الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ثمَّ قَالَ فِي قصيدته سنة 1324 هـ
(وَمن جِهَة أُخْرَى لقد كَانَ قَائِلا
…
بتكفير خير النَّاس أزكى الأطايب)
(أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّبِي وَآله
…
ولاسيما مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب)
(لأنهموا مَا كفرُوا الْخَوَارِج
…
يرى وَصفهم بالْكفْر أوجب وَاجِب)
(وَمن لم يكفرهم لَدَيْهِ فكافر
…
وَلَيْسَ بمستثن لتِلْك المعايب)
(فقد كَانَ أَصْحَاب النَّبِي جَمِيعهم
…
على ضد مَا قَالَ فِي ذَا المطالب)
وَالْجَوَاب أَن يُقَال
وَهَذَا أَيْضا من جَهله وغباوته فَإِن تَكْفِير الأباضية خُصُوصا أباضية هَذَا الزَّمَان مُمكن مُتَّجه لأَنهم لَيْسُوا على مَذْهَب أوائلهم بل ازْدَادَ شرهم وكفرهم فَإِنَّهُم فِي هَذِه الْأَزْمِنَة جهمية على مَذْهَب أهل الاعتزال فِي زعمهم أَن الله لَا يرى فِي الْآخِرَة وعَلى مُعْتَقد عباد الْقُبُور فِي دُعَاء الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالذّبْح للجن مَعَ إنكارهم للشفاعة وَالْمِيزَان وَعَذَاب الْقَبْر ونعيمه وَغير ذَلِك مِمَّا أحدثوه فِي الدّين وَخَرجُوا بِهِ عَن جمَاعَة الْمُسلمين وَقد اشْتهر أَمرهم وَظهر
خبرهم وَمَا هم عَلَيْهِ فِي سَاحل عمان وباطنه وَقد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة مُنْذُ أزمان متطاولة لَا يُنكر ذَلِك إِلَّا مكابر فَالْكَلَام وَالْخِصَام الْوَاقِع فِي أباضية هَذَا الزَّمَان لَا فِي الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَليّ رضي الله عنه وَمن على مَذْهَبهم مِمَّن جَاءَ بعدهمْ فَمن غالط بالْكلَام فِي الْخَوَارِج الَّذين خَرجُوا على عَليّ وَجعل حكم هَؤُلَاءِ الَّذين كَانُوا بِهَذَا السَّاحِل على مَا وَصفنَا حكم الْخَوَارِج الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ مشبه ملبس يمزج الْحق بِالْبَاطِلِ وَمَعَ هَذَا التلبيس يزْعم أَن من كفر هَؤُلَاءِ على هَذِه الصّفة الَّتِي ذكرنَا لزمَه تَكْفِير جَمِيع الصَّحَابَة رضي الله عنهم لَا سِيمَا عَليّ بن أبي طَالب لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج ثمَّ لَو سلمنَا أَنهم على مَذْهَب الْخَوَارِج لم يُجَاوِزُوهُ إِلَى غَيره لم يلْزم من ذَلِك تَكْفِير الصَّحَابَة كَمَا قدمنَا
وَقد حكى شيخ الْإِسْلَام فِي الْفَتَاوَى فِي تَكْفِير الْخَوَارِج وَنَحْوهم عَن مَالك قَوْلَيْنِ وَعَن الشَّافِعِي كَذَلِك وَعَن أَحْمد أَيْضا رِوَايَتَيْنِ وَأَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه لَهُم قَولَانِ وَالْخلاف فيهم مَشْهُور فعلى قَول هَذَا الْجَاهِل أَنه يلْزم من كفرهم على الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وعَلى القَوْل الثَّانِي عَن مَالك وَعَن الشَّافِعِي تَكْفِير أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج وعَلى القَوْل الأول يلْزم من لم يكفرهم تضليل من كفرهم من الْعلمَاء أَو تكفيره لِأَنَّهُ ورد
فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَهَذَا كُله إِلْزَام بِالْبَاطِلِ وَقد بَينا فِيمَا تقدم أَن هَذَا لَيْسَ بِلَازِم وَلَو لزم فلازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب فَإِذا علمت هَذَا فَمن كفر بعض فرق الطوائف المبتدعة كالخوارج الْمُتَقَدِّمين يحْتَج بالنصوص المكفرة لَهُم من كتاب الله وَسنة رَسُوله كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم (يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يعود السهْم إِلَى فَوْقه) وَغير ذَلِك من النُّصُوص الَّتِي يحْتَج بهَا من كفرهم وَلَا يلْزم من هَذَا تَكْفِير من لم يكفرهم أوشك فِي كفرهم لِأَنَّهُ غير لَازم لاحْتِمَال مَانع يمْنَع من ذَلِك عِنْده وَلَو كَانَ لَازِما لقَالَ بِهِ الْعلمَاء ووضحوه وَمن لم ير تكفيرهم وَهُوَ الصَّحِيح فحجته أَن أصل الْإِسْلَام الثَّابِت لَا يحكم بزواله إِلَّا بِحُصُول منَاف لحقيقته مُنَاقض لأصله لِأَن الْعُمْدَة اسْتِصْحَاب الأَصْل وجودا وعدما وَلقَوْل عَليّ رضي الله عنه لما سُئِلَ عَنْهُم أكفار هم قَالَ من الْكفْر فروا وَلم يُخَالِفهُ أحد من الصَّحَابَة وَلَا يلْزم من هَذَا تضليل من كفرهم أَو تكفيرهم لِأَنَّهُ ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) فَإِنَّهُ غير لَازم لما ذكرنَا
وَالْمَقْصُود بَيَان غلط هَذَا الْجَاهِل المتمعلم المتعيقل فِي إِلْزَام من كفر الْخَوَارِج بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم مَا كفرُوا الْخَوَارِج فَكيف بأباضية أهل هَذَا الزَّمَان بل هَذَا القَوْل وَهَذَا الْإِلْزَام من أَقْوَال أهل الْكَلَام الْمُحدث فِي الْإِسْلَام حَيْثُ ألزموا بِهِ السّلف فِي إِثْبَات الْعُلُوّ وَإِثْبَات الصِّفَات وَزَعَمُوا أَن من قَالَ بِهَذَا فَهُوَ مجسم إِلَى غير ذَلِك من إلزاماتهم الْبَاطِلَة إِذا تحققت هَذَا فَنحْن لَا نكفر الْخَوَارِج الأول مَعَ أَنهم من أظهر النَّاس بِدعَة وقتالا للْأمة وتكفيرا لَهَا لِأَن من كَانَ أصل الْإِيمَان فِي قلبه لَا نكفره بِمُجَرَّد تَأْوِيله