المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ غاية التأليف - كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث

[محمد أجمل الإصلاحي]

الفصل: ‌ غاية التأليف

‌الفصل الثاني: كتاب جمل الغرائب

‌مدخل

الفصل الثاني: كتاب جمل الغرائب

كان بيان الحق النيسابوري عالماً متفنناً، كما وصفه ياقوت، ويشهد بذلك تنوع مؤلفاته. فقد ألف في التفسير عدة كتب، وكذلك في الفقه وأصوله، وفي الرد على الباطنية، وفي الأدب والبلاغة. وجمع في كتابه خلق الإنسان بين علم اللغة وعلم الأخلاق.

أما هذا الكتاب "جمل الغرائب" فوضعه في تفسير غريب الحديث. وقد ذكره ياقوت (626هـ) في ترجمته، كما ذكره الصغاني (650هـ) من موارده في كتابيه التكملة (1) والعباب الزاخر (2) .

وقد عرفنا في التمهيد أن عدداً كبيراً من العلماء سبقوا بيان الحق إلى التأليف في فن غريب الحديث، ومنهم أصحاب الكتب الأمهات: أبو عبيد، وابن قتيبة، والخطابي، ثم إبراهيم الحربي، وأبو عبيد صاحب الغريبين. فما الغاية التي قصد إليها بيان الحق بتأليف الكتاب؟ وهل سلك في ترتيبه أو تفسير الغريب فيه مسلكاً جديداً يستحق منا العناية بكتابه؟

(1) التكملة والذيل والصلة 1: 7 (المقدمة) .

(2)

بحوث وتحقيقات للميمني 2: 388.

ص: 26

(1)

‌ غاية التأليف

أشار بيان الحق في مقدمة جمل الغرائب إلى مذهبه في تأليف كتبه وغايته منها بصورة عامة، فقال بعد خطبة الكتاب:

"

فإن لكل علم رجالاً، بأيديهم ترتفع أعلامه، وعلى ألسنتهم تتفتق أكمامه. ولكل عالم في علمه طريقاً قد استولى على مناره وتجديد آثاره.

ص: 26

ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري في ذلك من بين من هو وقفٌ على تحصيله، وحبيس في سبيله، عاكف الفكر من لدن شب إلى أن شاب على إرهاف قدوده وإخطاف خصوره، دائم الجد في تمييز لبابه من قشوره. وقد وفقه الله تبارك وتعالى منه في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب "إيجاز البيان في معاني القرآن" أوجز كتاب لفظاً، وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض. وكذلك أرشده سبحانه وتعالى في متفق الفقه من كتاب "التذكرة والتبصرة" إلى ألف نكتة حررها وأوجزها

كما هداه جل وعز بفضله في مختلف الفقه من كتاب "ملتقى الطرق" إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها

ولعل الكتابين غير زائدين على مائة ورقة بين بين. وهلم جرا في سائر الفنون إلى كل مجموع وجيز غاية الإيجاز، بمثله يعرف عمل العقل في صناعته التي هي الاختصار، وحرفته التي هي الاختيار. ولعل في تسهيل طريق المنبعثين إلى تحصيل ذلك من ثواب الله عز وجل ما يهب لفاعله حياة يحبر فيها، ويجعلها فيما يحب ويرضى وأن يرزقه مماتاً على صدق طاعته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

".

فأوضح بيان الحق أنه –بالإضافة إلى كتبه الكبيرة- ألف في كل فن كتباً بناها على الاختيار والاختصار. وجمع في كل كتاب رؤوس مسائله وعيون أقوال العلماء فيها بعد تحريرها وتلخيصها في عبارة موجزة غاية الإيجاز، ليكون مع غزارة فوائده خفيف المحمل قريب المأخذ، فجمع في كتاب إيجاز البيان أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض، وجمع في كتاب التذكرة والتبصرة ألف نكتة في متفق الفقه يطرد أكثر مسائل الفقه

ص: 27

عليها، ثم ألف في مختلف الفقه كتاباً آخر، وكلاهما لا يزيد على مائة ورقة.

وقصده بذلك نفع طلبة العلم بتقريب أصوله إليهم، وتسهيل طريق التحصيل عليهم، راجياً بذلك ثواب الله عز وجل.

وأراد بيان الحق أن يؤلف كتاباً في علم الحديث أيضاً ولكن لم يكن -مع ثنائه على المحدثين في كتابه خلق الإنسان (1) ، وكثرة استشهاده بالأحاديث في كتابيه إيجاز البيان، وباهر البرهان- من أصحاب الحديث المختصين بصناعته، وإنما اشتهر بعلوم التفسير والفقه والأدب واللغة، فرأى أن أقرب فنون الحديث إلى اهتماماته فن غريب الحديث، فجمع فيه كتاب جمل الغرائب، وذهب فيه مذهبه في مؤلفاته الأخرى التي ذكرت من قبل من الاختيار والاختصار. فقال في مقدمة الكتاب:

"وإذ كان علم الحديث بعد علم التفسير من بين العلوم أوضح مناراً وأزخر بحاراً، وأطيب منالاً وأرحب مجالاً، وأعم فقها وحكمة، وأتم خيراً وبركة، وأدنى من السداد، وأهدى إلى الرشاد، وكان تباعد أطرافه ربما يقعد بوارده في حلباته، وتفاوت ما بين أشواطه يبعد بفرسانه عن غاياته، سألت الله عز وجل التوفيق في جمع شتاته وشرح مشكلاته".

ويدخل في "المشكلات" مع الألفاظ والتراكيب الغريبة بعض ما يسمى "مشكل الحديث" أو "مختلف الحديث". وقد صنف العلماء في هذا الفن كتباً مستقلة، إلا أن كتب غريب الحديث أيضاً كانت تشتمل من القديم على تفسير بعض الأحاديث المشكلة.

(1) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 209.

ص: 28