الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشركة
الشركة - بكسر الشين وإسكان الراء - والشِّرْكُ: بمعنى واحد.
وجمع الشركة: شِرَك، بكسر الشين وفتح الراء.
وهي في اللغة بمعنى: الاختلاط والامتزاج.
وفي الشرع: عبارة عن ثبوت الحق في الشيء الواحد لمستحقَّينِ على جهة الإشاعة. ثم هي تحصل تارة بالخلط على الوهج الذي نبيِّنُه، وتارة بالشيوع الحكمي، وذلك يقع على وجهين:
أحدهما: بالاختيار، كما إذا اشتريا عيناً أو اتَّهَبَاها أو أوصي لهما بها أو تُصُدِّق عليهما بها، ونحو ذلك.
والثاني: بغير الاختيار، كما إذا ورثاها أو غنماها ونحو ذلك.
والمراد بالشركةِ المُبَوَّب عليها: الشركة لابتغاء العمل بالتصرف.
والأصل في جوازها قبل الإجماع من الكتاب قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24].
[ومن السنة] ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: "يَقُولُ اللهُ تعالى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَالم يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا".
وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يَدَ اللهِ عَلى الشَّرِيكينِ مَا لَمْ يَتَخَاونَا".
ولقد كان البراء بن عازب وزيد بن أرقم شريكين، فاشتريا فضية بنقد ونسيئة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأمرهما: أن: مَا كَانَ بِنَقْدٍ فأجِيزُوهُ، وَمَا كَان بِنَسِيِئَةٍ فَرُدُّوهُ".
قال [الشيخ رحمه الله]: يصح عقد الشركة [أي] التي سنصفها من كل جائز التصرف بالإجماع. ولأن وضع الشركة توكيل بالتصرف منضم إلى التصرف في الملك والوكالة تصح من كل جائز التصرف ولا تصح من غيره؛ لأنه تصرف في المال فافتقر إلى أهلية التصرف فيه كالبيع.
فإن قيل: إذا كان وضع الشركة التوكيل، والأحكام لا تتغير بها فأي فائدة منها؟
قيل: الشركة ما أثبتت لتغيير وضع الأصول، وإنما الغرض منها أن المال إذا قل لا يجري في المتاجر، وإذا كثر انتظمت التجارة.
فالمقصود منها تكثير المال للتوصل إلى تحصيل الربح.
ولا فرق في صحة العقد بين أن يصدر بين مسلمين أو كافرين، أو [بين] مسلم وكافر. نعم شركة المسلم للكافر مكروهة؛ لما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي. ولا يُعرف له مخالف.
ولأن مال الكفار ليس بطيب؛ لأنهم يبيعون الخمور ويتعاملون بالربا؛ ولذلك كرهت مخالطته. [ومن هذه] العلة يظهر لك أنه لا فرق في الكراهة بين أن يكون المتصرف: المسلم أو الكافر، كما صرح به البندنيجي، وقد ألحق الغزالي بالكافر في الكراهة: الفاسقَ.
قال: ولا يصح، أي عقد الشركة إلا على الأثمان على ظاهر النص، والأثمان: الدراهم والدنانير خاصة والدليل على صحته عليهما: الإجماع. وعلى عدم صحته على غيرهما من النقار، والسبائك، وذوات الأمثال والعُروض: أنه عقد يبتغي به النماء فاختص بالأثمان لتيسر المقصود بها كالقراض.
وهذا ما نسبه الشيخ في "المهذب"[وغيره] إلى رواية البويطي.
قال: وقيل: صح على كل مَا لَهُ مثل، أي حقيقي، كما سنذكره في الغصب من الحبوب والأدهان المتساوية في الوصف، كما قاله الروياني في "البحر" والرافعي وغيرها. وكذا "التبر" إن قلنا: إنه مثلي؛ لأنهما مالان إذا اختلطا لم يتميز أحدهما عن الآخر، وقيمتهما واحدة في حال الارتفاع والانخفاض، فصح عقد الشركة عليهما كالأثمان، وهذا قول ابن سريج، وأبي إسحاق وأكثر الأصحاب، كما حكاه الماوردي.
قال: وهو الأظهر؛ لما ذكرناه، وكذلك صححه الرافعي، واختاره في "المرشد" وقال الإمام: إنه المعتمد في الفتوى.
وقد ظهر لك من علة ظاهر المذهب وعلة مقابله، أن عدم الصحة على العروض: هل لعدم تيسر تحصيل المقصود بها، أو خشية أن يفوز أحدهما بجزء من مال صاحبه أو ربحه؛ فإنه قد تزيد قيمة عرض أحدهما وتنقص قيمة عرض الآخر بارتفاع الأسواق وانخفاضها، وذلك يخرج الشركة عن موضوعها؟ وسيظهر لك ثمرة هذا الخلاف من بعد.
فرع: الدراهم المغشوشة هل يصح عقد الشركة عليها؟ جزم الروياني فيها بالمنع [وحكى] صاحب "العدة": أن الفتوى على الجواز إذا استمر في البلد رواجها.
وخرج الرافعي [ذلك على] جواز القراض عليها، وفيه خلاف سنذكره-إن شاء الله تعالى – آخراً.
قال الرافعي: إذا جوزنا الشركة في المثليات، فإن استوت القيمتان كانا شريكين على السواء، وإن اختلفتا؛ كما إذا كان لأحدهما كُرُّ حنطةٍ قيمته مائة، وللآخر كُرٌّ قيمته خمسون [درهماً][فهما] شريكان في الثلثين والثلث، كذا حكاه العراقيون.
ثم قال: وهذا مبني على قطع النظر في المثليات عن تساوي الأجزاء في القيمة، وإلا فليس هذا الكثير مثلاً لذلك القليل.
قلت: وهذا الكلام منه يدل على صحة [عقد] الشركة عليها، والذي شرطناه أولاً من تساوي المثلين في الوصف يمنع ذلك.
وقد صرح بحكاية المنع في هذه الصورة الروياني [في البحر]، نعم
قال: تصح الشركة فيها بالطريق الذي [تصح به] في العروض [، كما سنذكره].
فائدة: كثيراً ما يورد بعض الطلبة على الشيخ أنه ناقض حصره هاهنا جواز الشركة على النقدين وعلى ذوات الأمثال على رأي دون ما عدا ذلك بقوله: "وإن كان مالهما عرضاً
…
" إلى آخره. فإنه قد جوّز الشركة في غير النقدين والمثلي وهو [غير] وارد؛ لأن الكلام أولاً في عقد الشركة وهو قولهما: اشتركنا في هذين المثلين. وهذا العقد لا يصح إيراده على عرضين ليسا بمثلين أصلاً. وإنما تصح الشركة على ما ذكره؛ فلا اعتراض أصلاً.
قال: ولا يصح من الشركة إلا شركة العنان.
لما انقسمت الشركة إلى أربعة أنواع، منها ثلاثة باطلة وهي: شركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، وواحدة صحية احتاج الشيخ إلى بيان الصحيحة منها وهي شركة العنان. وقد أجمع العلماء على جوازها، وهي بكسر العين.
واختلف في المعنى الذي لأجله سميت بهذا الاسم:
فقيل: سميت بذلك؛ أخذاً من عِنَانِ فَرَسَي الرهان؛ لأن الفارسَيْنِ إذا استبقا تساوى عنان فرسيهما فكان أحدهما بِحَدِّ الآخر، كذلك هذه الشركة من شأنها أن يتساوى الشركيان فيها وفي قدر ربح مالهما.
وقيل: أخذاً من عنان فرسي الرهان بجهة أخرى، وهي أن كل واحد من الفارسين يفعل كفعل صاحبه ويصنع كصنعه لا يخالفه، كذلك كل واحد من الشريكين [ما يترك] شريكه ولا يخالفه.
وقيل: لأن عنان الدابة يمنعها من التصرف باختيارها، [كذلك الشركة تمنع] كل واحد منهما من التصرف في المال باختياره ويقتصر على
أن يتصرف بما فيه مصلحة.
وقيل: لأن كل واحد من الفارسي يأخذ بعنان الدابة ويحبس يده عليها، ويده الأخرى مرسلة يتصرف بها كيف شاء، كذلك كل واحد من الشريكين بعض ماله محبوس على الشركة ومقصور على التصرف [فيها] وباقي المال مطلق له يتصرف به كيف شاء.
وقيل: لأن كل واحد منهما يملك التصرف في جميع المال كما يملك عنان فرسه [يتصرف فيه] كيف شاء.
وقال الفراء وابن قتيبة: إنها مشتقة من: عنَّ الشيء، يعنُّ إذا عَرَضَ، يقال: عنت لي حاجة: أي عرضت، فسميت بذلك؛ لأن كل واحد منهما قد عنَّ له أن يشارك صاحبه.
وقيل: إنها مشتقة من عنَّ الشيء، إذا ظهر؛ ولهذا سمي العنين: عينيناً؛ لأنه ظهر عجزه، حكاه القاضي الحسين.
قال: وهو أن يعقدا على ما تجوز الشركة عليه أي كأحد النقدين أو المثليات إن قلنا بالأظهر.
وصيغة العقد أن يقولا: اشتركنا في هذا المال، وهل يحتاجان مع ذلك إلى الإذن في التصرف ليستفاد به جواز التصرف، أو لا يحتاج إليه ويستفيده بنفس العقد؟ فيه وجهان حكاهما المراوزة:
أحدهما – وهو ما اقتضاه كلام الشيخ -: الثاني وهو الأظهر في "الوجيز" إذا كان يفهم المقصود منه عرفاً؛ لأنه لو اشترط لم يَبْقَ في العقد فائدة؛ لأن المال مختلط، والإذن حاصل، وسأذكر في آخر الباب مايؤيده أيضاً.
والذي جزم به القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين: الأول، وهو [الذي] رجحه ابن كج والبغوي [وغيرهما].
وروى الماوردي عن ابن سريج أنهما إذا خلطا المالين على الشركة أو ابتاعا
متاعاً للشركة – جاز أن يتصرف كل واحد منهما في جميعه من غير احتياج إلى إذن، وهو الذي حكاه في الإفصاح، كما حكاه الروياني.
وعلى القول بعدم اعتبار الإذن [لكل واحد] منهما أن يتصرف في جميع المال، ويجو أن يكون مال الشركة في يدهما.
وعلى القول باعتبار الإذن] ينظر: إن وجد من كل واحد منهما [للآخر] تصرَّفَا أيضاً، وإن أذن أحدهما دون الآخر تصرف المأذون [له] في جميع المال، والإذن في ماله خاصة.
وهكذا الحكم فيما إذا قلنا: لا يشترط الإذن في التصرف وعقداها ابتداء بهذا الشرط.
قال [الإمام]: واختصاص المأذون له بالتصرف في ملك صاحبه يلحق المعاملة بمضاهاة القراض، ولا يعد في تسميتها [شركة] بالاشتراك في رأس المال.
وقال البندنيجي والقاضي أبو الطيب والروياني في "بحر المذهب" وغيرهم في هذه الصورة: إنها ليست بشركة ولا قراض:
لأن مقتضى الشركة أن يشتركا في العمل والربح، ولم يوجد ذلك.
قلت: [وهو ينطبق على] أن شركة العنان مأخوذة من التساوي في الفعل.
قالوا: ولا ذلك القراض؛ لأن مقتضاه أن يكون للعامل في مال الغير نصيب من الربح لكنها بضاعة ثم في هذه الصورة هل يشترط انفراد المأذون له باليد كما في عقد القراض؟ فيه وجهان. وهل يشترط في الآذن منهما أو من أحدهما تعيين التصرف؟ الذي حكاه العراقيون أنه إن وجد [تصرفٌ] عامٌّ فيما يرى من أنواع التجارات وصنوف الأمتعة تصرف فيها مطلقاً. [وإن عين له جنساً دون جنس، أو نوعاً دون نوع كان له التصرف في ذلك الجنس أو النوع دون ما عداه. وقال
القاضي الحسين في التعليق: الصحيح أن تعيين النوع في الشركة شرط كما في الوكالة؛ إذ هي نوع توكيل، وقيل: لا يشترط كما في القراض. فعلى الأول – وهو الصحيح – يجوز أن يأذن أحدهما للآخر في التصرف في الثياب والدواب ..
فرع: قال في "الزوائد" عن المحاملي: ولا فرق في النوع المعين بين أن يعم وجوده أو لا؛ لأن ذلك توكيل، والإنسان يوكل غيره [في شراء ما لا يعم] وجوده، [ويصح، بخالف القراض؛ حيث قلنا: لا يصح أن يقارض إلا على ما يعم وجوده] لأن القصد منذلك حصول الربح، فمتى كان النوع مما ينقطع لم يحصل المقصود قلت: ويتجه أن يتخرج وجه فيما إذا أذن فيما لا يعم: أن الشركة لا تصح مما ذكرناه في علة اختصاص الشركة بالنقدين.
قال: وأن يكون مال أحدهما من جنس مال الآخر وعلى صفته؛ فإن كان من أحدهما دراهم ومن الآخر دنانير، أو من أحدهما صحاح ومن الآخر قراضة لم تصح الشركة؛ لأن أسماء العقود المشتقة من المعاني [فيجب تحقق تلك المعاني] فيها، كما في الحوالة والسلم والصرف، ومعنى الشركة: الاختلاط والامتزاج، وهو لا يحصل في ذلك؛ لأن مال كل منهما متميز عن مال الآخر، وهكذا الحكم فيما لو امتاز أحد النقدين عن الآخر بالصكة، أو بالتأريخ مع استوائهما في الصكَّة أو بياض أو سواد وفيما إذا جوزنا الشركة على ذوات الأمثال، فكان من أحد الشريكين بذر كتان ومن الآخر سمسم، أو من أحدهما حنطة حمراء ومن الآخر حنطة بيضاء، لما ذكرناه.
وحكي عن أبي سعيد الإصطخري أنه جوز الشركة على الدراهم السود مع البيض، وعن أبي إسحاق رواية وجه أنه جوز الشركة على الحنطة السمراء والبيضاء.
قال: وأن يخلط المالان؛ ليتحقق معنى الشركة وهذا الخلط شرط في صحة العقد فيعتبر تقدمه على قولهما: اشتركنا، والإذن في التصرف إن اعتبرناه، وقيل: إن وجد الخلط بعد العقد في المجلس كفى كما حكاه القاضي الحسين والمتولي، ولو تأخر عن المجلس لم يصح. وفي كلام الإمام ما يقتضي الجواز
أيضاً؛ فإنه حكى عن الأصحاب ما ذكرناه أولاً، ثم قال: وفيه فضل نظر؛ فإن مستند الشركة [في] التوكيل بالتصرف، وفي تعليق الوكالة خلاف.
فإن علق المالكان التوكيل بالتصرف بالخلط خرج على الخلاف لا محالة، وإن نجز التوكيل مع تمييز المالكين ثم فرض اختلاطهما فالوجه: القطع بصحة الوكالة أولاً، ودوامها مع وجود الاختلاط إذا كان يجري ذلك على حسب الإذن.
نعم، لو قيد الإذن بالتصرف في المال المنفرد فلابد من الإذن بعد الخلط.
وما ذكرنا في اعتبار الخلط مفروضٌ فيما إذا كان المالان متميزين، أما إذا كان المال مشتركاً بينهما على سبيل الشيوع، فهو آكد [في الخلط].
قال: وقيل: يشترط أن يكون مال أحدهما مثل [مال] الآخر في القدر؛ لأن الربح يحصل بالمال والعمل، فكما لا يجوز الاختلاف في الربح [مع التساوي في المال، والاختلاف] في العمل لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوي في العمل والاختلاف في المال، وهذا قول أبي القاسم الأنماطي. قال: وليس بشيءٍ. وقال الإمام: إنه هفوة غير معتد به؛ لأن المال أصل؛ بدليل أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما به، والعمل تابع [بدليل جواز انفراد] أحدهما به، والأصل لا يقاس على التابع.
ثم على المذهب وهو عدم اشتراط التساوي في المال: لو كان بينهما مال مشترك على الشيوع فهل يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين بأن يعرفا أن المال بينهما نصفان أو على نسبة أخرى؟ فيه وجهان:
[المذكور منهما في "بحر المذهب": عدم الجواز؛ فإنه قال: لا يجوز عقد الشركة على الدراهم المغشوشة؛ لان الفضة فيها مجهولة، ويجب أن يكون مال الشركة معلوماً، وكذلك في "الحاوي" عند الكلام في شركة الأبدان.
وأظهرهما] في الرافعي: أنه لا يشترط، وقيدَّه بما إذا أمكن معرفته من بعد، وهذا الوجه جزم به في "الوجيز"، ومقابله حكاه الإمام عن طوائف من الأصحاب
ثم قال: فيه نظر سنذكره. وقد حكى الرافعي أن مأخذ الخلاف وجهان حكاهما الأصحب فيما إذا كان بين رجلين مال مشترك وكل منهما يجهل قدر حصته فأذن كل [واحد] منهما للآخر في التصرف في جميع المال أو في نصيبه: هل يصح الإذن؟ و [قال]: إن أظهرهما الصحة.
ومقتضى هذا ألا يتقيد تصحيح الوجه بصحة الشركة بما إذا أمكن معرفة النصيب من بعد كما أطلقه في "الوسيط"، والله أعلم.
قال: وإن كان مالهما عرضاً وأرادا الشركة – أي: به – باع كل واحد منهما بعض عرضه- أي: مشاعاً كالثلث والربع – ببعض عرض صاحبه سواء كان مساوياً لذلك البعض كالنصف بالنصف، أو غير مساو كالثلث بالثلثين. قال: فيصير مشتركاً بينهما، أي:[على نسبة] ما وقع عليه العقد، ثم يأذن كل واحد منهما للآخر في التصرف، [أي: بعد قبض ما شاتراه؛ لأن عقد الشراء لا يتضمن الإذن في التصرف وإن تضمنه عقد الشركة على رأي، ويجيء فيه ما حكاه الماوردي عن ابن سريج فيما إذا ابتاعا مشاعاً للشركة: أنه لايحتاج إلى الإذن في التصرف وإنما اعتبرا أن يكون بعد القبض؛ لأن المشتري لا يصح تصرفه قبل القبض فوكيله من طريق الأولى.
تنبيه: قول الشيخ: ثم يأذن كل [واحد] منهما للآخر، احترز به عما إذا قارن الإذن العقد؛ فإنه إن كان مشروطاً أبطل كما صرح به الروياني في البحر والبندنيجي وغيرهما، وإن كان غير مشروط فهو قبل حصول القدرة عليه فلا يصح.
قال: فما حصل من الربح يكون بينهما على قدر المالين، [وما حصل من الخسران يكون بينهما على قدر المالين]؛ عملاً بقضية الشركة.
ولا يشترط معرفة قيمة العرضين على الأصح، وفي ذلك وجه حكاه الماوردي، وهذه الصورة اخترعها المزني وسيلة إلى تصحيح الشركة بالعروض
المتقومة، وهي ترجي فيما لو كان مع أحدهما دراهم ومع الآخر دنانير، [ولا يختص] تصويرها بأن يبيع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض صاحبه، بل يجوز أن يبيع كل منهما بعض عرضه من صاحبه بثمن في ذمة صاحبه، ثم يتقاصا أو يتباريا أو يتقايضا على حسب ما يتفق، ويجوز أن يشتريا عرضاً للشركة على الشيوع.
ثم ظاهر إطلاق الأئمة [يقتضي] أن ذلك إذا وجد ثبت [جميع أحكام] الشركة كما لو كان مالهما نقداً. وفي "التتمة": أن ذلك إذا وجد؛ صار العرضان مشتركين ويملكان التصرف بحكم الإذن، ولكن لا تثبت أحكام الشركة فيما يحدثانه من التصرفات بعد ذلك إلا باستئناف عقد على الثمن بعد نضوضه، وهذا ما حكاه القاضي الحسين في تعليقه، وقال الفوراني في "إبانته": إن الحكم في هذه الشركة كالحكم في الحنطة والشعير، يشير إلى أن فيها خلافاً كما في ذوات الأمثال، ومأخذه اختلاف ما أشرت إليه من علة ظاهر النص ومقابله.
تنبيه: العَرض - بفتح الراء - كل ما يتمَوَّل من النقود وغيرها، وبسكون الراء كل ما يتمول إلا النقود، كذا حكاه البندنيجي، ومقتضى هذا أن كلام الشيخ [يشمل] ما ليس بمثلي، والمثلي إذا قلنا: لا يجوز عقد الشركة عليه، كما قاله الجيلي.
قال: فإن تساويا في المال، أي: مثل، أن كان لكل [واحد] منهما ألف وشرطا التفاضل في الربح، أي: مثل إن شرطا لأحدهما ثلثي الربح وللآخر الثلث، أو تفاضلا في المال، أي: بأن كان لأحدهما ألف وللآخر ألفان، وشرطا التساوي في الربح بطل العقد؛ لأن الربح جزء من الثمن، والأثمان تتوزع على [قدر] المثمنات؛ ولهذا إذا أطلق العقد نزل على ذلك، فإذا شرطا خلاف مقتضاه بطل، كما لو شرطا أن يكون جملة الربح لأحدهما، ولأن الشركة قد
تفضي إلى الربح تارة وإلى الخسران أخرى، فلما كانالخسران يتقسط على المال ولا يتقسط بالشرط، وجب أن يكون الربح مثله.
وفي "بحر المذهب" حكاية [وجه] عن القاضي الطبري أنه حكى عن بعض الأصحاب أن الشرط يفسد: وتصح الشركة، وحكى الماوردي وجهين في أن شرط التفاضل إذا [بطل كما] ذكرناه في الصورتين هل يوجب بطلان الشركة بمعنى بطلان الإذن في التجارة بالمال المشترك؟
أحدهما: قد بطل الإذن؛ لبطلان الشرط فيه، فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في جمي المال، فإن تصرف كان كمتصرف في مال مشترك عن شركة فاسدة.
والثاني: لا يبطل الإذن؛ فيجوز أن يتجر كل واحد في جميع المال، ويكون الربح مقسوماً بالحِصص، وهذا إن لم يكن عَيْن الوجه الذي حكاه الطبري فلا أعرف بينهما فرقاً، مع أن الروياني حكاهما.
قال: وقسم الربح بينهما على قدر المالين لما ذكرناه، ولأنه مستفاد من المالين فكان على قدرهما، كما لو كان بينهما نخل فأثمرت أو شاة فَنُتِجَتْ.
ففي الأولى: يقسم الربح نصفين، وفي الثانية: أثلاثاً، وهذا من الشيخ يدل على صحة التصرف؛ لأن الربح فرع له، وقد صرح به في "المهذب" وغيره اعتماداً على بقاء الإذن.
قال: ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله؛ لأن الشركة عقد يقصد به الربح في النامي فاستحق العوض فيه عن العمل عند فساده كالقراض، فعلى هذا في كيفية التراجع في المسألة الأولى حالتان:
أحداهما: أني ساوي عمل كل منهما مائة؛ فلكل منهما على صاحبه خمسون؛ لأن عمله يقع على ملكه وملك الآخر فيتقاصان.
والثانية: أن تساوي أجرة أحدهما مائة والآخر مائتان، فقد استحق صاحب المائة على الآخر خمسين و [استحق] صاحب المائتين على صاحب المائة مائة، فيتقاصان في خمسين ويرجع [صاحب المائتين] على صاحب المائة بخمسين.
وفي كيفية التراجع في المسألة الثانية ثلاثة أحوال:
إحداها: أن تكون أجرة عمل صاحب الألفين مائتين، وأجرة عمل صاحب الألف مائة، فقد وجب لصاحب الألفين على صاحب الألف ستة وستون درهماً وثلثان، ووجب له عليه مثلها فيتقاصان، والباقي ساقط بحكم العمل في الملك.
الحالة الثانية: إذا كانت أجرة كل منهما مائتين، رجع صاحب الألف على صاحب الألفين بستة وستين [درهماً] وثلثين، ويسقط مثلها في مقابلة ملكه، ويتقاصان بمثلها؛ إذ هو الواجب على صاحب الألف لصاحب الألفين.
الحالة الثالثة: إذا كانت أجرة صاحب الألفين مائة وأجرة صاحب الألف مائتين، رجع صاحب [الألف على صاحب] الألفين بمائة، وسقط من أجرته ستة وستون درهماً [وثلثا درهم] في مقابلة ملكه، ويتقاصان في ثلاثة وثلاثين درهماً وثلث؛ إذ هي الواجبة على صاحب الألف لصاحب الألفين.
و [قد] حكى المتولي وجهاً أن الشركة إذا فسدت لا يرجع أحدهما على الآخر بأجرة عمله؛ لأن الفاسد كالصحيح في وجوب الضمان وعدمه والشركة إذا كانت صحيحة لا يرجع فيها بأجرة العمل؛ فكذلك إذا كانت فاسدة.
وهذا الوجه يضعف إذا كان المشروط له الزيادة من أجرة عمله [أكثر ولم يحكه الإمام في هذه الحالة، ويقوى إذا كان المشروط له الزيادة من أجرة عمله] أقل، وهو الذي صححه الإمام وغره.
وعلى هذا لا أثر لفساد الشركة في هذه الصورة [أصلاً]، بل الفاسد هو الشرط إذا قلنا: إن الإذن لا يبطل بالشرط، كما جزم به معظم الأصحاب.
وقد حكى المراوزة فيما إذا شرطت الزيادة لمن له مزيد عمل وجهاً أنه يصح والأصح عندهم عدم الصحة أيضاً.
والقائلون بالمذهب فرقوا بين الصحيحة والفاسدة، بأن كلاًّ منهما قد شرط في مقابلة عمله جزءاً من الربح، وقد تعذر عليه الرجوع إليه [في] الفاسدة؛ فكان له الرجوع إلى قيمة المبذول، كما لو باع عيناً بخمر وقد تعذر رَدُّها؛ فإنه يرجع [إلى] قيمتها، وإذا كانت صحيحة فالمسلم قد سلم له قيمتها، وما ذكرناه مفروض فيما إذا كان العمل منهما.
أما إذا انفرد أحدهما به بالشرط، نُظر: فإن كان في المسألة الأولى قد شرطت الزيادة للمنفرد بالعمل، مثل أن شُرط له ثلثا الربح وللآخر الثلث – صح، واستحق النصف بحكم الشركة والسدس بحكم أنه مقارض، وجاز القراض هاهنا على المشاع؛ لأنه لا يمنع من التصرف.
وحكى المراوزة وجهاً أنه لا يصح هذا الشرط أيضاً وصححه الرافعي؛ لأن لا يمكن جعل هذا العقد شركة وقراضاً؛ فإن العمل يقع في القراض مختصًّا بمال المالك، وهاهنا يتعلق بملكه وملك صاحبه.
قلت: وهذا قريب الشبه من مسألة قفيز الطَّحَّان كما سيأتي، والأول مشابه لما حكيناه عن العراقيين والمراوزة فيما إذا وقع الجدار المشترك نصفين، فبناه احدهما على أن يكون له ثلثا النقض والأساس فإنهم قطعوا بالصحة.
وإن شرطت الزيادة لغير العامل فالحكم كما تقدم فيما إذا كان العلم منهما متساوياً. ووجه عدم الرجوع بأجرة العمل هاهنا أظهر؛ لأنه رضي بأن يكون عمله مجاناً مع نقص حصته من الربح، فكيف وقد حصل له تمام ربح ماله، وسيأتي مثله فيما إذا قال: قارضتك على أن يكون الربح كله لي، وكذا فيما
إذا تزوج امرأة على ألا يقسم لها أو لا يبيت عندها، وكان مهر مثلها أكثر من المسمى فإنها لا تستحق [القدر الزائد]؛ لما أشرت إليه. وإن كان في المسألة الثانية، نُظِر:
فإن كان صاحب الألف هو المنفرد بالعمل فالحكم كما لو كانا متساويين وشُرِطَ له من الربح الثلثان؛ فيستحق النصف من الربح، ثلثه بحكم الشركة، وسدسه بحكم القراض.
وإن كان صاحب الألفين هو المنفرد بالعمل، فالحك كما لو كان العمل منهما وقد تساويا في المال.
فرع: إذا قلنا بصحة شرط الزيادة لمن زاد عمله أو انفرد به، فأطلقا العقد فظاهر كلام العراقيين أن الربح يقسَّم على نسبة المالين. وحكى الإمام وجهاً عن رواية صاحب "التقريب" والشيخ أبي محمد أنه يثبت لمن زاد عمله بسبب الزيادة أجرة؛ تخريجاً مما إذا استعمل صانعاً ولم يذكر له أجرة.
قال: وأما شركة [الأبدان وهي أن يشتركا] على ما يكتسبان بأبدانهما فهي باطلة.
صورة المسألة: أن يقول الصانعان: اشتركنا، على أن ما يحصل لهما من كسبهما يكون بينهما على حسب ما يشترطانه، سواء كانا متفقي الصنعة كالنجارَيْنِ والخياطَيْنِ، أو مختَلِفِيها كالنجار والخياط. ودليل بطلانها كما حكاه بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم عن الغرر كما رواه ابن عباس وهذا غرر؛ لأن كل واحد منهما لا يدري: أيكسب صاحبه شيئاً أم لا، وكم قدر كسبه؟ ومن جهة المعنى: أن المعقود عليه في هذه الشركة العمل، كما أن المعقود عليه في شركة العنان المال،
[والمال] لو كان مجهولاً فيها لم تصح أيضاً؛ فكذلك إذا كان العمل مجهولاً في هذه؛ ولأنهما عقدا على منفعة عينين متميزتين؛ فوجب ألاّ يصح، كما لو عقد السقاء الشركة مع صاحب الجمل والراوية على الاستقاء؛ فإنه لا يصح بالإجماع كما سنذكره وبالقياس على ما لو اشتركا على بعيرين ليؤاجرهما ويشتركا في أجرتهما.
قال: ويأخذ كل واحد منهما أجرة عمله؛ لأنه لم يبذله مجاناً فاختص بمقابله عند فساد الشرط، فإن كان عمل أحدهما متميزاً عن عمل الآخر، مثل أن خاط [أحدهما] ثوباً والآخر مثله ونحو ذلك، كانت أجرة كل ثوب لمن خاطه، وإن لم يتميز كما إذا خاطا القميص معاً، أو نسجا إزاراً معاً، كانت الأجرة على قدر أجور أمثالهما، وقد حكى العراقيُّون أن من الأصحاب من قال: إن للشافعي قولاً في هذه الشركة أنها جائزة؛ لأنه [قال:] لو أقر أحد الشريكين على صاحبه بمال لم يقبل إقراره، سواء كانا شريكين في المال أو في العمل.
وروى صاحب "التقريب" هذا وجهاً عن بعض الأصحاب.
والصحيح هو الأول، والقائلون به قالوا: ما ذكره الشافعي في الإقرار، يحتمل أن يكون تفريعاً على مذهب الغير؛ فلا يدل على أنه قول آخر. وقد نسب [الروياني] هذا [التأويل] إلى ابن أبي هريرة وأنه قال: أو يحمل على ما [إذا اشتركا] في المال على أن يعملا جميعاً.
قال: وأما شركة المفاوضة، وهي أن يشتركا على ما يكسبان بأموالهما وأبدانهما، وأن يضمن كل واحد منهما ما يلزم الآخر بغصب أو بيع فاسد أو ضمان مال فهي باطلة؛ لما فيها من الغرر.
قال الشافعي: لا أعلم في الدنيا [شيئاً باطلاً] إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، ولا أعلم القمار إلا هذا وأقل منه. ولأنها شركة معقودة على أن
[يشارك كل منهما صاحبه على ما يختص بسببه؛ فلم يصح عقدها كما لا يصح على ما يرثان أو يتهبان. ولأنها شركة معقودة على أن يضمن كل منهما ما يجب على الآخر بَعُدْوانِهِ فلم تصح، كما لو عقداها على أن] يضمن كل منهما ما يجب على الآخر بجنايته.
ولأن هذا العقد يخالف موجبه موجب سائر العقود [في الأصول، وإذا كان كذلك وجب ألا يصح، ولا يقال: النكاح قد خالف موجب سائر العقود] في اشتراط الإشهاد فيه وقد صح؛ لأنا نقول: إنما صح أن يفرد بذلك؛ لما ثبت في الشرع عن النبي صلى الله عليه وسلم فصار أصلاً بنفسه، وليس من شرط الأصل موافقة الأصول.
وليس كذلك في هذه الشركة فإنها مجتهد [فيها]، فوجب إلحاقها بالأصول التي تقررت بالشرع، كذا قاله القاضي أبو الطيب.
قال: ويأخذ كل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، ويضمن ما يختص به من الغصب والبيع الفاسد وضمان المال؛ لاختصاص كل [واحد] منهما بسبب ذلك.
فرع: لو استعملا لفظ المفاوضة وأرادا شركة العنان جاز: [نص عليه] كذا قاله الرافعي.
تنبيه: سميت هذه الشركة: شركة المفاوضة؛ من قولهم: تفاوض الرجلان في الحديث، إذا شرعا فيه جميعاً، وقيل من قولهم: قوم فوضى، أي: مستوون.
قال: وأما شركة الوجوه وهي أن يشتركا في ربح ما يشتريان بوجوههما فهي باطلة.
صورة المسألة: أن يكون لشخصين وجاهة بين الناس ومنزلة يمكن أن يشتري كل منهما بجاهه شيئاً بثمن إلى أجل، ويتَّجِرا فيه، فيشتركان على ما يشتريان بوجوههما، ويكون ذلك بينهما، ويبيعان ثم يقضيان الدين عند المحل، وما
يفضل يكون بينهما، كذا صور الرافعي.
وحكى صاحب "البحر" أن بعض أصحابنا صورها بما إذا كان أحدهما ذا وجاهة فيقول لمن لا جاه له: أنا آخذ المتاع بجاهي وأعطيك حتى تتصرف [فيه]؛ فيكون المال مني، ومنك التصرف. وإن هذه الصورة هي المذكورة في "الإفصاح".
وحكى القاضي ابن كج والإمام فقالا: صورتها أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال؛ ليكون العمل من الوجيه، والمال من الخامل، ويكون المال في يده ولا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما.
وقيل: صورتها: أن يكون أحدهما ذا وجاهة فيقول للآخر: اشتر على جاهي متاعاً والربح بيننا.
وتسمى هذه الشركة على [التصوير] الأول والأخير شركة الجاه، وبعضهم خص هذه التسمية بالصورة الأخيرة. والكل باطل؛ لأنها شركة في غير مال فلم تصح كالشركة على الاحتطاب والاحتشاش، ولأن ما يشتريه كل [واحد] منهما قد تفرد بملكه فلا يشاركه غيره في ربحه؛ لأن الربح يتبع الملك قال: فإن أذن كل واحد منهما للآخر في شراء شيء معلوم [بينهما]، فاشترياه، ونويا عند الشراء أن يكون ذلك بينهما، [كان بينهما]؛ لأن هذه وكالة؛ فيترتب عليها حكمها.
قال: وربحه لهما؛ لأن الربح نماء الملك؛ فكان لمن هو له، وللمشتري على المشتري له نصف أجرة عمله فيما اشترى. صرح به الروياني في "البحر". والعلم في المشتري يحصل بذكر الجنس وغيره مما يعنيه في الوكالة بالشراء في موضعه، كما صرح به القاضي أبو الطيب.
وليس المراد من قول الشيخ: فاشترياه، [ونويا] أن يقع العقد منهما في
حالة واحدة؛ بل المراد: أن يصدر العقد منهما على البدل في شيء واحد، أو منهما على شيئين بالصفة المذكورة. ولو لم ينويا عند الشراء، وكانا قد عقدا الشركة على ذلك، وقع العقد المباشر خاصة.
قال: والشريك أمين فيما يشتريه، أي: أن يشتري شيئاً فيه خسران، فيدعي عليه الآخر أنه اشتراه لنفسه، فيقول: بل للشركة فالقول قول المشتري؛ لأنه أَخْبر بنيته.
والمراد بالخسران: النقص الذي يتغابن بمثله [أو] انخفاض الأسعار بعد الشراء، وكذا لو اشترى شيئاً فيه ربح، وادعى انه لنفسه، وقال الشريك:[بل] للشركة فالقول قول المشتري؛ لما ذكرناه، ولأن الأصل عدم الشراء للشركة، يدل عليه أنه لو أطلق وقع لنفسه.
قال: وفيما يدعيه من هلاك، أي:[إمّا] بسبب خفي، أو مع إقامة البيِّنة على السبب الظاهر؛ لأنه يعسر عليه إقامة البينة على التلف مع أنه ائتمنه فكان القول قوله كالمودع.
وكل هذا يظهر مما قررناه أن الشركة في الحقيقة وكالة، وعلى هذا يجري سائر تصرفاته في نصيب الشريك حتى لا يبيع بدون إذنه شيئاً بدون ثمن المثل وبغير نقد البلد ولا نسيئة؛ ولا يسافر به.
فرع: لو ادَّعى الشريك تلف المال في يوم كذا، فأقام الآخر بيِّنةً أنه رآه في يده في يوم بعده؛ ففي بطلان يمينه وجهان:
أحدهما: نعم؛ فيغرم حصة الشريك.
والثاني: لا وبه قال أبو الفياض، ويسأل عن ذلك: فإن ذكر وجهاً تسلم معه يمينه الماضية لم يغرم، [وإن لم يبين] غرم، حكاه في "البحر".
قال: وفيما يدعي عليه من خيانة، أي: بعد تبيينها دون ما [إذا] أطلق دعوى الخيانة؛ فإنها لا تسمع، ووهج ما قاله الشيخ: أن الأصل عدم الخيانة.
فرع: لو كان في يد أحدهما مال فقال: قد اقتسمناه، وهذا الذي خلص لي بالقسمة، وقال الآخر: لم نقسم بعدُ [وهو مشترك] فالقول قول الثاني؛ لأن الأصل بقاء الشركة، وعلى مدَّعي القسمة البينة.
قال: فإن عزل أحدهما صاحبه عن التصرف أي: في نصيبه انعزل؛ لأن الشركة في الحقيقة وكالة، وهي من العقود الجائزة، فكذلك [في] الشركة.
قال: وبقي الآخر على التصرف أي: في نصيب المعزول إلى أن ينعزل؛ إذ لم يصدر في حقه ما يقتضي عزله.
ولو قال أحدهما: سخت الشركة، انعزلا جميعاً؛ لأن فسخ الشركة مقتضاه زوال إذن كل واحد منهما لصاحبه، وفي "بحر المذهب" أن القاضي الطبري [قال]: إذا [قال] أحدهما: فسخت الشركة، [نُظِر]: فإن أراد في جنبة صاحبه، له أن يتصرف في جميع المال. وإن أراد في جنبتيهما جميعاً، لم يجز لواحد منهما التصرف في حق صاحبه، والمشهور هو الأول، وبه يقوى أن التصرف في شركة العنان بعد عقدها وخلط المال لا يتوقف على الإذن فيه كما اقتضاه كلام الشيخ؛ فإن عقد الشركة لو كان مستلزماً [له] لما امتنع بفسخ عقد الشركة. ولما تأمل المتولي هذا المعنى بنى انعزالهما على أن التصرف هل يملك بمجرد عقد الشركة أم لابد من الإذن فيه؟
وعلى الصحيح: لا يجوز لأحد الشريكين بعد سخ الشركة أن يتصرف [إلا] في نصيبه مشاعاً وإن كان عرضاً، بخلاف القراض حيث جوزنا للعامل بعد فسهخ بيع العروض؛ لأن حقه في الربح وهو لا يحصل إلا بالنضوض، وهاهنا كل منهما له حق في الأصل والربح يتبعه فلا يحتاج إلى البيع.
قال: وإن مات أحدهما أو جن انفسخت الشركة؛ لأنها عقد جائز فبطلت
بالموت والجنون كالوكالة والقراض. وهكذا الحكم فيما لوطرأ على الشريك حجر بسبب السفه، ولو أغمي عليه، نظر: إن كان يسيراً لا يسقط معه فرض عبادته لم يضر، وإن كان بحيث يسقط فرض صلاة واحدة بمرور وقتها انفسخت الشركة، كذا قاله في "البحر". ثم الوارث في مسألة الموت مخيَّر: إن شاء قاسم الشريك أو أبقاه على الشركة بأن يجدد له إذناً في التصرف، ولا فرق بين أن يكون المال عرضاً أو نقداً.
وهذا إذا لم يكن على الميت دين، فإن كان، لم يجز للوارث الإذن إلا بعد وفاء الدين، وإن أمكن وفاؤه من غير مال الشركة؛ لأنه محجور عليه فيها كما في المرهون، قال أبو إسحاق: والأولى للوارث ألا يأذن في التصرف إلا بعد معرفة ماله؛ خشية أن يظهر على الميت دين وقد ظهر ربح في المال ولا يدري ما يخصه منه ولو ترك ذلك جاز.
والموصى له إذا كان معناً وقبل، حكمه حكم الوارث، وإن كان غير معين كالفقراء وجب إفراز نصيبهم من المال. ويقع الإذن في التصرف إن اختاره الوارث بعد ذلك فيما يخصه.
وفي مسألة الجنون وطرآن الحجر بسبب السفه، فإذا كان وارث [أحدهما] مولى عليه فينظر: إن كان الحظ للمولى عليه، في بقاء الشركة والإذن في التصرف فعله الولي، وإلا فلا.
فروع نختم بها الباب:
إذا تولى أحد الشريكين [الشراء للشركة] فللبائع أخذه بكل [الثمن، فإن [أداه] من خال ماله، كان مال الشركة لم ينضَ منه شيء رجع على شريكه بحصته، وإن فعل ذلك مع نضوض مال الشركة ففي رجوعه على شريكه وجهان في "الحاوي".
لو أخذ بغلةً، والآخر راويةً، وتشاركا مع ثالث ليستقي الماء، ويكون الحاصل
بينهم فهو فاسد؛ لأنها منافع أبدان متميزة. فلو استقى الثالث فلمن يكون الماء وثمنه؟ نقل صاحب التلخيص وآخرون اختلاف قول فيه، ولم يحمد المعظم ذلك، وإنما ارتضوا تفصيلاً ذكره ابن سريج وهو أن الماء إن كان مملوكاً للمستقي أو مباحاً، وقد قصد به نفسه عند أخذه فهو له، وعليه لكل من صاحبيه أجرة مثل ملكه، وإن قصد الشركة فهو على الخلاف في جواز التوكيل في المباحات، وسنذكره، فإن لم نجوزه فالحكم كما لو قصد نفسه، وإن جوزناه وهو الأصح فالماء بينهم.
وفي كيفيته وجهان:
أحدهما: أنه يقسم بينهم على نسبة أجور أمثال البغل والراوية والاستقاء؛ لأنه حصل بذلك، وهذا ما أورده الشيخ أبو حامد ويحكي عن نصه في البويطي.
فعلى هذا لا يرجع أحدهم على الآخر بشيء.
وأصحهما عند الشيخ أبي علي ولم يورد القفال وغيره سواه: أنه يقسم بينهم بالسوية. فعلى هذا، للمستقي على كل من صاحبيه أجرة مثله [وثلث عمله]، وكذا يرجع كل من صاحب البغلة والراوية على كل واحد من الآخر والمستقي بثلث أجرة ملكه.
وقد حكى القاضي الحسين أن القولين في جواز التوكيل في الاحتطاب [والاحتشاش] من هاهنا خرجا.
لو اشترك أربعة لأحدهم رحى، لآخر بيت الرحى، ولآخر بغلة تديره، والرابع يعمل في الرحى على أن الحاصل من أجرة الطحن يكون بينهم فهو فاسد. فلو اتفق طحن شيء قسمت أجرته على أجور أمثال ذلك ولو كان لواحد بذر، ولآخر أرض [فاشتركا مع ثالث على زراعة الأرض فالزرع لصاحب البذر، وعليه أجرة مثل الأرض] والزراعة.
قال في "التتمة": فلو أصاب الزرع آفةٌ، ولم يحصل من الغلة شيء فلا شيء؛ لهم؛ لأنهم لم يحصلوا له شيئاً، والله عز وجل أعلم بالصواب.