المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مصادر الكتاب - كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث

[محمد أجمل الإصلاحي]

الفصل: ‌ مصادر الكتاب

وقد حدد بيان الحق في كلامه هذا الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وهو:"جمع شتات علم الحديث وشرح مشكلاته" ولتحقيق هذين الأمرين عمد أولاً إلى مصادر أصيلة في فن غريب الحديث وبعض شروحه وانتقى منها الأحاديث المشكلة في ألفاظها أو معانيها، واختصر ما جاء فيها من شرحها وبيانها، ثم رتب الأحاديث على نحو جديد يباين معظم المناهج التي اتبعها أصحاب الغريب. فما المصارد التي اعتمد عليها بيان الحق؟

ص: 29

(2)

‌ مصادر الكتاب

من مزايا هذا الكتاب أن بيان الحق نص في مقدمته على المصادر التي استقى منها الأحاديث وتفسيرها. فقال: "

فعرجت على غرائبه المجموعة من جهة الأصمعي، وأبي عبيدة وأبي عبيد، وأبي سعيد الضرير، وابن قتيبة، ومحمد بن المستنير، والنضر بن شميل، وشمر بن حمدويه، وإبراهيم الحربي، وابن الأنباري، وأبي سليمان الخطابي، وأبي عبيد الهروي، وأبي بكر الحنبلي فيما وجدت من كتابه "الأغفال" رحمة الله عليهم أجمعين

".

هذا النص قد رفع من شأن كتاب جمل الغرائب، فإنه فاق من هذه الجهة كتاب الفائق للزمخشري (538هـ) الذي لم يصرح في مقدمته بالمصادر التي اعتمد عليها. ثم قد بلغ بيان الحق بهذه الخصلة غايتها حينما جعل لهذه الكتب رموزاً أثبتها في بداية الأحاديث التي نقلها منها، نحو "ع" لكتاب أبي عبيد، و"ق" لكتاب ابن قتيبة، و"س" لأبي سليمان الخطابي، و"ص" للأصمعي، و"بين" لكتاب الغريبين.

وهو نص تاريخي نادر يعرف قدره المهتمون بتاريخ حياة الكتب في الحضارة الإسلامية، فإنه يفيدنا بأن كتب النضر بن شميل وقطرب وأبي عبيدة

ص: 29

والأصمعي وأبي سعيد الضرير وابن الأنباري وشمر بن حمدويه كانت متداولة في القرن السادس الهجري. والجدير بالذكر أن الحسن بن محمد الصغاني الذي توفي سنة 650هـ قبل سقوط بغداد في أيدي التتر، ألف كتابه العباب الزاخر في آخر حياته وذكر أن مصادره فيه تربي على ألف مصدر، وأول ما سماه منها كتب غرائب الحديث، وهي تسعة كتب ليس فيها من الكتب المذكورة إلا كتاب أبي عبيدة. وقد يقال إن الصغاني لم يستقص في ذكر غرائب الحديث، وإنما ذكر ما ذكر على وجه التمثيل. ولكن ألم يكن ذكر تلك الكتب الأصول – لو كانت بين يديه- أولى من ذكر مجموع الغرائب للسمعاني وكتابنا جمل الغرائب هذا؟

والمصادر التي سماها المؤلف في النص المنقول آنفاً يبدو من أول وهلة أن عددها 13 مصدراً، ولكنها في الواقع 15 كتاباً، لم يصل إلينا منها ثمانية كتب، ووُجدت من التاسع المجلدة الخامسة فحسب.

ومن هذه المصادر أربعة كتب لعلماء اللغة الأوائل: وهم النضر بن شميل (203هـ) وقطرب (206هـ) وأبو عبيدة (210هـ) والأصمعي (217هـ) وقد سبق خلافهم في أول من ألف في غريب الحديث أنه أبو عبيدة أو النضر بن شميل. وأيا كان الصواب فإن كتابيهما جميعاً كانا من موارد بيان الحق.

وذكر ابن الصلاح (643هـ) أن كتابيهما صغيران (1) ، وقال ابن الأثير (606هـ) إن كتاب النضر أكبر من كتاب أبي عبيدة وشرح فيه وبسط

(1) علوم الحديث: 272.

ص: 30

على صغر حجمه ولطفه (1) . أما كتاب الأصمعي فقال فيه الخطابي (388هـ) : "وكتاب ينسب إلى الأصمعي يقع في أوراق معدودة"(2) . وينبئ كلامه بأنه اطلع على الكتاب المذكور، ولكن ذكر النديم أنه رأى نسخة منه بخط السكري في نحو مائتي ورقة (3) . أما كتاب قطرب فلم أر من ذكر حجمه، ثم يفهم من كلام ابن درستويه أن أبا عبيد جمع في كتابه عامة ما في كتب أبي عبيدة وغيره، وذكر منهم قطرباً أيضاً، ولكن لم أجد في كتاب أبي عبيد أي نقل عن قطرب.

ويلحق بالكتب المذكورة كتاب شمر بن حمدويه الهروي (255هـ) ، وكتاب ابن الأنباري (304هـ)، أما كتاب شمر فقال ياقوت إنه "كبير جداً" (4) وقال السخاوي:"وكتابه يقال إنه قدر كتاب أبي عبيد مراراً"(5) . ولما ذكر الخطابي في مقدمة غريبه كتب أبي عبيدة والأصمعي وقطرب والنضر والحربي وغيرهم وانتقدها بقوله: "وفي بعض هذه الكتب خلل من جهة التفسير، وفي بعضها أحاديث نكرة لا تدخل في شرط ما أنشئت له هذه الكتب"، قال في كتاب شمر:"وكتاب شمر أشفاها وأوفاها"(6) .

أما كتاب ابن الأنباري فأثنى عليه الخطابي وقال: "ولابن الأنباري من وراء هذا مذهب حسن في تخريج الحديث وتفسيره. وقد تكلم على أحاديث

(1) النهاية 1: 5.

(2)

غريب الحديث 1: 49.

(3)

الفهرست: 61.

(4)

معجم الأدباء 3: 1421.

(5)

فتح المغيث 4: 26.

(6)

غريب الحديث 1: 50.

ص: 31

معدودة وقع إلي بعضها، وعامتها مفسرة قبله إلا أنه قد زاد عليها وأفاد، وله استدراكات على ابن قتيبة في مواضع من الحديث" (1) . وقول الخطابي "أحاديث معدودة" يدل على أنه لم يقف على كتابه الكبير في غريب الحديث الذي يقال إنه اشتمل على خمسة وأربعين ألف ورقة (2) .

ومن مصادر جمل الغرائب: غريب الحديث لإبراهيم الحربي (285هـ) وقد سبق قول ابن الأثير فيه أنه "بسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد، جم المنافع" ولم يصلنا منه إلا المجلدة الخامسة، وهي مطبوعة.

ومن مصادر جمل الغرائب الكتب الثلاثة الأمهات: كتب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي. أما أبو سعيد أحمد بن خالد الضرير، فليس له كتاب مستقل في غريب الحديث، وإنما ألف كتاباً في الرد على أبي عبيد، قال أبو علي الحسين بن أحمد السلامي البيهقي (300هـ) في كتابه نتف الطرف:"خرَّج أبو سعيد على أبي عبيد من غريب الحديث جملة مما غلط فيه، وأورد في تفسيره فوائد كثيرة"(3) . وكان أبو سعيد من شيوخ ابن قتيبة، وقد استقدمه عبد الله بن طاهر (230هـ) من بغداد إلى نيسابور.

ومن مصادره كذلك: كتاب الغريبين للهروي (401هـ) وهو مشهور مطبوع.

والكتاب الأخير الذي ذكره بيان الحق هو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي. ولفظه: "فيما وجدت من كتابه الأغفال" يشير إلى أنه لم يقف على

(1) المرجع السابق 1: 51.

(2)

وفيات الأعيان 4: 342.

(3)

معجم الأدباء 1: 254.

ص: 32

الكتاب كاملاً. ولم أجد ذكراً لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المراجع التي بين يدي إلا كشف الظنون، ومصدره أيضاً -فيما أرى- كتاب جمل الغرائب هذا. ثم لا تجد في كشف الظنون إلا عنوان الكتاب واسم مؤلفه، أما النصوص التي نقلها بيان الحق منه فيظل كتاب جمل الغرائب هو المصدر الوحيد لها إلى أن يعثر على الكتاب.

وأظن ظناً أن مؤلف كتاب الأغفال أبو بكر بن عبد الله بن إبراهيم الحنبلي الذي ذكر أبو سعد السمعاني (562هـ) في كتاب مرو أنه رثى الخطابي (388هـ) في بست بشعره (1) . فإن صدق ظني، فإنه من رجال القرن الرابع، ولعله توفي في القرن الخامس الهجري. والظاهر أنه قصد في كتابه الأغفال إلى الاستدراك على كتاب الخطابي ليكون بذلك حلقة رابعة في هذه السلسلة.

هذه الكتب الثلاثة عشر من المصنفات في غريب الحديث عموماً. وضم إليها بيان الحق كتابين آخرين للخطابي. وهما أعلام الحديث في شرح الجامع الصحيح للبخاري، ومعالم السنن في شرح سنن أبي داود. واختيار هذين الكتابين دليل على حسن نظر النيسابوري ورجاحة عقله، فإنه لم يقصر كتابه على السنن بل أراد أن يكون جامعاً لشرح ما يحتاج إليه من غريب الحديث في التوحيد والنبوة والمعاد والسنن والأحكام والحكم والآداب والمحاسن والمساوئ والأمثال والمواعظ وما إلى ذلك. وقد اعتنى الخطابي في تفسير الكتابين بإيضاح المشكل من متون ألفاظهما وشرح المستغلق من معانيهما

(1) معجم الأدباء 2: 487.

ص: 33