الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تعريف عام بالكتاب
(1):
بنى ابنُ رجب مباحثَ هذا الكتاب على مئة وستين قاعدة، وأردفها بفصل يحتوي على فوائد تلحق بالقواعد في مسائل مشهورة، فيها اختلاف في المذهب، وتنبني على الاختلاف فيها فوائد متعددة، وقد بلغ عددها إحدى وعشرين فائدة، معظمها ذات شأن في الفقه الإسلامي.
قال الشيخ بكر أبو زيد: "ألحق في كتاب القواعد: "فوائد في مسائل يترتب على الخلاف فيها فوائد. وهي تعني "أثر الخلاف في تكييف الأحكام الفقهية" وهي لفتة نفيسة، حقيقة بإفرادها في التأليف" (2).
وذكر ابن رجب في الديباجة مقصده من تأليف هذا الكتاب، وأنه كتبه على استعجال، فقال:
"فهذه قواعد مهمة، وفوائد جمّة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيَّب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيّد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد، فليمعن الناظر في النظر، وليوسّع العذر إنّ اللبيب من عذر، فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال كالارتجال أو قريبًا من الارتجال في أيامٍ يسيرةٍ وليال، ويأبى اللَّهُ العصمةَ لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، واللَّه المسؤول أن يوفّقنا لصواب القول والعمل، وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزّيغ والزلل، إنه قريب مجيب لمن سأل، لا يخيب من إياه رجى وعليه توكل"(3).
(1) انظر: "المدخل الفقهي العام"(2/ 960 - 961) للشيخ الأستاذ مصطفى الزرقاء، و"القواعد الفقهية"(ص 257 - 258) للنَّدْوي، و"ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية"(ص 115 - 116، 244 - 245) لأمينة الجابر.
(2)
المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/ 934).
(3)
تقرير القواعد وتحرير الفوائد (1/ 3 - 4).
ففي هذا النص الذي قدم به ابن رجب لكتاب "القواعد" يظهر منه الأمور الآتية:
أولًا: يريد ابن رجب أن يضبط أصول المسائل الفقهية حتى لا يضيع طالب العلم بين شارد المسائل، وكثرة القضايا.
ثانيًا: "يضع ابن رجب تحت عنوان (قاعدة) موضوعًا فقهيًا، ثم يتناوله بإيضاحٍ مسهب، وتفصيل معجب"(1) على وفق أصول المذهب.
ويذكر تحت القاعدة الواحدة مسائل متعددة من أبواب مختلفة، ويختارها بدقة، بحيث يكون بين ذكرها وبين القاعدة ارتباط وثيق، ومع هذا فهو يقحم في النادر بعض المسائل الفقهية داخل القاعدة.
فذكر -مثلًا- في القاعدة (السابعة والخمسون بعد المئة) ذكر ابن رجب القاعدة وذكر معها مسائل حين قال: (إذا تغير حال المرأة التي في العدة بانتقالها من رق إلى حرية أو طرأ عليها سبب موجب لعدة أخرى من الزوج كوفاته فهل يلزمها الانتقال إلى عدة الوفاة أو إلى عدة أخرى). تلك هي القاعدة التي يترتب عليها صور وخلاف فقهي، لكن ابن رجب استطرد بعد ذلك وقال: إن كان زوجها متمكنًا من تلافي نكاحها في العدة لزمها الانتقال وإلا فلا إلا ما يستثنى من ذلك من الإبانة في المرض. وهذا الصنيع مقصود أيضًا من ابن رجب لأنه يريد أن يضع القاعدة وأن يوجز مسائل صورها داخل القاعدة، ليكون عند لقارئ تصوَّرٌ كليٌّ للقاعدة بمسائلها، وتأتي الصور موضحة لهذه المسائل (2). ويعمل في كثير من الأحايين على ترتيب المسائل بدقة فائقة تحت القاعدة
(1) المدخل الفقهي العام (2/ 961).
(2)
ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية (ص 252 - 253).
الواحدة.
* مثال ذلك:
ما ذكره في القاعدة التاسعة والخمسون فيما يتعلق بالعقود التي لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة. تكلم فيها عن الانفساخ الحكمي بالتلف.
فذكر مسائله مرتبة:
* ذكر مسائل تلف المبيع في مدة الخيار هل يسقط الخيار أو لا يسقط.
* ثم ذكر تلف بعض المبيع المعيب.
* ثم ذكر تلف العين المعيبة كلها.
وهذا القصد من ابن رجب يدل على عقليته الرتيبة المنظمة وترتيبه المسائل ترتيبًا منطقيًا (1).
ثالثًا: ويمتاز كتابنا هذا بأنه "يورد (القواعد) على النسق المألوف في كتب القواعد بصيغة موجزة، وهذا قليل بالموازنة بينه والكتب المشهورة الأخرى في هذا الباب، ولا ضَيْرَ في ذلك، فإنّ الكتاب في محتوياته وغضونه تضمَّن معظم القواعد المشهورة المتداولة، وإن اختلف الأسلوب والصِّياغة في بيانها"(2). ولذا قد تجد بعض القواعد في طيات المباحث (3)، وبعضها مصاغ بعبارات طويلة لا يلمح
(1) ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهية (ص 253).
(2)
القواعد الفقهية (ص 258) للنَّدوي.
(3)
من أمثلة ذلك:
أن في القاعدة الثالثة والأربعين الخاصة بما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد، ذكر تحت هذه القاعدة ثلاثة أقسام، ثم عقد بعدها فصلًا فيما قبض من مالكه بعقد لا يحصل به الملك، وجعل تحت هذا الفصل ثلاثة أقسام: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= - القسم الأول: ما قبضه أخذه لمصلحة نفسه؛ كالعارية، فهو مضمون في ظاهر المذهب.
- القسم الثاني: ما أخذه لمصلحة مالكه خاصة؛ كالمودع، فهو أمين محض، لكن اذا تلفت الوديعة من بين ماله، ففي ضمانه خلاف.
- القسم الثالث: ما قبضه لمنفعة تعود إليهما وهو نوعان:
* أحدهما: ما أخذه على وجه الملك، فتبيَّن فساده أو على وجه السوم.
* أما الأول: فهو المقبوض بعقد فاسد، وهو المضمون في المذهب، لأنَّه قبضه على وجه الضمان.
* وأما الثاني: وهو المقبوض على وجه السوم، فبعض الأصحاب يحكي في ضمانه روايتين، وابن عقيل صحح الضمان.
* الثاني: ما أخذ لمصلحتها على غير وجه التمليك لعينه، كالرهن، والمضاربة، والشركة، فهذا كله أمانة على المذهب.
فلماذا جنح ابن رجب إلى هذا، ولم يجعلها صورًا ولا مسائل له؟ ألمزيد عناية بهذه الأنواع من المعاملات؟ أو لأنها زيادة فائدة مع ملاحظة أنه قال في مقدمة الكتاب:(هذه قواعد مهمة تنظم له منشور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد). فهل الإضافات فوق القواعد وبعد المسائل والصور التي ذكرها تحت القواعد هي المقصودة من قوله: (وتقيد له الشوارد)؟ لعله هذا.
خامسًا: والدليل على هذا: أنَّ ابن رجب في القاعدة السادسة والخمسين بعد المئة الخاصة بتصنيف المهر قبل استقراره، ذكر ترديدًا لأقسامه وقال:(فهذه خمسة أقسام) ثم ذكر سادسًا فقال: (وبقي هنا قسم سادس، وهي: الفرقة الإجبارية).
فإذن: الإِضافات الزائدة على القواعد سواء كانت فصولًا أو أقسامًا، هي في التصور العلمي عند ابن رجب تقييد للشوارد، فكأن المسألة في تصور ابن رجب بالنسبة لكتاب القواعد: أنه يشتمل على نظم منثور المسائل في سلك واحد، وتلك هي القواعد المئة والستون بما وضعه تحتها من مسائل أو صور أو أقسام أو أنواع، وبما ذكره من طرق العلماء في استنباط الأحكام لهذه المسائل.
ثم هناك نوع آخر، هو: الأمور الشوارد التي تلحق بالقواعد، أو تلحق بالمسائل والصور.
ولذلك نجد ابن رجب في آخر الكتاب يعقد فصلًا خاصًا لمجموعة من الفوائد ذكر فيها عديدًا من المسائل، وفي آخر الفصل وهو تتمة الكتاب ألحق بالفصل فائدتين، وصفهما أنهما كقاعدتين؛ لكثرة ذكرهما في مسائل الفقه وانتشار فروعهما.
وإذن: فكتاب القواعد هو نظم منثور المسائل في سلك واحد، أو تقييد الشوارد التي تقرب كل متباعد. من "ابن رجب الحنبلي وآثاره الفقهة"(ص 249 - 251).
منها أنها قاعدة إلا بعد تمحيص وبحث (1).
وتلمح في بعض الأحايين أنَّه يقصد تقديم قاعدة على أُخرى، ويظهر في ذلك دقة فائقة. (2).
رابعًا: يسهب ابن رجب في النقل عن أئمة الحنابلة ومن كتبهم المعتمدة، ويظهر اختياراتهم، وأقوال الإمام أحمد على وجه الخصوص، وينقل عن "مسائله" باختلاف الروايات المنقولة عنه، على وجه فيه تحقيق وتحرير، وتدقيق وتفصيل، بحيث يذكر التعقبات أو المؤاخذات على النقل أو الفهم أو التخريج، ويكاد في بعض الأحايين يخرج بقاعدة من خلال الاستقراء عن خطأ يقع فيه بعضهم، أو وهم يتخيّله، فذكر -مثلًا- في (2/ 194) أنّ أبا بكر بن عبد العزيز ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه منه، فيقع فيه تغيير شديد، وذكر أيضًا في (3/ 257) أن القاضي أبا يعلى كثيرًا ما يظن أقوال سفيان في "مسائل ابن منصور" أنها أقوال لأحمد.
خامسًا: "قصد ابن رجب في كتابه هذا أن يعرض الفقه الحنبلي بصورة منضبطة، تجعل مسائله في عقد نظيم، كما أن الشوارد من المسائل تقيد حتَّى يقرب المتباعد منها، وهذا هو مسلك فقهي إلا أنَّه جديد وفريد.
وعلى هذا فكاب "القواعد" كتاب فقه، ليس له نظير في الأشباه والنظائر، كما أنَّه لا يسير على المألوف من تدوين كتب الفقه" (3).
(1) ولذا قال الأستاذ الزرقاء في "المدخل"(2/ 961) عن هذا الكتاب: "ولكنه على كل حال ليس مجموعة قواعد فقهية ذات نصوص عامة دستورية بالمعنى السالف البيان"!!
(2)
انظر: "ابن رجب الحنبلى وآثاره الفقهة"(ص 247 - 248).
(3)
ابن رجب وآثاره الفقهية (ص 244 - 245).
سادسًا: هذا الكتاب يدلل على أصالة ابن رجب في علم الفقه، وأن له فيه يدًا طولى، وأن عنده فيه عقلية إحصائية تجمع مسائل العلوم تحت منضبط واحدٍ، وقد صدق من قال عنه، وذكر له هذا الكتاب:"يدل على معرفة تامة بالمذهب"(1).
فهذا الكتاب يمثل عقلية ابن رجب الفقهية الإبداعية، كما أن "شرح العلل للترمذي" يدلل على عقليته الحديثية الإبداعية.
ومن الجدير بالذكر "أن ابن رجب في عرضه للمسائل كان عقلية واعية منفتّحة، لأنه ينقل آراء العلماء، ويرجح في بعض الأَحايين، وفي بعض الأحايين يذكر الرأي الذي يميل إليه صراحة، ويشير للآخر دون ذكره"(2) فيقول -مثلًا- في (القاعدة الحادية والثلاثين): "وظاهر كلام أحمد. . . "(3) وفي (القاعدة السادسة والعشرين): ". . . على أصح الوجهين"(4)، وهكذا.
سابعًا: لم يهمل ابن رجب في هذا الكتاب مذاهب العلماء الأُخرى، بل ذكر فيه مذاهب بعض الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فضلًا عن سائر الأئمة المتبوعين، ولكن كان كذلك عند الحاجة وبقدر ما تحتاجه بعض المسائل، ويظهر ذلك جليًّا في الفهرس الخاص في هذا النوع، من المجلد الرابع.
ثامنًا: كما أنَّه لم يهمل فيه الأدلة النصيّة والآثار السلفية، وإن لم يكن ذلك من مقاصده، لانشغاله بلمّ شعث المسائل تحت قاعدة واحدة، والغالب
(1) انظر: (مدح العلماء للكتاب).
(2)
"ابن رجب وآثاره الفقهية"(ص 248).
(3)
"تقرير القواعد وتحرير الفوائد"(1/ 229).
(4)
"تقرير القواعد وتحرير الفوائد"(1/ 207).