المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌وما يتعلق به

تناولها وإلا لم أذقها

فيشربها وقد ثقلت عليه

ولكنِّي أصدّ الكأس عنه

وأصرفها بغمزة حاجبيه

وإن مُدّ الوساد لنوم سكرٍ

مددت وسادتي أيضاً إليه

العطوي يحث على الشرب بكرةً:

لعنَ اللهُ أول الناس سنّ الش

ربَ ظهراً وما أتى من خسارِ

إنَّ شربَ الشراب سير إلى اللهو

وخير المسير صدرُ النهارِ

آخر:

نبهت ندماني فهبُّوا

قبل الصباح لما استحبوا

هذا أجاب وذا أثا

بَ إلى الصبوح وذاك يحبو

أنشدتهم شعراً يعلّ

مُ ذا التصابي كيف يصبو

ما العيش إلاّ أن تح

بّ وأن يحبّك من تحبُّ

فتطربوا والأريحي

ة شأنها طربٌ وشربُ

ولقد شربت مدامةً

وكأنَّها قبس تشبُّ

ولقد جريت مع الزما

نِ فما كبوتُ وكان يكبو

وممن ذكر الغبوق بعضهم:

قد تولَّى النهار واستقبل الليلُ

خليليّ فاشربا واسقياني

قهوةً تترك الفقير غنيّاً

حسن الظنّ واثقاً بالزمانِ

وقال آخر في إقامة عذر نديمه:

ولستُ بلاحٍ لي نديمي بزلّةٍ

ولا هفوةٍ كانت ونحن على الخمرِ

عركتُ بجنبي قول خدني وصاحبي

ونحن على صهباءَ طيبةِ النشرِ

فلما تمادى قلتُ خذها عريقةً

فإنّك من قوم جحاجحة زهرِ

وما زلتُ أسقيه وأشربُ مثلما

سقيتُ أخي حتّى بدا وضح الفجرِ

وأيقنتُ أنّ السكر طار بلبِّه

فأغرق في شتمي وقال وما يدري

‌وصف الغناء

‌وما يتعلق به

قال أبو نواس:

لا أرحلُ الكاسَ إلاّ أن يكون لها

حادٍ بمنتحلِ الألحانِ غرِّيدُ

فاستنطقِ العودَ قد طال السكوتُ به

لا ينطقُ اللهو حتّى ينطقَ العودُ

يعجبني قول القائل:

وعود لهو فيه أثمار المنى

قد طابَ جانيه وطابَ الغارسُ

غنّت عليه الورقُ وهو ناضرٌ

والغانياتُ الغيدُ وهو يابسُ

أنشد ابن الخباز النحوي في مثل هذا المعنى:

وطنبورٍ رشيق القدّ يحكي

بنغمته الفصيحةِ عندليبا

حكى لما انتهى نغماً فصيحاً

رواها عن عنادله قضيبا

كذا من جالسَ العلماءَ طفلاً

يكونُ إذا انتهى شيخاً أديبا

كشاجم:

ولما عبثنَ بعيدانهنّ

قبيل التبلُّج أيقظنني

أردنَ بذاكَ إصلاحهنَّ

فأصلحنهنَّ وأفسدنني

وقال بعض المحدثين:

أخٌ ما يزالُ الدهرُ يكسوك حلّةً

من البرّ لا تبلى على الطيّ والنشرِ

يشوقك أحياناً غناءً وتارةً

حديثاً معانيه أدق من السحرِ

له نبرات تطرب الصمّ لو دعا

بها الوحش لانقادت من السهل والوعرِ

وقال آخر:

إذا ما فاتن غنّت بصوتٍ

ترجّعه فويل للجيوبِ

غناء تجتني الأسماع منه

ثماراً تجتني ثمر القلوبِ

وأحسن من هذا جميعه قول القيسرانيّ في مغنٍّ وجماعة يرقصون:

والله لو أنصف الأقوام أنفسهم

أعطوك ما ادخروا منها وما صانوا

ما أنت حين تغنّي في مجالسهم

إلاّ نسيمُ صبا والقومُ أغصانُ

وقد ظرف القائل:

بيضاءُ يحضر طيب العيش ما حضرت

وإن نأت غاب عنك اللهوُ والفرحُ

كلّ الثياب عليها معرضٌ حسنٌ

وكلما تتغنى فهو مقترحُ

المعرض: ثياب تجلى فيها الجواري.

وقال آخر:

لريّا غناءٌ إذا ما شدتْ

تميتُ قلوباً وتحيي قلوبا

تغنيكَ أوتارها قبلها

فتتركُ ذا الشوق صبّاً طروبا

أرقُّ من الماءِ ماءِ الزلالِ

وأشهى من الراحِ حسناً وطيبا

وأنعمُ من لذَّةِ العاشقين

إذا ما أطاعَ حبيبٌ حبيبا

وقال آخر:

عيداننا من خير ما تسمع

يشفى بها ذو السقم الموجعُ

أوتارها تنطق حتّى ترى

أجفان ذي الشوق لها تدمعُ

لقد تمنيتُ لها أنّ لي

في كل عضوٍ أذناً تسمعُ

الناجم:

ما تغنّت إلاّ تكشّفَ همٌّ

عن فؤادٍ وأقشعتْ أحزانُ

تفضل المسمعين طيباً وحذقاً

مثل ما يفضل السماعَ العيانُ

وقال أيضاً:

لقد برعت عاتبٌ في الغناء

وزادت وأربت على البارعِ

ص: 77

يسبّحُ سامعها معجباً

فأصواتها سبحةُ السامعِ

وقال آخر:

إذا ما حنّ مزهرها إليها

وحنّت نحوه أذنَ الكرامُ

وأصغوا نحوها الآذان حتّى

كأنهم وما ناموا نيامُ

وقال آخر يصف عوداً في حجر مغنية:

وكأنه في حجرها ولدٌ لها

ضمّته بين ترائب وليانِ

أبداً تدغدغ بطنه فإذا هفا

عركت له أذناً من الآذانِ

وقال ابن المعتز:

وندامايَ فتيةٌ وكهولٌ

أتلفت ما لهمْ نفوسٌ كرامُ

بينَ أقداحهم حديثٌ قصيرٌ

هو سحرٌ وما عداهُ كلامُ

وغناء يستعجلُ الراحَ بالرا

حِ كما ناحَ في الغصونِ الحمامُ

وكأنَّ السُّقاةَ بينَ الندامى

ألفاتٌ على سطورٍ قيامُ

وقال آخر:

شدوٌ ألذُّ من ابتدا

ءِ العينِ في إغفائها

أحلى وأشهى من منى

نفسي وصدقِ رجائها

وقال:

إذا احتضنت عودها عاتبٌ

وناغته أحسن أن يعربا

تدغدغ في مهل بطنه

فيسمعنا ضحكاً معجبا

وقال:

إذا نوتِ الضرب قبل الغناء

أنشدنا شعرها عودها

وقال كشاجم:

وترى لها عوداً تحرّكهُ

وكلامه وكلامها وفقا

لو لم تحرّكه أناملها

كانَ الهواءُ يفيدهُ نطقا

جسّته عالمةً بحالته

جسَّ الطبيبِ لمدنفٍ عرقا

فحسبتُ يمناها تحركها

رعداً وخلتُ يسارها برقا

وقال:

أشتهي في الغناءِ بحةَ حلقٍ

ناعم الصوتِ متعبٍ مكدودِ

كأنينِ المحبِّ أضعفهُ الشو

قُ فضاهى به أنينَ العودِ

كهبوبِ الصبا توسّطَ حالاً

بينَ حالينِ شدةٍ وركودِ

ابن الرومي:

تتغنّى كأنَّها لا تغنّي

من سكونِ الأوصالِ وهي تجيدُ

مدَّ في شأوِ صوتها نفسٌ

كافٍ كأنفاس عاشقيها مديدُ

قيل لرجل: أي المغنين أحذق؟ فقال: ابن سريح كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني لكل إنسان ما يشتهيه، نظمه ابن الرومي فقال:

كأنه قالب لكلّ هوًى

فكلّهُ والمنى على قدرِ

قال بعض الملوك لجليس له: صف لي هاتين المغنيتين، فقال: هما كالعينين أيهما فتحت أبصرت بها.

وقال بعض الحكماء: إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يوم الغم لم يخلك.

ومن النادر في هذا:

جاءت بوجهٍ كأنَّهُ قمرٌ

على قوام كأنهُ غصنُ

غنّتْ فلم تبقَ فيّ جارحةٌ

إلاّ تمنّتْ أنها أذنُ

وقال آخر:

ومطربٌ صوته وفوهُ

قد جمعا الطيباتِ طرّا

لو لم يكن صوتهُ بديعاً

ما ملأ الله فاه درّا

ومما قيل في الرقص:

إذا اختلسَ الخطا واهتزَّ ليناً

رأيتَ لرقصهِ سحراً مبينا

يمس الأرضَ من قدميه وهنٌ

كرجعِ الطرفِ يخفى أن يبينا

ترى الحركاتِ منه بلا سكونٍ

فتحسبها لخفتها سكونا

رويَ أن أبا مليكة بينا يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل:

تعلّقتُ ليلى وهي ذاتُ ذوائب

ولم يبدُ للأترابِ من ثديها حجمُ

صغيرينِ نرعى البهمَ يا ليتَ أننا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ

فأراد أن يقول حيّ على الصلاة، فقال: حي على البهم حتّى سمعها أهل مكة فغدا معتذراً إليهم.

قال إبراهيم الموصلي: كان عندنا مغنّ يغني بنصف درهم ولا يسكت إلاّ بدرهم.

وقال رجل لآخر: غنني صوت كذا وبعده صوت كذا، فقال: أراك لا تقترح صوتاً إلاّ بوليّ عهد.

وقال الناجم:

تأتي أغاني عاتبٍ

أبداً بأفراح النفوس

تشدو فنرقص بالرؤوس

لها ونزمر بالكؤوس

قال أبو عثمان الناجم: بحوحة الحلق الطيب تشبه مرض الأجفان الفاترة.

ص: 78