الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- قول من قال: إن النهي إنما هو عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفةٍ واحدةٍ؛ خشية اختلاطهما على غير العارف في أول الإسلام (1) ،
- وقال آخرون: إن النهي عن الكتابة مخصوصٌ بحياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النسخ يطرأ في كل وقت، فيختلط الناسخ بالمنسوخ (2) .
وبعد، فهذه جملةٌ من اجتهادات العلماء والأئمة للتوفيق بين الأحاديث المتعارضة في النهي والإذن في الكتابة، إلا إنها تفتقر إلى الدليل النصي على أحدها؛ لترجيحه على الآخر، ولذا فإن المحدث العلامة المحقق الشيخ أحمد شاكر – لما ساق بعضها – قال: وكلُّ هذه إجاباتٌ ليست قويةً (3) ، وعليه فالذي يظهر أن الأقرب للصواب هو القول الثاني الآتي، وهو:
(1) انظر: "معالم السنن للخطابي" للخطابي 4: 61، "جامع الأصول" لابن الأثير 8: 33، "شرح مسلم" للنووي" 18: 130، "مختصر أبي داود" للمنذري 5: 274، "تهذيب السنن" لابن القيم 5: 245، "شرح البخاري" للكرماني 2: 124، "فتح الباري" 1: 308، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير 2: 380، "توضيح الأفكار" 2:354.
(2)
انظر: "النكت على مقدمة ابن الصلاح" 3: 559.
(3)
انظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" 2: 380.
·
القول الثاني: مذهب النسخ:
والمراد به: أنّ أحاديث النهي الأربعة منسوخةٌ بأحاديث الإذن الثابتة الكثيرة، والتي تدل على القطع بوقوع الكتابة للأحاديث في عهده صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك ويقويه تأخر أحاديث الإذن، ووقوع بعضها في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في كتابه القيم "تهذيب السنن" (1) : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) 5: 245.
النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخر فيكون ناسخاً لحديث النهي:
- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزاة الفتح: "اكتبوا لأبي شاه". يعني: خطبته التي سأل أبوشاه كتابتها.
- وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي؛ لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها الصادقة، ولو كان النهي عن الكتابة متأخراً لمحاها عبد الله؛ لأمر النبي بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة متأخرٌ عن النهي عنها، وهذا واضحٌ، والحمد لله،
- وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته: "ائتوني باللوح والدواة والكتف لأكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً"
…
،
وإنما نهى النبي عن كتابة غير القرآن في أول الإسلام؛ لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما علم القرآن وتميز، وأفرد بالضبط والحفظ، وأمنت عليه مفسدة الاختلاط أذن في الكتابة. أ. هـ كلامه رحمه الله. وهو كلامٌ نفيسٌ في بابه، وهذا القول هو الذي مال إليه كثيرٌ من الأئمة: كابن شاهين، كما في "ناسخ الحديث ومنسوخه"(1) ، وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث "(2) ، والخطابي في "معالم السنن "(3) ، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود "(4) ، والنووي في "شرح مسلم"(5) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(6) ، وتلميذه ابن القيم –كما
(1)472.
(2)
286.
(3)
4: 61.
(4)
5: 247.
(5)
18: 130.
(6)
20: 322.
تقدم – وابن حجر في "فتح الباري"(1) فإنه بعد أن ختم الأقوال في هذه المسألة بالنسخ قال: "
…
وهو أقربها مع أنه لا ينافيها". يعني أن القول بالنسخ لا ينافي الأقوال السابقة، التي قيلت في الجمع بين الأحاديث، بل ينسجم معها، فيستفاد منها معرفة علة النهي التي كانت في أول الأمر، ثم لما زالت أبيحت الكتابة، والله تعالى أعلم، وقد مال إلى هذا القول من المحدثين المعاصرين: الشيخ أحمد شاكر كما في "الباعث الحثيث" (2) ، والشيخ الألباني في "تعليقه على الباعث الحثيث" والشيخ الدكتور محمد أبوشهبة في كتابه "دفاع عن السنة" (3) ، ومما يزيد الأمر وضوحا وتأكيداً استقرار الأمر بين الأمة على الإجماع على جواز كتابة الأحاديث واستحباب ذلك، وهذا قرينةٌ قاطعة على أن آخر الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم هو الإذن بكتابة الحديث. قال السخاوي "
…
وبالجملة، فالذي استقر الأمر عليه الإجماع على الاستحباب، بل قال شيخنا: إنه لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان، ممن يتعين عليه تبليغ العلم" (4) ، والله تعالى أعلم.
(1) 1: 308.
(2)
2: 380.
(3)
20.
(4)
انظر: "فتح المغيث" للسخاوي 3: 38، و "فتح الباري" لابن حجر 1:204.