الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبكي وقالت: ما لي حين عرضت عليك رؤياي فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال لها: «ما لها يا عائشة؟» فأخبرته وما تأوّلت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَهْ يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها» فمات والله زوجها ولا أراها إلا ولدت ولدًا فاجرًا، رواه الدارمي وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح. وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في "فتح الباري" في الكلام على «باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب» وقال: سنده حسن، وذكر أيضًا نحوه من مرسل عطاء بن أبي رباح عند سعيد بن منصور.
فصل
في
ذكر ما أَوَّلَه أبو بكر الصديق رضي الله عنه
من أنواع الرؤيا
فمن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعنّي فلأعبرنّها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اعبرها» ، قال أبو بكر: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به. فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» ، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ قال: «لا تقسم» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة والدارمي وغيرهم. وقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال النووي في "شرح مسلم": هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها مخالفة من شيوعها، أو أن المفسدة لو أنكر عليه مبادرته ووبخه بين الناس، أو أنه أخطأ في ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان في بيانه صلى الله عليه وسلم أعيانهم مفسدة والله أعلم، قال: وفيه أنه لا يستحب إبرار المقسم إذا كان فيه مفسدة أو مشقة ظاهرة. انتهى.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن مسروق قال: مرّ صهيب بأبي بكر فأعرض عنه، فقال: ما لك أعرضت عني أبلغك شيء تكرهه، قال: لا والله إلا لرؤيا رأيتها كرهتها، قال: وما رأيت؟ قال: رأيت يدك مغلولة إلى عنقك على باب رجل من الأنصار يقال له أبو الحشر، فقال أبو بكر رضي الله عنه: نِعمَ ما رأيت جمع لي ديني إلى يوم الحشر.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي قلابة أن عائشة رضي الله عنها قالت لأبيها: إني رأيت في النوم كأن قمرًا وقع في حجرتي حتى ذكرت ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، رجاله رجال الصحيح إلا أنّه مرسل لأن أبا قلابة لم يرو عن عائشة مباشرة.
وروى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حَجْري "حجرتي" فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك وهو خيرها، وهذا فيه انقطاع لأن يحيى بن سعيد لم يدرك عائشة رضي الله عنها، وقد رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن
عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت في المنام كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقصصت رؤياي على أبي بكر رضي الله عنه فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي قال أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي على تصحيحه.
ورواه الطبراني في "الكبير" والحاكم والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فسألت أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا عائشة إن تصدق رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن قال لي أبو بكر: يا عائشة هذا خير أقمارك وهو أحدها. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ورواه الطبراني أيضًا بإسناد صحيح عن أيوب عن نافع أو محمد بن سيرين عن عائشة رضي الله عنها فذكره بنحو رواية سعيد بن المسيب عن عائشة وزاد في آخره: ودفن في بيتها أبو بكر وعمر. قال الهيثمي: رجال الكبير رجال الصحيح.
وروى الحاكم تأويل هذه الرؤيا مرفوعًا من طريق موسى بن عبد الله السلمي حدثنا عمر بن حماد بن سعيد الأبح عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا قال: «هل رأى منكم رؤيا اليوم؟» فقالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض» فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها. قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": عمر بن حماد بن سعيد الأبح أحد الضعفاء تفرد به عنه موسى بن عبد الله السلمي لا أدري من هو. انتهى. وقد رواه الطبراني في "الكبير" بالإسناد المذكور في رواية الحاكم عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال؛ فذكره بمعنى ما تقدم في رواية الحاكم عن أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي: فيه عمر بن سعيد الأبح وهو ضعيف.
ومن المنامات التي أَوَّلَها أبو بكر رضي الله عنها ما جاء في رواية مجالد عن الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها لأبي بكر رضي الله عنه: إني رأيت في المنام بقرًا ينحرن حولي، قال: إن صدقت رؤياك قتلت حولك فئة. رواه ابن أبي شيبة وفيه مجالد وهو ضعيف.
وروى ابن أبي شيبة أيضًا بإسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت: رأيتني على تل كأن حولي بقرًا ينحرن فقال مسروق: إن استطعت أن لا تكوني أنت هي فافعلي، قال: فابتليت بذلك رحمها الله. ورواه الحاكم في "المستدرك" عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: إني رأيتني على تلّ وحولي بقر تنحر فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة، قالت: أعوذ بالله من شرك بئس ما قلت، فقلت لها، فلعله إن كان أمرًا سيسوؤك، فقالت: والله لئن أخر من السماء أحب إليّ من أن أفعل ذلك. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تليخصه.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن معتمر عن أيوب عن أبي قلابة أن رجلاً أتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: إني رأيت في النوم كأني أبول دمًا، قال: أراك تأتي امرأتك وهي حائض، قال: نعم، قال: فاتق الله. وهذا مرسل صحيح الإسناد.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن مجالد عن الشعبي قال: أتى رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال: إني رأيت في المنام كأني أجري ثعلبًا، قال: أنت رجل كذوب فاتق الله ولا تعد. وهذا مرسل ضعيف الإسناد.
ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: رأى عبد الله بن بديل رؤيا فقصّها على أبي بكر رضي الله عنه فقال: إن صدقت رؤياك فإنك ستقتل في أمر ذي لبس فقتل يوم صفين، وهذا مرسل صحيح الإسناد.
ومن ذلك ما ذكره الواقدي في قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه
أنه قال: أرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة فخرجت في بلاد خضراء واسعة فقلت: إن هذه لرؤيا فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فقال: مخرجك الذي هداك الله للإسلام والضيق الذي كنت فيه من الشرك.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن علي بن زيد وأبي عمران الجوني أن سمرة بن جندب قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيت في المنام كأني أفتل شريطًا وأضعه إلى جنبي ونفر يأكله، قال: تزوج امرأة ذات ولد يأكل كسبك. قال: ورأيت ثورًا خرج من جحر فلم يستطع يعود فيه، قال: هذه العظيمة تخرج من في الرجل فلا يستطيع أن يردها.
فصل
في ذكر ما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وأَوَّلَه وما أَوَّلَه له غيره، وما أَوَّلَه لغيره
فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام على المنبر يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر رضي الله عنه ثم قال: رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي رأيت كأن ديكًا نقرني نقرتين. زاد في إحدى الروايات قال: وذكر لي أنه ديك أحمر فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: يقتلك رجل من العجم، وقد رواه ابن أبي شيبة وابن سعد بدون الزيادة التي في إحدى روايات أحمد. ورواه الحاكم ولفظه قال: إني رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات، فقلت: أعجمي.
وروى الإمام أحمد أيضًا بإسناد صحيح عن جويرية بن قدامة قال: حججت فأتيت المدينة العام الذي أصيب فيه عمر رضي الله عنه قال: فخطب فقال: إني رأيت كأن ديكًا أحمر نقرني نقرة أو نقرتين فكان من أمره أنه طعن، وقد رواه ابن أبي شيبة وابن سعد بنحوه وليس في روايتهما وصف
الديك بأنه أحمر، وزاد ابن سعد: فما عاش إلا تلك الجمعة حتى طعن.
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن الحارث الخزاعي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته: إني رأيت البارحة ديكًا نقرني ورأيته يجليه الناس عني، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قتله عبد المغيرة أبو لؤلؤة.
وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خطب عمر الناس فقال: إني رأيت في منامي ديكًا أحمر نقرني على معقد إزاري ثلاث نقرات فاستعبرتها أسماء بنت عميس فقالت: إن صدقت رؤياك قتلك رجل من العجم.
وروى ابن سعد عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس إني رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي، رأيت أن ديكًا أحمر نقرني نقرتين فحدثتها أسماء بنت عميس، فحدثتني أنه يقتلني رجل من الأعاجم.
وروى ابن سعد أيضًا عن أيوب عن محمد قال: قال عمر: رأيت كأن ديكًا نقرني نقرتين، فقلت: يسوق الله إليّ الشهادة ويقتلني أعجم أو عجمي.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن ثابت عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري أو أنسًا قال: رأيت في المنام كأني أخذت جوادًا كثيرة فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الجبل وأبو بكر إلى جنبه وجعل يومي بيده إلى عمر فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله عمر، فقلت: ألا تكتب به إلى عمر، فقال: ما كنت أكتب أنعي إلى عمر نفسه، ورواه ابن سعد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جوادًا كثيرة فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة فسلكتها، ثم ذكر بقيته بنحو ما تقدم.
ومن ذلك ما رواه ابن سعد في "الطبقات" عن أبي بردة عن أبيه
رضي الله عنه قال: رأى عوف بن مالك أن الناس قد جمعوا في صعيد واحد فإذا رجل قد علا الناس بثلاثة أذرع، قلت: من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب، قلت: بِمَ يعلوهم؟ قال: إن فيه ثلاث خصال، لا يخاف في الله لومة لائم، وإنه شهيد مستشهد وخليفة مستخلف، فأتى عوف أبا بكر فحدثه فبعث إلى عمر فبشره فقال أبو بكر: قصّ رؤياك، قال: فلما قال: خليفة مستخلف انتهره عمر فأسكته، فلما ولي عمر انطلق إلى الشام فبينما هو يخطب إذ رأى عوف بن مالك فدعاه فصعد معه المنبر فقال: اقصص رؤياك فقصّها، فقال: أما أن لا أخاف في الله لومة لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم، وأما خليفة مستخلف فقد استخلفت فأسأل الله أن يعينني على ما ولاني، وأما شهيد مستشهد فأنى لي الشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو الناس حولي، ثم قال: ويلي ويلي (1) يأتي بها الله إن شاء الله، وقد رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" بنحوه.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: حدثني غير واحد أن قاضيًا من قضاة أهل الشام أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني، قال: ما هي؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين، قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس، قال عمر:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] قال: فانطلق فوالله لا تعمل لي عملاً أبدًا. وقد ذكر هذه القصة ابن عبد البر في كتابه "بهجة المجالس" وقال في آخرها: فعزله وقتل مع معاوية بصفين.
ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني رأيت كأن الأرض أعشبت ثم أجدبت ثم أعشبت ثم أجدبت. فقال عمر رضي الله عنه: أنت رجل تؤمن ثم تكفر ثم تؤمن ثم
(1) قوله: ويلي ويلي، كذا هو في الطبقات وصوابه بلى، كما قد جاء ذلك في الاستيعاب.