الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في
رؤية الأنبياء والملائكة في المنام
ذكر البغوي في "شرح السنة" عن الإمام – وهو شيخه القاضي حسين بن محمد المروروذي – أنه قال: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق ولا يتمثل الشيطان به، وكذلك جميع الأنبياء والملائكة، وكذلك الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث لا يتمثل الشيطان بشيء منها. ومن رأى نزول الملائكة بمكان فهو نصرة لأهل ذلك المكان وفرج إن كانوا في كرب، وخصب إن كانوا في ضيق وقحط، وكذلك رؤية الأنبياء صلوات الله عليهم، ومن رأى ملكًا يكلمه ببر أو بعظة أو يبشره فهو شرف في الدنيا وشهادة في العاقبة. ورؤية الأنبياء مثل رؤية الملائكة إلا في الشهادة لأن الأنبياء كانوا يخالطون الناس، والملائكة عند الله سبحانه وتعالى لا يراهم الناس.
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في مكان سعةُ لأهل ذلك المكان إن كانوا في ضيق وفرجٌ إن كانوا في كرب ونصرةٌ إن كانوا في ظلم، وكذلك رؤية الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ورؤية أهل الدين بركة وخير على قدر منازلهم في الدين، ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا في المنام لم يزل خفيف الحال مُقِلاًّ في دنياه من غير حاجة فادحة ولا خذلان من الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه» ، ورؤية الإمام إصابة خير وشرف. انتهى.
فصل
في
بيان حقيقة الرؤيا
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "عارضة الأحوذي": قد بينا حقيقة الرؤيا وأنها إدراكات يخلقها الله في قلب العبد على يدي الملك أو الشيطان، إما بأمثالها، وإما أمثالاً بكناها، وإما تخليطًا. ونظير ذلك في اليقظة الخواطر فإنها تأتي على نسق في قصد، وتأتي مسترسلة غير محصلة، فإذا خلق الله من ذلك في المنام على يدي الملك شيئًا كان وحيًا منظومًا
وبرهانًا مفهومًا. انتهى.
وقد تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان» . وتقدم أيضًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان» . وفي رواية: «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان» .
قال البغوي في "شرح السنة": قوله: «الرؤيا ثلاثة» فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
وهي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه، وله مكايد يحزن بها بني آدم، ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل. وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر. والعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك. وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة والرعاف والحمرة والرياحين والمزامير والنشاط ونحوها، ومن غلب عليه طبيعة الصفراء يرى النار والشمع والسراج والأشياء الصفر والطيران في الهواء وغيرها، ومن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحوش والأهوال والأموات والقبور والمواضع الخربة وكونه في مضيق لا منفذ له أو تحت ثقل ونحو ذلك، ومن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والأنداء والثلج والجمد والوحل ونحوها فلا تأويل لشيء منها. انتهى.
إذا علم هذا فالكلام في هذا الفصل فيما يجوز تعبيره من الرؤيا وهي الرؤيا الصحيحة التي جاء وصفها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه بأنها رؤيا حق، وجاء وصفها في حديث أبي قتادة رضي الله عنه بأنها الرؤيا الصالحة وأنها من الله، وهذه الرؤيا نوعان. أحدهما: ما هو ظاهر لا يحتاج إلى تأويل. والثاني: ما هو من ضرب الأمثال للنائم، وهذا النوع هو الأكثر
والغالب على الرؤيا وهو الذي يحتاج فيه إلى التأويل.
ومن النوع الأول رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يذبح ابنه. وقد ذكر الله هذه القصة في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 101 - 107].
وقد جاء في هذا النوع أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسأذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى، وأذكر بعدها جملة مما جاء في غير الأحاديث المرفوعة وهو مما يستحسن ذكره.
فمن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام في أحسن صورة وأن الله تعالى سأله عما يختصم فيه الملأ الأعلى، وأنه تعالى وضع كفه، -وفي رواية يده- بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم حتى وجد بردها بين ثدييه. وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك قريبًا فلتراجع.
ومن ذلك رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أنه أتي بعائشة رضي الله عنها فعرضت عليه وقيل له هذه زوجتك. وقد روى الحديث الوارد في ذلك أحمد والبخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتك في المنام مرتين أرى رجلاً يحملك في سَرَقَة حرير فيقول هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه» ، وفي رواية للبخاري قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُريتكِ في المنام يجيء بك الملَك في سَرَقَة من حرير فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي فقلت إن يك هذا من عند الله يمضه» ، وفي رواية له أخرى: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُريتك قبل أن أتزوجك مرتين رأيت
الملك يحملك في سَرَقَة من حرير فقلت له اكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت: إن يكن هذا من عند الله يمضه، ثم أريتك يحملك في سَرَقَة من حرير فقلت: اكشف فكشفت فإذا هي أنت، فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه» ورواه مسلم بنحو الرواية الثانية عند البخاري إلا أنه قال في أوله: «أُريتك في المنام ثلاث ليال» ورواه ابن حبان في "صحيحه" بمثل الرواية الأولى عند أحمد والبخاري ورواه البيهقي بمثل رواية مسلم.
ورواه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: «أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة» . قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
قوله: «سَرَقة من حرير» هي بفتح السين والراء. قال الجوهري: السَّرَق شقق الحرير، قال أبو عبيد: إلا أنها البيض منها الواحدة منها سَرَقة. قال: وأصلها بالفارسية "سَرَهْ" أي: جيد فعربوه. انتهى.
ومن ذلك رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم دار الهجرة. وقد جاء ذلك في حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب» رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".
قوله: «فذهب وَهَلي» قال النووي في "شرح مسلم": الوَهَل بفتح الهاء ومعناه وهمي واعتقادي. قال: وهجر مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين، وأما يثرب فهو اسمها في الجاهلية فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة. انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري": يقال وَهَل بالفتح إذا ظن شيئًا فتبين الأمر بخلافه. قال: وهجر بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس.
قلت: وهو الذي يسمى في زماننا الأحساء. ولا يزال اسم هجر باقيًا على هذه البلاد زماننا.
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: «قد رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان» فخرج من كان مهاجرًا قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين. رواه الإمام أحمد والبخاري وابن حبان في أثناء حديث طويل في الهجرة، وهذا لفظ أحمد، ونحوه عند ابن حبان ورواه البيهقي بمثل رواية أحمد.
ومن ذلك رؤيا الأذان، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما رواه أبو داود والبيهقي عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا فلم يعجبه ذلك. قال: فذكر له القُنْع -يعني الشَّبُّور- شَبُّور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال: «هو من أمر اليهود» قال: فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لِهَمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «ما منعك أن تخبرني؟» فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله» ، قال: فأذن بلال.
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلاً قام وعليه بردان أخضران على جذمة حائط فأذن مثنى وأقام مثنى وقعد قعدة. قال فسمع ذلك بلال فقام فأذن مثنى وأقام مثنى وقعد قعدة.
ومنها ما رواه الإمام أحمد والدارمي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان
والبيهقي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: حدثني عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قال: فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت له: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول: إذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال:«إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك» ، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُري، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد» . هذا لفظ أحمد ورواه أبو داود والبيهقي بنحوه. وقد جاء في رواية الدارمي وابن ماجه وابن حبان ورواية عند أحمد: أن الرجل الذي طاف بعبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو نائم كان عليه ثوبان أخضران. وجاء في رواية الدارمي أن عمر رضي الله عنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى مثل ما رأى عبد الله بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد فذاك أَثْبَتُ» ، وقد جاء مثل ذلك في رواية الترمذي فإنه قد روى حديث عبد الله بن زيد مختصرًا جدًا، ولفظه عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالرؤيا فقال: «إن هذه لرؤيا حق فقم مع بلال فإنه أندى وأَمدُّ صوتًا منك فألقِ عليه ما قيل لك وليناد بذلك» ، قال: فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر إزاره وهو يقول: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فلله الحمد فذلك أَثْبَتُ» . قال الترمذي: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح. وذكر في كتاب
"العلل" أنه سأل محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو عندي حديث صحيح. قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قلت: هذا الحديث رواه ابن ماجه بإسناد فيه مقال عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يُهِمُّهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً به فأذن. قال الزهري: «وزاد بلال في نداء صلاة الغداء الصلاة خير من النوم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: يا رسول الله قد رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني» . وقد رواه ابن سعد في الطبقات وقال فيه: «حتى أُري رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد الأذان وأُريه عمر بن الخطاب تلك الليلة، فأما عمر فقال: إذا أصبحت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأنصاري فطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأخبره وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن بالصلاة. قال: فزاد بلال في الصبح، الصلاة خير من النوم، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست فيما أري الأنصاري» .
ومن الأحاديث في رؤيا الأذان ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت في النوم كأني مستيقظ أرى رجلاً نزل من السماء عليه بردان أخضران نزل على جذم حائط من المدينة فأذن مثنى مثنى ثم جلس ثم أقام فقال مثنى مثنى قال: «نِعْمَ ما رأيت علمها بلالاً» ، قال: قال عمر: قد رأيت مثل ذلك ولكنه سبقني.
ومن الرؤيا الظاهرة أيضًا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي البيت هو وأصحابه ويطوفون به، وكان ذلك قبل عمرة الحديبية، فلما صدهم المشركون عن دخول مكة عام الحديبية وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجعوا عامهم ذلك وأن يعتمروا في العام القابل قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام» ،
قال: قلت: لا، قال:«فإنك آتيه ومطوّف به» رواه البخاري في حديث طويل في «باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط» ، وقد وقع تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء حيث جاء هو وأصحابه إلى البيت وطافوا به وهم آمنون لا يخافون، وقد ذكر الله هذه الرؤيا الصادقة في قوله تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] وهذا الفتح هو الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش. قال الزهري قوله: {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني صلح الحديبية، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب وأمن الناس كلهم بعضهم بعضًا فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر. رواه ابن جرير.
ومن الرؤيا الظاهرة أيضًا رؤيا الأمر بدفع السواك إلى الأكبر. والحديث بذلك في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي: كبّر فدفعته إلى الأكبر» .
ومن ذلك رؤيا عيسى ابن مريم يطوف بالبيت ورؤيا الدجال وراءه، والحديث بذلك رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء فقلت من هذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا قالوا هذا الدجال أقرب بها شبهًا ابن قطن» زاد
البخاري، وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة، وفي رواية قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، وقد جاءت هذه الزيادة في إحدى الروايات عند أحمد.
ومن ذلك رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أن بني الحكم ينزون على منبره. والحديث بذلك رواه أبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ فقال: «ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة؟» قال: فما رُئِي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا بعد ذلك حتى مات صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه.
ومن الرؤيا الظاهرة ما جاء في حديث سمرة بن جندب الطويل وقد رواه الإمام أحمد والبخاري من طريقين، أحدهما عن عوف – وهو الأعرابي – عن أبي رجاء العطاردي حدثنا سمرة بن جندب الفزاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقصّ وإنه قال لنا ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط
وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرًا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أَرَ روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق؛ فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنَّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عَدْنٍ وهذاك منزلك، قال: فسما بصري صُعُدًا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله، قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبًا فما هذا الذي رأيتُ؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك؛ أما الرجل الأول الذي أَتيتَ عليه يُثْلَغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء
العراة الذين في مثل بناء التنور فهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنًا وشطر قبيحًا فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم» هذا لفظ البخاري. وقد رواه ابن شيبة وابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
قوله: "ضوضوا" قال أبو عبيدة: يعني ضجوا وصاحوا. وقال الجوهري: الضوضاة أصوات الناس وجلبتهم يقال ضوضوا بلا همز، وضوضيت أبدلوا من الواو ياء، وقوله:«فأتينا على روضة مُعْتَمَّة فيها من كل لون الربيع» كذا جاء في رواية البخاري، وجاء في رواية أحمد وابن أبي شيبة:«فأتينا على روضة معشبة فيها من كل نور الربيع» . قال ابن حجر في "فتح الباري" قوله: «فأتينا على روضة معتمة» بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث. ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم. قال الداودي: اعتمَّت الأرض: غطاها الخصب. انتهى المقصود من كلامه، وقوله:«فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أَرَ روضة قط أعظم منها ولا أحسن» هكذا جاء في رواية البخاري، وجاء في رواية أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان:«فانتهينا إلى دوحة عظيمة لم أَرَ دوحة قط أعظم منها ولا أحسن» . قال الجوهري: الدوحة الشجرة العظيمة من أي الشجر كان، انتهى. وسيأتي في رواية جرير بن حازم ما يؤيد رواية أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان.
الطريق الثاني: عن جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة أقبل علينا بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا» فإن كان أحد رأى تلك الليلة رؤيا قصَّها عليه فيقول فيها ما شاء الله أن يقول،
فسألنا يومًا فقال: «هل رأى منكم الليلة رؤيا» ، قال: فقلنا: لا، قال: «لكن أنا رأيت رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض فضاء أو أرض مستوية فمرا بي على رجل ورجل قائم على رأسه بيده كلوب من حديد فيدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ قفاه ثم يخرجه فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت معهما فإذا رجل مستلق على قفاه ورجل قائم بيده فهر أو صخرة يشدخ بها رأسه فيتدهدى الحجر فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان فيصنع مثل ذلك فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقت معهما فإذا بيت مبني على بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق، فانطلقت فإذا نهر من دم فيه رجل وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فيقبل الرجل الذي في النهر فإذا دنا ليخرج رمى في فيه حجرًا فرجع إلى مكانه فهو يفعل ذلك به، فقلت: ما هذا؟ فقالا: انطلق، فانطلقت فإذا روضة خضراء فإذا فيها شجرة عظيمة وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان وإذا رجل قريب منه بين يديه نار فهو يحششها ويوقدها فصعدا بي في الشجرة فأدخلاني دارًا لم أر دارًا قط أحسن منها فإذا فيها رجال شيوخ وشباب وفيها نساء وصبيان فأخرجاني منها فصعدا بي في الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل منها فيها شيوخ وشباب، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني منذ الليلة فأخبراني عما رأيت؟ فقالا: نعم. أما الرجل الأول الذي رأيت فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه في الآفاق فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة ثم يصنع الله تبارك وتعالى به ما شاء، وأما الرجل الذي رأيت مستلقيًا فرجل آتاه الله تبارك وتعالى القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة، وأما الذي رأيت في التنور فهم الزناة، وأما الذي رأيت في النهر فذاك آكل الربا، وأما الشيخ الذي في أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام، وأما الصبيان الذي رأيت فأولاد الناس، وأما الرجل الذي رأيت يوقد النار ويحششها فذاك مالك خازن النار وتلك النار، وأما الدار التي دخلت أولاً فدار عامة المؤمنين، وأما الدار الأخرى فدار
الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل. ثم قالا لي: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا هي كهيئة السحاب فقالا لي: وتلك دارك، فقلت لهما: دعاني أدخل داري، فقالا: إنه قد بقي لك عمل لم تستكمله فلو استكملته دخلت دارك» هذا لفظ أحمد، وفي رواية البخاري:«قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك» .
وقد روى مسلم والترمذي طرفًا من أوله وهو قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا» ؟ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ويروى هذا الحديث عن عوف وجرير ابن حازم عن أبي رجاء عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة. انتهى.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال: «إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها، أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى بي جبلاً وعرًا طويلاً فقال لي: إرقه، فقلت: إني لا أستطيع، فقال: إني سأسهله لك، فجعلت كلما رقيت قدمي وضعتها على درجة حتى استوينا على سواء الجبل فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مسمرة أعينهم وآذانهم فقلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذي يُرُوْنَ أعينهم ما لا يَرَوْن ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون. ثم انطلقنا فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رءوسهن تنهش ثديانهن الحيات، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يمنعون أولادهن من ألبانهن. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رءوسهن يلحسن من ماء قليل وحمأ، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يصومون ويفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرًا وأقبحه لبوسًا وأنتنه ريحًا كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزناة. ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخًا وأنتنه ريحًا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار. ثم انطلقنا وإذا نحن نرى دخانًا ونسمع عواء، قلت: ما هذا؟ قال: هذه جهنم فدعه. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام
تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين. ثم انطلقنا فإذا نحن بغلمان وجوار يعلبون بين نهرين، قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذرية المؤمنين. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شيء وجهًا وأحسنه لبوسًا وأطيبه ريحًا كأن وجوههم القراطيس، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون. ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة نفر يشربون خمرًا لهم ويتغنون، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: ذلك زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فملت قبلهم فقالوا: قدنا لك قدنا لك، قال: ثم رفعت رأسي فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون. ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة نفر يشربون خمرًا لهم ويتغنون، فقلت: ما هؤلاء قال: ذلك زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فلمت قبلهم فقالوا: قدنا لك قدنا لك، قال: ثم رفعت رأسي فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذاك أبوك إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك صلى الله عليهم أجمعين».
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن حجر: سنده جيد، ورواه الطبراني أيضًا بنحوه مختصرًا وقال فيه:«ثم انطلق بي حتى أشرفت على غلمان يلعبون بين نهرين، قلت: من هؤلاء؟ قال: ذراري المؤمنين يحضنهم إبراهيم» . ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في "مستدركه" مختصرًا ولا سيما رواية الحاكم فإنها مختصرة جدًا، وأوله عندهم:«بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتي بي جبلاً وعرًا فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك» الحديث. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه، وقد نقله ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر فضيلة أمراء مؤتة من كتاب "دلائل النبوة" لأبي زرعة الرازي وفيه اختصار عما جاء في رواية الطبراني.
ومن الرؤيا الظاهرة ما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وكنا في صُفَّة المدينة فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجبًا، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشًا كلما دنا من حوض منع وطرد
فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوسًا حلقًا حلقًا كلما دنا إلى حلقة طُرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجّه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يتقي بيده وهج النار وشررها فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين إنه كان وصولاً لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثيًا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قِبَل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلاً من أمتي خَفَّ ميزانه فجاءه أَفْراطه فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكَّن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أيحانًا ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته، ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة» رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب «الترغيب في الخصال المنجية، والترهيب من الخلال المردية» وقال: هذا حديث حسن جدًا. ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «الوابل الصيب في الكلم الطيب» ووصف هذا الحدث قبل سياقه له بأنه حديث عظيم شريف القدر ينبغي لكل مسلم أن يحفظه. ثم قال فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه، وبعد
أن انتهى من سياقه قال: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث وبلغني عنه أنه كان يقول شواهد الصحة عليه. انتهى. وقد رواه الطبراني في الأحاديث الطوال وإسناده ضعيف.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم لأم سليم وبلال وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما ذكروا فيه جميعًا. ومنها ما ذكر فيه اثنان منهم. ومنها ما ذكر فيه كل واحد منهم على انفراده.
فمن الأحاديث التي ذكروا فيها جميعًا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أريتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة أمامي قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال، قال: ورأيت قصرًا أبيض بفنائه جارية فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من المسلمين من أمة محمد قلت: فأنا محمد لمن هذا القصر؟ قال: هذا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه قال فذكرت غيرتك» ، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو عليك أغار. رواه الإمام أحمد والبخاري وهذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين عنده. ورواه مسلم مختصرًا ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُريت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال» .
ومن الأحاديث التي ذكر فيها عمر وبلال رضي الله عنهما حديث بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: «يا بلال بم سبقتني إلى الجنة، ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك فأتيت على قصر من ذهب مرتفع مشرف فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب، قلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا غيرتك يا عمر لدخلتُ القصر» ، فقال: يا رسول الله ما كنت لأغار عليك، قال: وقال لبلال: «بمَ سبقتني إلى الجنة» ، قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بهذا» رواه الإمام أحمد والترمذي وهذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين عنده.
وفي رواية الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فأتيت على قصر مربَّع مشرف من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لرجل من العرب، فقلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، قلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد، قلت: أنا محمد لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب» . فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله عليَّ ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بهما» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. قال: وفي الباب عن جابر ومعاذ وأنس وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في الجنة قصرًا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لعمر بن الخطاب» ، قال: ومعنى هذا الحديث أني دخلت البارحة الجنة، يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجنة. هكذا روي في بعض الحديث، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«رؤيا الأنبياء وحي» انتهى كلام الترمذي.
قلت: وقد جاء التصريح في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك في المنام.
وقد جاء في ذكر عمر وحده ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضأ إلى جنب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فذكرت غيرتك فوليت مدبرًا» وعمر حين يقول ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عنده مع القوم فبكى عمر حين سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعليك بأبي أنت وأمي أغار يا رسول الله، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".
الثاني: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة، أو أتيت الجنة، فأبصرت قصرًا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك» . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله بأبي أنت وأمي يا نبي الله أوعليك
أغار. رواه الإمام أحمد والبخاري وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظ البخاري في "باب الغيرة" من "كتاب النكاح" ورواه في "كتاب التعبير" ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلمه من غيرتك» ، قال: وعليك أغار يا رسول الله. وفي رواية ابن حبان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدخلت الجنة فرأيت فيها قصرًا من ذهب أو لؤلؤ فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب» وذكر بقيته بنحوه. وقد بوّب البخاري على هذا الحديث وحديث أبي هريرة المذكور قبله بقوله «باب القصر في المنام» .
الثالث: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش، قلت: لمن؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، قال: فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته» ، فقال عمر رضي الله عنه: عليك يا رسول الله أغار، رواه الإمام أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن يحيى – وهو ابن سعيد القطان – عن حميد عن أنس. ورواه أيضًا عن عبد الله بن بكر – وهو السهمي – عن حميد عن أنسٍ، وكل واحد من هذه الأسانيد الثلاثة ثلاثي على شرط الشيخين، ورواه أيضًا بإسنادين صحيحين سوى هذه الأسانيد الثلاثة، ورواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ومما جاء في ذكر بلال وحده حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة قال بلال: ما عطلت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورًا تامًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قوله: «عند صلاة الفجر» فيه إشِارة إلى أن ذلك وقع في
المنام لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر. انتهى.
ومما جاء في ذكر الرميصاء وحدها حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يديّ فقلت: ما هذا؟ قالوا: الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك» رواه الإمام أحمد عن هشيم عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، ورواه أيضًا عن يحيى عن حميد عن أنس رضي الله عنه، وكل واحد من هذه الأسانيد الثلاثة ثلاثي على شرط الشيخين، ورواه أيضًا بإسنادين صحيحين من طريق ثابت عن أنس رضي الله عنه، ورواه مسلم وابن حبان في "صحيحه" والطبراني في "الكبير".
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كذلك البر كذلك البر» وكان أبر الناس بأمه، وقد رواه عبد الرزاق وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة البحر الذين غزوا قبرص في زمان عثمان رضي الله عنه والذين غزوا الروم في زمان معاوية رضي الله عنه، وقد جاء في ذلك حديثان. أحدهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقد روي عنه من ثلاثة طرق:
أحدها: ما رواه مالك في "الموطأ" عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فأطعمته وجلست تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج
هذا البحر ملوكًا على الأسرة، أو قال مثل الملوك على الأسرة» يشك إسحاق – فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة» كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال:«أنت من الأولين» ، قال: فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت، وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك ومن غير طريقه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خالة أنس بن مالك. انتهى. وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: «باب رؤيا النهار» قال: وقال ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل. وذكر الحافظ ابن حجر عن علي بن أبي طالب القيرواني أنه قال: لا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار وكذا رؤيا النساء والرجال. وقال المهلب نحوه. انتهى.
الطريق الثاني: عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي بنحو ما تقدم في حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه.
الطريق الثالث: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم بنحو ما تقدم في حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه.
الحديث الثاني: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن امرأة حدثته قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: تضحك مني يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكن من قوم من أمتي
يخرجون غزاة في البحر مثلهم مثل الملوك على الأسرة»، قالت: ثم نام ثم استيقظ أيضًا يضحك فقلت: تضحك يا رسول الله مني؟ قال: «لا، ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر فيرجعون قليلة غنائمهم مغفورًا لهم» ، قلت: ادعُ الله أن يجعلني منهم فدعا لها، قال: فأخبرني عطاء بن يسار قال: فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم وهي معنا فماتت بأرض الروم، رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقال: فيه عطاء بن يسار: أن امرأة حذيفة قالت. والظاهر أن قوله امرأة حذيفة تصحيف من بعض النسّاخ أو الطابعين، والصواب أن امرأة حدثته كما جاء ذلك في رواية الإمام أحمد عن عبد الرزاق. ويدل لهذا ما رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن هشام بن يوسف عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أخت أم سليم الرميصاء قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ وكانت تغسل رأسها فاستيقظ وهو يضحك فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسي؟ قال: «لا» ، قال أبو داود وساق هذا الخبر يزيد وينقص. انتهى. وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط البخاري. وفيها بيان أن المرأة التي لم تسم في رواية الإمام أحمد هي الرميصاء أخت أم سليم.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن الوجع الذي أصابه كان بسبب السحر، وقد جاء في ذلك حديثان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، فأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها من طريقين: أحدهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديُّ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ثم قال:«يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طّبه قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وجبّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان» ، قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ثم قال: «يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة
الحناء ولكأن نخلها رءوس الشياطين»، قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: «لا، أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرًا فأمرت بها فدفنت» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن سعد وهذا لفظ مسلم ونحوه عند أحمد وابن ماجه، وليس في هذه الرواية ولا في غيرها من الروايات عند البخاري تصريح بأن مجيء الرجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان في المنام. وقد جاء التصريح بذلك وبأن الرجلين كانا من الملائكة في حديث صحيح عند الإمام أحمد. وجاء أيضًا في حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فأما الحديث الذي عند أحمد فهو ما رواه عن إبراهيم بن خالد عن رباح عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي فأتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: ما باله؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فِيْمَ؟ قال: في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذروان تحت رعوفة، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه فقال:«أي عائشة ألم ترين أن الله أفتاني فيما استفتيته» فأتى البئر فأمر به فأخرج فقال: «هذه البئر التي أريتها والله كأنّ ماءها نقاعة الحناء وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين» ، فقالت عائشة: لو أنك كأنها تعني أن يتنشر، قال:«أما والله قد عافاني الله وأنا أكره أن أثير على الناس منه شرًا» . في إسناده إبراهيم بن خالد وهو القرشي الصنعاني المؤذن، ورباح وهو ابن زيد القرشي مولاهم الصنعاني وكل منهما ثقة وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأما حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها وهو الطريق الثاني من الروايتين عنها فقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم، وكان تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مطبوب، قال الذي عند رجليه: مَنْ طبَّه؟ قال الذي عند
رأسه: لبيت بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمشط ومشاطة وجفّ طلعة ذكر بذي أروان وهي تحت راعوفة البئر. فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عائشة فقال: «يا عائشة أشعرت أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي» ، فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغدا معه أصحابه إلى البئر فإذا ماؤها كأنه نقوع الحناء وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رءوس الشياطين، قال: فنزل رجل فاستخرج جفَّ طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مراطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وَتَر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين فقال: يا محمد: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وحل عقدة {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] وحل عقدة، حتى فرغ منها، ثم قال:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، وحل عقدة حتى فرغ منها وحل العُقد كلها؛ وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألمًا ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد عافاني الله عز وجل وما وراءه من عذاب الله أشد» قال: فأخرجه. قال البيهقي: قد روينا في هذا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ببعض معناه، ورويناه في الحديث الصحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في أبواب دعواته دون ذكر المعوذتين. انتهى.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه ابن سعد في "الطبقات" من طريق جويبر – وهو ضعيف – عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُخِذ عن النساء وعن الطعام والشراب فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما شَكْوُه؟ قال: طُبَّ، يعني سُحر؛ قال: ومن فعله؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: ففي أي شيء جعله؟ قال: في طلعة، قال: فأين وضعها؟ قال: في بئر ذروان تحت صخرة، قال: فما
شفاؤه؟ قال: تنزح البئر وترفع الصخرة وتستخرج الطلعة، وارتفع الملكان. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وعمار رضي الله عنهما فأمرهما أن يأتيا الركي فيفعلا الذي سمع فأتياها وماؤها كأن قد خضب بالحناء فنزحاها ثم رفعا الصخرة فأخرجا طلعة فإذا فيها إحدى عشرة عُقْدة ونزلت هاتان السورتان:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عُقدة حتى انحلت العقد وانتشر نبي الله صلى الله عليه وسلم للنساء والطعام والشراب، وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد فلبعضه شاهد مما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها.
وليعلم أن السحر الذي أصيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرض منه ستة أشهر إنما كان تأثيره في جسده لا في قلبه وعقله فإن الله حمى قلبه وعقله وصانهما من وصول السحر إليهما، وما كان الله ليسلط السحرة والشياطين على قلب رسوله ومقر وحيه وتنزيله، هذا لا يكون أبدًا. وأما بدنه فإنه عرضة للأقسام والآلام كسائر البشر، وذلك لا يحط من قدره، بل يزيده أجرًا وثوابًا في الدار الآخرة. قال القاضي عياض في كتابه "الشفا": السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته. وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله فليس في هذا ما يُدْخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُروّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضّل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان – إلى أن قال -: إن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه لا على قلبه واعتقاده وعقله وأنه إنما أثر في بصره وحبسه عن وطء نسائه وطعامه وأضعف جسمه وأمرضه، ويكون معنى قوله يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على النساء فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يقدر على إتيانهن كما يعتري من أُخذ واعترض. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يُدخل لَبْسًا ولا يجد به الملحد المعترض أُنْسًا. انتهى.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "دلائل النبوة" عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رجلين من بليّ قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعًا فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي. قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجع إليّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث فقال: «من أي ذلك تعجبون؟» فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أليس قد مكث هذا بعده سنة؟» قالوا: بلى، قال:«وأدرك رمضان فصامه وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟» قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» وروى الإمام أحمد عن طلحة رضي الله عنه قريبًا منه في المعنى وفي آخره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمّر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله» ورجال هذه الرواية والرواية التي قبلها كلهم ثقات.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان بيده قطعة استبرق يطير بها في الجنة، والحديث بذلك رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة استبرق ولا أشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخاك رجل صالح» أو: «إن عبد الله رجل صالح» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا ابن عمر رضي الله عنها أنه ذُهب به إلى النار ثم صرف عنها. والحديث في ذلك رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت غلامًا شابًا عزبًا فكنت أنام في المسجد
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرأيت في النوم كأنّ ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» . قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. وفي رواية للبخاري: فرأيت ملكين أتياني فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال لن تراع إنك رجل صالح.
وقد رواه البخاري أيضًا من حديث نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أنكح فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء. فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم إن كنت تعلم في خيرًا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله، اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال: لن تراع نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر له قرون كقرون البئر بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى فيها رجالاً معلقين بالسلاسل رءوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالاً من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن عبد الله رجل صالح» فقال نافع: لم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة، وقد رواه ابن أبي شيبة مختصرًا.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بإسنادين صحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت كأني
دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة فنظرت فإذا قد جيء بفلان ابن فلان وفلان ابن فلان حتى عدت اثني عشر رجلاً، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك، قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، قال: فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر السدخ، أو قال: إلى نهر البيدج؛ قال: فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر، قال: ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأُتي بصحفة -أو كلمة نحوها- فيها بسرة فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا وأكلت معهم، قال: فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله كان من أمرنا كذا وكذا وأصيب فلان وفلان حتى عدّ الاثنى عشر الذين عدتهم المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي بالمرأة» ، فجاءت قال:«قص على هذا رؤياك» فقصت، قال: هو كما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أنه يقبل النبي صلى الله عليه وسلم ويسجد على جبهته. وقد جاء ذلك من طرق. أحدها: عن أبي جعفر المديني الخطمي قال: سمعت عمارة بن عثمان بن حنيف يحدَّثُ عن خزيمة بن ثابت أنه رأى في منامه أنه يقبّل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فناوله النبي صلى الله عليه وسلم فقبّل جبهته. رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: فيه عمارة بن عثمان ولم يرو عنه غير أبي جعفر الخطمي وبقية رجاله ثقات، قلت: قال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عمارة بن عثمان بن حنيف الأنصاري المدني مقبول. انتهى. ويؤيد حديث عمارة ما سيأتي في الطريقين بعده.
الطريق الثاني: عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال: رأيت في المنام أني أسجد على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الروح لتلقى الروح» وأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا فوضع جبهته على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في "الكبير" مختصرًا. قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا وهو متصل ورواه الطبراني وقال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلس واسجد واصنع كما رأيت» ورجالهما ثقات.
الطريق الثالث: عن الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت الأنصاري صاحب الشهادتين عن عمه أن خزيمة بن ثابت الأنصاري رأى في المنام أنه سجد على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فاضطجع له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «صدق بذلك رؤياك» فسجد على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد عن عثمان بن عمر بن فارس عن يونس عن الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت عن عمه. ورجال هذا الإسناد كلهم ثقات، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم – وهو ابن صبيح أبو الضحى – قال: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت رجلاً يخرج من الأرض وعلى رأسه رجل في يده مرزبة من حديد كلما أخرج رأسه ضرب رأسه فيدخل في الأرض ثم يخرج من مكان آخر فيأتيه فيضرب رأسه، قال:«ذاك أبو جهل بن هشام لا يزال يصنع به ذلك إلى يوم القيامة» رجاله رجال الصحيح وهو مرسل وقد أورده ابن أبي شيبة فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قتلت جانًا فأتيت فيما يرى النائم فقيل لها: أَمَ والله لقد قتلت مسلمًا، قالت: فلم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: ما يدخل عليك إلا وعليك ثيابك، فأصبحت فزعة وأمرت باثني عشر ألفًا في سبيل الله.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سيقتل. وقد جاء ذلك في عدة أحاديث. منها ما رواه ابن أبي شيبة وابن سعد في "الطبقات" عن أم هلال بنت وكيع عن امرأة عثمان قالت: أغفى عثمان فلما استيقظ قال: إن القوم يقتلونني، قلت: كلا يا أمير المؤمنين، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قال: قالوا: «أفطر عندنا الليلة» ، أو قالوا:«إنك تفطر عندنا الليلة» .
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة والحاكم عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن عثمان رضي الله عنه أصبح يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام فقال: «يا عثمان أفطر عندنا» فأصبح صائمًا وقُتل من يومه، صححه الحاكم والذهبي. وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" عن نافع قال: أصبح عثمان بن عفان يوم قتل يقصّ رؤيا على أصحابه رآها فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة فقال لي: «يا عثمان أفطر عندنا» ، قال: فأصبح صائمًا وقُتل في ذلك اليوم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.
ومنها ما رواه أبو يعلى الموصلي وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام ورأيت أبا بكر وعمر وإنهم قالوا لي: «اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة» ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقُتل وهو بين يديه. قال الهيثمي: رجالهما ثقات. وصحح الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهم في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، فأما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فهي في حديث رواه الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: «أخبرني جبريل أن هذا يُقتل بأرض العراق» للحسين «فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها» . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه، وقد رواه الطبراني في "الكبير" مختصرًا ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر النفس وفي يده تربة حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال: «أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يُقتل بأرض العراق» للحسين «فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها فهذه تربتها» . قال ابن الأثير: خاثر النفس أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط. انتهى.
وأما رؤيا ابن عباس رضي الله عنهما فقد رواها الإمام أحمد والطبراني في "الكبير" والحاكم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئًا، قال: قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: «دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم» . قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم، هذا لفظ أحمد في إحدى الروايتين وإسناده في كل منهما صحيح على شرط مسلم. وقد رواه البيهقي في «دلائل النبوة» بنحوه، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تخليصه.
وأما رؤيا أم سلمة رضي الله عنها فقد رواها الترمذي والحاكم من طريق رزين -وهو الجهني- قال: حدثتني سلمى -وهي البكرية- قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعني في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: «شهدت قتل الحسين آنفًا» . قال الترمذي: هذا حديث غريب. وفي رواية الحاكم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب، الحديث. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم.
وقد انتقم الله تبارك وتعالى من قتلة الحسين رضي الله عنه على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب فتتبعهم وقتلهم، وقد رأى الشعبي في ذلك رؤيا رواها الطبراني في "الكبير" عن مجالد عن الشعبي قال: رأيت في النوم كأن رجالاً نزلوا من السماء معهم حراب يتتبعون قتلة الحسين رضي الله عنه، فما لبثت أن نزل المختار فقتلهم. قال الهيثمي: إسناده حسن.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوجها، وقد جاء ذلك في قصة طويلة ذكرها الحاكم في المستدرك في «ذكر أم حبيبة بنت أبي سفيان» من كتاب «معرفة الصحابة» ففيه أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: أرى في النوم كأن آتيًا يقول لي يا أم المؤمنين ففزعب وأوّلتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني، قالت: فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له
يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوَّجك، فقلت: بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك، وذكرت القصة. ورواه ابن سعد في "الطبقات" بنحوه.
ومن الرؤيا الظاهر رؤيا المرأة التي حلفت أن الله لا يعذبها وقد ذكرها الحاكم في المستدرك بإسناده عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: اجتمع نساء من نساء المؤمنين عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت امرأة منهن: والله لا يعذبني الله أبدًا إنما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أشرك بالله شيئًا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه بين يدي ورجلي ولا أعصيه في معروف وقد وفيت. قال: فرجعت إلى بيتها فأتيت في منامها فقيل لها: أنت المتألية على الله تعالى أن لا يعذبك فكيف بقولك فيما لا يعنيك ومنعك ما لا يغنيك، قال: فرجعت إلى عائشة رضي الله عنها فقالت لها: إني أُتيت في منامي فقيل لي كذا وكذا وإني أستغفر الله وأتوب إليه، ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.
ومن الرؤيا الظاهرة قصة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بعد موته وقد روى قصته الطبراني في "الكبير" عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس فأرشدوني إلى ابنته فسألتها -فذكر الحديث عنها وفيه- فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار فلما لقوا مسيلمة وبني حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قُتِلا، قالت: وأُري رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: إني لما قتلت بالأمس مَرَّ بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعًا نفيسة ومنزله في أقصى العسكر وعند منزله فرس يستنّ في طِوَله وقد أكفأ على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رَحْلاً وائت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي فليأخذها فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أن علي من الدين كذا، ولي من المال كذا، وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حُلْم.
فتضيعه، قال: فأتى خالد بن الوليد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر رضي الله عنه فأخبره فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته، فلا نعلم أن أحدًا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه. قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح والظاهر أن بنت ثابت بن قيس صحابية فإنها قالت سمعت أبي والله أعلم.
وروى الطبراني أيضًا من طريق ثابت عن أنس رضي الله عنه أن ثابت بن قيس رضي الله عنه جاء يوم اليمامة وقد تحنط ونشر أكفانه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر مما صنع هؤلاء فقتل وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال: إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا وأوصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
ومن الرؤيا الظاهرة ما أُمِر به عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم من حفر زمزم بعدما اندرس موضعها وعفى أثرها. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد ابن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها، قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آتٍ فقال: احفر طيبة، قال: قلت وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر برّة (1)، قال: فقلت: وما برّة، قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبدًا ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل.
(1) قال ابن الأثير: سماها بَرَّة لكثرة منافعها وسعة مائها. قال: والمضنونة التي يضن بها لنفاستها وعزتها.
قال ابن إسحاق: فلما بيّن له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صُدِق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبّر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقًا فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم، فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم؟ قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعًا. قالوا: نِعْمَ ما أمرت به. فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا. ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجْزٌ فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عَذْب فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلمَّ إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قُضِي لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبدًا. إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم
فارجع إلى سقايتك راشدًا، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها. قال ابن إسحاق: فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم.
قلت: رجال إسناده كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فزال ما يخشى من تدليسه. وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق ابن إسحاق وإسناده حسن.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في الجاهلية الأمر بالاستسقاء حين أصاب قريشًا القحط والمحل. وقد روى حديثها الطبراني في "الكبير" وفي الأحاديث الطوال، والبيهقي في "دلائل النبوة" وابن الأثير في "أسد الغابة" عن مخرمة بن نوفل رضي الله عنه عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم وكانت لِدَةَ عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأرقت العظم، قالت: فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي مبعوث منكم وهذا إبان مخرجه فحيَّ هلاً بالخير والخصب، ألا فانظروا منكم رجلاً طوالاً عظامًا أبيض بضًا أشم العرنين، له فخر يكظم عليه وسنة تهدي إليه، ألا فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن رجل، ألا فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب وليستلموا الركن، وليطوفوا بالبيت سبعًا ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستسق الرجل وليؤمن القوم، ألا وفيهم الطاهر والطيب لذاته، ألا فغثتم إذًا ما شئتم وعشتم. قالت: فأصبحت عَلِمَ الله مفئودة مذعورة قد قف جلدي ووله عقلي فاقتصصت رؤياي فنمت في شعاب مكة. فو الحرمة والحرم إن بقي بها أبطحي إلا قال هذا شيبة الحمد، هذا شيبة، وتتامت عنده قريش. وانفض إليه من كل بطن رجل فشنوا وطيبوا واستلموا وطافوا ثم ارتقوا أبا قبيس وطفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قر لذروته فاستكنوا جنابيه ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كَرَبَ. فقام عبد المطلب فقال: اللهم سادّ الخلّة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلَم ومسئول غير مبخّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارت حرمك يشكون إليك سنتهم التي قد أقحلت الظلف والخف، فاسمعن اللهم وامطرن غيثًا مريعًا مغدقًا، فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي بثجيجه.
فلسمعتُ شيخان قريش وهي تقول لبعد المطلب: هنيئًا لك أبا البطحاء هنيئًا، أي بك عاش أهل البطحاء. وفي ذلك تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا
…
وقد فقدنا الحيا واجلوَّذَ المطر
فجاد بالماء جَوْنيّ له سَبَلٌ
…
دانٍ فعاشت به الأمصار والشجر
سيلٌ من الله بالميمون طائره
…
وخير من بُشَّرت يومًا به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به
…
ما في الأنام له عدل ولا خطر
هذه إحدى الروايتين عند البيهقي. وقال ابن الأثير بعد إيراده: أخرجه أبو نعيم وأبو موسى، وقال أبو موسى – يعني المديني – هذا حديث حسن عالٍ، وفي هذا الحديث غريب نشرحه مختصرًا، قوله: لِدَةُ عبد المطلب، أي على سنه. وأقحلت أيبست. وأرقت العظم، أي جعلته ضعيفًا من الجهد. والتهويم أول النوم. والإبان الوقت. وحي هلا كلمة تعجيل. والحيا – مقصور – المطر والخصب، أي أتاكم المطر والخصب عاجلاً. والعُظَام بضم العين أبلغ من العظيم. والبضّ الرقيق البشرة. والأشم المرتفع. وقوله: له فخر يكظم عليه أن يخفيه ولا يفاخر به. والسنة الطريقة. وتهدي إليه، أي تدل الناس عليه. فليشنوا، بالسين والشين، أي فليصبوا، ومعناه فليغتسلوا. فغثتم أي أتاكم الغيث والغوث. ونَمَتْ أي فشت، وشيبة الحمد لقب عبد المطلب. وتَتَامَّت إليه، أي جاءوا كلهم. ومَهَلُه سكونه. وقوله: كَرَبَ أي قرب. والخَلَّة الحاجة. والعذرات الأفنية. والسنة القحط والشدة. ويعني بالظلف والخف الغنم والإبل. والمُغْدق الكثير. واكتظ أي ازدحم. والثجيج سيلان كثرة الماء. والشيخان المشايخ. واجْلَوَّذ أي تأخر. والجوني السحاب الأسود. انتهى. وفي القصة كلمات لم يشرحها ابن الأثير وهي تحتاج إلى الشرح. منها قوله: بصوت صحل أي فيه بحوحة. وقوله: رجلا طُوالاً أي طويل فإذا أفرط في الطول قيل طُوَّال بالتشديد. وقوله: فليدلف، الدليف هو المشي الرويد يقال: دَلَف إذا مشى وقارب الخطو. وقولها: وفيهم الطاهر والطيب لذاته -تعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولها: مفئودة، المفئود هو الذي أصيب فؤاده -أي قلبه- بوجع. والذعر بالضم الخوف والفزع. وقوله: وقَفَّ جلدي أي تقبض،
وقيل: أرادت قف شعري فقام من الفزع. والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد. وقولها: فوالحرمة والحرم، هذا من الحلف بغير الله وهو شرك، وقد وقع ذلك منها في زمن الجاهلية وهي إذ ذاك مشركة. وقولها: يدفّون حوله أي يسيرون سيرًا لينًا. والميمون طائره وخير من بُشّرت به مضر هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبعد أن تكون إغاثة قريش بسبب كونه صلى الله عليه وسلم مع المستغيثين منهم، والله أعلم.
ومن الرؤيا الظاهرة رؤيا خالد بن سعيد بن العاص قبل إسلامه ما كان سببًا في إسلامه، وقد روى قصته محمد بن سعد في "الطبقات" عن محمد بن عمر – وهو الواقدي – قال: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: كان سلام خالد بن سعيد قديمًا وكان أول إخوته أسلم، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذًا بحقويه لئلا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق، فلقي أبا بكر بن قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها. فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: «أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يدري مَنْ عَبَده ممن لم يعبده» ، قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله؛ فسَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه. وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعًا مولاه فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة فأنبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال: اتبعت محمدًا وأنت ترى خلافه قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم، فقال خالد: قد صدق والله واتبعته فغضب أبو أحيحة ونال من ابنه وشتمه ثم قال: اذهب يا لكع حيث شئت فوالله لأمنعنك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به،
فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويكون معه. ورواه الحاكم في "المستدرك": والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الواقدي، ورواية البيهقي مختصرة.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود، قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرًا ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، ثم مرّ برهط من النصارى فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمد؛ فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «هل أخبرت بها أحدًا» قال: نعم، فلما صلوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«إن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد» . وقد رواه الطبراني في "الكبير" والحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه. وفي رواية للطبراني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا قلتم فقولوا ما شاء الله وحده» ، وفي رواية الحاكم:«فلا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له» .
وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشاء محمد وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أما والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» ثم رواه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ربعي – وهو ابن حراش – عن حذيفة قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت في المنام أني لقيت بعض أهل الكتاب فقال: نعم
القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قد كنت أكرهها منكم فقولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» .
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في "الحلية" من طريقه والبيهقي في "دلائل النبوة" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فرأيته لا ينظر إليّ فقلت: يا رسول الله ما شأني؟ قال: «ألست الذي تقبّل وأنت صائم؟» قلت: والذي بعثك بالحق لا أقبّل بعدها وأنا صائم.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أحمد بن سنان قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت ربّ العزة في المنام فقال لي: يا يزيد تكتب عن حَرِيْز بن عثمان؟ فقلت: يا ربّ ما علمت منه إلا خيرًا، فقال لي: يا يزيد لا تكتب منه فإنه يسب عليّا.
ومن الرؤيا الظاهرة ما رواه الخطيب أيضًا عن سعيد بن سافري الواسطي قال: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني وعاتبني، فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك! قال: نعم، قال لي: يا يزيد بن هارون كتبت عن حَرِيز بن عثمان، قلت: يا ربّ العزة ما علمت إلا خيرًا، قال: إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب.
وروى الخطيب أيضًا عن أبي نافع بن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان -وأحسبه قال: شيخان- فقال أحدهما: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وشفعني وعاتبني، قال: قلت: غفر لك وشفعك قد عرفتُ ففيم عاتبك؟! قال: قال لي: يا يزيد أتحدث عن حَرِيز بن عثمان؟ قال: قلت: يا رب ما علمت إلا خيرًا، قال: يا يزيد إنه كان يبغض أبا حسن علي بن أبي طالب. قال: وقال الآخر: أنا رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: هل أتاك منكر ونكير؟ قال: إي والله وسألاني مَنْ ربك وما دينك ومَن نبيك؟ قال: فقلت: ألمثلي يقال هذا وأنا كنت أعلم الناس بهذا