المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌والتهاني وما يضاف إليها - التذكرة الفخرية

[الإربلي، بهاء الدين]

الفصل: ‌والتهاني وما يضاف إليها

كأنَّ سوادَ الليلِ زنجٌ بدا لهم

من الصبح ترك فاستكانوا إلى الهربْ

كأنَّ ضياء الشمس وجه محمد

إذا أمَّه الراجي فأعطاه ما طلبْ

‌وصف في المدح والفخر

‌والتهاني وما يضاف إليها

قال كعب بن زهير يمدح النبي، صلى الله عليه وسلم:

إنَّ الرسول شهابٌ يستضاء به

وصارم من سيوف الله مسلولُ

في فتيةٍ من قريش قال قائلهم

ببطن مكة لمَّا أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف

عند اللقاء ولا ميلٌ معازيلُ

شمّ العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داوود في الهيجا سرابيلُ

لا يفرحون إذا نالت رماحهم

قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نِيلوا

لا يقع الطعن إلاّ في نحورهم

وما لهم عن حياض الموت تهليلُ

وقال حسان بن ثابت:

إنَّ الذوائبَ من فهرٍ وأخوتهم

قد بيَّنوا سنّةً للناسِ تُتَّبعُ

قومٌ إذا حاربوا ضرُّوا عدوَّهم

أو حاولوا النفعَ في أشياعهم نفعوا

لا يجهلونَ إذا حاولتَ جهلهمُ

في فضلِ أحلامهم عن ذاكَ متَّسعُ

سجيّةٌ تلكَ منهم غيرُ محدَثةٍ

إنَّ الخلائقَ فالعمْ شرُّها البدعُ

إنْ كانَ في الناسِ سبَّاقونَ بعدهمُ

فكلُّ سبقٍ لأدنى سبقهم تبعُ

ر يرقعُ الناسُ ما أوهتْ أكفُّهمُ

عند الدفاعِ ولا يوهونَ ما رقعوا

لا يبخلونَ على جارٍ بفضلهم

ولا يمسّهمُ من مطمعٍ طبعُ

أعفّةٌ ذُكرتْ في الوحي عفّتهمْ

لا يطمعونَ ولا يرديهمُ طمعُ

كأنَّهم في الوغى والموتُ مكتنعٌ

أُسدٌ بخفّانَ في أرسانِها فدعُ

لا فرحٌ إنْ أصابوا من عدوّهم

وإنْ أُصيبوا فلا خورٌ ولا جزعُ

خذْ منهم ما أتى صفواً إذا غضبوا

ولا يكنْ همّكَ الأمرُ الذي منعوا

فإنّ في حربهم فاحذرْ عداوتهم

سمّاً يُدافُ عليه الصَّابُ والسلعُ

أكرِم بقومٍ رسولُ اللهِ شيعتهم

إذا تفرَّقت الأهواءُ والشّيعُ

وقال أبو طالب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجههِ

ثُمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

يطوفُ به الهلاكُ من آل هاشم

فهم عندهُ في نعمةٍ وفواضلِ

وقال أبو الجويرية العنزي:

على موسريهم حق من يعتريهم

وعند المقلّين اتساع الخلائقِ

لهم من نزارٍ حين ينسب أصلهم

مكان النواصي من وجوه السوابقِ

بهم يُجبرُ العظم الكسير ويطلق ال

أسير وينجو من عظام البوائق

وقال عقيل بن العرندس الكلابي يمدح بني عمرو الغنويين:

يا دارُ بينَ كُليَّاتٍ وأظفارِ

والحمّتينِ سقاكِ اللهُ من دارِ

على تقادمِ ما قد مرّ من زمنٍ

مع الذي مرَّ من ريحٍ وأمطارِ

وقد أرى بك والأيامُ صالحةٌ

بيضاً عقائلَ من عونٍ وأبكارِ

فيهنّ عثمةُ لا يمللنَ عشرتها

ولا علمنَ لها يوماً بأسرارِ

بل أيّها الرجلُ المفني شبيبتهُ

يبكي على ذاتِ خلخالٍ وإسوارِ

خبّر ثناء بني عمرٍو فإنهم

ذوو أيادٍ وأحلامٍ وأخطارِ

هَينونَ لينونَ أيسارٌ ذوو يسرٍ

سوّاسُ مكرمةٍ أبناءُ أيسارِ

لا ينطقونَ على العمياءِ إن نطقوا

ولا يمارون إن ماروا بإكثارِ

إن يسألوا الخير يعطوه وإن جهدوا

فالجهدُ يخرجُ منهم طيبَ أخبارِ

وإن تودَّدتهم لانوا وإن شهموا

كشّفت أذمار حربٍ أيّ أذمارِ

من تلقَ منهم تقلْ لاقيتُ سيّدهم

مثلَ النجومِ التي يسري بها الساري

دخل أعرابي على معن بن زائدة فأنشده:

أضحت يمينك من جودٍ مصوّرةٍ

لا بل يمينك منها صورة الجودٍ

بنور وجهك تضحي الأرض مشرقةً

ومن بنانك يجري الماء بالعودِ

مروان بن أبي حفصة:

بنو مطرٍ يومَ اللقاءِ كأنّهمْ

أسودٌ لها في غيل خفّانَ أشبلُ

همُ المانعونَ الجارَ حتّى كأنما

لجارهمُ فوقَ السماكينِ منزلُ

بهاليلُ في الإسلامِ سادوا ولم يكنْ

كأوَّلهمْ في الجاهليةِ أوَّلُ

ص: 94

همُ القومُ إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ولا يستطيع الفاعلونَ فعالهم

وإن أحسنوا في النائباتِ وأجملوا

للخنساء:

وما بلغتْ كفُّ امرئٍ متناولاً

من المجدِ إلاّ والذي نلتَ أطولُ

وما بلغَ المهدونَ في القولِ مدحةً

وإن أطنبوا إلاّ الذي فيكَ أفضلُ

إبراهيم بن هرمة:

إذا قيل أيُّ فتىً تعلمونَ

أهشُّ إلى الطعنِ بالذّابلِ

وأضربُ بالسيفِ يومَ الوغى

وأطعمُ في الزمنِ الماحلِ

أشارت إليكَ أكفُّ الأنامِ

إشارةَ غرقى إلى ساحلِ

مسلم بن الوليد:

موفٍ على مهجٍ في يوم ذي رهجٍ

كأنه أجلٌ يسعى إلى أملِ

ينالُ بالرّفقِ ما يعيا الرجالُ بهِ

كالموتِ مستعجلاً يأتي على مهلِ

تكسو السيوفَ نفوسُ الناكثينَ به

ويجعلُ الهامَ تيجانَ الفتى الذُّبلِ

قد عوَّدَ الطير عاداتٍ وثقنَ بها

يتبعنهُ في كلِّ مرتحلِ

لله من هاشم في أرضهِ جبلٌ

وأنت وابنكَ ركنا ذلك الجبلِ

أبو تمام:

ستصبح العيس بي والليلُ عندَ فتىً

كثيرِ ذكرِ الرِّضا في ساعةِ الغضبِ

صدفتُ عنه فلم تصدفْ مواهبهُ

عنّي وعاودهُ ظنّي فلم يخبِ

كالغيثِ إن جئتهُ وافاكَ ريِّقهُ

وإن ترَّحلتَ عنه جدَّ في الطلبِ

وقال:

أحوامل الأثقال إنك في غدٍ

بفناء أحمل منك للأثقالِ

كالغيثِ ليسَ له أريدَ غمامهُ

أو لم يردْ بدٌّ من التّهطالِ

آخر:

إنَّ للناس غايةً في المعالي

وقفوا عندها وأنتَ تزيدُ

قد تناهيت في المكارم والمج

د وجزتَ المدى فأينُ تريدُ

مثله لابن نباتة:

قل لي فأين تريد قد جزتَ المدى

وعلوتَ حتّى صرتَ بالمرصادِ

إبراهيم بن العباس:

ألا إن عبد الله لما حوى الغنى

وصار له من بين إخوانه مالُ

رأى خلّةً منهم تسدُّ بمالهِ

فساهمهم حتّى استوت بهم الحالُ

مثله:

رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتّى تجلّتِ

ما أحسن قوله: من حيث يخفى مكانها، فإنه غاية الحسن لمتأمله.

حسان بن ثابت:

لله درُّ عصابةٍ نادمتهمْ

يوماً بجلّقَ في الزمان الأفضلِ

أولادُ جفنةَ حول قبرِ أبيهمِ

قبرِ ابن ماريةَ الكريمِ المفضلِ

قوله: حول قبر أبيهم، يريد أنهم ملوك مقيمون في بلدهم ودارهم وليسوا من العرب الذين يتنقلون من موضع إلى موضع ولا مستقر لهم.

يغشونَ حتّى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبلِ

يريد: أن كلابهم قد أنست بالضيوف فلا تهرّ عليهم وهم شجعان لا يسألون لنجدتهم وعزهم عن السواد المقبل وهذا مثل بيت الحماسة:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما قال برهانا

ومثله:

إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهم

لأيّةِ حربٍ أم لأيّ مكانِ

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطراز الأوّلِ

وقال جرير وأجاد، فلله درّه:

فيومانِ من عبد العزيز تفاضلا

ففي أيّ يوميهِ تلومُ عواذلهْ

فيومٌ تحوط المسلمين جيادهُ

ويومُ عطاءٍ ما تغبُّ نوافلهْ

فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه

ولا عرضُ الدنيا عن الدينِ شاغلهْ

البيت الثاني أخذه المتنبي برمته فقال:

فيومٌ بخيلٍ تطردُ الرومَ عنهم

ويومٌ بجودٍ يطردُ الفقرَ والجدبا

ابن هانئ أنشدنيهما السعيد المرحوم تاج الدين قدّس الله روحه:

المدنفانِ من البريَّةِ كلها

جسمي وطرفٌ بابليٌّ أحورُ

المشرقاتُ النيِّراتُ ثلاثةٌ

الشمسُ والقمرُ المنيرُ وجعفرُ

ابن الرومي:

كم من يدٍ بيضاء قد أسديتها

تثني إليكَ عنانَ كلِّ ودادِ

شكرَ الإلهُ صنائعاً أسديتها

سلكتْ مع الأرواحِ في الأجسادِ

السيد الرضي:

ألبستني نعماً على نعمِ

ورفعتَ لي علماً على علمِ

وعلوتَ بي حتّى مشيتُ على

بسطٍ من الأعناق والقممِ

فلأشكرنَّ نداكَ ما شكرتْ

خضرُ الرياضِ صنائعَ الديمِ

ص: 95

فالحمدُ يبقي ذكرَ كلِّ فتىً

ويبينُ قدرَ مواقعِ الكرمِ

والشكرُ مهرٌ للصنيعةِ إن

طلبتْ مهورُ عقائلِ النّعمِ

إبراهيم بن العباس:

ولكنّ الجواد أبا هشام

وفيّ العهد مأمون المغيبِ

بطئٌ عنك ما استغنيتَ عنه

وطلاّعٌ إليك مع الخطوبِ

السريّ:

أعزمتكَ الشّهابُ أمِ النهارُ

أراحتكَ السّحابُ أمِ البحارُ

خلقتَ منيّةً ومنىً فإما

تمورُ بكَ البسيطةُ أو تمارُ

تحلّي الدينَ أو تحمي حماهُ

فأنتَ عليه سورٌ أو سوارُ

البحتري:

سلام الله منك على جواد

إذا جارى حوى قصب السباقِ

سما للمجد مبيّض الأيادي

فسيح الظل ممدود الروّاقِ

ابن الرومي:

فلي من بطنِ راحتهِ ارتواءُ

ولي في ظهرِ راحتهِ استلامُ

ظللتُ بمأمنٍ منه حريزٍ

يخيّل أنه البلدُ الحرامُ

وقال:

وقلَّ من ضمنتْ خيراً طويَّتهُ

إلاّ وفي وجههِ للبشرِ عنوانُ

تلقاه وهو مع الإحسانِ معتذرٌ

وقد يسيءُ مسيءٌ وهو منّانُ

إذا تيممهُ العافي فكوكبهُ

سعدٌ ومرعاهُ في واديهِ سعدانُ

إذا بدا وجهُ ذئبٍ فهو ذو سنةٍ

وإن بدا وجهُ خطبٍ فهو يقظانُ

أحيا بكَ الله هذا الخلقَ كلّهمُ

فأنتَ روحٌ وهذا الخلقُ جثمانُ

أبو تمام:

فافخرْ فما من سماءٍ للعلى رفعت

إلاّ وأفعالكَ الحسنى لها عمدُ

واعذرْ حسودكَ فيما قد خصصتَ به

إنَّ العلى حسنٌ في مثلها الحسدُ

وله:

له كرمٌ لو كانَ في الماءِ لم يغضْ

وفي البرقِ ما شامَ امرؤٌ برقَ خلّبِ

أخو عزماتٍ بذلهُ بذلُ محسنٍ

إلينا ولكن عذرهُ عذرُ مذنبِ

أحمد بن أبي طاهر:

إذا ما أتاه السائلون توقّدت

عليه مصابيح الطلاقة والبشرِ

له في ذوي المعروف نعمى كأنها

مواقع ماءِ المزن في البلد القفرِ

البحتري:

لو أنَّ كفّكَ لم تجدْ لمؤمّلٍ

لكفاهُ عاجلُ بشركَ المتهلِّلِ

وإذا أمرت مما يقال لك اتئدْ

وإذا قضيت فما يقال لك اعدلِ

وله:

ولقد جريتَ إلى المعالي سابقاً

وأخذتَ حظَّ الأوّلِ المتقدّمِ

وكبا عدوّكَ حينَ رام بكَ الذي

يخشى فقلنا لليدينِ وللفمِ

وله:

كلّهم عالمٌ بأنّكَ فيهم

نعمةٌ ساعدتْ بها الأقدارُ

فوقتْ نفسك النفوس من السو

ءِ وزيدت في عمركَ الأعمارُ

وله:

إذا ساغَ كفَّ اللحظُ عن كلِّ منظرٍ

سواه وغضَّ الصوتُ عن كلِّ مسمعِ

فلستَ ترى إلاّ إفاضةَ شاخصٍ

إليه بعينٍ أو مشيراً بإصبعِ

آخر:

فتىً إذا عدَّتْ تميم معاً

ساداتها عدوّه بالخنصرِ

ألبسه الله ثياب العلى

فلم تطل عنه ولم تقصرِ

أبو تمام:

ملكٌ تضئُ المكرماتُ إذا بدا

للملك منه غرَّةٌ وجبينُ

ساسَ الأمورَ سياسةَ ابن تجاربٍ

رمقتهُ عينُ الملكِ وهو جنينُ

لانت مهزَّتهُ فعزَّ وإنما

يشتدّ بأسُ الرمحِ حين يلينُ

الخنساء:

طويلَ النّجادِ رفيعَ العما

دِ سادَ عشيرتهُ أمردا

يحمّلهُ القومُ ما عالهمْ

وإن كانَ أصغرهمْ مولدا

ترى الحي وفداً إلى بابهِ

يرى أفضلَ الكسبِ أن يحمدا

مروان بن أبي حفصة:

يفيضُ ندى كفّيهِ طوراً وتارةً

تمجُّ دماً أرماحهُ ومناصلهْ

تروكُ الهوى لا السُّخطُ منه ولا الرّضى

لدى موطنٍ إلاّ على الحقِّ حاملهْ

أبو نواس:

يا ناقُ لا تسأمي أو تبلغي ملكاً

تقبيلُ راحتهِ والركن سيّانِ

متى تحطّي إليه الرّحلَ سالمةً

تستجمعي الخلقَ في جثمانِ إنسانِ

طريح بن إسماعيل:

في وجههِ النورُ يستبانُ كما

لاحَ سراجُ النهارِ إذ تقدُ

ما ولدت حرّةٌ على عقر ال

أرض شبيهاً له ولا تلدُ

شبيب بن البرصاء:

طويل يد السّربال عارٍ جبينه

كنصل اليماني أخلصته صياقلهُ

إذا همَّ بالمعروف لم تجر طيره

نحوساً ولم تسبق نداه عواذلهْ

أبو نواس:

ص: 96

يا ابن أبي العباس أنت الذي

سماؤه بالجود مدرارُ

يرجو ويخشى حالتيك الورى

كأنكَ الجنّةُ والنارُ

أبو العتاهية:

عليه تاجانِ فوقَ مفرقهِ

تاجُ بهاءٍ وتاجُ إخباتِ

يقولُ للريحِ كلّما ارتفعتْ

هل لكِ يا ريحُ في مباراتي

كثيّر:

كثيرُ عطايا الفاعلينَ مع الذي

تجودُ به إن كاثروكَ قليلُ

وأنت ابن ليلى والسماحة والندى

قبيلٌ معاً والعاذلات قبيلُ

يفدينه طوراً وطوراً يلمنه

وليس عليه في الملام سبيلُ

آخر:

وكأنّما ظفرت يداه بالمنى

فرحاً إذا ظفرت يداه بمجتدي

لو يعلم العافون كم لك في الندى

من لذّةٍ وقريحةٍ لم تخمدِ

أبو تمام:

هو البحر من أيِّ النواحي أتيتهُ

فلجّتهُ المعروفُ والجودُ ساحله

تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتّى لو أنهُ

ثناها لقبضٍ لم تطعهُ أنامله

ولو أنَّ ما في كفّهِ غيرُ نفسهِ

لجادَ بها فليتّقِ الله سائله

آخر:

فلو كان ما يعطيه من رمل عالجٍ

لأصبح من جدواك قد نفد الرّملُ

وماريتَ وبل الغيث بالجود والندى

فدام ندى كفّيك وانقطع الوبلُ

آخر:

رأيتُ يحيى أتمّ الله نعمته

عليه يأتي الذي لم يأته أحدُ

ينسى الذي كان من معروفه أبداً

إلى الرّجال ولا ينسى الذي يعدُ

حماد عجرد:

فأنتَ أكرمُ من يمشي على قدم

وأنضرُ الناسِ عندَ المحلِ عيدانا

لو مجّ عودٌ على قومٍ عصارته

لمجّ عودك فينا المسك والبانا

مسلم بن الوليد:

سبقتْ مواهبهُ منى مرتادها

واستحدثتْ همماً لمن لم يرتدِ

يتجنبُ الهفواتِ في خلواتهِ

عفُّ السّريرةِ غيبهُ كالمشهدِ

ولأنتَ أمضى في اللقاء وفي الندى

من باسلٍ وغدٍ وغادٍ مرعدِ

أعطيتَ حتّى ملَّ سائلكَ الغنى

وعلوت حتّى ما يقالُ لك ازددِ

علي بن مرزوق:

أنتَ الذي تنزل الأيامَ منزلها

وتنقل الدهرَ من حالٍ إلى حالِ

تزورّ سخطاً فتمسي البيض راضيةً

وتستهلّ فتبكي أوجه المال

وما نظرتَ بطرقٍ عن مدى أملٍ

إلاّ قضيتَ بأرزاقٍ وآجالِ

أبو علي البصير:

كفاني عبيد الله لا زال كافياً

به الله همّاً كان ضاق به صدري

فتًى لا يفيد المال إلاّ لبذله

ولا يتلقى صفحة الحق بالعذرِ

علي بن جبلة وأجاد:

ولا عتب للأيام عندي ولا يد

بعتبي وعندي من أبي دلف حبلُ

على كلّ نشرٍ وطأةٌ من نكاله

وفي كلّ حيّ من مواهبه سجلُ

هو الأملُ المبسوطُ والأجلُ الذي

يمرّ على أيامهِ الدهرُ أو يحلو

فعشْ واحداً أمّا الثراءُ فمسلمٌ

مباحٌ وأّما الجار فهو حمًى بسلُ

علي بن الجهم:

يعاقبُ تأديباً ويعفو تطوُّلاً

ويجزي على الحُسنى ويُعطي فيجزلُ

ولا يُتبع المعروفَ منّاً ولا أذًى

ولا البخلُ من أخلاقهِ حينَ يُسألُ

تأمَّل تجدْ للهِ فيهِ بدائعاً

من الحسنِ لا تخفى ولا تتبدَّلُ

إذا نحنُ شبَّهناكَ بالبدرِ طالعاً

بخسناكَ حظّاً أنتَ أبهى وأجملُ

وتُظلم إنْ قسناكَ بالليثِ في الوغى

لأنَّك أحمى للحريمِ وأبسلُ

ولست ببحرٍ أنت أعذبُ مورداً

وأنفعُ للراجي نداكَ وأسهلُ

فلا وصفَ إلاّ قد تجاوزتَ حدَّه

ولا عرفَ إلاّ سيْبُ كفّكَ أفضلُ

رعاكَ الذي استرعاكَ أمرَ عبادهِ

وكافاكَ عنَّا المُنعمُ المتفضِّلُ

أبو تمام:

مجرَّدٌ سيفَ رأيٍ من عزيمتهِ

للدهرِ صيقلهُ الإطراقُ الفكرُ

عضباً إذا هزَّه في وجهِ نائبةٍ

جاءتْ إليه صروفُ الدهرِ تعتذرُ

إبراهيم بن العباس وأجاد:

أسدٌ ضارٍ إذا مانعتهُ

وأبٌ برٌّ إذا ما قدرا

يعرف الأقصى إذا أثرى ولا

يعرف الأدنى إذا ما افتقرا

عبد الله بن قيس الرقيات:

إنَّما مصعبٌ شهابٌ من اللهِ

تجلَّت عن وجهه الظلماءُ

مُلكهُ ملكُ رأفةٍ ليس فيه

جبروتٌ منه ولا كبرياءُ

ص: 97

يتَّقي الله في الأمور وقد أف

لحَ من كانَ شأنهُ الاتّقاءُ

آخر:

فتًى مثل صفو الماء ليس بباخلٍ

عليك ولا مهدٍ سلاماً لباخلِ

ولا قائل عوراء تؤذي رفيقَه

ولا رافعٍ رأساً لعوراء قائلِ

ولا مسلم مولًى لأمرٍ يضيمه

ولا خالطٍ حقّاً مضيئاً بباطلِ

أبو تمام:

ونفى عنكَ زخرفَ القولِ سمعٌ

لم يكنْ فرصةً لغيرِ السّدادِ

ضربَ الحلمُ والوقارُ عليه

دونَ عمرِ الكلامِ بالأسدادِ

وحوانٍ أبتْ عليها المعالي

أنْ تُسمى مطيّةَ الأحقادِ

حملَ العبءَ كاهلٌ لك أمسى

لصروفِ الزمانِ بالمرصادِ

عاتقٌ معتقٌ من الهونِ إلاّ

من مقاساةِ مغرمٍ أو نجادِ

ملأتك الأحسابُ أيّ حياءٍ

وحيا أزمةٍ وحيّة وادِ

آخر:

فتًى مثل عذب الماء أمّا لقاؤه

فبشرٌ وأمّا وجهه فجميلُ

غنيّ عن الفحشاء أما لسانه

فعفّ وأمّا طرفهُ فكليلُ

آخر:

يذكرنيك الجود والبخل والنُّهى

وقول الخنا والحلم والعلم والجهلُ

آخر:

فألقاك عن مذمومها متنزهاً

وألقاك في محمودها ولك الفضلُ

وأحمد من أخلاقك البخل إنه

بعرضك لا بالمال حاشى لك البخلُ

النابغة الذبياني:

أخلاقُ مجدكَ جلّتْ ما لها خطرٌ

في البأسِ والجودِ بينَ البدوِ والحضرِ

متوَّجٌ بالمعالي فوقَ مفرقهِ

وفي الوغى ضيغمٌ في صورةِ القمرِ

وقد أحسن أبو العتاهية حيث يمدح الرشيد وولده ويصفهم بالحسن والشجاعة، وقد تقدم أمثال هذا وسيأتي فيما بعد ما يخطر إن شاء الله تعالى:

بنو المصطفى هارونُ حولَ سريرهِ

فخيرُ قيامٍ حولهُ وقعودِ

يقلِّب ألحاظَ المهابةِ بينهم

عيونُ ظباءٍ في قلوبِ أسودِ

وقال بعض الأعراب في رجل: ما دفعته في سواد إلاّ محاه ولا قابلت به مهماً إلاّ كفاه. وقال آخر:

فذلّل أعناق الصّعاب ببأسه

وأعناق طلاّب الندى بالفواضلِ

فما انقبضت كفّاه إلاّ بصارمٍ

وما انبسطت كفّاه إلاّ بنائلِ

وقال محمد بن بشر الأزدي:

فتًى وقف الأيام بالعتب والرضى

على بذل مال أوْ على حدّ منصل

وما إنْ له من نظرة ليس تحتها

غمامة غيثٍ أوْ صبابة قسطلِ

وقال آخر وأجاد:

فتًى دهره شطران فيما ينوبه

ففي بأسهِ شطرٌ وفي جوده شطرُ

فلا من بغاة الخير في عينه قذى

ولا من زئير الأُسد في سمعه وقرُ

وقال أبو عبادة البحتري:

هو العارضُ الثجّاجُ أخضلَ جودهُ

وطارت حواشي برقهِ فتلهّبا

إذا ما تلظَّى في وغًى أصعقَ العدى

وإنْ فاضَ في أكرومةٍ غمرَ الدُّبى

رزينٌ إذا ما القومُ خفّتْ حلومهمُ

وقورٌ إذا ما حادثُ الدهرِ أحلبا

حياتُك أنْ يلقاكَ بالجودِ راضياً

وموتُك أنْ يلقاكَ بالبأسِ مُغضبا

حرونٌ إذا عازرْته في مُلمّةٍ

وإنْ جئتهُ من جانبِ الذُّلِّ أصحبا

إذا كفَّ لم يقعدْ به العجزُ مَقعداً

وإنْ همَّ لم يذهبْ به الخرقُ مذهبا

قال المفضل: أتاني رسول المهدي، فقال أجب أمير المؤمنين فهالني ذلك فمضيت حتّى دخلت وعنده علي بن يقطين والمعلى مولاه فسلمت فردوا، وقال: اجلس، فجلست، فقال: أخبرني بأمدح بيت قالته العرب، فتحيرت ساعة ثم جرى على لساني قول الخنساء:

وإنَّ صخراً لمولانا وسيِّدنا

وإنَّ صخراً إذا نشتو لنحَّارُ

أغرُّ أبلجُ تأتمُّ الهداةُ بهِ

كأنَّه علمٌ في رأسهِ نارُ

فقال: أخبرت هؤلاء فأبوا، فقلت: يا أمير المؤمنين كنت أحق بالصواب، واعترض ابن الرومي قولها فقال:

هذا أبو الصقرِ فردٌ في مكارمهِ

من نسلِ شيبانَ بين الطلحِ والسلمِ

كأنَّه الشمس في البرجِ المنيفِ بهِ

على البريّةِ لا نارٌ على علمِ

أبو تمام:

كم من وساعِ الخطوِ في طلقِ الندى

لمّا جرى وجريتَ كانَ قَطوفا

أحسنتُما صفدي ولمن كنتَ لي

مثلَ الربيعِ حياً وكانَ خريفا

وكلاكما اقتعد العُلى فركبْتها

في الذروة العليا وكانَ رديفا

وقال أمية بن الصلت وأجاد:

ص: 98

عطاؤك زينٌ لامرئ إن حبوته

بسيبٍ وما كلّ العطاء يزينُ

وليس بشينٍ لامرئٍ بذلُ وجههِ

إليكَ كما بعضُ السؤالِ يشينُ

وقال زهير بن أبي سلمى:

منْ يلقَ يوماً على علاّتهِ هرماً

يلقَ السماحةَ منه والنَّدى خلقا

لو نالَ حيٌّ من الدنيا بمكرمةٍ

أُفقَ السماءِ لنالتْ كفُّه الأُفقا

قد يجعلُ المبتغون الخيرَ في هرمٍ

والسائلونَ إلى أبوابه طُرقا

وقال آخر:

خلقت أنامله لقائم مرهفٍ

ولبثّ فائدةٍ وذروة منبر

يلقى الرماحَ بوجههِ وبصدرهِ

ويقيمُ هامتهُ مقامَ المغفرِ

ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا

فهدمتُ ركن المجد إن لم تُعقرِ

وإذا تأمَّل شخص ضيفٍ مقبلٍ

متسربل سربال ليلٍ أغبرِ

أوْمى إلى الكوماء هذا طارقٌ

نحرتنيَ الأعداءُ إنْ لم تُنحري

هذه الأبيات قد استحسنها أبو هلال والأقسام التي فيها يمجها طبعي وينفر عنها حتّى يعافها نقدي.

مروان بن أبي حفصة:

تفاضل يوماهُ علينا فأشْكلا

فما نحنُ ندري أيُّ يوميه أفضلُ

أيومَ نداهُ الغمرُ أم يومَ بأسهِ

وما منهما إلاّ أغرُّ مُحجّلُ

وقال آخر:

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد

خلقاً سواك إلى المكارم يُنسبُ

فاصبر لعادتنا التي عوّدتنا

أو لا فأرشدنا إلى منْ نذهبُ

التنوخي:

وفتيةٍ من حميرٍ حمر الظبا

بيض العطايا حين يسودّ الأملْ

شموس مجدٍ في سماوات علًى

وأُسد موت بين غابات الأملْ

السري:

ملكٌ إذا مدَّ خمسَ أناملٍ

في الجودِ فاضَ لنا بخمسةِ أبحرِ

تلقاه يومَ الروعِ فارسَ معركٍ

ضنْكٍ ويومَ السلمِ فارسَ منبرِ

وقال أيضاً:

تألَّق والخطوبُ لها ظلامٌ

وأسفرَ والظلامُ لها قطوبُ

إذا شيمتْ بوارقهُ استهلّتْ

سماءً من مواهبهِ يصوبُ

فمن حزمٍ تدينُ له الليالي

ومن رأيٍ تبينُ لهُ الغيوبُ

وقال:

وإذا تبسَّم واستهلّ فعارضٌ

لاحتْ بوارقهُ وفاضَ غمامهُ

ووصلتَ للإسلامِ بأسكَ مُقدماً

بيضاء عزمكَ فاستنارَ ظلامهُ

أخذ البيت الأول ابن هود البوازيجي فقال من قصيدة وأجاد:

إذا ما أتاه سائلٌ برق الحيا

بعارضهِ ثمَّ استهلَّت غمائمُه

وقلت من أبيات في الصاحب شمس الدين، عز نصره:

وإذا افترَّ لراحٍ ثغره

سال صوبُ العُرف من ديمته

وقال السري:

فتًى شرَّعَ المجدَ المؤثَّلَ فالعلى

مآربهُ والمكرماتُ شرائعهْ

فلا الجودُ إلاّ ما تفيدُ يمينهُ

ولا مجد إلاّ ما تشيدُ وقائعهْ

إذا وعدَ السراءَ أنجزَ وعدهُ

وإنْ وعدَ الضرَّاءَ فالعفوُ مانعهْ

يحنُّ إلى وردِ المنيةِ حاسراً

إذا جادَ عن وردِ المنيةِ دارعهْ

هو الدهرُ يجري في البرية بأسهُ

ببُؤسي وتجري بالسعودِ صنائعهْ

يعود إلى الرمح الرديني ماؤه

ويورق إن ضُمت عليه أصابعه

ملكتَ زمامَ الدهرِ في كلّ حالةٍ

فليسَ يضرُّ الدهرُ منْ أنتَ نافعهْ

البيت الثالث مأخوذ من قول الأول:

وإني إذا أوعدتُهُ أو وعدتُهُ

لمخلفُ إيعادي ومُنجزُ موعدي

وأما قوله:

يحنُّ إلى ورد المنيّة حاسراً

فقد وصفه بالخرق وترك الحزم، ومثل هذا ما يقال إن الأعشى مدح ممدوحاً فقال:

وإذا تكونُ كتيبةٌ ملمومةٌ

شهباءُ يخشى الرائدون نِزالها

كنتَ المقدّمُ غيرَ لابسِ جُنّةٍ

بالسيفِ تضربُ مُعلماً أبطالها

ومدح كثيّر عبد الملك بن مروان فقال:

لآلِ أبي العاصي دلاصٌ حصينةٌ

أجادَ المُسدِّي نسجها فأذالها

فقال له هلاّ قلت فيّ كما قال الأعشى وأنشد البيتين فقال: يا أمير المؤمنين وصفه بالخرق ووصفتك بالحزم. وقد أحسن القائل وظرف:

ألج العجاج إلى المقنع حاسراً

وأزورها خوفَ الوشاةِ مقنّعا

وقال السري:

أمضى من القدرِ المحتومِ صارمهُ

إلى النفوسِ وأمضى منه حاملهُ

مجرّدُ العزمِ في طاغٍ يقارعهُ

عن حرمةِ الدينِ أو باغٍ يناضلهُ

ص: 99

فأعملَ السيفَ حتّى احمرَّ أبيضهُ

وأنهلَ الرمحَ حتّى اخضرَّ ذابلهُ

وقال:

طلوبٌ لغاياتِ الكرامِ لحوقُها

ركوبٌ لأعلامِ النّجادِ طلوعُها

إذا عدَّ من آلِ المهلّبِ أسرةً

معاقلها أسيافُها ودروعُها

رأيتَ العلى منثالةً عن شعابها

عليهِ ومجموعاً لديهِ جميعُها

هُمامٌ وقى الأعداءَ من سطواتهِ

تباعدُها من سخطهِ ونزوعُها

فعدَّته أسيافهُ ورماحهُ

وعدَّتها إذعانها وخضوعُها

وقال:

أغرُّ ما في أناتهُ عجلُ

يُخشى ولا في عداته مهلُ

صاعقةٌ رعدُ بأسِها قصفٌ

وعارضٌ صوبُ مُزنهِ هطلُ

وقال:

ملكٌ إصاختهُ لأولِ صارخٍ

وسجالُ أنعمهِ لأولِ طالبِ

كالغيثِ يلقى الطالبينَ بوابلٍ

سحٍّ ويلقى الحاسدينَ بحاصبِ

وقال في سيف الدولة:

اللهُ جاركَ ظاعناً ومُقيماً

وضمينُ نصركَ حادثاً وقديما

أنْ تسرِ كانَ لك النجاحُ مُصاحباً

أو تثوِ كانَ لك السرورُ نديما

تغشاكَ بارقةُ السحابِ إذا سرتْ

غيثاً وتلقاكَ الرياحُ نسيما

للهِ همّتكَ التي رجعتْ بها

هممُ الملوكِ الصاعداتُ هُموما

ورياحكَ اللاتي تهبُّ جنائباً

ولربَّما أجريتهنَّ سُموما

وخلالكَ الزُّهرُ التي أنفتْ لها

قممُ المراتبِ أنْ تكونَ نجوما

ألبستني نعماً رأيتُ بها الدجى

صُبحاً وكنتُ أرى الصباحَ بهيما

فعدوتُ يحسدُني الصديقُ وقبلَها

قد كانَ يلقاني العدوّ رحيما

وقال، وهي من محاسن شعره، يمدحه أيضاً:

فتحٌ أعزَّ به الإسلامَ صاحبهُ

وردَّ ثاقبَ نورِ الملكِ ثاقبُهُ

سارتْ به البُردُ منشوراً صحائفهُ

على المنابرِ محموداً عواقبُهُ

فكلُّ ثغرٍ له ثغرٌ يضاحكهُ

وكلُّ أرضٍ بها ركبٌ يصاحبُهُ

عادَ الأميرُ به خُضراً مكارمهُ

حُمراً صوارمهُ بيضاً مناقبُهُ

يومٌ من النصرِ مذكورٌ فواضلهُ

إلى التنادي ومشكورٌ مواهبُهُ

هبَّتْ شمائلهُ من طِيبها أرجاً

على القلوبِ وضاهتْها جنائبُهُ

سلِ الدمستقَ هل عنَّ الرُّقاد لهُ

وهل يعنُّ له والرعبُ ناهبُهُ

لمّا تراءى لكَ الجمعُ الذي نزحتْ

أقطارهُ ونأتْ بُعداً جوانبُهُ

تركتَهم بين مصبوغٍ ترائبهُ

من الدماءِ ومخضوبٍ ذوائبُهُ

فحائدٍ وشهابُ الرُّمحِ لاحقهُ

وهاربٍ وذبابُ السيفِ طالبُهُ

يهوي إليه بمثلِ النجمِ طاعنهُ

وينتحيه بمثلِ البرقِ ضاربُهُ

يكسوهُ من دمهِ ثوباً ويسلبهُ

ثيابهُ فهو كاسيهِ وسالبُهُ

يا ناصرَ المجدِ لمّا عزَّ ناصرهُ

وخاطبَ الحمدِ لمّا قلَّ خاطبُهُ

حتّامَ سيفكَ لا تُروى مضاربهُ

من الدماءِ ولا تُقضى مآربُهُ

أنتَ الغمامُ الذي تُخشى صواعقهُ

إذا تنمَّر أو تُرجى سحائبُهُ

وقال من أخرى يمدح الوزير المهلبي:

ومبتسمٌ والطعنُ يخضبُ رمحهُ

كأنْ قد رأى منه بناناً مخضَّبا

رأيناهُ يومَ الجودِ أزهرَ واضحاً

ويومَ قِراع البيضِ أبيضَ مِقضبا

فخلْناهُ في بذلِ الألوفِ قبيصةً

وخلناهُ في سل السيوفِ المهلبا

منها يصف الجيش:

ومجرٍ تردُّ الخيلُ رأدَ ضحائهِ

بإرهاجها قطعاً من الليلِ غيهَبا

كأنَّ سيوفَ الهندِ بينَ رماحهِ

جداولُ في غابٍ سما وتأشَّبا

تضايقَ حتّى لو جرى الماءُ فوقهُ

حماهُ ازدحامُ البيضِ أنْ يتسرَّبا

وقفتَ به تُحيي المُغيرة ضارباً

بسيفِكَ حتّى ماتَ حدّاً ومضربا

إليكَ ركبتُ فرداً ولم أقُل

لعاذلَتي ما أحسنَ الليلَ مركبا

ليصدرَ عنكَ الشعرُ مالاً مسوَّماً

إذا نحنُ أوردْناهُ درّاً مثقَّبا

يقول فيها:

تركتُ رحابَ الشامِ وهي أنيقةٌ

تقولُ لطلاّبِ المكارمِ مرحبا

مدبّجةُ الأقطارِ مخضرَّةُ الثرى

مصقّلةُ الغدرانِ موشيّةُ الرُّبى

أبو فراس التغلبي في سيف الدولة:

وما زلتُ مذْ كنتَ تأتي الجميلَ

وتحمي الحريمَ وترعى الحسبْ

ص: 100

وتغضبُ حتّى إذا ما ملكتَ

أطعتَ الرِّضى وعصيتَ الغضبْ

وقال فيه:

لسيفِ الدولةِ القدحُ المعلَّى

إذا ازدحمَ الملوك على القداحِ

لأوسعهم مذانب ماءِ وادٍ

وأغزرهم مدافعِ سيبٍ راحِ

وأروعَ جيشهُ ليلٌ بهيمٌ

وغرَّتهُ عمودٌ من صباحِ

صفوحٌ عندَ قدرتهِ كريمٌ

قليلُ الصَّفحِ ما بينَ الصّفاحِ

كأنَّ ثباتهُ للقلبِ قلبٌ

وهيبتهُ جناحٌ للجناحِ

وقال فيه:

ألا قلْ لسيفِ الدولةِ القرمِ إنَّني

على كلّ شيءٍ غيرِ وصفكَ قادرُ

فلا تلزمَنِّي خطةً لا أُطيقُها

فمجدكَ غلاّبٌ وفضلكَ باهرُ

ولو لم يكنْ فخري وفخرُك واحداً

لما سارَ عنِّي بالمدائحِ سائرُ

وقال أبو الطيب المتنبي:

هذا الذي أفنى النُّضارَ مواهباً

وعداهُ قتلاً والزَّمانَ تجاربا

ومخيِّبُ العذَّال فيما أمَّلوا

منه وليسَ يردُّ كفّاً خائبا

كالبدرِ من حيثُ التفتَّ رأيتَه

يُهدي إلى عينيكَ نوراً ثاقبا

كالبحرِ يقذفُ للقريبِ جواهراً

جُوداً ويبعثُ للبعيدِ سحائبا

كالشمسِ في كبدِ السماءِ وضوؤها

يغشى البلادَ مشارقاً ومغاربا

وقال:

سرْ حيثُ شئت تحلُّه النوّارُ

وأرادَ فيكَ مرادك المقدارُ

وإذا ارتحلتَ فشيَّعتكَ سلامةٌ

حيثُ اتَّجهتَ وديمةٌ مدرارُ

وأراكَ دهركَ ما تحاولُ في العِدى

حتّى كأنَّ صروفهُ أنصارُ

وصدرتَ أغنمَ صادرٍ عن موردٍ

مرفوعةً لقدومكَ الأبصارُ

أبو نصر بن نباتة السعدي:

وقد زعموا أنِّي حنقتُ عليهم

وما حنقي إلاّ على الدهرِ وحدهُ

فلستُ أخافُ الدهرَ بعدَ تشبُّثي

بأثوابهِ فليبلغ الدهر جهدهُ

رميتُ به في نحرهِ وكأنَّه

حسامٌ غداةَ الروعِ فارقَ غمدهُ

وحكّمني حتّى لو أنِّي سألته

شبابي وقد ولَّى به الشيبُ ردَّهُ

ولولا قصور الشعر عن كُنه وصفه

لكنتُ أظنُّ الشعر يعشق مجدهُ

فيا منْ إذا أفردته من جنودهِ

رأيتَ المعالي والمحامدَ جندهُ

وقال أيضاً:

تخطَّتْ أكفَّ الباخلين فعرَّستْ

بأروع معشوقِ الشمائلِ والفعلِ

يفرّق ما بين المكارم والغنى

ويجمع ما بينَ الشجاعةِ والعقلِ

هو الماءُ للظمآن والنارُ للقِرى

وحدُّ الظُّبى في الحرب والغيثُ في المحلِ

حباني ولم أستحبهِ متطوّلاً

يرى جوده بعدَ السؤالِ من البخلِ

سأشكرُ ما أوليتني من صنيعةٍ

ومثلُ الذي أوليتَ يشكرهُ مثلي

ومنها:

كشفتَ لها ثغراً نقيّاً وساعداً

حميّاً وعيناً لا تنامُ على ذحلِ

تركتَ لهم صحنَ الرهانِ ونقعهُ

وفزتَ بغاياتِ السوابقِ والخصلِ

كما ترك الظبيُ المنفّر ظلَّه

لقانصهِ لو كانَ يقنعُ بالظلِّ

وقال:

جنى وهو طفلٌ ثمارَ العلى

وسادَ الورى وهو لم يحتلمْ

تضام لرؤيته سجّداً

وجوهُ الملوكِ التي لم تُضمْ

وفي التاجِ أبلجُ زانَ الجمالُ

ديباجتي خدَّه بالشّممْ

قليل على المال إبقاؤه

وما آفةُ المالِ إلاّ الكرمْ

وقال:

ولقد زهدتُ فكنتُ أكرمَ زاهدٍ

ولقد رغبتُ فرمتُ خيرَ مرامِ

ومدحتُ من ولد الملوك متوّجاً

متقابلَ الأخوالِ والأعمامِ

تسري قواضبهُ إلى أعدائهِ

حتّى تعرِّسَ في مقيلِ الهامِ

ما زلتَ بالنعمِ الجسامِ تعمُّني

وتخصّني بالبشرِ والإكرامِ

حتّى جرى جريالُ حبّكَ في دمي

ومشى ودادكَ في مَشاشِ عظامِ

وقال:

غلبتَ على البلاغةِ كلَّ نطقٍ

وعلّمتَ الإصابةَ كلَّ رامِ

وبات وميض برقك مستطيل

يبشّرني بأنعمكَ الجسامِ

وقال:

ورجالٍ من فوز قدحك شكوا

كنتَ منهم بالله أحسنَ ظنّا

كن عليهم في الجهر سيفاً ورمحاً

وعليهم في السرّ عيناً وأُذنا

وقال:

فقل للطوالِ الشُّمِّ كعبِ بنِ عامرٍ

وخصَّ سراةَ الحيِّ من غطفانِ

ص: 101

رِدوا وانزلوا عرضَ الفلاةِ فإنَّني

نزلتُ من الدنيا أعزَّ مكانِ

فأصبحتِ الأقدارُ ترهبُ أسهمي

وتأخذُ أحداثُ الزمانِ أماني

وإنَّ الخنا والغدرَ في الناسِ شيمةٌ

كفى الله وهباً شرّها وكفاني

حماني من الظّنِّ الكذوبِ وقالَ لي

همومُك من همّي وشأنُك من شاني

السري:

دعوْنا مفرِّقَ شملِ اللُّهى

سماحاً وجامعَ شملِ الثناءِ

بكفٍّ تُرقرقُ ماءَ الحياةِ

ووجهٍ يُرقرقُ ماءَ الحياءِ

نزلْنا بعقوتِه منزلاً

خَصيبَ الجنابِ رحيبَ الفناءِ

أهبَّ لنا فيهِ ريحَ الندى

رخاءً تُخبِّرنا بالرَّخاءِ

وقال:

أنا حرٌّ إذا انتسبتُ ولكنْ

جعلتْني لكَ المكارمُ عبدا

لا أقولُ الغمامُ مثلُ أيادي

ك ولا السيفُ مثلُ عزمكَ حدّا

أنت أمضى من الحسامِ وأصفى

من حيا المزنِ في المُحولِ وأندى

وقال:

فكفَّاكَ الغمامُ الجونُ يسري

وفي أحشائهِ ماءٌ ونارُ

يسارٌ من سجيّتها المنايا

ويُمنى من عطيّتها اليسارُ

حضرْنا والملوكُ له قيامٌ

تغضُّ نواظراً فيها انكسارُ

مكارمُ تعجزُ المدَّاحُ عنها

فجلُّ مديحهم فيها اختصارُ

وقال:

منْ ذا يُنازعكم كريماتِ العُلى

وهي البروجُ وأنتمُ أقمارُها

الحربُ تعلمُ أنَّكم آسادُها

والأرضُ تشهدُ أنَّكم أمطارُها

فلتشكرنَّكَ دولةٌ جدَّدتها

فتجدَّدتْ أعلامُها ومنارُها

حلَّيتها وحميتَ بيضةَ ملكِها

فغرارُ سيفكَ سورها وسوارُها

وقال:

مكارمُ وضَّاحٍ إذا ما تكرَّمتْ

ملوكُ الورى في المكرُماتِ تنوّعا

شمائل أبهى من حُلى الروضِ منظراً

وأحسنُ من فعلِ السحائبِ موقعا

وقال:

غيث العُفاة إذا ما الغيثُ أخلفهم

فما ربيعُهم إلاّ مراجعُه

يباشرُ الحربَ محمرّاً صوارمهُ

ويلبسُ السِّلم مبيضّاً صنائعُه

يا واصلَ الحمدِ مهجوراً محاسنهُ

وذاكرَ الجودِ منسيّاً شرائعُهُ

وقال:

أعليُّ آثرتَ العُلى فتجمّعتْ

وأهنتَ مالَكَ بالنَّدى فتفرَّقا

فاخضِبْ يمينكَ بالمدامِ فطالما

خضبتْ أناملُها السنانُ الأزرقا

وكِلِ الهمومَ إلى الحسودِ فحسبهُ

أنْ يقطعَ الليلَ البهيمَ تأرُّقا

فضلُ الفتى يُغري الحسودَ بسبِّهِ

والعودُ لولا طيبُهُ ما أُحرقا

وقال:

أنتَ الحيا الجودُ الذي آفاقُهُ

ينهلُّ بالمعروفِ أو يتهلَّلُ

علمتْ ربيعةُ أنَّكَ العلمُ الذي

تُهدي إلى سنَنِ الهُدى من يَجهلُ

فرغت من تعليقه بحمد الله وعونه من رابع عشر شهر رمضان المعظم من سنة ثلاث وتسعين وستمائة هجرية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بمدينة بغداد، ولم يقع إلي الدوبيتات والموشحات والمواليا التي وعد الجامع لهذا الكتاب بها لأثبتها، وإن رأيتها سطرتها إن شاء الله تعالى فيما بعد، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً.

كتبه أضعف العباد وأحوجهم إلى رحمة الكريم الجواد علي بن محمد.

ص: 102