لمعسر

ولكلِّ معتمدٍ ندًى لم يقتر

ولكلِّ معتضد يدٌ لم تقهر

والمكتفي بعزيمة من بأسه

يطأ البلاد بكلِّ ليث مخدر

مازال مقتدر المرام وقاهر الأعداء بالجدِّ السعيد الأظهر

فالله راضٍ بالَّذي يرضى به

إن قال خلقٌ غير هذا يكفر

ترضاه تقوى المُتَّقي ولكل مستكف بنائله كنوز الأبحر

فاز المطيع له فطائع أمره

يومًا متى أصفى السَّريرة يؤجر

ملك البلاد فكان أقدر قادرٍ

ولحكمة قد دان كلُّ مقدّر

ما شأنه إذ كان قائم هديه

متقدِّمًا في عصره المتأخِّر

فالمجتدى من جوده المتوفِّر

كالمقتدي بعلائه المستظهر

وإذا استقلَّ بقوَّةٍ مسترشدٌ

وجد الهداية مثل لمحة منظر

/263 ب/ هو راشد للمقتفي ومساعدٌ

للمعتفي ومعاندٌ للمجتري

هذا الَّذي أضحى الزَّمان بعزمه

مستنجدًا في الحادث المستنكر

وإذا ادلهمَّ الخطب كان مساره

للمستضيء ضياء صبح مقمر

لله سيفٌ منه ناصر دينه

وبغيره دين الهدى لم ينصر

فاليوم برهان النُّبوُّة ظاهر

بخلافة المستنصر المستنصر

جدٌّ تقاعست النُّجوم لعزِّه

لو بيع كيوانٌ لكان المشتري

أو عاين المرِّيخ حمرة بأسه

جعلته هنَّته بلون أصفر

قد بان سر الله فيه وقد دنا

أمد المنى ظفرًا بعزم مظفَّر

ويد المعجزة أدلة نصره

في قهر كلِّ مخالفٍ متجبِّر

قهر العداة ولا انتضى عضبًا ولا

فتقت له ريح الجلاد بعنبر

ومنها:

ص: 390

ضلَّ الخوارزمي من بلواه في

صمِّي صمام وذلة المتجبِّر

وكفى جميع الأولياء قتاله

وارتاح كلُّ مطهَّمٍ ومضمَّر

سبيت حلائله وأضحى ملكه

هملًا ونبت مناه لم يتأزَّر

وتشرَّذمت أنصاره وتمزَّقت

أعوانه في كلِّ برٍّ مقفر

/264 أ/ جدٌّ له عقد الملائك رايةً

بالنَّصر دائمةً دوام الأعصر

وأنشدني لنفسه يمدح الملك المنصور أبا سعيد زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر-رحمه الله تعالى-: [من الخفيف]

يا لقومي قد جئتكم مستجيرا

لا أرى منكم وليًّا نصيرا

أنا ما بين عاذل ورقيبٍ

منهما خلت منكرًا ونكيرا

بأبي شادنٌ تبدَّى فأبدى

من محيَّاه بهجةً وسرورا

وعذارٌ في ذلك الخدِّ أبدى

منهما الحسن جنَّةً وحريرا

وثنايا كأنَّها من لجينٍ

قدَّروها في ثغره تقديرا

لا رعى الله يوم زمُّوا المطايا

إنَّه كان شرُّه مستطيرا

أودعوا حين ودَّعوا الصَّبَّ وجدًا

ونأوا والقلوب تصلى سعيرا

وأسالوا الدُّموع من نرجسٍ غضٍّ على الخدِّ لؤلؤًا منثورا

فغدا الصَّبُّ يرتضي الحبَّ دينًا

ويرى ناظر السُّلوِّ حسيرا

وهدي قلبه السَّبيل فإمَّا

صابرًا شاكرًا وإمَّا كفورا

ملكٌ أشرقت به ظلم الدَّهر فأضحى لنا سراجًا منيرا

/264 ب/ صمَّ سمعي عن الملام كما صرت بمدحي زنكي سميعًا بصيرا

وأرانا نواله وسطاه

فرأينا منه بشيرًا نذيرا

أنا ساعٍ داعٍ له بدوام الملك ما زال سعيه مشكورا

كم سقى سيفه شرابًا حميمًا

وسقى سيبه شرابًا طهورا

سرِّح الطَّرف في ذراه ترى ثمَّ نعيمًا به وملكًا كبيرا

ص: 391

لم ير النَّازلون في ظلمة المعمور شمسًا يومًا ولا زمهريرا

ويبيح الطَّعام والمال كم عمَّ يتيمًا بزاده وأسيرا

قسم الدَّهر بين بأسٍ وبذلٍ

فدعوناه سيِّدًا وحصورا

إذ توفَّى العفاة منه أجورًا

يقذفون العفاة منه دحورا

وأنشدني أيضًا لنفسه ابتداء قصيدة: [من الطويل]

سل الخدَّ عن قتل الكئيب المتيَّم

ليخبر عنه العندميُّ من الدَّم

وحاذر إذا حاولت رشف رضابه

كميًا بكسر الجفن رام بأسهم

رنا فانتضى من جفنه كلَّ لهذمٍ

وماس فأزرى بالوشيج المقوَّم

عجبت وقد أضحى يقوِّم قدَّه

وفي فيه ثغرٌ درُّه لم يقوَّم

يقول وقد قبَّلته ورشفته

أراك أبحت الخمر والخمر في فمي

/265 أ/ فقلت: طبخت الخمر حين لثمته

بأنفاس وجدي فهو غير محرَّم

ولمَّا رأى بالتَّرك هتكي ورام أن

يكتِّم منه بهجةً لم تكتَّم

تشبَّه بالأعراب عند التثامه

بعارضه يا طيب لثم الملثَّم

فما زادني إلّا نحولًا ونمَّ بي

إلى النًّاس عذرٌ بالعذار المنمنم

شكى خصره من ردفه فتراضيا

لفضلهما بند القباء المكتَّم

وردَّ جيوش العاشقين لأنَّه

أتاهم بخطِّ العارض المتحكِّم

وجسَّد ذاك النَّهد والرِّدف ثوبه

فهل قدري يأتي بهتك المجسِّم

وقابلت دمع العين حمرة خدِّه

فقال: أرى ثغري، فقلت: أرى دمي!

تملَّك رقِّي عندما تمَّ حسنه

فشعري غدا في مالك ومتمَّم

يوهِّمني حفظ الوداد وعذره

يكذِّب مأ يعتادني من توهُّم

فأضحي إلى جوريِّ خدَّيه عاذلًا

وأمسي ومن ميل القدود تظلمُّني

وقد كنت جربت الهوى وعرفته

فأصبح وجداني به مثل معدم

أعلِّل نفسي بالأماني تعلَّةً

وأرجم شيطاني بغيبٍ مرجَّم

وما هوَّمت عيني سرورًا بنعسةٍ

ولكن سرورًا بالخيال المسلِّم

أحبُّ مزار الطَّيف يخلو صنيعه

من الإثم في تنغيصه والتَّندم

/265 ب/ وقال- وهو محبوس بقلعة كرخين-: [من مخلّع البسيط]

ص: 392

يا قلب خفِّض عليك حزنًا

واصبر فللصابر طيب مجني

هبك ملكت البلاد جميعًا

ألست تبلى ألست تفنى؟

دنيا غدت كلُّها دنايا

فكلَّ يوم تكون أدنى

ونحن ركب الأيَّام فيها

نرحل عنها كما نزلنا

أو مثل طيف الخيال يسري

في مقلة للزَّمان وسنى

والدَّهر يومان ذا الهناء

بما أتاه وذا يعنَّي

فلا المعنَّى يدوم فيما

عنِّي فيه ولا المهنَّا

وكلُّ مقضٍ يكون حتمًا

وليس للمرء ما تمنَّى

في قصص الأنبياء وعظٌ

والف معنىً لمن تمعنى

مات نبيُّ الهدى بسمٍّ

كذاك صدِّيقه المكنَّى

ومات فاروقه بقتل

وقتل عثمان قد علمنا

وفي عليٍّ لنا اعتبارٌ

وفي بنيه لو اعتبرنا

والأمويُّون من قريشٍ

ماتوا جميعًا قتلًا .....

والخلفاء الَّذين جاءوا

أئمَّةً للهدى وأمنا

/266 أ/ كم من أخٍ قاتلٍ أخاه

ومن أب قد أباد إبنا

كلُّ نبيٍّ إلى وصيٍّ

رأى بلاءً وحلَّ سجنا

وفي الزَّمان الَّذي وجدنا

كم قد رأينا وكم سمعنا

وكم رزئنا وكم نعينا

وكم ألفنا وكم فقدنا

أين الملوك الَّذين شادوا

وحصَّنوا بالحصون مدنا

وجمَّعوا المال واستقلُّوا

خزائنًا ما تحاط وزنا

تراهم أصبحوا جميعًا

بين مضيق اللُّحود رهنا

لو نطقوا كلُّهم لقالوا

يا ليت متنا يوم ولدنا

ولا أمرنا ولا نهينا

ولا أكلنا ولا شربنا

وهكذا الدَّهر في بنيه

كم جار ظلمًا بهم وأخنى

فكلُّ من مسَّه بلاءٌ

قد كان ذا قبل أن خلقنا

فاصبر على الحكم في الرَّزايا

وأحسن بربِّ السَّماء ظنَّا

ص: 393

وتب إليه تجد كريمًا

يجزي على السَّيِّئات حسنا

ما دام ما كنت أمس فيه

أيضًا وهذا يزول عنَّا

وأنشدني لنفسه في سعد الدين /266 ب/ ابن عبد العزيز الدمشقي- طبيب الملك الأشرف موسى- وكان قد حجّ: [من مخلّع البسيط]

حجَّ سعيد الطَّبيب عامًا

وهو من الإثم غير ناجي

ما حجَّ إلَّا يتوب ممَّا

قد قتل النَّاس بالعلاج

لا يقبل الله منه حجًّا

لأنها حجَّة المداجي

وأنشدني لنفسه في يعقوب غلام سراج الدين الكندي، وقد رحل إلى بغداد وامتدح أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله- رضي الله عنه:[من المنسرح]

قالوا النَّجيب الكنديُّ صار له

شعرٌ لمدح الإمام مولانا

وقد حباه منه بجائزةٍ

على هذا يا ليت لا كانا

فقلت لا تعجبوا فسيِّدنًا

يجزي على السَّيِّئات إحسانا

وأنشدني لنفسه في أصحاب الديوان بإربل: [من الخفيف]

قد قسمنا الدِّيوان خمسة أقسامٍ عليها لكلِّ قولٍ دليل

ربَّ حقٍّ ولا يطاع ومنسوب إلى الظُّلم قوله مقبول

ثم شخصٌ كأنَّه الحرف في النَّحو فلا فاعلٌ ولا مفعول

/267 أ/ ومصرٌّ على التَّجنُّف والظُّلم

بعيدٌ عن الصواب جهول

وأخو حاجةٍ يمشي أحوالًا

لديه إن جاءه البرطيل

أتراهم لم يعلموا أنَّ كلًا

منهم عن فعاله مسؤول

وأنشدني لنفسه يحرض الوزير أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن أبي حرب ابن الوالي الموصلي، وهو يومئذ يتقلّد وزارة الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل- رضي الله عنه حين عمل الحساب وحبس جماعة من الديوان:

[من مجزوء الرجز]

جماعة الدِّيوان في ليلةٍ سخطٍ مظلمه

وقد غدت أيدي الوزير منهم منتقمه

ص: 394

لا رحم الله الَّذي

يرحم قومًا ظلمه

وأنشدني أيضًا من شعره فيهم: [من المتقارب]

جماعة ديواننا أصبحوا

وهم في العذاب لسوء الحساب

فإن كان يرجو الوزير الثَّواب

فقتلهم من جزيل الثَّواب

وأنشدني أيضًا لنفسه: /267 ب/ لما حبس يعقوب بن إسماعيل النصراني البابوري مشرف ديوان إربل، وتولّى المختص أبو الحسن بن القابض النصران مكانه عارض الجيش:[من الطويل]

فرحنا بيعقوب اللَّعين وحبسه

وقلنا أتانا ما يطيب به القلب

فلمَّا ولي المختص فالكل واحد

إذا ما مضى كلب أتى بعده كلب

وقال في البابوري أيضًا يهجوه: [من السريع]

قد خسرت دولة من يرتجي

عندك يا يعقوب إصلاحها

وكم أجيجت إربلٌ مرَّةً

وغير تدبيرك ما اجتاحها

وإن أقل أحسنت مستهزئًا

يا صدر بابوري وفلَّاحها

وقال أيضًا فيه: [من المتقارب]

عجبت ليعقوب في قوله

بأنَّ الكفاية فحوى حسابه

وردَّ العمارة في إربلٍ

وتلك العمارة أقصى خرابه

وقد رفع المال لكن إليه

وشال الجباب بلى في جبابه

وقال أيضًا فيه: [من الكامل]

/268 أ/ يا أيُّها الملك المعظَّم إنَّها

لمشورةٌ ونصيحةٌ لا تهمل

يعقوب قد نهب البلاد وضعضع الأجناد واستغنى غناءً يذهل

فاعجل عليه بقبضه فلرُّبما

هو لا خلاف بقبض مالك أعجل

وقال أيضًا وكتبها إلى الأمير ركن الدين- أدام الله أيامه-[من الطويل]

فديتك إدلالي عليك تقرُّب

إليك وهذا الفضل أنت به أحرى

جعلتك دون النَّاس ذخري وعدَّتي

فلم أبق للحظِّ احتجاجًا ولا عذرا

وإن سرت عنَّا قبل إنفاذ كسوتي

فلا شكَّ يا نجل الأكارم أن اعرى

ص: 395

وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل]

يقولون لي لمَّا رأوا ربَّ بغلة

ترى من نراه بعد نحسٍ قد استوى

فقلت لهم لم تعرفوه فإنَّه

..... بيَّاع المكانس والنَّوى

وأنشدني قوله في أبي علي بن صالح وقد لبس خلعة وقلّد أشراف الديوان بإربل: [من المتقارب]

رأيت ابن صالح من جهله

يتيه اختيالًا بلبس البرود

فقلت له لو بإستبرق

تقمَّصت ما أنت إلَّا يهودي

/268 ب/ وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الوافر]

لقد أهدى الوزير لنا طعامًا

بليل حين رمنا أن نناما

فجاء وقد أكلنا والتقينا

على شبع وقد كنَّا صياما

وأعطينا الغلام دريهماتٍ

على كرهٍ ليحسبنا كراما

ففرَّقنا الطَّعام بغير معنًى

وضيَّعنا الدَّراهم والطَّعاما

وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]

نبِّه الظَّبي من كناس النُّعاس

إنَّ داعي الصَّبوح قدحة غاسي

أوما تنظر الثُّريا وقد ولَّت إلى الغرب رخوة الأمراس

ولقوس السَّماء عن بندق الشُّهب مرامٌ والبدر كالبرجاس

وعمود الصَّباح قد خلقوه

حين زاد الضِّياء كالمقباس

وعلى الشَّرق أسودٌ باسمٌ يرفع منه سترًا من الدِّيماس

وكأن الغرَّار قد حمل المشعل

يدعو بيقظة الحرَّاس

فاصطحبها حمراء تظهر في الكاسات ضوء المشكاة بالنِّبراس

بنت خدر تسبي فتحمرُّ حتَّى

تغتدي من حبابها في لباس

ثمَّ تصفرُّ حين يفتضُّها الماء كذا البكر ساعة الافتراس

/269 أ/ ما جلتها السُّقاة إلَّا غدا

الشَّرب لنهب الأفراح في الأعراس

ص: 396

أولدوها السُّرور في ساعة العرس

فأبدت نقا كئيبًا في النفاس

وتجلَّت فخلِّقت بخلوق

النُّور منها أنامل الجلَّاس

قال لي صاحبي هي الشَّمس إذ تكسف شهبًا بكلِّ عقدة راس

ودليلي بأنَّها الشَّمسي إظهار سناها الواري بوجه الحاسي

قام يسعى بها أغنُّ غضيض الطَّرف حلو الكلام مرُّ المراس

بلحاظٍ لسيف ذي يزنٍ سفكًا وشعر كأنَّه ذو نواس

عجبًا إذ غدا يطوف بشمسٍ

كيف لم يثن عطفه عن شماس

حكم الحبُّ فيه أنِّي أقاسي

منه قلبًا عليَّ كالصَّخر قاسي

قطفت مقلتي شقيقة خدَّيه

فأمست محمرَّةً بالقياس

قلت أين الدَّواء؟ قال: عذاري

لك آسٍ فيه برود الآس

وأنشدني لنفسه يمدح الخليفة المستنصر بالله- خلّد الله ملكه- وهذه القصّة أكثرها موجّه يشتمل على ذكر عشرة علوم: [من المنسرح]

/269 ب/ سلي فما في السُّؤال من باس

عن عزم صبري في الحبِّ أو ياسي

خلقت جلدًا على الغرام وكم

قاسيت من كان قلبه قاسي

ما زال لي والهوى ممارسةٌ

منها تعلَّمت شدَّ أمراسي

قالوا: جفاك الحبيب، قلت لهم:

ما في جفاء الحبيب من باس

يحتاج من يعشق الملاح إلى

صبر جميل وطول أنفاس

بمهجتي ذلك الدَّلال إذا

مال بقدٍّ كالغصن ميَّاس

والعارض المستدير في دقَّة الأقلام شكلًا وخصره الآسي

وتحسب الخال فو وجنته

نقطة ندٍّ من فوق قرطاس

أو حبشيٍّا يعوم في لججٍ

وليس يبدو منه سوى الرَّاس

وربَّ ليل خالسته فكأنَّ البدر فيه من بعض جلَّاسي

يدير مشمولةً لها شفقٌ

في الكأس يغني عن ضوء مقباس

يحدِّث النَّاس عن أبي لهب

وما لناسي الحديث من باس

فهي لنا شيخة الزَّمان بدت

في حبب كالمشيب في الرَّاس

تخبر عن نافعٍ وإن قرأت

لابن كثيرٍ روت لعبَّاس

ص: 397

فكم عليها البسيط قد سمع القوم فقاموا بنفض .....

/270 أ/ وطالبوا الدَّور والتَّسلسل في

مسألة البيع خوف إمكاس

.. الصَّفا في منى الطَّواف بها

حتَّى تحلَّ الإحرام للحاسي

فكم نحرنا زقًّا وقد نفر النَّوم برمي الجمار في الطَّاس

وإن نحا نحوها النَّديم رأى

للهمِّ رفعًا بضمَّة الكاس

فصرفها كم صرفت من جملٍ

وعلَّة الصَّرف جمع وسواس

مديد أفراحها ووافرها

وزنت فيه عروض إفلاسي

ينظم منها الحباب نظم أبي الطِّيب كافور يوم أعراس

جبرت في جذورها الكسور وقد

ضربت أسداسها بأخماس

وكان منها مثلَّثًا يستوي الأضلاع منه من بعد أنكاس

ساعاتها يستعير منها أبو الرَّيحان فضل الذَّكاء في النَّاس

فهي بلا شكَّ شمس كأسٍ

لا تكسف إلَّا بعقدة الرَّاس

شفت بقانونها القلوب وكم

أبدت بمغنى الشِّفاء من آسي

بياض إبريقها وحمرتها

ولَّدت منه اجتماع إيناسي

بربع بغداد بع أفضل خلق الله طرّأ من آل عبَّاس

وصاحب العصر والزَّمان أبي

جعفر ربِّ النَّوال والباس

/270 ب/ والفتح والنَّصر والشَّفاعة يوم العرض حقًّا والمحتد الرَّاسي

مستنصرٍ أصبحت خلافته

تحيي البرايا من بعد إرماس

قام به الدِّين حين قام وطرف الشِّرك من خوف بأسه خاسي

هدايةٌ ضوء نور كوكبها الدُّرِّيِّ مشكاته بنبراس

كسا الوى جوده وأطعمهم

فخاطبوه بالطَّاعم الكاسي

فصفو إنعامه بلا كدرٍ

وهو رجاء المنى بلا ياس

وبذله مسرفٌ بلا عددٍ

وعدله قائمٌ بقسطاس

سيرته تبهر العقول فكم

أتعب فيها قياس قيَّاس

قد نسخت سيرة الألى ويرى

نسخها ألف ألف كرَّاس

وطهَّر الله عرض مادحه

وقوله من عروض أدناس

ص: 398

وضدُّه من سطا مهابته

في قعر بؤسٍ وضنك إبلاس

وملَّة الحِّق عند ناموسها الأعظم محروسةٌ بحرَّاس

لولا الأماني فجود راحلته

ما عرِّيت عن سواه أفراسي

واليوم عامي عام أيماث به

من بعد ما كان عام عمواس

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر]

/271 أ/ وكم من قائل هل من كريمٍ

أراه فحسرتي ألقى كريما

فقلت له: كريمٌ ما تراه

ولكن كيف درت ترى لئيما

وحدّثني أيضًا، قال: كنت جلدت جزءً أودعته مدائح أمير المؤمنين المستنصر بالله- خلّد الله ملكه- وكان في يدي جزء من الربعة الشريفة أقرأه، فأردت أن أحمل جزء المديح يوم الهناء فحملت جزء الربعة، ثمَّ بعد ذلك علمت أنني قد سهيت فكتبت إلى المولى الوزيرر نصير الدين- عزّ نصره- أعتذر:

[من الطويل]

عجبت وقد أودعت جزءً مدائح الإمام أهنِّيه بعيدٍ به أتَّصل

فحاولت حمل الجزء يوم هنائه

فسابقني القرآن عن مدحه بدل

ولم يك سهوًا إذ تبدَّل مدحه

بجزءٍ من القرآن كي يحدث الخجل

وقد كان بالقرآن أولى مدائحًا

لأنَّ كتاب الله في حقِّه نزل

وقال في المعنى: [من البسيط]

قال من النَّصر قد وافيت أشرحه

والفأل فيه لنصر الله برهان

/271 ب/ قد كنت أقرأ في جزئين ضمِّن ذا مدح الإمام وجزءٍ فيه قرآن

فجئت أحمل جزء المدح أعرضه

يوم الهناء ولي في عرضه شان

فما أراد كتاب الله يسبقه

شعرٌ إلى مدح مولانا وأوزان

ص: 399

فسابق الذِّكر في حملي فخيِّيل لي

أنِّي سهوت وذاك السَّهو تبيان

وجئت بالمدح لمَّا أن تقدَّمه

القرآن وهو نجح المدح معوان

والفأل في ذاك قول الله أنزله

مباركًا وهو للتَّأييد عنوان

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من مجزوء الرمل]

صدحت ورق التَّهاني

بين بانات الأماني

وتبدَّى الرَّوض في ثوب شقيق أرجواني

وأدار العيش صهباء أوانٍ في أواني

[فانتشى الوقت ونادى

عند تغريد المثاني]

بمديح القائم المستنصر العالي المكان

أيُّها العشَّاق قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

فاح نشرٌ من شذاه

مشبهًا روح الجنان

وأتى شوَّال في أطيب وقت وأوان

لابس الورد رداءً

كالرِّداء الخسرواني

/272 أ/ وله الرَّوض قصيدٌ

قد حوى كلَّ المعاني

لإمامٍ كم حبا بالجود من قاص وداني

نائب الله أبي جعفرٍ السَّامي المباني

خير من دانت له أيَّامه والثَّقلان

خير من ضاءت بأنوار هداه القمران

خير من سار بعدلٍ

سار فيه العمران

بشَّر الله به العالم في بدء القران

يا إمامًا ما له

في الجود والمعروف ثاني

والبرايا في اعتزازٍ

والعطايا في هوان

وعلى الدُّنيا جلالٌ

من عطاياه الحسان

أمره فرضٌ على النَّاس بإيضاح البيان

ص: 400

بأبه الكعبة للعافين والرُّكن اليماني

لأمير المؤمنين المدح في السَّبع المثاني

لأمير الجود في كلِّ مكانٍ وزمان

كم عفا عن ذنب جانٍ

بندى حلو المجاني

/272 ب/ أبدًا لا زال مسرورًا بإقبال الزَّمان

يتملَّى ألف عامٍ

ثمَّ ألفًا باقتران

ما دعا لله داعٍ

في صلاةٍ وأذان

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

أليس عجيبًا أنَّ بغداد قد حوت

خلائق لا تحصى ولم تحنو منعما

ولولا أمير المؤمنين وجوده

لما جاءها خلق عليها مسلِّما

وأنشدني أيضًا من شعره في الشيب: [من الكامل]

زمن الصِّبا ما كنت إلَّا زائرًا

كانت زيارته كلمحة بارق

غمَّضت جفني في التَّصابي ساعةً

وفعته فرأيت شيب مفارقي

فكأنَّ شيبي لم يزل وكأنَّما

كان الشَّباب خيال طيفٍ طارق

كان الشَّباب دخان عشق شبابه

سرر المشيب لحزن عشق العاشق

قد كنت زوَّجت الصِّبا أمُّ المنى

فعدت ..... ..... طالق

وخشيت من وقع المشيب فعندما

وافى خشيت ..... بلون مفارقتي

لو كان ينفعني البكاء على الصِّبا

لبكيت من شوق له بشقائق

هيهات تستدني قطاف شبيبةٍ

بعد الذُّبول وحصد عمرٍ خافق

/273 أ/ قد كان لهوي للشَّباب موافقًا

واليوم عند الشَّيب غير موافق

ما أقبح الشَّيخ الكبير إذا اغتدى

يصبو بأهيف أو بخودٍ عاتق

وإذا انقضت ستون عامًا للفتى

قالت منيَّته أرراك معانقي

وأنشدني لنفسه، وحدثني- من لفظه- قال: اجتمع عندي جماعة من الفضلاء ذكر أحدهم، أنه لما نزل شرف الدين معد بنهر عيسى نظم فيه الشعراء يهنئونه، فلم يستحسن سوى قول شاعر، كان طبقة بغداد في الشعراء، إذ قال من جملة قصيدة

ص: 401

موسومة بنهر عيسى: [من مجزوء الكامل]

يا نهر رد من بحره

إن كنت تحذر أن تخيسا

قال: فنظمت هذه الأبيات ارتجالًا حين قدم الأمير ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطايا- أدام الله علوّه- وقد قدم من اقطاعه التي ببلاد واسط يهنئه بقدومه ويمدحه: [من مجزوء الكامل]

أهلًا بمقدم من غدا

يحي بمقدمه النُّفوسا

/273 ب/ يا نهر عيسى قد أتى

ملك آيات موسى

كم قد تلقَّف سيفه

في يوم بغراس الرُّؤوسا

يا نهر قد جاورت بحرًا يقذف الدُّرَّ النَّفسيا

ذا بحره أبدًا يدوم وأنت قد تمسي تمسيا

وكذا شريعة أحمد

نسخت قديمًا شرع عيسى

قدم الأمير فقد غدًا

ربعي بمقدمه أنيسا

ولبست بالأفراح عند لقاء خدمته لبوسا

ورأيت للإقبال .....

طلعته شموسا

وأنشدني أيضًا لنفسه في سنة تسع وثلاثين وستمائة: [من المتقارب]

ترى أنت يا مهجتي مستفيقه

من الحبِّ أم أنت فيه عريقه

عجبت لقلبي أسير الغرام ولي عبرةٌ من جفوني طليقه

وبي رشا جلًّ في حسنه

بما حازه من معانٍ دقيقه

تجمَّع في وجهه ستَّةٌ

غدت كالحديقة عند الحقيقه

ففي ثغره الطَّلع والأقحوان وفي خدِّه وردةٌ في شقيقه

/274 أ/ وفي لحظه نرجسٌ والعذار كزرع البنفسج حول الحديقه

وفي الرَّوض يحسن شرب المدام وفي ثغره من مدامٍ رحيقه

وفي نون حاجبه مشقةٌ

بها ابن هلال أجاد الطَّريقه

وقد أوسع البخل من وعده

ولم لا يكون وفي العين ضيقه

ص: 402

فيا حكم الحسن لم قد كتبت بخطِّ العذار علينا وثيقه

وليس لإقرارنا حجَّةٌ

ولا قدرة الصّبِّ منا مطيقه

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

أماط لثامًا والدُّجى مثل شعره

طويلٌ فأبدى ثغره مثل فجره

وماس فخلنا البدر فوق أراكة

على دعص رملٍ قدَّ من ضعف خصره

وضمَّ له جيبًا فحاولت فتحه

بنصب احتيال يستعان لجرِّه

لأقطف رمَّان النُّهود ففتَّ من

دموعي حبًّا أحمرًا فوق حجره

وعانقت ..... .....

كسلك جمان دائر حول نحره

يغيب فأقفوا إثره فيدلُّني

على الأرض رسمٌ من مساحب شعره

رأيت حبيبًا من ثناياه ناظمًا

زهيرًا كأنَّ الحسن شاعر ثغره

ومن عجب يهدي بضوء جبينه

وذاك الهدى يبدي لنا كفر هجره

/274 ب/ ترى لون ذاك الخال من فوق خِّده

غدا أسودًا لمَّا اصطلى حرَّ جمره

أم الخال قد أضحى بلالًا مؤذِّنًا

لطلعة شمس ظنَّنها وقت ظهره

وما عجبي إلَّا لفرعون لحظه

ويعجز موسى الخال عن دفع سحره

ومن جفنه ما سلَّ سيفًا لفتنةٍ

من اللَّحظ إلَّا رام قتلًا بأسره

وأحسب ذاك السَّيف في كفِّ أحمدٍ

بنغراس أعطاه مقاليد نصره

أعاد وجوه الكفر سودًا ببيضه

وغادر شهب الخيل حمرًا بنصره

فتًى كملت أوصافه فسما به

فخارٌ يسامي كلَّ فخر بفخره

وأصبح ركن الدِّين ركني وقد غدا

به ..... ..... بأزره

[148]

أسعد بن أبي نعيمٍ الوراوي الأذربيجانيُّ.

كان من الشعراء المقدمين في صنعة الشعر الفارسي وحيدًا في فنّه، مشارًا إليه؛ وديوان شعره كبير. وكان- مع ذلك- فقيهًا شافعي المذهب له يد في علم الأصول

ص: 403

والخلاف تام المعرفة بفنّ النحو واللغة والأدب.

رأيت له قصيدة فارسية /275 أ/ وفيها هذه الأبيات بالعربية: [من الوافر]

بدا للشهب في الآفاق مسلك

فماست تحت جلبابٍ ممسَّك

ومنها يقول في آخرها:

كمشرع جودك الصَّافي تصدَّى

بذيل جلالك الضَّافي تمسَّك

بلابل طبعه حنَّت إذا ما

سلاسل شوقه لقياك حرَّك

ص: 404