المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ال‌ ‌مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم - كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث

[محمد أجمل الإصلاحي]

الفصل: ال‌ ‌مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم

ال‌

‌مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تمسك بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن أشرف العلوم ما وُضِعَ لخدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنى علماء الإسلام بهذين الأصلين اعتناءً عظيماً لا نظير له في تاريخ الأمم. ومن أوائل فنون العلم التي نشأت لخدمة القرآن الكريم ما سمي بفن غريب القرآن. ورديفه من أنواع علم الحديث دُعي بفن غريب الحديث. والمقصود بالغريب هنا ما وقع في متن الحديث من لفظ أو أسلوب خفي معناه وأشكل لسبب من الأسباب، "وهو فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم أهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي" كما قال ابن الصلاح (643هـ) ، ونُقل أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سئل عن حرف من غريب الحديث، فقال:"سَلُوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن، فأخطئ"(1) .

وكان نشوء هذا الفن في القرن الثاني الهجري على أيدي علماء اللغة، ثم اضطلع به العلماء الذين كانوا بجانب تمكنهم من اللغة مشاركين في علم الحديث والفقه، فأبدعوا في التأليف فيه، وكان أولَهم أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (224هـ) . ثم تتابعت المصنفات في هذا الفن، حتى أربى عددها -فيما بلغه علمنا- على مائة مصنف.

(1) علوم الحديث: 272.

ص: 1

وقد وصل إلينا معظم أمهات هذا الفن -على نقص في بعضها- وطبع، وهناك كتب لا تزال مخطوطة، ومنها كتاب ((جمل الغرائب)) لبيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري.

ليس كتاب النيسابوري هذا من أصول هذا الفن، ولكن له مزية على نظائره من كتب المتأخرين. وهو أن مؤلفه استقى مادته من أصول كثيرة نص عليها في مقدمته. ومنها كتب الأوائل التي ضاعت فيما ضاع من تراث الإسلام، نحو كتب النضر بن شميل (203هـ) وقطرب (206هـ) وأبي عبيدة (210هـ) والأصمعي (216هـ) وأبي سعيد الضرير. ومن موارده كتاب لم أر مَنْ ذكره أو اقتبس منه ولا وقفت على ترجمة مؤلفه، وهو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي (1) . وقد وضع النيسابوري رموزاً لموارده ليثبتها قبل نقل الحديث وتفسيره منها. فهذا يعين على معرفة المادة التي احتوت عليها تلك الكتب الضائعة.

ثم رتب النيسابوري كتابه على الموضوعات مثل الجوامع والمسانيد من كتب الحديث. وهو منهج لم يسبقه فيه إلا أبو عدنان السلمي من أصحاب أبي زيد الأنصاري (215هـ) إذ رتب كتابه على أبواب السنن.

ولهاتين المزيتين -ولا سيما الأولى- رأيت أن أعرِّف بالكتاب المذكور في هذا البحث الذي أقدمه في المحور الثاني (الموضوع الحادي عشر) من محاور الندوة التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عن السنة والسيرة النبوية.

(1) ومن كتابنا هذا نقل حاجي خليفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه في كشف الظنون: 131.

ص: 2

وقد انتظم هذا البحث تمهيداً وفصلين: فالتمهيد يشتمل على ذرو من القول في نشأة فن غريب الحديث، ومصنفاته المشهورة ومناهجها، مع الإلماع إلى أهم ما طبع منها وما لا يزال مخطوطاً. والفصل الأول في سيرة بيان الحق النيسابوري ومؤلفاته. وقد ترجم له ياقوت ترجمة مقتضبة، وعليها اعتمد السيوطي وغيره، فأثبتها أولاً، ثم أضفت إليها بعض المعلومات المستخرجة من كتب النيسابوري وغيرها. وتحدثت في الفصل الثاني عن الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وموارده، وترتيبه، ومنهجه في التلخيص والتفسير، وبعض المآخذ عليه.

وليس هذا البحث دراسة لكتاب جمل الغرائب، وإنما قصد به التعريف والتنويه. وليس بين يديّ عند إعداده إلا قسم من نص الكتاب مطبوعاً على الحاسوب، بعث به إلي من لندن الدكتور محمد راشد أيوب الإصلاحي الذي يحققه مستنداً إلى ثلاث نسخ، فجزاه الله أحسن الجزاء.

وإني لشاكر لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، على أن شَرَّفني بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة التي تقام في مدينة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويتحدث فيها المتحدثون عن سنته السنية وسيرته العطرة، فما أشرف المقام، وما أجل الموضوع، وما أطيب الحديث، وما أسعد المتحدثين!

أسأل الله عز وجل أن يتقبل أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يحيينا ويميتنا على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 3