الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلم عكرمة بن أبي جهل وكان ذلك تصديق رؤياه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقد رواه عبد الرزاق عن الزهري مرسلاً بنحوه.
فصل
في ذكر
ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ولم يخبر بتأويله
فمن ذلك رؤياه في النزع من القليب وقد جاء ذلك في حديثين. أحدهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعفه، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربًا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريًا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان
…
الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا فلم أر عبقريًا يفري فَريه حتى روي الناس وضربوا بعطن» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة، وقال الترمذي: صحيح غريب
…
قال الخباري: قال وهب – أي ابن جرير أحد الرواة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: العطن مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت. انتهى. وأما العبقري فهو الرجل القوي. قال الجوهري: قالوا هذا عبقري قوم للرجل القوي. وفي الحديث: «فلم أر عبقريًا يفري فَريه» ، وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث": عبقري القوم سيدهم وكبيرهم وقويهم. والأصل في العبقري فيما قيل أن عبقر قرية يسكنها الجن فيما يزعمون فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير. انتهى.
وقد ذكرت في الفصل الذي قبل هذا الفصل حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البيهقي في "دلائل النبوة" وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أنه يسقي غنمًا سودًا وعفرًا، وأن أبا بكر رضي الله عنه نزع ذنوبًا أو ذنوبين وأن عمر رضي الله عنه أخذ الدلو فأروى الناس، وإنما ذكرته هناك لما فيه من تأويل الغنم السود بأنهم العرب، وتأويل الغنم العفر بالأعاجم. وأما ما جاء فيه من النزع بالدلو فلم يأت فيه تأويل عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك ما ذكرته في هذا الفصل من حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم في النزع بالدلو لم يأت فيه تأويل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتأويله ظاهر من قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى وجهاد المشركين وبذل النصيحة للأمة وتعليمهم أمور دينهم وما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وغير ذلك من الأمور العظيمة والمصالح العامة التي قام بها صلى الله عليه وسلم أتم القيام، ثم قام أبو بكر الصديق بما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور المسلمين أتم القيام وحارب أهل الردة حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ثم بعث الجيوش إلى الفرس والروم وحصل في زمانه عدة انتصارات عليهم، ثم كانت خاتمة أعماله الجليلة أَنْ عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت ولاية عمر رضي الله عنه حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه، وكانت مدة ولاية أبي بكر رضي الله عنه سنتين وشهرين تقريبًا فكانت مطابقة لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه نزل بالدلو ذنوبًا أو ذنوبين. ثم قام عمر رضي الله عنه بعده بأمور المسلمين أكثر من عشر سنين ففتح الله له الفتوح الكثيرة بالشام والعراق وخراسان ومصر وغيرها من الأمصار وأذل الله به أمم الكفر، ودوَّنَ الدواوين وقام بتدبير أمور المسلمين أتم القيام وكان مضرب المثل في العدل والحزم وحسن السيرة. فكانت أعماله في ولايته مطابقة لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه من قوة نزعه للماء وإرواء الناس حتى ضربوا بعطن، وقد روى البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناد صحيح عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي. وقوله: «وفي نزعه ضعف» قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته. انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم": ومعنى ضرب الناس بعطن، أي
أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته. فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الإسلام ومَهَّدَ أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجًا وأنزل الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ثم توفي صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرًا. وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «ذنوبًا أو ذنوبين» وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبّر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه:«وفي نزعه ضعف» فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا إثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصّر الأمصار ودَوَّن الدواوين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «والله يغفر له» فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك. قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها، وقوله صلى الله عليه وسلم:«فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه» أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، ،أما فريه فروي بوجهين. أحدهما: فريه بإسكان الراء وتخفيف الياء. والثاني: كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان. وأنكر الخليل التشديد وقال: هو غلط؛ واتفقوا على أن معناه لم أر سيدًا يعمل عمله ويقطع قطعه، وأًل الفري بالإسكان القطع. وقوله صلى الله عليه وسلم: «حتى
ضرب الناس بعطن» قال القاضي: ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة، وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعًا لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر وضرب الناس بعطن لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفّهم وابتدأ الفتوح ومَهَّد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، انتهى كلام النووي ملخصًا.
فصل
في ذكر ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه
وأَوَّلَه أبو بكر الصديق رضي الله عنه
أو أَوَّلَه غيره من الصحابة رضي الله عنهم
فمن ذلك رؤياه في اتباع الغنم له وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مرسلاً من طريقين. أحدهما: عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت الليلة كأنما تتبعني غنم سود ثم أردفتها غنم بيض حتى لم تر السود فيها» فقصّها على أبي بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هي العرب تبعتك ثم أردفتها العجم حتى لم يروا فيها، قال:«أجل، كذلك عَبَرها الملَك سَحَرًا» .
الطريق الثاني: عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض معناه وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيتني يتبعني غنم سود يتبعها غنم عفر» ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله هذه العرب تتبعك تتبعها العجم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك عَبَرها الملَك» . وفي وراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك عَبَرها الملَك بالسحر» وقد رواه الحاكم موصولاً من طريق حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني رأيت في المنام غنمًا سوداء يتبعها غنم عفر يا أبا بكر اعبرها» ، فقال أبو بكر: يا رسول الله هي العرب
تتبعك ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هكذا عبرها الملَك بسَحَر» .
ومن ذلك رؤياه في عَجْم التمر وقد جاء ذلك فيما رواه الإمام أحمد والحميدي والدارمي من طيق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت كأني أتيت بكتلة تمر فعجمتها في فمي فوجدت فيها نواة آذتني فلفظتها ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها» ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: دعني فلأعبرها، قال: قال: «اعبرها» ، قال: هو جيشك الذي بعثت يسلم ويغنم فيلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيدعو ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه، قال:«كذلك قال الملَك» . قال الهيثمي: فيه مجالد بن سعيد وهو ثقة وفيه كلام. وزاد الدارمي: أن الراوي عن مجالد قال له: ما ينشد ذمتك؟ قال: يقول: لا آله إلا الله.
ومن ذلك ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن ابن شهاب مرسلاً، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا فقصها على أبي بكر فقال: «يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف» ، قال: خير يا رسول الله يبقيك الله حتى ترى ما يسرك ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مرات وأعاد عليه مثل ذلك. قال: فقال له في الثالثة: «يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف» ، قال: يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفًا.
ومن ذلك رؤياه أنه قد أعطي مفاتيح خزائن الأرض، وقد جاء ذلك في حديثين. أحدهما: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: «إني فرط لكم وإني شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها» رواه الإمام أحمد
والبخاري ومسلم وابن حبان.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب وأعطيت جوامع الكلام وبينا أنا نائم إذ جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": قال أهل التعبير: المفتاح مال وعز وسلطان فمن رأى أنه فتح بابًا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس، وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانًا عظيمًا. ونقل عن الخطابي أنه قال: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة. وقال غيره: بل يحمل على أعم من ذلك. قال الحافظ: ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل: المعادن. قلت: وهذا هو المطابق للواقع في زماننا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ في الكلام على قوله، وأنتم تنتثلونها من النثل بالنون والمثلثة أي تستخرجونها تقول: نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. انتهى.
وقد ظهر مصداق حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما في زماننا حيث ظهرت آبار البترول والماء البعيد في أعماق الأرض، وما ظهر أيضًا من معادن الذهب وغير ذلك من خزائن الأرض التي لم يتمكن الناس من الوصول إليها إلا في هذه الأزمان. وأما تأويل بعض العلماء مفاتيح خزائن الأرض بما فتح على أوائل هذه الأمة من خزائن الملوك وكنوزهم ففيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نص في حديثي عقبة وأبي هريرة رضي الله عنهما على خزائن الأرض لا على خزائن الملوك، وخزائن الأرض هي ما أودعه الله فيها من الماء والمعادن السائلة والجامدة، وأما خزائن الملوك فقد جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة باسم الكنوز وأضيفت إلى أهلها لا إلى الأرض كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا
هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله». وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما مثله. رواهما الإمام أحمد والبخاري ومسلم، وروى الإمام أحمد ومسلم أيضًا وأهل السنن عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» والمراد بهما كنز كسرى وقيصر. وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» رواه البخاري. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتفتحن عصابة من المسلمين أو من المؤمنين كنز آل كسرى الذي في الأبيض» رواه الإمام أحمد ومسلم، وبالجمع بين هذه الأحاديث وبين حديثي عقبة بن عامر وأبي هريرة رضي الله عنهما يتبين أن خزائن الأرض غير كنوز الملك، والله أعلم.
وقد حصل للعرب وغيرهم من الدول الذين ظهرت عندهم خزائن الأرض في زماننا من الثروة العظيمة ما لم يحصل مثله للذين فتحت عليهم خزائن الملوك وكنوزهم في أول الإسلام وبهذا ظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض» .
ومن الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّلها بعض الصحابة رضي الله عنهم ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط (1) برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر» ، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" وصححه الذهبي في "تلخيص المستدرك".
ومن الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يئولها وأوَّلها الصحابي بالخلافة
(1) قوله: نيط معناه علق، قاله الخطابي.
ما جاء في حديث الأسود بن هلال عن رجل عن قومه أنه كان يقول في خلافة عمر بن الخطاب: لا يموت عثمان بن عفان حتى يستخلف، قلنا: من أين تعلم ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت الليلة في المنام كأن ثلاثة من أصحابي وزنوا فَوُزِن أبو بكر فَوَزَن ثم وُزِن عمر فَوَزَن ثم وُزِنَ عثمان فنقص وهو صالح» رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
فصل
في ذكر ما رآه بعض الصحابة في المنام وأوَّلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك ما جاء في حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدت مع أبي إلى معاوية بن أبي سفيان فأدخلنا عليه فقال: يا أبا بكرة حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «أيكم رأى رؤيا؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله، رأيت كأن ميزانًا دلي من السماء فوزنت أنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«خلافة نبوة ثم يؤتي الله تبارك وتعالى الملك من يشاء» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وفيه علي بن زيد وهو ثقة سيئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح.
قال الخطابي: قوله: استاء لها أي كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه، انتهى. وفي بعض الروايات عند أحمد فساءه ذلك.
وقد رواه أبو داود السجستاني والترمذي والحاكم والبيهقي من طريق الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن بن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «من رأى منكم رؤيا» ؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضًا الحاكم والذهبي. وقال الحاكم في موضع آخر: صحيح على شرط
الشيخين وتعقبه الذهبي فقال أشعث هذا ثقة لكن ما احتجَّا به.
ومن ذلك ما جاء في حديث سعيد بن جُهْمان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: «أيكم رأى الليلة رؤيا؟» قال: فصلى ذات يوم فقال: «أيكم رأى رؤيا؟» فقال رجل: أنا رأيت يا رسول الله، كأنَّ ميزانًا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر في كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعتَ وترك أبو بكر مكانه فجيء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان، قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «خلافة النبوة ثلاثون عامًا ثم تكون ملكًا» . قال سعيد بن جُهْمان: فقال لي سفينة: أَمْسِك، سنتي أبي بكر، وعشر عمر، وثنتي عشرة عثمان، وست علي رضي الله عنهم، رواه البزار مختصرًا والحاكم وهذا لفظه وفيه مؤمل بن إسماعيل. قال الهيثمي: وثقه ابن معين وابن حبان وضعفه البخاري وغيره وبقية رجاله ثقات. قلت: وحديث أبي بكرة المذكور قبله يشهد له ويقويه.
ومن ذلك ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني رأيت كأن دلوًا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء. ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق أبي داود، ورواه ابن شيبة مختصرًا لم يذكر فيه غير أبي بكر وعمر، ورواه الإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب أن رجلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت كأن دلوًا دليت من السماء» فذكر الحديث في شرب أبي بكر وعمر، قال:«ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شيء» ولم يذكر عليًا.
كذا جاء في رواية أحمد أن الرؤيا كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود أن الرؤيا كانت لرجل من الصحابة. ومخرج الحديث
واحد لأن كلاً من المذكورين قد رواه من طريق حماد بن سلمة عن الأشعث ابن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، فأما أحمد فرواه عن عبد الصمد وعفان عن حماد بن سلمة، وأما ابن أبي شيبة فرواه عن عفان عن حماد بن سلمة، وأما أبو داود فرواه عن محمد بن المثنى عن عفان عن حماد بن سلمة؛ وعلى هذا فلا تخلو إحدى الروايتين من الغلط، ولعل ذلك في رواية أحمد وأنه قد وقع من بعض النساخ ويكون الصواب أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت، والله أعلم.
وليس في الحديث تأويل للرؤيا، وتأويلها ينطبق على الخلافة كما تقدم النص على ذلك في حديثي أبي بكرة وسفينة رضي الله عنهما. وقوله في أبي بكر رضي الله عنه أنه شرب شربًا ضعيفًا إنما هو إشارة إلى قصر مدة ولايته، قاله الخطابي. قال: وذلك لأنه لم يعش أيام الخلافة أكثر من سنتين وشيء وبقي عمر عشر سنين وشيئًا فذلك معنى تضلعه. انتهى.
وأما قوله: فانتشطت منه، فمعناه نزعت وجذبت. قال الجوهري: نشطت الدلو من البئر نزعتها بغير بكرة. وقال ابن منظور في "لسان العرب": نشط الدلو عن البئر نزعها وجذبها من البئر صُعُدًا بغير قامة وهي البكرة فإذا كان بقامة فهو المتح. انتهى.
ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا أم العلاء الأنصارية عينًا تجري لعثمان بن مظعون، وقد جاء ذلك فيما رواه الإمام أحمد والبخاري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء – وهي امرأة من نسائهم بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين فاشتكى فمرضناه حتى توفي ثم جعلناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال:«وما يدريك؟» قلت: لا أدري والله، قال:«أما هو فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله والله ما أدري – وأنا رسول الله – ما يفعل بي ولا بكم» ، قالت أم العلاء: فوالله لا أزكي أحدًا بعده، قالت: ورأيت لعثمان في النوم عينًا تجري فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فذكرت ذلك له فقال: «ذاك عمله يجري له» .
قولها: طار لنا عثمان، قال ابن حجر: يعني وقع في سهمنا.
ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا عبد الله بن سلام رضي الله عنه في الأخذ بالعروة والاستمساك بها وقد روي ذلك عنه من طريقين.
أحدهما: عن قيس بن عُبَاد قال: كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع فقال بعض القوم: هذا رجل من أهل الجنة، هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين يتجوز فيهما ثم خرج فاتبعته فدخل منزله ودخلت فتحدثنا فلما استأنس قلت له: إنك لما دخلت قَبْلُ قال رجل كذا وكذا، قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم وسأحدثك لِمَ ذاك رأيت رؤيا على عهد رسول صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، رأيتنى في روضة – ذكر سعتها وعشبها وخضرتها – ووسط الروضة عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه، فقلت له: لا أستطيع فجاءني مِنْصف – قال ابن عون والمنصف الخادم – فقال: بثيابي من خلفي – وَصَفَ أنه رفعه من خلفه بيده – فرقيت حتى كنت في أعلى العمود فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فلقد استيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت» ، قال: والرجل عبد الله بن سلام، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
وفي رواية للبخاري ومسلم عن قيس بن عُباد قال: كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر فمرّ عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقمت فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأن عمودًا وضع في روضة خضراء فنصب فيها وفي رأسها عروة وفي أسفلها منصف – والمنصف الوصيف – فقيل لي: ارقه، فرقيت حتى أخذت بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى» .
الطريق الثاني: عن خَرَشَة بن الحرّ قال: قدمت المدينة فجلست إلى شِيْخة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فقال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقام خلف سارية فصلى ركعتين فقمت إليه فقلت له: قال بعض القوم كذا وكذا فقال: الحمد لله الجنة لله عز وجل يدخلها من يشاء وإني رأيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأيت كأن رجلاً أتاني فقال: انطلق، فذهبت معه فسلك بي منهجًا عظيمًا فعرضت لي طريق عن يساري فأردت أن أسلكها فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا على ذروته فلم أتقارَّ ولم أتماسك فإذا عمود من حديد في ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال: استمسك، فقلت: نعم فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «رأيت خيرًا أما المنهج العظيم فالمحشر وأما الطريق التي عرضت عني يسارك فطريق أهل النار ولست من أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة التي استمسكت بها فعروة الإسلام فاستمسك بها حتى تموت» . قال: فأنا أرجو أن أكون من أهل الجنة. قال: وإذا هو عبد الله بن سلام، رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه.
وقد رواه مسلم بأطول من هذا ولفظه عن خَرَشَة بن الحرّ قال: كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام قال: فجعل يحدثهم حديثًا حسنًا، قال: فلما قام قال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال: فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، قال: فتبعته فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه فأذن لي فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فأعجبني أن أكون معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة وسأحدثك ممّ قالوا، ذاك إني بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجوادّ عن شمالي
قال: فأخذت لآخذ فيها فقال لي: لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذ ههنا فأتى بي جبلاً فقال لي: اصعد قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على إستي قال: حتى فعلت ذلك مرارًا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودًا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة فقال لي: اصعد فوق هذا، قال: قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء، قال: فأخذ بيدي فزجل بي، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه فقال: «أما الطرق التي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال، قال: وأما الطرق التي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام ولن تزال متمسكًا بها حتى تموت»
قوله: فإذا جوادّ منهج. قال النووي: الجوادّ جمع جادّة وهي الطريق البينة المسلوكة والمشهور فيها جوادّ بتشديد الدال. والنهج الطريق المستقيم، وطريق منهج، بيّن واضح. وقوله: زجل بي أي رمى بي. انتهى.
ومن المنامات التي أَوَّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه يلعق سمنًا وعسلاً. وقد روى ذلك الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت فيما يرى النائم لكأن في إحدى إصبعي سمنًا وفي الأخرى عسلاً فأنا ألعقهما فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تقرأ الكتابين التوراة والفرقان» فكان يقرأهما، فيه ابن لهيعة وقد حّسَّن ابن عدي وابن كثير والهيثمي حديثه وضعفه بعض الأئمة وبقية رجاله ثقات.
ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء بأشطان شداد فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ذلك وفاة ابن أخيك» رواه البزار والطبراني. قال الهيثمي: ورجالهما ثقات. وقد رواه
الدارمي بإسناد رجاله رجال الصحيح ولفظه قال: رأيت في المنام كأن شمسًا أو قمرًا في الأرض ترفع إلى السماء بأشطان شداد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ذاك ابن أخيك» يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه.
ومن المنامات التي أَوَّلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وعنها أن في بيتها عضوًا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك من ثلاثة طرق عنها رضي الله عنها. أحدها: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني رأيت في منامي في بيتي أو حجرتي عضوًا من أعضائك، قال:«تلد فاطمة إن شاء الله غلامًا فتكفلينه» ، فولدت فاطمة حسنًا فدفعته إليها فأرضعته بلبن قُثَم، الحديث وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد جاء في آخره:«إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام» .
الطريق الثاني: عن قابوس بن المخارق عن أم الفضل رضي الله عنها قالت: رأيت كأن بي بيتي عضوًا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فجزعت من ذلك فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: «خيرًا تلد فاطمة غلامًا فتكفلينه بلبن ابنك قُثَم» ، قالت: فولدت حسنًا فأعطيته فأرضعته حتى تحرك أو فطمته، الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والطبراني في "الكبير" ورجاله كلهم ثقات. وقد جاء في آخره عند أحمد والطبراني:«إنما يغسل بول الجارية وينصح بول الغلام» وقد قيل: إنه فيه انقطاعًا بين قابوس بن المخارق وبين أم الفضل؛ والصحيح أنه لا انقطاع فيه فقد ذكر المزي في "تهذيب الكمال" أن قابوس بن المخارق روى عن أم الفضل وذكر ذلك غيره أيضًا. وقد روى أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" طرفًا من آخر هذا الحديث في حكم بول الجارية وبول الغلام وأنه يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام، وقد رووه كلهم من طريق قابوس بن المخارق عن لبابة بنت الحارث – وهي أم الفضل – وصححه الحاكم والذهبي. ولو كان فيه انقطاع لبينوه، وقد رواه الطبراني في "الكبير" أيضًا
من طريق قابوس بن المخارق عن أبيه عن أم الفضل رضي الله عنها، وهذا من المزيد في متصل الأسانيد.
الطريق الثالث: عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلمًا منكرًا الليلة، قال:«وما هو؟» قالت: إنه شديد، قال:«وما هو؟» قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رأيت خيرًا تلد فاطمة إن شاء الله غلامًا فيكون في حجرك» فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني في "الكبير" والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي فقال: بل منقطع فإن شدادًا لم يدرك أم الفضل ومحمد بن مصعب ضعيف، قلت: يشهد له ما تقدم قبله من حديث عبد الله بن الحارث وقابوس بن المخارق.
ومن الرؤيا التي أَوَّلّها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثًا فوقعت على وفق تأويله ثم أوّلتها عائشة رضي الله عنها بخلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يئولها عليه فوقعت على وفق تأويل عائشة رضي الله عنها. وقد جاء ذلك فيما رواه سليمان بن يسار عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها وقلما يغيب إلا تركها حاملاً فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجي خرج تاجرًا فتركني حاملاً فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلامًا أعور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خَيْرٌ يرجع زوجك عليك إن شاء الله تعالى صالحًا وتلدين غلامًا برًا» فكانت تراها مرتين أو ثلاثًا. كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ذلك لها فيرجع زوجها وتلد غلامًا فجاءت يومًا كما كانت تأتيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب وقد رأت تلك الرؤيا فقلت لها: عَمَّ تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمة الله؟ فقالت: رؤيا كنت أراها فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها فيقول خيرًا فيكون كما قال فقلت: فأخبريني ما هي؟ قالت: حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرضها عليه كما كنت أعرض فوالله ما تركتها حتى أخربتني فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتنَّ زوجك ولتدلن غلامًا فاجرًا، فقعدت