المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النموذج الثاني: ارشادات النبي صلى الله عليه وسلم ‌ ‌مدخل … النموذج الثاني: إرشاد النبي - قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه

[عبد الله المصلح]

الفصل: ‌ ‌النموذج الثاني: ارشادات النبي صلى الله عليه وسلم ‌ ‌مدخل … النموذج الثاني: إرشاد النبي

‌النموذج الثاني: ارشادات النبي صلى الله عليه وسلم

‌مدخل

النموذج الثاني:

إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لمن ابتلي بمرض عرق النسا أن يأخذ ألية شاة أعرابية بعد إذابتها على ثلاث دفعات.

نص الحديث الشريف:

عن أنس بن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: " شفاء عرق النَّسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء " رواه ابن ماجه في سننه (1) .

لقد جرب الكثيرون هذه الوصفة النبوية كما أرشد لها الرسول عليه الصلاة والسلام فتحقق لهم الشفاء وكانت تلك التجارب تحصل في بقاع عدة وفي أزمنة متتابعة.

التجارب السريرية:

قام الدكتور زهير بن رابح قرامي؛ وهو طبيب متخصص في مجال أمراض الروماتويد والروماتيزم - وهو يعمل حالياً في مستشفى خاص رئيساً لقسم العلاج الطبيعي - بمعالجة بعض من ابتلى بعرق النسا، فتحقق له أن تناول هذه الألية بالكيفية التي أرشد لها الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قد أفضى لنتائج طيبة؛ ولذلك فإنه قد أنجز بحثا

(1) رواه ابن ماجه في سننه (رقم 3463) . قال البوصيرى: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات)) كما نقله محقق السنن.

ص: 14

بعنوان "علاج عرق النسا بألية شاة أعرابية" إذ ذكر فيه آلية الاستشفاء بألية الشاة الأعرابية، وكيف أن هذه الألية تحتوي على مجموعة من الدهون منها نوع مفيد جدا في هذا المجال اسمه (اوميغا 3) . كما أنه يذكر بعض الحكم التي يشير إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرشد إلى اختيار الشاة الأعرابية، وأن يتم تناولها شربا بعد الإذابة وأن يتم ذلك على ثلاث دفعات كل يوم دفعة؛ مبيناً كذلك ما الذي يحدث لدهن الألية عند امتصاص الأمعاء لها وبخاصة لدى تناولها على الريق. وقد شفع بحثه بشهادات بعض الذين حصل لهم الشفاء بتعاطي هذه الوصفة النبوية.

وخلاصة ما ذكره الدكتور زهير قرامي قوله في ص 30- 38 من بحثه: «للدهن نوعان معروفان في أمراض القلب مثلاً: نوع مفيد وهو HDL ذو الكثافة العالية ونوع ضار LDL ذو الكثافة المتدنية، والحكم بأن الدهون مطلقاً هي ضارة أمر لم يعد أمراً مسلماً به، وهذا المبدأ أصبح سارياً أيضاً في علاج أمراض الجهاز الحركي والتهاب المفاصل وغيرها.

إن ألية الشاة تمثل جرعة علاجية ممتازة بما تحتوي من المنافع المتعددة والتي تحقق الشفاء مع عدم احتوائها على ضرر أو مضاعفات. هذا من ناحية التكوين الكيميائي والمواصفات العامة لها. وفي الوقت نفسه لاحظنا أن تناولها على الريق يجعل وصولها للأمعاء في أنسب وقت ومن ثم وجود الدهون النافعة مثل حامض اللينولينك في قناة الأمعاء في موضع ممتاز حيث يسمح لحامض اللينولينك بالاستفادة من الأنزيمات التي تساعده على صنع "البروستجلاندين" المفيد. وفي الوقت نفسه يكون سائل المرارة

ص: 15

ومخزون الليباز في حالة تركيز مقو، ويتمتع بفاعلية كبرى وهذا يتيح له تحليل الدهون مهما كانت كميتها. كما أن القدرة على الامتصاص محدودة بهذه الكمية من سائل المرارة مما يمنع الامتصاص غير المحدود لأي كمية من الدهون مهما كانت.

إذن فشرب تلك الجرعة من الألية المذابة تعني تحقيق هذه الفوائد إذا كان التناول لها على الريق، من دون سبق تناول شيء من الأطعمة والأشربة. وخلاف ذلك يعني تفويت الفرصة على المريض وربما لا يصل إلى الغاية المرجوة (1) .

ولذلك فإنه يقول في بحثه المذكور: " إن هذا البحث فيه نموذج للإعجاز العلمي؛ وذلك لأن من المعروف للقاصي والداني أن بيئة الجزيرة العربية كانت تكتسي - على العموم - رداء الغفلة عن العلم، كما أن مجتمع مكة المكرمة كان مجتمعاً أمياً. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعيداً كل البعد عن ساحات الخبرة العلمية؛ لذلك فإن ورود إرشاد طبي بصيغة الحكم الجازم - وبدون تردد - في قضية تحتاج في تشخيصها إلى أدوات دقيقة كانت منعدمة في زمن تنزيل القرآن الكريم؛ كل ذلك يقوم شاهداً على أن مصدر هذا الإرشاد هو الخالق لهذا الكون، وأن هذا الإرشاد يمثل عَلَماً من أعلام صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (2) .

(1) - انظر كلام د. زهير قرامي في بحثه – علاج عرق النسا بألية شاة أعرابية – ص30-38.

(2)

انظر ص 16 من بحث الدكتور زهير قرامي سابق الذكر.

ص: 16

والآن! وبعد أن تأملنا هذين النموذجين نعود إلى استجلاء تلك القواعد الأساسية في مجال ضبط بحوث الإعجاز الطبي في السنة المطهرة فإلى الأساس الأول:

أولاً: أهم معالم المنهج المقرر في تفسير النصوص الحديثية

نلاحظ أن الأسس والقواعد الواجب مراعاتها في تفسير القرآن الكريم هي النبراس في تفسير النصوص عموما؛ ونجملها فيما يلي:

أولاً: يلزم معرفة ما يتعلق بالنص من سبب الورود وهل هو خاص أو عام أو مطلق أو مقيد أو منسوخ أو غير ذلك؟

ثانياً: يلزم الإطلاع: هل ورد نص آخر يفسره؛ إذ تفسير النص من الوحي،- والسنة من الوحي - أولى بالاعتبار؛ لذلك نقدّم وجوه التفسير الواردة في السنة على ما دونها.

ثالثاً: مراعاة العرف اللغوي في زمن التنزيل دون المعاني التي كثر تداولها فيما بعد، مهما بلغ انتشارها فيما بعد.

رابعاً: مراعاة قواعد الإعراب والبلاغة وأساليب البيان المقررة ليتم فهم أبعاد معاني النصوص.

خامساً: ملاحظة سياق النص وسباقه ومقتضيات الحال وغير ذلك من القرائن

سادساً: التأكد من وجود إشارة واضحة، على ما ندعي بأنه من معاني النص الذي نحن بصدد بيانه وتفسيره وتحديد الإشارة العلمية على نحو صحيح.

ص: 17

سابعاً: مراعاة أوليات الاعتبار في الاحتجاج بالمعاني، فالنص المحكم أولى من الظاهر، وظاهر النص أولى من المعنى المستقى بطريق التأويل، ومنطوق النص مقدم على مفهومه، كما أن بعض المفاهيم مقدم في الاعتبار على بعض؛ ولذلك يلزم عدم التسرع في ترجيح وجه تفسيري دون مرجح له شأنه.

ثامناً: ملاحظة أسلوب النص وصياغته هل هو عام؟ وهل هو مطلق؟ وهل هو مجمل؟ وهل تشترك فيه معان عدة أو لا؟ وهل يحتوي دلالة على حقيقة علمية لا يمكن تعارضها مع العرف اللغوي الذي قد يقدم في الاعتبار أو هناك احتمال آخر.

تاسعاً: عند التأويل للنص لا بد أن يكون هناك ما يقتضي ذلك ويلزم عندئذ إعمال القواعد المعتبرة عند أئمة الأصول والتفسير من مثل قولهم:

- العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.

- إعمال الكلام أولى من إهماله.

- لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل.

عاشراً: اعتماد المعاني المقررة للحروف التي تسمى حروف المعاني، كما قررها الأئمة الأعلام.

حادي عشر: البعد عن تأويل المتشابه وكذا الخوض في القضايا السمعية، مما لا يخضع للنشاط الذهني؛ بل يعتمد على النصوص الواردة بصددها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 18

ثاني عشر: ومن ذلك عدم الخوض في النصوص المتعلقة بالغيبيات التي استأثر الله بعلمها.

ثالث عشر: الحذر من الأخبار الإسرائيلية والآثار الواهية.

رابع عشر: التأدب مع علماء الأمة والحذر من تسفيه آرائهم، فكم عاب إنسانٌ آخر في اجتهاده فكان فيه العيب؛ إذ لم يحسن فهم مرامي الكلام أو مقتضيات الحال.

خامس عشر: يجب ألا يفارقنا اليقين بصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بمنزلة قول الله عز وجل؛ لأنه وحي ووعد من الله؛ ولذلك مهما رأينا وسمعنا في واقع حياتنا بأمور تتعلق بالكون فلا يسوغ أن نقدم ما قيل بصددها على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا يجب إعادة النظر عند وجود تعارض ظاهري بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يصادم مضمون نص صحيح حقيقة ثابتة أبداً، إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى بل بوحي من الله خالق الكون.

ص: 19

ثانياً: موجز يضم أهم القواعد والضوابط للمنهجية العامة المطلوب التزامها أساسًا لا بد منه لكل الباحثين:

1-

تحديد أو تحرير فكرة البحث أو جوهره "القضية التي يتمحور حولها الموضوع" واختيار عنوان يتناسب مع الفكرة ويعبر عنها.

2-

الاعتدال في بيان الحقائق الكونية بعد التأكد من ثبوتها، وعدم الاندفاع العاطفي الذي يترجم انبهاراً أو عدم اتزان، وليحذر الباحث من الجري وراء نظرية تفتقر إلى برهان يثبتها بشكل منضبط ومؤكد؛ لأن الإعجاز العلمي إنما يعتمد إثباته على الحقائق حصراً.

3-

على الباحث التزام الحيدة البحثية وعدم التحيز لما يعرضه من أفكار وقضايا في بحثه، وكذلك عدم الركون للقناعات الشخصية؛ ولذلك فمن الضروري هنا تحاشي الطريقة الجدلية في بيان المراد، وكذا عدم إيراد القضايا الخلافية في ثنايا البحث قدر الإمكان.

4-

التقيد بالضوابط البحثية الخاصة التي جرى عليها عرف هيئة الإعجاز العلمي في هذا الميدان، ومنها: عدم الخوض في الغيبيات وحسن مقارنة النصوص المتعلقة بالفكرة بعد التثبت من صحة النصوص الحديثية كما قلنا، وكذلك تمحيص الأقوال والشواهد وكل ماله علاقة بالنص.

5-

تحقيق مناط الإعجاز بشقيه الشرعي والكوني؛ حسب الاستدلال العلمي الصحيح في الكونيات واتباع المنهج المقرر في تفسير النصوص " الآيات القرآنية، الآثار في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ص: 20

6-

يجب أن يكون البحث أصيلا جديدا أو يحتوي تطويرا مفيدا أو تعديلا جذريا، ويشترط ألَاّ يكون قد قدم إلى جهة أخرى.

7-

رسم مخطط للبحث تتكامل فيه كل العناصر الأساسية مع تسمية الأبواب والفصول والمباحث الفرعية ثم تقسيم البحث بشكل يتناسب مع الموضوع المراد عرضه على وجه التوازن والترابط بين أفكاره وعناصره.

8-

التزام الموضوعية دون إطناب مملّ، أو اختزال مخلّ، أو استطراد مزعج، أو إقحام ما ليس داخلا في صلب الفكرة؛ أو تداخل يَشوّش ذهن القارئ؛ بحيث تظهر نتائج عرض الأفكار ومناط المناقشات بجلاء.

9-

وجود تفريعات مع تمهيدات متناسبة ومنسقة ومتكاملة وعلى نحو لا تعقيد فيه ولا تداخل ولا تكرار، بل تكون سهلة واضحة يمكن استجماع ملامحها بصورة ميسرة.

10-

مرعاة قضية التوثيق والتحقيق - المراجع والفهارس والملاحق والحواشي - والرسوم الإيضاحية كالصور وغير ذلك.

11-

عدم مصادرة الآراء الأخرى، بل ينبغي الإشارة إليها مع الأدب وعدم الادعاء بالسبق لنتائج عرفها غيرُه من الباحثين.

12-

ذكر جهود الآخرين وأبحاث السابقين، وتجنب التدليس والتمويه في ذلك؛ لأن في بيانه ذلك ما يترجم الأمانة البحثية المطلوبة، وغني عن البيان هنا بأن المقصود بجهود الآخرين: أي مجال يتعلق بموضوع البحث

ص: 21

طرقه باحث آخر أو عالج جزءاً منه، وأما أبحاث السابقين فالمقصود بذلك البحوث التي لها صلة غير مباشرة بالبحث ولكن لها وجه تعلق به، فكل ذلك ينبغي أن يشير الباحث إليه.

13-

تحديد إضافة البحث لمسيرة العلم وتحديد الجهد المبذول هل هو تأسيس أو تطوير أو إضافة مع ذكر الأسباب الداعية للكتابة في هذا الموضوع والأهداف العامة والخاصة المتوخاة، كما يلزم ذكر التوصيات حال الاقتضاء.

14-

وجود مختصر عن موضوع البحث وأقسامه الرئيسة وهل تَحَقَّقَ الغرض من كتابته أو لا؟.

15-

التزام الآداب البحثية العامة من التواضع واللطف والنزاهة، وأن يخلو البحث من عبارات تسيء لأحد أو تغمز به.

16-

الكتابة بخط واضح ولغة مفهومة، وأسلوب شائق وأداء متسلسل، مع ترك حواشٍ وفواصل بين السطور ومراعاة القواعد والنظم البحثية من علامات الترقيم وغيرها، ويستحسن أن يكون مسجلا على قرص ممغنط من أقراص الحاسوب كذلك.

17-

يشترط أن يكون الباحث متخصصا في المجال الذي يكتب فيه، وبالتالي يلزم إرسال الكاتب مع بحثه صورة عن مؤهلاته؛ أو ما يثبت كونه على ثقافة واسعة وعميقة أو أنه شخصية علمية مشهود له بذلك، أو كونه من الهواة الذين يمتلكون مقدرة على إظهار بحث مستوف لمتطلباته العلمية جميعا على نحوٍ مقبول.

ص: 22

ثالثاً: بعض المحترزات البحثية في مجال الإعجاز الطبي في السنة المطهرة.

1-

إيثار أسلوب اليسر في بيان المراد - وكذا تدوين الأفكار أو التعليل في مجال بيان المطلوب - فاليسر من مبادئ الدين الإسلامي على نحو عام. ويلزم عدم الغفلة عن ملاحظة إظهار هداية القرآن والسنة للتي هي أقوم؛ حيث هي الغاية من إنزال القرآن الكريم.

2-

اختيار الطريقة المناسبة للتدليل والبرهنة فالموضوع التجريبي له طريقته والمنطقي له طريقته وبحوث المقارنات الميدانية لها أسلوب بيانها.. وهكذا.

3-

الحذر من معارضة مبدأ شرعي أو قاعدة من قواعد الدين أو معلم من معالمه؛ لأنَّ اليقين العلمي متوافق مع الدين في كل الحقائق التي يستنبطها أهل الاختصاص في شتى المجالات الكونية ومنها الميدان الطبي.

4-

اجتناب العبارات التي تشعر أن الباحث يدافع عن القرآن والسنة أو أنهما يحتويان ما يمكن أن يعبر عنه بالنقص، أو أن العلماء السابقين قصروا في فهمها أو أنهم قد أخطؤوا في فهم ما يشتملان عليه من حقائق.

5-

الاعتدال في بيان الحقائق الكونية بعد التأكد من ثبوتها وعدم الاندفاع العاطفي الذي يترجم انبهاراً وعدم اتزان، وكما ذكرنا فإن على الباحث أن يحذر من التعجل والإسراع إلى فكرة لمجرد أنها أعجبته؛ بل عليه التزام الحيدة البحثية، وعدم التحيز لما يعرضه، بل يتوجب عليه كذلك عدم الركون للقناعات الشخصية.

ص: 23

6-

مراعاة التقاليد والأمور التي جرى عليها عرف الهيئة العالمية للإعجاز العلمي: من عدم تجريح الآخرين، بقصد غبن الناس مقاديرهم مثل التقليل من شأن جهود السابقين.

7-

لدى تحقيق مناط الإعجاز بشقيه الشرعي والكوني يلزم الإشارة للخلفية التاريخية التي توضح واقع المجتمع الإنساني من ناحية المعارف الكونية قبل إظهار المطابقة المطلوبة بين الدلالة النصية والحقيقة العلمية؛ وبالتالي تقرير النتيجة المُفْضية لوضوح الصورة الإعجازية حسب الخطوات الخمس المقررة.

8-

ملاحظة الفرق بين بحث تمهيدي في مرحلة المطارحات والمناقشات ولكن يراد منه الوصول إلى نتيجة - ولو كانت غير مقطوع بها - ولا يدعي صاحبه أنه يقرر حقائق ثابتة ولا يدافع عن أفكار معينة، وبين بحث هادف لبيان الإعجاز العلمي، فالأول يمكن التساهل في أسلوب عرضه لإثارة أفكار الآخرين وإثراء البحث " ولكن في نطاق بحثيّ خاص "، أما الثاني فلابد فيه من التدقيق التام، ولاسيما أثناء العرض، ولذلك ففي هذا المجال لا بد أن تضيق دائرة القبول وتحدد مقتضى الدعوى على وجه لا يحتمل أي شك.

ونود أن نشير هنا إلى أن البحوث لدى الهيئة تمر بمراحل هي:

1) إثارة الفكرة ومناقشتها ومطارحتها حتى يتم الاتفاق عليها ثم الكتابة فيها:

2) إحالة البحث على محكِّمَين شرعي وعلمي.

ص: 24

3) ثم عقد ندوة على نطاق أوسع يشترك فيها نخبة من المختصين الشرعيين والعلميين وعند إجازته بعد ذلك تتبنى الهيئة طباعته ونشره وتأذن لصاحبه بذلك.

9-

ونؤكد هنا عدم الخوض في الأمور السمعية التي استأثر الله بعلمها ولم يقدرنا على الإحاطة بها؛ لأن في مثل هذا الخوض تمحلاً وتكلفاً وتنطعاً؛ ونؤكد أن الإعجاز العلمي يتعلق دائما بما وراء ذلك من القضايا حيث ينصبّ دائماً على القضايا الخاضعة للتجريب والمشاهدة والمقارنة.

10-

مراعاة بقية القواعد المسلكية والمصطلحات المقررة من قبل الهيئة العالمية للإعجاز العلمي سابقا وما تقرره الجمعية العمومية حالياً ولاحقا؛ إذ هي تمثل مرجعية إنجاز تلك الأبحاث وبذلك تنتفي التناقضات والسلبيات في ميدان بحوث الإعجاز العلمي؛ علما بأن المرجعية الأساسية للإعجاز العلمي إنما هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

والآن وبعد أن اكتملت الصورة في أذهاننا حول مرجعية الإعجاز العلمي ومرتكزاته وضوابطه على نحو عام والطبي على وجه الخصوص، نعود إلى رياض هذا الإعجاز لنستجلي نماذج أخرى منه في آفاق الكون الرحيب علويه وسفليه بل وفي ذا ت النفس الإنسانية التي تجعل المتعاملين من العلماء المنصفين أمثالكم يزدادون تيقنا وخشوعا لله لدى وقوفهم على تطابق الخبر عنها مع حقيقة الأثر لدى رؤيتها؛ إذ إن الخبر - من قرآن أو سنة - إنما هو من صانعها جل وعلا؛ الذي أبدعها وأبدع الكون ثم دعانا للنظر ووعدنا بأن نقف على ما يفضي إلى اليقين إذا خلعنا رداء

ص: 25