المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه إسماعيل - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ١

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه إسماعيل

‌ذكر من اسمه إسماعيل

[149]

إسماعيل بن عبد الله الحداد الحلبي

وكان رجلًا سائحًا في البلاد صاحب مجاهدات ورياضات على قدم التقوى والطاعة والتجرد ومعاشرة ذوي الأحوال والمعارف، وله شعر عجيب الفن، يسلك فيه مسلك أصحاب الطريقة والحقيقة من غير أن كان يعرف الخط، وتوفي بدمشق.

أنشدني الأستاذ أبو محمد أحمد بن أيوب بن مسعود بن عبد الله الخيَّاط البعلبكي ثم الدمشقي، قال: أنشدنا الموفق إسماعيل بن عبد الله الحداد /275 ب/ الحلبي لنفسه: [من الخفيف]

حبُّكم مذهبي ونص اعتقادي

ولكم أبتغي وأنتم مرادي

وإليكم وجَّهت وجهي وما زال بذكراكم يسرُّ فؤادي

أنتم منيتي وراحة قلبي

وعليكم في النَّائبات اعتمادي

قد ملكتم رقِّي فرقُّوا لصبٍّ

لم يخن عهدكم وحفظ الوداد

ولزمت التَّشديد فيكم لأنِّي

لم أجد قطُّ رخصةً للأعادي

ابعثوا طيفكم بجسِّ ضميري

مذ تولَّى الكرى وحلَّ سهادي

فوحقِّ الَّذي تجلَّى لموسى

ملكٌ أرتجيه يوم المعاد

لا ..... عنكم طول عمري

أفأبغي الضَّلال بعد الرَّشاد

أنا عبدٌ لكم على كلِّ حال

واصلوني فقد ملكتم قيادي

إنَّما العمر والحياة غرورٌ

فاز من يتَّقي إله العباد

إسمعوها وقد حوت كلَّ معنًى

وهي نظم الموفَّق الحدَّاد

[150]

إسماعيل بن عليِّ بن سعدان المقرئ الواسطيُّ.

فاضل حافظ للقرآن الكريم، متقن له مجيد /276 أ/ لادائه، قد قأ بالقراءات

ص: 405

الكثيرة، وسمع الحديث واشتغل بالأدب نحوًا ولغةً، وقد نظم مثلث قطرب في قصيدةٍ مزدوجة مدح بها المستنصر بالله أولها:[من الرجز]

يا قاتلي بالصَّدِّ والهجران

وملهب الأحشاء بالنِّيران

ومسلمي ظلمًا إلى الأحزان

مهلًا ترفَّق بالأسير العاني

* * *

فدمعه فوق الخدود غمر

وصدره ما حلَّ فيه غمر

وقد ضني ممَّا يلوم الغمر

فهو سقيم القلب والجثمان

* * *

وحيِّ إن مررت بالسَّلام

ترم العدا إذ ذاك بالسِّلام

حين يروا الإيماء بالسلام

أكرم بها من أحسن البنان

ومن مديحها:

ناديته والشَّوق قد برَّح بي

وازداد من عظم التَّجافي عطبى

صلني فقال: يا قليل الذَّهب

ما ها هنا عندي سوى الحرمان

* * *

فقلت للقلب ارجعن عن هذا

وامدح أبا جعفر الملاذا

من جوز دهرٍ للأنام آذى

طاعته إرادة الرَّحمان

* * *

خليفة في كفِّه بحار

طاميةٌ ليس لها قرار

/276 ب/ أمطارها على الورى نضأر

تعمُّ كلَّ نازحٍ وداني

* * *

أجلُّ من قدِّم للإمامه

من كلِّ ملك قد مضى أمامه

أيَّامه في الدَّهر كالعلامه

تسمو على الأوقات والأزمان

* * *

مؤيَّدٌ منتجب الأعراق

مكمَّل مستحسن الأخلاق

مستنصرٌ مؤتمن الإرهاق

إذا اعتزى ينمى إلى عدنان

* * *

ص: 406

جبهته الغرَّاء تخجل القمر

وعدله بين الأنام كعمر

وبرُّه عمَّ الأنام وغمر

كالوابل المثعنجر الهتَّان

* * *

نظيفةٌ في أمره الأقدار

بحبِّه تمحَّص الأوزار

بنسكه مفاخر المختار

في الحشر عند الواحد المنَّان

* * *

خليفةٌ ينظر للرعيَّه

بفكرة صائبة مرضيَّه

يحكم بالإنصاف والسَّويَّه

فهو تقيٌّ كامل الإيمان

* * *

لا زال في عزٍّ وفي سلطان

ودولةٍ باسقة الأفنان

وقدره يسمو على كيوان مسلَّمًا من غير الزَّمان

[151]

إسماعيل بن صالحٍ بن أبي ذئبٍ /277 أ/ أبو طاهرٍ القفطيُّ، يعرف بابن البنَّاء.

كان شاعرًا فاضلًا، يكتب حسنا ويرتزق من الوراقة ولديه أدب. فارق بلده، وانتقل إلى المحلّة، وصحب بها ابن بهرام وإليها هكذا أخبرني يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد القفطي بمحروسة حلب.

وأنشدني من شعره، قال: أنشدني ابن البناء لنفسه: [من الكامل]

سيَّرت لي حملًا يساق فخلته

جملًا لأنَّ الله بارك فيه

لا تنحرنَّ فقد نحرت من العدا

من قد يهاب الموت أن يأتيه

وأنشدني، قال: سمعته ينشد لنفسه من قصيدة يرثي بها الشريف قاسم بن مهنّا الحسيني، أمير مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:[من الكامل]

ص: 407

لمَّا اشترى من رِّبه بثوابه

جنَّات عدنٍ راح يأخذ ما اشترى

[152]

إسماعيل بن حمزة بن المبارك بن حمزة بن عثمان بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف بان الطَّبال.

بغداديٌّ من أهل باب الأزج.

كان يكتب مسائل /277 ب/ في الفراشض شعرًا له إلى ابن الصقّال ويجيب عنها بشعر، فجمع ذلك كتابًا.

وتوفى يوم الخميس لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وستمائة ببغداد، ودفن من الغد بالجانب الغربي بمقبرة أحمد بن حنبل باب حرب. ذكر ذلك جميعه القطيعي.

ثم قال أنشدني لنفسه: [من الوافر]

كتبت إليكم بأكفِّ غيري

وقد آيست من خيرٍ وخير

وأولادي على قدم التَّعدِّي

وينتظرون لي ..... وسيري

ولا هنُّوا بما يرثون بعدي

ولا فرحوا بأموالي وخيري

وبالإسناد: [من الرجز]

يقلقني الشَّوق فما لي راحةٌ

إلَّا إذا مرَّ بعيني الوسن

تخيِّل الأحلام لي شبيبتي

واجتماعي بحبيب قد شطن

فيوصل النَّوم إليَّ راحةً

حتَّى إذا استيقظت عاد لي الحزن

ص: 408

[153]

إسماعيل بن عليِّ بن محمد بن مواهب، أبو محمّدٍ الحظيريُّ.

والحظيرة قرية كبيرة مشهورة /278 أ/ من قرى بغداد ولد ونشأ بها.

وقدم بغداد، وقرأ الأدب والعربية على أئمتها المذكورين كأبي عبد الله محمد [بن] عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي، وأبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصّار اللغوي البغدادي، وأبي محمد إسماعيل بن موهوب بن محمد بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي البغدادي، وأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي.

كان فاضلًا شاعرًا متميّزًا خطيبًا مترسلًا ذا بلاغة وبراعة، ورعًا زاهدًا تقيًا؛ له تصانيف معروفة متداولة، وجمع خطبًا تدلّ على علمه، وتنبئ عن صحة فهمه.

سافر إلى الموصل، وحدّث بخطبه وجمع كتابًا سمّاه "تحرير الجواب وتقرير الصواب". وكانت وفاته بالموصل لعشر مضين من صفر سنة [ثلاث وستمائة]. وكانت ولادته في رجب سنة إحدى وثلاثين و [خمسمائة] بالخطيرة.

قال أبو الحسن القطيعي: أنشدني أبو محمد الحظيري لنفسه: [من الطويل]

أحبَّتنا من أهل بغداد إنَّني

إليكم مشوقٌ لست بالشَّوق أوضح

ومنَ يكتم الشَّكوى فإنَّ زفيره

ينمُّ بها والدَّمع للسِّرِّ يفضح

/278 ب/ وكيف يلذُّا العيش أو يطعم الكرى

جفونٌ لمن أحبابه عنه نزَّح

ص: 409

له بعدهم همُّ يذيب فؤاده

وفكرٌ إذا لجَّ الغَرام المبرِّح

عسى الدَّار أن تدنو وبدّل نائيًا

بقربٍ وإلا فالمنيَّة أروح

وله بالإسناد: [من الرمل]

مغرمٌ يدعوك شوقًا فأجيبي

وأثيبي بالهوى أو لا تثيبي

كم أنادي معرضًا عن سقمي

ومعنًى مَن دعا غير مجيب

يا أصيحابي ومن حسن الوفا

أن يجيبوا من دعا عند الخطوب

ليت شعري من دعا روض الحمى

بعدنا أم من ..... القليب

وبالإسناد، وكتبها إلى صديق له وقد نزح عن بغداد. وكانت داره برحبة الجامع:[من مجزوء الرمل]

عد إلى رحبة بغداد ففيها ما تريد

من ظباءٍ سانحات

كم بها صديت أسود

وقدودٍ كغصونٍ

تتثنَّى وتميد

وخدودٍ كرياضٍ

غرست فيها الورود

وغريرٍ فيه من ريم الفلا طرفٌ وجيد

/279 أ/ عاطلٍ حال من الحسن

له ثوبٌ جديد

ماطلٍ إن صحَّ يومًا

وعده ينسى الوعيد

أنا في الحزن وحيدٌ

وهو في الحسن وحيد

في هوى ذاك الرَّشا يستحسن الغيُّ الرَّشيد

عد إليها عد إليها

فهو الرَّهن السَّديد

ليس بالجنَّة ما ليس بها إلَّا الخلود

أنشدني أبو محمد الحسن بن محمد بن الزاهد الشريف العلوي البغدادي، قال: أنشدني أبو محمد إسماعيل بن علي الحظيري لنفسه: [من الوافر]

عجبت لوردةٍ كفِّ ظبيٍ

تنوب بلونها عنِّي وعنه

ص: 410

فباطنها كلون الخدِّ منَّي

وظاهرها كلون الخدِّ منه

وأنشدني أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن الموصلي العمراني المستوفي، قال: أنشدني أبو محمد الحظيري: [من الكامل]

غبتم فما لي في التَّصبُّر مطمع

عظم الجوى وأشتدَّت الأشواق

/279 ب/ لا الدَّار بعدكم كانت ولا ذاك البهاء بها ولا الإشراق

أشتاقكم وكذا المحبِّ إذا نأى

عنه أحبَّه قلبه يشتاق

قال أبو العباس فأتممتها بقولي: [من الكامل]

والصَّبر يسألني العذول قساوةً

في قلبه والصَّبر ليس يطاق

وإذا رأيت الصَّبر يوجد لامرئٍ

فاعلم بأنَّ الحبَّ فيه نفاق

وله في أثناء رسالة في وصف كلام كتبها إلى بعض الرؤساء: [من البسيط]

تفترُّ عن ملح الأزهار ضاحكةً

والطَّلُّ مثل الَّلآلي في نواحيها

فالثَّغر مبتسمٌ والطَّلُّ منسجمٌ

والقطر يضحكها طورًا ويبكيها

يومًا بأحسن ممَّا قلت من ملحٍ

أبدعت في غرزٍ أودعتها فيها

وقال أيضًا: [من السريع]

لا عالمٌ يبقى ولا جاهلٌ

ولا نبيهٌ لا ولا خامل

على سبيلٍ مهيعٍ لاحبٍ

يودي أخو اليقظة والعاقل

[154]

إسماعيل بن عليِّ بن الحسين /280 أ/ أبو عبدالله الشيبانيُّ، الفقيه الحنبليُّ البغداديُّ.

ص: 411

كان مولده ببغداد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتوفي بها يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول سنة عشرين وستمائة.

تلمذ في الفقه لأبي الفتح نصر بن فتيان بن مطر النهرواني المعروف بابن المنِّي، وأبو عبد الله يعرف بابن الرفا، وابن الماشطة. وكان فقيهًا حسابيًا واعظًا مصنّفًا متوحدًا في علم الخلاف والأصول والنظر والجدل.

ناظر وأفتى ودرس حتى برع في جميع ذلك، سمع الحديث من جماعة، وصنَّف كتبًا مفيدة منها في الخلاف كتاب سمّاه "جنَّة الناظر وجنَّة المنظر"، وكتاب في الجدل سمّاه "نور المصباح في بيان الاصطلاح"، وكتاب "صحيح المنقول وصريح المعقول"، وكتاب"الأربعين مسئلة في الخلاف"، وكتاب"الموجز في الفرائض"، وكتاب"الإيجاز في تفسير الإعجاز" وهو تفسير القرآن العزيز، وإلى غير ذلك.

أنشدني ولده أبو طالب عبد الله بمدينة إربل في شهر شوال سنة خمس وعشرين وستمائة، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من المتقارب]

/280 ب/ أجرني إلهي فدائي عضال

وقد طال سقمي وطال المطال

وحار الأساة ولو أدركوا

دواءً لداء بجسمي لقالوا

وملَّ زيارتي العائدون

وأهل المودَّة حالوا ومالوا

وأنت الذَّخيرة للحادثات

إذا أعرضوا جملةً واستقالوا

فجد لي بما أنت أهلٌ له

فلم يبق منَّي إلَاّ الخيال

وإلَاّ تذرني لقًى للهوان

فراجيك ياسيِّدي لا يذال

وإن كنت أسأل طبًا سواك

فتعليل قلب به واشتغال

فأنت الطَّبيب وأنت الحبيب

وأنت المجيب وأنت المال

فشكرًا وإن حملت أضلعي

سقامًا تدكدك منه الجبال

ص: 412

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في السنة التي توفي فيها: [من الطويل]

دليلٌ علي حرص ابن آدم أنَّه

ترى كفُّه مضمومةً وقت وضعه

ويبسطها عند الممات إشارةً

إلى صفرها ممَّا حوى بعد جمعه

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من البسيط]

عددت ستَّين عامًا لو أكون على

تيقُّنٍ أنُّها الثلثان من عمري

/281 أ/ لساءني أنَّ باقي العمر أيسره

وآخر الكأس لايخلو من الكدر

[155]

إسماعيل بن يحيى بن أحمد بن مكابر بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز، أبو محمد النيلىُّ العنزيُّ النفّريَّ.

من قرية نفَّر زعم أن أصًله منها.

كان شاعرًا فاضلًا، راوية للأشعار حافظًا جملة كثيرة منها، عارفًا بالتورايخ وأنساب العرب وأيامها. وتوفي سنة تسع وستمائة.

أنشدني الوزير الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- أدام الله توفيقه- قال:

أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الطويل]

ألا من لنفس ما يكلُّ نزوعها

وعبرة عين مايكلُّ هموعها

وقلبٍ أذابته الكآبة كلَّما

بدا من بروق الجامعين لموعها

أهضب الحمى هل من سبيل إلى الحمى

وهل دارنا بالنِّيل تدنو شموعها

وهل لليالينا بشرقيِّ بابلٍ

رجوعٌ ومن لي أن يحين رجوعها

إذا ما تذكًّرت العراق وأهله

رقا الدَّمع من عيني وفاض نجيعها

/281 ب/ ومنها يقول:

أأحبابنا إن شطَّت الدَّار أو غدا

وصول الإخا بالبعد وهو قطوعها

ص: 413

فلي مقلةٌ بحَّ البكاء سوادها

ولي كبدٌ قد أوهنتها صدوعها

وبي نار شوقٍ لو تحمَّل بعضها

هضابٌ من الصمَّان زلَّت فروعها

إذا ظمئت روحي إلى ماء وصلكم

ففي ماء حزني والسَّقام شروعها

ومن مديحها:

تدارك أقطار البلاد بعدله

وقد درست بالجور منها ربوعها

أقام بها شوقًا من البأس والنَّدى

فأثرى ثراها ..... فرعها

وأنشدني: قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]

فوا أسفًا أشباحكم نصب ناظري

وروحي مع الأنفاس تطلب لقياكم

ويشتاقكم قلبي المعنَّى ورُّبما

شكى ألمًا من بعدكم وهو مأواكم

[156]

إسماعيل بن محمود بن مخشي بن موسى بن يونس بن آدم بن طون، أبو محمدٍ البلغاريُّ.

فقيهًا حنفيًا عالمًا فاضلًا.

سمع الحديث من أبي محمد عبد الغني /282 أ/ ابن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد العطار الهمذاني. وقرأ على أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري. سمع منه الصاحب شرف الدين أبو البركات المبارك ابن أحمد المستوفي، وأبو الفتح محمد ولد شيخنا أبي الخير بدل التبريزي بإربل.

طالعت من تأليفه فصلًا أنشأه في فضيلة أهل البيت- صلوات الله عليهم- ثم أتبعه بأبيات من قيله، يشير فيها إلى بعض السادة العلويين يمدحه بها، ويذكر مكارمه ونبله ومآثره وفضله:[من الوافر]

بعزَّ الدَّين للدهر افتخار

ومن إنعامه أنزاح البوار

ص: 414

وفي أيَّامه يغشي النَّوال

لأهل الرَّيَّ وأخضرَّ القفار

وعلَّى للمعالي والأماني

بيوتًا ما يساميها الفخار

وأحيا من رسومٍ كان ماتت

لأهل العلم في تلك انتصار

أيحصي فضله الإنسان عدّا

وهل تحصي الرِّمال أو القطار

فدهري قد رماني بالرَّزايا

وعزُّ الدِّين كهفي والجوار

يحوز القاصدون البحر درًّا

وقصدي من أياديه بحار

[157]

إسماعيل بن إبراهيم بن صدقة /282 ب/ الموصليُّ، المعروف بابن ظبية الخبّاز.

وظبية هي أمُّه لا يعرف إلَاّ بها.

قيل إنَّه كان خبازًا في ابتدائه، فصرف همته إلى الشعر والأدب، وله أشعار مستجادة في المديح والغزل. ثم صار متصرفًا للأمراء في أشغالهم. ومات سنة ستّ وستمائة.

أنشدني الحاجي أبو العّز يوسف بن محمود بن سلطان الموصلي، قال: أنشدنا إسماعيل بن ظبية: [من المديد]

ظاعنٌ والقلب في أثره

يقصص الأقطار في سفره

رشاٌ للبدر سنَّته

وشعار اللَّيل من شعره

مستطيلٌ في ملاحته

متناهي البند في قصره

عجب الرَّاؤون من نمشٍ

بان في خدَّيه أو أثره

وهو نار الصَّبِّ سعَّرها

بتجنِّيه على سكره

قابلت ماءً بوجنته

فانطفا ما طار من شرره

ص: 415

وقال أيضًا في غلام في خدّه قوبة: [من الكامل]

/283 أ/ يا ليت قوبته الَّتي عبثت به

وعلت سوادًا فوق حمرة ورده

جعلت سوادًا فوق أسود ناظري

قدر السَّواد على صحيفة خدِّه

أنشدني أبو سليمان داود بن محمود الإربلي، قال: أنشدني ابن ظبية لنفسه:

[من الكامل]

تمنَّى فما كلُّ السَّرى إعناق

راح الهوى وتخلَّص العشَّاق

أسروا وسلطان الغرام مطاوعٌ

لك والقلوب إلى رضاك تساق

وحسام جندك في القلوب محكَّمٌ

ولمقلتيك الأمر والإطلاق

وبوجنتيك من الملاحة روضةٌ

ماء الحياة بضميها رقراق

تستعبد الأحرار وهي دقيقةٌ

وتفلُّ بيض الهند وهي رقاق

ما لان إذ لسواك يجتلب الأسى

ولغير حسنك ..... الأشواق

جهلًا يذكِّرني بأيَّام الصَّبا

والعيش غضٌّ للزَّمان نطاق

ألَّا عدلت وإنَّ ملكك مثل ما

عدل المليك الواهب الغيداق

لمجاهد الدِّين المليك مآثرٌ

حليت بها الآفاق والأعناق

فلهنَّ في تلك البلاد مراقبٌ

ولهن في أعناقا أطواق

يثنى ثناه معطَّرًا بفعاله

فبكلِّ ناحية له استنشاق

/283 ب/ نفق المديح عليه بعد كساده

ثمَّ اقتناه فقامت الأسواق

يهب العتيق على العتيق وينثني

وله عتاقٌ كلُّهنَّ عتاق

مولاي دعوة مخلص في حبَّه

لا مدَّع فيها ولا مذَّاق

ما كان ترصيف القريض شعاره

وله الوجيز وغيره أخلاق

بل أنت مغناطيس كلِّ فضيلةٍ

فالنَّظم يعذب والقريض براق

فلذاك أصبحت المدائح دأبه

لا مجتد فيها ولا سرَّاق

فاسلم جديد الجدِّ في درج العلا

راقٍ إلى غاياتها سبَّاق

ص: 416

[158]

إسماعيل بن سودكين بن عبد الله، أبو الطاهر المصريُّ.

كانت ولادته بمصر سنة ثمان أو تسع وسبعين وخمسمائة.

وكان والده أكبر أمير في دولة الملك العادل نور الدين أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر- رضي الله عنه وحدثني، قال: كان والدي: رجلاً أرمنيًا صار إلى الملك العادل وتعلق بخدمته وأمره، وتقدّم ..... عنده فنسب إليه فطعن جماعة /284 أ/ من الناس، أنه أشتراه من ماله، وأنه من عتقائه، وليس بصحيح؛ وما دخل والدي قطّ تحت رق أبدًا.

وأبو طاهر ترك ما كان عليه في الجندية، وخالط الفقراء والصالحين وصحب ذوي الأحوال، وسمع الحديث بعدة مدن منها على الشيخ أبي الفضل محمد بن يوسف بن علي وغيره وبدمشق. وله أشعار على طريقة أولي المعارف والسلف. هاجر إلى مدينة حلب واستوطنها؛ وله أشعار غزيرة.

أنشدني لنفسه: [من الخفيف]

إن تبدَّلت بي فلا [أ] تبدَّل

يا ملولًا وحبُّه ليس يملل

ويح قلبي ادَّعى الجلادة عنهم

وإذا لاح بارقٌ يتملل

ونسيم من الأحبَّة هبَّت

حبَّذا ريحهم وما تتحمَّل

نفحةٌ رنَّحت شمائل صحبي

أشمولٌ هزَّتهم أم شمال

غازلتنا بذكرهم ففهمنا

عن نسيم الأحباب ما يتغزَّل

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من المتقارب]

إذا ذكر الجود جود الملوك

فحيَّ على كرم الأشرف

فيا ليته مع جودٍ له

على جوهر النَّفس لم يسرف

ص: 417

/284 ب/ أيا عجبًا أسعف الأبعدين

والجار ذي القرب لم يسعف

وبالجار أوصاه معبوده

وقد جاءه النَّص في المصحف

وأقرب جارٍ له نفسه

فلم يتقوَّى على الأضعف

وقد كان ما كان فيما مضى أما آن فيما بقي أن يفي

وقال أيضًا وقد التمس عليه أن يعمل موازنة:

يأكلَّ كلِّي كن لي

إن لم تكن لي فمن لي

فقال: [من المجتث]

أنتم فروضي ونفلي

أنتم حديثي وشغلي

يا قبلتي في صلاتي

إذا وقفت أصلِّي

جمالكم نصب عيني

إليه وجَّهت عقلي

وأنسكم في فؤادي

والقلب طورًا .....

آنست بالحيِّ نارًا

ليلًا فبشَّرت أهلي

قلت امكثوا فلعلِّي

ألقى هداي لعلَّي

دنوت منها فكانت

نار المكلِّم قبلي

/285 أ/ نوديت منها .....

..... عدّ اليالي بوصلي

وثب إلينا اشتياقًا

والشَّوق جهد المقلِّ

حتَّى إذا ما تناهى

الميقات في جمع شملي

صارت جبالي ريحًا

من سطوة المتجلِّى

ولاح سرٌّ خفيٌّ

يدريه في الحبِّ مثلي

في الموت كانت حياتي

وفي حياتي قتلي

فكنت موسى زماني

إذ صار بعضي كلِّي

وكان لي قبل قولي:

يا كل كلِّي كن لي

وقال أيضًا وكان مريضًا وقد فدَّاه الطبيب: [من الخفيف]

كم شقيق رثى ورام الحملا

مذ رآني من الجوى أتقلَّى

قال: باللُّطف إذ رآني لما بي

ليت أنِّي لك الفدى قلت: كلاّ

ص: 418

أنا أولى بنار شوقي ووجدي

ولهيبي بحبِّهم أنا أولى

ياشقيقي لا تغترر بالتَّمنِّي

وتظنَّ الحريق بالنَّار سهلا

/285 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل]

يا نسيمًا هبَّ مشكورًا لدي

اهدت الأشواق مسراه إلي

وبريقًا لاح من حبِّهم

حاكيًا ذاك السَّنى من محجري

آه شوقي إلى من قد غدا

بصري يلقاهم في كلِّ شي

وإذا لم يجتليهم ناظري

أيُّ نفع لي إذًا في ناظري

قرَّة العين بهم في نقطةٍ

لست موقوفًا على ....

وسماعي طيَّب ألحانهم .....

..... الأحباب تتلوها علي

لو خلا سمعي عنها نفسًا

لاعتراني صممٌ في مسمعي

ما تشفَّعت بنايٍ مطرب

ليعود الوجد بعد الموت حي

بل وجودي مطلقٌ لي أفقي

قد طوي النَّعمة والألحان طي

قدم العهد بجيران النَّقا

وهو اسمٌ مستجدُّ يا أخي

كلَّ يوم لي شأنٌ في الهوى

لا خلوت الدَّهر من هذا الهوي

ليس عندي مللٌ في حبِّهم

ذاك بعد الرُّشد للعشَّاق غي

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

وحقِّك مذ فارقت شخصك لم أر بألطف من تلك الشَّمائل ابحرا

/286 أ/ لقد ظلم الأوصاف منك مشبِّهٌ

لها بالنَّسيم البابليَّ إذا سرى

وفيك الَّذي لم تشهد العين مثله

ولم تسمع الآذان عنه مخبِّرا

جمالك فيَّاضٌ على كلَّ ناظرٍ

جمالًا به ذاك المحلُّ تنوَّرا

يرى كلُّ طرفٍ منك معنٌى بقدرة

وحسنك يأبى أن يحاط ويحصرا

ففي كل ِّجزءٍ منك يشهد جنَّةً

ويبصر بدر التَّمِّ فيه مصوَّرا

وأنشدني لنفسه: [من المتقارب]

خليلي إن جئت كثب اللِّوى

فعرِّج فديت علي رنده

ورد منهلًا طال عهدي به

وإنِّي لظامٍ إلى ورده

ص: 419

وسلِّم على باخل لم يجد

بأن يرد الطَّيف من عنده

وقل: ذلك الصَّبُّ باق على

محبَّته ..... وجده

مقيمٌ على العهد لا ينثني

وقلَّ المقيم على عهده

لك الله مابال حبِّي إذا

تلا فيه لجَّج في بعده

وإن كنت في كلِّ حالاته

حليف الوفاء علي ودِّه

شكورٌ على وصله إن بدا

صبورٌ على المرء من صدِّه

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الرمل]

/286 ب/ يا بريقًا لاح وهنا

وحكي خدِّي مزنا

وحكي لمَّا تراءى

لامعًا من ثغر لبنى

خبِّر الأحباب عنِّي

أَّنني ذاك المعنَّى

إن فنى فيهم وجودي

فغرامي ليس يفنى

آه لو نال فؤادي

منهم ما قد تمنَّى

ياحبيبًا حلَّ قلبي

كيف ما شئت تجنَّى

فيك قد طال عنائي

وبك الغير تهنَّى

ودنا منك سوائي

وودادي منه أدنى

وأنشدني لنفسه: [من مجزوء الوافر]

غزالٌ قد تعرَّض لي

فتًى في وصفه غزلي

خناجر لحظه حكمت

على العشَّاق بالأجل

ولمَّا انكرت عيناه قتل العاشق الوجل

أقام الخدَّ بيِّنةً

واظهر شاهد الخجل

أتى وقميص وجنته

عليه قدَّ من قبل

فحينئذ قضي حكمٌ

بأنَّ الذَّنب للمقل

/287 أ/ أيًالله لم يحم أسيل الخدِّ بالأسل

ولم يذك لهيب القلب

ما يلقى من العذل

ص: 420

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الرمل]

لي فؤاد في فناكم عرَّسا

بسوى حبِّكم ما أنسا

هو ضيفٌ ونزيلٌ عندكم

متَّعوه بقراكم نفسا

ذكر الله بخير مجلسًا

بالحمى قد ضمَّنا والجلسا

إنَّ في الحيِّ مريضًا كلَّما

كاد يشفيه رجاه انتكسا

إن خشى من زفرة تفضحه

ستر الخال وشمَّ النَّرجسا

لو تكن أنفسنا ملكًا لنا

ذلك اليوم بذلنا الأنفسا

يا لييلات مضت عهدي بها

إختلسنا العيش فيها خلسا

وفؤادًا يترجَّى عودةً

بالَّذي منَّ بها لا تأيسا

فعسى الدَّهر بها مرتجعًا

مابقي إلَاّ تعاليل عسى

وأنشدني أيضًا من شعره: [من الوافر]

إذا أبصرت برقًا يثربيًّا

يشبُّ لهيب وجدي يا أخيَّا

/287 ب/ يذكِّرني عهود أهيل نجد

ولم أك قبل لامعه نسيَّا

أصيحابي لعلَّكم تراعوا

خليلًا لم يزل لكم وفيَّا

إذا وافيتم خللًا بنجد

هنيئًا جمع شملكم هنيًّا

فقولوا رام ذو قلق ووجد

زيارتكم ولكن ما تهيَّا

ولي قلب ترحَّل إذ تغنَّت

حداتكم وأعملت المطيَّا

فيا قلبي الَّذي قد فرَّ منَّي

إلى الأحباب يطوي البيد طيَّا

إذا وافيت بدر بني تميم

فحِّيي بحيٍّهم ذاك المحيَّا

ومن لي إن رأى قلبي حماهم

وحيَّا عن قتيل الشَّوق حيَّا

[159]

إسماعيل بن علوي بن علوان، أبو محمد البوازيجيُّ.

كان رجلًا صالحًا من أولياء الله تعالى.

صحب الشيخ حماد بن محمد بن جساس البوازيجي. نزل إربل وسكنها إلى أن توفي بها يوم الخميس تاسع عشري ربيع الآخر سنة إثنتين وعشرين وستمائة. وكان

ص: 421

منزله مألفًا للفقراء وذوي التّصوّف.

أنشدني ولده أبو أحمد محمد /288 أ/ قال: سمعت والدي ينشد لنفسه:

[من الوافر]

عصيتك يا إلهي واشقائي

وغيرك ليس يعرفني فني بذاكا

وإنِّي أرتجيك العفو عنِّي

وليس العفو يرجى من سواكا

[160]

إسماعيل بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عزيز بن الحسين بن أبي جعفر محمد الأطروش بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن محمد الديباج بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليِّ الحسين بن علي بن أبي طالبٍ، أبو طالب الحسيني المروزيَّ.

القاضي، النسَّابة، الفقيه الأديب، المصنّف.

قرأ علم الأدب والعربية على أبي الفتح محمد بن سعد بن محمد الديباجي، وأبي الفتح المطرِّزيّ. وأخذ الفقه عن الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسين الطيّان الماهروي الحنفي، وقاضي القضاة أبي الفتح محمد بن سليمان بن إسحاق الفقيهيّ.

وسمع الحديث على إسماعيل بن محمد بن يوسف القاشاني وغيرهم من العلماء والمحدثين.

ولي القضاء بمرو، وصنّف تصانيف كثيرة /288 ب/ منها كتاب "حظيرة القدس" نحو ستين مجلّدًا، وكتاب "بستان الشرف" وهو مختصر ذلك، وكتاب "غنية

ص: 422

الطالب في نسب آل أبي طالب"، وكتاب "الموجز فى النسب"، وكتاب "الفخري في النسب" صنفه للإمام فخر الدين أبي الفضل محمد بن عمر الرازي، يكون عشرين مجلّدًا، وكتاب "زبدة الطالبية"، وكتاب "العترة النبوية في أنساب الموسوية"، وكتاب "المثلث فى السير"، وشرح عدّة كتب منها كتاب أبي الغنائم الدمشقي، وكتاب "الطبقات" للفقيه زكريا بن أحمد البزاز النيسابوري، وكتاب "الشافعي" خاصة، وكتاب "وفق الأعداد فى النِّسب" وإلى غير ذلك من المصنفات.

وكانت ولادته ليلة الإثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وكان أعلم الناس .... بالأنساب والنحو واللغة والفقه /289 أ/ والشعر والأصول والنجوم وغير ذلك.

وتفرّد في بلده بالتصدر لإقراء العلوم على اختلافها في منزله ينتابه الناس على حسب أغراضهم فمن قارٍ للفقه، ومتعلَّم للنحو، ومصحح للغة، وناظر في النجوم، ومباحث في الأصول؛ وهو مع سعة علمه متواضع لين الجانب لا يرد غريبٌ إلاّ عليه ولا يستفيد مفيد إلَاّ منه، قد طبعه الله من كرم الأخلاق، وطهارة الأعراق، وحسن البشر، وحرمة الطبع، وحياء الوجه، وحبّ الغرباء ما لا يرى متفرقًا مع خلق كثير- فرضي الله عنه وأرضاه- فلقد كان من محاسن الدنيا وعجائبها.

ومن شعره قوله: [من السريع]

قولوا لمن لبِّي في حبِّه:

قد صار مغلوبًا ومسلوبا

وفي صميم القلب منِّي أري

هواه والإيمان مكتوبا

وصحَّتي في عشقه صيَّرت

جسمي معلولًا ومعيوبا

ومدمعي منهمرًا هاميًا

منهملًا فى الخدِّ مسكوبا

وقال أيضًا: [من البسيط]

والعين يحجبها لألأء غرَّته

عن التَّأمل في ذا المنظر الحسن

/289 ب/ بل عبرتي منعت لو نظرتي عبرت

إليه من مقلتي إلا على السُّفن

ص: 423

لولا تجشُّمه بالإبتسام وما

أمدَّه الله عند النُّطق باللَّسن

لما عرفت عقيقًا شفَّه دررٌ

ولم يبن فوه نطقًا وهو لم يبن

[161]

إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنود بن أسحم بن النعمان- ويقال له الساطع- ابن عديِّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح ين خديجة بن تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة- وقضاعة لقبٌ واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو محمد بن أبي إسحاق، المعريُّ الأصل، الدمشقيُّ المنشأ والدار.

كان جده أبو اليسر شاكرًا كاتبًا لنور الدين /290 أ/ أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر. وهو من بيت عريق في القضاء والعلم والأدب والفقه والشعر. وأبو محمد من الفضلاء الفصحاء العلماء الأدباء.

حدّثني الأمير أبو حفص بن أبي المعالي، قال: سألت الإمام محمد بمدينة دمشق في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وستمائة أن يحلّ أبيات أبي الحسن بن الرومي وهي: [من الكامل]

وحديثها السِّحر الحلال لو أنَّه

لم يجن قتل المسلم المتحرِّز

إن طال لم يملك وإن هي أوجزت

ودَّ المحدِّث أنَّها لم توجز

شرك النُّفوس وقينةٌ ما مثلها

للمطمئنِّ وعقلة المستوفز

فنثرها، وقال: "وحديثها الحديث لا كالحديث عذب كالماء الزلال، وأسكر فأشبه العتيق من الجريال، واستملى من غير ملّ ولا إملال، وشغل عن غرر من واجب الأشغال، وجنى من قتل المسلم المتحرز ما ليس بحلال صادت بشركه النفوس،

ص: 424

ومالت إلى /290 ب/ وجهة الأعناق والرؤوس، فيهن نزهة العيون وعقال العقول، والموجز الذي ودّ المحدّث أن يطول .. ثم أنشد لنفسه:[من الطويل]

حديثٌ حديث العهد فتَّح نوره

فمن نوره قد زاد في السَّمع والبصر

يخرُّون للأذقان عند سماعه

كأنَّ بهم شيعيَّه وهو منتظر

يلذُّ به طول الحديث لسامر

ولا يعتريه من إطالته ضجر

به طرفٌ للطرف تجنى وعقلةٌ

لعاقل ركب مستفزًّا إلى السَّفر

هي البدر فاسمع ما تقول فإنَّه

غريبٌ وحدِّث بالرِّاوية عن قمر

[162]

إسماعيل بن الحسين بن حامد بن جبارة بن المحسن بن عبد الله، أبو الفداء الموصليُّ، المعروف بابن القائد.

وهو والد رشيد ومعتوقٍ، وسيأتي شعرهما في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

كان رجلًا عاميًا، يقول الأشعار طبعًا من غير قراءة نحو وأدب، وبلغ قريبًا من تسعين سنة، ولم يتغير ذهنه وعقله.

أنشدني ولده /291 أ/ رشيد قال: أنشدني والدي لنفسه: [من الكامل]

ومزرفن الأصداغ معسول اللَّمى

جرح الفؤاد بطرفه لمَّا رمى

كتب العذار على سوالف خدَّه

سطرًا فقام به الجمال مترجما

ما تمَّ حسن البدر عند تمامه

حتى أستدار به الظَّلام مخيِّما

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]

قامت تودِّعني أميمة والهوى

قسمان بين مودَّع ومودِّع

في برقع برزت إليَّ فمن رأى

شمس الضُّحى محجوبةً في برقع؟ !

فلثمت رشف رضابها ودموعها

هطَّالةٌ خوف الفراق وأدمعي

وشكوت ما ألقاه من وجدي بها

يوم النَّوى فتنهَّدت وبكت معي

ص: 425

ثم أفترقنا وهي قائلةٌ لقد

بلغ الحسود مناه فيما يدَّعي

فارقت جيران الرِّضا لا بالرِّضا

منِّي ونيران الغضا في أضلعي

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني والدي لنفسه: [من السريع]

لم أنساها وهي إلى جانبي

تعبث في حلِّ سراويلي

قلت: وما تبغين يا منتهى

سؤلي ويا غاية مأمولي

قالت وقد زال الحيا بيننا

ياعمُّ إحليك يحلو لي!

/291 ب/ وأنشدني، قال: أنشدني والدي قوله: [من الطويل]

ولمَّا رأت ايري كبيرًا تمنَّعت

كأن بها ضيقًا وسيِّئ أخلاق

فأولجت فيها بعضه فتحسَّرت

فقلت: على ماذا؟ فقالت: على الباقي

[163]

إسماعيل بن عليٍّ، أبو الفداء البغداديُّ.

كان متوليًا الأبنية المعمور في زمان الإمام الناصر لدين الله- رضي الله عنه وحبس. وكان عنده أدب وفضل.

ومن شعره وهو محبوس ما كتبه إلى أهله وأقاربه، ويمدح الناصر لدين الله:

[من الطويل]

ألا فابلغا الأهل الكرام سلامي

وقولا لهم وجدي بهم وغرامي

وإنِّي لا أنسى زمان وصالهم

وأذكرهم في يقظتي ومنامي

وأعجب شيء أنَّ طيف خيالهم

يزود دجًى والحارسون أمامي

لئن فاتني فصل الرَّبيع بقربهم

فإنَّ ربيعي علَّتي وسقامي

ووردي ورودي مورد الذُّل والضًّنا

وآسي يأسي والدُّموع مدامي

ولو شاهدد الحسَّاد ما قد لقيته

من الحبس رقُّوا الاستماع كلامي

/292 أ/ وما أنا إلَاّ السَّيف لان لصيقلٍ

وإني في يوم الوغى لمحامي

وإن كنت محبوسًا فقد طال ما ثوى

بحبس رفيع القدر نجل همام

فلا تيأسوا من عودتي وتمسَّكوا

بحبل دعاء فهو خير ذمام

فلولا دعا ذي النُّون في اليمِّ ما نجا

ودام به في وحشة وظلام

ص: 426

وعفو أمير المؤمنين مؤمَّلٌ

ورحمته لي فهو خير إمام

وخير مليك يفتح الشَّرق عنوةً

ويملك غربًا فاتكًا لحسام

وقال في الشيب: [من البسيط]

شيب الدَّواة وشيب الرَّأس قد منعا

خطَّي وخطوي فلا حكمٌ ولا سبب

مركَّب النِّقس ما لي عشر قيمته

ولا الركاب يواتيني ولا الرُّكب

وقال أيضًا: [من البسيط]

لهفي على صاحب قد كان يسعدني

على الرَّجاء ويحدوني على الأمل

وعزمتي كلَّما عاينت طلعته

فوق السِّماك ويتلو عزمتي عملي

وقال أيضًا: [من البسيط]

إنِّي أخاف من التَّأخير فاستمعي

يارَّبة الخدر قولًا غير مندفع

والوجد يحرقني والشَّوق يقلقني

والدَّمع يسبقني والقلب ليس معي

/292 ب/ أموت باليأس إن طال الفراق وإن

وعدتم باللِّقا أحيا من الطَّمع

وله: [من الطويل]

بكيت شبابي إذ رأيت مشيبي

وأبدلت من إلف بعرف غريب

وما أسفي أن فاتني اللَّهو والصِّبا

ولكن لأيَّامٍ مضت بعيوبي

وما توبة الإنسان بعد مشيبه

وزهد الغواني فيه مثل حبيب

وكيف يقاس الغصن بعد جفافه

بغصن ربيعيِّ القوام رطيب

وإني لأرجو بعد ذلك كلِّه

من الله عفوًا عن جميع ذنوبي

[164]

إسماعيل بن موسى بن منصور بن إبراهيم بن العاص الربعيُّ المقرئ، أبو المجد البوماريُّ.

شيخ ضعيف العينين، ربعة كبير السن أربى على الثمانين. وهو من قرية من قرى

ص: 427

الموصل الغريبة تدعى "بومارية" بها ولد ونشأ وخرج عنها صغيرًا.

وحفظ القرآن العزيز حفظًا جيدًا، وسمع الحديث وسافر إلى مدينة السلام في طلب العلم، وقراءة القرآن وتجويده، ونزل عبادان.

ثم كرّ راجعًا إلى الموصل فاستوطنها، وأدرك /293 أ/ الإمام أبا بكر يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي المقرئ بالموصل؛ وله منه إجازة.

وهو رجل صالح متدّين له أشعار فى الزهديات والتحريض على طاعة الله تعالى والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أنشدني لنفسه من قصيدة طويلة أولها: [من البسيط]

أستغفر الله في سرِّي وإعلاني

ممَّا جنيت ومن زلَّات إخواني

وأسأل الله لي عفوًا ومغفرًة

فإنَّه أهل ذي عفو وغفران

واحفظ الودَّ للإخوان إن بعدوا

وإن دنوا ثمَّ أعفوا عن أخي الجاني

والعهد أرعى لأصحابي وإن نقضوا

عهدي كذاك أراعي حقَّ جيراني

وأطلب الرِّزق من رَّبي ويطلبني

أشدًّ من طلبي والحرص أعياني

وأتبع الشَّرع فيما قد أمرت به

والشَّرع يأمرني والشَّرع ينهاني

وأحمد الله رِّبي ثمَّ أشكره

كما هداني لهذا وهو يرعاني

أصحابنا أستمعوا ما قال والدكم

قد قال نصحًا وصدقًا غير بهتان

واستمسكوا بكتاب الله واتَّبعوا

قول الرَّسول هما للشَّرع أصلان

وسنَّة الخلفاء الراشدين بها

أوصى النَّبيُّ الَّذي من ولد عدنان

خلُّوا الهوى وحديث النَّفس واتَّبعوا

ما قد ذكرت لكم تجزوا بإحسان

[165]

/293 ب/ إسماعيل بن إبراهيم بن غازي بن عليِّ بن محمدٍ، أبو طاهر النُّميريُّ المعروف بابن فلّوس.

ص: 428

من أهل ماردين.

كان فقيهًا حنفيًا أصوليًا فاضلًا ذا قدرة على ما يريد من إنشاء القريض، وخاطر مطاوع في ذلك.

سكن بالآخرة دمشق، يدرس الفقه بالمدرسة العزيَّة المنسوبة إلى الأمير عزّ الدين ايبك أستاذ الدار، وتوفي بدمشق يوم الأربعاء من المحرم في سنة سبع وثلاثين وستمائة.

وكانت ولادته فى أربع وتسعين وخمسمائة.

أنشدني أبو الفتوح الحسين بن الحسن بن محمد بن محمد البكري، قال: أنشدني أبو طاهر بن فلّوس لنفسه بدمشق: [من الوافر]

لحاه الله من زمن خسيس

أكابره الأراذل والعبيد

زمانٌ قلَّ أهل الفضل فيه

بل انقرضوا فليس لهم وجود

وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]

سأترك من أهواه لا عن ملالةٍ

ولكن لأمرٍ أوجب الأخذ بالتَّرك

/294 أ/ أراد شريكًا في المودَّة بيننا

وإيمان قلبي لا يميل إلى الشِّرك

وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني لنفسه جوابًا لبعض أصحابه، وقد كتب إليه أبياتًا وهي:[من السريع]

يا أيُّها العالم ماذا ترى

في عاشق ذاب من الوجد

في حبِّ ظبي لأهيف أغيد

سهل المحيَّا حسن القدِّ

فهل ترى تقبيله جائزًا

في النحر والعينين والخدِّ

من غير ذي فحشٍ ولا ريبة

بل بعناقٍ ضم في جلد

ص: 429

فأجابه أبو طاهر بن فلّوس: [من السريع]

يا أيُّها السَّائل إنِّي أرى

تقبيلك العينين بالخدِّ

يفضي إلى ما بعده فاجتنب

تقبيله بالجدِّ والجهد

لأنَّ من يرتع في روضة

لا بد أن يجني من الورد

[166]

إسماعيل بن هبة الله بن يوسف بن إبراهيم بن أبي الفضائل، أبو الفداء الحمويُّ.

كانت ولادته /294 ب/ في سنة خمس وتسعين وخمسمائة. شاب له معرفة حسنة بالنجوم، وكتبة التقاويم، وفيه فضل وعلم.

أنشدني لنفسه بدمشق في سنة أربعين وستمائة وماكتبه إلى بعض الأمراء يخاطبه:

[من الكامل]

إسعد بهذا الحول يا ملك الدُّني

وتملَّ نعمى ليس عنك لها انثنى

واغنم مسرَّات النُّفوس فإنَّها

فرضٌ ودع ذكر اللِّوى والمنحنى

يا مالكًا أبت الهوي آراؤه

شرفًا كما عزماته أبت الونى

ما بال ملكك ليس يبرح موطنًا

وجزيل مالك ليس يألف موطنا

وأنشدني لنفسه ماكتبه علي لوح رمل معمول من .... يولد فيه ويضرب من غير أن يكون فيه رمل، يستغني بذلك عن الرمل:[من الكامل]

أنا كاشف الأسرار فيَّ بدائعٌ

من حكمة وغرائبٌ وعيوب

أنا ذو البلاغة والمحدِّث صامتٌ

وبمنطقي التَّرغيب والتَّرهيب

يخفي اللَّبيب ضميره فأبينه

فكأن أعضائي خلقن قلوب

إنِّي بسطت أديم وجهي خاضعًا

وتركته عوض التَّراب ينوب

ص: 430

[167]

إسماعيل بن عبد الرحيم /295 أ/ بن المرجَّى بن عبد الله بن المؤمَّل، الفقيه الشافعيُّ المدرس المفتي القوصي الأنصاريُّ.

سألته عن مولده، فقال: ما أتحققه؛ إلَاّ أنَّ لي من العمر خمسًا وستين سنة، فيكون مولده تخمينًا فى سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

حفظ القرآن العزيز ببلدته، وسمع الحديث بمنية ابن الخصيب على الشيخ علي بن خلف بن معز الكومي التلمساني، وبدمشق على أبي طاهر الخشوعي، والحافظ أبي محمد بن عساكر وطبقتهما خلق كثير، وبالموصل من المجد بن الأثير، وعبد القادر الرّهاوي، وأبي الحرم النحوي وجماعة بها؛ وبمكّة- شرّفها الله- من الحافظ برهان الدين أبي الفتح نصر بن أبي الفرج الحصري وغيرهم.

ص: 431

وترسل إلي الملوك بذلك الزمان عن الملك العادل، ودرس بزاوية جمال الإسلام بجامع دمشق، وتولّى وكالة بيت المال عن ملوك بني أيوب، ونفذ إلى الأطراف إلى ديار بكر والموصل وسنجار والجزيرة العمرية وخلاط وبلاد الحشيشية وحلب.

ودرس فقه الشافعي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وحضر مجلسه الأكابر والصدور والوزراء من العلماء، وقرأ الأدب على تاج الدين الكندي، /295 ب/ ولازم عماد الدين وأخذ عنه علمًا كثيرًا، وقرأ عليه تصانيفه حتى لم يكد يفوته منها شيء؛ "كالفتح القدسي" و"البرق الشامي"، و"نحلة الرحلة وحلية العطلة"، و"عتبى الزمان وعقبى الحدثان".

وله مصنفات منها كتاب "الدر الثمين في شرح كلمة آمين" المصنّف للسلطان الملك الكامل سمي بني أكرم الأكرمين محمد، وكتاب "بغية الراجي ومنية الآمل بمحاسن دولة الملك الكامل"، وكتاب "الروض الناضر في محاسن دولة الملك الناصر"، وكتاب "تحف المحاضرة وظرف المذاكرة" مبوب أبوابًا، وكتاب "الحلة الموشاة في أسباب النصرة على خوارزم شاه" المصنف للملك الأشرف– رحمه الله تعالى-، وكتاب "الروض البهج والعرف الأرج" المصنف لعلي بن قلج.

أنشدني لنفسه يوم السبت الحادي عشر من المحرم سنة أربعين وستمائة بمنزله المحروس بدمشق في التاريخ المذكور: [من البسيط]

/296 أ/ فكري تقسَّم والأشواق تزعجني

والقلب في لهب النِّيران يتَّقد

وسحب عيني بماء الدَّمع هاطلةٌ

والصَّبر قد خانني ياصاح والجلد

وأنشدني لنفسه أيضًا: [من الطويل]

هب الدَّهر أرضاني وفرَّج كربتي

وأنقدني من ذلَّة السَّجن والأسر

فمن لي بأيَّام السُّرور الَّتي مضت

ومن لي بما أنفقت في السِّجن من عمري

وأنشدني أيضًا لنفسه لغزًا في القداحة: [من الكامل]

قدَّاحة يحكي فؤادي نارها

تخفى وتكمن تحت برد الظَّاهر

فاعجبت لنارٍ تحت بردٍ تختفي

كالمكر فى قلب العدوِّ الماكر

ص: 432

[168]

إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد بن باطيش، أبو المجد بن أبي البركات الموصليُّ.

أصله من الحديثة.

كان والده عدلًا بالموصل مقبول الشهادة؛ وابنه أبو المجد هذا فقيه شافعي المذهب، قرأ الفقيه بالموصل، وسافر إلى بغداد فتفقه بها مدّة في المدرسة النظامية /296 ب/ حتى برع فيه وفي الخلاف والجدل والأصولين، واشتغل بالأدب والحديث، وقرأ الفقه على يحيى بن سليمان بن العطار، وأبي المظفر محمد بن علوان بن مهاجر، وسمع من أصحاب أبي القاسم بن الحسين، وأبي بكر محمد بن عبد الباقي، وأبي غالب بن البناء، وأبي العز بن كارش العكبري وطبقتهم، وعاد إلى بلده ورتب معيدًا بالمدرسة البدرية وخازن كتبها.

وصنّف كتبًا منها كتاب فى "طبقات أصحاب الشافعي- رضي الله عنه"، وكتاب "مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب"، وكتاب في "مشتبه النسبة"، وكتاب "شرح ألفاظ المهذّب" لأبي إسحاق الشيرازي والأسامي المودعة فيه، وكتاب "التميّز والفصل بين المتفق في الخط والنقط والشكل"، وكتاب "غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل"، وكتاب "نهاية الأرب" في تهذيب عجالة النسب"، وكتاب "أقصى الأمل فى

ص: 433

علم الجدل"، وكتاب "عدّة السالكين"، وكتاب "فريد الشهاب"، وكتاب "مزيل الشبهات في إثبات الكرامات"، وكتاب /297 أ/ "نهاية المرام في إيضاح أركان الإسلام"، وكتاب "فضل الصيام وما ورد الحث على صومه من الشهور والأيام"، وكتاب "النخبة من مشتبه النسبة"، و"أربعين حديثًا عن أربعين من فقهاء الصحابة"، و"شرح البنية" لأبي إسحاق الشيرازي في عشر مجلدات أخذته الغرب في جملة كتبه، وعاد بعضه، وكتاب "بغية المشتاق إلى نعرفة الأوفاق" وغير ذلك .... على يده بحلب.

سافر صحبه أبي الكرم محمد بن علي بن مهاجر الموصلي إلى الرّقة، وقد وصل إلى الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن ايوب ففارقه منها، وقدم حلب فسمع بها قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الموصلي الأسدي، وأبا محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي.

وكان قصد دمشق في سنة ثلاث وستمائة، فسمع بها أبا اليمن الكندي، وأبا القاسم الحرستاني وجماعة من أصحاب الفقية نصر الله وابن قبيس وغيرهم.

واجتاز بحلب فسمع بها أبا الفضل الهاشمي، ولقي بها حنبل الرصافي مجتازًا إلى دمشق، وسمع في طريقه بحماة ..... وزاد شيوخه على المائة شيخ.

/297 ب/ ثم توجّه إلى بلده، فأقام به مدة إلى أن أرسل خلفة بلديه الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني، وكان كثير الاعتقاد فيه، فاستدعاه إلى حلب فخرج من الموصل متوجهًا إلى حلب؛ فخرج العرب على القافلة فأخذوه فيما بين حرّان ورأس عين، وأخذوا كتبه وقماشه في الجملة، وسلم بنفسه.

ثم وصل إلى حلب وذلك سنة إثنتين وعشرين [وستمائة] فأنزلة شمس الدين لؤلؤ في داره ومال إليه بجملته، واعتمد عليه في أموره، ودام على ذلك مدّة.

ثم فوّض إليه قاضي القضاة أبو المحاسن المذكور آنفًا التدريس بالمدرسة النورية المعروفة بالنغري.

ص: 434

سئل عن مولده، فقال ولدت في يوم الأحد السادس عشر من المحرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

وهو شيخ فاضل كيّس تام المروءة، كريم الصحبة، حسن الأخلاق، حرّ الطباع، يراعي حق أصدقائه ومعارفه، ويتعصب لهم باجتهاده، ويبالغ في قضاء حقوقهم، وإيصال الراحة إليهم؛ نعم الرجل هو دينًا وفضلًا وسكونًا وعقلًا وحلمًا وعلمًا.

أنشدني لنفسه بمدينة حلب يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر /298 أ/ من سنة أربع وثلاثين وستمائة ما كتبه من الموصل إلى مدينة السلام في كتاب إلى بعض أصدقائه يداعبه ويطايبه: [من الطويل]

بأيِّ لسان بعد بعدك أنطق

لأبدي شكايات جناها التَّفرُّق

سهادٌ بجفن العين منِّي موكلٌ

وقلب لتذكار الأحبَّة يخفق

وشوقٌ إلى الزَّوراء يزداد كلَّما

ترنَّم قمريُّ وناح مطوَّق

وما شاقني حسر ولا رقَّة ولا

صراة بها الماء الفرات مرقرق

ولا نهر عيسى والحريم ودجلةٌ

ولا سفنها أمست تخبُّ وتعتق

ولكن لييلاتٌ تقضَّت بسادةٍ

برؤيتهم شمل الهموم يفرَّق

فلا غرو أن تذرى الدُّموع ببعدهم

ومنهم حليف المكرمات الموفَّق

سلامٌ عليه كلَّما ذرَّ شارقٌ

وإن كان يلهيه الغزال المقرطق

[169]

إسماعيل بن أبي الفتح بن رزق الله بن الهائم السنجاريُّ.

أنشدني أبو الحسن علي بن الحسين بن دبابا الفقيه الحنفي، قال: أنشدني إسماعيل بن أبي الفتح السنجاري لنفسه: [من الطويل]

/298 ب/ سقى الله أرضًا بالعراق وإن خلت

تهائمها من بعدكم ونجودها

سحائب يسحبن الذُّيول كأنَّها

نجائب قد مالت عليها قتودها

إذا شارفت منها الشَّوارف بلدةً

وقد مات مشربها وجفَّ صعيدها

ص: 435

بكين بها ورقٌ كأن هاج شجوها

من الورق في رأد الضُّحي ....

[وله يرثي أبا القاسم علي بن محمد بن علي بن مهاجر الموصلي، واستشهد على يدي التتار الملاعين– خذلهم الله تعالى– وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة:

[من الطويل]

أحقًا درى الناعي بما هو قائله

وما ثكلته عند ذاك ثواكله

نعى أسدًا يردي الخطوب قراعه

وتسترحب الأرض الوقور زلازله

فواحسرتا لم تحظ نفسي بقربه

ولا علمت أن الحمام يعاجله

ويا طول حزني بعده وتلدُّدي

ويا خيبتاه في الَّذي أنا فاعله

وحسبي حزنًا أن أرى الرَّبع موحشًا

..... ..... جلا جله

فلله قلبٌ ما تغنَّت حمامةٌ

على إلفها إلا وهاجت بلا بله

لقد أودع المعروف ..... .....

..... ..... جنادله

فيا ..... يستضحك الرَّوض برقه

ويبكي تلاع الأرض بالقفز وابله

تحمل إلى قبر الشَّهيد تحيِّةً

تطيب بها أسحاره وأصائله

فيا أيُّها النَّاعيه جهلًا بقدره

ستبدي لك الأيَّام ما أنت فاعله

وقال معين الدِّين أثبته الرَّدى

بسهم ردًى أصمى المعالي عاجله

فلو كان كفؤًا من أصيب بسهمه

عذرت ولكن ليس بالكفء قاتله

مضى والعلا لم تستتمَّ رضاعه

ولم ترو من ماء الشَّباب مناهله

ولم تشف ..... السَّمهريِّ بكفَّه

ولم ..... ..... .....

.. ..... .....

..... قد أظهر آياته .....

.. الأيام دونك والنَّوى

وأنت بقلبي ساكنٌ .....

.. إلى سحائب ليس يقلع نوؤه

أواخره من رحمةٍ وأوائله

ولا برح التُّرب الذي أنت جاره

تزف ..... الرياض ..... .....

وصابك من سروى أبيك وبرَّه

سحائب يهديها إليك فواضله

هو الصَّاحب المولى الوزير محمَّدٌ

مكارمه معروفةٌ ونوافله

فلولا كمال الدِّين ..... تطيب

..... ..... ..... غوائله

ص: 436

فلا راعنا فيه الزَّمان بفادحٍ

ولا زال يعلو بالعلا من يطاوله]

[170]

إسماعيل بن عمر بن عبد العزيز بن هبه الله بن الحسن بن أحمد بن حمدون، أبو الفداء السنجاريُّ، المعروف بابن الخطيب.

كان لسلفه الخطابة بسنجار، وبيتهم مشهورٌ بالعلم والفضل.

وأبو الفداء قرأ شيئًا من الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة– رضي الله عنه– ورحل إلى مدينة السلام مادحًا الإمام المستنصر بالله أبا جعفر المنصور– خلّد الله دولته– وعاود منها إلى إربل؛ فلقيته بها في شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين وستمائة، وأنشدني قوله في أمير المؤمنين المستنصر بالله– عظم الله سلطانه-:[من الكامل]

دار السَّلام وصلتها فاستبشري

واستشعري حمد الصَّباح المسفر

/299 أ/ وتفيَّئي برد الظِّلال وغادري

حرَّ الهجير لمنجد ومغوِّر

هذي قصيَّات المنى بلِّغتها

وسلي إدامتها وسعيك فاشكري

يا ناق حلَّلت النُّسوع ولم تكد

أو لم تحلَّ بالمحلَّ الأكبر

حرم النُّبوَّة والخلافة مركز الإسلام والدِّين الحنيف الأطهر

نادي أمير المؤمنين وموئل

اللَّاجين من عافٍ ومن مستغفر

من طاعة الله طاعته ومن

عصيانه كالشِّرك ضد مكفَّر

مستنصرٌ بالله لم تعدم إجابته بنصرة دعوة المستنصر

عرفت لبيعته الإمامة حقَّها

فعلا بوطئته علاء المنبر

نسخت مكارمه المكارم كلَّها

فكأنَّها من قبله لم تذكر

في الأرض أبحر عشرةٌ مشهورةٌ

والأرض نعرفها بسبعة أبحر

مستحدثٌ في كلِّ يوم سؤددًا

متحدِّثًا عن سؤددٍ في العنصر

ص: 437

ألقى له الإسلام فضل زمامه

فاقتاده بيد المحقِّ المظهر

كالسَّيف في ذات الإله وإن غدا

كرمًا كميَّاد الأراك الأنظر

وأغرَّ بالمجد الغريب مظفَّرٌ

وسواه بالعاديِّ غير مظفَّر

كالغيث يجري نائلًا ومواهبًا

لم يعطها صوب السَّحاب الممطر

/299 ب/ شرفت بنو العبَّاس منه بمشرفٍ

من فوق اسمه العلاء مشمِّر

قوم هم شمُّ الجبال رجاحةً

وخلائقًا كالماء غير مكدَّر

لهم فتوح المكرمات وفيهم

نزلت مفاتح سورة المدَّثِّر

سمعًا أمير المؤمنين قصيدةً

عذراء قد طالت مقال البحتري

بك فخرها والنَّاس لم يعرف بهم

أحدًا سواك بمدحه لم يفخر

قامت بمدحك حسب طاقتها ومن

يسطيع مدح مكارم لم تحصر

حزت المدى في الشُّكر حتَّى ما يرى

يومًا لفضل نداك من لم يشكر

شرفت بنو العباس يوم العبَّاس يوم خلفتهم

بمكارمٍ مشهورة لم تنكر

وفدت هباتك وفد كلِّ قبيلةٍ

وسرين نحو العاجز المتدٍّبر

لمَّا أرد إلَّا لملكك داعيًا

ومؤدِّيًا فضل المديح المثمر

إلَّا فماذا بالغٌ نظم أمرىٍء

عن بعض شكرك والثَّناء مقصِّر

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

نؤمِّل بعد البين أن نتجمَّعا

وشحط النَّوى لم يبق فى القوس منزعا

وقد كنت أشكو البعد والدَّار لم تبن

فقد صرت أشكو هجركم والنَّوى معا

/300 أ/ نأيتم فلا جفني يلمُّ به الكرى

حفاظًا ولا جنبي يلائم مضجعا

وكنت أرى أنِّي عصيٌّ على الهوى

فكنت له من بانة الشِّعب أطوعا

تصاممت عن طير الفراق وإنَّما

أضاءت بنا داعي الرَّحيل فأسمعا

وطارت بلبِّي يوم طارت ركابكم

على إثرها تلك النَّواعب وقَّعا

فلا يتَّهمني الكاشحون بأنَّني

صبوت فقلبي يوم أزمعت أزمعا

ص: 438

[171]

إسماعيل بن عليِّ بن أحمد بن يوسف بن عمر الموصليُّ، أبو الفداء.

نزل مدينة إربل وتولّى بها عملًا وأقام بها مدّة طويلة في دولة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين– رحمه الله؛ شيخ طويل أبيض اللحية.

أخبرني أنه ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

وتوفي بإربل يوم الأربعاء سادس عشر شعبان سنة إحدى وثلاثين وستمائة.

أنشدني لنفسه: [من الكامل]

يا أيُّها المولى الَّذي عجز الورى

عن شرح ما يأتيه من إحسان

جلَّت جواهرك الشَّريفة أن تكن

أعراضها جسمًا لذي جثمان

لكن لطفت فصرت معنًى قائمًا

بصفاته في صورة الإنسان

/300 ب/ وأنشدني أيضًا قوله: [من المتقارب]

وقائلة لم لبست البياض

وقد كنت تلبس ثوب الحداد

فقلت السواد مضى في البياض

وهذا البياض لهذا السَّواد

وأنشدني لنفسه أيضًا: [من البسيط]

محبتي آدم من فرط زلَّته

ومن نجا باسنه نوحٌ من الغرق

وآل طأها ومن في فضله نزلت

آي الكتاب وتأتي سورة الفلق

لأنتم في فؤاد قلَّ ما هدأت

منه الجوانح احراقًا من القلق

أحلى من الأمن في قلب المخوف ومن

طيب الكري في جفون السَّاهر الأرق

ووجدت له من الشعر قوله: [من الهزج]

أما آن لمرِّ الهجر يا مولاي أن يحلو

وما أوهنه الهجران أن يجبره الوصل

وما أرخصه الإعراض والتَّفريق أن يغلو

رعى الله أنأسًاسا

ء فينا منهم العدل

ص: 439

عقدنا بيننا العهد

ولكنَّهم حلَّوا

إذا كان الجفا منهم

لأمر ماله أصل

/301 أ/ فمن يرجو من بعدي

بأن يصفو له الخلُّ

فللَّه فتًى قال

مقالًا صدَّه الهزل

ترى تجمعنا الدَّار

ترى يكنفنا الظلُّ

[172]

إسماعيل بن صديق إسماعيل أحمد بن خليفة بن سويدان بن عليِّ بن عطّاف بن قرقاش القرشي الدمشقيُّ، المعروف والده بالرامي.

كانت ولادته فى سنه ستّ وتسعين وخمسمائة بنابلس، وانتقل إلى دمشق وهو صغير السن. ثم قدم حلب وتعلق بخدمة الملك الظاهر ثم بعده لولده الملك العزيز ثم ولده الملك الناصر يوسف.

شاهدته بمدينة حلب يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ شاب جندي كيّس جميل، له رواء ومنظر حسن.

أنشدني لنفسه من قصيدة يمدح الملك العزيز صاحب مدينة حلب:

[من الكامل]

ما آل يوسف حامد يثني كما

يثني الثَّرى الصَّادي عن الغيث الرِّوى

وجهًا كشفت قناعه في مدحكم

إذ صنتموه بجودكم عمَّن سوى

/301 ب/ قسمًا ولست بشاعرٍ مسترفد

أودى به طمع الهوى حتَّى هوي

ما للمدائح عنكم مندوحةٌ

لا غرو من فرج ..... صوى

ولأنتم الكهف الَّذي لذنا به

فأفاض نعمته وأدنى المنتوى

وأقام معقلنا وكان مزلزل الأركان مفصوم العرى واهي القوى

ص: 440

إنِّي صدفت عن المديح لغيركم

وعجمت عود مطامعي حتَّى ذوى

لكن علمت بأنَّ مدح محمًّد

فرضٌ ومن ناجى الكليم بذي طوى

ملكٌ أراني المجد شخصًا والنُّهى

روحًا لغايات المكارم قد حوى

فروى عليَّ جلاله آي العلا

وهو الخليق بما رويت وما روى

فليعلم الفصحاء أنَّ مدائحي

ما ضلَّ شاعرها المجيد ولا غوى

أول قصيدة:

أخبار أوسمة الأجيرع فاللِّوى

تنشي الغرام لمن روى ومن ارتوى

فإلى م تسأل عن ديار قطينة

والدَّاء من سبب تروم به الدَّوا

فاكتب فما ترك الأسى لى أدمعًا

كلَّا ولا جلدًا ينازعه جوى

ولقد نويت على التصبِّر للهوى

ولصثرفه ولكلِّ عبدٍ ما نوى

يا راكبًا تهوي به شدنَّيةٌ

وجناء طاوية المصير على الطِّوى

/302 أ/ ناء عن الأوطان قد قذفت به

أيدي النَّوى حتَّى استكان على التَّوى

ليلوذ معتصمًا بحبل محمَّد

.... عرين علاه خفَّاق اللِّوا

لذ بالغياث بن الغياث محمَّد الملك العزيز وقد شكرت يد النَّوى

ملكٌ روى صوب الحيا عن كفِّه

وأقرًّ بالتَّقصير عن رىِّ الرِّوى

وتلا سنى غرر الجياد جياده

طمعًا فقهقهر دون .....

ولقد طوى جور الزَّمان بهم فما

نشرت من اليسر الكريمة ما أنطوى

[173]

إسماعيل بن محمود بن المكارم، أبو محمد النعّال الواعظ.

شاب فاضل خيّر لم يزل مواظبًا على الاشتغال بعلم الوعظ، والجلوس برباط منسوب إلى والده.

وهو أحد من أنعم عليه الإمام الظاهر بأمر الله– رضى الله عنه– وأذن له في الجلوس بباب بدر الشريف، وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح نصر بن عبد الرازق

ص: 441

فقبل شهادته، وأثبت تزكيته.

أنشدني لنفسه يمدح الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين– خلّد الله دولته-

[من البسيط]

ياصاحبيَّ بأعلام العذيب صفا

شوقي إلى منهل بالأبرقين صفا

/302 ب/ وحدِّثا أهل نعمان الأراك بما

لقيته مذ غدًا قلبي بهم كلفا

وسائلا الرَّكب عن وجدي فإن وقفت

.... وادي الحمى فقفا

لي جنَّةٌ إن سرى من نحو كاظمةٍ

برقٌ يسير به الدَّاجي إذا خطفا

بدا وميضًا فأبدا لمعه حرقي

وعاد خفيًا فأخفى الصَّبر حين خفا

هاجت لقلبي تذكار العهود وماء الوصل بالبان حتَّى صحت واأسفا

قل للحبيب الَّذي أفنى بهاجرة

صبري فأضحى جفاءً منه حين جفا

كن كيف شئت فما لي اليوم ملتبسٌ

إلَّا بقاء إمام العصر لي وكفى

فهو الَّذي أنشر الأرمام نائله

بهاجر من غوادي برِّه وكفا

خليفةٌ جمَّل الدُّنيا وأنعش من

فيها بظلٍّ على كلَّ العباد ضفا

لو عاش في الدَّهر يومًا حاتمٌ ورأى

جدواه عادله بالفضل معترفا

له عوارف تسري بعضها ملأ

الأيَّام طيب ثناءٍ نشره ألفا

ما قال: لا في جواب السَّائلين له

بجود كفَّيه ألغى اللَّام والألفا

بل قوله نعمٌ تلفى بها نعمٌ

بفيضهنَّ على العافين قد عطفا

فديت في مشرق الدُّنيا ومغربها

عرف المديح لمعروف به عرفا

داوى بطيب أياديه ورأفته

من كان أشفى لفقرٍ نازل فشفى

/303 أ/ مولًى له قصبات السَّبق كاملةً

لأنه كمَّل العلياء والشَّرفا

أضحى ..... .....

للُّطف مدَّرعا بالعطف متَّصفا

مؤسِّسًا للتُّقى أساس ذي ورعٍ

لكونه من بحار الوحي مغترفا

وقد حمى الدِّين والدُّنيا سطًا وندًى بخاطر عن مراضي الله ما صدفا

.. مواكبه الإملال حيث سرت

لا زال شملهم بالنَّصر مؤتلفا

ودام للملك مولانا الخليفة ما

رقى الغصون حمام البان أو هتفا

ص: 442

أنشدني محمود بن عثمان، قال: أنشدني إسماعيل بن محمود بن مكارم البغدادي لنفسه: [من الخفيف]

روِّق الصِّرف قد تولَّى الظَّلام

وأدرها فقد تغنَّى الحمام

والشَّحارير صوَّتت في البساتين أيبقى من بعد هذا منام

والمعيديُّ في المياه ينادي

كلُّ نومٍ على المحبِّ حرام

ونسيم الصَّباح بالطِّيب والمشموم والعرف سجسجٌ نمَّام

وصريع الشَّراب كالرَّمس ملقًي

والسُّقاة الأهداف والأعلام

مثل ما صاغ قبلنا نبعة المعتزِّ هذا المعنى فتمَّ النَّظام

وكأنَّ السُّقاة بين النَّدامى

ألفاتٌ بين السُّطور قيام

/303 ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط]

قم فاطرد النَّوم عن وسنان قطربلٍ

وقل له كم كرى أودى له السَّهر

فقام يبزل دنًّا كان غارم

فاطلع الشَّمس والدَّيجور معتكر

أما ترى لازورد الأفق ملتمعًا

نوراً وعقد الثريَّا ظلَّ ينتثر

وكنت مرتقب المصباح يوقده

فضاء بالراح ما قد عطَّت الشَّجر

وأشبهت حاله الرَّاووق إذ مزجت

كهالة التِّبر لاحت فوقها الدُّرر

كم قد خطرت على السَّاقي على خطرٍ

في زمرةٍ غيِّبوا عنهم وقد حضروا

وقال أيضًا: [من الخفيف]

هذه الدَّار كأسها الحلو من جودها راجحٍ وليس يشف

أسرت إن سرت مرت أمرت

أنصفت إن صفت وهيهات يصفو

خلِّها خلِّها فمن شأنها الغدر وفى أطيب التَّواصل يجفو

وقال أيضًا: [من الخفيف]

لو قطعت العراق من سفح قاف

قاطعًا للحزون والأحقاف

واضعًا ..... على الأرض في السِّير ووجهي .....

ص: 443

لم أجد كلفة المسافة من شوقي إليكم وذلكم غير خافي

[174]

إسماعيل بن يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي زيد بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن عليٍّ- ويلقب باغرّ- بن عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبٍ، أبو زيد بن أبي جعفرٍ الحسنيُّ البصريُّ.

كان والده نقيب البصرة.

وأبو زيد كان خبيرًا بأيام العرب وأشعارها ومعرفة اللغة والأدب، وقول الشعر، كريم النفس، تام المروءة شجاعًا في نفسه من بيت العلم والشرف والنقابة والأمالي، وأشعاره لم يقع لي منها شيء إلّا ما أنشدني أبو الحسن علي بن أبي الفرج الواسطي، قال: أنشدني أبو زيد لنفسه من قصيدة يقول منها: [من الطويل]

إذا ولي الأعمال كلَّ .....

غشومٍ ظلوم لم يزل متحرِّما

ويظهر نسكًا للأنام وإنَّما

سجيَّته أن يستبيح المحرَّما

وكم قد بني من مسجد في خرابةٍ

ليجعل مال الله نهبًا مقسَّما

فقف بإزاء التَّاج من أرض بابلٍ

وناد بصوت معربٍ غير أعجما

ألا يا ولاة الأمر حتَّام أنتم

تكونون عن مال الخليفة نوَّما

[175]

إسماعيل بن يرنقش بن عبدالله /304 ب/ أبو الفداء، السنجاريُّ العماديُّ.

مولي عماد الدين أبي الحارث بن زنكي بن مودود بن زنكي- صاحب سنجار-.

حدثني الصاحب أبو البركات، قال: رأيت أبا الفداء هذا بالموصل وكان جنديًا

ص: 444

لطيفًا حسن الصورة، دمث الأخلاق، ذا جود وسخاء وأدب وفضل من أحسن الناس شبابًا، وأكملهم جمالًا وظرفًا. توفي وهو شاب بالموصل سنة نيّف وستمائة.

ثم قال: وأنشدني من شعره أبو القاسم أبو بكر بن إسماعيل التلعفري، قال: أنشدني أبو الفداء لنفسه يعّزي الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب في أخ له من أمّه اسمه يوسف: [من الطويل]

دموع المعالي والمكارم ذرَّف

وربع العلا قاعٌ لفقدك صفصف

غدا الجود والمعروف في اللَّحد ثاويًا

غداة ثوى في ذلك اللَّحد يوسف

فتًى خطفت كفُّ المنيَّة روحه

وقد كان لللأرواح بالبيض يخطف

سقته ليالي الدَّهر كأس حمامها

وكان يسقِّي الموت في الرَّوع يعرف

فيا حسرتا لو ينفع المرء حسرةٌ

ويا أسفا لو كان يجدي التَّأسُّف

وكانت على الأرزاء نفسي قويَّةً

ولكنَّها عن حمل ذا الرُّزء تضعف

وختمها بقوله:

/305 أ/ جزاءً بما أسلفتني من عوارف

وكلُّ امرئٍ يجزى بما كان يسلف

[176]

إسماعيل بن إبراهيم بن المأمون بن محمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد بن العباس بن يوسف، أبو المجد الأنصاريُّ الواعظ الدمشقيَّ.

حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي، قال: ورد أبو المجد إربل فامتدح الملك المعظم أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين- رحمه الله بقصيدة، لنفسه في أوائل سنة خمس عشرة وستمائة:[من الكامل]

قم نغتنم فرصًا من اللَّذات

بالرَّاح نجلوها على الرَّاحات

صهباء تشرق في الزُّجاج كأنَّها

برقٌ تألُّقه من الآيات

أو مثل شمسٍ أشرقت بحبابها

درُّ تنضَّد في ذرى الكاسات

من كفِّ أهيف كالهلال إذا بدا

حلو الشَّمائل فاتن الحركات

يسبي القلوب قوامه وكلامه

طلق المحيَّا فاتن الحركات

ص: 445

رشاٌ يعاطينا الكؤوس بمجلس

فيه اصطحاب العود والنَّايات

يرنو فأحسب بابلًا بلحاظه

أو مشرفيًّا ماضي الشَّفرات

أهوى مضاربه واعشق خدَّه

وأودُّ أبصره مع السَّاعات

وأهيم من شوقٍ إلى تقبيله

شوقًا يزيد بحلمه حسراتي

/305 ب/ وأرى النَّعيم به عذابي دائمًا

وتلذُّ لي بصدوده زفراتي

[177]

الياس بن جامع بن عليِّ بن أبي طالب العبديُّ، أبو الفضل الإربليُّ.

الفقيه الشافعيُّ العدل. كان أحد عدول إربل المعتبرين. وكان ووالده يلقب أيّنا.

حدثني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي- رحمه الله تعالى- وهو مما ذكره في تاريخ إربل، قال: كان أبو الفضل يبلغ إلى أبي طالب من غير زيادة في النسبة، فقال لي يومًا: بلغني أن أبا طالب- يعني جدّه- كان نحويًا، فقلت لعله العبدي أحد أئمة إربل المذكور بها.

تفقه بإربل ثم رحل إلى بغداد طلبًا للفقه، فأقام بها زمانًا طويلًا، وكتب الكثير من حديثها بيده، وسمع من رجال الحديث خلقًا كثيرًا، وروى عنهم.

سمع شهدة بنت أحمد الأبري، والأسعد بن بلدرك الجبريلي، وأبا إسحاق

ص: 446

إبراهيم بن علي بن الفراء السلمي، وأبا الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف، والشريف أبا الفتوح المبارك بن محد بن سلم الهاشمي /306 أ/ وأبا هاشم عيسى بن أحمد الدوشابي، وأبا العّز محمد بن محمد [بن مواهب بن الخرساني، وأبي الحسن علي بن محمد بن بكروس، وأبي الكلام] جعفر بن عقيل، وأبا الفتح عبيد الله بن عبيد الله بن شاتيل، وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمان القزاز وخلق كثير.

وكان وافر الهمّة كثير الكتابة والتحصيل. سافر إلى مدينة السلام طالبًا للحديث النبوي في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وأقام بها مدة يتفقه بمدرستها النّظامية على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه وعاد إلى بلده، وخرّج التخاريج، وجمع مجموعات جمّة، وحدّث هناك بأكثر سماعاته، وتفرّد بكتابة الشروط.

وسمع منه جماعة من الإربليين والواردين إلى إربل، وأفاد الناس، وانتفع به عالم لا يحصى. وكان صدوقًا ثقة مأمونًا.

وكانت ولادته- مما قرئ بخطّ يده-: مولدي في وقت الغروب من ليلة الأحد سابع وعشرين شعبان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بإربل. وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الإثنين خامس عشري شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستمائة، ودفن بظاهرها في شرقيها قريبًا من مقبرة أحمد الزرزاري الزاهد.

ألقى بإربل تفسير الإمام أبي إسحاق الثعلبي على جماعة با ....... ؛ وله تواليف عدّة /306 ب/ منها اكتاب "تفسير القرآن الكريم"، وكتاب كبير في الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول؛ وغير ذلك.

وقال الصاحب الوزير شرف الدين أبو البركات، أنشدني لنفسه:[من البسيط]

قالوا الكمال يزيديٌّ فقلت لهم

لا تأمنوه وكونوا منه في حذر

أضحى بسوء اعتقادٍ فى الوصيِّ وفي

أبنائه النُّجباء السَّادة الزُّهر

أعمى الفؤاد وأعمي العين فهو إذن

على القياسين أعمى القلب والبصر

ص: 447

وقال أيضًا، وهو مما نقل من خطه:[من الطويل]

أممرض قلبي ما لهجرك آخر

ومسهر طرفي هل خيالك زائر

ومستعذب التَّعذيب جورًا بصدِّه

أما لك في شرع المحبَّة زاجر

هنيئًا لك القلب الَّذي قد وقفته

على ذكر أيَّامي وأنت مسامر

فلا فادح الحزن المبرِّح خاطري

لبعدك حتَّى يجمع الشَّمل قادر

فإن متُّ فالتَّسليم منِّي عليكم

يعاودكم ما كبر الله ذاكر

وحدّثني يوسف بن ضوء بن علي الإربلي، قال: وعدت الياس بن جامع بجزء من تفسير الثعلبي /307 أ/ أن آتيه به إذا انقضى في ذلك الوقت عيد النصارى، فانقضى العيد بأيام، وكتب إلي يقتضني الجزء:[من الطويل]

مهذَّب الدِّين يا ذا الفضل والحسب

والعلم والشَّرف السَّامي مع النَّسب

عيد النَّصارى انقضى والدَّين حلَّ به

لا صبر لا صبر لي عن سيِّد الكتب

فانعم به كأياديك الَّتي سبقت

فالمنُّ بالكتب فوق المنِّ بالذَّهب

تم الجزء الأول من هذا الكتاب

والحمد لله أولًا وآخرًا وصلّى الله على محمد وآله

ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله

ذكر ولده الياس بن الياس بن جامع بن علي الإربلي

ص: 448