الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الْقسم الثَّالِث الَّذين قبلوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وآمنوا بِهِ ظَاهرا وجحدوه وَكَفرُوا بِهِ بَاطِنا وهم المُنَافِقُونَ الَّذين ضرب الله لَهُم هَذَانِ المثلان بمستوقد النَّار وبالصيب وهم أَيْضا نَوْعَانِ
أَحدهمَا من أبْصر ثمَّ عمي وَعلم ثمَّ جهل وَأقر ثمَّ أنكر وآمن ثمَّ كفر فَهَؤُلَاءِ رُؤُوس أهل النِّفَاق وساداتهم وأئمتهم وَمثلهمْ مثل من استوقد نَارا ثمَّ حصل بعْدهَا على الظلمَة
وَالنَّوْع الثَّانِي ضعفاء البصائر الَّذين أعشى بصائرهم ضوء الْبَرْق فكاد أَن يَخْطفهَا لِضعْفِهَا وقوته وأصم آذانهم صَوت الرَّعْد فهم يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق فَلَا يقربون من سَماع الْقُرْآن وَالْإِيمَان بل يهربون مِنْهُ وَيكون حَالهم من يسمع الرَّعْد الشَّديد فَمن شدَّة خَوفه مِنْهُ يَجْعَل أَصَابِعه فِي أُذُنَيْهِ وَهَذِه
حَال كثير من خفافيش البصائر فِي كثير من نُصُوص الْوَحْي إِذا وَردت عَلَيْهِ مُخَالفَة لما تَلقاهُ عَن أسلافه وَذَوي مذْهبه وَمن يحسن بِهِ الظَّن وَرَآهَا مُخَالفَة لما عِنْده عَنْهُم هرب من النُّصُوص وَكره من يسمعهُ إِيَّاهَا وَلَو أمكنه لسد أُذُنَيْهِ عِنْد سماعهَا وَيَقُول دَعْنَا من هَذِه وَلَو قدر لعاقب من يتلوها وحفظها وينشرها وَيعلمهَا فَإِذا ظهر لَهُ مِنْهَا مَا يُوَافق مَا عِنْده مَشى فِيهَا وَانْطَلق فَإِذا جَاءَت بِخِلَاف مَا عِنْده أظلمت عَلَيْهِ فَقَامَ حائرا لَا يدْرِي أَيْن يذهب ثمَّ يعزم لَهُ التَّقْلِيد وَحسن الظَّن برؤسائه وسادته على اتِّبَاع مَا قَالُوهُ دونهَا وَيَقُول مِسْكين الْحَال هم أخبر بهَا مني وَأعرف فيالله الْعجب أوليس أَهلهَا والذابون عَنْهَا والمنتصرون لَهَا والمعظمون لَهَا والمخالفون لأَجلهَا آراء الرِّجَال المقدمون لَهَا على مَا خالفها أعرف بهَا أَيْضا مِنْك وَمِمَّنْ اتبعته فَلم كَانَ من خالفها وعزلها عَن الْيَقِين وَزعم أَن الْهدى وَالْعلم لَا يُسْتَفَاد مِنْهَا وَأَنَّهَا أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين وَلَا يجوز أَن يحْتَج بهَا على مَسْأَلَة وَاحِدَة من مسَائِل التَّوْحِيد وَالصِّفَات ويسميها الظَّوَاهِر النقلية ويسمي مَا خالفها القواطع الْعَقْلِيَّة فَلم كَانَ هَؤُلَاءِ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ أنصارها والذابون عَنْهَا والحافظون لَهَا هم أعداؤها ومحاربوها
وَلَكِن هَذِه سنة الله فِي أهل الْبَاطِل أَنهم يعادون الْحق وَأَهله وينسبونهم إِلَى معاداته ومحاربته كالرافضة الَّذين عَادوا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بل وَأهل بَيته ونسبوا أَتْبَاعه وَأهل سنته إِلَى معاداته ومعادات أهل بَيته {وَمَا كَانُوا أولياءه إِن أولياؤه إِلَّا المتقون وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ}
وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين صنفان
أَئِمَّة وسَادَة يدعونَ إِلَى النَّار وَقد مَرَدُوا على النِّفَاق وَأَتْبَاع لَهُم بِمَنْزِلَة الْأَنْعَام والبهائم فَأُولَئِك زنادقة مستبصرون وَهَؤُلَاء زنادقة مقلدون فَهَؤُلَاءِ أَصْنَاف بني آدم فِي الْعلم وَالْإِيمَان وَلَا يُجَاوز هَذِه السّنة اللَّهُمَّ إِلَّا من أظهر الْكفْر وأبطن الْإِيمَان كَحال المستضعف بَين الْكفَّار الَّذِي تبين لَهُ الْإِسْلَام وَلم يُمكنهُ المجاهرة بِخِلَاف قومه وَلم يزل هَذَا الضَّرْب فِي النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهَؤُلَاء عكس الْمُنَافِقين من كل وَجه وعَلى هَذَا فَالنَّاس إِمَّا مُؤمن ظَاهرا وَبَاطنا وَإِمَّا كَافِر ظَاهرا وَبَاطنا أَو مُؤمن ظَاهرا كَافِرًا بَاطِنا أَو كَافِر ظَاهرا مُؤمنا بَاطِنا والأقسام الْأَرْبَعَة قد اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوُجُود وَقد بَين الْقُرْآن أَحْكَامهَا
فالأقسام الثَّلَاثَة الأول ظَاهِرَة وَقد اشْتَمَلت عَلَيْهَا أول سُورَة الْبَقَرَة
وَأما الْقسم الرَّابِع فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤوهم} فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يكتمون إِيمَانهم فِي قَومهمْ وَلَا يتمكنون من إِظْهَاره
ثمَّ ذكر رحمه الله من هَؤُلَاءِ مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي كَانَ يكتم إيمَانه وَالنَّجَاشِي الَّذِي صلى عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ الأتباع المقلدين للجهمية إِمَّا أَن يَكُونُوا زنادقة مقلدين لزنادقة مستبصرين وَإِمَّا أَن يَكُونُوا من الْقسم الثَّالِث من النَّوْع الَّذين يردون كثيرا من نُصُوص الْوَحْي إِذا وَردت عَلَيْهِم مُخَالفَة لما تلقوهُ عَن أسلافهم وَذَوي مَذْهَبهم وَمن يحسنون بِهِ الظَّن ويزعمون أَن أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة لَا يُسْتَفَاد مِنْهَا الْهدى وَالْعلم وَأَنَّهَا أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين ويسمونها الظَّوَاهِر النقلية وَمَا خالفها القواطع الْعَقْلِيَّة كَمَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور عَن أَتبَاع هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية المقلدين لَهُم فهم لَا يخرجُون عَن هذَيْن الْقسمَيْنِ كَمَا تقدم بَيَانه آنِفا فَإِذا تبين لَك أَن هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية زنادقة مستبصرين وَأَن أتباعهم المقلدين لَهُم إِمَّا أَن يَكُونُوا زنادقة مقلدين
لهَؤُلَاء الزَّنَادِقَة المستبصرين وَإِمَّا أَن يَكُونُوا من النَّوْع الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث
وَقد بَين شيخ الْإِسْلَام أَن الْقسم الثَّانِي نَوْعَيْنِ
النَّوْع الأول مِمَّن رده ظَاهرا وَبَاطنا وَكفر بِهِ وَلم يرفع بِهِ رَأْسا سَادَات وكبراء وَأهل رئاسة وَتقدم
وَالنَّوْع الثَّانِي أَتبَاع هَؤُلَاءِ وَأَن الْقسم الثَّالِث نَوْعَانِ أَيْضا رُؤْس أهل النِّفَاق وساداتهم وأئمتهم وَأَتْبَاع مقلدون لَهُم وَهَؤُلَاء مِمَّن آمن ظَاهرا وَكفر بَاطِنا
فَإِذا عرفت هَذَا تبين لَك خطأ من زعم أَن لأهل الْعلم فيهم قَوْلَيْنِ خُصُوصا فِي الْجَهْمِية النفات معطلة الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل