الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال مالك بن أبي السمح: سألت ابن سريح عن قول الناس: فلان يصيب وفلان يخطئ وفلان يحسن وفلان يسيء، فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدّل الأوزان، ويفخّم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطع النغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواضع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات، فعرضت ما قال على معبدٍ، فقال: لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلاّ هكذا، وقال الناجم:
لها غناءٌ كالبرءِ في جسدٍ
…
أضناه طول السّقام والترحِ
يعبدها الراح كلما صدحتْ
…
إبريقها ساجد على القدحِ
حدّث أحمد بن يزيد عن أبيه، قال: كنا عند المنتصر بالله فغناه بنان:
يا ربّة المنزل بالفرك
…
وربّة السلطان والملكِ
تحرّجي بالله من قتلنا
…
لسنا من الديلم والتركِ
فضحكت، فقال: مم ضحكت، قلت تعجباً من شرف قائل هذا الشعر وشرف من لحنه وشرف مستمعه، الشعر للرشيد، والغناء لعليّة وأمير المؤمنين مستمعه، فأعجبه واستعاده.
وأنشدت في ذمّ مغنّ:
ومغنٍّ إذا تغنّى بلحنٍ
…
أورثَ السامعين داءً عضالا
سامنا خلعةً فقمنا إليه
…
وخلعنا على قفاه النعالا
آخر:
ومسمعٍ قوله بالكرهِ مسموع
…
محجّبٌ عن بيوت الناس ممنوع
غنّى فبرّق عينيه وحرّك لح
…
ييه فقلت الفتى لا شك مصروعُ
وقطع الشعر حتّى ودّ أكثرنا
…
أن اللسان الذي في فيه مقطوعُ
لم يأتِ دعوة أقوام بأمرهم
…
ولا مضى قطّ إلاّ وهو مصفوعُ
وقال آخر:
كنتُ في مجلس فقال مغني
…
القوم كم بيننا وبين الشتاءِ
فشربتُ البساط منّي إليه
…
قلتُ هذا المقدارُ وقتَ الغناءِ
وقال آخر:
غنّتْ فلم تبقَ لنا جبّةٌ
…
دفيّةٌ إلاّ لبسناها
فلو ترانا لو نرى جمرةً
…
من شدّةِ البرد أكلناها
فقال بعض القوم كفّي فلم
…
تقبل فقمنا وتركناها
آخر:
تغنّى فلان لنا ليلةً
…
وكان إلينا بغيضاً مقيتا
وقال اقترح بعض ما تشتهي
…
فقلتُ اقترحت عليك السكوتا
آخر:
خارج ليس يدخل الضربَ والضر
…
بُ له بالسيوف في الإيقاعِ
وقال آخر:
غناؤك والشتم عندي سواءُ
…
وصمتكَ من كلّ داءٍ دواءُ
فإن شئتَ غنّ فأنتَ السقامُ
…
وإن شئتَ فاسكتْ فأنتَ الشفاءُ
وقال الصنوبري يهجو زامرة سوداء:
وكأنّما المزمارُ في أشداقها
…
غرمولُ عيرٍ في حياءِ أتانِ
وترى أناملها على مزمارها
…
كخنافسٍ دبَّتْ على ثعبانِ
آخر:
شهدتُ أبا الفضل في مجلسٍ
…
وقد نبهونا لشرب الغلسْ
فغنّى غناءً له بارداً
…
فأرعدَ بعضٌ وبعضٌ نعسْ
فقال انتخب واقترح ما تشاء
…
فقلتُ اقترحتُ عليكَ الخرسْ
وقال آخر:
ومغنّ إن تغنّى
…
أفسدَ الندمان غمّا
أحسن الندمان حالاً
…
كلّ من كانَ أصمّا
وصف في الربيع وأزهاره
وما يلازمه من نعت أنهاره وتغريد أطياره وصوت بلبله وهزاره
.
أقول: إن الربيع حياة النفوس، وبشر الزمن العبوس، وواسطة عقد الدهر، وغرة جبهة العصر، وطبع الحياة ورونق العمر ونزهة النواظر والقلوب والمشبه بصفة المحبوب، فيه تأخذ الأرض بهجة زينتها وزخارفها، وتبرز في حللها الأنيقة ومطارفها، وتجلي في ملابسها السندسية، وتضوع الآفاق بنفحاتها المسكية الذكية، وفيه بعث النبات ونشوره ونضارة العيش ونوره، كلما بسمت ثغوره بكى الغمام، ومتى رقصت غصونه غنى لها الحمام، ومتى انتظم نواره فاق اللآلئ في النظام، فكأن أغصانه هيف قدود تتعاطى ميلاً وتأوداً، وكأن شقيقه خدود زادها العتب نضارة وتورداً، وكأن نرجسه عيون ينفث سحرها في العقد، وكأن أقاحه ثغور تفتر عن طلع كالبرد، وقد جالت دموع الطل في وجنات ورده الجني، ولاح بنفسجه كالعذار في حسن الرواء ونضارة الري، وقد باح نسيمه بسر الخزام ونبه أطياره نشر القداح والنمام، قد اتخذت من عذبات الأغصان منابر، وأغنت عن أصوات العيدان والمزاهر، اعتدل فيه عمر الليل والنهار، وأشبهت أرضه السماء بنجوم الأزهار، فكأن الأرض فيه مرآة صقلتها يد الأنواء، فانطبعت في جرمها صور كواكب السماء.
وقد وصفه الشعراء فأحسنوا في أوصافه وبالغوا في نعوت مجالسه وألطافه.
وها أنا أذكر ما جرت عادتي بذكر مثله في هذا المختصر، وبالله جلت عظمته أستعين وعليه أتوكل.
قال الأعشى في وصف امرأة، قال أبو عبيدة ولم يقل في الروض أحسن من هذه الأبيات:
ما روضةٌ من رياضِ الحزنِ معشبةٌ
…
خضراءُ جادَ عليها مسبلٌ هطلُ
يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ
…
مؤزّرٌ بعميم النبتِ مكتهلُ
يوماً بأطيبَ منها نشرَ رائحةٍ
…
ولا بأحسن منها إذْ دنا الأصلُ
وقال عبد الله بن المعتز:
ما مثل منزلةِ الدُّويرةِ منزلٍ
…
يا دارُ جادكِ وابلٌ فسقاكِ
بؤسي لدهرٍ غيّرتكِ صروفهُ
…
لم يمحُ من قلبي الهوى ومحاكِ
لم يحلُ للعينينِ بعدكِ منظرٌ
…
ذمَّ المنازلُ كلهنَّ سواكِ
أيُّ المعاهدِ منكِ أندبُ طيبة
…
ممساكِ ذا الآصالِ أمْ مغداكِ
أمْ برد ظلكِ ذي الغصونِ وذي الجنى
…
أم أرضكِ الميثاءَ أم رياكِ
وكأنَّما سطعتْ مجامرُ عنبرٍ
…
أوْ فُتَّ فأرُ المسكِ فوقَ ثراكِ
وكأنَّما حصباءُ أرضكِ جوهرٌ
…
وكأنَّ ماءَ الوردِ قطرُ نداكِ
وكأنما أيدي الربيع نديّةً
…
نشرتْ ثيابَ الوشي فوقَ رباكِ
وكأنَّ درعاً مُفرغاً من فضةٍ
…
ماءُ الغديرِ جرتْ عليه صباكِ
وقال يصف الروض:
قد أغتدي على الجيادِ الضمّرِ
…
والنجمُ في طرّةِ صبحٍ مسفرِ
كأنهُ غرَّة مهرٍ أشقرِ
…
والوحشُ في أوطانها لم تنفرِ
والليلُ معسولٌ بلبلٍ ممطرِ
…
كالعصبِ أو كالوشي أو كالجوهرِ
من أبيضٍ وأصفرٍ وأحمرِ
…
والأرضُ ريَّا ذاتُ عودٍ أخضرِ
ملتحف بالورقِ المنتشرِ
…
فيه الندى مستوقف لم يقطرِ
كدمعةٍ حائرةٍ في محجرِ
وقال البحتري:
أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكاً
…
من الحسنِ حتّى كادَ أنْ يتكلَّما
وقد نبَّه النيروزُ في غسقِ الدجى
…
أوائلَ وردٍ كنَّ بالأمسِ نوَّما
يُفتِّحه بردُ الندى فكأنه
…
يبثُّ حديثاً كانَ قبلُ مكتَّما
ومن شجرٍ ردَّ الربيعُ لباسَه
…
عليه كما نشرتْ وشياً منمنما
أحلّ فأبدى للعيونِ بشاشةً
…
وكانَ قذًى للعينِ إذ كان مُحرما
وقال ابن الرومي:
ورياضٍ تخايلُ الأرضُ فيها
…
خيلاءَ الفتاةِ في الأبرادِ
ذات وشيٍ تكلفته سوارٍ
…
لبقاتٌ تحوكها وغوادي
شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوس
…
مي ثم العهاد بعد العهادِ
فهي تثني على السماءِ ثناءً
…
طيّب النشر شائعاً في البلادِ
بنسيم كأنَّ مسراه في الأرْ
…
واح مسرى الأرواح في الأجسادِ
تتداعى فيها حمائم شتَّى
…
كالبواكي وكالقيان الشوادي
وقال أبو هلال العسكري:
وروضةٍ حاليةِ الصدورِ
…
كاسيةِ البطونِ والظهورِ
شقائق كناظرِ المخمورِ
…
وأقحوان كثغور الحورِ
ونرجس كأنجم الديجورِ
…
والطلّ منثورٌ على المنثورِ
يرصّعُ الياقوت بالبلورِ
وقال آخر:
وروضٍ ناضرٍ قد أضحكته
…
شآبيبُ السحائبِ بالبكاءِ
كأنَّ شقائقَ النعمانِ فيه
…
ثيابٌ قد روينَ من الدماءِ
وقال ابن المعتز:
كأنَّ عيونَ النرجسِ الغضِّ بيننا
…
مداهنُ درٍّ حشوهنَّ عقيقُ
إذا بلّهنَّ القطرُ خلتَ دموعَها
…
دموعَ عيونٍ كحلهنَّ خلوقُ
وقال أيضاً:
ظللتُ بملهى حرّ يومٍ وليلةٍ
…
تدورُ عليَّ الكاسُ في فتيةٍ زهرِ
لدى نرجسٍ غضٍّ وسروٍ كأنَّه
…
قدودُ جوارٍ رحنَ في أُزرٍ خضرِ
وكتب إلي شخص بيتين للمغاربة في تفضيل الورد على النرجس وهما:
من فضَّل النرجس في حلمه
…
وهو على الورد الذي يرأسُ
أما ترى الورد غدا قاعداً
…
وقامَ في خدمته النرجسُ
وطلب أن أعكس المعنى وأفضل النرجس فقلت بديهاً:
لم يكن الوردُ كما أخبروا
…
واعتقدوا في جهلهم قاعدا
لكن رأى النرجس لمَّا بدا
…
فخرَّ من هيبته ساجدا
وقلت أيضاً بديهاً:
النرجس الغضّ له حشمةٌ
…
مكتومةٌ لكنها تُعلمُ
يقوم في الخدمةِ من فضله
…
وسيّد القوم الذي يخدمُ
وكلفت المعين إبراهيم بن المحتسب الإربلي أن يعمل فقال:
إنْ أشبهَ الجوريُّ يوماً أعيناً
…
في حسنها يستهتر العشاقُ
فالنرجسُ الغضُّ المضاعفُ سابقٌ
…
ومواددٌ فلودّه يُشتاقُ
ما قيمة الوجه المدلّ بحسنه
…
إنْ لم تزنه بحسنها الأحداقُ
فقلت: يا أخي يقول لك الخصم وما قيمة الأحداق إذا لم يزنها وجه مدل بحسنه فما أعاد جواباً.
وقال آخر:
سقياً لأرضٍ إذا ما نمتُ نبَّهني
…
بعد الهدوّ بها قرعُ النواقيسِ
كأنَّ سوسنها في كلِّ شارقةٍ
…
على الميادين أذنابُ الطواويسِ
وقال سعيد بن حميد:
وترى الغصون إذا الرياح تنسَّمت
…
ملتفَّةً كتعانقِ الأحبابِ
وله في وصف السرو:
فكأنَّها والريحُ يخطرُ بينها
…
تنوي التعانقَ ثم يمنعها الخجلُ
وفي الدولاب:
سقى الرياض وغنَّاها فأغصنُها
…
سكرى ترنّح من شربٍ وتطريبِ
وقال ابن المعتز:
ظللتُ بها أُسقى سلافةَ بابلٍ
…
بكفِّ غزالٍ ذي جفونٍ صوائدِ
على جدولٍ ريَّان لا يكتمُ القذى
…
كأنَّ سواقيهِ متونُ المبادرِ
وللمغاربة فيه:
ومطّرد الأجزاء تصقل متنه
…
صبا أبرزت للعين ما في ضميرهِ
جريح بأطراف الحشا كلما جرى
…
عليها شكا أوجاعَه في خريرهِ
وقد أحسن القائل ما شاء في وصف واد:
وقانا لفحةَ الرمضاء وادٍ
…
وقاه تضاعف النبتِ العميمِ
نزلنا دوحه فحنا علينا
…
حنو المرضعات على الفطيمِ
وأرشفناعلى ظمأٍ زلالاً
…
ألذّ من المدامة للنديمِ
يروع حصاهُ حاليةَ العذارى
…
فتلمس جانبَ العقدِ النظيمِ
يصدُّ الشمس أنَّى واجهتنا
…
فيحجبها ويأذنُ للنسيمِ
وقد أبدع الجدلي في قوله وأجاد:
لدى أقحوانات حُففنَ بناصعٍ
…
من الورد مخضر الغصون نضيدِ
تميلها أيدي الصبا فكأنَّها
…
ثغورٌ هوتْ شوقاً لِعَضّ خدودِ
وقال السيد الرضي:
ونيلوفرٍ صافحتهُ الرياحُ
…
وعانقهُ الماءُ صفواً ورنْقا
تخيلُ أوراقهُ في الغديرِ
…
كألسنةِ النارِ حمراً وزرقا
وقال آخر:
وكأنَّ البنفسج الغضّ يحكي
…
أثرَ اللطمِ في الخدودِ الغيدِ
وقال آخر:
إنَّ البنفسجَ ترتاحُ القلوبُ له
…
ويعجزُ الوصفُ عن تحديدِ معجبهِ
أوراقُه شُعل الكبريت منظرها
…
وريحه عنبرٌ تُحيا القلوبُ بهِ
وقال عبد الصمد بن المعذل:
ونازعني كأساً كأنَّ رضابها
…
دموعي لمَّا صدَّ عن مقلتي غمضي
عشيةَ حيَّاني بوردٍ كأنهُ
…
خدودٌ أُضيفتْ بعضهنَّ إلى بعضِ
وولَّى وفعلُ الكأسِ في حركاتهِ
…
من السُّكر فعل الريح بالغصنِ الغضِّ
وقال علي بن الجهم:
ما أخطأ الوردُ منكَ لوناً
…
وطيبَ ريحٍ ولا ملالا
وقام حتّى إذا أنِسنا
…
بقربهِ أسرعَ انتقالا
وله فيه:
زائرٌ يُهدي إلينا
…
نفسَه في كلّ عامِ
حسنُ الوجهِ ذكيُّ الرِّ
…
يحِ إلفٌ للمدامِ
عمرهُ عشرون يوماً
…
ثمَّ يمشي بسلامِ
وله أيضاً:
لم يضحكِ الورد إلاّ حينَ أعجبهُ
…
حسنُ الرياضِ وصوتُ الطائرِ الغردِ
بدا فأبدتْ له الدنيا محاسنها
…
وراحتِ الريحُ في أثوابها الجددِ
وباشرتهُ يدُ المشتاقِ تسندهُ
…
إلى الترائبِ والأحشاء والكبدِ
بينَ النديمينِ والخلِّينِ مصرعهُ
…
وسيرهُ من يدٍ موصولةٍ بيدِ
ما قابلتْ قضبُ الريحانِ طلعتهُ
…
إلاّ تبيَّنتْ فيها ذلَّةَ الحسدِ
قامتْ بحجَّته ريحٌ معطرةٌ
…
تجلو القلوبَ من الأوصابِ والكمدِ
لا عذَّب اللهُ إلاّ منْ يعذَّبهُ
…
بمسمعٍ باردٍ أو صاحبٍ نكدِ
وقال السروي:
مررنا على الروضِ الذي طلّه الندى
…
سُحيراً وأوداجُ الأباريقِ تُسفكُ
فلم أرَ شيئاً كانَ أحسنَ منظراً
…
من الروضِ يجري دمعهُ وهو يضحكُ
الأخيطل:
الآن عادت وجوه الأرض لابسةً
…
روضاً يميس من الأنوارِ في حللِ
مدَّ الربيعُ عليها من ملابسه
…
وشياً وشايعه للعارض الهطلِ
أما ترى قضبَ الريحان حاملةً
…
من الزبرجد عقداً غير متصلِ
تنقادُ من نعمةٍ أعناقها فإذا
…
جرى النسيمُ بها استهوتْ من الميلِ
تُمسي إذا ما سقيطُ الطلِّ ألقحها
…
مطويّة وهي أبكارٌ على جبلِ
جحظة:
أما ترى أعينَ النوارِ ناظرةً
…
ترنو إليك بأحداقٍ وأجفانِ
والأرضُ في حللٍ من أمرِها عجب
…
ليست بصيغةِ إنسيّ ولا جانِ
حاكَ السحابُ لها ثوباً وألحمه
…
نوعين من لؤلؤ رطب ومرجان
وقال ابن المعتز:
ما ترى نعمةَ السماءِ على الأر
…
ضِ وشكرَ الرياضِ للأمطارِ
وكأنَّ الربيعَ يجلو عروساً
…
وكأنَّا من قطره في نثارِ
وقال البحتري:
أمّا الرياضُ فقد بدتْ ألوانُها
…
صاغتْ حليَّ فنونها أفنانُها
دقَّت معانيها ورقَّ نسيمُها
…
وبدتْ محاسنها وطابَ زمانُها
الصنوبري:
ما الدهرُ إلاّ الربيعُ المستنيرُ إذا
…
أتى الربيعُ أتاكَ النّورُ والنُورُ
فالأرضُ فيروزجٌ والجوُّ لؤلؤةٌ
…
والروضُ ياقوتةٌ والماءُ بلّورُ
أحمد العلوي:
في رياضٍ تخالُ نرجسها الغ
…
ض عيوناً رواني الأحداقِ
ناظرات كأنَّما الطلُّ فيه
…
ن دموعٌ تحيّرتْ في المآقي
وتخالُ الغصونَ عند تلاقيها
…
تحاكي تعانقَ العشّاقِ
آخر، وهو الكندي:
أهدى الحيا للورد في وجناته
…
خجلاً وزاد الياسمين غراما
وتشققت قمص الشقيق فخلته
…
في الروضِ كاساتٍ مُلئنَ مداما
آخر:
الورد أحسن منظرٍ
…
تتمتع الأبصار منه
فإذا تصرّم وقته
…
أتت الخدودُ تنوبُ عنه
وقال أبو هلال العسكري:
أتاه بريدُ المزن ينشده الصبا
…
فدوَّم من أعلى رُباه وديّما
ولاحَ إليه بالبروقِ مطرزاً
…
فأصبحَ منها بالزواهرِ معلما
القاضي التنوخي:
أما ترى الروض قد وافاك مبتسماً
…
ومدَّ نحو الندامى للسلام يدا
فأخضرٌ ناضرٌ في أبيضٍ يققٍ
…
واصفر فاقعٌ في أحمرٍ نضدا
مثل الرقيب بدا للعاشقين ضحًى
…
فاحمرَّ ذا خجلاً واصفرَّ ذا كمدا
وفي الورد الموجّه:
وردةُ بستانٍ لها رونقٌ
…
زِينتْ من الحسنِ بنوعينِ
باطنها من لبّ ياقوتةٍ
…
وظهرها من ذهبٍ عينِ
كأنَّا خدّي على خدّه
…
لمَّا اعتنقنا غدوةَ البينِ
السري الرَّفَّاء:
وجناتِ تحيي الشربَ وهناً
…
جنى وهداتها وجنى رُباها
إذا ركد الهواء جرت نسيماً
…
وإن طاح الغمام طفت مياها
يفرّج وشيها غمّاءَ وردٍ
…
يفيضُ على لآلئ من حصاها
ويأبى زهرها إلاّ هجوعاً
…
ويأبى عرفُها إلاّ انتباها
البحتري:
قطراتٌ من السحابِ وروضٌ
…
نثرتْ وردَها عليه الخدودُ
فالرياحُ التي تهبُّ نسيمٌ
…
والنجومُ التي تطلُّ سعودُ
وقال أيضاً:
ولا زالَ مخضرٌّ من الروضِ يانعٌ
…
عليه بمحمرٍّ من النورِ جاسدِ
يذكِّرنا ريَّا الأحبةِ كلما
…
تنَّفس في جنحٍ من الليلِ باردِ
شقائقُ يحملنَ الندى وكأنَّها
…
دموعُ التصابي في خدودِ الخرائدِ
ومثل هذا قول ابن الرومي:
لو كنتَ يوم الوداع حاضرنا
…
وهنَّ يطفين غلّةَ الوجدِ
لم ترَ إلاّ الدموع سائلةً
…
تقطرُ من مقلةٍ على خدِّ
كأنَّ تلك الدموع قطر ندى
…
تقطرُ من نرجس على وردِ
والبيت الثالث أردتُ، ومثله:
كأنَّ الدموع على خدِّها
…
بقيّة طلّ على جلّنار
ومثله أيضاً، ولم يذكر الندى:
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس فسقت
…
ورداً وعضَّت على العنّاب بالبردِ
وقال أبو نواس:
لنا نرجسٌ غضُّ القطافِ كأنَّه
…
إذا ما منحناهُ العيونَ عيونُ
مخالفةٌ في شكلهنَّ فصفرةٌ
…
مكانَ سوادٍ والبياضُ جفونُ
وقال أبو هلال العسكري في الورد:
مرّ بنا يهتزّ في خطوهِ
…
ما بينَ أغصانٍ وأقمارِ
يدير في أنملهِ وردةً
…
جاءتْ عن المسكِ بأخبارِ
يلوحُ في حمرتِها صفرةٌ
…
كالخدِّ منقوطاً بدينارِ
وقال ابن المعتز:
ولازورديّةٍ أوفتْ بزرقتِها
…
بينَ الرياضِ على زوقِ اليواقيتِ
كأنَّها بين طاقاتٍ ضعفنَ بها
…
أوائلُ النارِ في أطرافِ كبريتِ
ابن الرومي:
اشرب على زهر البنفس
…
ج قبل تأنيب الحسودِ
فكأنما أوراقهُ
…
آثارُ قرصٍ في الخدودِ
السري الرفاء:
أما ترى الوردَ قد باحَ الربيعُ به
…
من بعدِ ما مرَّ حولٌ وهو إضمارُ
وكانَ في خلعٍ خضرٍ قد خُلعتْ
…
إلاّ عرًى أُغفلتْ منه وأزرارُ
وقال آخر في روضة وأحسن:
بكين فأضحكنَ الثرى عن زخارفٍ
…
من الروضِ عنهنَّ الندى متهايلُ
ترى قضبَ الياقوتِ تحتَ زبرجدٍ
…
تنوءُ به أعناقهنَّ الموائلُ
تلقحها الأنداءُ ليلاً بريقها
…
فيصبحنَ أبكاراً وهنَّ حواملُ
ولأبي هلال في باقات الريحان:
وخضرٍ تجمعُ الأعجازَ منها
…
مناطقُ مثل أطواقِ الحمامِ
لها حسنُ العوارضِ حين تبدو
…
وفيها لينُ أعطافِ الغلامِ
وللسري الرفاء:
وبساط ريحان كماءِ زبرجد
…
عبثتْ بصفحتهِ الجنوبُ فأرعدا
يشتاقه الشّرب الكرام فكلّما
…
مرضَ النسيمُ سَعَوا إليه عوّدا
وقال أبو هلال:
لبس الماءُ والهواء صفاءَ
…
واكتسى الروض بهجةً وبهاءَ
وتخالُ السماءَ بالليلِ أرضاً
…
وترى الأرضَ بالنهارِ سماءَ
جلَّلتْها الأنوارُ زهراً وصفراً
…
يوم ظلَّت تُنادم الأنواءَ
وترى السروَ كالمنابرِ تزهي
…
وترى الطيرَ فوقها خطباءَ
وقال ابن طباطبا العلوي:
أوَما ترى الأيامَ كيف تتوَّجت
…
وربيعها والٍ عليها قيِّمُ
حليت به الدنيا وكانت عاطلاً
…
فقعودُها في كلّ فجّ ينظمُ
فانظر إلى زهر الرياضِ كأنَّه
…
وشيٌ تنشره الأكفُّ منمنمُ
فالنور يهوى كالعقود تبددت
…
والوردُ يخجلُ والأقاحي يبسمُ
ويكاد يضحي الدمع نرجسه إذا
…
أضحى ويقطرُ من شقاشقه الدمُ
البشامي:
أما ترى الأرض قد أعطتك زهرتها
…
بخضرةٍ واكتسى بالنورِ عاليها
فللسماء بكاءٌ في جوانبِها
…
وللربيعِ ابتسامٌ في نواحيها
وقال ابن منير الطرابلسي:
اليوم قرّ وجيبُ الدجنِ مزرورُ
…
والظلُّ منتظمٌ والطلُّ منثورُ
كأنّ ما اصفرَّ مهما احمرَّ ترقبه
…
في محفل النور مخزونٌ ومسرورُ
كأنَّ أكمامه من تحتِ زاهرهِ
…
في الدّوح ضدَّان مهتوكٌ ومستورُ
كأنَّ نّواره والريحُ تقذفهُ
…
في الماءِ جيشانِ مخذولٌ ومنصورُ
كأنَّ أظلاله والشمس ينسخها
…
عنه رداءان مطويّ ومنشورُ
كأنَّما الثلج والنارنج مرتدياً
…
به مجامر نارٍ فوقها نورُ
عرسُ الربيع الذي فُضَّت دراهمه
…
عليه وانتثرت فيه الدنانيرُ
فالجو والنورُ والوادي وتربته
…
مسكٌ ووردٌ وديباجٌ وكافورُ
تهدي نوافحه ما في نوافجه
…
فعيشه مطلق والهمُّ مأسورُ
ما شئت من ملحٍ فيه يصفّقها
…
شادٍ وحادٍ وملاحٌ وناطورُ
وقال ابن مكلِّم الذئب:
شموسٌ وأقمارٌ من الزهر طلّعُ
…
لدى الدهر في أكنافها متمتعُ
كأنَّ عليها من مجاجةِ ظلّها
…
لآلئ إلاّ أنها هي أنصعُ
نشاوى تثنّيها الرياحُ فتنثني
…
فيلثم بعضٌ بعضَها ثمَّ ترجعُ
آخر في طلوع الشمس من خلل الأوراق:
كأنَّ شعاع الشمسِ في كلّ غدوةٍ
…
على ورقِ الأشجارِ أولَ طالعِ
دنانير في كفّ الأشلّ يضمّها
…
لقبضٍ وتهوي من فروج الأصابع
علي الأسواري:
أوائل رسلٍ للربيع تقدَّمت
…
على حسن وجه الأرض خير قدومِ
كأنَّ اخضرار الروض والزهر طالعٌ
…
عليه سماء زُيِّنت بنجومِ
إذا افتضَّها طرف البصير بلحظه
…
توهمها مفروشةً برقومِ
تردَّت بظلّ دائم وتضاحكت
…
بضحك بروقٍ في بكاء غيومِ
فأوردها فحل السحاب غرائساً
…
ضعاف القوى من مرضعٍ وفطيمِ
كمثل نشاوى الراح تلثم دائباً
…
إذا الريحُ جادتْ بينها بنسيمِ
وقال الزاهي:
هذا الربيع وهذه أزهاره
…
طابت لياليه وطاب نهارهُ
دريّةٌ أنواره فضيةٌ
…
أنهاره ذهبيةٌ أشجارهُ
والماءُ فضيُّ القميصِ مُفروزٌ
…
ببنفسج واللازورد شعارهُ
وترنمت عجم الطيور كأنها
…
سرب القيان ترنمت أوتارهُ
فاشرب على ورد الخدود يحثّه
…
وردُ الربيع تحفّه أنوارهُ
آخر:
حظّ عينٍ وحظّ سمعٍ ربيعا
…
ن وتغريد بلبلٍ وهزارِ
في جلاء من الزمان ووجه ال
…
أرضِ يُكسى وشائع النوّارِ
كلما أشرفت شموس الأقاحي
…
خلت إحدى الشموس شمس النهار
ابن الرومي:
حيّتكَ عنَّا شمالٌ طابَ ريقُها
…
تحيّةً فجرَّتْ روحاً وريحانا
حيَّت سُحيراً فناجى الغصنُ صاحبهُ
…
سرّاً بها وتنادى الطيرُ إعلانا
وُرقٌ تغنَّى على خضرٍ مهدّلةٍ
…
تسمو بها وتمسُّ الأرضَ أحيانا
تخالُ طائرها نشوانَ من طربٍ
…
والغصنُ من هزِّه عطفيهِ نشوانا
عبد الكريم المغربي:
بارقٌ في خفاف غيم سكوب
…
صدع الليل كالصباح الصديع
قائماً ينثر الحباب على ور
…
د خدودِ الربيع نثر الدموع
في فضاء مضمّخٍ من عبيرٍ
…
وهواء مخلّق من ردوع
يعتلي الفجر فيهما ذا حياءٍ
…
وتمرّ الرياح ذات خضوع
شجر ذاب فوقه الحسن فاختا
…
ل من القطر في رداءٍ وشيع
في الاذريون للحافظ:
عيون تبرٍ كأنَّما سرقت
…
سواد أحداقها من الغسقِ
فإنْ دجا ليلها بظلمته
…
ضممنَ من خوفها على السّرقِ
ابن المعتز في الأقحوان:
قد نسج القطرُ حله الزهر
…
فالعين محورةٌ على النظرِ
وأبدتِ الأرضُ حسنها وغدتْ
…
مثلَ عروسٍ تُجلى على البشرِ
ولؤلؤُ الأقحوان منتظمٌ
…
على قميصٍ لها من الخضرِ
أحمد الصقلي في البنفسج:
بنفسجٌ يانعٌ ذكي
…
زاد على طيب كل وردِ
كأنَّه عند ناظريه
…
آثار قرص في صحن خدِّ
في الريحان:
قضيب من الريحان شاكلَ لونهُ
…
إذا ما بدا للعين لون الزبرجد
أشبهه لمَّا بدا متجعداً
…
عذاراً تبدَّى في سوالفِ أغيدِ
آخر في الشقائق:
ورياضٍ بديعةِ الألوان
…
لاح فيها شقائق النعمانِ
كخدود مضرّجات عليها
…
من غوالٍ كهيئة الخيلانِ
وقلت من أبيان أنسيتها في روضة:
وكأنّ الشقيق فيها خدود
…
وتخال الخيلان كالخال فيها
المهلبي:
كأنَّما النرجس في روضه
…
إذا أتته الريحُ من قربِ
أقداح ياقوت تعاطينها
…
أنامل من لؤلؤٍ رطبِ
الفهمي:
سقياً لنرجس روضةٍ
…
أبدى لنا بدعَ الفنونِ
أحداقه من زعفرا
…
ن بين كافور الجفونِ
فنسيمهُ روحُ الحياةِ
…
ولحظهُ داعي الفتونِ
لم لا تهيم به العيو
…
ن وقد غدا مثل العيونِ
آخر:
سعى ساعٍ أليَّ بكاس خمرٍ
…
وباقة نرجسٍ فسقى وحيَّا
تعالوا فانظروا قمراً منيراً
…
سقى شمساً وحيَّا بالثريا
آخر:
الكأس تضحك والأوتار ناطقةٌ
…
والزهر في حسنه والشملُ مشتملُ
نارٌ تلوح في النارنج في شجرٍ
…
لا النار تطفى ولا الأشجار تشتعلُ
حكم بن عمر في ورد:
ومعشّقٍ حيَّا المحبّ بوردةٍ
…
بيضاء قد شربت روائح ندّه
كأنَّها وبها احمرار جائل
…
ماء الحياة على صحيفةِ خدِّه
البحتري:
أمَا ترى الورد يحكي خجلةً ظهرت
…
في صحن خدٍّ من المعشوق منعوتِ
كأنَّه فوق ساق من زبرجدةٍ
…
نثرٌ من التبر في محمرّ ياقوتِ
البياضي:
جاء وفد الريح فاعتنقت
…
في أوراقٌ وأغصانُ
كلّ فرعٍ مال جانبهُ
…
فكأنَّ الأصلَ سكرانُ
وكأنَّ الروضَ مكتسياً
…
بسقيط الطلّ عريانُ
كلّما قبّلتُ زهرتَه
…
خلتُ أنّ القطرَ غرثانُ
كشاجم في الشقائق:
انظر بعينك أغصانَ الشقائقِ في
…
فروعِها زهرٌ في الحسنِ أمثالُ
من كلِّ مشرفةِ الأغصانِ ناضرةٍ
…
لها على الغصنِ إيقادٌ وإشعالُ
كأنَّها وجناتٌ أربعٌ جُمعتْ
…
وكلُّ واحدةٍ في صحنِها خالُ
محمد بن عبد الله بن طاهر:
أما ترى شجرات الورد مظهرةً
…
لنا بدائع قد ركّبنَ في قضبِ
كأنَّهنّ يواقيت تطيف بها
…
زمردٌ وسطه شذرٌ من الذهبِ
ابن المعتز:
وعُجنا إلى الروضِ الذي طلّهُ النَّدى
…
وللصبحِ في ثوبِ الظلامِ حريقِ
كأنَّ عيونَ النرجسِ الغضِّ بينهُ
…
مداهنُ درٍّ حشوهنَّ عقيقُ
إذا بلّهنَّ القطرُ خلتَ دموعها
…
بكاءَ جفونٍ حشوهنَّ خلوقُ
ابن الساعاتي:
لله يومُ النيِّرينِ ووجههُ
…
طلقٌ وثغرُ اللهوِ ثغرٌ أشنبُ
وكأنَّما فننُ الأراكةِ منبرٌ
…
وهزارهُ فوقَ الذؤابةِ يخطبُ
والرعد يشدو والحيا يسقي وغص
…
ن البانِ يرقصُ والخمائلُ تشربُ
وكأنَّما الساقي يطوفُ بكأسهِ
…
بدرُ الدجى في الكفّ منه كوكبُ
بكر بها نقعُ الغليلِ ومعجبٌ
…
نقعُ الغليلِ بجذوةٍ تتلهّبُ
حمراء حاربنا الصروفَ بصرفها
…
فزجاجها بدمِ الخطوبِ مخضّبُ
والقطر نبلٌ سوابغٌ
…
موضونةٌ والبرقُ سيفُ مذهبُ
وقال أيضاً:
يا نديميّ والنديمُ معينُ
…
وخليليّ والخليلُ شفيقُ
ما لوجه الدنيا يُذمّ وقد أص
…
بح وجهاً جماله موموقُ
فقضيبٌ عليه للطيرِ شدوٌ
…
وغديرٌ لمائهِ تصفيقُ
هُزّت البان كالقدود وقد ض
…
رّج فيها مثل الخدود الشقيقُ
حيث ذيل الصبا بليلٌ بها يس
…
حبُ وجيب نشرها مفتوقُ
وصباحاك ضوءُ كأس وثغرٍ
…
ومداماك كأسُ خمرٍ وريقُ
وقال:
ما جلّقُ الفيحاءُ إلاّ جنةً
…
فضلها وحي الغمام المُنزلُ
كم نعمٍ للغيثِ في أرجائها
…
يفصحُ عنها سهلُها والجبلُ
بنفسجٌ مثلُ الخدودِ قُرّصت
…
ونرجس ما هو إلاّ المقلُ
بكى الغمامُ فالثرى مبتسمٌ
…
ورقصَ الدوحُ فغنَّى الجدولُ
كم جدولٍ باكرهُ مرُّ الصبا
…
فهو نسيمٌ والحسامُ صقيلُ
وبعدَ كلّ ناشقٍ لا سامعٍ
…
ما حدّثتْ عن الرياضِ الشمألُ
وقال أيضاً:
انظر إلى نسجِ الربيعِ وحوكهِ
…
والشمس ترقمُ ما السحائبُ تحبكُ
والأرضُ تُجلى في معارض سندسٍ
…
والنهي ردنٌ والنسيمُ يُفرّكُ
حيثُ الوجوهُ من البقاعِ سوافرٌ
…
والأقحوانُ بها ثغورٌ تضحكُ
وفضاءُ هاتيك السماءِ معنبرٌ
…
ونسيمُ ذاك الجو منه ممسَّكُ
والطلُّ في جيدِ الغصونِ منظمٌ
…
وعلى السهولِ مُبددٌ لا يُسلكُ
كم فضَّ في بطحائها من فضةٍ
…
بددٍ وتبرٍ لو يُصاغُ ويُسبكُ
وقال أيضاً:
يا حبَّذا زمنُ الربيعِ ودوحهُ
…
قيدُ الخواطرِ بل عقالُ الأنفسِ
جُليتْ عرائسها فهمّ قلوبنا
…
واللهو بين مقوّض ومعرّسِ
أنفاسه من عنبرٍ وسماؤه
…
من لؤلؤ وبساطهُ من سندسِ
وقال:
أوَ ما ترى الأطيارَ في أشجارِها
…
كمغرّدٍ قد دبَّ فيه شرابُ
وكأنَّ معتلَّ النسيمِ تحيةٌ
…
وكأنَّما أغصانها أحبابُ
وقال ابن قلاقس:
أيّ يومٍ مضى لنا في رياضٍ
…
عرّست في عراصها الأمطارُ
كلّ شيء أكنّ كانون فيها
…
لم يذره حتّى بدا آذارُ
أقحوان غضٌّ وورد نضير
…
وشقيق قانٍ بها وبهارُ
وبها للغصونِ رقص إذا ما
…
أنشدت في جنوبها الأطيارُ
وقال أيضاً:
شقّ الصباحُ غلالةَ الظلماء
…
وانحلَّ عقد كواكب الجوزاءِ
وتكللت تيجان أزهار الرّبى
…
بغرائب من لؤلؤ الأنواءِ
وجرى النسيم فجرّ فضل ردائه
…
متحرشاً بمساقط الأنداءِ
وعلا الحمام على منابر أيكه
…
يبدي فصاحة ألسنِ الخطباءِ
ودعا وقد رقّ الهواءُ منمّقُ ال
…
سربال طابت زهرة الصهباءِ
وقال آخر:
لله أيامي به وكؤوسنا
…
تكسو بأردية الطّلى وجه الطّلا
في روضةٍ تبدي البنفسج أوطفاً
…
والورد أحمر والشقائق أكحلا
وتريك خدّ الجلّنار ملثّماً
…
مرأى وثغر الأقحوان مقبّلا
وتثير أنفاس الشمائل عنبراً
…
وتدير أكواس الجداول سلسلا
وقال يعقوب بن محمد المزيدي:
تأمّل ثغور النور في نفس الظلّ
…
وقبِّل خدودَ الوردِ في عرق الطلّ
وعانق إذا ما ماس في خطوة الصبا
…
قوام القضيب اللدن في زرد الوبلِ
وخذ من غصون الجلّنار كؤوسه
…
فقد أصبحت تسخو بهنّ على بخلِ
على شجو طيرٍ أطرب النهر شجوه
…
فقد قميصَ النبتِ للوجد من قبلِ
وقال ابن التعاويذي:
يا صاح قم فوجوه اللهو سافرةٌ
…
وناظم الهمّ بالأفراحِ قد طرفا
أما ترى الأرض في حلي الرياض وقد
…
أهدتْ لطرفك من أزهارها طرفا
كسا الربيعُ ثراها من خمائله
…
ريطاً وألقى على كثبانها قطفا
والغيمُ باكٍ وثغر النور مبتسم
…
وطائر البان في الأغصان قد هتفا
والغصن ريانُ لدنُ العطفِ قد عقدتْ
…
لآلئُ الطلِّ في أوراقه شنفا
فانهض إلى الراح واعذر في الغرام بها
…
لا تُلحِ من باتَ مشغوفاً بها كلفا
وقال أيضاً:
للهِ زورته وقد
…
مالت إلى الغربِ النجومُ
والروضُ يصقلهُ الندى
…
وهناً ويوقظه النسيمُ
وقد انتشى خوطُ الأرا
…
كةِ والحمامُ له نديمُ
والزهر يضحك في خما
…
ئلهِ إذا بكتِ الغيومُ
وقال أيضاً:
لاوجدتمْ يا أهلَ نعمانَ وجدي
…
وسلمتمْ سلامةَ العهدِ عندي
وسقى دارةَ الحمى كلّ منهلِّ ال
…
غوادي سقيا دموعي لخدِّي
واكتست من خمائل النو
…
ر أفوافاً ينير الربيع فيها ويسدي
سافراتٍ رياضُها عن ثغورٍ
…
وخدودٍ من أقحوان ووردِ
وتمشت بها سحائبُ وطفٌ
…
تتهادى ما بين برق ورعدِ
وصبا تلبس الغدير إذا البر
…
ق نضا بيضهُ مفاضةَ سردِ
حبَّذا والنسيم يبعث أنفاساً
…
ضعافاً من نفح ضالٍ ورندِ
ناقلاً عن ذوائب الزهر السب
…
ط حديثاً إلى ثراها الجعدِ
وقال أيضاً:
حباكَ ربيعٌ من فصاحٍ أعاجمِ
…
بأخضرَ ميادٍ من البانِ ناعمِ
وطرتنَّ في خضراءَ مونقةِ الثرى
…
قريبةِ عهدٍ بالعهاد الروازمِ
لقد هاجَ لي تغريدُ كنَّ عشيةً
…
لواعجَ شوقٍ من هوًى متقادمِ
وتذكارَ أيامٍ قصارٍ تصرَّمت
…
كما اكتحلت بالطيف أجفانُ حالمِ
نعم واكتسى مغناكِ يا دارةَ الحمى
…
ملابس من وشي الرياض النواجمِ
إذا أسبلت فيها الغوادي دموعها
…
حكت ثغر مفترٍّ عن النورِ باسمِ
وقال محيي الدين، رحمه الله، من قصيدة ذكر فيها الربيع وأنا أذكرها جمعاء لأن لها حظاً من الاستحسان:
هنيئاً لقد أعطتك أيامك المنى
…
وناجاك بالوصلِ الحبيبُ فأعلنا
فلا تبغِ في ذاك التستر لذةً
…
وبحْ باسمِ من تهوى وذرني من الكنى
ألستَ ترى أرضَ الحمى حلّها الحيا
…
فحلّى رباها بالنباتِ وزيّنا
جلاها على أبصارِنا فانجلتْ لنا
…
وقد كُسيتْ زهرَ الرياضِ ملوّنا
معاني من نظم الربيع دقيقةٌ
…
يُرى فضل هذا الفضل فيهنّ بيّنا
حلا العيش فيها فاملأ الكأس مرةً
…
يطوف بها مستعذب اللفظ والجنى
يميسُ ويشدو فالأراكةُ رجّحت
…
على عودها ورقاء محسنة الغنى
فتثني إليه كلّ قلب إذا شدا
…
ويثني عليه كلُّ غصنٍ إذا انثنى
وأصبح من وجه الغزالةِ إذ بدا
…
وأملح من لحظ الغزال إذا رنا
غدا جفنهُ والخصر منه وعهدهُ
…
وجسميَ كلٌّ يشتكي سورة الضنا
يُطاع وإن عاصى ويُدني وإن نأى
…
ويهوى وإن عادى ويعذرُ إن جنى
رآنيَ محنيّ الضلوعِ على جوًى
…
فما رقَّ لي مما ألاقي ولا حنا
وقال، رحمه الله:
أدمشقُ لا زالتْ تجودُك ديمةٌ
…
يزهو بها زهرُ الرياضِ ويونقُ
أهوى لك السقيا وإن ضنَّ الحيا
…
أغناك عنه وماؤك المتدفقُ
ويودّ قلبي لو تصحّ لي المنى
…
أني أنال بك المقام وأُرزقُ
وإذا امرؤٌ كانت ربوعك حظّه
…
من سائر الأمصار فهو موفّقُ
أنَّى التفتَ فجدولٌ متسلسلٌ
…
أو جنةٌ مرضيّةٌ أو جوسقُ
وإذا رأيتَ الغصنَ ترقصه الصبا
…
طرباً رأيتَ الماء وهو يصفّقُ
وترى من الغزلان في ميدانها
…
فرقاً أسود الغيل منها تفرقُ
والقاصدون إليه إمَّا شائقٌ
…
متنزهٌ أو عاشقٌ متشوقُ
لا تكذبنَّ فما اللذاذة والهوى
…
ومواطن الأفراح إلاّ جلّقُ
وقال المجد بن الظهير:
هذا الربيع وإنه
…
عمر الفتى وزمانهُ
زمن يروقك حسنهُ
…
ويشوق نفسك شانهُ
قد زخرفت جنّاتهُ
…
وتصندلت غدرانهُ
وألمّ بالدوح النسي
…
م أريجةٌ أردانهُ
فتجاوبت أطيارهُ
…
وتحركتْ أفنانهُ
والعود أصبح مزهراً
…
ورق الحمام قيانهُ
وشدا الحمام بدوحه
…
فتمايلت أغصانهُ
فكأنَّ ألحان الغري
…
ض ومعبدٍ ألحانهُ
وقال:
قم فانتهز فرص السرور ولا تبع
…
زمن الصبا واللهو بيعةَ خاسرِ
وافتْكَ أيامُ الربيعِ منيرةً
…
ساعاتها بشموس زهرٍ ناضرِ
والأرض قد لبست ملاءة سندسٍ
…
تثني على نوءِ الغمام الباكرِ
نسجتْ لها أيدي السحاب مطارفاً
…
موشيّةً من كلّ لونٍ باهرِ
من أحمر باك وأبيض باسمٍ
…
أو أصفر شاكٍ وأخضر شاكرِ
قد شقّ لطم القطر خدّ شقيقه
…
وحبت عليه يد السحاب الماطرِ
والجدول الريَّان حُفّ بنرجسٍ
…
يرنو إليك بطرف ظبي فاترِ
وإذا سهام القطر جاءته اغتدى
…
متحصناً من وقعها بمغافرِ
والدّوح خُصّ بنوح طيرٍ في ذرى
…
أشجاره بلغاتهِ متشاجرِ
فاشرب على وجه الربيع مدامةً
…
قد قلّدت في كأسها بجواهرِ
جليت فنقطها المزاج بلؤلؤ
…
متساقطٍ من كأسه متناثرِ
يغنيك عن ضوء النهار شعاعها
…
كالشمس في فلك السرور الدائرِ
وقال:
ضحك الروض من بكاء الغمام
…
فاجلُ بنت الكروم بين الكرامِ
فجميل خلع العذار وقد ح
…
رّك عطف القضيب سجع الحمامِ
في زمانٍ أيامهُ ولياليه
…
لها دولة على الأيامِ
ورياضٍ أنيقةٍ من أقاحٍ
…
وعرارٍ ونرجسٍ وثمامِ
وبهار يحكي اصفرار محبّ
…
وشقيق مثل الخدود الدوامي
وغدير صافٍ كدمعةِ سروٍ
…
وصقيلٍ يحكيه متن الحسامِ
يلبس الزعف والمغافر إنْ
…
وافته ريح ووابل كالسهامِ
يا مضيعاً زمانَه بالأماني
…
قم بحقّ الربيع حقّ القيامِ
واغتنم غفلة الحوادث واشرب
…
غير مستكبر لكوبٍ وجامِ
من كميت راقت ورقّت فما
…
تدرك لطفاً بالفكر والأوهامِ
أودعتها الدنان أيدي أناس
…
عتَّقوها من قبل سامٍ وحامِ
ثمَّ أبقت منها السنون كما
…
أبقى الهوى من حشاشةِ المستهامِ
فهي في دنِّها المزفّت تحكي
…
درّةً مستنيرة في ظلامِ
ذات خدرٍ مصونة العرض خفّت
…
في هواها رواجح الأحلامِ
وقال:
وروضٍ عَرفهُ يشك
…
ر عُرف البرق والرعدِ
وأنفاس خُزاماه
…
كنشر المسك والندِّ
وسبط الزهر منثور
…
على جدوله الجعدِ
أرقنا في نواحيه
…
دم الزق على عمدِ
وبتنا نتعاطى خم
…
رةً حمراءَ كالوردِ
بكفّي شادنٍ شادٍ
…
رشيقٍ أهيف القدِّ
فلو عاينتنا عاين
…
تنا في جنَّة الخلدِ
وقال:
هبَّ نسيم السحر
…
وطاب نشر الزهرِ
وشاجرت أمثالها
…
حمائم في الشجرِ
فكلّ غصنٍ مزهرٍ
…
من شدوها كالمزهرِ
وراق كلّ ناظرٍ
…
حُسن عيون الزهرِ
والروض من مبتسم الثغ
…
ر ومن مستعبرِ
والطلّ في أوراقه
…
كاللؤلؤ المنتثرِ
وفي الشقيق نكهةٌ
…
تبدو لعين المبصرِ
كأنَّها خال على
…
صفحةِ خدّ أحمرِ
فبادر الفرصة من
…
قبل نفادِ العمرِ
وباكر الشرب على
…
وجه الربيع المسفرِ
من بنت كرم زُوّجت
…
بابن الغمام الممطرِ
نقطها مزاجها
…
إذا جليت بالجوهرِ
من كفّ معشوق الدلا
…
ل ذي رضاب مسكرِ
يصون زهر الحسن أن
…
تجنى بغير النظرِ
وقلت:
جاد السحاب على الثرى بعوارفٍ
…
أهدتْ إليه الوشي من صنعائه
وكسا الربيع ثرى البسيطة ملبساً
…
قد حاكه صوبُ الغمام بمائه
فسماؤه للناظرين كأرضهِ
…
تبدي النجوم وأرضه كسمائه
باحَ النسيمُ بسرّه إذ أصبح ال
…
قدّاحُ والنمّامُ من أمنائه
والفصل ليلٌ في الرياض دموعه
…
والزهر يضحك في خلال بكائه
وتخال أنفاس النسيم عليلةً
…
عجباً وتنفي الصبّ من برحائه
وكأنَّما الأغصان فيه منابر
…
والناطقات العجم من خطبائه
فاشرب على زهر الرياض مدامةً
…
تثني الحليم أخا الحجى عن رائه
من كفّ ممشوق القوام مقرطق
…
يصبي القلوب بحسنه وغنائه
وقلت:
وافى بما تبغيه آذار
…
وغرّدت في البان أطيارُ
وابتسم الروض فدمع الحيا
…
على ابتسام الروض مدرارُ
وعطّر الأفق شذا زهره
…
كأنَّما في الأفق عطّارُ
واكتست الأرضُ به سندساً
…
طرازه نور وأنوارُ
ولاح في أرجائه نرجس
…
ناظره للصبّ سحّارُ
وحملَ النمامُ ريح الصبا
…
سرّاً فذاعت منه أسرارُ
فحثّها حمراء مشمولة
…
كأنَّها في كأسها نارُ
من كفّ هيفاء غلاميّةٍ
…
في فمها المعسول خمّارُ
وقلت:
هذا الربيعُ ونشره
…
قد فاح طيباً نشرهُ
والورد وجنته ون
…
وارُ الأقاحي ثغرهُ
وبدا يروقك نبته
…
الحسنُ البديع وزهرهُ
وتراقصتْ أغصانهُ
…
طرباً وصفّق نهرهُ
وأذاع أسرار النبات
…
به النسيم ومرُّهُ
وكأنَّ عطّاراً تصوّع
…
في رُباه عطرهُ
شكر الثرى صوب الحيا
…
فبدا لعينك شكرهُ
وأجاز في تقريظه
…
نظم الربيع ونثرهُ
فاشرب على الزهر الجنيّ
…
فعمر عيشك عمرهُ
فالصبّ فيه هل يجو
…
ز عن المدامةِ صبرهُ
وقلت من قصيدة:
قسماً بالرياضِ باكرها ص
…
وبُ سحاب فأبدت الأزهارا
ضحكت اذ بكى السحاب وماست
…
اذ كساها حوك النسيم إزارا
وأرتنا منابراً من غصونٍ
…
وسمعنا خطيبهنَّ الهزارا
وحسبنا الشقيق فيها خدوداً
…
زادها العتب نضرةً واحمرارا
وكأنَّ الأغصان هيف خدودٍ
…
تتعاطى تمايلاً واهتصارا
هو أزهى من طيب مدحك ما ن
…
ظمتُ في وصف مجدكَ الأشعارا
ومن أخرى في مدح المولى الصاحب الأعظم علاء الدين عز نصره:
فما روضة جادها وابلٌ
…
وسحّ عليها ملثّ ركامْ
يميس بها زهرها ضاحكاً
…
فيا عجباً من بكاء الغمامْ
ويفترّ ثغر الأقاحي بها
…
كما انجاب عن ثغر صبحٍ ظلامْ
ويحمرُّ من خجل وردها
…
كخدّ الحبيب لسمع الملامْ
إذا أرقص الدّوحَ مرُّ الصبا
…
تغنّى على العذبات الحمامْ
كأنَّ الشقيق خدود الحبيب
…
ودمعُ المحبّ ولون المدامْ
وتحلف إنْ نفحتْ نفحةٌ
…
بأنَّ النسيم مطايا الخزامْ
بأحلى لديّ وإن غبتُ عنك
…
من القرب منك وحقّ الإمامْ
ومن أخرى في الصاحب شمس الدين:
في رياض يبوح فيها نسيمُ ال
…
ريح أنَّى سرى بسرّ الخزامِ