الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوكالة
الوكالة- بفتح الواو، وكسرها -: التفويض، يقال: وكله، أي: فوض إليه، ووكلت أمري إلى فلان، أي: فوضت إليه، واكتفيت به، ومنه: توكلت على الله.
وتقع الوكالة على الحفظ أيضاً، ومنه: قوله تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، أي: نعم الحافظ.
وأصل الوكيل: الكافي؛ لأنه يكفي مراد الموكِّل؛ قال الله تعالى: {أَلَاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً} [الإسراء:2]، أي: كافياً.
و [هي] في الشرع [إقامة الوكيل مقام الموكِّل في العمل المأذون فيه.
والأصل في مشروعيتها] قبل الإجماع من الكتاب قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} [الكهف: 19]- أي: أكثر، وقيل: أجل {فَلْيَاتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]، وهذا توكيل بالشراء.
وقوله تعالى حكاية عن يوسف: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} [يوسف: 93] وهذا استنابة على وجه التوكيل.
وقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72][وهذا كان توكيلاً] في الحقيقة من جهة يوسف.
ومن السنة ما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين اراد الخروج إلى خيبر: "إِذَا لَقِيتَ وَكِيلِي، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقاً، فَإِنِ
ابْتَغَى مِنْكَ [آَيَةً، فَضَعْ] يَدَكَ عَلَى تَرْقُوتِهِ".
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وكَّل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت بالحبشة، ووكَّل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة بنت الحارث، ووكل عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة، ووكل حكيم بن حزام في شراء شاة.
ومن جهة المعنى: أن بالناس حاجة إليها؛ لأن كل واحد لا يتمكن من التصرف في جميع [ماله] سيما إذا كثر؛ فجوزت للحاجة؛ كما جوز القراض، والمساقاة، ونحوهما.
وقد قال القاضي [الحسين]: إنها مندوب إليها؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، ومن البر والتقوى أن يتوكل عن الغير بالقيام بأشغاله.
قال الشيخ – رحمه الله: من جاز تصرفه أي: بنفسه فيما يوكل فيه – يعني: في شيء يقبل النيابة؛ كما سنذكره، وصرح به غيره – جاز توكيله –أي: لغيره – وجازت وكالته –أي: عن غيره فيه –لما ذكرناه من الأدلة؛ فيصح توكيل المطلق التصرف في ماله، والسفيه والعبد في الخلع والطلاق، وكل ما يملكان إنشاءه بملك التصرف فيه، والمفلس [في الطلاق] والخلع والشراء [والبيع] في ذمته؛ على الأصح، والمكاتب في جميع ذلك؛ [لما ذكرناه وقد
استثنى مما ذكره الشيخ مسائل:
منها الفاسق]؛ فإنه [يجوز أن] يقبل النكاح لنفسه، ولا يقبله لمستنيبه.
وادعى المحاملي والبندنيجي في ذلك نفي الخلاف، والروياني في البحر عند الكلام في العزل: أنه ظاهر المذهب.
وحكى القاضي أبو الطيب في وجهين:
ومنها: العبد يقبل النكاح لنفسه بإذن سيده، ولا يقبله لغيره بإذن سيده؛ كما قيده [في المهذب] غيره على أحد الوجهين، ومنها: العبد يملك الطلاق بغير إذن سيده، ويجوز أن يوكل فيه من يطلق، ولا يجوز أن يتوكل فيه بغير إذن سيده؛ كما حكاه في البحر، وجوزه في التهذيب جزماً.
ومنها: العبد المأذون [يجوز] له التصرف فيما في يده، وهل يجز له أن يوكل فيه؟ فيه خلاف.
ومنها: لا يجوز للوصي والوكيل التوكيل يما يجوز أن يتولياه بأنفسهما مع قدرتهما على التصرف [أما الوكيل فبلا خلاف، وأما الوصي فعلى وجه] ومنها: العبد والسفيه إذا أذن لهما في النكاح، فهل يجوز أن يوكّلا فيه؟ فيه وجهان في تعليق القاضي الحسين:
والمذكور منهما [في الحاوي] في العبد: الجواز.
ومنها: الولي في النكاح الذي لا يجبر إذا أذن له في النكاح – جاز تزويجه، وهل يجوز أن يُوكل فيه من غير إذن؟ فيه وجهان:-
وطريق الجواب عن ذلك أن يقال: إن الشيخ اختار [في توكيل الفاسق المشهور، وهو أنه يصح توكيله في القبول، كما حكاه] في المهذب، والماوردي وابن الصباغ عند الكلام في توكيل الكافر في شراء العبد المسلم، وادعى الغزالي القطع به.
وما عداه فمندفع؛ [لأن مراد الشيخ بقوله]: "من جاز تصرفه"، [أي:] بنفسه من غير افتقار فيه إلى الإذن؛ لأنه المتبادر إلى الفهم.
فإن قيل: مقتضى كلام الشيخ [مع ما] فسرتموه به: أن الوصي يجوز له التوكيل فيما يقدر على التصرف فيه؛ فإنه لا يتوقف في تصرفه على إذن، وقد أشار الشيخ في باب الوصية إلى أنه لا يجوز.
قلت: لي أن أمنع ذلك؛ فإن تصرفات الوصي كلها بالإذن.
وإن سلمت ما قلتموه، فهو مؤيد [لما أجيب] به؛ فن الشيخ لما فهم أن كلامه يقتضي جواز توكيل الوصي في كل ما يتصرف فيه [احتاج إلى التنبيه على أنه مستثنى من القاعدة عند الحاجة إليه.
على أن الشيخ أبا حامد ومن تابعه، ومنهم الماوردي وكذلك ابن الصباغ جزموا بجواز توكيله في كل ما يتصرف فيه] من غير عجز عنه، وكذلك الإمام [في باب الوصية وقد استثنى الجيلي الإقرار والرجعة على وجه، وكذا الأيمان] وتليق الطلاق، والعتاق، وما ذكره خارج من كلام الشيخ، [غني] عن الاستثناء بقوله: من جاز تصرفه فيما يوكَّل فيه؛ لأن "ما" ها هنا نكرة موصوفة والكاف في يوكل مفتوحة؛ فيكون تقدير الكلام: من صح تصرفه في شيء يقبل النيابة.
وما استثناه الجيلي سنذكر أنه لا يجوز التوكيل فيها، [إن شاء الله تعالى].
قال: ومن لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله؛ لأنه إذا لم يملك ذلك لنفسه فأولى ألاّ [يملك ذلك] غيره من جهته.
قال: ولا وكالته؛ لان التصرف الخاص بالإنسان أقوى من التصرف في حق الغير، فإذا لم يقدر على الأقوى، فعلى الأضعف من طريق الأولى.
قال: إلا الصبي المميز؛ فإنه تصح وكالته في الإذن في دخول الدار، أي:[مثل أن] يفتح الباب، ويأذن [للخارج في الدخول] إليها.
قال: وحمل الهدية، مثل: أن يعطي هدية؛ ليحملها إلى بعض الإخوان؛ فيجوز للمأذون له أن يدخل، وللمهدي إليه أن يتصرف في الهدية؛ اعتماداً على قوله؛ لاطِّراد العرف به من غير إنكار.
وحكى الإمام في ذلك تفصيلاً، فقال: إن لم يوجد مع ذلك قرينة، ففي الاعتماد على قول الصبي فيهما خلاف مبني على الخلاف في [قبول] روايته إذا لم يكن به غرامة.
وإن وجد مع ذلك قرينة؛ نظر:
فإن أنتج ذلك العلم سقط أثر قوله؛ وإن لم تنته القرينة إلى العلم، فلأصحابنا طريقان:
منهم من خرجه على الخلاف؛ ومنهم من قطع بالاعتماد.
قال الرافعي: وإذا جاز ذلك، وكان منه على سبيل التوكيل، فلو أنه وكل غيره فيه، فالقياس تخريجه على الخلاف في أن الوكيل هل [له أن] يوكل؟ فإن جاز، لزم [أن يكون] الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً، وهذا ما حكاه الفقهاء.
والذي حكاه الأصوليون منع قبول روايته.
وقال الفوراني في "الإبانة" في أول كتاب الصيام: إن الصحيح من المذهب قبولها، وهو مذهب أبي حنيفة.
واعلم: أنه [قد] استُثْني مع ما ذكره الشيخ صور:
منها: الأعمى، لا يصح بيعه، ولا إجارته، ولا شراؤه؛ على الأصح، ويصح منه التوكيل في ذلك ونحوه.
ومنها: إذا قال لزوجته: "إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً"؛ فإنه يمتنع عليه إيقاع الطلاق [على رأي]، وله التوكيل في الطلاق، فإذا طلق الوكيل، وقع على الأصح؛ كما حكاه الجيلي.
ومنها: العبد لا يصح قبوله النكاح لنفسه بغير إذن سيده، ويصح منه أن يتوكل
فيه لغيره؛ على الأصح في النهاية، وتعليق القاضي الحسين، وبه جزم المتولي.
ومنها: السفيه لا يصح [قبوله النكاح] بغير إذن وليه، ويجوز أن يقبله لغيره بغير إذن وليه؛ على الأصح، وبه جزم القاضي الحسين، والمتلوي.
ومنها: الكافر لا يجو أن يكون وليًّا في تزويج مسلمة، ولا أن يتزوجها، ويجوز أن يكون وكيلاً في تزويجها من مسلم؛ على ظاهر المذهب، كما حكاه الإمام في كتاب الخلع.
وكذا يجوز أن يكون وكيلاً في قبول نكاح مسلمة على رأي؛ [كما] حكاه القاضي الحسين في هذا الباب.
ومنها: الكافر لا يصح شراؤه العبد المسلم، على الأصح، وكذا المصحف، ويجوز أن يكون وكيلاً في شرائه لمسلم؛ إذا صرح بالسفارة، [و] على قولٍ [وإن] لم يصرح.
ومنها: الكافر لا يقدر على طلاق مسلمة، ويجوز أن يوكل في طلاقها؛ على أحد الوجهين في الحاوي، وبه جزم الإمام في كتاب الخلع.
ومنها: المرتد لا يصح تصرفه في ماله؛ على رأي، ويصح أن يوكل فيه؛ كما حكاه ابن الصباغ وغيره.
وفي [التتمة]: أنا إذا قلنا: إنه يصير محجوراً عليه، لا يصح.
ومنها: المرأة لا يصح منها الإنكاح، [ويجوز أن توكل] من يزوج؛ خلافاً للمزني، كما حكاه المتولي في كتاب النكاح، وحكى القاضي الحسين في جواز ذلك وجهين، وحكى الإمام في ذلك في باب ما على الأولياء تفصيلاً، فقال: إن قال لها: وكلي عن نفسك، لم يصح وإن قال: وكلي عني؛ فوجهان ينبنيان على أن الوكيل وكيل الوكيل، أو وكيل الموكل؟ وفيه وجهان.
وما قاله فيه نظر؛ لأنه إذا قال: "وكلي عني"، كان الوكيل وكيلاً عنه بلا
خلاف؛ كما ستعرفه [من بعد]؛ فلا يحسن إجراء الخلاف.
ومنها: لو وكل حلالٌ محْرماً في أن يوكل حلالاً بالتزويج؛ ففي صحة التوكيل وجهان في الرافعي، عند الكلام في [إحرام] الولي -: وأصحهما الصحة.
ومنها: المرأة لا تقدر على الطلاق عن نفسها، ويصح توكيلها فيه، على أصح الوجهين في التهذيب وغيره.
وطريق الجواب عن ذلك:
أما في الأولى؛ فلأنه يصح منه البيع والشراء [في الجملة، وصورته: أن يبيع شيئاً في ذمته سلماً بثمن في ذمة المشتري]، ويشتري شيئاً في ذمة غيره بثمن في ذمته، ويشتري نفسه وجهاً واحداً، ومثل ذلك يتصور في الإجارة، ونحوها، وإذا صح منه ذلك، لم يخرج مما ذكرناه.
وأما في الثانية؛ فيجوز أن يكون الشيخ اختار [فيها وقوع الطلاق؛ كما هو المختار] عند ابن الصباغ وغيره؛ كما ستعرفه في موضعه.
وأما في الثالثة؛ فمذهب العراقيين – كما حكاه ابن الصباغ وغيره هنا: أنه لا يجوز وجهاً واحداً؛ فلم يخرج مما ذكرناه.
وأما في الرابعة؛ فلأن الذي جوز للعبد ذلك هو [الذي جوزه] للسفيه، بجامع صحة عبارتهما، وعدم مناقضة ما وقع الحجْر عليهما لأجله.
وقد حكينا عن العراقيين المنع في مسألة العبد مع وجود ما ذكرناه، وهو في السفيه أولى؛ لأن الحجر عليه لحق نفسه.
وأما في الخامسة؛ فمذهب العراقيين – كما دل عليه كلام الشيخ في كتاب النكاح، وصرح به صاحب البحر هنا، وادعى نفي الخلاف فيه: عدم الصحة؛ فلا يخرج مما ذكرناه، أيضاً.
وأما في السادسة؛ فمذهب العراقيين – كما حكيناه عن القاضي أبي الطيب في
باب ما يجوز بيعه -: عدم الجواز، وكذلك جزم به المتولي؛ فلا يخرج مما ذكرناه.
وأما في السابعة؛ فإن كان اعتقاد الشيخ فيه الصحة، فنقول: طلاق الكافر يتصور وقوعه على مسلمة؛ بأن تسلم أولاً، ويتخلف، ثم يطلقها في العدة، ثم يسلم قبل انقضائها – فإن طلاقه واقع عليها.
وقد أشار إلى هذا التوجيه الإمام في فصل التوكيل من كتابع الخلع؛ فلا يخرج مما ذكرناه.
وأما في الباقي؛ فقد حكيت في كل صورة منها خلافاً؛ فلعل الشيخ رأى وجه عدم الصحة فيه أوجه.
فرع: المكاتب هل يجوز أن يتوكل عن غيره؟ ينظر [فيه]:
إن كان بجعل مثله فنعم، وبدونه بغير إذن [سيده فلا، ومع إذن] سيده قولان؛ كما في تبرعاته.
[فرع] آخر: يجوز للمرأة أن تتوكل عن زوجها، ولا يجوز أن تتوكل عن غيره إذا كانت مزوجة إلا بإذنه؛ قاله الماوردي.
قال: ويجوز التوكيل في حقوق الآدميين من العقود، أي: عقود المعاوضات: كالبيع، والنكاح، والخلع، ونحوها؛ وغير عقود المعاوضات: كالرهن، والضمان، والهبة، ونحوها.
ووجهه في بعضها ما ذكرناه من الكتاب والسنة، وفي الباقي القياس على المنصوص عليه؛ بجامع اشتراكهما في العلة المشار إليها، ووراء ذلك أمور أُخَر، انفرد بها القاضي الحسين في تلعيقه:
فمنها: أن التوكيل في الحوالة – مثل: أن يقول: "وكلتك لتحيل صاحب
الحق على فلان [بكذا"] – لا يصح، وهل يصير محيلاً بذلك؟ فيه وجهان، وعن هذا احترز صاحب التهذيب بقوله:["لا] يجوز التوكيل في الحوالة من الجانبين".
ومنها: أن التوكيل بعقد الوصية لا يصح، وهل يصير بالوكالة [له] موصياً، أم لا؟ يحتمل وجهين، وربما أشار إلى مثل ذلك في عقد الضمان [أيضاً.
وقال الإمام مشيراً إلى ذلك: الوجهُ القطع بتصحيح التوكيل في عقد الضمان] وعقد الوصية.
قال: "والفثسُوخ؛ لأنه إذا جاز في العقود، ففي حلها من طريق الأولى".
[كذا] قال في المهذَّب:
وقد يستثني من ذلك التوكيل في فسخ نكاح الزائدات على العدد الشرعي عند إسلامهن؛ فإنه غير جائز؛ لتوقفه على شهوة النفس.
[أما] إذا قلنا: إن الفرقة تحصل بالاختيار، لا بنفس الإسلام – كما ستقف عليه في موضعه، وهو الذي يقتضيه إيراد البغوي، وابن الصباغ، حيث قالا: إن العدة تكون من حين الاختيار، ولا يحتاج إليه إذا قلنا: إن الفرقة تحصل من حين الإسلام؛ كما اقتضاه كلام الأكثرين؛ حيث اعتبروا ابتداء العدة من حينه [وقد تقدمت حكاية خلاف في جواز التوكيل بالفسخ [في خيار] الرؤية].
ثم جواز التوكيل في الفسوخ مصور بما إذا لم يكن حق الفسخ على الفور، أما إذا كان على الفور.
قال الرافعي: فالتأخير فيه بالتوكيل قد يكون تقصيراً؛ وهذا ما ذكره المتولي جزماً، [وقد تقدمت حكاية خلاف في جواز التوكيل في الفسخ بخيار
الرؤية].
قال: والطلاق والعتاق- أي: تنجيزاً – لأنه إذا جاز التوكيل في العقد؛ ففي قطعه أولى.
وأما إذا وكله في تعليقهما؛ فالذي جزم به الجمهور هاهنا – ومنهم المتولي: عدم الصحة.
وحكى في كتاب الطلاق [في جواز التوكيل في تعليقه] ثلاثة أوجه:
هذا أحدها.
والثاني: الجواز.
والثالث: أنه ينظر إلى الصفة التي أمر بالتعليق بها:
فإن كانت توجد لا محالة: كطلوع الشمس، فيجوز؛ لأن مثل هذا التعليق ليس بيمين.
وإن كانت قد توجد، وقد لا توجد:[كدخول الدار] فهو يمين؛ فلا يجوز.
وهي تجري [في تعليق العتق] أيضاً؛ [إذ لا] فرق بينهما.
وألحق القاضي الحسين – هاهنا –بمنع التوكيل في تعليق الطلاق والعتق منع التوكيل بعقد التدبير، وقال: إنه هل يصير بالتوكيل معلقاً للطلاق والعتق ومدبراً؟ فيه وجهان.
وبنى المتولي [التدبير] على أنه وصية أو عتق بصفة؟ فعلى الأول يصح
التوكيل فيه، وعلى الثاني لا.
قال: - إثبات الحقوق – أي: سواء حضر الموكل ذلك، أو لم يحضر – لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع دعوى حويصة ومحيصة على يهود خيبر: أنهم قتلوا عبدالله بن سهل؛ نيابة عن عبد الرحمن بن سهل أخي المقتول ووليه، وكان حاضراً، ولم ينكر عليهما، ولو كان [ذلك] غير جائز؛ لأنكر حتى يبتدئ الولي بها؛ ألا تراه أنكر على محيصة حين ابتدأ بالكلام [قبل] حويصة، وقال [كبِّر، كبِّر] وليس تقديم الأكبر بواجب.
وروي أن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – وكَّل أخاه عقيالً في مجلس أبي بكر – أو عمر، الشك من الشافعي-وقال: هذا عقيل فما قضى عليه فَعَلَيَّ، وما قضى له فلي.
وروي أنه قال: إن للخصومات قُحَماً وإنها لتلحق، وإن الشيطان يحضرها، وإني إن حضرت خفت أن أغضب، [وإن غضبت] خفت ألا أقول حقًّا.
فلما ضعف عقيل، وكل عبد الله بن جعفر أخيه في مجلس عثمان، ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك؛ فكان إجماعاً.
قال: واستيفائها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعت العمال لقبض الصدقات والجِزَي.
ويدخل في هذا استيفاء الشفعة، ويستثني منه حق القسم؛ كما صرح به صاحب البحر.
قال: والإبراء منها؛ لأنه إذا جاز التوكيل في الاستيفاء، ففي الإبراء – مع أنه إسقاط – أولى.
ويشترط أني كون ما يبرئ منه معلوماً؛ كما حكاه الماوردي، والبندنيجي، والشيخ في المهذب، وغيرهم.
وحكى عن القاضي الحسي أنه قال: إذا عرف الموكل قدر الدين – كفى، ولم يجب إعلام الوكيل به، وهوا لذي أورده في الوجيز.
وفي البحر حكاية وجه: أنه يجوز مطلقاً وإن لم يذكر القدر، وصورة ذلك أن يقول:"أبرئه من ديني".
وما ذكره الجمهور والقاضي؛ بناء على الصحيح في أن الإبراء من المجهول لا يصح:
[أما] إذا قلنا: إنه يصح؛ فيحسن أن نجزم بالصحة، وعليه يتفرع ما إذا قال:"أبرئ فلاناً عن شيء من ديني، أو عما شئت منه"، فيصح إبراؤه بشرط أن يبقي منه شيئاً.
قال: وفي الإقرار وجهان:
وجه الجواز: أنه قول يلزم به الحق؛ فجاز التوكيل فيه؛ كالشراء، وهذا ظاهر المذهب في تعليق البندنيجي، [والمهذب]، والأصح في التهذيب.
ووجه المنع: أنه توكيل في إخبار عن حق، فلم يصح؛ كالتوكيل في الشهادة به؛ وهذا قول ابن سريج، ويحكي عن الأكثرين، واختاره القفال، والإمام، وقال القاضي الحسين: لا خلاف فيه على مذهبنا.
التفريع:
إن قلنا بالأول، فلا يجعل الموكل مقرًّا ما لم يقر الوكيل، ولا يشترط أن يكون ما يوكل بأن يقر به معلوماً، بل يجوز أن يقول:"وكلتك؛ لتقر عني بألف مثلاً، أو بمال".
وحكى صاحب العدة عن رواية الشيخ أبي علي: أنه يشترط أن يكون معلوماً، وهو ما حكاه الماوردي، والغزالي، [والشيخ في المهذب] فإذا لم يذكر القدر والصفة؛ لم يصح.
فإن قلنا: لا يشترط، فلو قال:"أقر عني"، كان كما لو قال: أقر عني بشيء في وجه حكاه الرافعي عن الشيخ أبي حامد، والإمام، والطبري في العدة عن حكاية الشيخ أبي علي.
والمذهب – وهو الذي جزم به البندنيجي: أن الوكيل إذا قال: أقررت عنه، لم يكن إقراراً بشيء؛ كقول الموكل:"أقررت".
قلت: وهذا التصوير من البندنيجي يقتضي أن كيفية الإقرار إذا عين له شيئاً يقر به – أن يقول: ["قررت عنه بكذا".
وقد صور بعضهم إقرار الوكيل عن موكله بأن يقول]: "جعلت موكلي مقرًّا بكذا".
وعلى الثاني- وهو أن التوكيل في الإقرار لا يصح – فهل [يجعل] الموكل مقرًّا به؟ فيه وجهان:
أحدهما -: وبه قال ابن سريج، وهو الأصح في التهذيب -: لا؛ كما لا يكون الأمر بالأمر أمراً.
والثاني: نعم، وقد نسبه المتولي إلى رواية ابن سريج أيضا، ً وصاحب [التهذيب] قال: إنه من تخريج ابن القاص؛ لأن توكيله دليل على ثبوت الحق عليه، واختاره الإمام؛ هذه طريقة الجمهور.
وفي الحاوي وحلية الشاشي: أنا إذا صححنا التوكيل، فهل نجعله مقرًّا به أم لابد من إقرار الوكيل؟ فيه وجهان:
قال: وفي تملك المباحات: كالصيد، والحشيش، والماء – قولان:
وجه المنع، وهو الأصح في الجيلي: أن سبب الملك وجد منه، وهو وضع اليد؛ فلا تنتقل عنه بالنية؛ كما في الغنيمة.
ووجه الجواز – وهو الأصح عند الجمهور، والمختار في المرشد -: أنه تمليك مال بسبب لا يتعين عليه، فجاز أن يوكل فيه؛ كالابتياع والاتهاب.
واحترزنا بقولنا: بسبب لا يتعين عليه عن الجهاد.
والخلاف المذكور يجري في [التوكيل في] إحياء الموات؛ كما صرح به في المهذب، وقد حكينا عن القاضي الحسين في آخر باب الشركة: أنه مخرج من القولين في مسألة الاشتراك في البغلة، والراوية، والاستقاء، وكذلك قاله القاضي أبو الطيب.
فرع: لو استأجر شخصاً؛ ليحتطب له أو يحتش مدة معلومة، أو يحيى له أرضاً ميتة – فالإجابة صحيحة؛ كما صرح به القاضي الحسين في أواخر الشركة، وادعى الإمام الجزم بذلك.
وأجاب القاضي ابن كج [وابن سريج] بمنع الصحة.
وحكى البغوي والمتولي في باب الإجارة في [صحة] ذلك وجهين.
وعلى الأول لو كانت الإجارة على استقاء الماء – فسدت؛ للجمع بينها وبين غيرها من العقود على عوض واحد، فالماء للمستأجر؛ لأن منافعه مضمونة عليه بأجرة المثل؛ وهذا [إذا] لم يقصد المستقي نفسه، أما إذا [قصد نفسه] في هذه الحالة، فعن الشيخ أبي علي أنه يكون للمستأجر – أيضاً – وتوقف الإمام فيه؛ لأن منفعته غير مستحقة للمستأجر، وقد قصد نفسه، فليكن الحاصل له.
[فرع] آخر: لو أمره بالالتقاط، فالتقط، كان المُلتَقِط أحق به؛ قاله في البحر، ولم يحك فيه الخلاف المذكور [في التوكيل] في الاحتطاب.
وقال صاحب البيان: يحتمل أن يتخرج [على الوجهين][فيه].
قلت: -وهذا يظهر إذا غَلَّبنا على اللقطة شائبة الاكتساب.
قال: ولا يجوز التوكيل في الظاهر والأيمان [والإيلاء].
أما في الأيمان؛ فلأن التوكيل لا يحصِّل مقصودها، وهو تعظيم الرب – سبحانه وتعالى – فأشبه العبادات، والشهادة.
وأما في الظهار؛ فلأنه منكر من القول وزورٌ، وفي ذلك إعانة عليه مع أنه فيه معنى اليمين؛ [لأنه [قد يفضي إلى] وجوب الكفارة.
والإيلاء واللعان والقسامة من جملة الأيمان،] فلا يجوز التوكيل فيها، وقد ألحق بها النذور.
وحكى القاضي الحسين في جواز التوكيل في الظهار خلافاً، مبنيًّا على أن المغلب فيه شائبة الطلاق، أو اليمين؟ فإن غلب الأول؛ جاز، وهو ما قال في التتمة: نه المذهب، وإن غلب الثاني؛ فلا، كما هو الظاهر عند المعظم، ونسبه المتولي إلى المزني.
قال: وفي الرجعة وجهان: وجه الجواز - وهو الأصح، وبه جزم الماوردي، والإمام [هاهنا] القياس على النكاح؛ فإن كل واحد منهما القصد به استباحة المحرم.
ووجه المنع: [القياس] على التوكيل في اختيار [العدد الذي جوزه الشرع عند إسلام الزوج على أكثر منه، وعلى التوكيل في اختيار] المطلقة من الزوجتين طلاقاً مبهماً والمعتقة من الأمتين كذلك؛ لتوقف ذلك على شهوات النفوس.
وفي بحر المذهب حكاية قول في جواز التوكيل في اختيار الزوجات عند الإسلام؛ إلحاقاً له بالرجعة.
وجزم المتولي بعدم الإلحاق عند إطلاق التوكيل، وبالإلحاق إذا أشار إلى أربعة منهن، وقال: [وكلتك في اختيارهن في النكاح.
وكذلك قال فيما إذا طلق إحدى المرأتين لا بعينها، ثم أشار إلى واحدة، وقال:] [وكلتك في] اختيارها للنكاح، أو للطلاق.
قال: وأما حقوق الله تعالى، فما كان منها عبادة، لا يجوز التوكيل فيها؛ لأن المطلوب منها ابتلاء الشخص وامتحانه بإتعابه نفسه، وذلك لا يحصل بالتوكيل.
قال: إلا في الزكاة - أي: في تريقها - والحج - أي: عند العجز - لما ذكرناه في موضعه.
ويندرج في الحج ركعتا الطواف.
وفي الجيلي حكاية وجه في الزكاة: أنه لا يجوز التوكيل فيها؛ كالصلاة، وفي الصلاة: أنه يجوز فيها [كركعتي] الطواف.
وعلى الأول- وهو الصحيح – تلتحق بالزكاة الكفارات، وتفرقة النذور، وذبح الأضاحي، والهدايا، وبالحج الصوم على القول القديم في حق الميت.
والتوكيل في إزالة النجاسة جائز، وعنها احترز الشيخ بقوله:"عبادة"؛ لأنها من باب التروك؛ ولهذا لا يشترط فيها النية.
وغسل الميت قال في البحر: لا يجوز التوكيل فيه؛ لأنه من فروض الكفايات.
قلت: ويحتمل أن يكون ما قاله محمولاً على ما إذا لم يكن ثم من يجب عليه بخصوصه.
قال: وما كان منها حدًّا – أي: كحد الزنا، والشرب، والسرقة – يجوز التوكيل في استيفائه – أي: في حضرة الإمام، وغيبته وكذا في حضرة السيد وغيبته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها".
قال: دون إثباته؛ لأنه يحتاط لإسقاطه، فالتوكيل في إثباته مناقض للمقصود فيه.
ولأن الوكالة لو جازت في ذلك؛ لكانت في العدوى، والدعوى فيه غير مسموعة؛ كما صرح به في البحر.
قال: وما جاز التوكيل فيه، جاز مع حضور الموكل ومع غيبته:
أما في الأموال؛ فلما ذكرناه من أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال؛ لقبض الصدقة والجزية، وقد اتفق العلماء على ذلك.
وأما في الباقي؛ فلأنه حق يجوز التوكيل فيه بحضرة الموكل، فجاز في غيبته؛ كقبض الديون.
قال: وقيل: لا يجوز في استيفاء القصاص، وحد القذف مع غيبة الموكل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ادرءوا الحدود بالشبهات"، وفي استيفاء هذا الحد شبهة؛ لأنه لا يدري الوكيل:[هل] عفا موكله أم لا؟ فلم يجز له استيفاؤه.
ولأن الحاضر قد يرق فيعفو، والغائب بخلافه؛ فاشترط حضوره؛ احتياطاً للدم؛ وهذا ما نص عليه الشافعي هاهنا؛ لأنه قال:"لم أحد، ولم اقتص حتى يحضر المحدود له، [أو المقتص] له"
ولأجل ذلك قال الطبري في المنهاج – كما حكاه في البحر عنه: إنه المذهب الصحيح.
وحكى الرافعي عن الروياني: أنه قال: هذا الذي يفتي به.
قال: وقيل: يجوز – أي: قولاً واحداً – لما ذكرناه أولاً؛ وهذا قول أبي إسحاق وغيره من أصحابنا، وتمسكوا فيه بظاهر قول الشافعي في باب الشهادة على الجناية، وبقوله في آخر الديات:[إذا وكله في تثبيت [حد لم يكن]، له
أن يقتص حتى يحضر المقتص له أو وكيله).
وحملوا ما روي [عنه هنا] على الاحتياط.
وقد اختار هذه الطريقة- على ما حكاه في البحر –القاضي أبو الطيب الطبري، والقاضي أبو حامد، وأضاف ابن الصباغ إلى الطبري الشيخ أبا حامد.
وقد اعترض النواوي – رحمه الله – على الشيخ في إعادته هذا القول من حيث إنه داخل فيما ذكره أولاً.
وقد يجاب بأن المراد [به] بيان أن الأصحاب نصوا على جوازه، لا أنه مأخوذ من عموم قاعدة قرروها.
قال: وقيل: فيه قولان، ووجههما ما ذكرناه، واصحهما عند الماوردي، والبغوي:[الجواز، وقد اختار هذه الطريقة صاحب الإفصاح، وادعى الرافعي: أنها المشهورة، والماوردي]: أنها الذي صار إليها الأكثرون.
وقرب القاضي الحسين القولين من القولين في جواز الشهادة على الشهادة فيهام، وكذلك في كتاب القاضي إلى القاضي.
ومحل الاتفاق على صحة التوكيل على هذه الطريقة إذا صدر بعد ثبوت القصاص، فلو صدر قبل ثبوته؛ في صحته وجهان:
أحدهما – وهو قول أبي إسحاق – لا يصح؛ كذا قاله الماوردي في كتاب القسامة.
التفريع:
إن قلنا: بعدم الجواز، فوكل فهي، واستوفاه الوكيل – وقع الموقع، لكنه لم يستوفه بوكالة صحيحة.
وإن قلنا بالجواز، ففعله الوكيل بعد العفو، وقبل العلم به، فهل يجب على الوكيل الدية؟
[قال الماوردي في كتاب الجنايات: إن كانت مسافة الوكيل أبعد من زمان العفو، مثل: أن يكون الوكيل على مسافة عشرة أيام، وعفو الموكل قبل القصاص بخمسة أيام – فعفوه باطل؛ كما لو رمى سلاحه على المقتص منه، ثم عفا عنه قبل وصول السلاح إليه؛ [فإنه لا يجب] على الوكيل شيء.
وإن كانت مسافة الوكيل أقصر من زمان العفو، مثل: أن يكون الوكيل على مسافة خمسة أيام، وعفو الموكل قبل القصاص بخمسة أيام؛ ففي وجوب الدية على الوكيل] قولان، وقد بناهما البندنيجي وابن الصباغ على انعزال الوكيل قبل العلم.
قلت: وفي البناء نظر؛ من حيث إن الوكيل ينعزل ضمناً وإن لم يبلغه الخبر وجهاً واحداً؛ كما إذا باع الموكل ما وكل فيه، أو أزال ملكه عنه؛ وهذا منه؛ لأن العزل وقع ضمناً بالعفو عن الحق.
وقد يجاب عن ذلك بأن الخلاف المذكور راجع إلى صحة العفو، وعدم صحته قبل العلم؛ كما صرح به المحاملي في المجموع، فمن لم يصحح العفو قبل العلم؛ لم يوجب الدية، ومن صححه أوجبها، [والله أعلم].
ثم إذا لم تجب الدية، [فهل تجب الكفارة؟ فيه وجهان.
وإن أوجبنا الدية، وجبت الكفارة.
لكن الدية] هل تجب في ما له دية عمد، أو تجب على عاقلته دية عمد الخطأ؟ فيه وجهان:
أولهما: اختيار الشيخ أبي إسحاق.
والثاني: اختيار ابن أبي هريرة
فإن أوجبناها عليه، فهل يرجع [بها] على الموكل؟
[حكى الجيلي عن ابن الصباغ فيه وجهين.
وعن البغوي القطع بعدم الرجوع.
وإن أوجبناها [على العاقلة]، فلا رجوع لهم على الموكل].
عند ابن الصباغ، والبغوي.
وفيه وجه حكاه الجيلي، أيضاً.
ولا نزاع في انه لا يجب عليه القصاص.
وفي الجيلي حكاية وجه [فيه].
ثم اعلم أن [من] المستثنيات – أيضاً – توكيل المرتهن في بيع الرهن؛ فإنه لا يصح البيع منه في غيبة الموكل، ويصح [مع] حضوره؛ على الأصح عند العراقيين؛ كما ذكرناه في باب الرهن، ولم يستثنه الشيخ.
قال: ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول؛ لأنها إثبات حق السلطنة والتصرف للوكيل؛ فافتقرت إلى ذلك؛ كسائر التمليكات.
وصيغة الإيجاب أن يقول: "وكلتك"، أو:"أنت وكيلي"، أو:[قد] جعلتك لي وكيلاً في كذا، ويقوم مقام ذلك قوله:"فوضت إليك"، "وأنبتك فيه"، و"أقمتك مقامي فيه"، وكذا قوله:"بعه"، و"وهبه لزيد"، [وما] أشبه ذلك؛ للدلالة على المقصود.
قال: ويجوز القبول فيه بالقول؛ كما في سائر العقود، وصورته أن يقول:"قبلت الوكالة"، ويقوم مقامه قوله:"توكلت".
قال: والفعل – أي: الموكل فيه – لأن الوكالة أمر للوكيل، وقبول الأمر امتثاله، وذلك يحصل بالتصرف؛ كما قلنا في الوديعة والعارية، [أيضاً]، ويخالف هذا سائر العقود من الهبة، والوصية، غيرهما؛ لأنها تتضمن التمليك؛ فافتقرت إلى القبول بالقول؛ كالبيع.
وقد صار إلى هذا أيضاً صاحب التهذيب، وكثيرون.
وحكى – أيضاً – عن القفال، لكنه عبر عنه بأنه [لايحتاج] إلى القبول؛
لأن الاشتغال بالتصرف قبول منه له.
قال الروياني: والأولى العبارة الأولى.
وحكى الإمام وجهاً مع ما حكى عن القفال: أنه لابد من القبول باللفظ.
والذي حكاه القاضي الحسين: أنا لا نشترط القبول باللفظ إذا كان لفظ الموكل صيغة أمر، كقوله:"بع"، ونحوه، وأجرى الخلاف فيما إذا كان على صيغة العقود؛ كقوله:"وكلتك"، و"فوضت إليك".
وعلى ذلك جرى المتولي، لكنه جعل المذهب المشهور حيث أجرى الخلاف: أنه لا يشترط القبول - يعني: باللفظ - كما هو عند غيره، وأن من صار إلى اشتراطه هو الذي [يراعي في العقود ألفاظها لا معانيها.
والذي ذكره القاضي أن اشتراط القبول هو الذي يدل عليه] ظاهر النص، وقد استحسن الإمام هذه الطريقة هاهنا، وقال في أول كتاب الوديعة: الأصح: أنه لا يشترط القبول في الوكالة، على أي وجه فرضت.
وألحق المتولي بقوله مع قوله: أذنت لك في كذا.
قال: ويجوز على الفور؛ كسائر العقود وعلى التراخي؛ لان الوكالة تصح بالمعلوم والمجهول: كالخصومات، وبالموجود وبالمعدوم: كاستيفاء ما وجب له وما سيجب؛ فجاز تراخي القبول فيها؛ كالوصية.
هذه علة الشيخ أبي حامد، وقد يمنع جواز التوكيل فيها بالمجهول - كما صوره [في المخاصمة]- فإن لأصحابنا وجهاً في عدم صحة التوكيل بها.
كذا والذي وجهه به القاضي أبو الطيب: أن التوكيل إذن في التصرف، والإذن قائم ما لم يرجع الآذن، وإذا كان الإذن باقياً، لم يكن فرق بين أن يقبل في الحال، أو يؤخر القبول إلى وقت آخر.
وحكى القاضي الحسين وجهين فيما إذا اشترطنا القبول بالنطق: أنه هل يكتفي
به في [غير] ذلك المجلس؟ وقال: الأصح [عند]: أنه يختص [بذلك في] المجلس.
وقال في التتمة: لا خلاف أنه لا يجب القبول كسائر العقود، والأمر فيه موسع.
وحكى الشيخ والماوردي عن القاضي أبي حامد: أنه اعتبر وقوع القبول على الفور؛ كما في البيع، وخطأه الماوردي.
قال الرافعي: وهذا إذا اشترطنا النطق، أما إذا لم نشترطه، فلا يشترط التعجيل بحال، ولو خرج على أن الأمر [هل] يقتضي الفور؟ لما بعد.
وقد حكى الغزالي ما ذكره الشيخ عن العراقيين، قوال: إنه عين إسقاط القبول، وي إطلاقه نظر؛ من حيث إن القبول يطلق بمعنيين:
أحدهما: اللفظ الدال على الرضا على النحو المعتبر في المعاملات.
والثاني: الرضا، والرغبة فيما فوض إليه، ويقتضيه الرد، فإن أراد المعنى الأول فصحيح، لكن المعتبر عند العراقيين في الوكالات القبول بالمعنى الثاني؛ حتى لو رد، وقال:"لا أقبل، ولا أفعل"، بطلت، ولو ندم، وأراد أن يفعل، احتاج إلى تجديد الإذن.
ثم ما ذكرناه من عدم اشتراط الفورية مفروض فيما إذا لم يعين زمان العمل الذي وكل فيه.
فإن تعين، وخيف فواته، كان القبول فيها على الفور.
وكذلك لو عرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده صار قبولها على الفور؛ صرح به الماوردي، وتبعه الروياني.
[فرعان]:
على القول [بأنا لا نشترط] القبول؛ كما حكاه الإمام:
أحدهما: لو وكله، والوكيل لا يشعر [به]، هل تثبت وكالته؟
قال في النهاية: فيها وجهان، يقربان من القولين في أن العزل هل ينفذ قبل بلوغ الخبر، فالوكالة أولى بألَاّ تثبت، فن لم نثبتها، فهل يحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر؛ كالعزل أم لا؟
فيه وجهان عن رواية الشيخ أبي محمد.
إن لم نحكم به، فقد اشترطنا اقتران علم الوكيل بالوكالة.
والأظهر: ثبوت الوكالة وإن لم يعلم، وعلى هذا فلو تصرف الوكيل، وهو غير عالم، ثم تبين الحال، خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على [ظن] أنه حي، فإذا هو ميت.
الثاني: لو كتب إليه بالوكالة، وأرسل إليه، كفى.
وعلى القول "باشتراطه بالنطق"، فالحكم كما لو كتب بالبيع، والذي أجاب به الماوردي، والبندنيجي، والروياني الجواز، وادعى القاضي أبو الطيب في مسألة بلوغ الخبر إجماع المسلمين على الصحة.
[فرع:] تعيين الوكيل شرط في الوكالة؛ حتى لو قال: أذنت لكل من أراد بيع عبدي [هذا]، لم يصح التوكيل؛ صرح به الإمام في الجعالة، ونسبه الغزالي في كتاب الحج إلى القفال.
قال: ولا يجوز عقد الوكالة على شرط مستقبل، أي: مثل إن قال: "إذا جاء رأس الشهر، فقد وكلتك في بيع عبدي"؛ كما صوره في التهذيب، أو:"إذا تزوجت فلانة، فقد وكلتك في تطليقها"، أو: إذا اشتريت عبداً، فقد وكلتك في
بيعه [أو عتقه]؛ كما صوره ابن أبي الدم.
[و] وجهه: أنه عقد يملك به التصرف في حالة الحياة، لم يبن على التغليب والسراية، وتؤثر فيه الجهالة؛ فلم يجز تعليقه على شرط؛ كالبيع، والإجارة، والقراض.
وحكى الشيخ في المهذب [وغيره] وجهاً: أنه يجوز كما في الوصية، والإمارة؛ وكذا حكاه ابن أبي الدم في الصورتين اللتين ذكرهما.
وقال الإمام في آخر باب الطلاق قبل النكاح فيما إذا قال الإنسان: "إن تزوجت فلانة؛ فقد وكلتك في طلاقها": إن الوجه القطع ببطلان الوكالة؛ فإنه تصرف في الطلاق قبل الملك.
وأيضاً: فإنا [إذا] لم نجوز تعليق الطلاق قبل النكاح مع أنه يقبل التعليق، فكيف تصح الوكالة مع الاختلاف في قبولها [التعليق].
وقال هاهنا: أحسن الطرق عندي تخريج ذلك على الخلاف في [أن] القبول هل يشترط؟ فإن قلنا بعدم اشتراطه، لم يمتنع تعليق الوكالة، وإن شرطناه [فيبعد تصحيح التعليق في الوكالة.
وحكى عن شيخه: أنا إن لم نشترط القبول، جاز التعليق، وإن اشترطناه]، ففي جواز التعليق وجهان.
وإن هذا بعيد، لم نره إلا له، ومقتضى ما قاله هو وشيخه: أن يكون الصحيح صحة التعليق؛ فإن الصحيح عدم اشتراط القبول، والصحيح عند العراقيين ما ذكره الشيخ، [وأجابوا] عن الوصية بأنها تجوز بالمجهول، وما جاز بالمجهول جاز تعليقه؛ لأنهما متقاربان.
وعن الإمارة بأنها تجوز مع الجهالة – أيضاً – فإن عمر – رضي الله عنه – جعلها شورى.
وقد تحصل من مجموع ذلك في كيفية [بناء] الخلاف – ثلاث طرق:
أحدها: وهي طريقة العراقيين: أن القبول بالقول لا يشترط، وفي جواز التعليق وجهان.
والثانية والثالثة طريقة الإمام ووالده.
[فرع: قال في البحر في كتاب القراض: إذا قال: "وكلتك في بيع [هذه السلعة]، وصرف ثمنها في سلعة أخرى" – صح التوكيل بالبيع، وفي التوكيل بالشراء وجهان].
قال: فإن عقد على شرط، ووجد الشرط، فتصرف الوكيل، نفذ تصرفه – أي: وإن فرعنا على المذهب – لوجود الإذن الخالي عن المفسد؛ كما لو وكله في البيع، وشرط له جعلاً فاسداً؛ فإن الوكالة فاسدة، والبيع صحيح بصحة الإذن، لكن التصرف وإن صح فلا يسوغ للوكيل الإقدام عليه؛ لفساد الوكالة، ويستحق أجرة المثل [إذا تصرف]، وقد شرط له جعلاً.
واستبعد ابن الصباغ عدم جواز التصرف مع القول [بصحة الإذن]، وقال: لو لم يستبح التصرف، لم يصح منه فلما صح منه تبين أنه يستبيحه بالإذن وإن فائدة الفساد: أن المسمى لا يثبت، وتجب أجرة المثل.
وعكس الشيخ أبو محمد ذلك، وقال: هو لا يستبيح التصرف؛ فلا ينفذ تصرفه، وقطع به.
قال الإمام: وكشف الغطاء عن ذلك: أن صيغة الإذن الصادر من الموكل إن
كانت [أمراً وجرينا] على أنه لا يقتضي القبول، فيجب القطع بأنها تقبل التعليق.
[وإن كانت توكيلاً، وقضينا بأنها تفتقر إلى قبول، فالتعليق يسد بخروج القبول عن الضبط؛ فكأن لا قبول، وإذا فسد القبول، لم] يستفد الوكيل التصرف.
وقد حكى المتولي ما صار إليه الشيخ أبو محمد وجهاً.
[قال:] وإن وكله في الحال، وعلق التصرف على شرط – جاز.
قال في المهذب: لأنه لم يعلق العقد على شرط، وإنما علق التصرف فيه، فلم يمنع صحة العقد، وصورة [ذلك أن يقول: وكلتك "أن تبيع مالي، أو تطلق زوجتي بعد شهر".
وصور الإمام] ذلك بأن يقول: وكلتك ببيع عبدي، ولا تبعه إلا بعد شهر.
والرافعي بأن يقول: "وكلتك ببيع عبدي الآن، ولا تبعه إلا بعد شهر". وادعى اتفاق الأصحاب على صحة ذلك.
وقال الإمام: في صحة التوكيل نظر؛ فإنه لا معنى للتوكيل مع امتناع التصرف، والمقصود من الألفاظ معانيها، وحكى أن في كلام العراقيين رمزاً إلى أنه لا فرق بين تعليق الوكالة، وبين تعليق التصرف بالوكالة، وأنه حسن.
وقد ألحق البغوي بما ذكرناه في الصحة ما إذا قال: وكلتك [أن تطلق] كل امرأة أتزوجها، وتعتق كل عبد أشتريه، ثم نكح، وملك.
والمتولي عند الكلام في اشتراط الفورية في القبول [ألحق به] ما إذا قال: وكلتك ببيع ما يثمر نخلي وتنتج مواشيَّ؛ نظراً إلى تنجيز الوكالة في الحال.
وما قالاه قد حكاه الإمام وجهاً عن القاضي في [آخر باب] الطلاق قبل
النكاح فيما إذا قال: وكلتك في بيع [عبد] فلان إذا ملكته، أو: في طلاق فلانة إذا نكحتها، ثم ملك، ونكح.
وحكى عنه وجهاً آخر: أنه لا يصح [ثم قال: والوجه عندي القطع بالفساد؛ فإن الوكالة لا تصح]، لتنجيزها، والتصرف غير ممكن؛ فلا فرق في المعنى بين هذه الصورة وبين ما إذا قال:"إن تزوجت فلانة، فقد وكلتك في طلاقاه".
فروع:
[أحدها:] لو أَقَتَ الوكالة، فقال:"وكلتك إلى شهر، صح؛ كما حكاه الرافعي عن العبادي في الرقم، والقاضي الحسين في كتاب: القراض.
[الثاني:] تعليق العزل على شرط يجز؛ على الأصح؛ [كما] في النهاية، وفيه وجه.
وقد أشار القاضي الحسين والإمام إلى أن الخلاف يترتب على تعليق التوكيل، وأولى بالجواز؛ فإن الطريقة الصحيحة بناء تعليق التوكيل على اشتراط القبول فيها، وهو غير مشترط في العزل.
[الثالث:] تعليق الإباحة على الشرط، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر، فقد أبحتك كذا، هل يجوز؟ فيه وجهان في آخر كتاب الوكالة [في البحر].
فرع: إذا جوزنا تعليق الوكالة، فقال الموكل: وكلتك في كذا، وكلما عزلتك، فأنت وكيلي –صحت الوكالة في الحال؛ على الأصح.
وفي تعليق القاضي الحسين وغيره حكاية وجه: أنها لا تصح؛ لاشتمالها على شرط التأبيد، وهو إلزام العقد الجائز.
فإن قلنا بالأول، أو كان قوله: مهما عزلتك، فأنت وكيلي منفصلاً عن الوكالة – إذا عزله، وعلم الوكيل، عاد وكيلاً، وهكذا الحكم فيما إذا لم يعلم،
وقلنا: لا يشترط بلوغ الخبر في العزل، أما إذا اشترطناه؛ فلا يكون [قد] عزل، ثم عاد، بل هو مستمر على الوكالة.
وقد حكى الإمام فيما إذا قلنا: إنه ينعزل وإن لم يشعر به –تردداً عن الأصحاب: [و] أن منهم من الحق عوده وكيلاً بالتوكيل، حيث لا يشعر الوكيل، ول يشترط القبول، وقد ذكرناه.
ومنهم من قال بنفوذ التوكيل هاهنا؛ فإن صورة المسألة تؤمن الوكيل من اطراد العزل عليه.
ثم قال: ولا شك أنا نضطر إلى عود العزل في وقت وإن لطف، ثم نفرض على الترتيب عود الوكالة، فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف، فهل ينفذ؟ فيه وجهان:
فإن لم ننفذه، [و] وقع الاختلاف فيه، فالأصل استمرار الوكالة، والحكم بنفوذ التصرف.
قال الرافعي: وهذا الفرض والتصوير إنما [يتضح] لو وقع بينهما ترتيب زماني، والترتيب في مثل هذا لا يكون إلا عقليًّا.
وطريق الموكل في عزل الوكيل أن يوكل غيره، فيعزله، فإن كان قد قال:"كلما عزلتك، أو عزلك غيري، فأنت وكيلي" – فطريقه [فيه] كما قال الشيخ أبو محمد: أن يقول: "كلما عدت وكيلي، فأنت معزول" فيلتقي عود الغزل وعود الوكالة، والعزل أغلب، وإلى ذلك أشار الغزالي بقوله:"فيتقاوم العزل والوكالة والأصل منع التصرف".
قال: وإن وكله في خصومة، أو [في] استيفاء حق – لم يفتقر
[إلى] رضا الموكل عليه؛ لأن التوكيل في ذلك رضا الخصم جائز اتفاقاً، وما جاز التوكيل فيه برضا الخصم، جاز التوكيل فيه بدونه، كالتوكيل في قبض الزكاة، والجزية.
ولأنه توكيل لا يعتبر فيه رضا الخصم مع غيبة الموكل، فلم يعتبر فيه [مع] حضوره؛ كتوكيل المريض [والمخدرة، وقد وافق الخصم]- وهو أبو حنيفة - على جواز ذلك.
فرع: لو وكله في مخاصمة كل خصم يحدث له في ففي صحة هذه الوكالة وجهان:
أحدهما - وهو [قول] البصريين - أنها باطلة؛ لما يتضمنها من الجهالة بالموكل فيه، وأنها على غير شيء في الحال.
والثاني - وهو قول البغداديين - أنها صحيحة؛ لأنها من العقود الجائزة؛ فلا تبطل بالجهالة.
فعلى هذا هل يحتاج إلى بيان ما فيه الخصومة من عين، أو دين، أو أرش جناية، أو بدل مال؟ فيه وجهان حكاهما العبادي، كالوجهين في بيان من يخاصم معه.
قال: وإن وكَّله في حق، لم يجز للوكيل أن يجعل ذلك إلى غيره؛ لأنه لم يأذن له في التوكيل، ولا تضمنه إذنه عرفاً؛ فلم يجز له، والأصل في التصرف في مال الغير الحظر.
ولأنه إنما رضي بأمانته؛ فلا يجوز أن يأتمن غيره؛ [كما في الوديعة].
قال: إلا أن يأذن له فيه؛ لزوال المانع، أو كان ذلك مما لا يتولى مثله بنفسه، أي: مثل أن يوكل في البيع والشراء من لا يتولى التصرف في الأسواق، أو من هو جاهل بما وكله فيه.
ووجهه: أن الموكل إذا علم أن الوكيل لا يحصل المقصود بنفسه في العادة، انصرف الإذن فيه إلى ما جرت به العادة من الاستنابة.
قال: أو لا يتمكن منه؛ لكثرته؛ لما ذكرناه، وقاسه في [بحر] المذهب على عامل القراض.
والكثرة: بفتح الكاف، وحكى كسرها.
وحكى المتولي وغيره وجهاً: أنه لا يجوز له التوكيل في هذه الحالة.
وحكى الروياني عن بعض المراوزة: انه صححه، وغلطه فيه، وقد حكى هذا الوجه - أيضاً -فيما إذا كان الوكيل لا يتولى مثل الموكل فيه بنفسه.
وعلى الصحيح هل يملك التوكيل في جميع ما وكل فيه، أو فيما عجز عن التصرف فيه؟ فيه وجهان: أصحهما في الرافعي: الثاني.
ويجيء من مجموع ما ذكرناه ثلاث طرق: إحداها: الجواز يما لا يقدر على التصرف فيه، وفيما يقدر وجهان.
[والثانية: لا يجوز فيما يقدر، وفيما [لا يقدر] عليه وجهان].
والثالثة: إجراء الخلاف في الحالتين.
فرع: [قال ابن سريج:] إذا وكله في تصرف سماه له، [ثم] قال:[قد] أذنت لك أن تصنع ما شئت، فهل يكون ذلك إذناً في التوكيل؟ فيه قولان: في مجموع المحاملي، ووجهان في الشامل وغيره.
قال في البحر: وهو الأصح، والمختار في المرشد منهما المنع.
فرع: إذا وكل بالإذن، فالوكيل الثاني وكيل عمن؟ ينظر:
فإن قال: "وكِّلْ عني"، فهو وكيل عن الموكِّل، لا ينعزل بانعزال الواسطة، ولا عزله.
وإن قال: "عن نسك"، فالذي حكاه العراقيون عن القاضي أبي الطيب،
والماوردي، والشيخ في المهذب، وغيرهم: أنه وكيل عن الوكيل، فله عزله، وينعزل بانعزاله، وللموكل-أيضاً – عزله.
وحكى القاضي الحسين: أنه ينعزل بموته، وجنونه، وهل ينزل بعزله؟ فيه وجهان: أحدهما: [لا]؛ لأنه وكيل في التوكيل دون العزل، والعزل ضده: كالوكيل في البيع، لا يملك الإقالة.
وأن طريق الموكل الأول [في عزل الثاني أني عزل الأول،] فلو عزل الثاني، فهل ينعزل؟ يحتمل وجهين.
وحكى الغزالي مع ما حكيناه عن العراقيين وجهاً آخر: أنه وكيل عن الموكل؛ فعلى هذا يكون حكمه ما ذكرناه أولاً.
وحكى الروياني عنهم [أنه] الأصح، ظاهر مذهب الشافعي.
وفي الوسيط على هذا: إذا مات الواسطة هل ينعزل الأخير؟ فيه وجهان:
فإن قال: "وكل"، وأطلق، فهل [يكون] ذلك كما لو قال:"وكل عني" أو "عن نفسك"؟ فيه وجهان في الحاوي وغيره، وأصحهما [في الرافعي] الأول، وهو الذي حكاه في البحر.
فرع: حيث جوزنا التوكيل بغير الإذن، فينبغي ان يوكل عن موكله، فلو وكل عن نفسه؛ ففيه وجهان [في الرافعي].
تنبيه حيث جوزنا للوكيل التوكيل، فلا يجوز أن يوكل إلا ثقة كافياً فيما يوكِّل فيه، إلا أن يعين له الموكل شخصاً.
وفي البحر في كتاب الوصية [وجه] أنه يجوز أن يوكل الفاسق.
وعلى المذهب: لو وكل عدلاً حيث لا تعيين من جهة الموكل، ففسق، فهل [له] عزله دون إذن موكله؟ فيه وجهان في الحاوي وغيره، والمختار في المرشد الجواز، وخص الغزالي محل الوجهين بما إذا قال:"وكل عني".
واستشكل بعضهم وجه جواز العزل؛ فإنه إذا لم يكن [وكيلاً] عنه، فكيف يقدر على عزله.
قال: وإن وكل اثنين، لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف؛ لأنه إنما رضي باجتادهما دون اجتهاد أحدهما.
قال: إلا أن يجعل الموكل ذلك إليه؛ لرضاه بتصرف كل [واحد] منهما.
وحكى العراقيون وجهاً فيما إذا وكلهما في حفظ مال: أنه يجوز لأحدهما أن يسلمه إلى الآخر؛: لينفرد بحفظه، ونسبوه إلى ابن سريج.
قال [الإمام]: والفرق بين ذلك وبين ما إذا أِرك بينهما في التصرف؛ أن استحفاظهما مشعر في الظاهر بقيام كل واحد منهما بحق الحفظ لو لم يكن صاحبه حاضراً، فإن اعتقاد اجتماعهما أبداً على الحفظ وهوأمر دائم - بعيد، والألفاظ الملطقة تؤخذ من موجب العرف، والتصرفات تقع في أوقات، فليس يتعذر الاجتماع عليها؛ فلذلك حمل الأمر فيها على الاشتراك، وصدرو التصرف عن رأيهام؛ كذا حكاه قبل باب الرهن والحميل.
وما قاله من الفرق منتفض بتوكيلهما في الخصومة؛ فإنه حكى وجهين في أن أحدهما هل له أن يستبد بها، مع أنها تقع في أوقات [لا يتعذر] فيها الاجتماع.
ثم على وجه الجواز في [مسألة] التوكيل بالحفظ: لو "أرادا" أن يقسما ما وكلا في حفظه، وأمكنت قسمته، جاز؛ كما حكاه القاضي أبو الطيب في الرهن، ونسبه في المهذب إلى [تخريج] ابن سريج، وحكى الإمام معه في أواخر كتاب الرهن [وجهاً آخر:] أن القسمة لا تجوز.
[و] على وجه الجواز: إذا وقعت القسمة، ثم أراد أحدهما أن يدفع نصيبه إلى صاحبه، هل يجوز؟
قال القاضي أبو الطيب في كتاب الرهن: يحتمل وجهين:
أحدهما: يجوز؛ كما جازت القسمة، وحكى في الشامل هذين الوجهين عن ابن سريج.
والصحيح عند المراوزة؛ كما حكاه الإمام ثَمَّ، وبه جزم أكثر العراقيين هنا – ما دل عليه كلام الشيخ:[أنه] لا يجوز لأحدهما ان ينفرد بالحفظ، وإذا مات أحدهما، لم يقُم غيره مقامه؛ بخلاف الوصيين إذا مات أحدهما.
ولو غاب أحد الوكيلين، فأقام الحاضر بينة على وكالتهما، سمعت، وثبتت في حق الغائب تبعاً، فإذا حضر تصرفا جمنيعاً؛ قاله القاضي أبو الطيب وغيره.
قال: وإن وكله في البيع، لم يجز أن يبيع من نفسه؛ لأن إطلاق الأمر له لا يقتضي دخوله فيه؛ فلا يملكه.
ولأن البائع عن الغير مأمور بطلب الاستقصاء في الثمن، والمشتري لنفسه طبعه يحثه على أن يسترخص، ويقلل الثمن، وهما متنافيان.
وحكى ابن كج أن القاضي أبا حامد حكى عن الإصطخري وجهاً: أن للوكيل أن يبيع من نفسه [عند] حصول الثمن الذي لو باع [به] من غيره؛ لصح.
قال: وقيل: إن نص له على ذلك – جاز؛ نظراً للعلة الأولى، وصيغته أن يقول:[إن] اخترت أن تشتريه لنفسك من نسك، فافعل، وهذا قول أبي إسحاق.
وحكى الماوردي أنه من تخريج ابن سريج، قال: وليس بشيء؛ لما في ذلك من اتحاد الموجب والقابل، وإذن الموكل لا ينفي ما ذكرناه من تضاد
الغرضين؛ فإن غاية الأمر أن يشتريه لنفسه بثمن المثل، وهو متهم بالتساهل في طلب زيادة عليه.
نعم: لو قال [له]"بعه من نفسك بكذا" جزماً اتجه تصحيح البيع [لأن النظر إلى اتحاد الموجب والقابل إنما كان لما يلحقه من التهمة المفضية] إلى تضاد الغرضين، ولذلك لما فقدت التهمة في حق الأب والجد، لم يكن الاتحاد مانعاً من الصحة، وهاهنا قد انتفت التهمة بالنص على البيع من نسه بشيء معلوم؛ فإنه لو نص على البيع من الأجنبي بشيء لا يجوز البيع من غيره مع وجود الزيادة عليه، وقد وجد هذا هاهنا.
وللقائل بعدم الصحة أن ينظر إلى الغالب.
والخلاف المذكور يجري - كما حكاه المتولي -فيما لو وكله في أن يبيع من ولده الصغير.
[و] قال صاحب التهذيب: وجب أن يصح؛ لأنه رضي بالنظر للطفل، وترك الاستقصاء، وتولي الطرفين في حق الولد معهود في الجملة، بخلاف ما لو باع من نفسه.
[ويجري - أيضاً - الخلاف فيما لو وكله بالهبة، وأذن له أن يهب من نفسه، أو في أن يستوي من نفسه] ما له عليه من دين، أو قصاص.
وعلى قول المنع: إذا استوفى - سقط الضمان.
قال المحاملي: لأنه يسقط بالشبهة.
وأجري - أيضاً -فيما لو وكل الإمام السارق في قطع يده، أو الزاني ليجلد نفسه، واستبعده الإمام في الزاني؛ لأنه متهم بترك الإيلام، بخلاف القطع.
وأجري - أيضاً - فيما لو وكل السيد عبده في أن يكاتب نفسه على نجمين.
وظاهر المذهب في الكل: المنع.
ولو وكله في أن يبرئ نفسه، فطريقان:
إحداهما: حكاية الخلاف فيه.
والثانية: القطع بالجواز، وذلك مبني على أنه هل يفتقر إلى القول أم لا؟
فإن افتقر، خرج على الوجهين.
وإن لم يفتقر [جاز]، كما يجوز أن يوكله في أن يعفو عن القصاص الواجب عليه، وأن يوكل العبد في عتق نسه، والزوجة في طلاقها.
قال في البحر: وإذا صح توكيله في إبراء نفسه، احتاج أن يبرئ في الحال، وإن أخره، لم يصح.
وإنه لا فرق في ذلك بين أن يقول: أمرتك أن تبرئ نفسك، أو: وكلتك في أن تبرئ غرمائي، وتبرئ نفسك إن شئت.
ولو وكله في أن يصالح من نفسه، ففيه وجهان في البحر؛ إذا عين له ما يصالح عنه، فلو أطلق لا يجوز أن يصالح إلا على شيء تبلغ قيمته قدر الدين.
ولو قال: [صالح على ما شئت]، يجوز له أن يصالح على كل وجه.
فروع:
[أحدها:] لو وكل الولد أباه في البيع، هل يجوز له [أن يبيع] من نفسه؛ كما لو استفاد البيع بالولاية أم لا؟
فيه وجهان [في الحاوي]، والمختار منهما في بحر المذهب: المنع.
الثاني: ولو وكل إنسان إنساناً في البيع، ووكله آخر في شراء ذلك، فهل يجوز أن يتولى الإيجاب والقبول؟
فيه وجهان في تعليق القاضي أبي الطيب وغيره، والمذكور منهما في الحاوي والمهذب: المنع، وهو الذي حكى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد الجزم به، وقال: إن الطريق الأول أصح؛ فإنه لا يتقاعد عن بيعه من نفسه، وقد حكى فيه الوجهين.
[وقال الماوردي: إن الوكيل لو أراد أن يقيم على وكالته الثانية من بيع أو
شراء، ويلغي الأولى، هل يجوز؟ يحتمل وجهين].
وقد حكى الإمام في باب الرهن والحميل ما يقتضي عكس ذلك؛ فإنه قال: [إذا قال] من عليه الدين لشخصين، وقد وكلا وكيلاً في قبضه: خذ هذا وادفعه إلى فلان أحد الموكلين، فقد [اختلف] أصحابنا في هذه المسألة:
منهم من قال: ينعزل الوكيل بالقبض عن حكم ذلك الموكل، وصار وكيلاً للمؤدى.
ومنه من قال: [لا ينعلز عن التوكيل بالقبض وإن قبل الوكيل.
ثم قال: و] الأفقه الوجه الأول، ولا يشترط فيه تصيرح الوكيل بالقبول لا قال من عليه الدين:"ادفع إلى موكلك"، [بل] مجرد قوله:"ادفع" يتضمن: أني لا اقنع ببدل على حسب ما وكلك صاحبك.
[الثالث:] لو وكل المتداعيان في المخاصمة شخصاً واحداً، هل يجوز؟ فيه وجهان، أصحهما المنع.
قال: ويجوز أن يبيع من ابنه – أي: البالغ – ومكاتبه؛ لان الملك يقع لغيره، والقابل غيره؛ [فهو] كما لو باع من أجنبي؛ وهذا قول الإصطخري والصح في الرافعي وغيره.
قال: وقيل: لا يجوز؛ لأنه متهم في حقهما؛ لما له من الشفقة على ولده، والاحتياط له، وتوقع عود المكاتب إليه؛ ولهذا لا تسمع شهادته لهما؛ كما لا تسمع شهادته لنسه؛ وهذا قول أبي إسحاق، واختاره في المرشد.
وحكى في البحر: أنه اختيار القاضي أبي الطيب.
وقد أجرى هذا الخلاف في البيع من الزوج والزوجة؛ إذا لم تسمع شهادة أحدهما للآخر.
قال في الشامل، والتتمة، والبحر: ولو أذن له [في] أن يبيع من ولده – جاز بلا خلاف.
ولو عين الموكل الثمن للوكيل عند إطلاق الإذن، ففي جواز البيع من الابن البالغ، ونحوه وجهان مرتبان على ما إذا لم يعين، وأولى بالجواز؛ صرح به القاضي الحسين.
قال: وإن وكل عبداً لغيره – [أي: بإذنه] – في شراء نفسه له من مولاه، فقد قيل: يجوز؛ كما لو وكله في شراء شيء من غير مولاه بإذنه؛ وهذا هو الأقيس في الشامل، والذي ذكره المراوزةن وجعله الرافعي الأظهر.
قال: وقيل: [لا] يجوز؛ لأن يد العبد كيد سيده، فكذا قبوله، وإذا كان كذلك، صار السيد كأنه الموجب والقابل، وذلك لا يصح؛ على الأصح.
وهذا الوجه قال الماوردي: إنه مذهب الشافعي.
وحكى البغوي الوجهين في مداينة العبيد، قوال:[إن ظاهر المذهب منهما: الصحة، لأنه] لا يحتاج إلى إذن السيد قبل الشراء؛ لأن بيعه لنفسه منه إذن له بالشراء.
وقال القاض الحسين في باب بيع المكاتب: إن كانت الوكالة بإذن السيد – جاز قولاً واحداً، وإن كانت بدون إذنه، فوجهان.
والوجهان – [أيضاً] – يجريان فيمالو وكله في أن يشتري له من سيده شيئاً غيره، وفيما لو وكل السيد عبده في بيع نفسه؛ كما حكاه الإمام في آخر النهاية، لكنه جعل الأصح فيهما الصحة؛ فإن مأخذ المنع الاتحاد، وهو منتف هاهنا.
[ثم] حيث صححنا توكيل العبد في شراء نفسه من سيده، فصيغة العقد أن يقول:"اشتريت نفسي لموكلي".
فلو أطلق العبد، ونوى موكله، قال ابن الصباغ: إن صدقه السيد على ذلك، وكان له مطالبة الموكل.
وإن قال: ما اشتريت إلا لنفسي، فالقول قول السيد مع يمينه، يحلف: أنه لا يعلم أنه اشتراه لغيرهن ويطالبه، ولم يتعرض لعتقه.
وكلام الإمام يقتضي: أنه يعتق عند إطلاق العقد؛ فإنه [قال:] إذا أطلق العقد، وقع عن نسه دون موكله، وإن نواه؛ لأن قوله: "اشتريت لنفسي صريح في اقتضاء العتق، فإذا أطلقه، ثم أراد أن يرد الظاهر الدال على العتق، لم يقبل، وعلى ذلك جرى الغزالي.
قال: ولا يجوز للوكيل – أي: في البيع [المطلق] – أني بيع بدون ثمن المثل – أي: بما لا يتغابن بمثله – لأنه توكيل بعقد معاوضة، فوجب أن يقتضي إطلاقه عوض المثل؛ كما لو وكله بالشراء.
وقد وافق الخصم – وهو أبو حنيفة – على أنه لا يلزم الموكل فيها إلا ثمن المثل [إذا عقد به.
ولأن البيع بدون ثمن المثل] محاباة، وهي بمنزلة الهبة، ولهذا تعتبر إذا وجدت في المرض من الثلث؛ كما تعتبر الهبة، ثم الوكيل لا يملك هبة جزء من المال، فلذلك لا يجوز محاباته.
أما إذا نقص عنه ما يتغابن بمثله، فلا يضر؛ لجريان العادة بالمسامحة به؛ على أنه لو قيل: نقص ما جرت العادة به، لا يخرجه عن أن يكون ثمن المثل – لم يبعد، ولايحتاج كلام الشيخ إلى تقييد.
ثم المرجع في ذلك إلى العرف.
قال الروياني: وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال من الثياب، والعبيد، وغيرها.
ولا فرق في بطلان البيع بدون ثمن المثل على الجديد [بين] أن يرضى الموكل بصحة البيع به أم لا.
وعلى القديم – وهو جواز وقف العقود-يكون الموكل بالخيار، وعليه يحمل ما حكاه القاضي أبو حامد [في جامعه] عن الشافعي: أنه قال: "إذا باع بما لا يتغابن الناس بمثله، كان [له] أن يرد البيع"، [كما] حكاه القاضي أبو الطيب [في تعليقه].
وهكذا الحمك فيما لو وكله بالشراء، فاشترى بأكثر من ثمن المثل، لا يقع العقد للموكل وإن رضي.
وقال الإمام عند الكلام في الكفارة: وقد رأيت لبعض الأصحاب وجهاً في أنه إن رضي [به]، جاز على شرط الخيار، ثم قال:"ولست واثقاً بهذا الوجه"؛ وهذا قد حاكه الماوردي عن ابن سريج هاهنا، وأنه لم يطرده في البيع.
ثم على [كل] حال إذا لم نصحح بيع الوكيل عند بيعه ما يساوي عشرة بثمانية، وفرض أن القدر الذي يتغابن به [درهم][من عشرة دراهم]، وقد سلم المبيع – فإن كان باقياً، استرده الموكل؛ إن اعترف المشتري بأن البائع وكيل، أو قامت عليه بينة، وألا فهو كام لو تلف؛ فيكون الوكيل ضامناً، وماذا يضمنه؟ فيه ثلاثة أوجه [حكاها في المهذب أقوالاً]:
أحدها: تمام القيمة
والثاني: القدر الذي لو باع به ابتداء لصح، وهو تسعة، ويأخذ من المشتري درهماً.
وقد حكى المتولي هذين الوجهين قولين منصوصين، [نص] عليهما في اللطيف، وكذلك ابن الصباغ في كتاب الرهن، وقال: إن الأصح، وبه قال أبو إسحاق: الأول، وجعله البندنيجي المذهب، وهو الذي اختاره في المرشد.
وما قاله الثاني من انه لو باع بما يتغابن [بمثله]، لصح؛ فلا يغرم إلا ذلك، يلزمه في حق المشتري – أيضاً –فإن البيع لو وقع كذلك، لم يلزمه إلا ذلك القدر، وقد وافق على أنه يلزمه جميع القيمة، وقد قرب الخلاف [من الخلاف] فيما إذا صرف جميع السهم في الزكاة أو الوصية إلى اثنين، هل يغرم للثالث أدنى جزء، أو الثلث؟
والوجه الثالث: [الذي] يضمنه درهم؛ لأنه لم يفرط إلا فيه، ويرجع على المشتري بتسعة؛ وهذا إذا أراد الموكل الرجوع على الوكيل، فلو أراد الرجوع على المشتري – رجع عليه بالقيمة وجهاً واحداً، وأي قيمة تعتبر؟ قد تقدم بيانها في باب: ما يجوز بيعه.
تنبيه: محل جواز بيع الوكيل بثمن المثل: إذا لم يجد من يبذل زيادة عليه، أما إذا وجد، فهو كما لو باع بدون ثمن المثل.
وحكى الروياني عن والده في ضمن فرع احتمالاً في هذه الصورة.
ولو باع بثمن المثل، ثم حصل من يزيد، فإن كان بعد اللزوم، فلا أثر لذلك، وإن كان قبل اللزوم، فقد حكى ابن الصباغ وغيره عن الشافعي في كتاب الرهن: أنه قال: "لزمه أن يفسخ العقد، ويبيع بالزيادة، فإن لم يفعل، كان البيع مردوداً"، ["وأن من] الأصحاب" من أجرى النص على ظاهره، ووجهه بأنه مأمور بالاحتياط، وحالة الخيار بمنزلة حالة العقد.
قال المحاملي: ومنهم من قال: [لا يلزمه ذلك]، ولكن الأولى أن يفعل، فإن لم يفعل، لم يبطل الأول؛ لأنه لا يتحقق حصول هذه الزيادة.
والصحيح الأول.
والذي حكاه في الوسيط في كتاب الرهن: أن البيع ينفسخ بمجرد الزيادة من غير أن يجعله مرتباً على امتناع الوكيل من الفسخ؛ وهي طريقة الإمام.
وحكى في كتاب الوكالة: أن في وجوب الفسخ وجهين، فصلناهما في كتاب الرهن.
وحكى الإمام عن شيخه شيئاً يحتاج فهمه إلى ذكر مسألة تجدد العهد بها، وهي إذا باع البائع المبيع في زمن الخيار، فهل يصح، يكون متضمناً لفسخ الأول، أو لا يصح، ولا يكون فسخاً [للأول]؟ فيه ثلاثة أوجه.
[قال]: فإن قلنا: يصح الثاني، فإن فعله الوكيل، لم يحكم بانفساخ العقد، وإن لم يفعله، أو قلنا: إن الثاني لا يصح، [و] لابد لصحته من ارتفاع العقد الأول – فلا سبيل إلى الحكم بوجوب إنشاء الفسخ، بل ينفسخ بنفسه.
ثم على الصحيح إذا لم يفسخ الوكيل، ثم بدا للراغب في الشراء، نظر: إن [كان] قبل التمكن من البيع منه، تبينا ان الأول لم ينفسخ وإن كان بعده فكذلك عند الصيدلاني؛ كما لو بذل الابن الطاعة للأب، ثم رجع قبل أوان الحج، فإنانتبين أن لا حج على الأب؛ وهذا ما جعله في الوسيط الأصح.
وعند غير الصيدلاني: أن البيع الأول قد انفسخ [فلابد من تجديد العقد].
قال الإمام: وهذا أوجه وقياسه بين؛ فعلى هذا: هل يتمكن الوكيل من البيع ثانياً: إما من الأول، او من غيره؟ فيه وجهان:
وجه الجواز: حمل الوكالة على بيع يحصل به المقصود، والأول لم يحصل ذلك؛ فكأنه لم يكن.
وقد اجرى الإمام مثل هذا الخلاف قبل كتاب السلم فيما إذا وكله ببيع [عبد] فباعه، ثم رد عليه بالعيب، هل له بيعه [ثانياً وكذالو أذن له في البيع بشرط الخيار للمشتري، فباعه كذلك، ففسخ العقد، هل يجوز للوكيل بيعه].
ثانياً: فيه وجهان، وإن القفال قربهما من القولين في أن البيع بشرط الخيار هل ينقل الملك؟ فإن نقله، فالأشبه أن الوكيل لا يبيع مرة أخرى، وإن لم ينقله، جاز للوكيل البيع ثانياً.
قال الإمام: والمسألة متحملة على القولين.
والذي جزم به الرافعي ها هنا المنع في الصورتين، حكى في ضمن فرع حكاه قبل النظر الثالث في حكم العقد قبل القبض في مسألة الخيار:
أنا إن قلنا: الملك للبائع – جاز له البيع ثانياً، وإن قلنا:[إنه] للمشتري، فوجهان؛ كما في الرد بالعيب.
قال: ولا بثمن مؤجل – أي: وإن كان قدر ثمن المثل مؤجلاً – لأن الإطلاق يقتضي النقد؛ لأنه البيع المعتاد في الغالب، وغنما يباع الشيء نسيئة؛ لعلة فساد، أو كساد، ويؤيد ذلك أنه لو قال:"بعتك بكذا"، اقتضى ذلك البيع حالاًّ.
قال: ولا بغير نقد البلد؛ [لأن نقد البلد] هو الذي يقتضيه الإطلاق في البيع، فكذلك في التوكيل.
ولنا: أن نقيس عدم الصحة في الصور الثلاث التي ذكرها الشيخ على الوصي؛ فإنه لا يصح بيعه في حالة منها؛ بجامع ما اشتركا فيه من النيابة، بل نيابة الوصي أقوى؛ بدليل جواز توكيله فيما يقدر عليه عند الجمهور.
وقد ظهر من كلام الشيخ: أن للوكيل أن يبيع بثمن المثل، وبالحال، وبنقد البلد، وإلا لم يكن لتخصيص المنع بهذه الأحوال فائدة.
ولو كان في البلد نقدان، باع بالغالب منهما، فإن استويا في البيع، باع بما شاء منهما، قال في التتمة: على المذهب؛ ما لو قال: بع بأيهما شئت.
ولو [باع] بهما جميعاً، فالأصح من الخلاف في النهاية: الصحة.
وقال في التهذيب بعد حكاية جواز البيع بأحد النقدين [عند الاستواء:]
وجب ألَاّ يصح التوكيل إذا لم يبين؛ كما لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان.
قال الرافعي: وقد رأيت في كلام [الشيخ] أبي حامد مثل ما ذكره، وهو ما أشار إليه المتولي.
قال: إلا أن ينص له على ذلك كله – [أي:] فيجوز – لأن المنع كان لحقه؛ فزال بإذنه.
ومحل الجواز في البيع مؤجلاً إذا عين له قدر الأجل، أما إذا أطلق، فالمذكور في التهذيب: أنه لا يصح التوكيل.
وحكى في المهذب وغيره مع ذلك وجهاً آخر: أنه يصح، واختاره في المرشد، [وكذلك] صححه الرافعي وغيره.
[فعلى هذا يرجع في قدره إلى العرف؛ على أصح الوجوه، فإن لم يكن [ثم] عرف، باع بأنفع ما يقدر عليه].
وقيل: له أن يؤجل ما شاء.
وقيل: لا يزيد [في] الأجل علىسنة؛ فإنه الأجل المعتبر شرعاً في الزكاة والجزية.
ويجب علىلوكيل إذا باع مؤجلاً بيان الأجل؛ حتى لا يكون مضيعا لحقه، فإن امتنع كان متعدياً.
وهل يجب عليه الإشهاد ظاهر كلام [الشيخ و] صاحب البحر قبيل كتاب [قسم الفيء] يدل على خلاف فيه؛ فإنه قال: إذا دفع إلى رجل ثوباً؛ ليبيعه إلى مدة، فباعه، وقلنا: يجب عليه الإشهاد، فلم يشهد، ولكنه أخذ الخط على ما جرت به العادة، وقاضي البلد ممن يرى العمل بالخط، فهل يضمن؟ يحتمل وجهين.
وهذا تخريج بعيد [عندي] والمذهب أنه يضمن، ولا يجوز الحكم بالخط بحال. انتهى.
فرع: لو وكله في السلم مطلقاً، فإن أسلم الوكيل مؤجلاً، فهل يصح؟ فيه وجهان. وكذا لو أسلم حالاًّ.
والخلاف مبني على ما لو قال: "أسلمت إليك هذا في كذا" مطلقاً، هل يبطل [العقد]، أم يصح حالاًّ؟ وفيه وجهان؛ كذا قاله القاضي الحسين.
تنبيه: ثمن المثل [ما] تنتهي إليه رغبات المشترين على الصحيح من المذهب.
وحكى ابن أبي الدم في أدب القضاء له وجهاً: أن القيمة صفة قائمة بالمتقوم ذاتية، فإن الرغبة تنقص تارة، وتزيد أخرى.
فروع:
[أحدها:] لو قال: "بع بما شئت"، حكى الإمام في كتاب النكاح في أثناء فصول المولى عليها: أن للوكيل أن يبيع بما عز وهان.
وكلام المتولي في النكاح يوافقه؛ حيث قال: لو قالت: "زوجتي بما شئت من المهر"، فزوجها بأقل من مهر المثل – صح، كما لو [قال]:"بع بما شئت".
وةكذلك حكاه في البحر في كتاب الشركة، وقال [فيما] إذا [قال]"بع بما ترى"، أو:"تصرف بما ترى": إنه يجوز أن يبيع بما يتغابن الناس بمثله.
وفرق بأنه إذا قال: "بع بما شئت" ظاهره الرضا بمشيئته، وإذا قال:"بع بما ترى" فقد وكله إلى الرأي، والرأي: الاجتهاد.
ثم قال: على أنه إذا قال: "بع بما شئت"، فالحال يدل على ان مراده بما شئت
من نقد، أو عرض، وليس المراد: بالغبن، والمحاباة، فإن لم تدل قرينة الحال ومقدمة اللفظ على ذلك، فظاهر اللفظ: أنه خيره من جميع الوجوه.
وجزم الرافعي بأنه لايجوز له في هذه الحالةأن يبيع بالعين، ولا بالنسيئة، ويجوز أن يبيع بغير نقد البلد، وهو ما حكاه المتولي هاهنا، والقاضي الحسين.
ولو قال: "بع بكم شئت" يجوز بالعين ولا يجوز بالنسيئة، وغير نقد البلد.
[ولو قال: "كيف شئت"، فله البيع بالنسيئة، ولا يجوز بالعين، وغير نقد البلد].
وعن القاضي الحسين –كما حكاه الرافعي: أنه يجوز الكل.
ولو قال: "بع بما عز وهان" فهو كما لو قال: "بع كيف شئت"[وبكم شئت].
وقال العبادي "إنه يجوز بالعين، والعرض،" ولا يجوز بالنسيئة.
قال الرافعي: وهو الأولى.
[و] في تعليق القاضي: أنه يجوز أن يبيع بأقل من ثمن المثل.
قال: وإن قال: "بع بألف درهم"، فابع بألف دينار، لم يصح؛ لأن الإذن في جنس لا يتناول غيره، فكان كالمتصرف من غير إذن.
وأبدى في الوجيز في صحة البيع احتمالاً.
قال الرافعي: وقد أورد القاضي ابن كج نحواً منه.
ولا يجوز للوكيل أن يبيع بأقل من ألأف، ولو بقيراط؛ كما صرح به المارودي.
قال: [وإن قال: "بع بألف" – أي: ولم يعين من يبيع منه – فباع بألفين، صح؛ لان من رضي بألف، فرضاه بألفين أولى. قال:] إلا أن ينهاه
-[أي:] فلا يصح – لأن النطق أبطل حكم العرف.
وحكى العبادي أن بعض البصريين من أصحابنا لم يجوِّز البيع بما فوق الألف [وإن لم ينهه؛ لأنه لم يرض بعهدة ما فوق الألف].
حكى الإمام عن صاحب التقريب رواية وجه: أن البيع يصح بالزيادة [مع [التصريح بالنهي] عنها؛ إذا كانت الزيادة] من الجنس.
وحمله الإمام على ما إذا ظهر أن مراد الموكل: أن الوكيل لا يكد نفسه، أما إذا صدر من الموكل نص لا يقبل التأويل في منع الزيادة على الألف – فالوجه القطع بأن البيع لا ينفذ.
والمشهور ما في الكتاب، وعليه يطلب الفرق بينه وبين ما إذا وكله في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما ديناراً؛ فإن الشراء لا يصح [للموكل؛ على قول] في الشاتين؛ كما سيأتي.
وقد يفرق بينهما بأن الأثمان مرغوب في تحصيل الزيادة فيها عرفاً وعادة فالاقتصار في الإذن على شيء معين منها، يفهم أن القصد به عدم النقص عنه، فإذا زاد عليه، فقد حصل ما هو المقصود عرفاً وعادة، وليس العرف والعادة يشهد بأن من يرغب في شراء شاة يرغب في شاتين؛ حتى يستند التصرف إليهما؛ فوجب الاقتصار على ما دل عليه اللفظ.
وأيضاً: فإن الوكيل بالشراء بائع للثمن، وقد تقرر: أن الوكيل في البيع لا يجوز له أن يبيع بغير نقد البلد، فضلاً عن العروض؛ لأن العرف لا يقتضيه، فلو صححنا شراء الشاة الزائدة على ما أذن فيه، لخالفنا موجب اللفظ، وهو الاقتصار على واحدة، وموجب العرف، وهو بغير نقد البلد.
ومما يؤيد ذلك: أن القاضي الحسين حكى القولين المذكروين في الشاتين فيما
إذا وكله في البيع [سلعة، فباع] بسلعة وحمار، وجزم بالصحة فيما إذا باع بسلعة ومائةدرهم من نقد البلدز
فرع: هل يجوز للوكيل – والحالة هذه – البيع بالألف مع وجود من يرغب بزيادة؟ فيه جهان في التتمةوغيرها، والذي يظهر ترجيح المنع.
وفي بحر المذهب: أنه لو قال: "بع بثمن مثله"، وكان ثمن المثل ألفاً، فباع به مع وجود من يرغب بألفين: أنه يصح، ولم يحك سواه؛ وهذا نظير وجه الجواز فيما نحن فيه.
أما إذا أذن له في البيع بألف من شخص، لاي جوز أن يبيع منه [بزيادة عليها؛ لأنه قد يقصد محاباته؛ فلا يفوت عليه ذلك].
فإن قيل: لو قال: "شارت هذا العبد من فلان بمائة"، جاز أن يشتريه منه بما دونها؛ كما صرح به المتولي وإن كان ما ذكرتموه موجوداً فيه.
قلت: قد فرق الماوردي بينهما، بأن الوكيل في البيع غير موكل في قبض القدر الزائد [على الألف] فلذلك امتنع البيع بالزيادة، والوكيل في الشراء مأمور بدع الزيادة، ودفع الوكيل البعض جائز؛ فلذصلك جاز شراؤه بأقل مما عين.
وما قاله يبطل بما إذا كان وكيلاً في البيع دون قبض الثمن؛ فإنه لا يجوز أن يبيع بأكثر من المائة مع انتفاء ما ذكره، وبما لو قال:"بع بمائة" ولم يعين المبيع منه؛ فإنه يجوز له قبض الزيادة إذا جاز له قبض الثمن.
والذي يظهر من الفرق أن البيع لما كان [ممكناً من المعين] ومن غيره،
كان في التنصيص عليه دليل على مراعاته؛ فلذلك امتنعت الزيادة، ولما لم يمكن شراء العبد المعين من غير المذكور، ضعف أن يكون التخصيص بالذكر دالاًّ على مراعاته؛ فإنه كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون لأجل التعريف.
وبالجملة: فالذي يظهر لي في مسألة التوكل في الشراء تفصيل استنبطته من كلام الأصحاب في مسألة سأذكرها في أواخر باب الوصية، وهو أن يقال: إن كان [ما] قدره الموكل قدر [ثمن المثل]، أو أقل، فيجوز أن يشتريه بأقل من ذلك؛ لأن القرينة دلت على عدم مراعاة المحاباة.
وإن كان أكثر من ثمن المثل، فقصده المحاباة ظاهر، فلايجوز تفويته.
ومثل هذا متجه في مسألة التوكيل في البيع، فيقال: إن كان ما قدره الموكل قدر ثمن المثل، فيجوز أني بيع منه [بأكثر منه]، ومن طريق الأولى إذا كان لامقدر أكثر من ثمن المثل، وإن كان أقل من ثمن المثل، فلا [تجوز الزيادة] عليه.
فرع: لو قال: "بع بمائة، ولاتبع بمائة وخمسين"، فله البيع بما فوق المائة [و] دون "المائة والخمسين"، ولا يبيع بمائة وخمسيننوفيما فوقها وجهان:
أصحهما: المنع. قال: وإن قال: "بع بألف"، فباع بألف وثوب، فقد قيل: يجوز؛ كما لو باع بألف وزيادة من ذلك الجنس؛ فإنه زاده خيراً؛ وهذا هو الأصح في الجيلي.
قال: وقيل: لا يجوز؛ لأن الدراهم والثوب تتقسط على المبيع فما قابل الثوب [مبيع، وهو خلاف إذنه؛ وعلى هذا يبطل العقد فيما يقابل الثوب]، وهل يبطل فيما يقابل الدراهم؟ فيه قولا تفريق الصفقة، فإذا صح: لا يثبت للبائع
خيار؛ لأنه رضي ببيع جميعه بالألف، فأولى إذا حصل بيع بعضه بها، ويثبت للمشتري الخيار.
وفي الشامل والتتمة: أن أبا العباس حكى فيه وجهاً آخر: أنه لا خيار له إذا علم بأنه للموكل؛ لأنه دخل على ذلك.
قال ابن الصباغ: وليس بشيء؛ لأن الاعتبار بمقتضىلعقد، والعقد قاتضى أن يكون [العقد] صفقة واحدة.
وحكى البندنيجي والمحاملي عن ابن سريج وجهاً ثالثاً: أن المشتري إن قال: علمت أنه لموكله، غير أني اعتمدت أن لي الخيار، أو: قلت: إن بيع وكيله ينفذ عليه – فله الخيار؛ لأنه دخل على هذا، وإن لم يكن كذلك، لم يكن له الخيار.
فرع: [لو قال: "بع بألف" "فـ] باع بألف" ودينار، قال ابن الصباغ: صح.
ولم يحك فيه خلافاً وإن كان حكاه في مسألة الكتاب.
والقياس يقتضي طرده، وهو ما حكاه المتولي عن ابن سريج.
وحكى البندنيجي عن ابن سريج أنه صحح البيع فيها؛ تفريعاً على القول الصحيح فيما إذا وكله في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما ديناراً: أن الشاتين للموكل.
وأنه حكى فيما إذا باع بألف وثوب، أو بألف وعبد: أن في صحة البيع يما يقابل الثوب والعبد قولين:
أحدهما: يصح، كما لو باع بألف ودينار؛ لأنه امتثل الإذن لفظاً في الألف، والعرف في الزيادة.
والثاني: [يبطل] لأن الثوب ليس من الأثمان في [العادة، والدينار] ثمن في العادة.
ومن هذا يظهر أن محل هذا إذا كان الدينار من نقد البلد، أما إذا لم يكن، فهو كالعرض، وقد صرح بذلك القاضي الحسين في تعليقه.
قال: وإن قال: "بع بألف مؤجل" – أي: وعين المدة، او لم يعينها، وصححنا ذلك – فباع بألف حال، جاز؛ لأنه زاد خيراً.
قال: إلا أن ينهاه – أي: فلا يجوز – [لما مضى]، أو كان [الثمن مما يستضر بحفظه في الحال – أي: مثل أن كان في وقت لا يؤمن فيه النهب والسرقة أو] كان لحفظه مؤنة في الحال.
ووجهه: ما في ذلك من الإضرار بالموكل المنفي بالشرع.
وقيل: لا يجوز البيع بثمن حال وإن انتفى ما ذكرناه.
قال الماوردي: وهذا غير صحيح.
وقال المتولي: إن أصل المسألة إذا كان عليه دين مؤجل فجاء به قبل محله، هل يلزمه قبوله أم لا؟ وهذا الخلاف [يجري] فيما لو قال:"بع بألف إلى شهرين"، فباع به إلى شهر.
ولا يخفى مما تقدم: أن محل هذا إذا لم يعين [له] من يبيع منه، أما لو قال:"بع من زيد بألف إلى شهر"، فباع منه بألف حال، فإن لم نجوز البيع عند الإطلاق لذلك فهاهنا أولى؛ وإن جوزناه، فقياس ما تقدم: أنه لا يجوز أيضاً.
وقد حكى الإمام في الصحة وجهين.
قال: وإن قال: "اشتر بألف حال".
أي: شيئاً عينه له، فاشترى بألف مؤجل، جاز؛ لأنه زاده خيراً.
قال: إلا أن ينهاه، [أي:] فلا يجوز؛ لما ذكرناه.
وفي معنى النهي ان يكون [الثمن] حاضراً ولا يأمن عليه إذا لم يسلمه؛ كما صرح به أبو الطيب.
قال: وقيل: لا يجوز؛ لأنه ربما يخاف هلاك المال، وبقاء الدين في ذمته.
قال ابن الصباغ: وقول المنع عند عدم النهي وغيره لا يتصور إلا في الأشياء التي لا يجبر صاحبها إذا كانت [مؤجلة] على أخذها في الحال.
وهكذا الحكم فيما لو أذن له في الشراء مطلقاً، فاشترى [نسيئة ماي ساوي حالاًّ، أو أذن في الشراء إلى شهر، فاشترى] إلى شهرين؛ كما صرح به الماوردي.
فائدة: الصورة المتفق عليها في شراء الوكيل لموكله بصيغة السفارة: أن يقول: "اشتريت منك هذا لموكلي"، فيقول:"بعتك".
فلو قال ابتداء: "بعتك هذا بكذا"، فقال:"اشتريت لموكلي"، وسماه – ففي صحة العقد للموكل وجهان منقولان في التهذيب، والتتمة، قدمت حكايتهما في باب ما يجوز بيعه ند الكلام في شراء الكافر العبد المسلم.
ووجه المنع: [أنه] ما أوجب له.
ولو قال: "بعتك لنفسك، وإن كنت تشتريه لغيرك، فلا أبيعه لك"، فاشتراه للغير – لم يصح.
ولو وجد هذا الشرط قبل العقد، ثم قال له:"بعتك"، فقبل، ونوى موكله – صح على الأصح.
وفيه وجه حكاه في البحر؛ بناء على [أن] الشرط السابق كالمقارن.
ولو قال: [بعت موكلك]، فقال الوكيل:"قبلت له" –لم يصح عند الشيخ أبي بكر، والقاضي الحسين؛ [كما] حكاه في التعليق، وهو الذي اختاره الإمام، وجعله الرافعي ظاهر المذهب.
وحكى الشيخ أبو محمد [فيه] وجهين، وأيَّد وجه الصحة بالنكاح.
والفرق بينهما ستقف عليه في أول كتاب النكاح من هذا الشرح.
ولو قال: "بعتُك"، فقال:"اشتريت"، ونوى موكله، صح؛ بخلاف ما لو قال:"وهبت منك"، فقال:"قبلت"، ونوى موكله؛ فإن الهبة تقع للوكيل، ولا تنصرف إلى الموكل؛ لأن الواهب قد يقصد بالتبرع عينه، وما كل أحد يسمح بالتبرع عليه،
ويخالف الشراء؛ لأن المقصود منه حصول العوض.
فإن أراد أن يقبل لموكله، يُسميه في العقد؛ كذا حكاه الرافعي عن فتاوى القفال.
ثم إذا صح البيع للموكل، نُظِر:
إن كان مع التصريح بالسفارة، فالمذهب أن الملك يقع للموكل ابتداء.
[وإلَّم يصرح، ولكن نواه، فهل يقع الملك للوكيل ابتداء، ثم ينتقل إلى الموكل، أو يقع للموكل ابتداء؟ فيه وجهان؛ كذا رتبه القاضي الحسين في تعليقه.
وغيره أسند الوجهين إلى ابن سريج.
والصحيح والمشهور في كتب العراقيين: أن الملك يقع للموكل ابتداء؛ كما لو اشترى الأب شيئاً لطفله.
ولأنه لوثبت الملك فيه للوكيل، لعتق عليه قريبه إذا اشتراه بالوكالة.
قال: وإن قال: اشتر عبداً بمائة، فاشترى عبداً يساوي مائة بما دون المائة – جاز؛ لأنه زاده خيراً.
وحكى صاحب البحر وجهاً في هذه الحالة: أن الموكل بالخيار في قبول هذا الشراء ورده، قوال: إنه ليس بمشهور.
ثم محل الجواز على المشهور إذا لم ينهه، أما إذا نهاه عن النقص، فقد حكى الإمام في نفوذ الشراء للموكل الوجهين اللذين ذكرناهما فيما إذا باع الوكيل بأكثر مما أذن له في البيع به، وقد نهاه عن الزيادة عليه، ونسبهما الماوردي في كتاب الوديعة إلى أبي إسحاق المروزي، وستقف على أصلهما فيه.
ولو قال: "اشتر بمائة، ولا تشتر بخمسين"، [جاز أن يشتري بمائة وبما بين خمسين ومائة، ولا يجوز أن يشتري بخمسين]، وهل يجوز أن يشتري بما دونها؟ فيه وجهان في الطريقين، وقد تقدم مثلهما في طرق البيع.
قال: وإن قال: اشتر عبداً بمائة، فاشترى عبداً بمائتين، وهو يساوي المائتين –
لم يجز؛ لمخالفته الإذن والعرف، وهكذا الحكم فيما لو اشترى عبداً بما دون المائة، وهو لا يساوي المائة.
وفي المهذب وغيره فيما إذا اشترى الوكيل بزيادة على ما أذن [له] فيه الموكل، عن ابن سريج: أن الشراء يصح للموكل بالقدر المأذون فيه، والوكيل ضامن للزيادة من ماله، وعليه غرمها للبائع؛ لأنه يصير بمجاوزته القدر المعين متطوعاً بها.
قال الماوردي: وهو خطأ؛ لأن الزيادة من جملة الثمن الذي [لزم بالعقد]، فلم يجز أن ينتقض حكمه، ولو جاز أن تكون الزيادة بقدر المغابنة في البيع مضمونة على [الوكيل مع صحة الشراء للموكل، لكان النقصان بقدر المغابنة في البيع مضموناً على الوكيل] مع لزوم البيع للموكل، وهذا مما لا يرتكبه أبو العباس في البيع؛ فبطل مذهبه في الشراء.
وأيضاً: فإنه وافق على أنه لو قال: "اشتر [لي] سالماً"، فاشتراه بأكثر من ثمن المثل بما لا يتغابن به أن البيع باطل.
وقد فرق – عن ابن سريج – بين الشراء والبيع بأنه إذا اشترى بأكثر مما أذن [له] فيه، فقد وافق العقد المأذون فيه مع زيادة التزمها الوكيل بقوله:"اشتريت"، فإن من اشترى بمائة وخمسين – [مثلاً] – فقد اشترى بمائة؛ [حتى قال] بعض أصحابنا: لا يكون كاذباً فيما إذا أخبر أنه اشترى بمائة؛ كما ذكرناه في المرابحة، ومن باع بتسعين، لم يبع بمائة أصلاً، ولا في لفظه ما يتضمن التزام القدر الزائد؛ فلذلك لم يصح بيعه.
قال: وإن دفع إليه ألفاً، وقال: ابتع بعينها عبداً، فابتاع في ذمته – لم يصح؛ لأن في ذلك إلزام ذمة الموكل ما لم يأذن فيه، وهل يقع العقد للوكيل؟
نظر: إن لم يصرح بالسفارة، وقع له، وإن صرح فوجهان، أظهرهما الوقوع.
قال: وإن قال: "ابتع في ذمتك، وانقد الألف فيه"، فابتاع بعينها، قد قيل يصح؛ لأن ذلك أقل غرراً، فقد زاده خيراً؛ وهذا قول أبي علي في إفصاحه، وهو الصحيح في بحر المذهب.
[قال]: وقيل: لا يصح – أي: للموكل؛ [للمخالفة؛ لأنه] أمره بعقد [يلزمه] مع بقاء [المدفوع] وتلفه، فعقد عقداً يلزم مع بقاء المدفوع دون تلفه؛ وهذا اختيار الشيخ أبي حامد، وهو الصحيح في النهاية وغيرها، والمذكور في المرشد.
وكما لا يصح للموكل لا يصح للوكيل؛ لأنه وقع بعين ماله.
نعم: لو كذبه البائع في أنه اشترى لغيره، فسنذكر حكمه فيما إذا قال:"أذنت لك في الشراء بعشرة"، فقال:"بل بعشرين".
ولو دفع إليه الألف، وقال:"اشتر بهذا الثمن عبداً"، ولم يقل:"بعينه"، و"لا في الذمة" – فوجهان:
أحدهما –وهو قول أبي علي الطبري -: أن مقتضاه الشراء بعينها، [وقد تقدم حكمه.
والثاني: [أنه] يجوز أن يشتري بعينها]، وفي الذمة، وينقد الألف، وهو ما اختاره في المرشد، ورجحه الرافعي.
فرع: لو اشترى في الذمة، ثم تلف [الألف] قبل أن يقبضه البائع؛ ففيه وجهان [حكاهما] في التتمة:
أحدهما: أن العقد ينقلب إلى الوكيل.
والثاني: أنه يبقى على ما كان، ويطالب المشتري بالثمن، وهكذا الحكم في صحة العقد للموكل أو للوكيل إذا تلف الألف قبل العقد؛ كما صرح به القاضي الحسين.
فرع: إذا قال لوكيله: "ابتع لي من مالك عشرة أقفزة حنطة بمائة درهم"، جاز، ثم لأصحابنا وجهان، حكاهما الصيمري:
أحدهما: أن ذلك قرض فيه وكالة؛ فعلى هذا لو لم يعين الثمن –لم يصح؛ لأن قرض المجهول لا يصح.
والثاني: أنه عقد وكالة فيه قرض؛ فعلى هذا لو لم ينص على قدر الثمن – جاز؛ كذا حكاه الماوردي، وبنى على الوجهين ما إذا قال [لغيره: قد] أقرضتك ألفاً على [أن] ما رزق الله من ربح فهو بيننا نصفان: فعلى الأول، يكون ضامناً للمال إذا قبضه، وله الربح دون المقرض.
وعلى الثاني يكون مضاربة فاسدة؛ فلا يكنو عليه ضمان، والربح لرب المال، وللعامل أجرة المثل.
وفي [بحر] المذهب حكاية عن القاضي أبي حامد: أن العقد لا يصح
للموكل. وإن صرح بلفظ الطلب والإقراض، وقد حكاه في الوسيط في تكاب القراض وجهاً.
فائدة: الوكيل بالشراء هل يطالب بالثمن، أو الموكل، أو هما؟ ينظر [فيه]: فإن كان الشراء بثمن معين، وهو في يد الوكيل – طولب به، وإلا فلا.
وإن كان بثمن في الذمة، [نُظِر]: فإن سلم إلى الوكيل، وأذن له في صرفه إلى الثمن – كما حكاه الشيخ- فالوكيل مطالب به، وهل يطالب به الموكل؟ حكى الإمام في باب العبد المأذون عن الأصحاب طريقين:
أحدهما: أن فيه خلافاً؛ كما في مطالبة [المقارض.
والثاني: القطع بالمطالبة، وادعى أن القياس الأول.
وإن لم يسلم الثمن إلى الوكيل، ولم يصدقه] البائع في دعوى الوكالة – فالقول قوله، ويتعين مطالبة الوكيل، وإن صدقه في نية الشراء لموكله، أو كان قد صرح بالسفارة؛ ففي مجموع المحاملي والشامل: أن الثمن يثبت في ذمة الموكل، والوكيل ضامن له، ولم يحك لقاضي أبو الطيب عند تصريح الوكيل بالسفارة سواه، واختاره في المرشد.
وحكى ابن الصباغ والمحاملي عن ابن سريج في صورة التصريح والنية: أنه قال: يحتمل وجهين آخرين:
أحدهما: أن الثمن يكون في ذمة [الوكيل، ولا يثبت [في ذمة][الموكل شيء منهن ويجري ذلك مجرى الحوالة على من لا دَين عليه، وإذا دفعه الوكيل] ثبت له الرجوع على الموكل.
والثاني: أنه يثبت للوكيل في ذمة الموكل.
قال الرافعي: وهذا بناء على أن العقد يقع للوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل، فعلى [الثاني][للبائع] مطالبة الوكيل والموكل] وعلى الأول لا يطالب
إلا الوكيل، وليس للوكيل مطالبة الموكل قبل الغرم.
قال الرافعي: وهو الأصح؛ كما قلنا في المحال عليه؛ وهذا ما جزم به [ابن] الصباغ، والمحاملي.
وإذا غرم رجع على الموكل، وليس له حبس المبيع عن الموكل إلى أن يقبض الثمن منه على المذهب.
وفي التتمة حكاية وجه: أن له حق الحبس؛ بناء على أن الملك يقع للوكيل ابتداء، ثم ينتقل [إلى الموكل].
ولو أبرأ البائع الوكيل من الثمن –فاز الموكل بالمبيع بلا غرم على هذا الوجه الذي عليه نفرع.
قال ابن الصباغ والمحاملي: وعلى هذا الوجه قال ابن سريج: لو قال: "بع فلاناً عيناً بألف في ذمتي، وعليَّ"، فإذا باعه، ثبت في ذمة "القابل" دون المشتري، فإذا غرم، لم يرجع؛ إن دفع بغير إذنه؛ لأنه متطوع؛ قاله المحاملي.
وعلى الثالث لا يملك البائع مطالبة الموكل، ويملكها الوكيل، وإن لم يغرم بعد؛ كما صرح به في المهذب.
وكذلك لو أبرئ منه؛ كما صرح به الماوردي؛ هذا [هو] المشهور في طريقة العراق، وإطلاقهم جواز رجوع الوكيل على الموكل بالغرم على الوجه الثاني؛ تفريعاً منهم على أن الإذن في الشراء إذن في الأداء والرجوع؛ كما حكيته عنهم في باب الضمان، وقد حكوا ثَمَّ مع هذا شيئاً آخر، فليطلب منه.
وقد حكى المتولي هاهنا: أن المذهب القطع بالرجوع، وإلا خرج المبيع عن أن يكون مملوكاً للموكل بالعوض، وفي ذلك تغيير لوضع العقد، وهذا بعينه حكاه الإمام هاهنا، وفي كتاب الخلع والرهن.
وحاصل ماذكرناه: أن الوكيل مطالب من هجة البائع على الأوجه الثلاثة،
والموكل معه على الأول منها.
والذي حكاه الماوردي: أن الوكيل إن صرح بالسفارة، كان الثمن في ذمة الموكل، وهل [يكون] الوكيل ضامناً له؟ فيه وجهان حكاهما ابن سريج.
[وإن لم يصرح، بل نوى موكله، فالوكيل ضامن للثمن وهل يصير الثمن واجباً على الموكل بالعقد؟ فيه وجهان حكاهما ابن سريج].
فإن قلنا: لا يجب عليه، فهل يستحق الوكيل على الموكل الثمن قبل أدائه عنه؟ فيه وجهان.
ومما قاله يحصل وجه رابع مضاف إلى الأوجه الثلاثة: أن الوكيل إذا صرح بالسفارة لا يطالب، وقد حكاه المتولي، وصححه.
والذي حكاه الإمام هاهنا عن ابن سريج فما إذا لم يصرح بالسفارة ثلاثة أوجه:
أحدها –وهو الذي رجحه -، وكذلك البغوي: أن للبائع مطالبة من شاء منهما.
والثاني: أنه لا يطالب إلا الوكيل، وهو المرجح في الوجيز، وفي الرافعي عند الكلام في خلع الأجنبي: أنه الأظهر.
والثالث: لا يطالب إلا الموكل، وهذا ما حكاه القاضي الحسين عن المراوزة، وإذا انضاف إلى ما ذكرناه، صار وجهاً خامساً.
وقد قال الإمام في كتاب الرهن: إن الموكل مطالب، ولم يختلف فيه أصحابنا، وكذا قال في [فصل: اختلاع] الأمة.
وقال في باب تعجيل الصدقة: إن الوكل إذا أضاف العقد إلى موكله – لم يتعلق به الضمان أصلاً من جهة أنه لم يضف العقد إلى نفسه، وهو الملتزم؛ فلم يتضمن اللفظ إلزام شيء، وهذا يوافقه قوله في باب العبد المأذون:
واختلف الأصحاب في أن الوكيل [بالشراء]، هل يطالب بالثمن إذا
أضاف العقد إلى نفسه، ولم يعقدالعقد على صيغة السفارة؟
فرع: الوكيل بالاستقراض [إن صرح بالسفارة]، لم يطالب، المطالب الموكل، وإن لم يصرح، بل نوى، وعلم [المقرض]: أنه وكيل، فهل يطالب؟ حكى الإمام في [باب] تعجيل الصدقة: أن من أصحابنا من قال: يطالبه؛ كما يطالب الوكيل بالشراء، [وهو ظاهر المذهب في الوكيل بالشراء].
ومنهم من قال: لا يطالب الوكيل بالاستقراض وإن طالب الوكيل بالشراء، والفرق: أن الوكيل [في الشراء] يقول: اشتريت، وهذه الكلمة في وضعها ملزمة؛ فيجب الجريان على موجبها، وأما الوكيل بالاستقراض، فلم يصد رمنه ما يقتضي الضمان.
فرع: قال الماوردي: أبو الطفل، وولي اليتيم إذا لم يذكرا في العقد اسم الطفل، كانا ضامنين للثمن، ولا يضه الطفل في ذمته وينقدان ذلك من ماله.
وإن ذكراه في العقد، لم يلزمهما ضمان الثمن، بخلاف الوكيل في أحد الوجهين.
والفرق: أن شراء الولي لازم للمولى عليه بغير إذنه، فلم يلزم [الولي] ضمانه، وشراء الوكيل يلزم بإذنه موكله، فلزم الوكيل ضمانه.
قال: وإن قال: بع بيعاً فاسداً، أي: مثل: أن قال: "بع إلى مقدم الحاج، وإدراك الزرع"، أو: بشرط ألَاّ نُسلِّم، ونحو ذلك.
قال: فباع بيعاً صحيحاً أو فاسداً- لم يصح:
أما الفاسد؛ فلأن الشرع لم يأذن فيه.
وأما الصحيح؛ فلأن الموكل لم يأذن فيه.
ولأنه توكيل في بيع فاسد، فوجب ألَاّ يملك به الصحيح؛ أصله:[ما] إذا وكله في البيع بخمر، أو خنزير، أوميتة، فباع بالدراهم والدنانير.
قال: وإن قال: اشتر بهذا الدينار شاة -أي: موصوفة - فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما ديناراً - أي: بالصفة كما أمره به - كان الجميع له -أي: للوكل - لما روي أنه صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة بن الجعد البارقي ديناراً؛ ليبتاع به شاة، فاشترى شاتين، فلقيه رجل، فساومه في أحداهما، فباعها بدينار، ثم أتى النبي ومعه شاة ودينار، فحدثه الحديث فقال:"بارك الله لك في صفقة يمينك"، فكان بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالاً.
فلما قبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك [دل] على جوازه؛ لأنه حصل له المقصود وزيادة؛ فصح للموكل؛ كما لو وكله في شراء شيء بعشرة، فاشتراه بخمسة، أو [في] بيع شيء بعشرة فباعه بخمسة عشر؛ وهذا هو الأصح في الطرق.
قال: وقيل: للوكيل شاة بنصف دينار، يعني: وللموكل كذلك.
ووجهه: أن الموكل إنما أذن في شراء شاة، فلا يملكه ما لم يأذن في شرائه، وينفذ في حق الوكيل؛ لتعلق أحكام العقد به.
و [أما] الحديث، فقد قيل: إنه مرسل؛ كما حكيناه عند بيع الفضولي؛ فلا حجة فيه، فإن صح - كما ذكر عبد الحق: أن البخاري خرّج عن شبيب ابن غرقدة.
قال: سمعت [الحي] يتحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً
…
وذكر الحديث - ففيه ما يستدل به لهذا القول؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أجاز بيع
عروة الشاة، فلولا أنه ملكها، لما صح بيعه؛ إذ انسان لا يملك [بيع] مال الغير بغير إذنه.
وأما القياس على جواز البيع بخمسة عشر عند الإذن في البيع بعشرة – فقد تقدم ذكر الفرق بينهما، وهو مانع من الإلحاق.
واعلم أن معظم الأصحاب قالوا على هذا القول: يكون الموكل بالخيار بين أن يأخذ الشاتين [بالدينار]، وبين أن يترك الشاة للوكيل، ويسترجع منه نصف دينار.
وحكوا ذلك عن نص الشافعي في الإجارات، وأن ابن سريج وجهه بأن انتازع ملك الغير بغير اختياره يجوز؛ لتعلقه بملكه ومشاركته له؛ [كما] في الشفعة، وهاهنا أولى؛ فإن الوكيل أضاف العقد إلى موكله؛ فإن محل هذا [القول إذا وقع العقد على ثمن في الذمة.
وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه:
إنه لا وجه لهذا] القول عندي إلا أن يكون بناء على القول الذي حكى عن الشافعي في البيع الموقوف: أنه يجوز، وعلى ذلك جرى المتولي.
ولم يتعرض في المهذب لذكر ثبوت الخيار للموكل على هذا القول، بل أورد فيه ما أورده في [هذا] الكتاب، ولعله يرى أنه لا يثبت [[الخيار]؛ كما حكاه] الزبيلي في أدب القضاء [له] وجهاً خامساً.
وحكى في البحر: أن صاحب الإفصاح أورده احتمالاً؛ كمذهب أبي حنيفة، ووافق الشيخ [معظم الأصحاب] في أن محله إذا ورد العقد على ثمن في الذمة، [وقال يما إذا أورد على عين الدينار: إن ذلك ينبني على ما إذا اشترى في الذمة:] فإن قلنا: يقع العقد في الشاتين للموكل، فكذلك هاهنا، وإلا بطل في إحدى الشاتين، وصح في الأخرى للموكل.
وقال المتولي إذا بطل [العقد] في إحدى الشاتين، جرى في الأخرى [قولا] تفريق الصفقة، وإن الأصح منهما هاهنا البطلان؛ لأنه يؤدي إلى أن يتخير بينهما، وعندنا لو اشترى شاة من شاتين على أن يختار أحداهما – لا يصح العقد، قلت: وفيما قالوه نظر؛ فإن القاضي أبا الطيب حكى في تعليقه عن الشافعي: أنه ذكر في الإجازات: أن أحداهما تلزمه بنصف دينار، وهو بالخيار في الأخرى: إن شاء أمسكها بالنصف الآخر، وإن شاء ردَّها، ويرجع على الوكيل بنصف دينار.
وكذلك حكى الماوردي والمتولي النص بهذه العبارة، أو بما يقاربها، وإذا كان [هذا صورة] النص، لم يلزم منه أن يكون حاكماً بأن [للوكيل] شاة بنصف دينار؛ لأن رجوعه على الوكيل عند عدم الإجازة يجوز أن يكون لأجل أنه صرفه في ثمن ما بطل العقد فيه؛ لعدم الإذن فيه والإجازة؛ ولأجل
ذلك حسن من القاضي أن يقول: لا وجه [لهذا] عندي إلا أن يكون بناء على [أن] البيع الموقوف يجوز، لكن الذي حكاه ابن الصباغ والمحاملي والروياني وغيرهم عن الشافعي في الإجازات: انه قال: إذا أعطاه الدينار، وقال: اشتر به شاة، فاشترى شاتين، ففيهما قولان:
أحدهما: ينتقل ملك الشاتين معاً إلى الموكل.
والثاني: ينتقل ملك إحداهما إلى الموكل، وملك الأخرى إلى الوكيل، ويكون الموكل فيها بالخيار: إن شاء أقرها على ملك وكيله، وإن شاء انتزعها.
وهذا صريح يما حكوه من أن للوكيل شاة بنصف دينار؛ وعلى هذا لا يحسن قول القاضي وغيره: إن هذا بناء على قول الوقف؛ لأنا على [قول] الوقف لا نحمك بالملك فيه للفضولي قبل الإجازة، والرد، وهاهنا قد حمك بأن الملك له.
وقد رأيت لمن تكلم على التنبيه: أن المراد بقولا لوقف هاهنا ليس الوقف على القديم، بل الوقف على الجديد، وهو ما إذا باع المفلس بعض ماله بعد الحجر عليه، وهو لا يُنجي من المناقشة.
ويلزم الأصحاب مما حكوه من صورة النص أن تكون صورة المسألة إذا وقع الشراء بعين الدينار، [وألا لم يقع العقد للموكل في شيء من الشاتين؛ لأن قوله: اشتر بهذا الدينار] شاة صريح في الشراء بالعين؛ كما صرح به الإمام فيما إذا دفع إلى إنسان دراهم، وقال له: اشتر لي بها طعاماً.
وقد تقرر: أنه لووكله في أن يشتري بالعين، فاشترى في الذمة – لا يصح العقد للموكل وفاقاً.
وقد حكوا أن محل الخلاف إذا وقع الشراء في الذمة، ويلزم عليه – أيضاً- أن يصح العقد على شاة من شاتين؛ كما استشكله المتولي [ومجلي].
وطريق الجواب عن الإلزام الأول علىصورة النص الذي حكاه الأكثرون: أن
يمنع أن قوله: اشتر بهذا الدينار شاة كقوله: اشتر بعينه، بل هو كما لو دفعه إليه، وقال: اشتر [بهذا الثمن شاة]، وقد حكينا: أن الأصح في هذه الحالة صحة الشراء بالعين وفي الذمة؛ فيكون هذا مؤكداً [له].
فإن قيل على مقابله: يلزم ألا يصح [للموكل العقد] في شيء من الشاتين –أيضاً- إذا وقع الشراء في الذمة.
قلنا: قد حكاه الإمام وجهاً، وأن العقد يلزم في حق الوكيل، وكذلك الزبيلي مع وجه آخر: أن العقد يبطل في الشاتين.
واعلم أن الجيلي حكى عن بعضهم: أنه أجرى الخلاف في مسألة الكتاب من غير فرق بين أن يرد العقد على العين أو الذمة، وكذلك هو في الإكمال فيما وقع في التنبيه من الإجمال.
وغالب الظن: أنهما نقلا ذلك عن البحر؛ فإنه ذكر مثل ذلك، لكنه حكى في البحر ذلك بعد أن حكى الخلاف فيما إذا ورد العقد على العين [في] أنه يصح في الجميع، أو يبطل في إحدى الشاتينن وأشار إلى جريان [هذا] الخلاف فيما إذا كان العقد على ما في الذمة؛ ففهم منه [أنه] الذي أورداه، ولا يكاد يصح ذلك؛ فإنه لا يتصور ان يصح الشراء لشخص بملك غيره من غير إذنه، والله أعلم.
فروع:
أحدها: هل يجوز للوكيل بيع شاة من الشاتين والمحالة هذه؟
إذا قلنا بأنهما للموكل بغير إذنه؛ ففيه وجهان حخكاهما المحاملي وغيره من العراقيين، كما حكاهما المراوزة، وهما [مبنيان عند] الشيخ أبي حامد – كما حكاه البندنيجي والقاضي الحسين – على القولين فيما إذا غصب مالاً واتجر به.
والجديد منهما: أن تصرفه باطل.
والقديم: أن لرب المال الخيار بين أن يجيز البيع؛ فيكون كل الربح له، وبين أن يبطله، ويكون له بدل ماله.
ومقتضى هذا: أنا إذا صححنا بيع الوكيل، ثبت للموكل الخيار.
وقد تمسك القائل بالصحة بحديث عروة، والقائلون بالصحيح الذين سلموا صحة الحديث، قالوا: هذه واقعة حال، وعروة يحتمل أن يكون وكيلاً مطلقاً، بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم وكله في بيع ماله إذا رأى فيه المصلحة؛ كما صرح به المتولي.
ولا يقال: إنه صلى الله عليه وسلم إن كان قد وكله [في بيع ماله، فذلك محمول على الموجود، وهذا مال متجدد، وإن كان قد وكله] في بيع المتجدد، فهو تعليق للوكالة، وأنتم لا ترونه؛ فلا يحسن بكم هذا التأويل؛ لأنا نقول: بقي قسم ثالث، وه وأن يكون قد وكله في بيع الموجود وما يتجدد، ويجوز ذلك بطريق التبع؛ كما يجوز التوكيل في البيع، وقبض الثمن، والتصرف فيه وإن لم يملك الثمن بطريق التبعية، [وكذلك] الوقف يصح على الموجود من أولاده ومن سيوجد، [ولو أفرد] من سيوجد بالوقف [عليه]، لم يصح.
الثاني: لو اشترى الوكيل شاتين تسايو كل واحدة منهما دون الدينار، وتساويان أكثر من دينار، لم يصح العقد للموكل.
الثالث: لو كانت أحداهما تساوي ديناراً، والأخرى دونه، فقد حكى ابن الصباغ، والروياني، وغيرهما في صحة العقد عليهما للموكل- وجهين، وأن أقيسهما الصحة في الجميع للموكل، وجعله القاضي أبو الطيب المذهب.
قلت: وينبغي أن ينبني الخلاف فيها على مسألة الكتاب:
فإن قلنا فيها: لا يلزم الموكل إلا شاة، فهاهنا لايلزمه إلا التي قيمتها دينار، وتكون الأخرى للوكيل بنسبة قيمتها من الثمن.
وإن قلنا ثم: إن الشاتين للموكل، فهاهنا وجهان كالوجهين فيما لو قال:"بع بمائة"[فباع] بمائة وثوب؛ لأنها زيادة خير، لكنها بغير الصفة التي أذن فيها.
ثم على الصحيح فإذا جوزنا للوكيل بيع إحدى الشاتين، فإن باع التي قيمتها دينار – لم يصح؛ لأنه يفوت المقصود، وإن باع الأخرى – صح.
وحكم التوكيل في شراء عشرةأقفزة من الحنطة بدينار حكم التوكيل في [شراء] شاة بدينار، حتى إذا اشترى أحد عشر قفيزاً من النوع الذي ذكره بدينار، خرج على القولين؛ صرح به صاحب البحر.
قال: وإن وكَّله في بيع عبد، أو شارء عبد، لم يجز أن يعقد علىنصفه؛ لما في الشركة من الإضرار وهذا في جانب الشراء مطلقاً؛ حتى لو اشترى النصف الآخر، لم يقع العقد للموكل، وفيه وجه.
وفي جانب البيع مقيد بما إذا باع النصف بدون قيمة الكل، أما إذا باعه بقيمة الكل – صح اتفاقاً، كما صرح به في المهذب وغيره.
ولو وكله ببيع ثلاثة أعبد، فباع واحداً [منها] بدون قيمة الجميع – لم يصح، وإن كان بقيمتهم صح، وهل يبقى وكيلاً في بيع الباقيين؟ فيه وجهان في الطريقين
ولو وكله في شراء عشرة أعبد، ملك أن يعقد عليهم صفقة واحدة،
وأن يعقد على واحد واحد.
وإن قال: [اشترهم في صفقة] واحدة، فاشتراهم من شخصين بثمن [واحد من] كل واحد [منهما] خمسة، وصححنا مثل هذا العقد – ففي صحة الشراء للموكل وجهان في الشامل.
وفي الحاوي في هذه الصورة الجزم بالبطلان، وخكاية الخلاف عن ابن سريج فيما إذا كانوا مشتركين بينهما على الإشاعة؛ وعلى ذلك جرى المحاملي، والبندنيجي.
قال: وإن أمره أن يشتري شيئاً موصوفاً- لم يجزأن يشتري [شيئاً] معيباً، أي: وإن كان يساوي ما اشتراه به، أو يزيد عليه؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
وكذلك لو اشترى عيناً [فوجد بها عيبا] ثبت له الرد، فلو اشترى مع العلم بالعيب – لم يقع للموكل؛ لأنه غير المأذون فيه، [[وهذا] هو] الأظهر عند المراوزة – أيضاً – وحكوا معه عند مساواة المبيع ما اشتراه به أوجهاً:
أحدها: [أن] العقد يقع للموكل.
[والثاني: إن كان العيب يمنع من الإجزاء في الكفارة والمبيع عبداً – فلا يقع للموكل][وإلا وقع].
والثالث – حكاه الإمام عن شيخه في كتاب القراض، واستحسنه -: أنه إن كان يشتريه للتجارة، وقع العقد [للموكل]، وله الخيار، وإن كان يتشريه للقنية والخدمة، فلا يقع للموكل [؛ لمكان العيب المعلوم له].
ثم قالوا: إذا قلنا بوقوعه للموكل، فلا خيار للوكيل، وفي ثبوته للموكل وجهان:
وجه المنع: إقامة علم الوكيل مقام علم الموكل؛ كما أن رؤيته المبيع تقوم مقام رؤية الموكل.
وعلى مقابله – وهو الأصح: إذا فسخ الموكل، فهل يرتفع العقد من أصله، أو يرتد الأمر للوكيل؟ فيه وجهان.
قال: فإن لم يعلم بالعيبن ثم علم، رده – أي: من غير احتياج إلى إذن الموكل فيه – لأن الموكل أقامه مقام نفسه، ولما كان للموكل إذا اطلع على العيب أن يفسخ، كذلك للوكيل؛ وهذه علة القاضي أبي الطيب، وغيره.
وقال في المهذب: لأنها ظلامة حصلت بعقده، فجاز له دفعها؛ كما لو اشترى لنفسه.
ومنهم من علل بأنه لا يأمن ألا يرضى الموكل [به]، ولا يصدقه البائع في دعوى الوكالة؛ فيلزمه الثمن؛ فيتضرر به، ومقتضى هذا التعليل: ألا يملك الرد إذا سمي الموكل في العقد، أو كان [ما اشتراه] يساوي الثمن، أو أكثر، أو وقع العقد [على عين] مال الموكل، وقد حكاه المتولي [وجهاً] في الصور الثلاث.
وحكى الإمام في كتاب القراض فيما إذا كان المعيب يساوي أكثر من ثمنه: أنه لا يرد قبل المراجعة.
وروى صاحب التقريب وجهاً [غريباً عن ابن سريج: [أن الوكيل لا يملك الرد إلا بإذن موكله.
قال الإمام]: وهو ظاهر في القياس، بعيد في الحكاية.
وعلى المذهب: لو رضي به [الموكل]، لم يكن للوكيل الرد [إلا بإذن موكله] – قال الإمام: إجماعاً.
قال المتولي: والفرق بينه وبين الفسخ بخيار المجلس، حيث [أثبتنا للوكيل] الفسخ وإن أجاز الموكل: أن خيار المجلس يختص بالوكيل، يعني: بقول صاحب الشرع: المتبايعان بالخيار؛ فكان هو المتصرف فيه، وخيار العيب ثابت للموكل، يعني: لأن سببه يختص به، وهو التضرر بسبب العيب؛ فكان رضاه معتبراً.
وقال الرافعي: إن ما فرق به المتولي لاتكاد النفس ترتكن إليه.
ولو رضي الموكل بالعيب بعد رد الوكيل، لم يكن له أثر.
ولو استمهل البائع الوكيل في الرد إلى أن يعلم موكله – لم يلزمه ذلك، فلو أجابه، فهل يسقط حقه من الرد؟
فيه وجهان في المهذب، المختار منهما في المرشد: عدم السقوط، قد حكاهما الإمام عن العراقيين – أيضاً – فيما لو أبطل الوكيل حق رد نفسه بإلزام العقد، وصحح وجه السقوط، وهوا لذي اختاره في المرشد على [مثل هذا في المسألة قبلها:] إذا حضر الموكل، وأجاز العقد، فلا كلام، إن لم يرض [به، ففي التهذيب: أن المبيع للوكيل، ولا يرد؛ لتأخيره مع الإمكان].
وقيل: يرد؛ لأنه لم يرض بالعيب، وضعفه؛ وهذا القول لم يحك المتولي والبندنيجي سواه، واختاره في المرشد، وادعى الإمام: أنه متفق عليه؛ لأنه إذا لم يبطل حق الموكل بإبطال الوكيل؛ فبالتأخير أولى.
ثم هذا إذا توافق البائع والمشتري والموكل على أن العقد وقع للموكل بالنية،
أو بالتصريح بالسفارة، أما لو أخر الوكيل الرد، أو أسقط حقه من الرد، ولم
يصدقه البائع على أن العقد وقع للموكل – فالمنصوص، وبه جزم البغوي، والمتولي: أن السلعة تلزم الوكيل إذا كان الثمن في الذمة.
وقيل: تلزم الموكل، وهو الذي نقله أبو حامد، ولم يحكه البندنيجي، بل قال بعد حكاية الأول: ولأصحابنا [فيه] ما لا يحكي؛ لفساده؛ [لأنه خلاف] المنصوص.
ثم على خلاف المنصصو يغرم له الوكيل الأرش [من الثمن]؛ لتقصيره عند الجمهور، وهو الأصح في المهذب.
وقال أبو يحيى البلخي: يرجع عليه بما نقص [عن] الثمن؛ حتى لو اشتراه بمائة وهو يساويها، لا يغرمه شيئاً.
ولا فرق في وقوع العقد للموكل عند عدم العلم بالعيب بين أن يكون المبيع يساوي الثمن أم لا عند الأكثرين.
وحكى الإمام فيما إذا كان لا يساويه وجهين في وقوعه للموكل، [وأن
المذهب منهما: أنه لا يقع له؛ لأن الغبن يمنع الوقوع عن الموكل] مع [سلامة المبيع][وإن لم يعرف الوكيل]، فعند العيب أولى.
وفرق الأكثرون بينه وبين الغبن بأن العقد لو صح للموكل معه، لما كان له مستدركاً؛ فإنه [لا] يثبت فيه [خيار]، بخلاف العيب.
قال: وإن وكله في شراء شيء بعينه، فاشتراه، ثم وجد به عيباً، فالمنصوص – [أي: في اختلاف العراقيين] أنه يرده؛ [لما ذكرناه].
[قال:][وقيل: لا يرد؛ لأن الموكل قطع اجتهاده بتعيينه، ولعله قد أمره بشرائه بعد علمه بعيبه]، وهذا قول الجمهور؛ كما حكاه الماوردي، وقال: إن الأول قول أبي حامد الإسفراييني، والذي اختاره في المرشد الثاني.
قال الرافعي: ولم يذكروا – يعني الأصحاب – في هذه المسألة متى يقع عن الموكل؟ ومتى لا يقع؟ والقياس: أنه كما سبق في الحالة الأولى.
نعم: لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به، وهو عالم، فإيقاعه عن الموكل هاهنا أولى؛ لجواز تعلق الغرض بعيبه.
ومحل الخلاف – كما قاله في الكافي – ما إذا لم يعين الموكل الثمن، أما إّا قال له:"اشتر هذا بهذا"، فاشتراه، ثم وجده معيباً –فلا رد للوكيل قولاً واحداً.
فرع: لو ادعى البائع على الوكيل علمه برضا الموكل بالعيب قبل الفسخ، نظر: إن لم يمض زمان إمكان ذلك، لم يسمع.
وإن أمكن، حلف على نفي [العلم] وهو الذي جزم به المعظم.
و [عن] القاضي أبي حامد وغيره [وجه]: أنه لا يحلف.
فعلى الأول: إن حلف الوكيل، رد المبيع، فلو حضر الموكل من بعد،
وصدق البائع، بان بطلان الرد؛ كما حكى عن ابن سريج.
وعن القاضي الحسين خلافه؛ كما حكاه المتولي.
والذي رأيته في [تعليق القاضي]: أن الموكل إذا حضر، وقال:"كنت قد رضيت به"، لا يحتاج إلى بيع جديد.
وقد يقال: إن هذا الخلاف ينبني على انعزال الوكيل قبل العلم؛ كما حكيناه عن ابن الصباغ فيما إذا عفا ولي الدم عنه قبل القصاص.
ولو نكل الوكيلعن اليمين – حلف البائع، ولم يكن للوكيل الرد، [ثم] إذا حضر الموكل، وكذبه، قال في التهذيب: لزم العقد الوكيل، ولا رد له؛ لإبطال الحق فيه بالنكول؛ وهذا منه بناء على ما صححه من أن الوكيل إذا أخر الرد، سقط حق الموكل، قود وافقه فيما ذكره هنا صاحب البحر.
وقال القاضي الحسين هنا في تعليقه: هذا إذا أنكر الموكل الشراء، ولم يسم الوكيل الموكل في العقد، فإن سماه، فعلى وجهين.
واعلم: أن ظاهر كلام الشيخ يقتضي أن محل الكلام في جواز رد الوكيل إذا كان العيب مقارناً للعقد، أما إذا حدث، فليس فيه تصريح بحكهم، ومقتضى ما حكيناه عن القاضي أبي الطيب من التعليل جوازه [أيضاً] قال: وإن وكله في البيع من زيد، فباع من عمرو – لم يجز؛ لأنه قد يريد البيع من زيد؛ لطيب ماله، أو لإرادة تخصيصه بالمبيع دون غيره؛ [فلا يلزم أن يكون الإذن في البيع منه إذناً في البيع من غيره،] والأصل المنع.
ولا فرق في منع البيع من عمرو بين أن يكون وارثاً، [لزيد] أو غير وارث؛ لما ذكرناه؛ ولهذا لو قال: خذ مالي من فلان، [لم يجز] أن يأخذه من وارثه، [بخلاف ما لو قال: خذ مالي على فلان؛ فإنه يجوز أن يأخذه من وارثه].
قال: وإن وكله في البيع في سوق، فباع في غيرها - أي: ولا تفاوت بينهما - جاز؛ لاتفاق الغرض فيهام.
وقيل: لا يجوز؛ كالمسألة قبلها.
وقال بعضهم: إنه ليس بصحيح، وصححه ابن القطان، والبغوي، واختاره في المرشد، وقال الماوردي: إنه أشبه.
وقد نسب القاضي أبو الطيب [الأول] إلى النص، وجزم به، وتابعه في الجزم [به] الغزالي في الوجيز.
قال في رفع التمويه: ومحل القول الثاني إذا لم يقدر [له] الثمن، أما إذا قدره، فقال: بع بمائة، فباع في غيرها بها - جاز وجهاً واحداً.
والحكم فيما لو قال: بع في بلد كذا كالحكم في قوله: بع في سوق كذا؛ [كذا] صرح به القاضي ابن كج، لكنه إذاباع في غيره، كان ضامناً للمبيع والثمن؛ [إذ مطلق الإذن في البيع لا يقتضي الإذن في السفر.
أما إذا كان الثمن] في الوضع الذي عينه أكثر، أو النقد فيه أجود-
لم يجز البيع في غيره وفاقاً، وكذا إذا نهاه عن البيع في غيره.
ولا خلاف في أنه إذا أذن في البيع في زمان، لا يجوز أن يبيع في غيره: متقدماً، أو متأخراً.
[وعند إطلاق] الوكالة تحمل على البيع بالنهار، فإن باع بالليل، قال القاضي الحسين في تعليقه: إن كان الراغبون فيه كالنهار، جاز، وإلا فلا.
قال: وإن وكله في البيع، سلم المبيع – أي: إذا كان معيناً في يده –لأنه من مقتضى العقد؛ بدليل أنه لو باع بشرط ألا يسلم – بطل، وإذا كان [الثمن] من مقتضى العقد [تضمنه التوكيل]؛ كخيار المجلس، ونحوه.
فعلى هذا لو شرط [في التوكيل]: ألَاّ يسلم المبيع وإن قبض الثمن – لم يكن له التسليم؛ كما حكاه في شرح الفروع.
وقال قائلون: هذا الشرط فاسد؛ فإن التسليم مستحق بالعقد، ورووا عن أبي علي الطبري وغيره وجهين في أن الوكالة هل تفسد به؛ حتى يسقط الجعل المسمى، ويجب أجرة المثل؟
وحكى الشيخ أبو علي في جواز تسلم المبيع عند إطلاق الوكالة وجهين؛ كالوجهين الآتيين في أنه هل يقبض الثمن أم لا؟
[قال:] وكيف لا، وتسليم المبيع دون قبض الثمن فيه خطر ظاهر؟!
وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره.
وحكى الرافعي: أن وجه المنع يجري وإن كان [الثمن مؤجلاً؛ لأنه لم يفوض إليه.
وجعل في الوسيط جواز تسليم المبيع بعد توفير] الثمن، ليس من مقتضى الوكالة [له]، بل لأنه ملكه، ولا حق يتعلق به، وهو ظاهر.
قال: ولم يقبض الثمن –أي: حيث لم يكن القبض – شرطاً في صحة العقد،
وكان الثمن حالاًّ؛ لأنه قد يرضاه للبيع، ولا يرضاه للقبض، وهذا ما اختاره في المرشد.
قال: وقيل: يقبض؛ لأن موجب العرف قبض الثمن، وتسليم المبيع؛ فنزل عليه؛ وهذا هو الأصح في الرافعي، وحلية الشاشي، والتتمة.
أما إذا كان القبض شرطاً في العقد – كما في الصرف ونحوه – فلا خلاف في أن له القبض والإقباض.
ولو كان الثمن مؤجلاً، لم يكن له القبض وجهاً واحداً.
وحكم الوكيل في الشراء في تسليم الثمن المعينن وتسلم المبيع – حكم وكيل البائع في تسليم المبيع وتسلم الثمن فيما ذكرناه وفاقاً وخلافاً؛ كما صرح به [ابن] الصباغ وغيره.
وفي الوسيط فرق بينهما.
التفريع:
إن قلنا بالأول، فإذا سلم الوكيل المبيع قبل قبض الوكل الثمن، وتعذر قبضه بسبب إعسار المشتري – لا يكون الوكيل ضامناً؛ كما صرح به القاضي أبو الطيب، والبندنيجي.
ووجهه المتولي بأن الوكيل لم يثبت له حق التسليم؛ حتى نجعله مفرطاً بتسليم المبيع [قبل استيفاء الثمن.
وإن قلنا بالثاني؛ فليس له التسليم إلا بعد قبض الثمن، فإن سلم قبله، صار ضامناً، وله طلب المشتري بتسليم المبيع] إن كان قائماً إلى أن يوفي الثمن، وإن كان تالفاً، فله المطالبة بالثمن؛ كما صرح به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ.
وما الذي يضمنه الوكيل للموكل؟ ينظر: إن كان الثمن، وقيمة المبيع سيان، غرم القيمة، وإن كانت القيمة أقل، لم يضمن غيرها، وإن كانت أكثر مثل: إن باعه بما يتغابن بمثله، فوجهان:
أصحهما: أنه يغرم جميع القيمة.
والثاني: قدر الثمن؛ لأنه الذي فوته بالتسليم.
وقد رجع حاصل الوجه الثاني [إلى] أنه يغرم أقل الأمرين من القيمة أو الثمن، وهو ما حكاه الإمام هاهنا، واختاره القاضي الحسين في كتاب القراض بعد أن قال: قالل أصحابنا: يضمن أكثر الأمرين من قيمة المبيع، أو ثمنه.
وقال الإمام في كتاب التفليس: إذا عسر على الموكل قبض الثمن، ضمن الوكيل، وفيما يضمنه وجهان ذكرهما صاحب التقريب:
أحدهما: الثمن؛ فإنه فوت متعلقه؛ فكان كالشاهد بالزور.
والثاني: قيمة المبيع؛ فإنه التزم ألا يسلمه إلا بشرط، فإذا لم يف بالشرط، لزمته القيمة؛ نظراً إلى ما قبل البيع.
ثم قال: وهذا الضمان على الجملة بِدْع خارج عن قانون الضمان؛ فإنه لم يلتزم [الثمن] بجهته، ولما سلم المبيع لم يَجْرِ عُدوانه في ملك الموكل؛ فالقياس الكلي نفي الضمان، لكن اتفق الأصحاب عليه.
وإذا اعتبرنا قيمة المبيع فالمعتبر حالة التسليم؛ كما صرح به القاضي الحسين.
ثم إذا قبض الوكيل الثمن بعد الغرم للموكل، كان له حبسه حتى يسترد ما غرمه للموكل – قال القاضي الحسين: كالغاصب إذا غرم.
فروع:
[أحدها] إذا قبض الوكيل الثمن حيث جاز له القبض، فخرج المبيع مستحقًّا، وأخذه مالكه بعد تلف الثمن في يد الوكيل؛ فللمشتري الرجوع بالثمن على الوكيل؛ إن انكر كونه وكيلاً، وحلف على نفي العلم، فإن صدقه، فمن الذي يرجع عليه؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها الإمام عن ابن سريج: أحدها: أنه الموكل لا غير؛ لأن الوكيل متوسط؛ كالسفير، ويده في القبض كيد الموكل؛ فكأن الموكل قبض المال، فتلف في يده؛ [وهذا ما حكاه القاضي أب والطيب في كتاب
الرهن؛ قياساً على ما لوباع العدل الرهن بإذن الحاكم، وقبض الثمن، وتلف في يده، وخرج [الرهن] مستحقًّا؛ فإنه لا يرجع على العدل [بشيء]، وادعى الإجماع عليه.
وفي النهاية [حكاية] خلاف [فيه] أيضاً، مع الاتفاق على أن الحاكم لو باع، وتلف الثمن في يده، وخرج المبيع مستحقًّا: أنه لا ضمان.
والوجه الثاني: أنه الوكيل لا غير؛ لبيان انقطاع أثر التوكيل بالاستحقاق؛ وهذا ما جعله الإمام هاهنا أقيس، وقال في كتاب الرهن: الذي يجب القطع به أن الوكيل مطالب، ولو أراد المشتري مطالبة البائع بالثمن، وما ثبتت يده عليه – فلست أرى ذلك؛ من جهة أن يده ما وصلت إلى عين مال المشتري، ولم يوجد منه في حق المشتري إلا أنه أمر وكيله بالمعاملة، ومن أمر غيره بغصب مال لم يصر بأمره غاصباً.
ثم قال: وليست أنفي احتمالاً يراه ناظر [في] تثبت مطالبة الموكل؛ كما ذهب إليه العراقيون.
والوجه الثالث: [له] مطالبتهما جميعاً، وهو المختار في الرافعي، وحكاه الماوردي أيضا.
فعلى هذاإذا غرم الوكيل؛ فالمشهور من المذهب – [كما حكاه الإمام-]: أنه يرجع على الموكل.
وقيل: لا.
وإن غرم الموكل، لم يرجع على الوكيل.
وقيل: يرجع عليه في هذه الحالة؛ لتلف العين تحت يده.
وإن قلنا بالوجهين الأولين، فمن غرم منهما، لم يرجع على الآخر؛ كذا حكاه الإمام هنا.
وقال في كتاب الرهن: إن الوكيل مطالب دون الموكل، وإذا غرم رجع على الموكل.
ولو تلف المال في يد الموكل بعد أن سلمه له الوكيل، فلا نزاع في أن الموكل مطالب، وهل يطالب الوكيل؟ ذكر الإمام فيه خلافاً في كتاب الرهن.
الثاني: إذا اشترى عبداً لموكله، وقبضه بإذنه، وتلف في يده قبل أنيسلمه إلى موكله، ثم خرج ما قبضه مستحقًّا - فلمالك [العبد] مطالبة البائع قطعاً، وكذا [مطالبة المشتري إذا انكر كونه وكيلاً، فإن صدقه، فهل له][مطالبة الموكل دونه، أو مطالبتهما؟ فيه ثلاثة أوجه، ووجه] مطالبة الموكل هاهنا بعيد؛ إذا كان الإذن في شراء عبد موصوف؛ إذلم يصدر منه مايقتضي التغرير الذي جعلناه في الفرع قبله سبباً لمطالبته، والرجوع عليه.
نعم: إن كان قد عين العبد في التوكيل، شابه الفرع [الذي] قبله، وحكم التراجع بين الوةكيل والموكل كما ذكرناه من قبل.
الثالث: قال الرافعي: إذا باع الوكيل ما وكل فيه بثمن في الذمة، ودفعه إلى موكله، فخرج مستحقًّا أو معيباً، فرده؛ فللموكل مطالبة المشتري بالثمن، وله تغريم الوكيل؛ لأنه صار مسلماً للمبيع قبل أخذ ثمنه، وفيما يغرمه الوكيل وجهان:
أحدهما: قيمة العين.
والثاني: الثمن.
[قال: وإن وكله في تثبيت دين، فثبته؛ لم يجز له قبضه؛ لأنه غير مأذون فيه لفظاً ولا عرفاً؛ فإن الإنسان قد يرضى بالشخص في التثبيت، ولا يرضاه في القبض.
وفي طريقة المراوزة حكاية وجه: أنه يجوز له القبض؛ كما في [قبض] الثمن، وجعله في بحر المذهب ظاهر المذهب، والصحيح خلافه].
قال: وإن وكله في بضه، فجحد من عليه الحق، فقد قيل يثبته؛ لأنه يتوصل به إلىما وكل فيه؛ فاقتضاه الإذن؛ وهذا [هو] الأصح في الجيلي.
قال: وقيل لا يثبته؛ لأنه قد يرضاه في القبض؛ لأمانته، ولا يرضاه في التثبيت؛ لقصور حجته؛ وهذا ما اختاره في المرشد.
ويجري هذا الخلاف فيما إذا وكله في قبض عين، فجحدها من هي في يده.
ولو وكله في بيع [دار]، أو قمسة نصيبه من دار، [وطلب شفعة] – لم ينك له تثبيتها عند بعض الأصحاب.
قال في [بحر المذهب]: وقيل: فيه وجهان – أيضاً – نسبهما الماوردي إلى ابن سريج في مسألة المقاسمة لا غير، وأبداهما ابن الصباغ من عند نفسه احتمالاً في الجميع.
فرع: الوكيل بالشراء إذا سلم الثمن، وخرج المبيع مستحقًّا، هل [له] مطالبة البائع بالثمن؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي عن أبي القاسم بن كج، [وهام في المهذب]، والمذكرو منهما في المرشد المنع.
قال الماورديك والصحيح عندي غيرهما، وهو أن ينظر:
فإن استحق من يد الوكيل قبل وصوله إلى يد الموكل؛ فللوكيل المطالبة.
وإن استحق من يد الموكل، فلا؛ إذ الوكالة قد انتهت.
فرع: إذا وكله في قبض دين، فقبضه الموكل معيباً، ولم يعلم بعيبه، ثم [قبضه الوكيل] سالماً، فهل يصح قبض الوكيل له أو قبض الموكل؟
قال في البحر: [إنه يجوز قبض الوكيل، قال: وعندي أنه لا يجوز]؛ لأن الرد بالعيب انتقاض من الوقت لا من الأصل، وقد أخذ الوكيل ذلك بعد براءة ذمته؛ فلايصح قبضه.
قلت: هذا الفرع يظهر بناؤه على أن الدين [الناقص] متى يملك؟ هل
بمجرد القبض، وينتقض بالرد، أو لا يملك إلا بالرضا بالعيب؟ وفيه خلاف حكاه الغزالي وإمامه في باب الاستبراء والكتابة.
فعلى الأول يخرج ما قاله صاحب البحر، وعلىلثاني يخرج ما قاله والده.
قال: وإن وكله في كل قليل وكثير – لم يجز؛ لما في ذلك من الغرر؛ [فإنه لو] صح لملك أن يعتق جميع عبيده، ويطلق جميع نسائه، ويبيع جميع أمواله، ويتشري له ما لا يقدر على أداء ثمنه، وأي غرر أعظم من ذلك؟!
نعم لو قال: وكلتك في عتق عبيدي، وطلاق زوجاتي، وبيع جميع مالي، وقبض ديوني – صح وقيد صاحب التهذيب جواز التوكيل في بيع المال، وبض الديون بما إذا كانت معلومة، ومفهوم ذلك [أنها][إذا لم تكن معلومة، لا يصح] وهو ما صرح به القاضي الحسين في تعليقه في مسألة بيع المال؛ حيث قال: لو قال: وكلتك [في بيع مالي، ولم يعين المال، لم يجز، ولو قال: وكلتك] في كل قليل وكثير [مما إلي] من التصرفات [لم يصح؛ وحكى الغزالي وإمامه وجهاً فيه، والأصح الأول؛ كما لو أطلق، ولم يقل: [فيما إلي] من التصرفات]؛ فإن الإنسان إنما يوكل فيما يتعلق به، سواء نص على الإضافة إلى نفسه، أو لم ينص؛ ولهذا لو قال: وكلتك في شراء كذا، لم يحتج إلى أن يقول: لي.
وقد حكى الماوردي في كتاب الوديعة وجهين في صحةالوكالة العامة في كل شيء، ولعل محلهما ما حكاه الإمام.
ولو قال: "وكلتك في بيع ما تراه من مالي"، أو:"من عبيدي" – لم يصح؛ كما [صرح به] الماوردي.
وفي الزوائد للعمراني: أنه لا يصح في الأولى، ويصح في الثانية.
وفي النهاية [حكاية فرع يدل على الصحة في الثانية] أيضاً، وه إذا قال رجل لىخر: بع من عبيدي من شئت، فليس للوكيل أني بيع جميعهم، فلو باع الجميع إلا واحداً، فقد اتفق الأصحاب عليه، وإن كان التبعيض في النظم المعروف ربما يورد على النصف فما دونه.
وفي المهذب والتهذيب: أنه لو قال: بع ما شئت من مالي، أو: اقبض ما شئت من ديوني: أنه يصح.
فرع: الوكالة بالتصرف فيما يجهل قدره مثل: أن يكون بين شخصين مال، وكل منهما يجهل [قدر] حصته منه، فيوكل أحدهما صاحبه في بيع حصته، أو يوكلان وكيلاً في بيع الجميع، هل يصح؟ فيه وجهان، تقدمت حكايتهما في باب الشركة، والأظهر [منهما] الصحة.
قال: وإن وكله في شراء عبد، ولم يذكر نوعه – لم يصح التوكيل؛ لأن فيه غرراً؛ فإن العبيد تختلف أثمانهمن فربما يشتري له عبداص لا يملك الوفاء بثمنه.
ولا فرق في ذلك بين أن يقول للوكيل: اشتره كيف شئت، أو لا.
وفي الحاوي حكاية وجه: أنه يصح، فإذا اشترى أي عبد، كان بثمن مثله، أو أقل – صح الشراء.
وقد نسب الإمام هذا الوجه إلى رواية صاحب التقريب، وحكى عن الشيخ أبي محمد أنه إذا قال: اشتر لي عبداً كما تشاء: أنه يظهر تجويز ذلك؛ فإنه تصريح بالتفويض التام، ثم قال: وهو متجه.
قال في "الوسيط": وهذا تصرف لم يذكره غيره.
قلت: قد حكى نظيره عن القاضي أبي حامد فيما إذا قال: "زوجني أي امرأة شئت" من غير أن يعين واحدة: أنه يصح.
وفي هذه الصورة –أيضاً –وجه: أنه لا يجوز حتى يصفها بما تضبط به.
قال في الشامل: وهو اختيار الزبيري، وكذلك قال في البحر، وعلله بأن الأغراض تختلف: فمن الناس من يرغب في الجمال، ومنهم من يرغب في كثرة المال، ومنهم من يرغب في العشيرة، أو في النسب.
قال: وإن ذكر النوع، ولم يقدر الثمن –أي: مثل: أن قال: اشتر لي عبداً تركيًّا، أو حبشيًّا، أوزنجيًّا – لم يصح التوكيل؛ لأن أثمان النوع تختلف، فالغرر فيها ثابت؛ وهذا ما قال القاضي الحسين: إنه الظاهر ما لم يذكر جميع أوصاف العبد التي يختلف الثمن باختلافها، مثل: أن يقول: قامته كذا، وسنه [كذا].
وقيل: يصح، وهو اختيار ابن سريج؛ كما حكاه المحاملي، والبندنيجي، [والشيخ في المهذب]، وصححه الرافعي؛ لأن مع ذكر النوع يقل الغرر، [ويحمل ذلك] على أغلى ثمن.
قال: وإن ذكر النوع، وقدر الثمن، ولم يصف العبد، أي: بما يميزه [عن] غيره، لا بصفات السلم؛ كما صرح به الماوردي، والإمام [قال]: فالأشبه: أنه لا يصح؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات مع التساوي في القيمة، وذلك غرر.
قال: وقيل: يصح؛ لأن ذلك القدر لا يخفى مقابله في العادة.
وأيضاً: فإن الوكالة جوزت للحاجة، والتضييق فيها يخرجها عن موضوعها، وهذا ما [جزم به] القاضي أبو الطيب وغيره، وادعى البندنيجي [نفي] خلافه.
و [قد] قال بعض الشارحين: إنه لم ير الأول في الكتب المشهورة، وكذلك أقول، لكن طريق الجواب عنه أن الشيخ أبداه احتمالاً لنفسه، ويقرب
[منه] ما حكاه الماوردي فيما إذا قال: "اشتر لي عبداً بمائة"، ولم يصفه بما يتميز به مراده من العبيد من أن ذكر [الثمن هل يقوم مقام الصفة، أم لا؟ وفيه وجهان.
واعلم أن ما ذكرناه من] اعتبار ذكر النوع وغيره مفروض فيما إذا لم يكن القصد بالشراء التجارة، أما إذا كان القصد منه التجارة، فلا يشترط بيان ذلك، بل يجوز أن يقول: وكلتك [في] أن تشتري بهذا الألف ما شئت من العروض، أو: ما علمت فيه حظًّا من الأموال؛ صرح به الماوردي، والمتولي؛ قياساً على القراض.
قال: وما يتلف في يد الوكيل من غير تفريط، لا يلزمه ضمان؛ لأنه نائب عنه في اليد والتصرف؛ فكانت يده كيده.
ومفهوم هذا: [أن ما يتلف في يده بتفريط]، يلزمه ضمانه.
وهل يجعل إمساكه لما وكل في بيعه مع قدرته على البيع – تفريطاً؛ حتى يضمن عند التلف؟ فيه وجهان في تعليق القاضي الحسين.
قال: والقول في الهلاك، وما يدعي عليه من جناية – قوله:
أما في الهلاك؛ فلتعذر إقامة البينة عليه، ولا فرق بين أن يدعيه بسبب ظاهر، أو خفي؛ كما سنذكره في الوديعة.
وأما في دعوى الجناية؛ فلأن الأصل عدمها.
قال: وإن كان متطوعاً، فالقول في الرد قوله؛ لأنه قبض العين لحق المالك؛ فكان القول قوله في الرد؛ كالمودع.
قال: وإن كان بجعل، فقد قيل: القول قوله؛ لأنه مؤتمن من جهته، لا يضمن العين عند التلف؛ فكان القول قوله في الرد على من ائتمنه؛ كالمودع؛ وهذا قول الجمهور، وهو الأظهر في الحاوي.
قالك وقيل: القول قول الموكل؛ لأنه قبض العين لمنفعة نفسه؛ فلم يقبل قوله
في الرد؛ كالمرتهن، والمستأجر؛ وهذا قول أبي علي الطبري.
وقد أجرى هذا الخلاف بعينه في عامل القراض، والأجير المشترك إذا لم نضمِّنه، وقد قدمت في كتاب الرهن الفرق بين المرتهن والمستأجر، وبين الوكيل بالجعل ومن في معناه، فليطلب منه.
تنبيه: الجعل - بضم الجيم -: ما يجعل للعامل عوضاً.
وتفرقة الشيخ بين الوكيل بجعل وغيره في دعوى الرد، تعرفك أن ما ذكره من الأحكام فيه غير الرد لا فرق فيها بين أن يكون بجعل أو غيره.
وقد حكى عن أبي علي الطبري: أن الوكيل بالجعل حكمه حكم الأجير المشترك؛ حتى يكون في ضمانه قولان، وهو ما حكاه الماوردي في كتاب الإجارة، لكن فيما قبضه لبيعه دون الثمن، وفيما قبضه ليشتري به دون المبيع، إذا جعل الجعل في مقابلة البيع أو الشراء، فإن جعله في مقابلتهما، فالذي يظهر من كلامه في موضع آخر: أن حكمهما في الضمان سواء.
فرع: لو مات الوكيل، فادعى وارثه الرد على الموكل، نظر:
فإن ادعى أن الرد صدر منه، لم يقبل؛ لأنه لم يأتمنه، وهكذا حكم الوكيل إذا ادعى الرد على ورثة موكله، والمقارض إذا ادعى الرد على ورثة رب المال، وكل من لم يأتمنه المدعي عليه وإن كان مؤتمناً شرعاً؛ كمن طيرت الربح الثوب إلى داره، [والملتقط؛] كما حكاه العراقيون.
وفي كلام الإمام إشارة إلى خلاف فيه؛ فإنه قال بعد ذكر ذلك: [على الصحيح، فكأنه يشير إلى الوجه الصائر إلى قبول قول الوصي في الرد على الصبي بعد البلوغ: أنه يجيء هاهنا، وقد صرح به القاضي الحسين في تعليقه احتمالاً، وأجراه فيما إذا ادعى رد العبد الموصى بخدمته بعد انتهاء مدة الخدمة على الورثة؛ حتى يقبل قوله على وجه.
وإن ادعى أن مورثه هو الراد، قال المتولي في الوديعة: لا يقبل قوله.
وقال البغوي: يقبل، وأجريا ذلك في دعوى التلف من غير تفريط.
والذي رجحه امام قبول قوله في دعوى التلف، وهذا بعينه يجيء هاهنا.
فرع: من يقبل قوله في الرد، هل له ان يمتنع [منه]؛ بعذر الإشهاد؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي: أصحها: أنه ليس له.
والثاني- وهو ما نسبه القاضي أبو الطيب إلى ابن أبي هريرة-: أن له ذلك.
والثالث: أنه إن قبض المال بالإشهاد، كان له الامتناع؛ لأجله، وإلا فلا.
وأما من لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة: كالمستعير، والمديون، والمستأجر، والمرتهن، هل له الامتناع؛ بعذر الإشهاد؟
قال العراقيون: إن كان عليه بينة [به] فنعم، وإلا [فلا، على] الأصح، وبه جزم بعضهم: كالمحاملي، وغيره.
وحكى الماوردي وجه ابن أبي هريرة فيه.
وعلى هذا الترتيب جرى القاضي الحسين في تعليقه.
وقال ابن الصباغ: لا بأس بوجه ابن أبي هريرة [عندي في] المسائل كلها؛ إذا كان الإشهاد ممكناً لا يؤدي إلى تأخير الحق، فأما إذا أدى إلى تأخير الدفع – كان على التفصيل؛ وهذا أبداه المتولي وجهاً.
قال: وإن اختلفا: فقال: أذنت لك في بيع حال- أي: وقد بعت مؤجلاً – فأنت ضامن، فقال الوكيل: بل [في بيع مؤجل؛ أو قال – أي: الموكل] – في الشراء بعشرة، وقال – أي: الوكيل -: [بل] بعشرين، فالقول قول الموكل – أي: مع يمينه – لأنهما لو اختلفا في أصل التوكيل، كان القول قوله؛ فكذلك إذا اختلفا في صفته؛ أصله: الزوجان إذا اختلفا في الطلاق وصفته؛ فإن القول قول الزوج.
ويخالف ما إذا دفع إلى خياط ثوباً، فقطعه، ثم اختلفا – كما سنذكره – حيث لايجعل القول قول الآذن – على قول – وإن كان اختلافاً في صفة الإذن؛ لأان
صاحب الثوب يريد [أن] يثبت على الخياطبيمينه غرامة، والأصل براءته منها؛ فتعارض بسبب ذلك أصلان؛ فلذلك جرى الخلاف، و [ها] هنا الموكل لا يثبت [يمينه] على الوكيل غرامة لنفسه؛ فسلم أصله عن المعارضة، وما يغرمه الوكل من الثمن ظاهر، يرجع به من ثمن العين أو العين؛ كما سنذكره.
فرع: المشتري في المسألة الأولى إذا صدق الموكل، بطل العقد، ولا يخفى حكمه.
وإن ادعى أن البائع باع لنفسه؛ فالقول قول مع يمينه، إن لم تكن بينة؛ فإن الظاهر أن ما يبيعه الإنسان ملكه، وإذا حلف أقرت العين في يده، وإن نكل، حلف الموكل، وإن نكل، فهو كما لو حلف المشتري، ولا يمنعه هذا النكول من حلفه: أنه ما أذن للوكيل في البيع بنسيئة، فيحلف، ويرجع على الوكيل ببدل المبيع، فإذا غرم الوكيل، لا يطالب المشتري حتى يحل الأجل، وإذا حل الأجل، فإن صدق الوكيل الموكل، لم يرجع لى المشتري إلا بأقل الأمرين من الثمن، أو القيمة، وإن لم يرجع، وأصر على قوله الأول، فيطالبه بالثمن بتمامه فإن كان قدر ما غرمه، او أقل، أخذه، وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكل بزعمه، وهو ينكرها، فيحفظها، أو يلزمه دفعها إلى القاضي؟ فيه خلاف.
قلت: في تسليط الوكيل على قبض [الزائد على ما غرمه نظر؛ لأن تسليطه على] قدر ما غرمه إنما كان لأجل الظفر، وجزم به؛ لما سنذكره من أن [من هو منسوب] إليه لا يدعيه.
ولا يقال: إنه يتسلط عليه بطريق الوكالة؛ فإن الموكل إن كان صادقاً، فلا عقد يستحق الوكيل بسببه المطالبة، [وإن كان كاذباً، فإنكار الموكل التوكيل بالبيع، يمتنع به المطالبة] ظاهراً؛ كما في إنكاره الوكالة صريحاً [وإن لم ينعزل] في نفس الأمر؛ على رأي كما سنذكره.
على أن الأصحاب [قد] حكوا في جواز أخذ الوكيل قدر [ما غرمه- الخلاف] المذكور في مسألة الظفر بغير جنس الحق، وقدجزم المحاملي، والبندنيجي، وابن الصباغ، والماوردي فيما إذا صدق المشتري الوكيل في صحة التوكيل، ورجع البائع على الوكيل ابتدءا عند تلف العين -: أن الوكيل لا يطالب المشتري عند الحلول إلا بأقل الأمرين من الثمن والقيمة؛ لأن القيمة إن كانت أقل، فلم يغرم إلا هي، ومازاد لا يدعيه الموكل، وإن كان الثمن أقل، لم يرجع عليه إلا به؛ لأنه يقول: هذا هو الواجب، وما زاد [عليه] ظلمني به الموكل؛ فلا أستحق الرجوع [به] عليك؛ وها بعينه موجود في مسألتنا؛ فيجب أن يكون الحكم فيها كذلك، وهو مقرر لما أبديته من النظر.
فرع: إذا حلف الموكل في المسألة الثانية على ما ادعاه، فلمن يكون المبيع؟ ينظر:
إن وقع العقد على العين، وقد صرح الوكيل بالسفارة، وأن المال للموكل- حكمنا ببطلان العقد ظاهراً؛ على الجديد، والصحيح من القديم.
وقد خرّج ابن أبي هريرة وجهاً من القديم: أنه يصح موقوفاً على إجازه الموكل، فإن أجاز، كان كما لو صدق الوكيل، وإن رد، كان كما في الجديد.
وإن لم يذكر الوكيل ذلك في العقد، لكن ذكره بعد لزومه، فإن صدقه البائع على ذلك [أو قامت بينة] على ملك الموكل عين الثمن؛ بطل أيضاً.
وإن لم يصدقه البائع، ولا بينة، فالبيع نافذ في الظاهر على الوكيل، والثمن مسلم للبائع بعد يمينه علىنفي العلم بالوكالة، ويغرم الوكيل بدله للموكل.
قلت: وكان يتجه [أن يجري] في تغريمه البدل قولا الغرم؛ بسبب الحيلولة.
وإن اشترى في الذمة، نظر:
إن صرح بالسفارة، وصدق البائع الوكيل على أنه اشترىللموكل، بطل العقد [أيضاً؛ صرح به الماوردي، والرافعي.
وإن كذبه، ففي بطلان العقد]، أو تعلقه بالوكيل ظاهراً وجهان: أظهرهما – وبه قال أبو إسحاق -: الثاني، وقد بناهما الماوردي على أن الوكيل – والحالة هذه- هل يكون ضامناً للثمن، أم لا؟ كما صرح [به] عندالكلام في إنكار الموكل أصل الوكالة، وقال المحاملي في مجموعه: لا فرق في جريان الوجهين بين أن يصدقه البائع، أو يكذبه.
وإن لم يصرح بالسفارة، وكذبه البائع في الشراء للموكل؛ فالقول قوله مع يمينه على نفي العلم، والشراء يلزم الوكيل ظاهراً.
وإن صدقه، فهل يبطل العقدنأو يلزم الوكيل؟ فيه وجهان مبنيان – كما قال الماوردي – على الوجهين في أن الموكل هل يصير مشاركاً للوكيل [في التزام الثمن بالعقد] – والحالة هذه، [أم] لا؟
ثم حيث يحكم بصحة العقد بالنسبة إلى الوكيل، فالطريق في تحصيل الملك في الباطن له جزماً: أن يتلطف القاضي بالموكل، ويقول له: كنت أذنت في الشراء بعشرين [فقد بعتك إياه بعشرين]، فإن قال ذلك من غير صيغة التعليق، وقبل الوكيل، صار المبيع ملكاً له باطناً – أيضاً – ولا يجعل الموكل بهذا القول مقرًّا بما ادعاه الوكيل؛ كما حكاه الرافعي، وصاحب البحر.
وفي كلام ابن الصباغ خلافه؛ كما سنذكره.
ولو أتى بصيغة التعليق، فقال: إن كنت أذنت لي في الشراء بعشرين، فقد بعتك بعشرين، ففي صحة العقد وجهان: أصحهما – وبه قال جمهور البغداديين -: الصحة؛ لأنه تعليق [وضع العقد يقتضيه.
وجعل ابن الصباغ الأول خطأ؛ لأن الموكل إذا أطلق قوله: بعتك]، يكون إقراراً منه بالملك، وتكذيباً لنفسه فيما ادعاه، فلا يؤمر به.
فإن امتنع الموكل من ذكر شيء من ذلك، كان المبيع جارية – مثلا ً- فإن كان الموكل كاذباً، أو صادقاً وقد وقع الشراء بعين المال – لم يحل له وطؤها؛ لأنها ملك الغير.
وفي الرافعي إشارة إلىجراين وجه في حل الوطء، ونقل الملك؛ إذا كان صادقاً؛ بناء على أن [الملك] يقع للوكيل ابتداء.
وإن وقع الشراء بثمن في الذمة، والوكيل كاذب، حل الوطء أيضاً.
وإن كان صادقاً، فقد حكى الأصحاب فيما يصنع بها ثلاثة أوجه:
أحدها – ويحكي عن قول الإصطخري، وينسب أيضاً إلى أبي قاسم الأنماطي، كما حكاه القاضي الحسين -: أنها تكون للوكيل باطناً [-أيضاً-] بالامتناع؛ كما قيده البندنيجي؛ فيحل له وطؤها.
قال الرافعي: وهذا بناء على أن الملك يثبت للوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل؛ فإنه إذا تعذر نقله منه، بقي على ملكه.
والثاني: أن الوكيل إن ترك مخاصمة الموكل، فهي له ظاهراً وباطناً، وكأنه كذب نسه، وإلا [فلا]؛ حكاه الرافعي، والقاضي الحسين.
والثالث – وهو قول أبي إسحاق، وابن أبي هريرة، وسائر الأصحاب؛ كما قال المحاملي؛ والأصح، وحكاه البندنيجي، والقاضي الحسين عن الإصطخري أيضاً -: أنه لا يتملكها باطناً، بل هي للموكل، وللوكيل الثمن عليه وقد ظفر بغير
جنس حقه من ماله، وفيه خلاف يأتي في موضعه.
والأصح هاهنا: أن له بيعها بنفسه؛ لأن القاضي لا يجيبه إلى البيع.
ولأن المظفور بماله في غير هذه الصورة يدعي المال لنفسه.
ثم إن كان الثمن قدر حقه، أو أقل، أخذه، وإن [كان] أكثر؛ فلا حق له في الزيادة.
قال المحاملي: [و] يسلمها إلى الموكل.
وقال الماوردي: هل يجوز إقرارها في يده، أو ينتزعها الحاكم منه؟ فيه وجهان، وأجراهما الرافعي فيما إذا قلنا: لا يأخذ الحق من ثمنها.
قلت: وفي جواز بيعه القدر الزائد نظر، تقدم ذكره في الفرع قبله.
وللوكيل إذا رأى أن يؤجر الجارية، ويقبض حقه من الأجرة- أن يفعل، ثم يردها على الموكل، صرح به البندنيجي.
وقد حكى المتولي جواز بيع الوكيل بنفسه، أو بالحاكم فيما إذا كان الوكيل كاذباً، وقد اشترى بعين مال الموكل؛ لأن البائع حينئذ [يكون] أخذ مال الموكل لا عن استحقاق، وقد غرم الوكيل للموكل، فله أن يقول للبائع: رد مال الموكل، أو اغرمه؛ إن كان تالفاً، لكنه قد تعذر ذلك؛ بسبب الثمن، فله أخذ حقه من الجارية التي هي ماله.
قال: وإن اختلفا في البيع، وقبض الثمن، فادعاه الوكيل- أي: ووافقه المشتري- وأنكر الموكل، أو قال الوكيل:[اشتريته بعشرين] – أي: وهو يساويها – قوال الموكل: [بل بعشرة] ففيه قولان.
هذا الكلام ينظم مسألتين:
الأولى منهما تصور بوجهين:
أحدهما: أن ينكر الموكل أصل البيع.
والثاني: أن يعترف به، وينكر قبض الثمن بعد دعوى الوكيلقبضه وتلفه في يده؛ فإنه لو كان باياً – سلمه، ولم يكن للاختلاف أثر، والقولان جاريان في الجميع:
فأحد القولين في الأولى – على اختلاف تصويرها-: أن قول الوكيل غير مقبول؛ لأنه إقرار في حق الموكل بما يبطل عليه ملكه؛ فيسقط حقه؛ فلم يقبل؛ كما لو أقر عليه بقبض الحق مع أن الأصل فيما ادعاه العدم، ويخالف ما إذا ادعى الوكيل الرد، أو التلف؛ فإنه يقبل؛ لدفع الضمان [عن نفسه، لا لإلزام الموكل شيئاً؛ وهذا ما نص عليه الشافعي في العدد، والنكاح، والرهن]، واختاره ابن الحداد في مسألة دعوى البيع، ولم يذكر ابن كج غيره، وكلام الأكثرين يدل على ترجيحه.
والقول الثاني: أن قول الوكيل مقبول؛ لأنه أقامه مقام نفسه؛ فيقبلقوله عليه فيما هو إليه؛ كقبول قوله علىنفسه؛ وهذا ما نص عليه في الرهن الكبير، و [هو] الأقيس عند البندنيجي، والمحاملي، والروياني، وصححه القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو علي، والروياني في الحلية في دعوى البيع، وفي البحر –أيضاً – في آخر كتاب الشركة في دعوى القبض.
ولا فرق في جريانهما بين أن يصدر الوكيل الدعوى بالبيع – كما صوره الشيخ – وبين أن يقول الموكل أولاً: ما بعت، فيقول الوكيل: قد بعت.
وحكى الإمام عن القاضي الحسين في كتاب الرهن عند اختلاف الراهن والمرتهن في وطء الجارية [في الحالة] الأولى: أن القول قول الوكيل، وحكى الخلاف في الحالة الثانية أنه وجه عدم القبول بما تخيله من أن ما قاله الموكل عزل صدر قبل إقرار الوكيل.
قال الإمام ثم: وهذا كلام عَرِيٍّ عن التحصيل.
وحكى المتولي عن القاضي طريقة في دعوى القبض، وهي أن الاختلاف إن وقع قبل تسليم المبيع إلىلمشتري، فالقول قول الموكل؛ كما لو وكله في قبض دين، فادعى قبضه.
وإن كان بعد التسليم، فقولان:
أصحهما في الرافعي، وبه جزم الإمام، واختاره ابن الحداد: أن القول قول الوكيل؛ لأن دعوى الموكل عدم القبض تتضمن تعدي الوكيل بالتسليم؛ فلذلك كان القول قوله؛ وهذه الطريقةجعلها الرافعي أظهر.
ثم هذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقاً، أو حالاًّ، وجوزنا للوكيل قبض الثمن.
أما إذا أذن في التسليم قبل القبض، أو في البيع بثمن مؤجل، وفي القبض بعد الأجل- فالاختلاف في هذه الحالة بعد التسليم [كالاختلاف قبله؛ لأنه لا يكون ضامناً بالتسليم،] فإذا صدقنا الوكيل، فحلف، هل تبرأ ذمة المشتري من الثمن؟ فيه وجهان، أصحهما عند البغوي: لا.
وعند القاضي الحسين: نعم، وهو ما حكاه البندنيجي عن ابن سريج؛ تفريعاً على هذا القول في كتاب الرهن عند الكلام في بيع العدل.
ثم القولان في الأصل يجريان فيما إذا وكله في الهبة والإقباض، وكذلك في النكاح، أو الطلاق، أو العتاق، أو الإبراء، أو إقباض مال مع تصديق المنكوحة المطلقة والقابض والمقبض وأنكره الموكل.
وحكى [عن] ابن سريج معهما وجهين:
أحدهما: أن ما يستقل الوكيل بالإتيان به: كالطلاق، والعتاق، ونحوه – يقبلقوله فيه؛ لقدرته عليه في الحال، وما كان بخلافه، فلا يقبل.
[والثاني –وهو اختياره -: أن ما كان الإقرار به كإيقاعه قبل قوله فيه، وما كان
بخلافه، لم يقبل قوله] فيه؛ كذا قاله الماوردي.
وقد فسر الإمام والبغوي ما يكون الإقرار به كإيقاعه: بالطلاق، والعتاق؛ فإنه [إذا قال]:[طلقت التيأمرتني بطلاقها]، أو: أعتقت الذي أمرتني بإعتاقه – يقبل قوله؛ لأن لفظه مماثل للفظ الإنشاء، وهذا التفسير يرد الوجهين إلى وجه واحد وكذلك الإمام غيره إلىحكايته.
قال الماوردي: وهذان الوجهان إنما يكون القول بهما وجهاً [واحداً] إذا كان الوكيل عند الاختلاف باقياً على الوكالة، فأما مع عزله، فلا؛ لما يقتضيه تعليلهما.
وهذا منه يدل على أن القولين يجريان مع بقاء الوكالة، ومع العزل، وقد حكى الرافعي أن قول الوكيل بعد العزل لا يقبل وجهاً واحداً، وان محل الخلاف قبل العزل، وعليه يدل كلام معظم الأئمة؛ حيث عللوا وجه القبول: بأنه يملك الإنشاء بملك الإقرار؛ كالأب يقر بتزويج البكر.
وفي كلام الإمام في باب الرجعة شيء، وقد يعكر على ذلك؛ فإنه قال: إذا قال الزوج: راجعتك أمس، وقالت المرأة: ما راجعتني أصلاً، والعدة باقية – قال صاحب التقريب: المذهب أن القول قول الزوج، وحكى وجهاً غريباً
أن القول [قول] المرأة، فإن أراد الزوج تصديق ما قال، فليبتدر الارتجاع.
قال: ويلزم على قياس ما قال إذا وكل رجلاً [بيع شيء] من ماله فقال الوكيل: قد بعت، وأنكر الموكل بيعه، ولم يعزله عن الوكالة فالقول قول الوكيل؛ فإن طرد الخلاف في الوكيل، كان هاجماً علىخرق الإجماع، وإن سلّم عَسُرَ الفرق.
وأحد القولين في المسألة الثانية: أن القول قول الوكيل؛ لأن قوله مقبول في أصل العقد؛ فكذا في صفته؛ وهذا ما جزم به الماوردي، والروياني.
والقول الثاني: أن القول قول الموكل؛ لأن الوكيل يريد [أن] يلزم ذمة الموكل شيئاً [الأصل] فراغها منه، أو يزيل عن ملكه شيئاً فيما إذا كانت الدعوى أنه اشترى [بالغين] والأصل بقاء ملكه عليه، وهذا ما اختاره الشيخ أبو حامد، وجزم به المحاملي.
وقال البندنيجي: إنه المشهور في كتبه.
فرع: إذا قلنا: [القول] قول الوكيل في قبض الثمن، وإن المشتري بريء منه، فخرج المبيع مستحقًّا، فرجع المشتري على الوكيل – لم يكن له الرجوع على الموكل، وكذا لو تحالفا، وانفسخ العقد.
وحكى الروياني في كتاب الشركة من البحر: أن بعض أصحابنا قال: [له الرجوع]؛ لأنه يثبت بيمينه قبضه، وتلفه، والرجوع يثبت له بسبب آخر، وهو أنه نائب عنه في البيع، وهذا كما نقول: لا يثبت النسب بشهادة النساء، ولكن إذا شهدت الولادة في الفراش، ثبت النسب.
فائدة: إذا شرط للوكيل جُعْلاً علىلبيع، [وقد] وقع الاختلاف في البيع
بسبب استحقاق الجعل، وأنكره الموكل – قال الماوردي: القول قوله مع يمينه، ولا جعل للوكل إلا ببينة يقيمها على البيع، سواء قبلنا قوله في البيع أم لا؛ لأنه يدعي عملاً يستحق به جعلاً، فلم يقبل قوله في دعواه.
وكثير من الطلبة يصور مسألة الكتاب بهذه الصورة، وهذا يمنع التصوير بها.
قال: وإن وكله في قضاء دين فقضاه في غيبة الموكل، ولم يشهد، وأنكر الغريم، ضمن –أي: سواء صدقه الموكل في ذلك، أوكذبه – لأنه وكله بدفع مبرئ من المطالبة، ولا يكون ذلك مع الجحودإلا بالإشهاد، وكان مفرطاً بتركه؛ [فضمن]؛ كما يضمن الجناية؛ وهذا ما جزم به في المهذب، ومعظم الأئمة، ولرب الدين مطالبة الموكل بدينه، دون الوكيل؛ اتفق عليه الأصحاب.
قال: وقيل: لا يضمن؛ لأن الذي دل عليه اللفظ القضاء لا غير؛ فلا يجعل مفرطاًبترك غيره.
قال: وليس بشيء؛ لأن العرف إذا دل على شيء كان بمنزلة المصرح به في اللفظ، والعرف دال على اعتبار الإشهاد؛ فكان بتركه مقصراً.
وهذا الوجه حكاه في حال تصديق الموكل البغوي، والرافعي عن أبي الطيب بن سلمة، وهو مشابه لوجه حكاه الرافعي عن [ابن] أبي هريرة فيما إذا أدى الضامن الدين من غير إشهاد، وأنكر المضمون له القبض، ولم يكن المضمون عنه حاضراً، لكنه صدق الضامن: أنه يرجع عليه، ولم يجعله بترك الإشهاد مقصراً؛ وهذا لأن الضمان إذا كان بالإذن، كان توكيلاً في الأداء، متضمناً للإقرار.
وفي حال التكذيب من تخريج ابن سريج – كما اقتضاه كلام المحاملي- حيث قال بعد حكايته عن عامة الأصحاب: إن الوكيل يضمن إذا قضى الدين بغير إشهاد في غيبة الموكل؛ صدقه الموكل أو كذبه:
إلا أن ابن سريج خرج فيها وجهاً آخر سها فيه: أن قول الوكيل مقبول على موكله.
وقد حكى ابن الصباغ عن أبي حينفة: أن الموكل إذا صدق الوكيل، فلا ضمان على الوكيل، فإذا كذبه؛ القول قوله، ثم قال: وحكى أبو العباس وجهاً مثل ذلك، كما يقبل قوله على موكله بالبيع، والقبض؛ على أحد القولين.
وحكى الإمام قبول قول الوكيل في ذلك وجهاً عن رواية صاحب التقريب أيضاً.
وإذا كان قول الوكيل مقبولاً على موكله في الأداء عند قوم، كانت فائدته سقوط الضمان؛ كما صرح به الإمام فيما إذا جعلنا القول قول الوكيل فيما إذا ادعى الرد على رسول الموكل، وكذبه الموكل في الرد؛ فإن فائدته سقوط الضمان.
نلخص من ذلك: أن الوكيل غير ضامن على وجه، سواء صدقه الموكل في الأداء، أم لا.
وقد خص الماوردي في كتاب الوديعة محل الخلاف في ضمان الوكيل عند تصديق الموكل بما إذا لم يكن الدين ببينة، أما إذا كان ببينة، فإنه يضمن وجهاً واحداً.
فإن قيل: قد حكيتم عن الماوردي: أنه حكى أن القولين المذكورين عن الشافعي فيما إذا قال الوكيل: بعت، وأنكر الموكل – محكيان عنه أيضاً [فيما إذا وكله] في إقباض المال، وحكيتم ثَمَّ: أن جماعة رجحوا من القولين قبول قول الوكيل، وجعلتم – هاهنا- قبول قول الوكيل في الأداء وجهاً لبعض الأصحاب، ومن تخريج ابن سريج، وأنه سها فيه، وذلك تناقض:
قلنا: محل القولين – كما حكاه الماوردي ثَمَّ – فيما إذا صدق القابض الوكيل، وكذبه الموكل، وهاهنا محل خلاف ابن سريج وغيره مع الجمهور بالعكس من تلك المسألة، ولم يجتمع الكلامان على محل واحد؛ فلا تناقض.
نعم: أطلق القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ القول فيما إذا صدَّق الغريمَ الوكيلُ في القبض: أنه لا يضمن، وهذا الإطلاق لا اعتراض عليه إذا كان الموكل مصدقاً – أيضاً – أما إذا كان مكذباً، فقد قال المحاملي والبندنيجي: إنه لا فائدة في هذا الاختلاف؛ لأن العين – أي: التي وفيت في الدين – إن كانت تالفة سقط الدين باعتراف من هو له عليه ببراءة ذمته منه، وإن كانت باقية، فهو بالخيار بين أن يأخذها، ويقضي الدين منها، أو من غيرها.
وما قالاه فيه نظر؛ لأنا إن جعلنا القول قول الوكيل في الإقباض؛ على قول – كما حكيناه عن رواية المارودي – استقام ما قالاه في حالة التلف، دون حالة البقاء.
وإن جعلنا القول قول الموكل، استقام ما قالاه [في] حالة البقاء دون حالة التلف؛ فإنه ينبغي فيها أن تجري أقوال التقاص بين الموكل والغريم، فإن لم يره، اتجه تضمين الوكيل على المذهب قال: وإن أشهد شاهدين ظاهرهما العدالة – [أي] ثم بانا فاسقين – أو شاهداً واحداً، فقد [قيل:] يضمن؛ لتقصيره؛ حيث لم يتفحص عن حال الشهود، واكتفائه ببينة مختلفٍ فيها؛ وهذا ما اختاره في المرشد، وفي المسألة الثانية.
قال: وقيل: لا يضمن؛ لأن طلب الأسرار، ومعرفة باطن [أحوال] الشهود من مصب الحاكم؛ فلا ينسب في تركه إلى تقصير، والشاهد الواحد مع اليمين حجة في الأموال؛ كالشاهدين؛ وهذا هو الأصح في الجيلي في المسألتين، وهو ماحكينا مثله في كتاب الضمان.
ولا يخفى أن هذا الخلاف مفرع على المذهب في أن الأداء من غير إشهاد مضمَّن، وأن محله إذا لم يحصل المقصود بمن أشهده، أما إذا حصل؛
بأن رفعت القضية إلى حاكم يرى الشاهد واليمين، أو كان الشاهدان عند الأداء ممن تقبل شهادتهما، فأديا - فإنه لا ضمان على الوكيل، وقد نبهت على شيء من ذلك في باب الضمان.
والحكم في إنكار الموكل الإشهاد، ودعوى الوكيل موت الشهود، أو غيبتهم - كما ذكرناه في الضمان؛ صرح به الرافعي.
ويتجه أن يكون الخلاف هاهنا مرتباً على الخلاف ثم، وأولى بقبول قول الوكيل.
ووجه الفرق: أن الأصل عدم تعدي الوكل، والأصل براءة ذمة المضمون عنه من دين الضامن.
وقدادعى القاضي الحسين في كتاب الوديعة، وكذلك صاحب البحر حكاية عن القفال: أن أكثر أصحابنا على أن القول قول الوكيل؛ لما أشرت إليه واستشهدوا له بما قاله ابن الحداد فيما إذا ادعى الوكيل قبض الثمن بعد تسليم المبيع: إن القول قوله؛ لأن به ينتفي عنه الضمان.
قال: وإن قضاه بحضرة الموكل، ولم يشهد، قد قيل: يضمن؛ لأن ترك الإشهاد في حال الغيبة موجب للضمان، فكذلك في حال حضوره، وسكوته؛ كالجناية على ماله؛ وهذا ما نسبه القاضي الحسين إلى ابن سريج، وأبي إسحاق، واختاره في المرشد.
قال: وقيل: لا يضمن؛ لأن تضمين الوكيل في حال الغيبة، كان لتركه الاحتياط، وإذا كان حاضراً، فهو اللائق به الاحتياط لنفسه، فإذا فرط فيه لا يجب على غيره الضمان؛ وهذاقول المزني، وأبي إسحاق، وسائر أصحابنا - كما حكاه المحاملي - وهو الأصح في الرافعي، وبه جزم القاضي أبو الطيب، وابن الصابغ، والمتولي، وهو نظير المنصوص وظاهر المذهب فيما إذا ضمن، وأدى بحضرة المضمون عنه، ولم يشهد، وأنكر المضمون له - أن له الرجوع.
فعلى الصحيح: لو قال الموكل: أديت في حال الغيبة، وقال الوكيل بل
بحضورك، فالقول قول الموكل؛ جزم به الرافعي.
وقال ابن الصباغ: عندي أن القول قول الوكيل مع يمينه؛ كما إذا ادعى الرد إليه وأنكر، [ولا بينة به] هذا إذا أقر: أنه باع، أو قبض وأنكر الموكل؛ فإنه لا يقبل قوله في أحد القولين؛ لأنه يثبت حقًّا على موكله لغيره، وهاهنا يسقط عن نفسه الضمان بما ذكره؛ فكان القول قوله مع يمينه؛ وهذا ما حكاه الروياني عن بعض أصحابنا، وأورده المتولي.
واعلم: أن النواوي قال: إن الذي ضبطه عن نسخة المصنف: قضاه بِمَحضر من الموكل: بفتح الميم، وأن الذي ذكرناه هو الواقع في أكثر النسخ، وياقل: بفتح الحاء، وضمها، وكسرها؛ ثلاث لغات مشهورة، وكلاهما صحيح.
قال: وإن وكله في الإيداع، فأودع، ولم يشهد – لم يضمن؛ لأن فائدة الإشهاد الإثبات عند الجحد، والمودع بسبيل من إسقاط الطلبة عنه بدعوى الرد، والتلف، وذلك يسقط فائدة الإشهاد عليه؛ [وإذا لم يكن فيه فائدة] لم يكن بتركه مفرطاً.
وأيضاً: فإن العرف جارٍ بإخفاء الودائع، وهو المحكم في الألفاظ المطلقة، وفي الإشهاد عليها إظهار لها؛ وهذا هو الأصح، والمختار في المرشد.
قال: وقيل: يضمن؛ لأن الموكل فيه الإيداع، وهو لا يثبت إلا ببينة، وفائدتها تظهر بعد الجحد؛ فإنه لا يقبل قوله إذ ذاك في الرد والتلف؛ فأشبه التوكيل لقضاء الدين؛ وهذا قول أبي إسحاق.
وحكى الإمام وجهاً ثالثاً وهو أن الإشهاد إن تيسر عند الأداء، فلم يفعل، ضمن؛ لتقصيره، وإن فرض ذلك في مكان يتعذر [عليه] الإشهاد فيه، فلا تقصير.
ومحل الخلاف – كما حكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: إذا أودع في
غيبة الموكل، أما في حضوره، فلا يضمن الوكيل، وهذا منهما بنا ءعلى ما جزما به في مثل هذه الصورة في قضاء الدين، وإلا فقد حكينا عن أبي إسحاق: أنه صار إلى ضمان الوكيل إذا قضى الدين بحضرة الموكل، ولم يشهد، ومثله يجيء هاهنا.
وقال الماوردي: إن محل الخلاف إذا كذب الموكل والمودع [الوكيل]، أما إذا صدقه الموكل، وكذبه المودع فلا يضمن، ولا يقبل قول الوكيل على المودع؛ وهذا [يوافق] ما حكاه ابن الصباغ.
وإن كذبه الموكل، وصدقه المودع عنده، وكانت العين تالفة – فلا ضمان على الوكيل؛ لأن الإقرار بالقبض أقوى من الإشهاد عليه؛ فلما برئ بالإشهاد عليه، فأولى أن يبرأ بالإقرار.
ورتب الإمام ضمان الوكيل [في هذه الصورة] فقال: "إذا كذب الموكل والمودع الوكيل في دعواه الإقباض، فلا يقبل قوله على المودع، وهل يقبل على الموكل؛ حتى لا يضمن [[له] شيئاً؟ فيه وجهانا ذكرهما صاحب التقريب.
فإن قلنا: لا يضمن"] في هذه الحالة، فإذا صدقه الموكل، وكذبه المودع أولى.
وإن قلنا: إنه يضمن عند تكذيبهما، فهل يضمن عند تصديق الموكل، وتكذيب المودع؟ فيه وجهان مشهوران؛ بناء على أنه [هل] يعد بترك الإشهاد مقصراً، أم لا؟
وحكى في كتاب الوديعة فيما إذا صدق المودع الوكيل في دعواه الإقباض، وكذبه الموكل: أن القول قول الموكل، لم يختلف فيه أصحابنا.
وقال القاضي أبو الطيب، والبندنيجي، والمحاملي – على القول بضمان الوكيل بترك الإشهاد -: يرجع الموكل على الوكيل بقيمة العين [إن كانت
تالفة]، وإن كانت باقية؛ فالمالك بالخيار بين استرجاعها وردها، ولا ضمنا بعدُ على الوكيل.
فرع: لو وكله في قبض دين، أو استرداد وديعة، فقال المديون، [أو المودع:] دفعت، وصدقه الموكل، وكذبه الوكيل – فالقول قوله [مع يمينه]، هل يغرم الدافع لأجل ترك الإشهاد؟ فيه وجهان في آخر هذا الباب من الرافعي.
قال: وإن كان عليه حق لرجل – أي: سواء كان ديناً أو عيناً، أمانة أو مضموناً – فجاء رجل، وادعى أنه وكيله في قبض الحق، فصدقه – جاز الدفع؛ لأنه محق بزعمه.
قال: ولا يجب؛ لأنه دفع غير مبرئ في الظاهر إذا أنكر الموكل الوكالة؛ فلم يلزمه؛ كما لو كان عليه دين [بشهادة، فطولب] به بغير إشهاد.
ولأنه مقر في مال غيره، فلا يلزمه إقراره؛ كما لو أقر بموت رب الدين، وأن هذا الحاضر وصيّته على ولده في قبض دينه، [فلا يلزمه] الدفع إليه؛ وهذا ما علل به ابن أبي هريرة.
وذهب المزني إلى [أنه] يجب عليه الدفع؛ كما في مسألة الوارث الآتية.
[قال الإمام:] وحكى شيخي عن بعض الأصحاب موافقة المزني، وفي تعليق القاضي الحسين ما يوافقه؛ كما سنذكره.
وقال بعده: إن الحكم في مسألة الوصية كالحكم في الوكيل.
على أنه يمكن أن يفرق بينهما بتقدير تسليم الحكم في مسألة الوصية – كما قاله ابن أبي هريرة، وهو الذي يقتضيه كلام أبي الطيب – بما أبداه أبو الطيب سؤالاً على أبي حنيفة، [وهو أن في إلزامه] تسليم المال
[إلى] الذي اعترف له بالوصية إسقاط حق الحاكم الذي ثبت له في ذلك المال؛ بخلاف مسألة الوكالة.
قلت: ولو قيل بوجوب الدفع إلى الوكيل عند التصديق؛ إذا لم يكن عليه [بالحق] بينة – لم يبعد؛ كما قلنا في أن من عليه حق بغير بينة: ليس له أن يمتنع من أدائه لمستحقه بعذر الإشهاد؛ فإنه قادر على دفع ما يطلب منه بأن يجيب بأنه لا حق [له] عليه.
فرع: لو ادعى شخص أنه وكيل في مخاصمة زيد، وصدقه، فهل يستمع الحاكم الخصومة [فيه وجهان في البحر قبيل الكلام في مسألة الكتاب].
قال [في البحر] عند الكلام في العزل: مذهب الشافعي: أن [ذلك] لا يقبل منهما، ولا تُسمع مخاصمتهما؛ لما فيه من إثبات الحجة على صاحبهما.
وقال ابن سريج: يقبل الحاكم ذلك منهما، ويسمع مخاصمتهما؛ لأن إقرار الوكيل على الموكل غير مقبول؛ فلم يكن فيه إضرار به، وإنما هو إقامة بينة على المطلوب، وذلك يجوز مع حضور الموكل [و [مع] غيبته؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين في تعليقه، وقال: إن الوكيل إذا أنكر الوكالة؛ للمدعي تحليفه]؛ وقال في موضع آخر: تثبت الوكالة وله أن يمتنع عن مخاصمته، وحكى أنه إذا وكله في الخصومة؛ فالقياس يقتضي ألاّ يختص بالمجلس؛ حتى يملك المخاصمة بعد التفرق في مجلس ىخر، غير أن القضاة اصطلحوا على اختصاص الوكالة في الخصومة بذلك المجلس، لما رأوا عادات الناس: أنهم يقصدون بالمطلق الخصومة في مجلس العقد دون غيره [أما لو ادعى شخص: أنه وكيل فلان في مخاصمة زيد، وصدقه، ففي الإشراف: أن له
المخاصمة، وكذا له تحليفه إن أنكر؛ قاله ابن القاص، وطرده فيما إذا ادعى: أنه وصي فلان، وحكي عن غيره: أنه لا يحلفه على ذلك؛ لأنه لم يدع لنفسه شيئاً عليه].
وفي التتمة: أنه لا خلاف في جواز المخاصمة، ولكن هل تجب؟ الحكم فيها كالحكم فيما لو ادعى: أنه وكله في قبض الحق، وصدقه.
[وفي البحر: في الفروع المذكورة قبل كتاب: الشهادات: أن [ابن] أبي أحمد قال: إذا صدق المدَّعي عليه المدعي في الوكالة، وأنكر المدعي به، وأقام الوكيل بينه بالدين المدعي – لاتسمع البينة؛ لأن الوكالة لا تثبت بإقراره إلا ببينة تقوم عليه؛ قلته تخريجاً.
وقال قبيل الكلام في مسألة الكتاب من كتاب الوكالة: هل يسمع الحاكم الخصومة؟ فيه وجهان].
واعلم أن محل الخلاف في وجوب الدفع إذا لم يقم الوكيل بينة بالوكالة، أما إذا قام عدلين [عليها]،ليس أحدهما بولد للمدعي، ولا للمدعي عليه-[فلا خلاف] في وجوب الدفع، واحتمال عزل الموكل في الغيبة إن نفَّذناه مدفوع بما في ذلك من تعطيل الوكالة في الغيبة.
قال القاضي الحسين: ولا يستقصي في أمر الشهود على ذلك حسبما يستقصي في الشهود على أصل المال، ولا يحتاج في إقامة هذه البينة إلى حضور الخصم، خلافاً للقاضي الحسين، فإنه قال: لابد من شخص ينصبه القاضي فيدعي عليه [الوكيل، ويقيم] البينة في وجهه؛ إذا كان الخصم غائباً؛ لأنه قضاء بالبينة فيقتضي مقضيًّا عليه.
[وحكى الإمام عنه في باب: الامتناع من اليمين: أنه يحضر الخصم، ويدعي
عليه: إني مستحق مخاصمتك بتوكل فلان إباي؛ لأن الوكالة حق آدمي؛ فينبغي أن ترتبط بخصم عند مخالفة الإثبات.
وفي البحر قبل كتاب الشهادات في [ضمن فرع] من الفروع: أن ابن سريج قال: إن الاحياط ذلك، بعد أن قال: إن عند الشافعي لا يحتاج إلى ذلك؛ فإنه قال: وليس الخصم من الوكالة بسبيل].
ولو كان الشاهدان ولدي الموكل، سمعت شهادتهما، قال الماوردي: لأنهما يشهدان على أبيهما.
وجزم المحاملي، والبندنيجي بعدم القبول؛ لأنها شهادة له؛ فإنهما يثبتان بشهادتهام تصرفاً عن الموكل.
وحكى ابن الصباغ ذلك عن بعض الأصحاب، ثم قال: وفيه نظر؛ لأن هذه وكالة تثبت بقول الموكل، ويستحق الوكيل بذلك المطالبة بالحق، وما يثبت بقوله يثبت بشهادة القرابة عليه؛ كالإقرار.
قال: وإن قال: أنا وارثه – [أي: ولا وارث له غيري][وبيَّن جهة الوراثة – كما قيده في الفتاوى] فصدقه، وجب الدفع إليه؛ لأنه اعترف له بملك الحق، وأن الدفع إليه مبرئ في الظاهر؛ لعدم إمكان ظهور خلاف المدعي؛ وهذا نصه.
وحكى القاضي الحسين، [وكذا الإمام في كتاب الإقرار]: أن من الأصحاب من خرج من مسألة الوكالة إلى هاهنا قولاً: أنه لا يلزمه الدفع، ومن هاهنا) إلى ثَمَّ قولاً: أنه لا يلزمه، وجعل السألتين على قولين.
ثم قال: والصحيح: أن المسألة على قولين؛ فإن المزني أشار إلى قولين
في كتاب الإقرار.
وفي الرافعي: أن هذا الطريق ينقل عن أبي إسحاق.
وأيد المتولي قول عدم الوجوب في مسألة الواث في باب الإقرار: بأن أحد الوارثين إذا أقر بوارث، وكذبه الآخرن لا يثبت النسب، ولا الإرث، فكيف بإقرار الأجنبي، ثم فرق بأن القصد من إقرار الوارث النسب، فإذا لم يثبت؛ [لم يثبت] فرعه، والقصد من إقرار الأجنبي المال دون النسب؛ فلذلك يثبت، [ولو لم] يثبت أصله؛ كما لو أقر: أنه ضمن عن زيد مالاً، وأنكر زيد المال؛ فإن الضامن يؤاخذ به.
قال: وإن قال: أحالني عليك، وصدقه، فقد قيل: يجب الدفع إليه؛ كالوارث؛ فإنه اعترف بانتقال الحق إليه؛ وهذا هو الظاهر في تعليق القاضي الحسين، والأصح في التهذيب؛ والرافعي، وهو الذي يقتضي كلام القاضي أبي الطيب في كتاب الحوالة الجزم به.
قال: وقيل: لا يجب؛ لأن الدفع غير مبرئ في الظاهر لو أنكر المحيل الحوالة، فألحق بالوكالة؛ وهذا ما اختاره في المرشد، إلا أن يكون التصديق عن علم بالحوالة؛ فإن هيجب.
ومثل هذا الخلاف يجري - كما حكاه الرافعي - فيما إذا أقر بأن من له الحق أوصى به لزيد.
وقال في التهذيب: إنه ملحق بمسألة الوارث؛ حتى يلزمه الدفع؛ على الأصح.
والذي يظهر: أن ما قاله الرافعي أصح؛ لأن إنكار الورثة متوقع؛ كإنكار المحيل.
قال: فإن جاء صاحب الحق، فأنكر - أي: وحلف - وجب على الدافع الضمان؛ لأن الأصل عدم التوكيل، والحوالة، ولصاحب الحق مطالبة القابض -أيضاً - إذا كان الحق عيناً، دون ما إذا كان ديناً.
وعن أبي إسحاق المروزي: أن له مطالبته - أيضاً - إذا كان ديناً في مسألة
دعوى الوكالة؛ إذا كان المال المأخوذ باقياً في يده؛ كما دل عليه كلام ابن الصباغ، وصحر به الرافعي، وقال: إن هذا القول هو ما أجاب به الشيخ أبو حامد في التعليق.
وقال القاضي أبو الطيب: إن هذا من غلطات أبي إسحاق.
وحكى القاضي الحسين هذا الوجه، ولم ينسبه إلى أبي إسحاق، وقيد مطالبة الوكيل بما إذا كان من عليه الدين معسراً.
ثم إذا غرَّم صاحبُ الحق الوكيلَ، لم يرجع على المقبوض منه، وإن غرم المقبوض منه، لم يرجع على الوكيل، إلا أن يكون ما قبضه منه في يده، او تلف بتفريطه؛ فإنه يرجع عليه بطريق الظفر؛ [صرح به أئمة العراق.
ولو دفع من عليه الحق الحقَّ إلى الوكيل من غير أن يصدقه، رجع عليه عند الغرم،] صرح به الإمام، وغيره.
وكذا له أن يرجع على الوارث، والموصى له، والوصي؛ إذا ظهر صاحب الحق حيًّا؛ بخلاف ما لو ظهر له وارث آخر؛ فإنه لا يرجع على القابض؛ كما صرح به المتولي في الإقرار.
وكذا لا رجوع عليه عند إنكار المحيل الحوالة.
ولو كذَّب من عليه الحق مدعي الوكالة، والإرث، والحوالة، والإيصاء في الوصية – فالقول قوله، ولا يجب عليه الدفع، وهل يجب عليه الثمن؟
قال الأصحاب: حيث قلنا يجب الدفع إذا أقر، توجهت اليمين عند الإنكار، وحيث لا نوجب الدفع عند اقرار، فلا يجب اليمين عند الإنكار.
وحكى القاضي الحسين والرافعي: أنها تجب- أيضاً – إذا قلنا: إن اليمين مع النكول بمنزلة البينة.
وفي الشامل، والبحر: أن قياس مذهبنا: أنه لا يسمع من الوكيل الدعوى؛ لأن الوكيل بالخصومة لا يدعي قبل ثبوت وكالته عندنا.
فرع: ذكر صاحب البحر في أواخر كتاب الضمان: إذا كتب سفتجة بلفظ الحوالة، ووردت على من عليه دين، لزمه أداؤه بأربع شرائط:
أن يعترف بدين الكاتب والمكتوب [له].
وأن هذا كتاب المحيل.
وأنه أراد بكتابته الحوالة ليس إلا، فالمذهب الذي يوجبه القياس: أنه لا يلزمه.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه.
ولو لم يعترف بالكتاب، ولنكه أجاب إلى دفع المال؛ ليكون مضموناً عليه إلى أن تصح الحوالة - جاز، ولكن هل له استرجاعه قبل ظهور الحوالة؟ فيه وجهان.
ولو كانت السفتجة بلفظ الأمر، والرسالة، لم يلزم المكتوب إليه الدفعُ.
ومن أصحابنا من قال: إذا اعترف بالخط، لزمه، وهو غير صحيح.
قال: وللوكيل أن يعزل نفسه متى شاء، وللموكل أن يعزله متى شاء؛ لأن الوكالة عقد إرفاق على تصرفٍ في المستقبل، ليس من شرطه تقدير [العمل، لا الزمان]؛ فكان لكل من العاقدين فسخه؛ كالجعالة.
والمعنى في ذلك: أن الموكل قد يبدو له في الأمر الذي أناب به، أو في إنابة ذلك الشخص، وقد لا يتفرغ له الوكيل، والإلزام يضر بهما، أو يسد باب الإعانة من جهة الوكيل.
ثم لا فرق فيما ذكرناه بين أن يتعلق لثالث بالوكالة حقٌّ - كما في بيع المرهون - أو لا، ولا بين أن تكون الوكالة بصيغة الأمر [أم لا] [ولا بين أن تكون بجعل] أو: لا.
وحكى الرافعي عن بعض المتأخرين فيما إذا كانت الوكالة بصيغة الأمر –كقوله: بع، أو أعتق – أن الوكيل لا ينعزل برد الوكالة، وعزل نفسه؛ لأن ذلك إذن، وإباحة؛ فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره؛ فإنه لا يرد برد المباح له؛ وأن الإمام أورد هذا على سبيل الاحتمال قلت: وظاهر كلامه يقتضي تسليم ما ادعاه في الإباحة، وهو قضية قول الإمام: إنه لا أثر لقوله: رددت الإباحة.
وكلام الشيخ في المهذب يقتضي خلاف ذلك؛ فإنه استدل بجواز عزل الوكيل نفسه، وعزل الموكل له: بأنه إذن في التصرف في ماله؛ [فجاز لكل منهما إبطاله؛ كالإذن في أكل الطعام.
وفي بحر المذهب حكاية وجه فيما إذا دخل الوكالة العوض]: أنها لازمة، كالإجارة؛ وهذا أبداه الرافعي احتمالاً؛ بناء على أن الاعتبار بمعاني العقود، دون ألفاظها.
ثم صيغة العزل: أن يقول [الوكيل]: عزلت نفسي من الوكالة، أو يقول الموكل: عزلتك عنها، ويقوم مقام ذلك قول أحدهما: سخت الوكالة أو: نقضتها، وكذا لفظ الإزالة، والصرف.
وأما العزالضمني، فحصل بخروج ما تعلق به التوكيل عن الموكل بالبيع، والإبراء، والعتق، والطلاق، والحجر – في بعض الصور – ونحو ذلك.
فرع: لو وكل زيداً ببيع سلعة سماها، ثم قال وكلت عمراً بما وكلت به زيداً، لم يكن ذلك عزلاً؛ على الأصح، وكانا وكيلين له في بيعها.
وفي الحاوي في كتاب الوصية: أن بعض أصحابنا قال: إنه يكون عزلاً للأول.
قال: وإن عزله، ولم يعلم الوكيل، انعزل في أحد القولين؛ لأنه رفع عقد لا يعتبر فيه رضا أحدهما؛ فلا يعتبر فيه علمه به؛ كالطلاق.
ولأنه لما لم يكن [علمه] معتبراً في سخ الوكالة بالشرع – كما بالجنون
ونحوه – ولا بفسخها ضمناً ببيع الموكل فيه اتفاقاً –ففي فسخها بصريح العزل أولى؛ وهذا هو الأصح.
قال: دون الآخر؛ لأن الوكالة تشتمل على شيئين:
أحدهما: التصرف.
والثاني: الإمساك، ثم ثبت أن الإمساك باق بعد العزل حتى يعلم به الوكيل؛ فكذلك التصرف.
ولأن نفوذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يسقط البت بتصرفه.
وحكى ابن الصباغ: أن من أصحابنا من حكى هذا الخلاف وجهين مبنيين على قولين نص عليهما الشافعي فيما إذا وكل في استيفاء القصاص فتنحى به الوكيل، فعفا الموكل، ثم قتله الوكيل -: أن الوكيل هل يجب عليه الضمان أم لا؟
وقد أجرى هذا الخلاف – أيضاً- في انعزال القاضي قبل بلوغ الخبر إليه، لكن الصحيح فيه عدم الانعزال؛ لكثرة الوقائع وعسر تتبعها بالنقض.
وأجرى – [أيضاً] – في نسخ الحكم قبل بلوغ الخبر.
وبعضهم جزم بأن من شرط النسخ بلوغ الخبر، وتمسك فيه بعدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل قباء بإعادة ما صلوه إلى بيت المقدس بعد نسخ القبلة.
التفريع:
إن قلنا بالأول، فتصرف الوكيل بعد العزل باطل، لكن لا يقبل قول الموكل فيه إلا ببينة، أو تصديق من تعلق حقه بالتصرف.
ولو سلم ما باعه بعد العزل فهل يصير ضامناً للسلعة؟ حكى في البحر أن القاضي أبا الطيب قال: رأيت المحصلين من أصحابنا [لم يزيدوا على بطلان التصرف، ولم يتعرضوا لذكر الضمان.
ورأيت بعض أصحابنا] في الكلام مع المخالف سلم أنه إذا سلمها [للمشتري، ضمن
وإن قلنا بالثاني، فبلغ الوكيل العزل ممن يقبلي روايته، انعزل حينئذ، دون ما [إذا] كان المبلغ صبيًّا أو فاسقاً؛ كذا حكاه الرافعي.
ويظهر أن يكون الحكم في ذلك ما في بلوغ الخبر بالبيع إلى الشفيع.
قال: وإن خرج الوكيل، أو الموكل عن أن يكون من أهل التصرف بالموت، أو الجنون، أو الإغماء – انسخت الوكالة؛ لأنه لا يملك التصرف بنفسه، فمن هو من جهته من طريق الأولى.
وحكى عن صاحب التقريب: أنه تردد جوابه في الانعزال بالجنون الذي يطرأ ويزول عن قرب، فضبط الإمام موضع التردد بألَاّ يكون امتداده بحيث يبطل المهمات، ويحوج إلى نصب القوام.
وفي بحر المذهب نسبة عدم الانعزال في هذه الحالة إلى ابن سريج.
وحكى الغزالي وجهاً مطلقاً: أنه لا يتقضي العزل.
وقال القاضي الحسين: عندي في الإغماء إشكال؛ لأن المنصوص فيه أنه يلزمه قضاء الصوم.
وقال في كتاب الحجر: ظاهر المذهب: أنه لا يتقضي العزل، وحكاه غيره وجهاً، وهو الأظهر عند الإمام، وكذلك صححه في الوسيط، لكنه احتج له بأن المغمي عليه لا يلتحق بمن يولي عليه، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكل بمن يولي عليه.
وقد صرح في بحر المذهب بحكاية الخلاف في هذه الحالة عن رواية القاضي أبي علي الزجاجي، وأن مدته إن طالت، اقتضت العزل.
وحكى في كتاب الشركة: أن الإغماء إن استمر حتى مضى عليه وقت صلاة واحدة- انفسخت الشركة، وإن لم يمض [ذلك] فلا.
فروع:
إذا خرج أحدهما عن أن يكون أهلاً للتصرف بالردة – على قول- نُظِر:
فإن كان الموكل، بطلت الوكالة فيما خرج عن أن يكون من أهل التصرف [فيه].
وإن كان الوكيل، فلا عند الجمهور، وخلافاً لما حكاه المتولي.
وإن خرج بالفلس؛ انعزل وكيله فيما لا ينفذ تصرفه [فيه بنفسه] في حال الفلس، ولا ينعزل هو عن وكالة غيره؛ على الأصح؛ بناء على أن الحَجْر لا يتعدى لنفسه.
وإن خرج بالسفه، انعزل وكيله عما لا يصح تصرفه فيه في حال سفهه، وكذلك هو ينعزل في ذلك وحكم طريان الرق على الموكل والوكيل بالاسترقاق حكم طريان السفه.
وطريان السكر هل يقتضي العزل؟
قال القاضي الحسين في كتاب الحجر: إن قلنا: إن طلاقه [لا ينفذ، اقتضاه، وإلا فلا.
وقال هاهنا: إن قلنا: إن طلاقه] يقع فلا ينعزل، وإن قلنا: لا يقع؛ هو كالإغماء.
وطريان الفسق يقتضي العزل فيما العدالة شرط فيه.
قال: وإن وكل عبده في شيء، ثم أعتقه احتمل أن ينعزل؛ لأنها من جهة السيد أمر؛ بدليل أن العبد يلزمه الامتثال، إذا كان كذلك، زالت بالعتق؛
كسائر الأوامر.
واحتمل ألَاّ ينعزل؛ مكا لو وكل زوجته، ثم طلقها.
وقد حكى الإمام [والرافعي][هذا] اختلافاً عن ابن سريج، وأنه مبني على أنه توكيل محقق، أو استخدام وامر؟ فإن قلنا بالأول، بقي الإذن بحاله؛ لأنه صار أكمل مما كان.
وإن قلنا بالثاني، ارتفع الإذن؛ لزوال الملك؛ وهذا ما اختاره في المرشد، وقال في البحر: إنه اختيار ابن سريج.
وعلى هذا لا يشترط قبوله.
ولو قال العبد قبل العتق: عزلت نفسي، فهو لغو.
وقد حكى الإمام عن العراقيين في هذه المسألة: أن أمره على سبيل الإلزام كدأب السادة في استخدام العبيد، فإذا أعتقه، انقطع الأمر.
وإن نص على التوكيل وقرنه بالتخيير، فقال:[قد] وكلتك في هذا، ولم أكلفك بحكم ملكي، فإذا أعتقه لا ينعزل، وإن أطلق، ففي المسألة وجهان، واستحسن هذا.
ثم قال: "وصاحب التقريب أطلق الوجهين، ولم يفصل، [ولا يبعد] حمل الأمر على عموم الزمان". انتهى.
وقد أقام بعضهم هذا وجهاً فارقاً بين أن تكون الصغية صيغة [أمر؛ فينعزل، وبين أن تكون صيغة] توكيل؛ فلا.
ثم الخلاف يجري – كما حكاه العراقيون – فيما إذا وكله، ثم باعه.
وحكاه الإمام مرتباً على العتق، وأولى بألَاّ يكون عزلاً، وضعف الفرق.
ثم إذا قلنا: لا ينعزل، فعليه استئذان السيد [الثاني] فيما يفتقر فيه إلى إذنه
في الابتداء، ولو تصرف [فيه] من غير إذنه – نفذ.
وأبدى الإمام فيه احتمالاً.
وقد أجرى بعضهم الوجهين فيما إذا توكل عن أجنبي بإذن السيد، ثم أعتق، أو بيع؛ كما حكاه ابن الصباغ، وغيره.
وبعضم جزم بعدم الانعزال، وقال في البحر: إنه الأشبه.
وقال في الحاوي فيما إذا باعه: إن الوكالة بطلت، لكن إذا أذن له السيد الجديد، هل يكتفي به حتى لا يحتاج إلى إعادة الوكالة [أو لا يكتفي به]؟
فيه وجهان:
[أصحهما: الثاني].
والكتابة كالبيع والإعتاق في جريان الوجهين.
فروع:
إذا وكله في بيع شيء، ثم أجره، قال في التتمة: انعزل الوكيل. وإن قلنا بجواز بيع المستأجر؛ لأنه علامة على الندم؛ لأن من يريد بيع شيء، لا يؤجره؛ فإنها تقل الرغبات في المبيع.
وكذا لو زوج الجارية.
وفي طحن الحنطة وجهان:
والعرض على البيع، وتوكيل وكيل آخر – لا يقتضي العزل.
قال: وإن تعدى الوكيل – أي: فيما وكِّل فيه –مثل: إن انتفع به بوطء، أو استخدا، لم يكن فيه مصلحة، أو جعله في غير حوزةً.
قال: انسخت الوكالة – [أي:] فيما تعدى يه، دون غيره – لأنها عقد أمانة؛ فبطلت بالخيانة؛ كالوديعة؛ وهذا ما قال الإمام: إنه المذهب؛ كما هو
قضية كلام الشيخ.
فعلى هذا لا يملك التصرف إلا بعقد جديد وإن أحدث له استئماناً.
ولا يجري هذا القول فيما إذا [تعدى بالقول، مثل: إن باع بأقل من ثمن المثل، ونحوه، ولم يسلم؛ لأنه لم يجر منه تعدٍّ فيما وكل فيه؛ كما صرح به في البحر.
ويتجه أن يجيء فيه وجه؛ كما حكاه الماوردي فيما إذا] أوصى المودع بالوديعة لغير أمين ولم يسلمها: أنه يضمن إذا تلفت قبل موته؛ لأنه سلطه عليها بالإيصاء؛ نظراً لهذه العلة.
قال: وقيل: لا تنفسخ؛ لأن الوكالة تضمنت الأمانة، والتصرف، فإذا بطل أحدهما، لم يبطل الآخر؛ كعقد الأمانة لما تضمن الأمانة والوثيقة، لم تبطل الوثيقة ببطلان الأمانة، ويخالف الوديعة؛ فإنها لاشيء فيها غير الأمانة؛ وهذا هو الأصح في البحر، وغيره.
فعلى هذا إذا باع؛ نفذ بيعه، وما يقبضه من الثمن يكون أمانة في يدهن ومتى يزول عنه الضمان؟
قال القاضي أبو الطيب: عندي أنه يزول بمجرد البيع؛ لأنه صار ملكاً للمشتري.
وقال غيره من الأصحاب لا يبرأ إلا بالتسليم، وهو الذي صححه المتولي هنا.
وقال في كتاب الغصب: إذا وكل الغاصب في بيع المغصوب صح، [ثم] إذاباعه يحكم ببراءته عن الضمان، فإن انفسخ العقد قبل التسليم بتلف
المبيع، أو مقابلِهِ، فإن قلنا: إن التلف يرفع العقد من أصله، كان المبيع من ضمان الوكيل، وإن قلنا: من حينه، فلا؛ لأن الضمان فرع الملك والملك تجدد؛ فلا يجب الضمان إلا بسبب مجدد، ولم يوجد؛ لأن المالك رضي بيده.
قلت: وهذا البناء يقتضي أني كون الصحيح أنه يبرأ بنفس العقد، كما صرح به القاضي، وصار إليه.
ولو انفسخ العقد بسبب العيب، فالذي رآه ابن الصباغ: أنه يعود مضموناً على الوكيل بعد قبض المشتري له؛ لأن المشتري قبض لنفسه، لا للموكل، فحكما بالبراءة؛ لأجل ذلك، فلما فسخ العقد، انفسخ القبض؛ فعاد الضمان؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين في تعليقه، ونسبه في البحر إلى بعض الأصحاب.
ثم قال: والصحيح عندي: أنه لا يعود مضموناً عليه؛ لأن فسخ القبض من وقته، لا من أصله – على أصلنا – فلا يضمن [ما ثبت] بسبب حادث؛ وهذا ما جزم به المتولي في كتاب الغصب، وإن كان الرد قبل القبض؛ بناء على أنه لا يرفع العقد [من] أصله، على الصحيح، والله أعلم.
ولنختم الباب بفروع تتعلق به:
[أحدها:] شهادة الوكيل لموكلهبما وكله فيه غير مسموعة في حال وكالته، وكذا بعد عزله؛ إن انتصب فيها مخاصماً، وإن لم ينتصب مخاصماً، فوجهان، أصحهما: القبول.
قال الإمام: وقياس المراوزة: أن يعكس؛ فيقال: إن لم يخاصم، تقبلشهادته، وإن كان قد خاصم، وعزل، فوجهان.
ورأى أن هذا فيما إذا جرت الشهادة على تاوصل، أما إذا طال الفصل؛ فالوجه: القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه.
[الفرع الثاني:] الوكيل بالخصومة لا يملك الإقرار على موكله، لكنه إذا
أقر بما لو ثبت، لم يكن للوكيل المخاصمة، لا يثبت ذلك بالنسبة إلى الموكل، وانعزل الوكيل.
وحكى ابن كج وجهاً: أنه لا ينعزل.
والوكيل بالخصومة من جهة المدعي عليه لا يقبل منه تعديل بينة المدعي؛ كما حكاه الإمام؛ لأنه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار.
وقال في الوسيط: لا شك أن تعديله [وحده] لا ينزل منزلة إقرار الموكل بعدالتهم، لكن ترك شهادته [فيها] مطلقاً بعيدٌ؛ لأن التعديل غير مستفاد من الوكالة.
[الفرع الثالث:] إذا وكله في السلم في شيء، فأسلم فيه الوكيل، ولم يصرح بالسفارة، ثم أبرأ الوكيل المسلم إليه من ذلك - نفذت البراءة ظاهراً.
وإذا أنكر المسلم إليه أن المسلم وكيل؛ فالقول قوله مع اليمين على نفي العلم، وللموكل الرجوع على الوكيل إذا أوجبنا الغرم بسبب الحيلولة؛ كما هو الأظهر، لكن بماذا؟
الذي حكاه الإمام عن العراقيين - وهو موجود في كتبهم -: أنه رأس المال؛ فإنه لو رجع بقيمة المسلم فيه، كان اعتياضاً [عنه].
[وهذا منهم بناء على اعتقادهم: أن أخذ البدل اعتياض؛ كما حكيناه عنهم في باب القرض]، واستحسنه الإمام، وكذلك جرى عليه الغزالي في الوسيط، وهو مناقض لما حكاه في باب السلم: أنه يجوز أن يأخذ القيمة عنه؛ للحيلولة، [وقياسه] أن يأخذ منه هاهنا المثل، هكذا قال الرافعي: إنه [رآه] في تعليق أبي [حامد]، وهو محمول على ما إذا كان المسلم فيه مثليًّا.
ثم على ما قاله الغزالي هاهنا من أن [أخذ] القيمة عن المسلم فيه اعتياض –سؤال؛ لأنه جزم عقيب المسألة فيما إذا باع عيناً بطريق الوكالة، وأبرأ عن الثمن – بأن الوكيل يضمن للموكل مبلغ الثمن، لا قيمة المبيع، وكان قياس قوله في المسلم فيه: ألا يضمن الوكيل إلا بدل المبيع؛ لأن هذا يكون اعتياضاً عن الثمن من غير مَن هو عليه، [وهذا] لا يصح على الصحيح عنده وعند بعضهم؛ كما نبهت عليه في أواخر القرض، والله أعلم.
[الفرع الرابع] – لو وكل وكيلين على الاجتماع والافتراق، ثم عزل أحدهما، [ولم يعين،] فوجهان في البحر:
أحدهما: أن كل واحد منهما على جواز التصرف ما لم يعلم أنه المعزول.
والثاني: أن كل واحد منهما معزول عن التصرف.
[الفرع الخامس:] لو وكل عشرة أنفس على الاجتماع، ثم قال: عزلت أكثرهم، انعزل منهم ستة، وإذا عينهم هل لمن بقي [منهم] التصرف في ذلك الشيء؟
فيه وجهان في البحر.
[الفرع السادس:] إذا جحد الوكيل الوكالة، هل يكون ذلك عزلاً؟ فيه ثلاثة أوجه في الوسيط: أصحها: ثالثها، وهو إن [قال ذلك] عن نسيان، أو لغرض في إخفائها – فلا، وإن أنكر مع العلم، فهو رد من جهته.
قال الرافعي: ولم أعثر على هذه المسألة في النهاية، ولكن اورد قريباً من هذه الأوجه في أن إنكار الموكل التوكيل، هل يكون عزلاً؟
قلت: الذي حكاه الإمام في إنكار الموكل وجهان:
أصحهما: ألَاّ يكون عزلاً [وأشهرهما: أن يكون عزلاً]، وأبدى الثالث احتمالاً.
وقال في كتاب التدبير: لو قال الموكل بعد ثبوت الوكالة [لوكيله]: [لست بوكيلي]، وجب القطع بخروجه عن كونه وكيلاً، بعد أن حكى الوجهين في [أن] إنكار الوكالة هل هو عزل أم لا؟ والله – عز وجل – أعلى وأعلم بالصواب.