الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ملت في أكثره إلى أشعار المحدثين من أهل العصر إلاّ ما قل من أشعار القدماء وما لم أر للمعاصرين فيه شيئاً، فالضرورة تدعوني إلى استعمال أشعار المتقدمين فيه ورغبني في أشعار المتأخرين قرب متناول معانيهم وسلامة ألفاظهم وتناسبها وحسن مذهبهم في تلطيف الألفاظ والمعاني ورشاقة السبك وإصابة الغرض وتجنب حواشي اللغة ووحشيها ليكون ذلك أدعى إلى الرغبة فيه وأنسب إلى ما اقتضته الحال التي جمع لها، وأليق بطباع أهل العصر ولأن الجيد من أشعار الجاهلية ومخضرمي الإسلام ومخضرمي الدولتين والمحدثين لا يخلو منها كتاب أو مجموع وأن المصنفين لم يغادروا منها صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصوها وقد كان، جمل الله ببقائه وجمع القلوب، وقد فعل، على ولائه، طلب أن أضيف إلى هذا المجموع شيئاً من الدوبيت والمواليا والموشحات فأجبته إجابة مطيع، وسارعت إلى امتثال أمره مسارعة سميع وتبعت غرضه في الاختيار وملت معه في الإيراد والإصدار، وبالله أعتمد وأعتضد، وعليه أتوكل، وهو حسبي ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
وصف في الشباب والخضاب والمشيب
الشباب باكورة الحياة وإبان صفو العيش ووقت التمكن من الأغراض وزمن الطرب والغزل وفيه استقامة القوى الطبيعية وجريها على أحسن حالة وأتم انتظام والتصرف في ملاذ النفس واقتضاء الجوارح للحركات والنشاط على التمام وفيه تقوى خيالات الهوى وتنبسط الروح وتنبعث الهمم والمزاج الطبيعي فيه الحر واليبس.
وقد اختلف الأطباء في حرارة الصبيان والشباب وأيهما أشد، واستدل كل قوم على نصر مذهبهم بأمور قد بسطوا القول فيها لا يتعلق غرضنا بذكرها. وجالينوس يقول: إنها متساوية في الفريقين وإنما هي متعلقة في الشباب بموضوع يابس وفي الصبيان بموضوع رطب، قال: ولو فرضنا ناراً متساوية أوقدت على حجر وماء زماناً واحداً وجدنا في الحجر ممانعة لا نجد مثلها في الماء ليبس موضوعها.
وقد ذكر الشعراء الشباب وطولوا في أوصافه ونعتوه فأحسنوا نعته وبكوا عليه فأكثروا البكاء إلاّ أنهم قل أن يذكروه إلاّ عند فقده أو يبكوا عليه إلاّ بعد فراقه ووقت التظلم من الشيب، والأصل في جميع ذلك حب الحياة والرغبة في السلامة وقد ذُم الشباب أيضاً وذكرت معايبه وهذا عائد إلى العياء.
وها أنا أذكر ما يخطر من ذلك وبالله التوفيق.
أنشد المبرد قال: أنشدنا أبو عثمان المازني لأبي حية النميري:
زمان الصبا ليتَ أيامنا
…
رجعنَ لنا الصالحاتِ القصارا
زمانٌ عليَّ غرابٌ غدافٌ
…
فطيّرهُ الدهرُ عني فطارا
فلا يُبعد اللهُ ذاك الغرابَ
…
وإن هو لم يبقَ إلاّ ادِّكارا
كأنَّ الشابَ ولذاتهِ
…
وريقَ الصبا كانَ ثوباً مُعارا
ريق الصبا وريّقه ورونقه أوّله.
وهازئةٍ إذْ رأت لمّتي
…
تلفعَ شيبٌ بها فاستدارا
وقلدني منه بعد الخطام
…
عذاراً فما أسطيعُ عنه اعتذارا
أجارتنا إنَّ ريبَ الزما
…
ن قبليَ غالَ الرجالَ الخيارا
فأما تريْ لمَّتي هكذا
…
فأسرعتِ منها لشيبي النفارا
فقد أرتدي طلةً وحفةً
…
وقد أُبرزُ الفتياتِ الخفارا
الطلة: اللذيذة، وشعرٌ وحفٌ: أي كثير حسن أسود، ووحفٌ، بالتحريك، والخفر شدة الحياء، وامرأة خفرة، ويقال: خفِرة بالكسر، يقول: ارتديت شيبةً طلةً، أي لذيذة. قوله: وكان عليَّ غراب غداف: أراد به الشباب ويشبه أن يكون مثل قول الأعشى:
وما طلابكَ شيئاً لستَ مدركهُ
…
إنْ كانَ عنكَ غرابُ الجهل قد وقعا
ومنه أخذ القائل، أظن الأبيات للإمام الشافعي:
أيا بومةً قد عشعشتْ فوقَ هامتي
…
على الرغمِ مني حينَ طارَ غرابُها
علمتِ خرابَ العمرِ مني فزرتني
…
ومأواك من كلِّ الديارِ خرابُها
ومنه أخذ الفلنك الموصلي، من شعراء العصر، كان وتوفي، وكان لا يعرف الكتابة والأدب، وله مع هذا أشعار رائقة:
سهرت لياليه وفيها مسامري
…
أغنّ من الأتراك نامتْ وشاتهُ
فآهاً على مخضلّ عيش به انقضى
…
وما طيَّرتْ غربانَ فودي بزاتُهُ
وقال أبو حية النميري:
لعمرُ أبي الشبابُ لقد تولَّى
…
حميداً لا يرادُ به بديلُ
إذِ الأيامُ مقبلةٌ علينا
…
وظلُ أراكةِ الدنيا ظليلُ
فرحّلَ بالشبابِ الشيبُ عنَّا
…
فليتَ الشيبَ كانَ به الرحيلُ
وقد كانَ الشبابُ لنا خليلاً
…
فقد قضَّى مآربهُ الخليلُ
وقال أبو نواس:
كانَ الشبابُ مطيَّةَ الجهلِ
…
ومحسّنَ الضحكاتِ والهزلِ
كانَ الشفيعَ إلى مآربهِ
…
عندَ الفتاةِ ومدركَ التبلِ
التبل: الترة والذَّحل، يقال: أصبت بتبل أي بذحل، والجمع تبول، ويقال: تبلهم الدهر وأتبلهم: أفناهم.
كانَ الجميلَ إذا ارتديتُ به
…
ومشيتُ أخطر صيّت النعلِ
والباعثي والناسُ قد رقدوا
…
حتى أكونَ خليفةَ البعلِ
ومنها، وقد أجاد ما شاء:
والآمري حتى إذا عزمتْ
…
نفسي أعانَ يديَّ بالفعلِ
أبو عبادة البحتري:
فأضللت حلمي والتفتُّ إلى الصبا
…
سفاهاً وقد جزتُ الشبابَ مراحلا
فللهِ أيامُ الشبابِ وحسنُ ما
…
فعلنَ بنا لو لم يكنّ قلائلا
ابن نباتة السعدي:
لا يبعدن زمن البطالة والصبا
…
والعيشُ في ظلِّ الزمانِ الناضرِ
أيامَ تُغفرُ للشباب ذنوبهُ
…
والشيبُ ليسَ لذنبهِ من غافرِ
بشار بن برد:
ولقد جريتُ مع الصبا طلقَ الصبا
…
وركضتُ حتى لم أجدْ لي مركضا
وعدمتُ ما علمَ امرؤٌ من دهرهِ
…
فأطعتُ عاذلتي وأعطيتُ الرِّضا
أخذه أبو نواس فقال:
ولقد نهزتُ مع الغواة بدلوهم
…
وأسمتُ سرحَ اللهو حيثُ أساموا
وبلغتُ ما بلغَ امرؤ بشبابهِ
…
فإذا عصارةُ كلِّ ذاكَ أثام
أخذه أمين الدولة بن التلميذ:
كانتْ بلهنيةُ الشبيبةِ سكرةً
…
فصحوتُ واستأنفتُ سيرةَ مجملِ
وقعدت أرتقبُ الفناءَ كراكبٍ
…
عرفَ المحل فباتَ دونَ المنزلِ
ومثله لأحمد بن أبي طاهر طيفور:
كان الشبابُ مطيةً أنضيتُها
…
في اللهو بين محرمٍ ومحللِ
وبلغتُ غايةَ ما يلذّ به الفتى
…
من صبوةٍ وفتوَّةٍ وتغزّلِ
فلهوتُ غيرَ معللِ وفتكتُ غي
…
ر مضللٍ ونسكت غير معذلِ
وأخذته منهم فقلت:
ولقد سكرتُ غداة خمّاري الصبا
…
وصحوتُ إذْ لاحَ المشيبُ بمفرقي
ونزعت عن عيني وقلتُ للائمي
…
ها قد أطعتكَ في مرادك فارفقِ
أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري التنوخي:
إذا الفتى ذمّ عيشاً في شبيبتهِ
…
فما يقولُ إذا عصرُ الشبابِ مضى
وقد تعوضتُ عن كلٍّ بمشبههِ
…
فما وجدتُ لأيامِ الصبا عوضا
وقد أحسن مهيار في قوله:
ما أنكرتْ إلاّ المشيبَ فصدتِ
…
وهي التي جنتِ المشيبَ هي التي
وأُلامُ فيكِ وفيكِ شبتُ على الصبا
…
يا جورَ لائمتي عليكِ ولمَّتي
أنشدني كمال الدين بن محمد للسيد ابن طباطبا العلوي:
كان عصر الشباب ظلاً ظليلاً
…
تتفيا بعقوتيه الظباء
العقوة: الساحة وما حول الدار.
كانَ عصر الشباب جنة دنيا
…
أجتني من ثماره ما أشاءُ
لو ثوى نازلاً لما قلتُ فيه
…
ربَّ ثاوٍ يملُّ منه الثواءُ
آخر:
شيآنِ لو بكتِ الدماءُ عليهما
…
عيناي حتى يأذنا بذهابِ
لم يبلغا المعشار من حقيهما
…
شرخ الشباب وفرقة الأحبابِ
شرخ الشباب: أوله، والشارخ: الشباب.
وقلت:
هل معيدٌ عصرَ الشبابِ وعيشاً
…
خلتُ أوقاتَه خيالاً زارا
إذْ مغاني الحمى أواهل تجلو
…
للعيونِ الشموسَ والأقمارا
وقلت:
زمن اللهو والبطالة جادت
…
ك دموعي فصوبهنّ مطيرُ
وسقى عهدنا بمخدعها در
…
شؤبوبها مُلثٌّ غزيرُ
الشؤبوب: الدفعة من الغيث، والجمع: الشآبيب، والملث: الدائم.
دار لهو قضيت فيها شبابي
…
وخلعت العذار وهو طريرُ
يقال: طرَّ النبت يطرُّ، بالضم، طروراً: نبت، ومنه: طر شارب الغلام.
وإذا ما الشبابُ ولَّى فما أن
…
ت على فعل أهله معذورُ
فاتباعُ الهوى وقد وخطَ الشيبُ
…
وأودى غصنُ التصابي غرورُ
وخطه الشيب: خالطه. وقلت:
ولقد ذكرت وأيّ صبّ شفه
…
بعدٌ وهجران ولم يتذكرِ
أيام لا ظل الصبا بمقلص
…
عنا ولا ورد الهوى بمكدرِ
وقال الشيخ تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، رحمه الله، أجاز لي جماعة أن أروي عنهم ما تصح روايته من مقول ومنقول، وكان شيخ زمانه غير مدافع، قرأ علي موهوب بن الخضر الجواليقي، رحمهم الله تعالى:
عفا اللهُ عمَّا جرَّه اللهوُ والصبا
…
وما مرَّ من قالِ الشبابِ وقيلهِ
زمانَ صحبناهُ بأرغد عيشةٍ
…
إلى أن مضى مستكرهاً لسبيلهِ
وأعقبنا منْ بعدهِ غير مشتهى
…
مشيبٌ نفى عنَّا الكرى بحلولهِ
لئن عظمت أحزانُنا بنزولهِ
…
لأعظمُ منها خوفنا من رحيلهِ
البيت الأخير مثل قول الأول:
الشيبُ كرهٌ وكرهٌ أنْ يفارقني
…
فاعجبْ لشيءٍ على البغضاءِ مودودُ
وقال آخر:
يا زمانَ الشبابِ ما زلتُ أبكي
…
ك دم المقلتينِ دونَ الدموعِ
أنتَ كنتَ الدنيا فلما تولي
…
ت تولَّت فهل لها من رجوعِ
أبو الحسن الخراساني:
ذريني أواصل لذتي قبل فوتها
…
وشيكاً لتوديع الشباب المفارقِ
فما العيشُ إلاّ صحةٌ وشبيبةٌ
…
وكأسٌ وقربٌ من حبيبٍ موافقِ
ومَنْ عرفَ الأيامَ لم يغتررْ بها
…
وبادرَ باللذاتِ قبلَ العوابقِ
صفي الدين منصور الإربلي: اجتمعتُ به مراراً، وكان شاعراً تجيء في أشعاره أشياء جيدة:
أشتاق أيامَ الشبابِ وحسن ما
…
فعلتْ وحقَّ لمثلها يشتاقُ
ردُّوا عليَّ من الشبابِ بقدرِ ما
…
كسدَ المشيبُ فللشبابِ نفاقُ
ومن شعره:
أوانس في ليل الشباب كأنجمٍ
…
ينفّرها عن صبحِ لمتهِ الوخطُ
وقالوا سلا عصرَ الشبابِ كما سلا ال
…
حزينُ وظني أنهُ ما سلا قطُّ
أخذ البيت الأول من أبي العلاء المعري وقصر عنه ما شاء حيث قال:
هي قالت لما رأت شيبَ رأسي
…
وأرادتْ تنفراً وازورارا
أنا بدرٌ والصبحُ قد لاحَ في رأ
…
سك والصبحُ يطردُ الأقمارا
وقد كرره أبو العلاء، رحمه الله، وهي غاية في معناها وتروى للمغاربة:
نزل المشيبُ بعارضيه فاعرضوا
…
وتقوَّضتْ خيم الشباب فقوضوا
فكأنَّ في الليل البهيم تبسطوا
…
خفراً وفي الصبح المنير تقبضوا
ولقد رأيت وما سمعت بمثله
…
بيناً غرابُ البينِ فيه أبيضُ
أبو تمام:
شابَ رأسي وما أضنُّ مشيبَ ال
…
رأسِ إلاّ من فضلِ شيبِ الفؤادِ
طالَ إنكاري البياضَ وإنْ عُم
…
رتُ شيئاً أنكرت لونَ السوادِ
وكذاك العيونُ في كلِّ بؤسٍ
…
ونعيمٍ طلائعُ الأكبادِ
ابن التعاويذي البغدادي الشاعر المجيد الحسن الشعر، البديع المقاصد، أوحد زمانه، وشاعر أوانه، الذي يجاري الهواء رقة طبع، ويقول:
لم أقل للشباب في دعة الل
…
هـ ولا حفظه غداة استقلا
زائر زارنا أقام قليلاً
…
سوّد الصحفَ بالذنوبِ وولَّى
وعمل فيه ابن الفقيه المحولي:
يا هاجياً عصرَ المشي
…
ب ومادحاً عصر التصابي
لو جزت يوماً بالمحو
…
ول ما ذممت سوى الشباب
ابن الرومي:
لا تلحَ منْ يبكي شبيبته
…
إلاّ إذا لم تبكِها بدمِ
لسنا نراها حقَّ رؤيتها
…
إلاّ زمانَ الشيبِ والهرمِ
كالشمسِ لا تبدو فضيلتُها
…
حتى تُغشَّى الأرضُ بالظلمِ
ولربَّ أمرٍ لا يُبيِّنهُ
…
وجدانهُ إلاّ معَ العدمِ
وأنشدني بعض الأصحاب:
قبل الشبابِ شبيبةٌ محمودةٌ
…
والالتحاءُ هو المشيبُ الأولُ
يأتي السوادُ على البياضِ وبعده
…
يأتي البياضُ على السوادِ فيرحلُ
ومما يأخذ بمجامع الإحسان قول البحتري:
أأخيبُ عندكِ والصبا لي شافعٌ
…
وأُردُّ دونكِ والشبابُ رسولي
ابن التعاويذي:
أعائدٌ وأحاديث المنى خدعٌ
…
على الغضى زمنٌ من عيشِنا سلفا
هيهاتَ أن ترجعَ الأيامُ من عمري
…
شبيبةً عندكم أنفقتُها سرفا
وقال أيضاً:
فلربَّ ليلاتٍ سلفنَ لنا بها
…
والقلب بالتفريق غير مروَّعِ
أيام لا ظل الصبا بمقلصٍ
…
عنَّا ولا شمل الهوى بمصدعِ
أيام لهو طالما أنضيتها
…
في مشهد للغانيات مجمعِ
لو كنتَ شاهدنا بها لرأيتَ ما
…
يصيبكَ من مرأى هناك ومسمعِ
فيهدي الصواب إلى كل سمع كأنما نسج على منوال وغذي من لطف المعاني بلبان، وتصرف كما شاء في البيان، ولولا تقدم زمانه على زماني، لأطلقت في نعته لساني، وثنيت في ميدان أوصافه عناني، وذكرت من بدائع مقاصده ما هو علق بالقلوب من نغمات الأغاني، ولكن غرضي مقصور على ذكر أهل عصري وأبناء دهري، إلاّ ما لم أجد لهم فيه مقالاً، ولا نسجوا على منواله مثالاً، لأن المعاصر ما تنوّق تنوق المتقدم، ولهذا قال عنترة:
هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمِ
وإن ذكرت من هؤلاء الجماعة أحداً فلموضع شرف قدرهم، ولئلا أخل بذكرهم، كيف ولم نعترف إلاّ من بحرهم، ولا شنّفنا أسماعنا إلاّ بدُرهم، ولا ارتوينا إلاّ من درهم.
مدح الإمام الناصر، ومحاسن شعره فيه له من قصيدة:
سقاكِ سارٍ من الوسميِّ هنانُ
…
ولا رقتْ للغوادي فيكِ أجفانُ
يا دارَ لهوي وأطرابي وملعب أت
…
رابي وللهوِ والأوطارِ أوطانُ
أعائدٌ ليَ ماضٍ من جديدِ هوًى
…
أبليتهُ وشبابٌ فيكِ فينانُ
إذِ الرقيبُ لنا عينٌ مساعدةٌ
…
والكاشحونَ لنا في الحبِّ أعوانُ
ولي إلى البانِ من رملِ الحمى طربٌ
…
فاليومَ لا الرملُ يصيبني ولا البانُ
السيد الشريف الرضي الموسوي:
دعاني أفز باللهو والرأس مظلم
…
فما أبعد الأطرابُ والرأسُ مقمرُ
رأيت شباب المرء ليلاً يجنهُ
…
يغطي على بادي العيوبِ ويسترُ
وشيبُ الفتى صبحٌ يبينُ عوارَه
…
ويرمقُ فيه بالعيونِ فينظرُ
وإنَّ ضلالي في النهارِ لهجنةٌ
…
وإنَّ ضلالي في دجى الليلِ أعذرُ
أنشدني بعض الأصحاب في ذم الشباب واتفق أني ودعت شرف الدولة عبيد الله بن الدوامي، وكان يلقب بالشباب، فأنشدته إياها في سنة خمس وخمسين وستمائة:
والآن فارقتُ الشبابَ وقلتُ ل
…
لعيشِ الذي فارقتُ غير مودعِ
ودعا المشيبُ إلى النهى فأجبتهُ
…
بضميرِ مختارٌ وقلبٌ طيعِ
ورمى العذارَ بنافذٍ من أسهمٍ
…
للصبحِ في ليلِ الشبيبةِ تدعي
وقلت:
ولائم في الهوى أضحى يفندني
…
بلومهِ وعذول لجّ في عذلِ
قالا تسلّ فأيام الصبا سفهٌ
…
وذكرها قلت قد أكثرتما جدلي
وقلت:
لا تسمني صبراً فقد حرم ال
…
صبر عيونٌ ترمي بسحرٍ حلال
واستعر لي دمع السحاب فقد أف
…
نيت دمعي على الرسوم الخوالي
وأعد لي ذكر العقيقِ وأيا
…
م تقضت لنا به وليالي
فطلابي رجوع ما فات من عص
…
رِ الصبا والشباب عين الضلال
وسؤالي رسماً محيلاً ونؤياً
…
عاطلاً من تعللات المحال
فالهُ عني يا عاذلي فغرامي
…
حاكم باستهانة العذالِ
آخر:
وكانَ الشبابُ الغضُّ لي فيه راحةٌ
…
فوقرني فيه المشيبُ وأدبا
فسقياً ورعياً للشباب الذي مضى
…
وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحباً
محمد بن حازم:
لا حينَ صبرٍ فخلِّ الدمعَ ينهملُ
…
فقدُ الشبابِ بيومِ المرءِ متصلُ
لا تكذبنَّ فما الدنيا بأجمعها
…
من الشبابِ بيومٍ واحدٍ بدلُ
كفاكَ بالشيبِ ذنباً عند غانيةٍ
…
وبالشبابِ شفيعاً أيها الرجلُ
عبد الله بن حسن بن حسن:
لو أنَّ أسرابَ الدموعِ ثنت
…
شرخَ الشبابِ على امرئ قبلي
لبكيته دهري بأربعة
…
فسفحتها سجلاً على سجلِ
السيد الرضي الموسوي:
فمالي أذمُّ الغادرينَ وإنما
…
شبابيَ أوفى غادرٍ بي وما ذقِ
تعيرني شيبي كأني ابتدعتُهُ
…
ومَنْ لي أنْ يبقى بياضُ المفارقِ
منصور النمري:
لا حسرةٌ تنقضي مني ولا جزعُ
…
إذا ذكرتُ شباباً ليس يرتجعُ
ما كنتُ أُوفي شبابي كنهَ غرتهِ
…
حتى انقضى فإذا الدنيا له تبعُ
وقد ذكرت ما يتعلق بالشباب حسبما يقتضيه هذا المختصر. ومن هذا الباب ما قيل في الخضاب فإنه شباب مستعار.
قال الشيخ أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، وقيل: إنه لم يعمل غيرها:
خضبتُ الشيبَ لما كانَ عيباً
…
وخضبُ الشيبِ أولى أن يُعابا
ولم أخضبْ مخافةَ هجرِ خلٍّ
…
ولا عنتاً خشيت ولا عتابا