الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فيبدو أنه مع ولادة هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة منذ بضع عشرة سنة بقرار من المجلس الأعلى العالمي للمساجد عام 1404هـ قد حسم أمر الخلاف بين المؤيدين للتفسير العلمي والمخالفين له؛ بل وتقررت بعد تأسيس الهيئة عدة أمور منها ما يلي:
أولاً: العمل بمقتضى التفسير العلمي الذي تلاحظ فيه الحقائق الكونية شواهدَ لبيان النصوص وفق المنهج المقرر للتفسير.
ثانياً: اعتماد أسلوب المقارنة الهادفة بين مدلولات النصوص الكونية في القرآن والسنة وما استقر من حقائق في آفاق الكون والإنسان والحياة - على نحو عام - لمعرفة مدى التطابق بينهما.
ثالثاً: الاتفاق على تسمية شواهد صدق الرسالة المحمدية، المستنبطة من توافق دلالة نص في قضية كونية مع ما اكتشف حديثاً من حقائق كونية مستقرة، بـ:"الإعجاز العلمي في القرآن والسنة".
ولقد كانت هذه الهيئة تعمل على نحو مؤصل منذ تأسيسها؛ وذلك بجمع جهود العاملين في ميدان الإعجاز العلمي وتنسيقها، مع وضع المعايير الضابطة لهذه المسيرة البحثية المباركة.
والآن، وبعد انقضاء بضعة عشر عاماً على ولادة هذه الهيئة، وسيرها على ما اتفق عليه العلماء - الذين أصدروا القرار السابق الذكر - من
الأصول الضابطة لكل مناشطها، فقد انعقد اجتماع تمخض عن إجماع كل العاملين في هذا الحقل المبارك - من عموم الأقطار - على عدّ هذه الهيئة عالمية رائدة؛ لتحتضن وترعى كل ما تم إنجازه من قبل عموم الهيئات والجمعيات والمنتديات التي تستهدف خدمة كتاب الله عز وجل عبر إظهار لطائف الإعجاز العلمي، فكان القرار التاريخي الذي اتخذ في 28/1/1423هـ والذي ينص على تسمية هذه الهيئة:"الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة" وكان الهدف من ذلك تحقيق مزيد من التكامل بين جهود العاملين في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ من حيث تبادل المعلومات وتنظيم مسيرة ضبط البحوث وتقويمها وتحكيمها لإجازتها، وغير ذلك؛ وبالتالي يسهل تخطي كثير من المتاعب، واختصار الجهود المبذولة مع تحقيق مبدأ الشورى في هذا الميدان لتحقيق أفضل النتائج.
لقد كان من أخطر التحديات السابقة أن جماعة من العلماء ـ الذين نظن أنه قد دفعهم الورع والغيرة على القرآن والسنة ـ كانت تنكر الإعجاز العلمي؛ بل وبالغ بعضهم فهاجم تلك المسيرة المباركة! ولكن بقيت تلك المسيرة ولله الحمد، ثم بدأ أولئك المتحفظون بمراجعة مواقفهم، إذ لاحظوا أن من يَرْعى مسيرة الإعجاز يحدوهم الورع كذلك، وتدفعهم الغيرة الإيمانية على نحو دائم إلى ضبط هذه المسيرة، وهذا هو المنهج الوسط والتوجيه الحميد غير المجحف، ولا المتعنت، والذي نأمل أن يبقى
وينمو لدعم الهيئة العالمية للإعجاز العلمي؛ كي تعمل بنشاط مؤصل ومنضبط.
وبين يدي كلامنا على القواعد والضوابط في مجال الإعجاز العلمي عموماً - والطبي على وجه الخصوص - في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يطيب لي أن أذكر بعض ثمرات البحوث في هذا الميدان والتي منها:
1-
الأثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين، والذي يترجم بزيادة اليقين عندهم لدى رؤيتهم هذه الحقائق الباهرة؛ لأنها وردت على لسان النبي الأمي محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وهكذا فإنها خير محرض للتمسك بالقرآن والسنة والاهتداء بهما.
2-
الرد العلمي الدامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية؛ حيث إن عرض تلك الحقائق التي أخبر عنها نبي أمي في زمن ليس فيه تقدم علمي، كما أنه ليس في المجتمع وكذا البيئة التي عاش فيها أية أثارة من علم في تلك الميادين الكونية. ولذلك فهذا الإعجاز يعدّ مجالاً خصباً لإقناع المنصفين من العلماء بأن القرآن الكريم كلام الله حقاً، أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وحياً، وإقناعهم أيضاً بصدق نبيه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.
3-
الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقاً؛ فمع إشادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم - وترغيبه في تحصيله وتنويهه بفضل العلماء - قد ذكر كثيراً من الحقائق العلمية وأشار إلى كثير من الأسرار الكونية مما هو موضوع العديد من التخصصات في آفاق الكون، ولم يستطع أحد إلى الآن أن يثبت وجود تعارض أي دلالة كونية
واردة في حديث شريف صحيح مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم وأنى له ذلك!!.
4-
إن الإعجاز العلمي يعد خير محرض لهمم المسلمين كي يتابعوا مسيرة البحث والتجريب والمقارنة وغير ذلك من وسائل الكشوف العلمية والتقدم المعرفي، وفي الوقت نفسه فإن ذلك يفضي إلى توسيع دائرة شواهد الإعجاز العلمي.
5-
كما أن هذا الإعجاز العلمي يعدُّ قناة آمنة ترفد بقية قنوات الدعوة إلى الله. والذي يتتبع أسباب دخول كثير من الناس في الإسلام ـ ممن كانوا نصارى أو بوذيين أو يهود - يجد بحق أن فريقاً منهم قد ابتدأ سيره إلى الحق؛ وانتهى به لإعلان شهادة الحق؛ من خلال معاينة لطائف الإعجاز العلمي.
6-
ولا شك أن ظاهرة الرجوع إلى دين الإسلام من قبل الذين كانوا قدماً من الشاردين الغافلين، وهكذا إسلام غير المسلمين؛ فإن ذلك كله أثمر مع ازدياد يقين المسلمين بدينهم رجوعاً لحالة العزة في نفوس أبناء الأمة الإسلامية بعد الكبوة التي حصلت لهم عقب سقوط الخلافة الإسلامية وهيمنة الدوائر الاستعمارية عليهم.
7-
وهذا كله يذكرنا بالحقيقة التي لا تتخلف أبداً؛ والتي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين
على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله" (1) . ونقف هنا ثانية كي نشير هنا إلى أن الشبهات التي أثيرت حول التفسير العلمي - وكذلك ما سبق من التردد في مجال الإعجاز العلمي - إنما هي عند التحقيق منصبة في مجملها على البحوث غير المنضبطة؛ حيث وقع أصحابها في التسرع أو الغفلة عن بعض الضوابط المقررة. علماً بأن مثل تلك البحوث لا تمثل إلا حالات شاذة مرفوضة؛ لذلك فإن الهيئة العالمية عندما تنظر في بحث من البحوث تضعه في مكانه على حسب قربه من تحقيق ما يشترط في البحوث أو بعده عن تلك الشروط والقواعد، ولذلك نرى أن البحوث في مآلها تكون على درجات ثلاث:
1-
بحوث مجازة، وهي التي توافرت فيها شروط البحوث المطلوبة، وأخذ أصحابها بعين التقدير المحترزات كلها.
2-
بحوث لا تزال موضع النظر؛ لاستلزامها إضافات، ولاحتوائها على سلبيات تمنع من إجازتها.
3-
بحوث مرفوضة؛ لانخرام شرائط أساسية فيها، أو لعدم توافر المستلزمات البحثية الأساسية فيها.
ولقد ذكرنا آنفا أن الإعجاز العلمي يمثل شاهداً إضافياً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستوي في ذلك الحكم إن كان الإعجاز قرآنياً أم
(1) انظر سنن أبي داود 3/ 11.
بالسنة، ومن هنا فإن الادعاء بوجود إعجاز علمي لا يُسَلَّم به إلا بعد ثبوت تحقيق مناطه والذي يتمثل بحقيقتين هما:
أولاً: ثبوت اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلماء بشكل مستقر وذلك بعد برهنة المتخصصين في مجالها على ثبوتها.
ثانياً: صحة الدلالة على تلك الحقيقة في نص من نصوص السنة المطهرة، وذلك دون تكلف أو اعتساف في الاستدلال. علماً بأن الرابط الذي يعطي هذا المناط قيمته هو عدم إمكان إحاطة البشر بتلك الحقيقة وقت التنزيل؛ ولذلك فإن خطوات إثبات شاهد من شواهد الإعجاز العلمي في حديث شريف تصبح خمسة وهي:
1-
إثبات وجود دلالة في النص على الحقيقة الكونية المراد إثبات وجود إعجاز علمي بصددها.
2-
ثبوت تلك الحقيقة الكونية علمياً بعد توافر الأدلة التي تحقق سلامة البرهنة عليها.
3-
ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي اكتشفت لاحقاً في الأزمنة المتأخرة.
4-
تحقق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله عز وجل أو من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبين تلك الحقيقة الكونية.
5-
ثبوت أن النص من السنة المطهرة الذي نستنبط منه الإعجاز العلمي المشار إليه، هو صحيح أو حسن، إذ لا يعتمد في هذا المجال الأحاديث الواهية أو الساقطة.
وهكذا نلاحظ في هذا الميدان أننا نعالج ما نسميه: استنباطاً من النص. وهذا يملي علينا التزام منهج علماء الأمة في تفسير القرآن الكريم،
وبالتالي فإن هذا يقتضي منا بيان القواعد الأساسية في هذا المجال والتي لابد من التقيد بها. وكذلك فإننا للتدليل على ثبوت الحقيقة الكونية لا بد من التقيد بالمناهج العلمية المقررة في هذا المجال. ومن هذا المنطلق نرى أن هناك ناحية أساسية في هذا الميدان تتمثل في وجوب التقيد بمعالم تلك المنهجية في هذا السبيل مع عدم الخروج عن مستلزمات الموضوعية، كما أن هناك مواصفات يلزم مراعاتها في الشكل الذي تكتب فيه البحوث: من سلامة اللغة وجودة السبك وحسن العرض ووضوح العبارة ومراعاة علامات الترقيم وغير ذلك مما نبسط فيه الكلام في الصفحات التالية والتي سيأتي الكلام فيها حسب العناوين الآتية:
أولاً: معالم المنهج المقرر في تفسير النصوص ومعه المحترزات الواجب مراعاتها في التأويل عند اللزوم.
ثانياً: خلاصة لأهم معالم المنهجية المطلوبة في كتابة البحوث العلمية ومنها بحوث الإعجاز العلمي.
ثالثاً: بعض المحترزات البحثية في مجال الإعجاز الطبي؛ والتي يراد منها أن تكون معالم تحفظ الباحثين من الابتعاد عن المنهج القويم.
وبين يدي إيراد ذلك نعرض لنموذجين من نصوص السنة المطهرة الخاصة بموضوعات بحوث خضعت لتجارب معملية وسريرية، فثبت بدلائل علمية اشتمالها على لطائف من الإعجاز الطبي؛ وترافقها خلاصة لما توصل إليه العلماء في تلك الموضوعات بعد التجريب والبحث والتمحيص.