الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالروايات، ثم رحل إلى دمشق بأولاده سنة 744 هـ وسمع مشايخها كمحمد بن إسماعيل الخباز، ورحل إلى القدس، ثم حج سنة 749 هـ وبمكة أسمع ابنه عبد الرحمن "ثلاثيات البخاري" على الشيخ أبي حفص عمر، ثم رحل إلى مصر قبل سنة 756 وفيها روى عن أبي الحرم القلانسي، وفي ذلك يقول صاحب "المنهج الأحمد": وفيها روى عن أبي الجرم القلانسي، وذكره في مشيخته (1).
وبعد ذلك جلس للإقراء بدمشق وانتفع به، وكان ذا خير ودين وعفاف ولقد سجل شيوخه في معجم خاص له، نقل منه ابن حجر كثيرًا في "الدرر الكامنة" (2) وقال عنه ابن حجر:"شيخنا"، ولا يعقل أن يكون ابن حجر قد تتلمذ فعلًا على والد ابن رجب هذا، ولعله قصد بهذه العبارة أن المقرئ شهاب الدين بن رجب هو شيخ شيوخه كالعراقي والهيثمي، وهذان من تلاميذه، فعلًا، ومن تلاميذه الذين أكدت المراجع أستاذيته لهم شمس الدين يوسف بن سيف الدين بن نجم الحنبلي الشيرازي (3)(ت 175 هـ)، وعبد اللَّه بن محمد بن قيم الضيائية.
*
نشأته ورحلته:
قيض اللَّه -تعالى- لابن رجب عوامل كثيرة أسهمت في تكوين شخصيته العلمية الفذة، منها استعداده الفطري الموهوب، وأسرته الكريمة التي توارثت العلم كابرًا عن كابر، وعصره المزدحم بالثقافة الموسوعية، والمعرفة المتنوعة، ونوابغ العلماء في كل مضمار.
(1)"المنهج الأحمد"(ق 457).
(2)
"الدرر الكامنة" لابن حجر (1/ 110، 114، 146، 238، 212، 2/ 155 و 3/ 257).
(3)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 286)؛ و"المنهج الأحمد"(ق 451).
هذه العوامل وجهت ابن رجب في مرحلة مبكرة نحو الطلب. وقبل سن التمييز أحضر مجالس العلم والعلماء، ولقد سجل هذا في "طبقاته"، فيقول أثناء ترجمة شيخه عبد الرحيم بن عبد اللَّه الزريراتي (ت 741 هـ): درس بالمجاهدية ببغداد، وحضرت درسه، وأنا إذا ذاك صغير لا أحقه (1). ويبدو أن هذا كان قبل الثالثة من عمره، لأنه يصرح بالتمييز بعد الثالثة، فيقول: قرئ على جدي أبي أحمد وأنا حاضر، في الثالثة، والرابعة، والخامسة (2) وما يهمنا من هذا أنَّه أحضر مجالس العلم وهو صغير لا يكاد يحق شيئًا.
أما في الخامسة من عمره فقد فصل سماعاته بكل وعي ودقة وثقة، فنجده يقول: أخبرنا أبو الربيع علي بن عبد الصمد بن أحمد البغدادي، قرأت عليه وأنا في الخامسة (3). أو يحدد السنة التي سمع فيها فيقول: قرئ على أبي الربيع على ابن عبد الصمد، وأنا أسمع سنة 741 هـ ببغداد (4).
وقد تلقى في هذا السن المبكر إجازات كبار العلماء في بغداد ودمشق، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مكانة أسرته العلمية، وأنها من الشهرة بحيث تكتب الإجازات إلى أبنائها، ويصرح ابن رجب بأنه تلقى الإجازات في طفولته البكرة فيقول: وذكر شيخنا بالإجازة الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي البغدادي (5)(ت 739 هـ) -كما ذكر بعض علماء الشام الذين أجازوه،
(1)"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 436).
(2)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 213).
(3)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 67).
(4)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 176).
(5)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 176).
كالقاسم بن محمد البرزالي (1)(ت 739 هـ)، ومحمد بن أحمد بن حسان التلي الدمشقي (2)(ت 741 هـ). وقد ذكرنا سني الوفاة لهؤلاء الشيوخ للدلالة على أن الإجازات كانت وابن رجب في الثالثة أو الخامسة، وأن بعضها تلقاها ابن رجب وهو في بغداد من كبار علماء الشام.
هذه بدايات الطلب كما سجلتها بعض المراجع وأهمها كتاب ابن رجب نفسه "الذيل على طبقات الحنابلة"، ولكن أسرة ابن رجب، بما عرفت من مذاق العلم والرحلة فيه، لم تقف عند هذا الحد، بل حمل أحمد بن رجب أبناءه، ومنهم صاحبنا، وتوجه بهم نحو مركز الثقل، ومجتمع العلم والعلماء، فدخل بهم دمشق سنة 744 هـ، وبها سمع الوالد والولد كبار المسندين والمحدثين، وأدركا البقية الباقية من علماء القرن السابع، مثل شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب (ت 745 هـ) والإمام علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن السبكي ثم النووي (3)(ت 749 هـ). وفي دمشق سمع ابن رجب محمد بن إسماعيل الخباز
(1)"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 184، 192).
(2)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 82).
(3)
جاء في كتاب "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب، نشر المعهد الفرنسي وتحقيق لاوست والدهان، أثناء كلام الناشرين عن ابن رجب، (ص 17):
"اما ابن النقيب الذي أجاز ابن رجب فهو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ القاهري، المعروف بأبي النقيب المتوفى سنة 769 هـ، عن سبع وستين سنة، كما أفاده الطهطاوي في "التنبيه والإيقاظ" (ص 102)، فتكون ولادته سنة 702 هـ، ويكون هو أكبر من ابن رجب المولود سنة 736 هـ، فيصح أن يكون أستاذًا له.
أما النووي، وهو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي فولادته سنة 631 هـ، وتوفي سنة 676 هـ قبل ولادة ابن رجب بستين سنة؛ فلا تصور أن يكون إجازة منه لابن رجب قطعًا، فمما لا شك فيه أن لفظ النووي هنا تحريف إلا أن يكون المراد نوويًا آخر". =
(ت 756 هـ) ومحمد بن إسماعيل الحموي الدمشقي (ت 757 هـ)، ورحل إلى نابلس ليلتقي بجماعة من أصحاب عبد الحافظ بن بدران (1)، ثم إلى القدس فسمع الحافظ أبا سعيد العلائي (2).
ورجع ابن رجب مع والده إلى بغداد سنة 748 هـ، وقد ذكر هذا في
= وعقب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في بحث له تحت عنوان "نظرة عابرة في ذيل طبقات الحنابلة، نشر المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق"، ونشر هذا البحث في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، مجلد 72 (ص 152). قال الأستاذ أبو غدة:
"وقد هدتني المطالعة في "شذرات الذهب" إلى العثور على نووي يصح أن يكون هو شيخ ابن رجب الذي أجازه. قال ابن الحماد في وفيات سنة 749 هـ: وفيها مات علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي، قال ابن قاضي شهبة: "الشيخ الإمام السبكى، ثم النووي، نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية، وكان خطيبًا بها، تفقه على الشيخ عز الدين النسائي، وغيره. . . ".
ثم قال الأستاذ أبو غده: "وغالب الظن أن هذا النووي هو الذي أجاز ابن رجب، وأما ابن النقيب، فقد ذكرت أنَّه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ المولود سنة 702، والمتوفى سنة 776 هـ، ومن المحتمل أن يكون هو شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن النقيب الدمشقي الشافعي المولود سنة 622 هـ والمتوفى سنة 745 هـ". انتهى كلام الشيخ أبي غدة.
وتعقيبًا عليه قال شيخنا الدكتور همام: إن ما اختاره بالنسبة للنووي معقول لا سيما وأن رواية ابن رجب عنه كانت بالإجازة، وقد ذكر ابن فهد في ذيله على "تدكرة الحفاظ" (ص 118) وفاة هذا الشيخ سنة 749 هـ" ووصف بقوله:"الإمام الرباني".
وأما ابن النقيب فإنني أرجح أن يكون محمد بن أبي بكر المتوفى سنة 745 هـ، لأن هذا دمشقي والآخر قاهري، ولأن وفاة ابن النقيب الدمشقي متقدمة وتناسب الرواية بالإجارة ويضاف إلى هذا أنَّه مشهور، ومن البارزين في عصره، قال ابن حجر في "الدرر الكامنة"(4/ 19) محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الدمشقى شمس الدين بن النقيب الشافعي، ولد سنة 166 هـ، ولازم النووي، قال العماد بن كثير: كان شجاعًا عالمًا.
(1)
"الديل على طبقات الحنابلة"(2/ 341).
(2)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 365).
"طبقاته" أثناء ترجمته لسليمان بن أحمد النهرماري البغدادي، فقال: وتوفي في جمادى الآخرة سنة 748 هـ، وصُلّيَ عليه بجامع قصر الخلافة، وحضرت الصلاة عليه، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب (1)، وفي بغداد قرأ على الشيخ أبي المعالي محمد بن عبد الرزاق الشيباني، وفي ذلك يقول: أخبرنا أبو المعالي محمد ابن عبد الرزاق الشيباني بقراءتي عليه سنة 749 هـ (2). ويحدد مكان هذه القراءة في موضع آخر فيقول: ببغداد (3).
ومن بغداد يتوجه مع والده إلى الحج، وبمكة يسمع "ثلاثيات البخاري" من الشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الخيل البغدادي (ت 759 هـ)(4) -عاد بعد ذلك إلى دمشق حيث لزم شيخه ابن قيم الجوزية إلى أن مات سنة 751 هـ.
وأما رحلته إلى مصر فقد كانت قبل سنة 754 هـ وهي السنة التي توفي بها شيخه أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي وقد أكثر عنه، ونص على ذلك بقوله: قرأت على أبي الفتح محمد بن محمد الميدومي المصري بها (5). كما لقي بالقاهرة محمد بن إسماعيل الصوفي المعروف بابن الملوك (ت 756 هـ) وفي ذلك يقول: أخبرنا محمد بن إسماعيل الصوفي بالقاهرة (6) والجدير بالذكر أن والده كان يرافقه في هذه الرحلة (7)، فسمعا معًا أبا الحرم القلانسي (ت
(1)"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 441).
(2)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 289).
(3)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 289، 109).
(4)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(2/ 444).
(5)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 118، 137، 138، 177، 180، 182، 187، 189، 196، 203، 206، 212، 222، 224، 229، 241). وغيرها من المواضع، التي تبين سماع ابن رجب من الميدومي وكثرة ذلك.
(6)
"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 15، 41).
(7)
"لحظ الألحاظ" لابن فهد (ص 147)، و"المنهج الأحمد"(ق 457).