المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الغصب الغصب: مصدر غصبته، أغصبه - بكسر الصاد-غصباً، واغتصبته، و - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١٠

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب الغصب الغصب: مصدر غصبته، أغصبه - بكسر الصاد-غصباً، واغتصبته، و

‌باب الغصب

الغصب: مصدر غصبته، أغصبه - بكسر الصاد-غصباً، واغتصبته، و [غصبته] على الشيءن وغصبت منه، والشيء مغصوب، غصب [وهو في اللغة]: أخذ الشيء ظلماً، مجاهرة، لا سرًّا، فإن أخذه من حرز سرًّا، سمي: سرقة، وإن أخذه [مكابرة] في صحراء، سمي: محاربة، إن أخذه استلاباً سمي: اختلاساً، إن أخذه من شيء كان مؤتمناً عليه، مسي: خيانة؛ كذا قاله في البحر.

واختلفت عبارات الأئمة في ضبطه شرعاً.

فقيل: الاستيلاء على مال الغير على جهة التعدي.

وقيل: الاستيلاء على مال الغير بغير حق.

واختار الإمام هذه العبارة؛ لأنها أعم من الأولى، ولا حاجة إلى التقييد بالعدوان، بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان؛ كما أن المُودَع إذا لبس الثوب المودع ظانًّا أنه ثوبه، [أوأخذ المُودِع ثوباً ظانًّا أنه ثوبه،] فكان غيره - فإنه يضمنه ضمان الغصوب.

وقيل: كل مضمون على ممسكه، فهو مغصوب؛ حتى المقبوض بالشراء الفاسد.

واختار الرافعي الأولى، وقال: الثابت فيما ذكر من الصور حكم الغصب، لا حقيقته.

واختار النواوي: أنه الاستيلاء على حق الغير عدواناً، وكأنه احترز بقوله:

ص: 409

عدواناً عن الاستيلاء على مال الكفار بالاغتنام، وعن الاستيلاء على مال الغير الذي في يد الغاصب؛ ليرده على مالكه؛ على أحد الوجهين، وهو الموافق لنص الشافعي فيما إذا انتزع مال المسلم الذي في يد الحربي؛ ليرده على المسلم؛ حيث قال: إنه لا يلزمه الضمان؛ كما حكاه القاضي الحسين.

وأخرج بذكره "الاستيلاء": أخذ المال على جهة الخفية بسرقة، أو اختلاس؛ [فإن الاستيلاء – كما قال مجلي] – ينبني على القهر والغلبة، وإنه لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد يمانعه عنه، وأن ذلك حقيقة اللفظ في اللسان.

قال الشيخ محيي الدين النواوي: ولا يصح قول من قال: على مال الغير؛ لأنه يخرج منه الكلب، والسرجين، وجلد الميتة، وخمر الذمي، والمنافع، والحقوق، والاختصاص.

قلت: ومقتضى الحدود كلها: أنه لو ركب دابة الغير، أو جلس على فراشه، ولم ينقله: أنه يكون غاصباً، وهو أحد القولين في النهاية، والذي صححه الرافعي.

[وحكى] في البحر أن القاضي أبا الطيب قال [في مسألة الدابة]: لا

ص: 410

أعرفها لأصحابنا، والذي عندي: أنه لا يضمن؛ لأن ضمان الغصب عندنا معتبر بضمان القبض في العقد، و [القبض في العقد في] الدابة بنقلها، وتحويلها، فكذلك هاهنا؛ [ولذلك] إذا وضع يده علىثوب إنسان بغير إذنه، لا يضمن.

وفي الحاوي: أن الغصب هو منع الإنسان من ملكه، والتصرف فيه بغير استحقاق، فإذا وجد ذلك، تم الغصب؛ فلزم الضمان، سواء نقل المغصوب عن محله أم لا.

وهذا يخرج ما إذا دفع لعبد الغير شيئاً؛ ليوصله إلى بيته من غير إذن مالكه.

وقد جزم القاضي الحسين في تعليقه، في آخر باب اللقيط؛ أنه يكون غاصباً؛ لأن مثل هذا يدخله في ضمانه بالعارية، وما ضمن في العارية، ضمن في الغصب، وطرد ذلك فيما إذا استعمله في شغله.

ثم الأصل في تحريم الغصب من الكتاب: قوله تعالى: [{إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] والغصب من جملة المنكر، [وقوله تعالى]:{وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وهو من الباطل.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42]، والغصب من جملة الظلم؛ لأن حقيقة الظلم: وضع الشيء في غير محله.

ومن السنة: ما روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شِبْراً بِغَيْرِ حَقٍّ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".

[وما روى مسلم عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، طَوَّقَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"].

ص: 411

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا؛ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟! اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ؛ فَلَا يَحِلُّ لامْرِئٍ مَالُ أَخِيهِ إِلَاّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟! اللَّهُمَّ اشْهَدْ".

قال الماوردي: وقد أجمعت الأمة على أن من فعله مستحلاًّ، كان كافراً، ومن فعله غير مستحل، كان فاسقاً.

قال: إذا غصب – [أي: من تجري عليه أحكامنا] – شيئاً له قيمة، ضمنه بالغصب – أي: عند التلف – ولزمه رده – أي: عند البقاء، والتمكن منه – وإن غرم عليه أضعاف قيمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ"؛ وهذا يشمل عموم الحالين من بدل وعين.

وقيل: إذا احتاج [في] رد الطعام المغصوب إلى مؤنة كثيرة، لم يلزمه رده، وكان عليه المثل، وهكذا الحكم فيما لو بذره، ولم يتمكن من جمعه إلا بمؤنة كبيرة؛ كما صرح به الماوردي.

ومتى رد المغصوب بعينه من غير نقص فيه – برئ، وإن نقصت قيمته بسبب انخفاض الأسعار.

وقال أبو ثور: يضمن ارتفاع الأسواق مع الرد، كما يضمنه مع التلف؛ قياساً على السِّمَن.

ص: 412

وحكى الوفق بن طاهر: أن من الأصحاب من يوافقه.

وقال الإمام: إنه منقاس.

واحتج الأصحاب عليه بأنه لو غصب مثليًّا، وتلف في يده؛ برئ برد مثله وإن كان أنقص قيمة من الأصل، فأولى أن يبرأ برد العين نفسها.

وأجابوا عن السمن بأن الذاهب [منه] ملك المغصوب [منه] فضمن بدله، وزيادة السوق ليست بملك للمغصوب منه؛ فلذلك لم يضمنها.

ثم المردود عليه هو المالك، أو وكيله في ذلك.

ولو كان الغصب من يد المودع عنده، أو من المستأجر، أو المرتهن، أو العدل الذي وضع الرهن تحت يده فرده إليه، برئ على المذهب.

وفيه وجه محكي في الرافعي في كتاب الرهن: أنه لا يبرأ إلا بالرد على المالك، أو بإذن جديد للعدل في أخذه.

ولو كان الغصب من يد الملتقط لم يبرأ بالرد [إليه]، ولو كان من يد المستعير، أو المستام، ثم رده إليه، ففي البراءة وجهان؛ لأنهما مأذون لهما من جهة المالك، لكنهما ضامنان؛ كذا حكى الرافعي في كتاب

ص: 413

الرهن، [والله أعلم].

قال: وإن كان خيطاً، فخاط به جرح حيوان لا يؤكل، وهو مما له حرمة-أي: كالآدمي المصان الدم، والبغل، والحمار، ونحو ذلك- وخيف من نزعه الضرر، لم يلزمه رده؛ لحرمة الحيوان؛ فإنها آكد من حرمة المال؛ بدليل: أنه يجزو أخذ مال الغير قهراً؛ لحفظ الحيوان؛ على المذهب، ولا يجوز؛ لحفظ المال.

وأيضاً: فإن حق المال ينجبر بأخذ بدله وحق الحيوان [لا جابر له.

ومن قال بأنه لا يجوز أخذ مال الغير؛ لحرمة الحيوان]؛ كما حكاه مجلي وجهاً في كتاب النفقات [وكذا الإمام، والغزالي] قد لا يقول بمثله هنا؛ لأنه يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء.

ثم المراد بالضرر: فوات النفس، أو العضو، وكذا شدة الضنى، وإبطال النزو، والزيادة في المرض على أحد الوجهين؛ كما في إباحة التيمم؛ خشية [من] حصول ذلك [باستعمال] الماء.

وفي البحر حكاية طريقة قاطعة بعدم النزع عند خوف الزيادة في المرض.

والذي ذكره الرافعي ضابطاً لذلك: خوف كل محذور، يجوز العدول من الوضوء إلى التيمم، وفاقاً وخلافاً.

وقال الإمام: لو رتب انقدح وجهان:

أحدهما: أن ترك الخيط أولى؛ لقيام القيمة مقامه.

والثاني: [أن] النزع أولى؛ لتعلقه بحق الآدمي المبني على التضييق.

وأما إذا كان الحيوان لا حرمة له: كالخنزير، والكلب العقور، ونحوهما – نزع.

وكذا ينزع من المرتد عند الشيخ، والروياني، والماوردي.

ص: 414

وحكى غيرهم فيه وجهين.

وقال بعض الخراسانيين: غير الآدمي لايكون مانعاً من الرجوع، وهو وزان الوه الذي حكيناه عن رواية مجلي في ابتداء أخذ المال.

فرع: إذا مات الحيوان هل ينزع الخيط إذا كانت له قيمة؟ ينظر:

إن كان آدميًّا، وأثر القلع فحشا لم يقلع، وإن لم يؤثر، أو كان غير آدمي قلع.

وأطلق الإمام حكاية وجهين في جواز النزع من الآدمي، وصحح وجه النزع.

وقال في البحر: الأصح: أنه لا ينزع بحال.

وخرج المتولي على هذا [الخلاف] جواز النزع إذا خيط به جرح الزاني المحصن، والمحارب.

قال: وإن خاط به جرح حيوان يؤكل – أي: وهو ملك الغاصب – ففيه قولان:

أحدهما- وهو الذي رواه الربيع -: وجوب النزع؛ لأنه يمكنه نزعه بسبب مباح؛ فكان كالساج يدخله البناء.

والثاني- وهو رواية حرملة، وظاهر ما نقله المزني، والمذهب في البحر، وتعليق البندنيجي -: أنه لا يجب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان، لا لمأكله، وقال عليه السلام:"مَنْ ذَبَحَ عُصْفُوراً بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بِهَا" قيل: وما حقها؟ قال: "أَنْ تَذْبَحَهَا لِغَيْرِ مَاكَلَةٍ" فعلى هذا يغرم القيمة؛ للحيلولة.

أما لو كان الحيوان ملكاً لغير الغاصب، فلا ينزع وجهاً واحداً.

ص: 415

فرعان:

[أحدهما:] إذا مرت بهيمة في السوق، فابتلعت جوهرة، نظر:

إن لم يكن مالكها معها، لم يضمن، ولم يجب عليه بيع الدابة لمالك الجوهرة.

وإن كان معها، ضمن، سواء كانت البهيمة شاة أو بعيراً.

وقال ابن أبي هريرة: إن كانت بعيراً، ضمن، و [إن كانت شاة]، فلا.

والفرق: أن العرف في البعير النفور؛ فلزمه منعه، ومراعاته، والعرف في الشاة السكون؛ فلم يلزمه منعها، ومراعاتها.

ثم إذا قدر على رد الجوهرة، ردها، وأخذ ما بذله.

ولو أدخلت البهيمة رأسها في قدر لغير مالكها؛ بحيث لا يمكن إخراجها إلا بكسر القدر، أو ذبح الحيوان، نظر:

إن كانصاحب البهيمة متعدياً ليس إلا، فإن كانت البهيمة لا تؤكل، كسرت القدرنوكان على صاحب البهيمة ضمانها [وإن كانت تؤكل فهل تذبح، أو تكسر القدر ويجب على صاحب البهيمة ضمانها؟! فيه وجهان.

وإن كان صاحب القدر متعدياً ليس إلا، فالواجب كسر القدر، وهو هدر.

وإن لم يكن واحد منهما متعدياً، فالحكم كما لو كان صاحب البهيمة متعدياً؛ لأنه يخلص ملكه.

وإن كانا متعديين، فإن كانت البهيمة غير مأكولة، كسرت القدر، وضمن صاحب البهيمة نصف أرشها، والنصف الثاني هدر.

وإن كانت مأكولة، وقلنا: لا تذبح [لذلك]، فكذلك الحكم.

وإن قلنا: تذبح، فتنازعا، فقال صاحب القدر: اذبحها، وأنا أغرم لك نصف أرشها، وقال صاحب البهيمة:[بل] اكسر القدر، وأنا أغرم لك نصف أرشها -

ص: 416

قال الماوردي: لا يجبا البادئ منها بطلب التخليص ويجاب الآخر.

ولو أمسكا عن النازع حتى تطاول بهما الزمان، أجبر صاحب البهيمة على ذلك.

وهكذا القول في فصيل دخل داراً فكبر فيها حتى لا يقدر على الخروج من بابها إلا بهدمه.

وفي أترجمة من شجرة دخلت [في إناء]، فكبرت فيه، ولم تخرج إلا بكره.

قال: وإن كان لوحاً فأدخله في سفينة، وهي في اللجة، [أي:] وكانت بحيث لو نزع، لهلكت وما فيها.

[قال]: وفي السفينة مال لغير الغاصب، أي: ولم يعلم صاحبه حالةوضعه المال فيها بالغصب.

قال: أو حيوان – أي: محترم -: لم ينزع؛ لحرمة المالك والحيوان، مع أن لذلك أمداً ينتظر، وله المطالبة بالقيمة؛ للحيلولة.

أما إذا كانت السفينة على الشط، أو بقرية في زوراق – نزع؛ قاله الماوردي.

ولو علم صاحب الما بغصب اللوح الذي فيها حالة وضع ماله في السفينة – كان كمال الغاصب؛ صرح به في التهذيب.

ولو كان الحيوان غير محترم، كان الأمر كما لو لم يكن فيها.

قال: وإن كان فهيا مال للغاصب، فقد قيل: ينزع؛ كما يقلع بناؤه؛ [لرد الساج] وإن تضرر؛ وهذا هو الأصح عند الإمام.

وقيل: لا ينزع؛ لأنه يمكن الرد مع سلامة المال؛ إذا جاءت إلى الشط؛ بخلاف الساج؛ وهذا هو الأصح عند ابن الصباغ، وغيره.

ص: 417

والخلاف يجري فيما لو لم يكن في السفينة شيء، ولو نزع اللوح لتلفت، وكانت للغاصب.

وفي الجيلي حكاية وجه: أن اللوح ينزع، سواء كان المال لغير الغاصب، وكانت في اللجة، أولا.

فرع: لو اختلطت السفينة التي أدخل اللوح فيها بعشر سفن للغاصب، ولم يتوصل إلى اللوح إلا بهدم جميعها؛ بأن يكون مبنيًّا عليه –ففيه وجهان: أحدهما: يهدم جميعها.

والثاني: لا، إلا أن يتعين اللوح؛ لأنه لا يجوز أن يستهلك عليه [ما لا] يتعين التعدي فيه؛ قاله الشيخ في المهذب، وغيره.

تنبيه: السفينة: واحدة السفن والسفين؛ قال ابن دريد: هي فعيلة بمعنى: فاعلة؛ لأنها تسفن الماء، أي: تسفن اللجة، واللج: معظم الماء، ومنه قوله تعالى:{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: 40].

[قال] وإن أدخل ساجاً في بناء، فعفن [فيه]، لم ينزع؛ لأن فيه إتلاف مال بغير فائدة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ويطالب الغاصب بقيمته.

وهكذا الحكم في الخيط إذا كان لا يخرج إلا بتقطيع، ولا ينتفع به – لا ينزع.

أما إذا لم يعفن، [الساج] نزع وإن تلف على الغاصب [سبب نزعه] أضعاف قيمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس لعرق ظالم حق"، ويطالب بأجرة مثله؛ إن كان لمثله أجرة، وكذلك أرش نقصه؛ إن نقص.

ص: 418

ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما بني عليه منارة لمسجد، أو غرها.

ويجب عليه بعد نقض المنارة غرم نقضها للمسجد وإن كان هو المتطوع بها. قال الماوردي: لخروجها عن ملكه.

تنبيه: الساج [تكسير، وهو] – بالسين المهملة، وتخفيف الجيم -: نوع من الخشب، [وهو أجوده].

[و] عفن: بكسر الفاء.

قال: وإن تلف المغصوب عنده، أي: بآفة سماوية، أو أتلفه؛ وكذا لو أتلفه أجنبي بسبب قصاص جرى سببه في يده، أو بغير سبب.

قال: فإن كان له مثل، ضمنه بمثله؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].

ولأنه أقرب للجبر.

ولا فرق في ذلك بين أن تكون قيمة المثل مثل قيمة الأصل، أو أنقص؛ كما إذا كان الأصل يساوي عشرة، وقيمة المثل تساوي خمسة؛ لان الرجوع للمثل رجوع [إلى المشاهدة] والرجوع إلى القيمة رجوع إلى الاجتهاد، [والمشاهدة أقوى من الاجتهاد]؛ وكذا قال في البحر وغيره.

نعم: لو كان للأصل قيمة عند الغصب، والمثل لا قيمة له عند الرد: كما إذا غصب ماء [في يده][في برية]، ثم ظفر به على الشط – فإن المطالبة هاهنا تكون بقيمة البرية؛ كما حكاه المتولي، ونقله الإمام عن شيخه هاهنا، [و] عن نص الشافعي قبيل [باب] ما يفسد الماء.

ثم إذا اجتمعا في تلك البرية، [أو في مثلها]، هل يجب رد المثل،

ص: 419

واسترداد القيمة، أم لا؟ فيه وجهان: المذكرو منهما في التتمة الأول.

فرع: لو تراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل، هل يجوز؟ فيه وجهان، بناهما الماوردي على الوجهين في جواز أخذ أرش العيب مع القدرة على رد المعيب، وأصحهما في البحر: الجواز.

تنبيه: ما حد المثلي؟ اختلف الأصحاب فيه.

فقيل: كل مقدر بالكيل، أو الوزن؛ لأن التقدير يدل على تقارب الأجزاء؛ وهذا ما ينسب إلى الشيخ أبي محمد، وإلى النص؛ أخذاً من قوله في المختصر؛ وما له كيل، أو وزن، فعليه مثل كيله أو وزنه.

وقد أبطل هذا الحد بالمعجونات، والمعروضات على النار؛ فإنها ليست مثلية مع اندراجها فيه.

وقيل: كل مقدر بالكيل أو الوزن، ويجوز فيه السلم؛ لأن السلم يثبت بالوصف في الذمة، والضمان يشبهه.

ولأنه يثبت في الذمة.

وهذا يدخل الملاعق، وصنجات الميزان، [وهي غير مثلية].

وقيل: كل مقدر بالكيل، أو الوزن يجوز السلم فيه، ويجوز بيع بعضه ببعض [متماثلاً؛ لتشابه] الأصلين في قضية التقابل، وهو ما ذكر عن القاضي أبي الطيب، وحكى عن القفال، واقتصر الفوراني على حكايته، وكذا البغوي لم يحك سواه عن المراوزة.

قال الغزالي هاهنا: وهذا يخرج منه الرطب والعنب، وإخراجهما من المثليات بعيد وإن كان قد قال في كتاب الزكاة: إن الرطب من ذوات القيم؛ على الصحيح.

وقال الإمام – حكاية عن القاضي -: إنه يدخل القماقم، والملاعق، والمغارف

ص: 420

المتخذة من الصفر، والنحاس؛ فإنها موزونة، ويجوز السلم فيها، وبيع بعضها ببعض، وليست مثلية.

قال الرافعيك لكن قد مر في باب السلم: أن القماقم، ونحوها، لا يجوز السلم فيها لاختلافها، وإنما الجواز في الأصطال المربعة، والظروف المصبوبة في القوالب، فإن كان الإلزام بمثلها فلا يبعد ممن صار إلى العبارات الثلاث طردها فيها والحكم بأنها مثلية.

قلت: ما قاله من منع السلم في [القماقم] ونحوها هو ما صار إليه الشيخ أبو حامد.

وقد حكيت عن القاضي أبي الطيب: أنه قال: يجوز السلم فيها، وأنه حكاه عن نص الشافعي في الأم؛ وحينئذ يكون السؤال متقدماً على النص، ولا يمكن من قال به أن يقول: إن القماقم والملاعق مثلية.

نعم: قد يجاب عنه بأن القائل بجواز السلم فيها، لا يشترط ذكر الوزن [فيها] – كما ذكرناه في موضعه – وإذا كان كذلك، فقد خرجت من الحد؛ لكونها غير موزونة؛ فإنه قد يقال: المعتبر في كون الشيء موزوناً: أن يكون الوزن معتبراً فيه؛ إذا ثبت في الذمة، والله أعلم.

وقيل: المثلي هو الذي يقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم.

قال الرافعي: ولك أن تقول: هذا يشكل بالأرض المتساوية الأجزاء؛ فإنها تقسم، وليست مثلية.

وقيل: ما تقاربت أجزاؤه، ولم تتفاوت قيمته؛ وهذا ما وقفت عليه في تعليق القاضي أبي الطيب، وهويدخل الرطب، والعنب، والدقيق.

وقد صرح عند الكلام في خلط الدقيق بالدقيق: أنه متقوم.

ص: 421

وحكى الإمام عن العراقيين: أنهم [رأوا الرطب، والعنب، والدقيق مثليات.

ونسب الرافعي إلى العراقيين: أنهم] قالوا: المثي: ما لا تختلف أجزاء النوع [الواحد] منه في القيمة، وربما يقال: في الجرم والقيمة.

ويقرب منه قول من قال: المثليات هي [التي] تتشاكل في الخلقة، ومعظم المنفعة.

و [ما] اختاره الإمام – وهو تساوي الأجزاء في المنفعة، والقيمة؛ فزاد النظر إلى المنفعة، وعلى ذلك جرى في الوسيط، وزاد: من حيث الذات، لا من حيث الصنعة، وقصد به الاحتراز عن الملاعق، والمغارف، وصنجات الميزان المتساوية.

قال الرافعي: ولك أن تقول: الملعقة، ونحوها، لو وردت على الضابط المذكور، فإما أن ترد؛ لتماثل أجزائها، وهي ملعقة، أو لتماثل أجزاء جوهرها فقط.

والأول باطل؛ لأن أجزاء الملعقة غير متماثلة في المنفعة.

[وأما الثاني: فالصفر الذي هو جوهر الملعقة] إذا كان مثليًّا، كان تماثل أجزائه من حيث الذات لا الصنعة.

ثم قال: والأحسن أن يقال: المثلي كل ما [يحصره الكيل]، أو الوزن، ويجوز السلم فيه.

ولا يقال: كل مكيل، أو موزون؛ لأن المفهوم منهما: ما يعتاد كيله ووزنه؛ يخرج منه الماء، وهو مثلي، وكذا التراب، وهو مثلي على الأصح.

وقد نشأ من اختلاف العبارات خلاف في الصُّفْر، والنحاس، والحديد،

ص: 422

والآنك –وهو الرصاص –لأنا أجزاءها مختلفة الجواهر، وفي التبر والسبيكة، والمسك، والعنبر، والعود، [والنفط]، والملح، والجمد، [والقطن]، والإبرسم، والغزل، وفي الصوف – أيضاً – كما حكاه في البحر.

وقال القاضي الحسين فيه: المذهب: أنه غير مثلي.

ثم قال: إن كان صوفاً لايتفاحش فيه التفاوت، [فهو من ذوات الأمثال، وإن كان يتفاحش فيه التفاوت]، فلا مثل له.

وفي الرطب، والعنب، وسائر الفواكه الرطبة، والأظهر: أنها جميعاً مثلية.

وفي السكر، والفانيذ، والعسل المصفى بالنار، واللحم الطري، وكذا القديد – على رأي حكاه في البحر- وفي الخبز، والأظهر [فيه]: أنه مثلي.

وقد أفتى القفال بأن البطيخ والخيار من ذوات القيم، وحكاه المزني في المنثور قولاً، واختاره.

وأما الحبوب، والتمر، الزبيب، والأدهان، والألبان، والسمن، والمخيض، والخل الذي لا ماء فيه، ونحو ذلك- فإنها مثلية، قال الرافعي: بالاتفاق.

وألحق في البحر: السمن، واللبن، [والبلح]، [والسكر]، ونحوه، ومقتضاه: جريان الخلاف فيها.

ص: 423

والدراهم والدنانير مثلية اتفاقاً.

قال الرافعي: وقضية العبارة الثانية: إثبات الخلاف فيها؛ لأن في السلم [في الدراهم والدنانير] اختلافاً.

وأيضاً فإنهم جعلوا المُكسَّرة على الخلاف في التبر، والسبيكة؛ لتفاوت القراضات في الجرم.

ومثل ذلك يفرض في الصحاح؛ فيلزم مجيء الخلاف فيها؛ وهذا في الدراهم والدنانير الخالصة، أما المغشوشة، ففي التتمة: أن أمرها مبني على جواز التعامل بها: إن جوزناه فهي مثلية، وإلا [فهي متقومة]؛ لأن ما لا يملك بالعقد، [لا يملك] عوضاً عن متلف.

قال: فإن أعوزه المثل: أي: في البلد وحوله؛ على النعت الذي ذكرناه في السلم. [قال]: أو وجده بأكثر من ثمن المثل، ضمنه بقيمة المثل:

أما عند الإعواز؛ فلأنه غاية الممكن في الجبر.

وأما عند وجوده بأكثر من ثمن المثل؛ فلأن الموجود كذلك كالمعدوم بالنسبة إلى القيام بالواجب؛ دليله: الرقبة في الكفارة، والماء في التيمم.

وقيل: يلزمه المثل في هذه الحالة؛ كما لو لم يقدر على رد المغصوب إلا بأضعاف ثمنه؛ وهذا ما صححه البغوي، والروياني، واختاره في المرشد.

والقائلون بالأول – ومنهم الغزالي – فرقوا بين المثل والعين بأنه تَعَدَّى في العين دون المثل.

قال: وقت المحاكمة والتأدية –أي: طلب التأدية – لأن الواجب في الذمة هو المثل؛ بدليل: أن المالك لو صبر إلى وجوده، لم يجبر على أخذ القيمة، وإنما تجب القيمة بالطلب جبراً لحقه؛ فاعتبرت في وقته؛ لأن ما قبل ذلك لا ينضبط؛ وهذا ما صححه ابن يونس.

وحكى مجلي أن بعض أصحابنا قال: إنه غلط، ولا وجه له؛ لأن زيادة القيمة

ص: 424

بعد تلف المغصوب لا تعتبر، فكيف [بعد إعواز] المثل.

ويقرب منه ما حكاه في البحر عن القاضي الطبري: أنه خلاف النص.

قال: وقيل: يضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى وقت الحكم بالقيمة؛ لأن المثل هو الواجب إلى الحكم؛ كما أن الواجب رد العين المغصوبة إلى وقت التلف، ثم هناك يعتبر أكثر القيمة من الغصب إلى التلف –كما ستذكره –فكذلك هاهنا؛ وهذا ما حكاه أبو الطيب عن ابن أبي هريرة.

قال: وقيل: عليه قيمته أكثر مما كانت من حين القبض إلى حين تعذر المثل؛ لأن وجود المثل [كبقاء] عين المغصوب؛ من حيث إنه كان مأموراً برد المثل [كما كان مأموراً برد العين] فإذا لم يفعل، غرم أقصى قيمته في المدتين؛ كما يضمن ما لا مثل له إذا تلف لهذا المعنى؛ وهذا قول أبي إسحاق المروزي، وصححه الرافعي، واستحسنه الإمام، وبه جزم الصيدلاني، وقال في البحر: إنه ظاهر المذهب.

ووراء ما ذكره الشيخ وجوه يتم بها في المسألة اثنا عشر وجهاً:

أحدها: أنه يضمن المثل بقيمته يوم الانقطاع؛ لأن الثابت في الذمة لا يتصف بالزيادة، ولا بالنقصان؛ حكاه القاضي الحسين.

قال في البحر: وهذا اختيار أبي علي الزجاجي، والحناطي، والماوردي، وجماعة، وبه أقول.

والثاني: أنه يضمن قيمته يوم أخذ القيمة، لا يوم المطالبة، ولا يوم التلف؛ حكاه الرافعي عما علق عن الشيخ أبي حامد، وهو الذي جزم به البندنيجي، وقال: لا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم عليه بدفع القيمة عند الإعواز أو لا.

والثالث: أنه يضمنه بقيمته أكثر ما كانت من [حين] القبض إلى

ص: 425

حالة الأخذ، وهو ما حكاه المحاملي، وهو مخالف للوجه الثاني الذي حكاه الشيخ هنا؛ فإن بين وقت الحكم وبين حالة الأخذ فرقاً؛ ولأجله [أضمرت طلبه]، والتأدية في القول الأول من كلام الشيخ؛ خشية التناقض؛ فإن القيمة قد تكون في يوم المحاكمة مخالفة لقيمة يوم التأدية، والشيخ في هذه العبارة هاهنا وافق عبارة القاضي أبي الطيب في تعليقه.

والرابع: أنه يضمنه [بقيمته أكثر] ما كانت من وقت تعذر المثل إلى وقت المطالبة.

قال الإمام: وهذا عندي غلط، [ووجَّه غلطه] بما ذكرناه عن مجلي في تغليط القائل بالوجه الأول في الكتاب.

والخامس: أنه يضمنه بقيمته أكثر ما كانت من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة.

والسادس: أن الواجب عليه قيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين تلف المغصوب، لأنه لما أتلفه، ولم يوجد له مثل، صار كالذي لا مثل له.

والسابع: أن الواجب عليه قيمته أكثر ما كانت من حين تلف المغصوب إلى الإعواز.

قال الرافعي: وربما بنى هذا والذي قبله على أن الواجب عند إعواز المثل قيمة المغصوب؛ لأنه الذي تلف على المالك، أو قيمة المثل؛ [لأنه الواجب عند] التلف، وإنما رجعنا إلى لاقيمة؛ لتعذره، وفيه وجهان لأبي الطيب بن سلمة.

قلت: أما الأول فصحيح، وقد حكاه الماوردي عن [رواية] أبي حفص بن الوكيل مبنيًّا عليه.

وأما الثاني، فلا؛ لأن ارتفاع الأسواق لا يضمن بعد التلف، وقد ضمنه هذا القائل.

ص: 426

والثامن: أن الواجب قيمته [يوم تلف المغصوب.

وقال مجلي: وهذا يختص بقولنا: إن الواجب قيمة المغصوب] المغصوب لا المثل.

والتاسع: أنه ينظر، إن كان مما [ينقطع في جميع البلاد: كالعصير، فالاعتبار بقيمة يوم الإعواز، وإن كان مما] لا ينقطع عن أيدي الناس، وإنما يتعذر في موضع دون موضع – فالاعتبار بقيمة يوم الحكم بالقيمة؛ حكاه في المهذب، وهو

ص: 427

ما اختاره في المرشد، ونسبه القاضي أبو الطيب إلى أبي العباس بن القاص، وغلطه فيه.

فرع: إذا ظفر المالك بالغاصب في غير موضع الغصب وكان المغصوب مثليًّا، والمثل موجود، وقد تلف الأصل، هل له المطالبة بالمثل، أو بالقيمة؟ ينظر:

إن كان مما لا مؤنة لنقله: كالدراهم، والدنانير؛ فله المطالبة بالمثل عند الأكثرين.

وإن كان لنقله مؤنة، فالذي حكاه [الرافعي عن الأكثرين: أنه لا يطالب إلا بالقيمة من غير تعرض لتفصيل.

والذي حكاه] ابن الصباغ، والماوردي، والبندنيجي: أن ذلك فيما إذا كانت قيمة المثل في بلد المطلبة أكثر [قال الزبيلي: قال الشافعي: [لأنا لو حملناه على المثل؛ لكان في ذلك ضرر وإتلاف ماله؛ لاختلاف الأسعار].

أما إذا كانت مساوية لقيمة بلد الغصب، أو أقل – فله المطالبة بالمثل.

وقد حكى الإمام ذلك عن الشيخ أبي علي، وأنه حمل ما قاله الشافعي] والأصحاب على ما إذا كانت قيمة بلد الغصب أقل.

وحكى عن شيخه وجهين في المطالبة بالمثل في هذه الحالة، وأظهرهما: أنه لا يطالب بالمثل، وإنما يطالب بقيمة المثل ببلد الغصب.

والثاني: [أنه] يطالب بالمثل، واختلاف الأماكن كاختلاف الزمان.

ثم قال: وهذا الوجه منقاس، لكني لست أثق به، فإني لم أره في شيء من الطرق، وسبيل فيما انفرد بنقله عنه، إذا لم أجده في غير طريقه – أن

ص: 428

أتوقف، ولا أخلي الكتاب عن ذكره.

قلت: لم يكن شيخه منفرداً بنقله؛ فإن الزبيلي من أصحابنا حكاه عن أبي إسحاق، وانه ليس له إلا المثل في جميع المواضع وإن اختلفت الأسعار؛ كما [أنه] ليس له إلا المثل وإن اختلفت الأزمان؛ كذا حكاه في أدب القضاء له.

وحكى فيه –أيضاً – أن ابن أبي هريرة قال: إن كان اختلاف الأسعار لاختلاف الأزمان، فليس له إلا القيمة، وإنما يحمل على المثل إذا لم تختلف الأزمان.

وقد خرج في الوسيط الخلاف الذي ذكرناه في المثليّ في الدراهم والدنانير.

ولو كان المغصوب [باقياً] بحاله، وهو مثلي، وقد ظفر المالك بالغاصب في غير موضعه.

قال الماوردي: لا يطالب بالمثل.

وقال ابن الصباغ والبندنيجي: ينظر: إن لم يكن لنقله مؤنة: كالأثمان، [لم يكن] له المطالبة به؛ وإن كان لنقله مؤنة: كالحبوب، والأدهان، فإن كانت قيمة البلدين متساوية؛ كان له المطالبة بالمثل، وإن كانت مختلفة؛ فالمغصوب منه بالخيار بين أن [يأخذ] قيمة ما يساوي في بلد الغصب، وبين أن يصبر حتى يأتيا بلد الغصب، فيأخذ عين ماله، وإذا أخذ القيمة ملكها، ولم يملك الغاصب الطعام.

فرع: إذا أتلف إنسان مثليًّا من غير أنا يضع يده عليه، وعدم المثل؛ حكى القاضي الحسين [فيما يضمنه] وجهين:

أحدهما: قيمة يوم الانقطاع.

والثاني: أكثر ما كان المثل قيمة من يوم [الوجوب إلى يوم الانقطاع.

قال الإمام: ويندرج وجه ثالث ضعيف: وهو اعتبار قيمة يوم] التغريم.

ص: 429

فرع: إذا غصب ملثيًّا، فتلف في يده، والمثل مفقود.

قال الرافعي: فالقياس أن يجب – على الوجه الثالث، والتاسع – أقصى القيم من حين الغصب إلى حين التلف.

وفي البحر حكاية ذلك عن النص.

وعلى [الوجه الرابع والحادي عشر: قيمة يوم التلف.

وعلى الخامس: قيمة يوم الأخذ.

وعلى] السابع والثامن: أقصى القيم من وقت التلف إلى وقت المطالبة.

على الثاني [عشر]: إن كان المثل منقطعاً في جميع البلاد، فقيمة يوم التلف، وإلا فقيمة يوم التغريم.

والأوجه الثلاثة الباقية لا يختلف الحكم فيها؛ فيكون المتحصل في هذه المسألة ثمانية أوجه.

ص: 430

قال: وإن لم يكن له مثل – [أي:] كالعبيد، والجواهر، والثياب – ضمنه بقيمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَعْتَقَ عَبْداً وَلَهُ فِهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةِ مَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبدِ شَيْءٌ"، خرجه النسائي.

وجه الدلالة منه: أن ما لا مثل له لو ضمن بالمثل الصوري؛ لضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأن إيجاب المثل في الخلقة لا يمكن؛ لاختلاف الجنس الواحد في القيمة؛ فكانت القيمة أقرب إلى جبر الفائت.

قال: أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف؛ لأنه غاصب في الحال التي زادت فيها قيمته؛ فلزمه ضمان قيمته فيها؛ كالحال التي غصبها فيها.

ولأنه ما من حالة يفرض فيها قيمة إلا والغاصب كان مخاطباً فيها برد العين، فإذا لم يرد، فقد فوت الرد؛ فلزمه بدله؛ كذا قاله الإمام.

قال: وتجب قيمته من نقد البلد [في البلد] الذي غصب فيه؛ لأنه موضع الضمان.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون المغصوب عرَضاً، أو ذهباً، أو فضة، ونقد البلد من غير جنسه، أو من جنسه، استوت قيمته ووزنه، أو زادت [قيمته] على وزنه؛ بسبب الصنعة؛ كما إذا كان المغصوب حليًّا، أو آنية، وجوزنا اتخاذها، وزنة ذلك مائة، وقيمته مصوغاً مائة وعشرون – فإنه يضمن مائة وعشرين.

وإذا لم نجوز اتخاذها؛ كانت الصنعة كلا صنعة.

وفي النهاية في ضمن فروع ذكرها بعد باب الوليمة: أنه يضمن قيمتها –

ص: 431

أيضاً – على وجه، وقال:[إنه] غريب غير متجه.

قال: وقيل: إن كان حليًّا من ذهب –أي: ونقد البلد ذهب –ضمنالعين بمثل وزنها من جنسها- أي: وهو مائة في مثالنا – وضمن الصنعة بقيمتها فضة؛ لأنا لو قلنا: إنه يضمن الجميع بجنسه؛ لكان يدفع مائة وعشرين في بدل مائة، وذلك ربا.

قال: وليس بشيء؛ لأن الزيادة إنما تراعى في العقود والمعاوضات، وأما في الفسوخ والإتلافات فلا، وهذا إتلاف.

[أيضاً:] فإن القدر الزائد على زنة المغصوب في مقابلة الصنعة التي لا يدخلها الربا، ولو دخلها الربا إذا قومت بالذهب؛ لدخلها إذا قومت بالفضة؛ نظراً إلى قاعدة: مد عجوة.

وفي تعليق القاضي الحسين [حكاية] وجه: أنه يضمن العين في مثالنا بالفضة، والصنعة بالذهب.

وحكاية قول منصوص للشافعي في كتاب الصداق الكبير: أنه يضمن العين والصنعة في مثالنا بالفضة، وحكاه الماوردي وغيره وجهاً.

وفي الرافعي وغيره حكاية وجه: أنه يضمن العين بوزنها من جنسها، والصنعة بنقد البلد؛ سواء كان من جنس المغصوب، أو غير جنسه.

والفرق بينه وبين الوجه الثاني في الكتاب: أن هاهنا يضمن العين بجنسها [وإن كانت من غر نقد البلد، ويضمن الصنعة [نقد البلد، ثم ضمن العين بجنسها]؛ لكونه نقد البلد، وضمن الصنعة] بالفضة، وهي من غير نقد البلد.

وما ذكرناه فيما إذا كان المغصوب ذهباً، ونقد البلد ذهباً – يجري مثله فيما إذا كان [المغصوب] فضة، ونقد البلد فضة.

والسبيكة إن قلنا: إنها مثلية، قال الرافعي: فيها وجهان:

ص: 432

أحدهما: أنه يضمن الكل بغير جنسه.

وأصحهما: أنه يضمن الوزن بالمثل، والصنعة بنقد البلد، سواء كان من جنسه، أو من غير جنسه.

وإن قلنا: إنها متقومة، فيضمن الكل [بنقد البلد كيف اكن].

قال: وينبغي أن يجيء على هذا وجه التضمين بغير الجنس، إن كان نقد البلد من الجنس؛ لأن معنى الربا لا يختلف.

وما اختلفت قيمته من النقار، لا بسبب صنعة فيه، [الواجب فيه] قيمته بغير جنسه، وإن لم يكن من نقد البلد عند العراقيين.

وحكى الرافعي فيه وجهاً آخر: أنه تجب قيمته بنقد البلد [و] إن كان من جنسه.

تنبيه: قال الجيلي: قول الشيخ: وتجب قيمته من نقد البلد الذي غصب فيه، ليس بصواب؛ إذ لم يذكره أحد من المصنفين، ولا هو في [كتاب] المهذب، بل صوابه أن يقول: من نقد البلد الذي حصل فيه التلف؛ لأنه موضع وجوب الضمان، وينتقل من العين إلى الذمة [بالتلف].

وما قاله هو الذي يقتضيه كلام الرافعي؛ حيث قال: وإنما تجب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف.

[ويقرب منه ما [حكاه] في المهذب والبحر: أن القيمة تجب من نقد البلد الذي تلفت فيه].

قلت: وفيما قيل نظر من وجهين:

أحدهما: أن الذي يوجد في أكثر النسخ: "وتجب قيمته من نقد البلد في البلد الذي غصب فيه"، وهكذا هو في توجيه ابن الخل؛ وهذا اللفظ يفهم غير ما يفهمه اللفظ الأول.

ص: 433

الثاني: على تقدير أن يكون اللفظ كما ذكره، وهو الذي في ابن يونس - أيضاً - فإنما يظهر صحة ما قالوه إذا كانت قيمة بلد التلف أكثر، أو أروج، أما إذا كانت قيمة بلد الغصب أكثر، أو أروج؛ فلا.

بل يظهر اعتبار نقد بلد الغصب؛ عملاً بما علل به الأصحاب وجوب أكبر القيمتين؛ بأن ما من حالة تفرض فيها قيمة إلا والغاصب كان مخاطباً فيها برد العين، فإذا لم يرد [العين]، فقد فوت الرد؛ فلزمه بدله.

كذلك نقول في النقد: ما من بلد حل فيها المغصوب، إلا والغاصب مطالب بالرد فيه، فإذا لم يرد، فقد فوت قيمة المغصوب بذلك النقد؛ فوجب أن يجب إذا كانت القيمة [نقده] أكثر، أو هو أروج.

وقد حكى صاحب البحر عن والده ما يقاربه، فإنه قال: إذا كان نقد البلد وقت الغصب دراهم، ثم تلف المغصوب في يده، ونقد البلد يوم التلف دنانير، فأراد صاحب المال أن يضمنه دراهم، [ثم] يعدل إلى قيمتها بالدنانير؛ لكونها أحظ له - أن له ذلك، ووجهه بما ذكرته.

ثم قال: ومن الأصحاب من قال: الاعتبار بحال الاستقرار [عند] تغير الأحوال.

ومما يؤيد ما ذكرته: أن الرافعي حكى فيما إذا نقل المغصوب المثلي إلى بلد، وتلف فيه، أو أتلفه ثم ظفر به المالك في بلد، وقلنا: إنه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف، فله أخذ قيمة [أكثر] البلدين قيمة.

وفي الوسيط في هذه الصورة: أن [له أن] يطالبه بقيمة أي بلد شاء من بلدي الغصب والإتلاف، وذلك يؤيد ما ذكرته، أيضاً.

ص: 434

وقد يظهر منه تصحيح كلام الشيخ؛ فإن وزان ما قاله الغزالي في هذه المسألة: أن يكون مخيراً في تلف ما لا مثل له في غير بلد الغصب بين أخذ قيمته ببلد الغصب، وبلد التلف؛ لأنه يستحق مطالبته [بإقباض العين] في كل منهما، والتخيير [فرع وجوب قيمة البلدين؛ كما أن تخيير المضمون له في مطالبة الأصل والفرع] فرع وجوب دينه في ذمتهما.

ومقتضاه: أنه إذا قبض قيمة أحداهما؛ برئ من قيمة الأخرى؛ كما نقول في الدين على الضامن؛ وإذا كان كذلك، فقد صح ماقاله الشيخ من وجوب القيمة بنقد بلد الغصب؛ لأنها إذا وجبت فيهما، وجبت في أحدهما، غاية الأمر أن يقال: كلام الشيخ يوهم الحصر فيه، وهو أسهل من نقله ما لم [يقل به] أحد، والله أعلم.

فروع:

أحدها: إذا غصب مثليًّا، فاتخذ منه ما لي سبمثليِّ، ثم تلف: كالحنطة، إذا جعلها دقيقاً، وقلنا: إنه ليس بمثلي، أو غصب تمراً، فاتخذ منه خلاًّ – قال العراقيون: ضمن المثل.

وفي كتاب التهذيب: أنه يضمن المثل؛ إن كان أكثر قيمة، أو ساوت قيمته قيمة المتقوم؛ [وإن نقصت؛ ضمن قيمة المتقوم].

وعن القاضي الحسين: أنه يضمن أقصى القيم، وليس للمالك مطالبته بالمثل.

وفي الحاوي: أنه يرجع بالمثل، والقدر الزائد في قيمة الدقيق مثلاً عن املثل؛ إن حصل بالطحن زيادة.

الفرع الثاني: إذا غصب ما ليس بمثلي، واتخذ منه مثليًّا: كما إذا غصب زيتوناً، ثم عصره زيتاً، ثم تلف – قال العراقيون: ضمن مثل الزيت.

ص: 435

وفي الحاوي: أنه يضمن المثل، وما نقص من قيمة الزيتون عنه.

والمذكور في التهذيب: أنه يضمن المثل؛ إن كانت قيمته أزيد من قيمة الزيتون، أو متساوية؛ وإن كانت أقل فقيمة الزيتون.

وقال الغزالي: إنه مخير بين أن يأخذ المثل، أو القيمة عن المعصوب.

الفرع الثالث: إذا غصب مثليًّا، فاتخذ منه مثليًّا: كما إذا غصب سمسماً، فاتخذ منه شيرجاً، ثم تلف – قال العراقيون والغزالي: المالك بالخيار، فيغرمه ما شاء منهما.

وفي التهذيب: إن كان أحدهما أكثر قيمة، غرم مثله، ولا يخير المالك.

قال: وإن ذهب المغصوب من اليد، ولم يتلف؛ بأن كان عبداً، فأبق- أي: أو بهيمة فضلت، أو ثوباً فضاع – ضمن البدل، أي: القيمة إذا طلبها المالك؛ ليقع الجبر بها بقدر الإمكان.

والواجب أقصى قيمة المغصوب من يوم الغصب إلى يوم المطالبة.

وفي الحاوي: أن الواجب قيمته أكثر ما كانت من وقت الغصب إلى وقت فوات الرد.

وإذا أخذ المغصوب منه البدل؛ ملكه على الصحيح.

وقال القفال: لا يملكه؛ كما لا يملك الغاصب الآبق؛ فإنه لو ملكه لاجتمع له الأصل والبدل، بل له الانتفاع به مع بقائه على ملك الغاصب.

وعبر الماوردي عن هذا بأنه ملك القيمة ملكاً مراعىً.

وعلى الأول، هل يبرأ الغاصب من أجرة العبد من حين غرم القيمة أم لا؟ فيه وجهان:

ص: 436

أظهرهما -في تعليق القاضي الحسين -: الأول.

وأصحهما: الثاني، مع أن غير الغاصب لو استعمله، ضَمِن الأجرة للمغصوب منه وجهاً واحداً كما قاله الماوردي، وبنى المتولي الوجهين في عدم مؤاخذة الغاصب بالأجرة من حين الغرم على أن مأخذ تغريم القيمة ماذا؟

فمنهم من قال: وجبت بإزاء ما يفوته من الانتفاع بملكه دفعاً للضرر عنه.

ومنهم من قال: إنما وجبت للحيلولة عقوبة عليه على سبيل التغليظ، والوجهان جاريان في أن الزوائ الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب؟

وفي أنه هل يلزمه مؤنة رده، وفي أن جناية الآبق هل يتعلق ضمانها بالغاصب؟

وهكذا الحكم عند الشيخ أبي محمد [لو غيب] الغاصب العبد المغصوب إلى كان بعيد وعسر رده.

ومنهم من قطع بوجوب الأجرة وثبوت سائر الأحكام في هذه الصورة؛ وعلى ذلك جرى في الوسيط والقاضي الحسين.

والفرق: أن من غيبه باختياره باق في يده وتصرفه فلا تنقطع علائق الضمان بخلاف الآبق، وليس للغاصب إجبار المالك على أخذ القيمة بحال؛ لأنها ليست حقًّا ثابتاً في الذمة حتى يجبر على قبوله، والإبراء منه، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ.

وعن بعض الأصحاب: تنزيلها منزلة الحقوق المستقرة.

قال: إن عاد رده أي وجوباً؛ لأنه لا يصح تملكه بالبيع؛ فلا يصح بالتضمين؛ كالتالف.

قال: واسترجع البدل أي: إن كان باقياً لزوال الحيلولة التي كانت سبب التمليك.

قال الشيخ في المهذب: ويسترجعه مع زوائده المتصلةدون زوائده المنفصلة؛

ص: 437

كالولد، واللبن، وهو في ذلك موافق لابن الصباغ، والقاضي أبي الطيب، وفي ذلك نظر؛ فإن البدل المراد به القيمة؛ كما صرح به في المهذب والشامل، والقيمة إنما تؤخذ نقداً، والنقد لا زوائد له.

وطريق الجواب عنه: أن يكون المالك قد اعتاض عن القيمة شاة مثلاً فإن عند القاضي أبي الطيب إذا استبدل من له ثمن في ذمة شخص [عنه] عيناً ثم رد المبيع بعيب – أن له أن يسترجع العين؛ كما حكيناه في باب المصراة.

ووزانه ان يسترجع [الشاة] هاهنا، وعلى ذلك [يحمل] ما قالوه، وبه صورة الروياني المسألة في "الحبر".

فرع: إذا كان النقد المأخوذ بدلاً باقياً هل يجب رده بعينه أم لا؟ تردد فيه الشيخ أبو محمد، وهو نظير خلاف حكيناه في البيع عند الرد بالعيب، ولا خلاف في أن البدل إذا كانتالفاً وجب رد بدله ولم يختلف الأصحاب [في] أن ملك المغصوب منه لا يستقر على اخذ البدل في صورة إباق العبد ونحوها؛ بخلاف ما إذا أخذه لإعواز المثل، أو للظفر بالغاصب في غير بلد الغصب، [ولم يوجب دفع المثل؛ لاختلاف قيمته، أو كان المغصوب عبداً وهو باق في بلد الغصب] ثم وجد المثل أوعاد إلى بلد الغصب؛ فإن القيمة تستقر على ملكا لمالك، وليس له ردها والمطالبة [بالمثل أو العبد] كما جزم به الماوردي، والذي حكاه القاضي أبوا لطيب فميا إذا ظفر به بغير بلد الغصب وكان المغصوب مثليًّا – أن للمالك مطالبته بقيمة المغصوب ببلد الغصب، ثم إذا عاد إلى بلد الغصب تسلم المغصوب منه المغصوب وزال ملكه عن القيمة، وردها إلى الغاصب، ومقتضى هذا طرده في [باقي] الصور.

ص: 438

وقد حكى الإمام الوجهين فيما إذا أخذ القيمة لإعواز المثل، أو للظفر به في غير بلد الغصب، ووافق في الوسيط القاضي أبا الطيب فيما حكاه، وحكي الوجهين فيما إذا أخذ القيمة عند إعواز المثل.

قال الرافعي: وهذا ال وجه له، بل الخلاف في المستألتين واحد باتفاق الناقلين.

فرع: هل للغاصب حبس المغصوب إلى أن يسترد القيمة؟ جزم في الوجيز بأن له ذلك.

وحكى في الوسيط ذلك عن القاضي، وأنه أسنده إلى نص الشافعي في [غير] المختصر، وقد رأيته في تعليقه، وطرده فيما إذا اشترى [شراء فاسداً] أن له حبس المبيع إلى أن يرد الثمن [عليه] ثم قال الغزالي: وفيما ذكره احتمال ظاهر.

قلت: -وقد قدمت في البيع: أن المذهب عدم [ثبوت حق] الحبس للمشتري [في البيع الفاسد؛ كما نص عليه ابن سريج.

قال الرافعي: ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه] واختار الإمام المنع في الصورتين.

فرع: إذا أعتق المالك العبد الذي أبق من يد الغاصب بعد أخذ القيمة للحيلولة؛ رجع الغاصب بها على المالك، ول كان المغصوب الذي أبق أم ولد المالك فأعتقها بعد أخذ القيمة، أو مات فكذلك الحكم.

وحكى المتولي في [مسألة الموت] عن أبي عاصم [العبادي][وجهاً] أنه لا يرجع.

ص: 439

فرع: لو كان موضع العبد معروفاً أُخِذَ الغاصب بردهن وإن غرم أضعاف ثمنه، فلو استأجر على رده أجنبيًّا جاز، ولو استأجر مالكه فوجهان في الحاوي وإذا اخذ المالك [القيمة] في هذه الحالة قهراً.

قال الماوردي: ملكها ملكاً مستقرًّا، وملك الغاب العبد ملكاً مراعىً [ليتملكه بعد] القدرة عليه إن شاء، أو يتوصل [به] إلى أخذ ما أجبر على دفعه من القيمة إن شاء؛ لان الإجبار يمنع من استقرار الملك بالإعواض، وإذا قدر على العبد المغصوب، فهو حينئذ بالخيار بين أن يتملكه عن اختيار المغصوب منه، فإن اختار رده ورضي بذلك المغصوب منه – جاز، ولا يستحق عليه أجرة ما مضى، وألا بيع، فإن كان ثمنه قدر القيمة المأخوذة؛ أخذه الغاصب، وإن زاد عليها كان الفاضل للمغصوب منه، وإن نقص فلا شيء له غيره.

قال: وإن نقص من عينه شيء بأن تلف بعضه أو حدث فيه ما [ينقص قيمة المغصوب]؛ بأن كان مائعاً فأغلاه أو فحلا فأنزاه على بهيمة فنقصت قيمته ضمن أرش ما نقص؛ كما يضمن القيمة عند التلف، ويضمن الأرش بأكثر الأمرين أيضاً؛ لما ذكرناه، وهكذا الحكم [أيضاً] فيما لو كان ثوباً فنشره فنقص بسبب النشر، أو حيواناً فذبحه أو حنطة فطحنها، أو سمسماً فجعله شيرجاً ونحو ذلك؛ بالقياس على ما لو كان عبداً فقطع يده، أو حماراً فقطع أذنه.

وفي الحاوي في مسألة السمسم: أن المغصوب منه يستحق المطالبة بالمثل؛ لأنه أشبه بالمغصوب من أجزائه.

ص: 440

وفي المهذب حكاية مثله في الدقيق.

تنبيه: قول الشيخ: ضمن أرش ما نقص يعرفك أن مراده بتلف البعض [تلف] جزء غير مثلي، فإنه لو كان التالف جزءاً مثليًّا لما ضمنه [بأرش النقص؛ كما إذا كان زيتاً أو دهناً أو عصيراً فأغلاه فنقص وزنه فإنه يضمن مثل ما نقص] سواء كانت قيمته بعد الغلي مثل ما كانت قبله أو أنقص.

وعن [ابن سريج: أنه لا يضمن ما نقص من العصير إذا لم تنقص القيمة فإن الفائت المائيةُ بخلاف الزيت وهو اختيار الشيخ أبي حامد والروياني.

وروى عن صاحب التقريب: أنه صار في الزيت والدهن إلى ما صار إليه]

ابن سريج في العصير، والأصح الأول، والخلاف المذكور في إغلاء العصير يجري فيما إذا صار خلا أو انتقصت عينه دون قيمته، وكذا إذا صار الرطب تمراً.

فرع: إذا نقص إغلاء للعين والقيمة ضمن [مثل] الذاهب باغلاء إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي.

قال: وإن تلف بعضه ونقص قيمة الباقي مثل أن يغصب زوجي خف قيمتهما عشرة [دراهم] فضاع أحدهما وصار قيمة الثاني درهمين لزمه قيمة التالف، وأرش ما نقص وهو ثمانية.

أما [قيمة التالف] فلتلفه تحت يده.

وأما أرش ما نقص، فلأنه حصل بالتفريق الحاصل في يده، فأشبه نقص قيمة المائع بالإغلاء، ونقص الثوب بقطع بعضه وتلفه، وهذا ما جزم به الرافعي.

قال: وقيل: يلزمه درهمان؛ لأنه لم يتلف في يد الغاصب إلا ما قيمته درهمان، وهذا الوجه لم أقف عليه في هذه المسألة في شيء مما وقفت عليه من كتب المذهب، لكن كلام الأئمة في الطريقين يقتضيه، فإنهم حكوا فيما

ص: 441

إذا غصب واحداً من خفين قيمتهما عشرة فاستهلكه أو أتلفه ابتداء من غير غصبن وقيمة كل واحد منهما عند انفراده درهمان [أن فيما يلزم الوجهين المذكورين في الكتاب:

أحدهما: يلزمه ثمانية: درهمان] قيمة الذي أتلفه، وستة ضمان النقص بالانفراد؛ لأنها جناية منه.

والثاني: لا يضمن إلا درهمين وهما قيمة ما تفرد باستهلاكه؛ فإذا كانت الزيادة الحاصلة [في المتلف] بسبب الانضمام وهي ثلاثة لا يضمن إذا فاتت بالغصب والإتلاف المضمن [الزائد من القيمة] بسبب ارتفاع الأسواق لم يظهر فرق بين أن يكون الآخر غير مغصوب أو مغصوباً وقد رده؛ لأن الإتلاف مع الغصب إذا كان لا يضمنها، فالغصب وحده مع الرد أولى، وقد حكى البندنيجي وصاحب الحلية والتتمة في مسألة الكتاب وجهاً؛ أنه يضمن خمسة، وهو القياس؛ لأن الزيادة قد استقرت [بالتلف] فضمنها؛ كارتفاع السوق.

وقياس هذا أن يطردوه في المسألة المستشهد بها، وقد حكاه فيها المراوزة أيضاً، ورجحه الإمام، والبغوي، وكذا القفال على ما حكاه في البحر، وقاسه على ما إذا كان عبد بين اثنين قيمته مائة دينار فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر؛ فإنه لا يضمن خمسين ولكنه يضمن قيمة نصفه إذا بيع منفرداً، والذي رجحه الشيخ أبو حامد والشيخ في المهذب ضمان الثمانية، وهو الذي اختاره في البحر، والقاضي أبو الطيب في شرح الفروع، ونسبه إلى أبي العباس – يعني ابن القاص – كما صرح [به] غيره في شرح الفروع وقد تحصل في كل من المسألتين ثلاثة أوجه ولا خلاف [في] أنه لو سَرق فردَ خفَّ منهما لم يجب عليه القطع.

ص: 442

وحكى المتولي عن بعض أصحابنا: أنه قال فيما إذا شق الثوب وتلف [نصفه] ونقصت قيمة النصف الباقي بالشق أن الحكم كما ذكرناه في مسألة الخف، والجمهور على تضمينه النقص في هذه الحالة.

تنبيه: قوله زوجي خف: يعني فردتين، يقال: عندي فردا خف، وزوجا نعال، وزوجا حمام لذكر وأنثى، وكذا كل فردتين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر.

قال: وإن كان عبداً فقطع يده لزمه [أكثر الأمرين] من أرش النقص أو نصف القيمة أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين قطع اليد؛ لأنه قد وجد سبب ضمانهما وهو اليد والجناية؛ فوجب [أكثرهما] مثال ذلك: إذا كانت قيمة العبد مائة ثم بلغت مائتين وقطعت يده، فإن كانت قيمته بعد القطع مائة وخمسين ضمن المائة لأن اليد تضمن بنصف الدية من الحر فضمنت من العبد بنصف القيمة، وإن كانت قيمته بعد القطع خمسين؛ ضمن مائة وخمسين؛ لأن هذا النقص حصل في يده بسبب جنايته.

وقيل: لا يضمن إلا نص القيمة بأكثر الأمرين؛ لان ما ضمن ببدل مقدر في الإتلاف ضمن في الغصب به؛ كالنفس، وهذا تفريع على الجديد في أن جراح العبد من قيمته؛ كجراح الحر من ديته.

أما إذا كان الواجب فيه أرش ما نقص فهو الواجب هنا أيضاً.

ومحل المطالبة بالقيمة إذا اندمل الجرح، أما إذا لم يندمل ففي جواز المطالبة بأرش اليد قولان يأتيان إن شاء الله.

ولو سقطت يد العبد بآفة سماوية ضمن الأرش ولا يضمن المقدر؛ لأن التقدير من خاصية الجناية، وهذا ما جزم به البندنيجي وصححه الغزالي وجعله الشيخ في المهذب المذهب، وحكى عن بعض أصحابنا أنه يرد معه ما يجب

ص: 443

بالجناية، ولو ذهبت يد العبد بجناية أجنبي [وجب] على [العبد] الجاني نصف القيمة بسبب القطع، وعلى الغاصب أكثر الأمرين.

وفي الوسيط حكاية وجه فيما إذا زاد نصف القيمة على ما نقص من القيمة: أن الغاصب لا يطالب بالزائد، وألحق الرافعي قطع اليد بسبب سرقة في يد الغاصب، أو جناية؛ بسقوطها بالآفة السماوية، وسوَّى في ذلك بين أن يكونا القطع في يد الغاصب أو بعد استرداد العبد، ولو قطعت يده في يد الغاصب بسرقة في يد المالك، أو جناية ففي وجوب ضمانها على الغاصب وجهان، كما لو اشترى عبداً سارقاً فقطع في يده، فإن ضَمَّنَّاهُ فهل يكون كما إذا سقطت بآفة سماوية؛ لأنه تلف بلا بدل أو بإتلاف أجنبي؛ لأنه حصل بالاختيار؟ فيه تردد، والذي اختاره في المرشد ضمان النقص.

فرع: لو جنى العبد في يد الغاصب جناية تتعلق برقبته، فداه الغاصب بأرش الجناية في قول، وبأكثر الأمرين من أرش الجناية أو القيمة في قول؛ كما حكاه الإمام ومن تابعه، والذي حكاه المتولي الثاني، وكذلك البندنيجي.

ولو مات العبد قبل الفداء أخذ المالك قيمته من الغاصب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف، وإن كانت حين التلف أكثر – تعلق حق المجني عليه بجميعها ورجع المالك على الغاصب بقدر ما أخذه المجني عليه منها إن كان الأرش دونها.

وإن كانت قيمته يوم الغصب أكثر؛ مثل: إن كانت مائتين ويوم الجناية مائة؛ فلا يتعلق حق المجني عليه إلا بمائة منها، والحكم كما تقدم.

وحكى الشيخ أبو علي وجهاً: أن ما يأخذه المالك من الغاصب لا يملك

ص: 444

المجني عليه المطالبة به، ويطالب الغاصب بمثله إن تعلق به حقه أو بما دونه، ولا خلاف في أنه لو سرق في يد المالك، ثم قُطِع بعد الرد إليه؛ لا يجب على الغاصب شيء.

قال: وإن أحدث فيه فعلاً نقص به وخيف عليه الفساد في الباقي: بأن كان حنطة فبلها، أو زيتا فخلطه بالماء وخيف عليه الفساد استحق عليه مثل طعامه وزيته؛ لأن فساده يتزايد إلى أن يتلف فصار كالمستهلك، وهذا ما نص عليه في الأم، وهو الأظهر في طريق العراق، وجعله البندنيجي المذهب.

قال: -وقيل فيه قولان:

أحدهما: -هذا.

والثاني: [أنه] يأخذه وأرش ما نقص؛ لأنه وجد عين ماله فرجع إليه؛ كالشاة إذا ذبحت، والثوب إذا مزق وهذا ما حكاه الربيع.

وقال الغزالي: إنه مخرج.

وحكى الرافعي عن البندنيجي حكايةقول عن أبي إسحاق أن الغاصب يتخير بين أن يمسكه ويغرم بدله، وبين أن يرده مع أرش النقصان، والمذكور في الوسيط حكايةً عن الشافعي: أن المالك إن شاء ضمَّن الغاصب ما نقص الآن، ولا شيء له في زيادة تحصل من بعد، وإن شاء تركه له وطالبه بجميع البدل، وهذا ما حكاه الماوردي عن أبي إسحاق، وابن أبي هريرة، وقد تحصَّل في المسألة أربعة أقوال.

ص: 445

التفريع:

إن قلنا بالأول: فلمن يكون المغصوب؛ هل للمغصوب منه، أو للغاصب؟ فيه وجهان في التتمة.

وإن قلنا بالثاني: فكلما نقص المغصوب أخذ المالك أرشه، هكذا حكاه القاضي أبو الطيب، والبندنيجي في مسألة غصب العسل والسمن والدقيق، وجعله عصيدة وخيف فساده، وظاهر كلام الشيخ يقتضي أنه لا يغرم له بعد ذلك شيئاً كما حكيناه عن شارح المفتاح في تصوير القول الرابع، وهو قضية كلام الرافعي؛ فإنه قال: يغمه أرش عيب سار.

وحكى عن المتولي أن الحاكم إذا رأى تسليم جميع الأرش إليه فعل، وإذا رأى أن يسلم إليه أرش النقص المتحقق في الحال ويوقف الزيادة إلى التحقق فعل، ثم قال [الرافعي] وفي هذا توقٌّفٌ؛ لأن المعقول من [أرش العيب الساري] أرش العيب الذي شأنه السراية، وأنه حاصل في الحال.

أما المتولد منه فيجب قطع النظر عنه؛ إذ الكلام في النقصان الذي لا تقف سرايته إلى الهلاك، فلو نظرنا إلى المتولد منه لا نجر ذلك إلى وجوب القيمة، وهو عَود إلى القول الأول أي التخيير، ولو كان للنقص غاية ينتهي إليها، لكنه لم ينته إليها بعد، قال الماوردي: فليس له إبدال الزيت بغيره، وينتظر حدوث نقصانه فيرجع به، فإن تلف المغصوب قبل انتهاء نقصانه؛ فهل يجرع بما كان ينتهي إليه من نقص أم لا؟ فيه وجهان مخرجان من القولين فيمن [إذا] قلع سن صبي لم يثغر ومات قبل أن يثغر.

ولو باع المغصوب منه المغصوب قبل أن ينتهي إلى حالة النقص، فإن علم به المشتري فللمغصوب منه أن يرجع على الغاصب بنقصه؛ لأنه عاوض عليه ناقصاً، وإن لم يعلم المشتري به ولم يرده، كان في رجوع المغصوب منه على

ص: 446

الغاصب بأرش نقصه وجهان:-

وجه المنع: أنه بالمعاوضة عيه سليماً قد وصل إليه من جهة المشتري حقه، فصار بمثابة ما لم يحدث به نص، وحكم العفن الساري من غير تلك كما حكاه الشيخ أبو حامد عن الشافعي – حكم البلل، وهو ظاهر لفظ المختصر، وفيه تكلم الإمام، وكذلك الماوردي، وألحق به الحنطة إذا ساست أو دادت بالدود.

وقال القاضي أبو الطيب يجب في العفن رد العين، وما نقص قولاً واحداً؛ لأنه ليس من فعله فلا يضمن ما يتولد منه بخلاف البلل، واختاره في المرشد وصححه ابن الصباغ.

ثم قال: فإن قيل: فالعفن مضمون عليه؛ لوجوده في يده، وإن لم يكن [من] فعله فكنا ما تولد منه يتولد في الضمان؛ الا ترى أنه لو ابتل بماء المطر أو بله غيره كما لو أتلفه بنفسه.

فالجواب عندي: أن يقال: أن النقص الذي حصل بالبلل إذا زاد وكثر، فإنما حصل متولداً منه، وأما العفن فإنما يزيد ببقائه ومكثه في يده كما أن الأول حصل بذلكن وبعضه يولد بعضاً.

ومرض العبد المغصوب إذا كان سارياً؛ مثل السل والاستسقاء تردد الشيخ أبو محمد في إلحاقه بالعفن الساري، ولم يرض الإمام ذلك؛ فإن المرض الميئوس منه قد يبرأ، والعفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد [لا محالة].

قال:-وإن كان له منفعة أي تستوي بعقد الإجارة ضمن [أُجرته] للمدة التي أقام في يده أي وإن لم ستوفها؛ لأن ما ضمن [بالمسمى] في العقد الصحيح [و] بالبدل في الفاسد ضمن [من] غير عقد بالغصب؛ كالأعيان.

نعم إذا استوفاها فنقصت قيمة الثوب بسبب الاستيفاء، فهل يضمن أرش

ص: 447

النقص مع الأجرة؟ أو يضمن أكثرهما لا غير؟ فيه وجهان:

ظاهر النص منهما كما حكاه القاضي أبو الطيب؛ الأول، وهو الذي صححه الرافعي قياساً على ما لو حصل النقص بسبب آخر، والذي حكاه المزني على ما نقله المتولي: الثاني، وهو الذي [حكاه] في المرشد؛ لأن فيه جبراً للحقين؛ فلا يقابل مضمون بضمانين، ومقتضى هذا أن يجب عند عدم الاستيفاء أجرة استعمال لا تنقص من العين شيئاً وهي أقل من أجرة استعمال تنقص من العين، ولو كان للمغصوب منافع ضمن أغلاها أجرة، ولا يجب أجرة الكل.

فرع: إذا كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة فبم يضمن؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو سعد: أضعفها: أنها [تضمن] بالأكثر في جميع المدة [أيضاً].

وأظهرها: أنها تضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه.

والثالث: أن الأمر كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل، وإن كانت في الأول أكثر ضمنها بالأكثر في جميع المدة؛ لأنه لو كان المال في يده فربما أجره بها في جميع المدة.

ص: 448

فرع: إذا غصب قميصاً قيمته عشرة؛ فأبلاه بالاستعمال إلى أن عاد إلى خمسة، ثم زاد السعر فعادت القيمة إلى عشرة.

قال ابن الحداد: يقوم ملبوساً في [هذا الوقت] وغير ملبوس، ويلزمه ما بين القيمتين وهو عشرة في هذه الحالة.

قال القاضي أبو الطيب، وغيره: هذا ليس بصحيح، ونما يلزمه مع رده خمسة، وهو الذي نقص باللبس؛ لأن زيادة السعر بعد [التلف] لا اعتبار به.

قال: وإن كانت جارية فوطئها مُكرَهَة ضمن مهرها؛ لأنه أتلف منفعة متقومة بعدوان، وهو من أهل وجوب ضمانه فشابه ما لو قطع يدها، ولأن منفعة البضع تضمن بالعقد الفاسد فضمنت بالإتلاف على وجه التعدي؛ كالأعيان بل أولى؛ لأن المنكوحة نكاحاً فاسداً عاصية، وهذه ليست بعاصية، والمنكوحة ممكنة والمغصوبة مستكرهة، وهكذا الحكم فيما لو طاوعته جاهلة بالتحريم، مع كونها قريبة عهد بالإسلام وقد نشأت في برية.

وحكى الطبري أن الصبية التي لا تشتهي مثلها إذازنا بها؛ لا يضمن مهرها، ويضمن أرش بكارتها إن أزالها، وعلى الأول إن كانت ثيباً، فالواجب مهر [ثيب]، وإن كانت بكراً ففي الرافعي حكاية وجهين:

أحدهما: أن الواجب مهر ثيب وأرش البكارة، وادعى أنه المرجح وهو الذي أورده الغزالي في باب الديات، وينسب إلى النص.

والثاني: مهر بكر، والذي جزم به القاضي أبو الطيب أنه يجب مهر بكر

ص: 449

وأرش البكارة، كما ذكره الشيخ في البيع الفاسد؛ لوجوبهما بسببين مختلفين، ونقله القاضي الحسين أيضاً.

وذكر أن الشافعي نص على مثله في نظير المسألة في عيون المسائل، ثم قال: والذي عندي أنه يجب مهر مثلها بكراً.

قال الرافعي: [بناء] على ما حكاه.

فإن قلت: هل يختلف المقدار بالاعتبارين أم لا؟ فإن اختلف وجب أن يقطع بوجوب الزائد؛ لأن بناء أم رالغاصب على التغليظ، وإن لم يختلف فلا فائدة للوجهين.

فالجواب أنه إن اختلف المقدار فالوجه ما ذكرته، وقد أشار إليه الإمام، وإن لم يختلف فللوجهين فوائد:

منها: ما يظهر في المسألة التالية لهذه.

قال: وإن طاوعته أي وعلمت بالتحريم لم يلزمه على ظاهر المذهب؛ لما روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيِّ وحلوان الكاهن.

والبغيُّ بالتشديد: المرأة الزانية.

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28].

وحلوان الكاهن: ما يأخذه على تنجيمه وكهانته.

قال: وقيل يلزمه؛ لأن المهر حق لليد فلا يسقط ببذل الأمة، وهذا قول ابن سريج كما حكاه الماوردي، ولا خلاف في انه إن لم يطأها لا يلزمه المهر؛ لأن منفعته لا تدخل تحت اليد؛ ألا ترى أن السيد يملك تزويجها ولودخلت تحت يده لما ملكه كما لا يملك إجارتها.

وأيضاً: فإن منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق للحاجة، وسائر المنافع تستحق [استحقاق] ملك تام؛ ألاترى أن من ملك [منفعة بالاستئجار] ملك نقلها إلى غيره بخلاف الزوج.

ص: 450

ولو وطئت الجارية المغصوبة في يد الغاصب فهل يضمن الغاصب المهر؟ الذي صرح به الماوردي والمتولي وغيرهما عند الكلام فيما إذا وطئ المشتري من الغاصب الجارية المغصوبة – وجوب الضمان.

وروى صاحب التقريب وجهاً: أنه لا يطالب؛ لأن منفعة البضع لم تدخل تحت يده؛ بدليل عدم ضمانها دون إتلافها وأشار الإمام إلى جريان الوجهين، سواء قلنا: يرجع المشتري على الغاصب بالمهر أم لا.

وقال: [إذا قلنا بعدم الرجوع فظاهر القياس ألا يطالب وغيره محتمل] وإذا قلنا: بالرجوع؛ فالظاهر الطالبة لاستقرار الضمان عليه، ومثل هذا الخلاف جارٍ فيما إذا وطئت بالشبهة.

فرع: لو اختلفا في الإكراه فمن القول قوله؟ فيه قولان في الحاوي وقال: ويشبه أن يكونا مبنيين على اختلاف قوليه فيما إذا اتلف رب الدابة وراكبها، ورب الأرض وزارعها.

فرع: إذا تكرر منه الوطء [فهل] يجب مهر واحد، أو مهران؟ فيه كلام ستقف عليه في أواخر الصداق.

قال: - فإن زاد في يده، بأن سَمِنَ أو تعلم صَنعَة، أو ولدت الجارية ولداً أي حيًّا، إما منه أو من غيره، بنكاح أو زنا، كما صرح به القاضي الحسين، قال: ضمن ذلك كله أي عند زواله كما يضمن العين؛ لأنها زيادة حصلت في ملك المغصوب منه، والغاصب مأمور بردها فضمنها؛ كالعين فإذا كانت قيمته قبل السمن وتعلم الصنعة مائة وبعدها ألفاً ثم هزل ونسي الصنعة [فعاد إلى مائة، ردها] وتسعمائة، وهكذا الحكم يما لو غصب [سميناً، أو عارفاً] بصنعة قيمته ألف فرده بعد زوال السمن ونسيان الصنعة وقيمته مائة، ولو لم تنقص قيمته بالهزال، بأن كان سميناً مفرطاً فلا يضمنه بخلاف ما لو خصي العبد وزادت قيمته.

ص: 451

قال القاضي أبو الطيب، والمتولي: لأن الشرع قدر بدله فضمنه، والسمن لم يقدر بدله فكان الرجع فيه إلى ما ينقص [ولا نقص].

أما لووضعت الولد ميتاً فوجهان:

أحدهما: - وهو ظاهر النص [أنه يضمنه، ويحكي عن الأنماطي وأبي الطيب بن سلمة، [واختاره القفال].

والثاني: - لا، وهو الذي صححه الماوردي، وجعله الإمام المذهب، وبه قال ابن أبي هريرة، وأبو إسحاق وحملا النص على ما إذا ألقته حيًّان ثم مات، ويجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتاً. وعلى ظاهر النص] نوجب قيمة الولد حالة الانفصال لو كان حيًّا، وخرَّج الإمام وجهاً في ولد الجارية أنه يضمنه بعشر قيمة الأم، ولا يخفى أن محل ما ذكرناه في الجارية إذا كان الواطئ عالماً بالتحرم، أما إذا كان جاهلاً بتحريم الوطء فلا شيء عليه بسبب الولد؛ لأنه ينعقد حرًّا، والحر لا تثبت عليه اليد، وإنما يضمن بالحيلولة دون الوضع، ولا حيلولة بخلاف ما لو كان عالماً؛ فإنه ينعقد مملوكاً؛ كذا فرق به المحاملي.

وفي التتمة حكاية وجه: أنه يضمن في صورة الحمل، وقد ذكرت في آخر باب ما يجوز بيعه شئاً يتعلق بهذا الموضع، فليطلب منه.

فرع: لو غصب جارية مهزولة هزالاً حسناً فسمنت في يده ونقصت قيمتها ردها.

قال الطبري:- ولا يجب عليه شيء؛ لأنه لم يحصل بها نقص في الخلقة، ولا من جهة العرف والعادة.

وقال: لو غصب جارية ناهدة الثديين فسقط ثدياها ونقصت قيمتها بذلك، أو غلاماً أمرد فالتحي في يده، ونقصت قيمته بذلك، كان عليه الأرش، ويلتحق بذلك بياض اللحية؛ كما ذكره ابن الصباغ.

ص: 452

فرع: لوغصب بقرة فتبعها الفحل، أو غصب الهادي فتبعه القطيع؛ ضمِن الكل على أحد الوجهين في تعليق القاضي الحسين.

قال: -وإن سمن ثم هزل ثم سَمِن [ثم هزل] ضمن أرش السمنين؛ لأن الثاني غير الأول، فهو كزيادة جنس آخر.

وطريق التقويم على هذا: أن يقوم سميناً، فإذا قيل: مائة – قوِّم مهزولاً [[بالهزال الأول]، فإذا قيل: خمسون [وجب خمسون]، ثم يقوم بالسمن الثاني، فإذا قيل: مائة وخمسون قوِّم مهزولاً] فإذا قيل: خمسون – وجبت مائة، فيكمل للمغصوب منه مائة وخمسون.

قال: - وقيل: يضمن أكثرهُما قيمة لأن النقصان الأول ذهب في يده ثم زال من الوجه الذي ذهب فوجب ألا يضمنه، كما لو أبق العبد ثم عاد وجنى على عين فابيضت ثم زال البياض، وهذا قول ابن أبي هريرة، فعلى هذا يضمنفي مثالنا القيمة الثانية، ولو انعكس المثال كان الواجب عليه مائة أيضاً، لكن خمسون عن الأول؛ فإنه لم يتخير ما يقابله، وخمسون عن الثانين والصحيح هوا لأول وهو قول أبي سعيد الإصطخري؛ لأن السمن الثاني غير الأول وقد حصل في ملك المالك فلا يسقط ما وجب [عليه] بالأول، وهو أيضاً قد زال فوجب ضمانه، وبه قطع صاحب التلخيص، وبنى القاضي أبو الطيب الخلاف على القولين فيما إذا قلع سن كبير فعاد، وضعف المتولي هذا البناء بأن عضوْد سن الكبير نادر، وعود السمن غير نادر، وهو يعود سن الصغير أشبه، والوجهان يجريان فيما إذا نسي المغصوب الصنعة، ثم تذكرها، أو تعلمها، واختيار الشيخ أبي حامد عدم الانجبار، ورأي ابن سريج مقابله.

ومنهم من قطع به، وقد اختاره القاضي أبو الطيب في شرح الولدات، وكذلك ابن الصباغ وصاحب المرشد.

والفرق: أن السمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان، وتذكُّر

ص: 453

الصنعة لا يعد في العرف شيئاً متجدداً، ويجريان أيضاً يما لو كسر الحلي أو الأواني [المغصوبين]، ثم أعاد تلك الصنعة المباحة.

فروع:

لو زادت قيمة الجارية بتعليم الغناء ثم نسيته، نقل الروياني عن النص أنه لا يضمن النقصان؛ لأنه محرم.

وعن بعض الأصحاب: أنه يضمن؛ ولهذا لو قتل عبداً مغنيًّا [فإنه] يغرم تمام قيمته، ثم قال: وهو الاختيارز

وحكى في موضع آخر من البابِ [الأولَ] عن العراقيين، والثاني عن بعض الخراسانيين وقال: إن الأول أظهر.

قلت: وهو الأظهر ودعوى القائل الثاني ان العبد المغني إذا قُتِل يضمن قيمته مغنيًّا – ممنوع، بل قد جزم الإمام في كتاب النكاح متصلاً بباب الأمة تغر من نفسها أنه لو أتلف جارية مغنية لم يضمن إلا قيمة مثلها لو كانت لا تحسن الغناء، والله أعلم.

لو مرض العبد المغصوب ثم برئ وزال [أثر] المرض [وردَّه] فلا شيء عليه بسبب ذلك؛ كما قاله ابن أبي هريرة.

وحكى الماوردي عن الإصخري: أنه يضمن النقص الحاصل بالمرض ولا يسقط عنه بالبرء.

وقال: إنه الأشبه بأصول الشافعي، وما ذكرناه يجري فيما لو رده مريضاً ثم برئ.

لو غصب شجرة فسقط ورقها، ثم أورقت، أو شاة فجزَّ صوفها، ثم نبت، يغرم الأول [قطعاً] ولا ينجبر بالثاني، بخلاف ما لو سقط سن الجارية

ص: 454

المغصوبة ثم نبت، أو تمعَّط شعرها ثم نبت حيث يحصل به الجبر.

قال في التهذيب: لأن الورق والصوف متقوّمان فغرمهما، وسن الجارية وشعرها غير متقومين، وإنما يغرم أرش النقص الحاصل بفقدهما وقد زال.

تنبيه: هزل بضم الهاء وكسر الزّاي؛ يقال: هزلت تهزل مثل علفت تعلف.

هزالاً بضم الهاء [وهي مهزولة] وهزلتها هزلاً؛ كضربتها ضرباً.

قال: وإن خلط المغصوب بما لا يتميز؛ كالحنطة إذا خلطها بالحنطة والزيت بالزيت، فإن كان مثله أي في القيمة لزمه مثل مَكِيلَته منه، لأنه قادر على بعض عين ماله عاجز عن البعض، فهو كمن غصب [منه] صاعان فتلف أحدهما، وهذا ما ذهب إليه [ابن سريج]، وأبو إسحاق، وابن أبي هريرة، اولمنصوص أن للغاصب أن يدفع إليه من غيره، وهو الصحيح في تعليق القاضي أبي الطيب كما ذكرناه في [باب الفلس]، وادعى الإمام أن بعضهم جزم به، وهو ما اختاره في المرشد.

ووجهه: أنه لا يقدر على رد العين؛ فجاز أن يدع إليه مثلها كما لو هلكت، والصحيح في ابن يونس وغيره الأول؛ لأن جعل مال الغاصب كالهالك أولى من جعل مال المغصوب منه كذلك لتعديه، وقد امتنع ذلك فليمتنع الآخر من طريق الأولى.

قال: وإن خلطه بأجود منه فهو بالخاير بين أن يدفع إليه مكيلته منه؛ أي ويجبر المغصوب منه على الأخذ؛ لأن بعضها عين [حقه، وبعضها خير مما فات عليه].

قال: وبين أن يدفع إليه مثل ماله [لأن الخلط] جعله كالتالف دليله أنه لو انثالت صبرة طعام مبيعة علىخرى قبل القبض – حكم بانفساخ العقد كما لو تلفت.

ص: 455

وإذا كان كالتالف وجب رد بدله، وهذا ظاهر النص، فعلى هذا يملك الغاصب المغصوب، وهو مخالف لأصول الشافعي.

قال: وقيل: يجبر على الدفع إليه منه؛ لأنه اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط لزيادة متصلة حصلت في يد الغاصب، وهي لا تمنع الرد فكذلك هاهنا، وهذا ما ادعى افمام أن في كلام العراقيين رمزاً إليه، وأنه متجه، وفي المسألة قول آخر: ان المختلط يصير مشتركاً بينهما [بالنسبة، فإذا كانت قيمة المغصوب درهماً، وقيمة ما خلط [به] درهمين – كان المخلوط بينهما] أثلاثاً، وهو مخرَّج من قول نص [عليه] الشافعي في التفليس، في نظير المسألة مع قول آخر [موافق] ما نص عليه هاهنا إلحاقاً للخلط بالصبغ، وبما لو اختلاط من غير فعل، وجعل الإمام والمتولي هذا القول أظهر، والأول هو الأظهر عند الأكثرين.

ومنهم من قطع به، وفرق بأنه إذا لم تثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقه، بل يحتاج إلى المضاربة، وهاهنا يحصل للمالك تمام البدل، ثم على القول المخرج يباع المختلط، ويقسم الثمن على نسبة الملكين؛ فإن جاء ما يخص المالك من الثمن [قدر] حقه لم يبق [له] طلب، وإن كان أقل من حقه كان له بقيته ودخل النقص على الغاصب.

قال مجلي، والشيخ في المهذب: لأنه نقص بفعله.

وقال الماوردي الأمر كذلك إلا أن يكون النقص لرخص السعر فلا يضمنه، ولو أراد قسمة المخلوط على نسبة التقويم، فالظاهر أنه لا يجوز [وهو قول أبي إسحاق] لأنه يكون أخذاً لثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع، وهو ربا.

ص: 456

وعن رواية البويطي: أنه يجوز، وبنى ذلك على أن القسمة إفرا حق لا بيع.

وقد حكيت مثل هذا الخلاف في مسألة المفلس، وضع المتولي هاهنا هذا البناء؛ لأن [القسمة إنما تكون إفراز حق إذا كان أحدهما لا يرد على الآخر من ماله شيئاً في مقابل زيادة] يستوفيها، وهنا المالك يزيل ملكه عن ثلث صاع فيما يحصل [له] من الجودة في ثلثي صاع.

قال: وإن خلطه بأردَأ منه فالمغصوب منه بالخيار بي أن يأخذ حقه منه وبين أن يأخذ مثل ماله؛ لأن بكل منهما يندفع الضرر عنه، فعلى هذا إذا اختار أخذ حقه منه هل يرجع بأرش النقص الذي دل عليه كلامه في المهذب؟ لا، فإنه قال: إذا امتنع الغاصب من الدفع أجبر عليه؛ لأنه رضي بأخذ حقه ناقصاً،

ص: 457

وكذلك كلام الماوردي فإنه قال: يكون مسامحاً بالجودة، والذي صرح به في الذخائر والتتمة وغيرهما: نعم.

وقيل: لا يجبر الغاصب علىلدفع إليه منه؛ لما ذكرناه من أنه صار كالمستهلك، وهذا ما حكاه البندنيجي.

وقال الإمام: إنه ظاهر النص، وحكى [عن] بعضهم القطع به.

وقيل: يصير المخلوط شركة بينهما، فإذا كانت قيمة المغصوب درهمين، وقيمة المخلوط [به] درهماً – كان بينهما أثلاثاً يباع ويسلم للمغصوب منه الثلثان فإن [نقص ما أخذه عن قيمة ماله اخذه من مال الغاصب، فلو أراد سمته بالنسبة][فمنهم من] خرجه على الخلاف [الابق] فيما إذا خلط بالأجود، ومنهم من قطع بالمنع؛ لانه يمكن الرجوع إلى صاع منه مع الأرش، فلا حاجة إلى احتمال [القسمة المشتملة على التفاضل].

واعلم أن ابن يونس قال، بعد حكاية القول المخرج في مسألة الخلط بالأجود [أنه] جار فيما [لو] خلطه بمثله أو أردأ منه.

وقيل: يختص القول بالأجود، وما ذكره من جريانه في الأردأ ظاهر.

وأما جريانه فيما إذا كان الخلط بالمثل فهو عين ما حكاه الشيخ، فإن القائلين به كما حكاه الإمام وغيره قالوا: حق المالك مختص بهذا المخلوط، ولا يتعداهن وسبيل الوصول إليه أن يسلم إليه مثل مكيلته من هذا المخلوط، وهو موافق لما حكيناه في باب التفليس في نظير المسألة إذا أثبتنا للبائع الرجوع، وكلام ابن يونس يوهم أنه غير ما حكيناه للشيخ، وقد حكيناه.

ص: 458

ثم على هذا القول أن البائع لو طلب بيع المخلوط وقسمته، هل يجبر عليه المفلس؟ فيه وجهان.

ويظهر جريانهما هاهنا.

قال: وإن خلط الزيت بالشَّيْرج – أي بفتح الراء –وتراضيا على الدَّفع منه- جاز؛ لأن الحق لهما ولا يعدوهما.

قال: فإن امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع؛ لأنه لا يُلزم الغاصب ببدل ما لا يجب عليه، ولا المغصوب منه بقبول ما لم يجب له، فعلى هذا يكون كالمستهلك.

قال البندنيجي وجهاً واحداً: فيغرم للغاصب مثل الذي غصبه منه.

وقيل يجريان القول الخرج [هاهنا] أيضاً وهو ما اختاره المتولي، وقال: إن تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن – جاز، [وإن أرادا قسمته جاز] وكان المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من المغصوب بما يصير في يده من مال الغاصبن وغير المتولي اقتصر على حاكية بيع المخلوط وقسمة ثمنه على قدر القيمتين.

وحكى الماوردي فيما إذا طلبا القسمة على نسبة القيمتين وجهينن ينبنيان على أن القسمة بيع، أو إفراز، فعلى الأول لا يجوز، وفيه نظر.

فروع:

خلط الخل بالخل، اللبن باللبن، كخلط الزيت بالزيت، وخلط الدقيق بالدقيق، كخلط الحنطة بالحنطة إن قلنا:[إن] الدقيق مثلي كما صار إليه ابن سريج، وإن قلنا: إنه متقوم كما صار إليه أبو إسحاق، وابن أبي هريرة، فإن قلنا: إن المخلوط كالهالك، فالواجب القيمة، وإن قلنا بالشركة، فيباعان ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين، فإن أراد قسمة عَين الدقيق على نسبة القيمتين، فهو على ما ذكرناه في قسمة الزيت إن جعلناها إفرازاً جاز، وإن جعلناها بيعاً لم يجز؛

ص: 459

لأن بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز، بخلاف بيع الزيت بالزيت، الحنطة بالحنطة.

ولت السَّويق بالشيرج، حكى البندنيجي والإمام عن الأصحاب إلحاقه بخلط الزيت بالشيرج، واستبعده، قال: إنما هو كصبغ الثوب، ولو كان المغصوب دراهم فخلطها بمثلها ولم تتميز جزم ابن الصباغ بالشركة.

وحكى صاحب البحر فيما إذا خلطها بدراهم لغيره وجهين:

أحدهما: تقسم بينهما.

والثاني: - هما باخليار بين القسمة والمطالبة بالمثل، كما لو كانا مختلفين.

قال: وإن أحدث فيه عيناً بأن كان ثوباً فصبغه، فإن لم تزد يمتهما ولم تنص؛ أي: مثل إن كانت قيمة الثوب عشرة، وقيمة اصبغ خمسة فبلغت قيمته مصبوغاً خمسة عشر.

قال: صار الغاصب شريكاً له بقدر الصبغ، أي: هذا بثوبه، وهذا بصبغه كما نبه عليه البندنيجي والروياني فيباع ذلك، ويقسم الثمن عليهما بالنسبة لتعين ذلك طريقاً لدفع الضرر عنهما، فإن الصبغ عين انضمت إلى عين الثوب؛ فلا يمكن تقويتها عليه، كما لو غصب طعاماً فخلطه بطعام آخر، فلو امتنع الغاصب من البيع عند طلب المالك. جزم القاضي الحسين والإمام بعدم إجبار واحد منهما على البيع عند [عدم] إمكان فصل الصبغ؛ لكونه منعقداً.

وفي المهذب وغيره، أنه يجبر عليه، وكذا لو امتنع المالك عند طلب الغاصب على أحد الوجهين، وهو المختار في المرشد، ومقابله هو الأظهر في الرافعي، وخص الماوردي وجه الإجبار، بما إذا لم يبذل المالك قيمة الصبغ، أما إذا بذلها فلا يجبر [وجهاً] واحداً.

وحكى القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ وجهاً، أن مالك الثوب إذا بذل قيمة الصبغ؛ ليتملكه أجبر الغاصب على قبولها، كما قلنا في المستعير مع المعير، وهذا ما حكاه البندنيجي عن القديم.

ص: 460

قال الرافعي: ولا فرق في جريان هذا الوجه بين ان يكون الصبغ مما يمكن فصله أم لا.

وحكى البندنيجي قولاً آخر عن القديم، أن [مالك الثوب] إذا أراد أخذه مصبوغاً من غير أن يضمن للغاصب قيمة الصبغ؛ كان له، كما لو كان الثوب خاماً فقصره.

قال ابن الصباغ: وهذا مرجوع عنه.

وحكى الإمام عن رواية صاحب التقريب هذا القول في [حال] إمكان فصل الصبغ، وعدم إمكانه، لكنه قيد حالة إمكان الفصل بأن يكون المفصول لا قيم ةله، ثم قال: وهذا الذي ذكره في الصبغ الذي [يمكن] إزالته في نهاية البعد، إنه إن تخيل متخيل مشابهة الصبغ المعقود [فهو][مما] مكن فصله بعيد.

قال: فإن أراد الغاصب قلع الصبغ، لم يمنع؛ لأنه عين ماله فمكن من أخذه، كما لو غرس في أرض مغصوبة، ثم [رام] قلع غراسه.

وقيل: إن نقص القلع قيمة الثوب لم يمكَّن منه، وإن كان يضمن النقص؛ لأن فيه تسيط عرف ظالم على تنقيص ملك الغير.

قال: وإن أراد صاحب الثوب قلع الصبغ، وامتنع الغاصب؛ أجبر عليه، كما يجبر على قلع النخل إذا غرسها متعدياً في الأرض المغصوبة؛ وهذا قول أبي إسحاق، وابن خيران وصححه البغوي، والماوردي قال: وقيل: لا يجبر، وهو الأصح؛ لأن الصبغ يهلك بالاستخراج ولا حاجة به إلى ذلك؛ لأنه يمكنه أن يستوي حقه بالبيع، فلا يجوز أن [يستوفي بتلف] مال الغير، ويخالف الغراس؛ لأنه لا يتلف بالقلع، وأيضاً فالأرض تعود إلى حالها، والثوب لا يعود، وضرر الغراس لم يستقر؛ لأنه يزيد، وضرر الصبغ مستقر، [وهذا]

ص: 461

[هو] قول أبي العباس، وعامة الأصحاب، كما حكاه القاضي الحسينن ومحل الخلاف عند الماوردي، إذا كان الصبغ قد أحدث زيادة تفوت [باستخراجه الصبغ منه].

[أما إذا لم يكن الصبغ قد أحدث زيادة تفوت بالاستخراج؛ أجبر على استخراجه ونقص الثوب بعده].

وحكى مجلي عن العراقيين، أن محله إذا نقصت قيمة الصبغ بالقلع، أما إذا لم تنقص أجبر قولاً واحداً، كما جزم به [المراوزة في الحالتين].

وحكى عن ابن سريج – أيضاً – أن فصل الصبغ إن كان بصنعة، أو لا [تفي قيمته] بما يحدث في الثوب من [نقصان بسبب الفصل] فلا يجبر عليه.

فرع: إذا نقصت قيمة الثوب في حال الصبغ بالقلع، كان ذلك على الغاصب، ولو كان الثوب قيمته عشرة، واصبغ قيمته خمسة، فصارت قيمتهما بعد الصبغ ثلاثين، فأجبر الغاصب على قلع الصبغ، فعادت قيمة الثوب إلى عشرة، لا يضمن الغاصب لصاحب الثوب العشرة التي كانت يستحقها، بخلاف ما لو فصله الغاصب مختاراً، فإنه يضمنها، قاله الماوردي، ومجلِّي.

قال: فإن وهب الصبغ من صاحب الثوب، فقد قيل: يجبر على قبوله؛ لأنه غير متميز عن الثوب، فأجبر على قبوله كما يجبر الزوج على قبول سِمَن الجارية المصدقة إذا طلق قبل الدخول عند مسامحة الزوجة به، وبالقياس على إجبار البائع على قبول النعل إذا وجد المشتري بالدابة عيباً، وكان قلعه ينقصها إذا بدله المشتري.

قال الرافعي: ولو ألحق هذا الوجه بما إذا صبغ المشتري الثوب بما زاد في قيمته، ثم اطلع علىعيبه فرده مسامحاً بالصبغ؛ لكان أقرب لما مرَّ من أن الصبغ يصير ملكاً للبائع وأما في مسألة النعل [فإنه يجبر على قبول الدابة، وفي دخول

ص: 462

النعل] في ملكه اختلاف مذكور في موضعه.

قلت: بل الأقرب ما ذكرناه؛ لأن مسألة الصبغ التي ذكرها في الرد بالعيب مصورة بما إذا كان الصبغ لا يمكن فصله، والكلام هاهنا في صبغ يمكن فصله أو لا يمكن كما سنذكره، فكان القياسعلى مسألة النعل أولى؛ لأنه عند إمكان الفصل مشابه له، وعند عدم الإمكان، يثبت هذا الحكم من طريق الأولى، بخلاف ما لو ألحق بالصبغ فإن حالة إمكان انفصال الصبغ هاهنا لا يبقى على الإجبار فيها دليل، وهذا الوجه حكى البندنيجي أنه ظاهر قوله في الأم، حيث قال: لو غصب ساجة وشقَّقها وأصلحها أبواباً، وسمر فيها مسامير من عنده، ثم رد الأبواب على مالكها، ووهب له [ما] فيها من المسامير؛ لزمه قبوله.

قال: وقيل: لا يجبر، وهو الأصح؛ لأنه عين قابلة الانفصال، فأشبه ما لو كانت منفرد، [و] كما قلنا في النعل إذا تركها له، فإنه لا يجبر على قبولها، كذا علل به القاضي أبو الطيبن ويخالف مسألة النعل؛ لأن الغاصب متعد، والمشتري غير متعد، ومما قاله القاضي يظهر أن محل الخلاف فيما إذا كان يمكن انفصاله، كما صرح به الماوردي و [كذلك طرده الروياني] في البحر في هبة المسامير، في الباب الذي اتخذه من اللوح المغصوب، وفي هبة الغراس في الأرض المغصوبة ووافقه في حكاية الخلاف في هبة الأشجار القاضي الحسين، وفي النهاية أن العراقيين قالوا: لا فرق في جريان الوجهين بين أن يكون الصبغ منعقداً لا يمكن فصله أو يمكن فصله، ولا بين أن تنقص قيمة الصبغ، أو الثوب بالفصل [أم لا]، وإن [كان] معتمد جريانهما الاتصال، وقيام الصبغ مقام الصنعة، وضعف قولهم.

وحكى طريقين آخرين عن الأصحاب في محل الوجهين يخصهما:

ص: 463

أحدهما: إن كان الفصل سهلاً، وللمنفصل قيمة معتبرة، أو الصبغ منعقداً، فلا إجبار، وإن كان للفصل تعسر؛ بحيث لا تفي فائدة الفصل باحتماله، أو كان ينقص قيمة المفصول أو الثوب، فهو محل الوجهين.

والثاني: إن كان يحصل منه نقص في الثوب، لا يجبره قيمة المفصول فهو محلهما، وفيما عداه لا يجبر.

فرع: إذا قلنا بالإجبار، فلا حاجة إلى تلفظ بالقبول، ولابد من جهة الغاصب من لفظ يشعر بقطع الحق؛ كقوله: أعرضت عنه، أو تركته، أو أبرأته عن حقي، أو أسقتطه، كماحكاه الإمام ثم قال: ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك.

قال: وإن زادت قيمة الثوب والصبغ، أي بسبب ارتاع سوقهما، أو بسبب العمل، كما صرح به البندنيجي، والقاضي أبو الطيب، وغيرهما.

قال: [كانت الزيادة بينهما]، أما في الحالة الولى؛ فلأنها زيادة في مال مشترك بينهما، وأما في [الحالة] الثانية؛ فلأنها بفعل الغاصب في ماله، ومال المغصوب منه [حصلت، وكانت زيادة ماله له، وزيادة مال المغصوب منه] له؛ لتعدي الغاصب بالعمل فيه، والزيادة مقسومة على نسبة قيمة الثوب، والصبغ في الحالة الثانية، فيصرف لصاحب الثوب في مثالنا ثلثاها، وللغاصب ثلثها، وكذا في الحالة الأولى، إن كان ارتفاع السوق فيهما على نسبة قيمتهما بأن بلغت قيمة الثوب خمسة عشر وقيمة الصبغ سبعة ونصفاً، اما إذا بلغت قيمة الصبغ في مثالنا عشرة؛ كانت الزيادة بينهما نصين، [ولو كانت الزيادة بسبب [ارتفاع سعر الياب] خاصة كانت الزيادة للمغصوب منه] وإن كانت بسبب زيادة سعر الصبغ خاصة [كانت][للغاصب] كذا صرح به القاضي أبو الطيب،

ص: 464

والبندنيجي، وابن الصباغ، وقال: إن أحدهما لو زاد في هاتين الصورتين بيع ملكه على الخصوص.

قال بعض الأصحاب: ينبني على بيع قطعه من أرض لا ممر لها؛ إذ لا يمكن الانتفاع بأحدهما إلا بالآخر، وهذا عين ما حكاه الإمام، لكنه لم يفرضه في محل الزيادة، بل حكاه في أصل المسألة،

قال الرافعي: والأظهر منهما المنع.

[قال: فإن أراد صاحب الصبغ قلعه لم يجز حتى يضمن لصاحب الثوب ما ينقص من الزيادة؛ لأنه يفوت على صاحب الثوب الزيادة الحاصلة بخلاف ما ذكرناه من قبل؛ حيث لا يمنع إذا لم يكن فيه زيادة فيحصل الفرق بينهما].

قال: وإن نقصت قيمة الثوب أي [بصبغه] مثل أن صارت اثني عشر حسب النقصان على صاحب الصبغ؛ لان جرم الثوب [باق حقيقة] وجرم الصبغ يحتمل أن يكون قد نقص بتبدده، وتفرق أجزائه، ويحتمل أن يكون لأجل اتصال أحدهما بالآخر، وهو من فعل الغاصب فحسب النقص عليه، ولو عادت قيمة الثوب، والحالة هذه إلى عشرة، فلا شيء للغاصب، وليس له الإجبار على البيع، ولا هبة الصبغ؛ لأنه مستهلك، ولو أراد قلع الصبغ كان

ص: 465

له، أرش النقص.

وقال المزني: لا يقلع؛ [لأنه] لا فائدة في القلع.

قال أبو إسحاق: وهذا خطأ؛ لأنه عين ماله، ومن له عين مال، فله أخذه، انتفع به، أو لم ينتفع به؛ ولأنه ربما ينتفع [به] في ثوب آخر، ولو حصل النقص بسبب سعر الثوب؛ مثل أن عادت قيمته غير مصبوغ خمسة، وقيمته مصبوغاً عشرة، فلا يلزم الغاصب في هذه الحالة شيء، كما صرح به [القاضي] أبو الطيب، وابن الصباغ والإمام، والمتولي، وهذا كله، إذا كان الصبغ [للغاصب، أما إذا كان لصاحب الثوب؛ فإن قيمتهما بعد] الصبغ كما قبله؛ فلا شيء عليه، وإن نقصت.

قال القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ وغيرهما: فالنقص على الغاصب، إلا أن يعلم أن النقصان [لنقصان سعر الثياب أو الصبغ]؛ فإنه لا يضمن؛ لأن نقصان السعر لا يضمنه الغاصب، مع رد العين، وما قالوه ظاهر فيما إذا كان الصبغ مما يكن فصله [وكذا إذا لم يمكن صله] وكان سبب النقص نقصان سعر الثياب، أما إذا كان سببه نقصان سعر الصبغ، فينبغي أن يضمن؛ لأن الصبغ صار كالمستهلك، كما ستقف عليه فيما يحكيه في الفروع من بعد عن الماوردي.

وإذا كان كذلك، فيضمن قيمته أكثر ما كانت من [حين الغصب إلى] حين الصبغ كما حكاه الماوردي، فيما لو كان الصبغ زعفراناً، بخلاف ما إذا كان النقص بسبب سعر الثوب؛ لأن الثوب غير مستهلك، ولو زادت قيمتهما فالكل له، وهل للمالك أن يطالبه باستخراج الصبغ؟

قال الرافعي، والإمام: نعم.

وقال الماوردي: ينظر إن كان له في ذلك غرض؛ مثل أن يحتاج إلى الصبغ، أو إلى الثوب أبيض، أو يكون بعد استخراجه أكثر قيمة، أو في

ص: 466

الاستخراج مؤنة يذهب بها شطر قيمته، فله المطالبة، وإن لم يكن له [فيه] غرض؛ نظر، فإن لم يستضر الغاصب بنقص [يضمنه في الثوب أخذ باستخراجه، وإن كان يستضر بنقص] يحدث فيه فهل يؤخذ باستخراجه، أم لا فيه وجهان كالشجر في الأرض:

أحدهما: نعم، فعلى هذا يضمن ما نقص من القيمة، ولا يضمن زيادة إن كانت قد حدثت بالصبغ، ولو طالبه بغرم النقص من غير استخراج أجيب إليه، ولو كان الصبغ لثالث، فإن كانت قيمتهما بحالهما فهما شريكان، ولا شيء على الغاصب، ويكون الحكم كما لو كان الصبغ للغاصب.

قال في المرشد: إلا أنه إذا أراد صاحب الصبغ قلعه، فقلعه، ونقصت قيمة الثوب، كان النقصان على الغاصب.

وقال الماوردي: إذا كان قيمة [الصبغ، والثوب عند الصبغ وبعده متساوية، وبذل رب الثوب لرب الصبغ قيمته] أجبر على قبولها؛ لأنه لا يقدر علىعين ماله؛ [لأه صار] مستهلكاص في الثوب، وإن رب الصبغ لو بذل قيمة الثوب قيل له: أنت مخيربين أخذها، وبين بذلقيمة الصبغ، ولو زادت قيمتهما كانت الزيادة بينهما، وإن نقصت القيمة، فإن كان لنقصان سعر الثياب؛ كان من صاحب الثوب وإن كان [لنقصان قيمة الصبغ كان النقصان محسوباً على صاحبه، ويرجع به على الغاصب وكذا لو] كان النقصان للعمل، صرح به في المرشد، وفيما قاله نظرٌ من وجهين:

أحدهما: -[أنه حكي] أن النقص بسبب نقص [سعر الصبغ] من ضمان الغاصب، وهو مخالف لما حكاه فيما إذا كان الصبغ لصاحب الثوب، ونقصت قيمته؛ بسبب نقصان قيمة الصبغ، أنه لا يضمن، ولا يظهر بينهما فرق.

ص: 467

الثاني: أن قوله: وكذا، لو كان النقصان للعمل؛ فإن النقصان بسبب العمل تارة يستوعب قيمة الصبغ، وتارة لا يستوعبها، وهو فيما إذا لم يستوعبها، [كما] إذا صارت قيمة الثوب بعد الصبغ اثني عشر – ظاهر؛ لأن أجزاء الصبغ قد تفرقت فأضيف النقص إلى ذلك، على أن الماوردي، والبغوي حكيا فيما إذا كانت قيمة الثوب عشرة، وقيمة الصبغ عشرة، وصارت قيمتهما بعد الصبغ خمسة عشر، [أن كلاًّ] منهما يرجع على الغاصب بدرهمين ونصف هي نقص ما غصب له، أما إذا استوعب النقص قيمة الصبغ بأن كان الثوب مصبوغاً يساوي عشرة؛ فلا [يظهر] لكون جرم الصبغ باقياً، فكيف يسقط حق مالكه من التعلق به، ويخالف [ما] إذا كان الصبغ للغاصب فإنه في هذه الحالة يجعل جابراً لما نقص من مالية الثوب على أن هذا يوجد جوابه من كلام الإمام، فإنه جزم بأن الريح لو طيرت ثوباً إلى إجانة صباغ، فانصبغ بصبغ قيمته خمسة، ولم تزد قيمة اثلوب بسببه شيئاً، وكان الصبغ معقوداً لا يمكن فصله، أن حق مالك الصبغ قد حبط، ومن تعجب من ذلك، فلينظر إلى مسألة المفلس وهي ما إذا اشترى ثوباً بعشرة، وصبغه بصبغ قيمته عشرة، فإذاً قيمته مصبوغاً عشرة، وقد قال [بعض] الأصحاب: إن صابغ الثوب يرجع فيه، ويستبد به، وإن كان [فيه] عين الصبغ، وحيث تكلمنا في مسألة طيران الثوب إلى الإجانة [فلنكملها.

قال الرافعي: [ليس] لأحدهما عند بقاء قيمة الثوب] والصبغ أن يكلف الآخر الفصل ولا التغريم [إن حصل نقص [في أحدهما]] إذ لا

ص: 468

تعدي، ولو أراد صابح الثوب تملك الصبغ بالقيمة؛ فعلى ما تقدم.

فروع:

لو غصب [منه] سمناً، وعسلاً، ودقيقاً فعصده، قال البندنيجي: إن لم تزد قيمة ذلك، ولم تنص، أو زادت فالكل للمالك، وإن كان قد نقص واستقر، أخذه وما نقص بالخلط وإن كان غير مستقر، فالحك ما في الحنطة إذا بلها.

لو كان الصبغ بإذن المالك، وقد حصل به نقص فلا ضمان على الغاصب، فلو أذن له ثم قال: رجعت في الإذن قبل الصبغ وقال الغاصب: بل كنت باقياً على الإذن إلى حين الصبغ، فمن يقبل قوله منهما؟

فيه وجهان في الحاوي، ولو اختلفا في أن [المصبوغ به] للغاصب أو للمغصوب منه.

قال الماوردي: [نظر] إن كان مما يمكن فصله، فالقول قول الغاصب [مع يمينه]، وإن كان مما لا يمكن فصله، فالقول قول المغصوب منه [مع يمينه]؛ لأنه [قد] صار مستهلكاً في الثوب، فجرى مجرى أجزائه.

وإذا زوق الدار المغصوبة بما لو نزع لحصل منه شيء؛ فالحكم في جواز النزع، والإجبار عليه وعلى قبول هبته كما ذكرناه في الصبغ الممكن فصله.

وإن كان التزويق محض تمويه [و] لا يحصل منه عين لو نزع، فليس للغاصب المنع إن رضي المالك، وهل له إجباره عليه؟ فيه وجهان:

أصحهما في التهذيب: لا، [وهو الصحيح، والآخر: نعم؛ لأنه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته].

ص: 469

قال: وإن عمل فيه عملاً زادت [به] قيمته، بأن قَصَّر الثوب، أو علم من الخشب أبواباً، فهو متبرع بعمله: لأنه لم يأذن له فيه، ولا حق له فيما زاد، لكنه حصل بما هو متبرع به، وهكذا الحكم فيما لو غصب غزلاً، فنسجه، أو نُقرة فضربها، أو طيناً فضربه لبناً، وهل للمالك إجباره على إعادة النقرة كام كانت بسبكها، واللبن طيناً بدقه؟

قال الإمام: الذي قطع به الأئمة، [أن له][أن يكلفه] ذلك، والنظر إلى تتبع الأغراض، فإنها على الجملة ممكنة، وهذا مقطوع به في الطرق.

قال: وفيه تنبيه على أصل، وهو أن من غصب شيئاً على صفة، وغير صفته فهو على حكم هذه القاعدة ماطلب بر صفته إذا أمكن.

قلت: وهو موافق لما حكيته عنه فيما إذا [كان الصبغ لمالك الثوب] أن له إجباره على فصله مطلقاً، وقد يجري – هاهنا – ما حكيته عن الماوردي من التفصيل، والخلاف في مسألة الصبغ، ويؤيد القول بعدم الإجبار على النزع ما ذكرته عن صاحب التهذيب في آخر الفروع المذكورة من قبل.

قال: وإن غصب دراهم، فاشترى [بها] سِلعة في ذمته، ونَقَد الدَّراهم في ثمنها، وربح – رد مثل الدراهم؛ لأنها من ذوات الأمثال، وقد تعذر ردها، فغرم مثلها.

قال: وفيه قول آخر، أنه يلزمه ردها مع الربح؛ لأنه مما ملكه [و] في ذلك حسم باب ارتفاق الغاصب بالمغصوب؛ فإنه ربما يتخذ ذلك ذريعة إلى تحصيل الرباح، وهذا ما علل به الشافعي هذا القول في القديم كما حكاه القاضي أبو الطيب، في كتاب القراض، وحكى أن شيوخنا الخراسانيين مثل القفال، وغيره، بنوه على أن البيع الموقوف يصح عنده، فإن له في البيع الموقوف

ص: 470

قولين، وإن أبا العباس وأبا إسحاق أنكرا أن يكون له قول بوقف العقود، وأنهما أبَّدا الول بأنه لم يفصل بين أن يكون التصرف في العين، أو في الذمة، وإنما يتصور الوقف، إذا كان التصرف بعين المال.

وفي البحر في كتاب القراض: أن بعض أصحابنا قال: إن للشافعي في الجديد قولاً بوقف العقود وسنعيده في كتاب القراض.

قال: والأول أصح، فإن المشترَى مضمون على الغاصب؛ لكونه لو تلف تلف على ملكه، فلو كان الربح للمغصوب منه؛ لكان مخالفاً "لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضن"، وهذه المسألة تعرف بمسألة البضاعة.

تنبيهان:

كلام الشيخ يقتضي أن [يكون] الربح للمالك [على القديم] من غير تعلقه بإجازة العقد وهو موافق لما حكيناه من تعليل الشافعي، وقد حكاه الإمام عن معظم المحققين، لكنه علله بتعذر البيع وقال:[إن] في كلام القاضي إشارة إليه وهو بعيد، ومعظم أقوال الأصحاب مصرحة بأن المالك بالخيار في الإجازة، ومضمون هذا [أنه] لو لم يجز، انقلب التفريع إلى قياس القول الجديد،

ص: 471

ولو لم يظهر في المال ربح، [فلا مساغ] للقول القديم، وليس إلا اتباع القياس، اللهم إلا أن يكثر التصرفات ويعسر تتبعها بالنقض، فإن شيخي قال بجريانها، انتهى.

وكلام الشيخ يقتضي أن القول القديم [يجري عند] حصول الربح، وإن لم [تكن العقود] بحيث يعسر تتبعها بالنقض.

ومن طريق الأولى: إذا كثرت، وقد حكى الإمام عن بعضهم اختصاصه بما إذا كثرت وعسر التتبع، وكلام [الشيخ] يقتضي: أنه لا فرق في جريانه بين أن ينوي الغاصب عند الشراء أنه ينقد الدراهم في الثمن، أو يعِنّ له ذلك من بعد.

وقال الإمام فيما إذا عنَّ له الوفاء منه بعد الشراء: ينبغي أن يخرج من تفريع القديم إن صدقه صاحب الدراهم.

وإن لم يصدقه فالحكم كما ذكرنا.

فرع: لو اشترى الغاصببعين المال شيئاً وباع بيوعاً كثيرة، عسر تتبعها بالتقصي؛ فعلى الجديد – العقود باطلة.

وفي القديم كما حكاه البندنيجي، وغيره في الوكالة والإمام في القراض، أن رب المال بالخيار بين أن [يجيز البيع، فيكون كل الربح له، وبين أن يبطلها]، ويكون له بدل ماله، وإيراد الغزالي في أوائل البيوع يوهم أن الخلاف في هذه المسألة في الجديد، وهو ما صرح به الإمام في [آخر] كتاب الغصب.

قال: وإن غصب شيئا، وباعه، [أي وقبضه المشتري]؛ كان للمالك أن يضمن من شاء منهما؛ لثبوت يده على مال الغير من غير استحقاق.

ص: 472

قال: وإن علم المشتري بالغصب فضمنه لم يرجع على الغاصب، أي إذا غرم لأنه غاصب، تلف المال عنده، فاستقر عليه الضمان، كالغاصب من المالك، وله أن يرجع على الأول بالثمن، إن كان قد قبضه منه.

قال: فإن لم يعلم فما التزم ضمانه بالبيع، لم يرجع به [أي] على الغاصب، كقيمة العين، والأجزاء أي مثل أرش اليد إذا سقطت في يده، أو عن عيب حدث فيها عنده، وغرمه؛ لأنه دخل على ضمان ذلك [بالبدل]، فانتفى التغرير المقتضي وجوب الضمان.

وفي تعليق القاضي الحسين: أن هذا في أرش ما تلف بفعله، أما [أرش] ما تلف بآفة سماوية فقد قال الشافعي: يرجع به على البائع.

وقال المزني: هذا خلاف أصله؛ لأنه [قد] قال: لو تلفت الجملة فغرم قيمتها، لا يرجع، والأجزاء حكمها حكم العين.

وقال ابن سريج: إن قلنا: لا يرجع فالوجه ما ذكره المزني، أي فتوجيهه ما ذكره المزني، فإن قلنا: لا يرجع على ظاهر النص، فوجهه أن العاقد دخل في العقد على ان يضمن الجملة دون الأجزاء، يدل عليه أن المبيع إذا تعيب في يد المشتري، ثم اطلع البائع على عيب بالثمن، فليس له أن يسترد المبيع مع الأرش، فيرد الثمن، بل الذي له الفسخ والرجوع بالمبيع، بلا أرش، أو الرجوع بقيمته، فقد [ذكرت أنا] في باب التحالف شيئاً يتعلق بذلك، ونظائر المسألة؛ فليطلب منه.

فائدة: إذا قيل: إن كلام الشيخ يفهم أن المشتري التزم ضمان المبيع بالقيمة، فلذلك لم يرجع بها – فهو ممنوع؛ بل المشتري إنما دخل على أن يضمن المبيع بالثمن ينبغي إذا كان الثمن ألفاً، والقيمة ألفين، وغيرهما أن يرجع بالألف الزائد؛ لأنه لم يلتزمه.

ص: 473

قلت: قد حكى هذا صاحب رفع التمويه على التنبيه جزماً فقال: إنه يرجع على البائع بالقدر الزائد من القيمة عن الثمنن وحكاه [الإمام، عن] صاحب التقريب، وقال: إنه مما انفرد به من بين الأصحاب كافة، فإنهم اعتبروا مقابلة العين بالثمن، ولانظر إلى الثمن بل الواجب قيمة العين بالغة ما بلغت، [فإن علقة الضمان متعلقة بالعين]، وعلى هذا فيقال للسائل: ما ذكرته من [أن] كلام الشيخ يفهم ضمان القيمة ممنوع؛ لأن الملتزم ضمانه بالبيع، هو ما دخل على أن يملكه بعوض، كما صرح به البندنيجي وهو المبيع، هو ما دخل على أن يملكه بعوض، كما صرح به البندنيجي وهو المبيع، وأجزاؤه، وقول الشيخ: لم يرجع به لا يعود الضمير [في ذلك] إلى الملتزم ضمانه بالبيع؛ لأنه تالف بل يعود إلى المغروم عنه.

وقوله: كقيمة العين، والأجزاء تفسير للغمروم، وبذلك يندفع السؤال.

نعم: يتجه أن يقال في المسألة، إن قلنا: المشتري في البيع الفاسد يضن ضمان الغصوب، فلا يرجع بما غرمه من القيمة مهما كان، كما أطلقه الأصحاب.

وإن قلنا: إنه يضمن قيمة يوم القبض، أو يوم التلف وكان ما غرمه أكثر من [ذلك،] فيتجه أن يكون في رجوعه [به] قولان كما [قلنا] في المستعير من الغاصب، إذا تلفت العين في يده، وفرعنا على الصحيح في أنه يضمن قيمة يوم التلف، [وكان ما غرمه] أكثر منها فإن في رجوعه بالقدر الزائد قولين، [كما] حكاهما القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، وغيرهما.

والجديد منهما: عدم الرجوع.

ص: 474

والقديم: الرجوع.

وقد أغرب الماوردي، فحكى أنا إن قلنا في البيع الفاسد: لا يضمن إلا قيمة وقت القبض – أن ما يحدث من زيادة بعد القبض يختص الغاصب بتحملها، وكذا ما يحدث فيه من نقص، وعزا الأخير إلى رواية الربيع في الأم، ولعله أراد أن للمشتري الرجوع عليه بذلك، وإلا فالمودع من الغاصب يطالب بقيمة العين، وإن كان قد دخل على ألا يضمنها.

قال: وما لم يلتزم ضمانه، ولم يحصل له به منفعة، كقيمة الولد ونقصان الولادة، يرجع به على الغاصب؛ لأنه لم يرضَ به ولم يحصل له في مقابلته منفعة، فكان مغروراً بهن وما قاله الشيخ هو ما حكاه الإمام عن العراقيين، وحكى عن المراوزة القطع بأنه لا يرجع بنقصان الولادة، وفيما قاله مخالفة من وجهين:

أحدهما: أن القاضي الحسين من المراوزةن وقد قال بمثل ما حكاه الشيخ.

والثاني: أن أكابر العراقيين من القاضي أبي الطيب، والبندنيجي والماوردي، وصاحب البحر – قطعوا بعدم الرجوع بنقصان الولادة، لكن يمكن حمل ما قاله الشيخ، والقاضي على ما إذا سمنت في يد المشتري ثم زال السمن؛ بسبب الولادة كما صرح به صاحب رفع التمويه على التنبيه، وما قاله الماوردي وغيره، على ما إذا نقصت عن الحالة التي اشتراها.

وفي التتمة: أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني حكى طريقة [قاطعة] في شرح الفروع؛ أنه لا يرجع بقيمة الولد الحر؛ لأن نفع حرية الولد تعود إليه.

قال: وما حصل له به منفعة كالمهر، والأجرة، وأرش البكارة فقد قال في القديم: يرجع؛ لأنه دخل على أن ذلك لا يكون مضموناً عليه؛ كقيمة الولد، فكان غارًّا له فرجع عليه، وهذا ما قال في البحر: أن الفتوى به عندي.

قال: وقال في الجديد: لا يرجع؛ لأن الغاصب متسببن والمشتري مباشر، والضمان متعلق بالمباشر دون المتسبب؛ ولأنه [حصل] له في مقابلة منفعة؛

ص: 475

فضمن بدلها بخلاف الولد، فإنه لم يحصل له في مقابلة قيمته بدل، ولا لذة، والخلاف المذكور يجري فيما لو كان المغصوب شاة، فنتجت، أو شجرة، فأثمرت، فذبح السخلة، وأكل الثمرة، هل يرجع بما غرمه عنهما أم لا؟ وكذا [فيما] لو أكره امرأة على التمكين من الزنى، وأكره رجلاً على الزنا، وقلنا بإمكانه فالرجل يغرم المهر، وهل يرجع به على المكره فيه؟ هذا الخلاف صرح به المتولي [وقد ألحق المتولي] أيضاً بمسألة الكتاب في الحكم ما إذا كان المغصوب داراً، فباعها [الغاصب]، ثم نقضها المشتري وبناها، فإن عليه رد العرصة، وما بين قيمتها مبنية، ومنقوضة، وعليه [ما بناه، و] أجرة مثلها من حين القبض إلى حين النقض، وأجرة العرصة إلى حين الرد، وليس عليه أجرة ما بناه فيها، وله أن يرجع على الغاصب بنقض التالف، ولا يرجع بقيمة الأجزاء، وهل يرجع بالأجرة؟ فيه الخلاف، وحكى الإمام، ومن تابعه في الرجوع بنقص التالف خلافاً، وإن ميل القاضي إلى الرجوع.

تنبيهان:

الأول: كلام الشيخ يقتضي أن محل الخلاف في الرجوع بالأجرة، إذا استوفى المنفعة، أما إذا لم يستوفها بل أوجبنا الأجرة عليه؛ لكون المنفعة فاتت تحت يده، فإنه يرجع بها وجهاً واحداً، وهو ما حكاه القاضي الحسين، وحكاه في البحر عن بعض الأصحاب، وحكى عن بعضهم انه لا فرق بين أن يستوفي المنفعة، أو تفوت تحت يده، و [الذي] صححه الرافعي الأول.

وحكى المتولي الخلاف أيضاً وأجراه فميا لو تلفت السخلة التي أنتجتها الشاة تحت يده، أو لبنها ولو برضاع ولدها، وكذا الثمرة الحاصلة من الأشجار المبيعة.

الثاني: قول الشيخ كالمهر وأرش البكارة فيه نظر؛ لأنا قد حكينا فيما

ص: 476

[يجب عليه] إذا وطئ البكر ثلاثة أوجه:

أحدها: مهر بكر، وأرش البكارة.

والثاني: مهر [ثيب]، وأرش البكارة.

والثالث: مهر بكر، لا غير.

وعلى كل حال، فلا يتجه [أن يرجع] بأرش البكارة؛ لأنا إن أوجبنا مهر بكر وأرش البكارة، أو مهر ثيب، وأرش البكارة، فقد جعلنا إزالة البكارة جناية على الجزء، وقد تقدم أن الأجزاء إذا ضمنت لا ترجع بغرامتها، وإن قلنا: مهر بكر لا غير فلا أرش يغرم حتى يرجع به؛ ولأجل هذا جزم الماوردي، والقاضي أبو الطيبن والبندنيجي بعدم الرجوع بأرش البكارة، وغاية الممكن في توجيه ما ذكره الشيخ، كما حكاه المتولي وجهاً بعد حكايته ما حكيناه عن القاضي المذهب أن الشراء [يضمن تسليط المشتري] على تفويت البكارة؛ فلأنه لا يتمكن من الاستمتاع إلا بتفويت البكارة، فنزلت تلك الجلدة منزلة منفعة البضع.

فرع: إذا وهب الغاصب الجارية المغصوبة لإنسان، فأتت منه بولد، هل يرجع بقيمته على الغاصب؟

حكى الرافعي فيه وجهين على قولنا: يرجع بقيمته إذا أتت به في مسألة الكتاب.

ووجه الفرق: أن الواهب متبرع، والبائع ضامن سلامة الولد بلا غرامة، وما قاله لا يصح؛ لأنه حكى في البيع الفاسد أن المشتري يغرم قيمة الولد، [ويستقر عليه، ولو كان البائع ضامناً لسلامة الولد لما رجع بقيمته] إذا كانت الجارية له على أنا حكينا، [ثَمَّ] عن القاضي ما يمكن أن يدفع به هذا السؤال.

[آخر: لو كان المشتري قد بنى وغرس فيما اشتراه؛ للمالك إجباره على القلع؛

ص: 477

قال الماوردي في كتاب الإقرار: وللمشتري إن كان جاهلاً بالحال [أن] يرجع على البائع بما بين قيمة غراسته وبنائه قائماً ومقلوعاً، وبما غرم من نقص الأرض بالقلع؛ لأنه ألجأه بالغرور إلى ذلك، وحكاه عن الشافعي].

قال: وإن ضمن الغاصب فكل ما رجع به المشتري على الغاصب –أي؛ كقيمة الولد، ونقصان الولادة على زعمه لم يرجع به [الغاصب] أي علي المشتري لعروه عن الفائدة؛ فإنه لو أخذ منه شيئاً لاسترده منه.

قال: وكل ما لم يرجع به المشتري [على الغاصب] أي كقيمة العينن والأجزاء من حين قبض العين إلى حين التلف يرجع به على الغاصب لأن قرار الضمان على المشتري فيرجع عليه، أما إذا ضمن الغاصب قيمة يوم الغصب، لكونها أكبر قيمة من يوم قبض المشتري فلا يرجع بالقدر الزائد على المشتري؛ لأنه لم يدخل في ضمانه؛ فلهذا لا يطالبه به ابتداء.

فروع:

لو أجر [الغاصب] المغصوب وسلمه؛ كان للمالك مطالبة أيهما شاء، فإذا غرم المستأجر الأجرة لا يرجع بها قولاً واحداً، ويرجع بالثمن.

وإن غرم قيمة العين والأجزاء رجع بهما قولاً واحداً، [وهو ما] جزم به الروياني.

[و] في الوسيط: أن العراقيين قالوا: إن يد المستأجر والمرتهن هاهنا كيد العارية؛ لأن لهم غرضاً في أيديهم؛ بخلاف المودع والوكيل بغير جعل إذا زوج الجارية المغصوبة وغرمه المالك أجرة المنفعة فهل يرجع بها؟ ينظر: إن استوفاها فلا، وإلا فنعم.

وإن غرمه قيمة العين رجع بها، فإن غرمه المهر لم يرجع به؛ لأنه دخل في

ص: 478

العقد على أنه يتقوم عليه.

قال القاضي الحسين، والمتولي وغيرهما: ويخالف المغرور بالحرية إذا بَانَ للمغرور حقيقة الحال بعد الوطء وفسخ، فإنه يرجع بالمهر على القول القديم.

والفرق: أنه ملك المحل وحصلت له تلك المنفعة، وهو إنما بذل المهر على أن يتأبد له البضع، وقد بان معيباً، ولا يلزم الرضا بالمعيب، وإذا فسخ فمقتضى الفسخ بالعيب استرجاع البدل فرجع به وهاهنا لم يملك المحل، وقد دخل في العقد على أن يتقوم عليه فينظر أن لو كان ممن لا يحل له نكاح الإماء؛ فإن العقد باطل، ولا يرجع بالمهر.

قال: وإن كان المغصوب طعاماً، فأطعمه إنساناً، فإن قال: هو مغصوب، فضمن الغاصب، رجع به على الآكل؛ لفقد سبب الضمان، وهو الغرور مع دخوله على أنه يضمن؛ فإن ضمن الآكل لم يرجع [به] على الغاصب؛ لأنه غاصب استهلك ما غصبه.

قال: وإن قال هو لي فضمن الغاصب لم يرجع [به] على الآكل خلافاً للمزني؛ لأنه أقر بأن المدعي ظلمه بما أخذه منه فلا يرجع [به] على [غير] من ظلمه.

قال: وإن ضمن الآكل رجع في أحد القولين؛ لأنه دخل على أنه لا يغرم، وقد غرم مستنداً إلى تغرير الغاصب فيرجع عليه، وهذا هو القديم، ويروي في بعض كتب الجديد.

قال: ولا يرجع في الآخر وهو الأصح؛ لأنه أتلفه في منفعة نفسه والغاصب منكر للغرور، فإنه يدعي أنه قدم إليه ملكه.

قال: وإن قدمه إليه، ولم يقل: هو لي أو مغصوب؛ ضمن الآكل – رجع في أحد القولين دون الآخر. وتعليلهما ما ذكرناه.

ص: 479

وحكى الماوردي عن البصريين من أصحابنا أنهم جزموا بالرجوع هاهنا، وحكوا الخلاف فيما إذا وهب الطعام منه وأقبضه إياه [فأكله، وفرقوا بأن] استهلاك الأكل بإذن الغاصب حصل فرجع عليه، [واستهلاك الموهوب له [حصل يوم إذن الغاصب] فلم يرجع عليه]، وهذه الطريقة تؤخذ من كلام المتولي؛ فإنه جعل الخلاف في الهبة مرتباً على الخلاف في التقديم، وأولى بالرجوع، والأصح في الكل عدم الرجوع، وسكوت الشيخ عنه في هذه المسألة استغناء بما ذكره فيما إذا قال هو: لي، فإن التغرير فيه أبلغ، ومع هذا لم يكن سبباً للرجوع، وكان فيما دونه من طريق الأولى.

فرع: لو اختلفا في العلم بالحال والجهل به.

قال الماوردي: إن قال الواهب: علمت أنه مغصوب من غيري، فالقول قول الموهوب له، وإن قال: أعلمتك حال الهبة أنه مغصوب، فالقول قول الواهب؛ لأنه زعم فساد الهبة.

قال: وإن ضمن الغاصب، فإن قلنا: لا يرجع الآكل على الغاصب، رجع الغاصب؛ لاستقرار التلف تحت يده، وتخالف المسألة [التي] قبلها؛ لأنه ثَمَّ اعترف بأنه مظلوم بما [غرمه فيؤاخذ] بإقراره.

قال: [وإن قلنا: يرجع الآكل؛ لم يرجع الغاصب لعرو ذلك عن الفائدة، ثم لا يخفى أن محل ما ذكرناه من الرجوع على الآكل إذا كان حرًّا مكلفاً، أما لو كان عبداً، أو بهيمة، فإن كان ذلك بغير إذن مالكها؛ فهو مضمون على الغاصب وحده فيرجع به عليه، ولا يرجع به على مالك البهيمة والعبد، ولا يتعلق برقبتهما [شيء] قاله الماوردي.

وقال الرافعي وغيره: ما أكله العبد هل يتعلق برقبته؟ يخرج على الخلاف إن قلنا [إنه] يرجع به على الحر فقد جعلنا ذلك بمنزلة الجناية، يتعلق ذلك

ص: 480

برقبة العبد وألا فلا، وإن كان أطعمها بإذن [مالكها]، فإن علم عند أمره أنه مغصوب فهو مضمون عليه وقرار الضمان عليه وإن لم يعلم فإن سلمه إليه حتى تولى هو إطعام البهيمة والعبد؛ كان في حكم الموهوب له، فإن لم يسلمه إليه كان في [حكم] الآكل.

فرعان:

[أحدهما]: إذا غصب شاة وأمر قصَّاباً فذبحها جاهلاً بالحال، كان قرار الضمان على الغاصب.

قال الرافعي: ولا يخرج على الخلاف في أكل الطعام؛ لأنه ذبح للغاصب وهناك [انتفع لنفسه].

قال البندنيجي: وكذا [في كل] ما استعان به الغاب [غيره] كطحن الحنطة، وخبز العجين وقطع الثياب ونحو ذلك.

الثاني: لو أمر الغاصب إنساناً بإتلاف المغصوب بقتل، أو كسر، أو حرق ففعل، ولم يعلم أنه مغصوب فغرمه المالك؛ ففي رجوعه على الآمر خلاف مرتب على الخلاف في الإذن في أكل الطعام وأولى بعدم الرجوع؛ لأن الإتلاف لا يباح بالإباحة؛ بخلاف الأكل، صرح به القاضي الحسين، والمتولي.

قال: فإن أطعم المغصوب منه [المغصوب] وهو يعلم برئ الغاصب؛ لأنه استهلك مال نفسه باختياره، مع علمه بالحال.

قال: وإن لم يعلم ففيه قولان:

أحدهما: يبرأ لأنه أتلف مال نفسه؛ فأشبه ما لو كان عالماً وهذا ما رواه الربيع.

قال: والثاني لا يبرأ لأنه أزال يده وسلطانه ولم يفد ذلك بتقديمه إليه؛ فلم يحصل التسليم الواجب، وهذا هو المنصوص وجعل القاضي الحسين والرافعي

ص: 481

أصل الخلاف في هذه المسألة الخلاف في [أن] قرار الضمان على الآكل إذا كان أجنبياً أم لا؟

فإن قلنا: لم يستقر عليه برئ الغاصب هاهنا وألا فلا، ومن هذا يظهر أن الصحيح أنه يبرأن كما صرح به ابن يونس وغيره.

و [قد] حكى الإمام عن الأصحاب أنهم رأوا أن البراءة هاهنا أولى من الاستقرار هناك؛ لأن تصرف المالك في ماله بالإتلاف يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب، لكن القول بعدم البراءة هو الذي صححه في "البحر".

وحكى عن البصريين [أنهم قطعوا به] فيما إذا قال للمالك: كله، وكلام ابن الصباغ وغيره من العراقيين يرشد إليه، فلو لم يطعم الغاصب المالك الطعام لكن المالك أكله على أنه طعام الغاصب برئ وجهاً واحداً، صرح به المتولي، وما ذكرناه من الخلاف والوفاق، [و] في مسألة الكتاب يجري فيما لو أودع المغصوب من المالك، أو رهنه عبدهن أو أجره منه فتلف في يده كما صرح به الماوردي وغيره، وقد يظهر من هذا أن الخلاف في مسألة الكتاب مادته الخلاف في قرار الضمان [على الآكل إذا كان أجنبيًّا، فإن الوديعة لا خلاف أن قرار الضمان] فيها على الغاصب، وإن أجرى العراقيون في قرار الضمان على المرتهن والمستأجر وجهين، وعلى كل حال فالمذهب في هذه الصورة عدم البراءة؛ كما صرح به الرافعي ولو باعه من المالك، أو أعاره، أو أقرضه برئ اتفاقاً، وكذا إذا أسامه.

ولو كان المغصوب عبداً فأعتقه المالك بوكالة الغاصب له فهل يعتق؟ فيه وجهان:

أصحهما: نعم؛ لمصادفة ملكه، كما لو أعتق عبد غيره بزعمه في ظلمة

ص: 482

[مثلاً] فإذا هو عبده.

والثاني: لا؛ فإنه هاهنا سفير في العبارة، وهذا ما نسبه ابن الصباغ إلى رواية الشيخ أبي حامد، وعلى الأول هل يبرأ الغاصب وجهان:

أصحهما: في الرافعي أنه يبرأ، وفي "البحر":[الأصح] خلافه.

ولو كان المغصوب جارية فزوجها من المالك فأولدها نفذ الاستيلاد قطعاً وبرئ الغاصب وشبب بعض الأصحاب بالخلاف [فيه، كذا قاله الإمام، وفي البسيط، وظاهره يوهم أن الخلاف] في البراءة لا في نفوذ الاستيلاد.

وفي "الوسيط": صرح بأن التشبيب في الاستيلاد.

ولو قال للمالك: أعتق هذا العبد عني فالمذهب أنه لا يقع عنه.

وفيه وجه حكاه المتولي أنه يقع عنه، كما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حي [فإذا هو ميت]، فإن العتق يتضمن التمليك، وعلى المذهب هل يعتق [على] المالك؟ فيه وجهان.

قال: وإن رهن المغصوب منه المغصوب من الغاصب لم يبرأ من الضمان [أي] إلا بأن يقبضه، أو نائِبه ثم يعيده إليه، خلافاً للمزني؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تْؤَدِّيَهُ" والمعنى على اليد ضمان ما أخذت؛ [حتى تؤديه] ولا يمكن إضمار: رد ما أخذت فإنه لو كان مراداً لما قال: حتى تؤديه؛ ولأنه عقد لا يمنع طريان الضمان عليه فوجب ألا ينافي ضماناً سابقاً [له]، كما لو استأجر المالك الغاصب ليخدم العبد المغصوب كذا قاله القاضي أبو الطيب، ولأن الرهن لا ينافي الضمان؛ بدليل ما لو رهنه شيئاً فتعدى فيه؛ فإنه لا يبطل الرهن، فإذا لم ينافه فلا يكون متضمناً زواله كما في حال الاستدامة، واعترض الإمام في كتاب الرهن على قياس رهن المغصوب على

ص: 483

تعدي المرتهن بأن طرآن العدوان سببه إحداث المرتهن ما لم يكن له أن يحدثه، وليس يشبه هذا إذن المالك للغاصب في الإمساك، ثم قال: ومن لا يستشعر غموض هذه المسألة فليس من الفقه في شيء، فإن سبب ضمان الغاصب عدوانه، وقد انقطع باذن بالإمساك في جهة غير مضمونة.

فإن قيل: لو رهن المعير العين المعارة من المستعير – زال عنه الضمان على أحد الوجهين، فهلا كان هنا مثله؟!

قلنا: الخلاف في براءة المستعير من ضمان العاريَّة، وعدم البراءة مبني كما حكاه المتولي هاهنا، والماوردي في كتاب الرهن على أن العارية هل تبطل بالرهن أم لا، ومن جزم بعدم بطلان العارية بالرهن، وهو ابن الصباغ – خصَّ محل الخلاف في البراءة وعدمها بما إذا رجع المعير في العارية.

وإذا كان كذلك فضمان العارية إنما كان بسبب الارتفاق والانتفاع بملك الغير لا عن استحقاق وقد زال، وهاهنا الضمان ضمان يد، واليد قائمة حساً ومشاهدة، وهذا ما أشار إليه المتولي.

قال: وإن أودعه إياه فقد قيل يبرأ لأن الوديعة تنافي الضمان؛ فكانت متضمنة للبراءة، هذا ما ذهب إليه أبو علي الطبري وأكثر الأصحاب؛ كما حكاه القاضي أبو الطيب في كتاب الرهن.

وقيل: لا يبرأ [كما لو رهنه منه] وهذا قول [ابن أبي هريرة]، وهذا الخلاف قريب الشبه من الخلاف فيما إذا تعدى المودع في الوديعة، ثم أحدث له استئماناً أو هو هو، ولا خلاف في أنه لو باعه منه سقط حكم الضمان، ولو أجره أو أوصى [له] بمنفعته ومات.

وقيل: قال المتولي فيه وجهان:

أحدهما – وهو الذي قال به العراقيون -: أنه لا يبرأ.

والثاني – وهو اختيار القفال -: أنه يبرأ؛ لأن منفعة يده عائدة للآجر؛ لأنه

ص: 484

يستحق الأجرة، والثواب في الوصية قائم مقام الأجرة.

ورتب الماوردي في تكاب الرهن الخلاف في [الغاصب بالإجارة على الخلاف في] براءته بالإيداع، وقال: الأولى البراءة؛ لأن الإجارة صنف من البيع، والإمام ثَمَّ رتبه على الوديعة، لكن قال: الأولى ألا يبرأ، وقال: لو وكله في بيعه من غير أن يستحفظه إياه؛ ففي براءته من الغصب الخلاف في الإجارة وأولى بألا يبرأ.

قال الغزالي: لأنه كالمستأجر فيه [إلا أن غرض المالك هاهنا في اليد أظهر، ونوقش في ذلك؛ لأن هذا يقتضي حصول البراءة.

وجوابه أنه لما قال: إنه كالمستأجر [فيه]] اقتضى أنه لا يبرأ جزماً، كما حكيناه من قبل عند الكلام في الرهن منه، ثم ذكر مستند الخلاف، وهو أن غرض المالك في اليد أظهر، وقد ذكرت في أواخر الوكالة شيئاً يتعلق بذلك، فليطلب منه.

ولو ضارب المالك الغاصب على المال المغصوب فثلاثة أوجه في الحاوي -:

ثالثها: وهو الأصح عنده أنه لا يبرأ ما لم يتصرف، وإذا تصرف فإن وقع عقده بعين المال سقط عنه الضمان بتسليمه، وإن وقع على ما في الذمة ثم نقد الثمن لم يبرأ.

والفرق: أنه إذا اشترى بعين المال صار دافعاً للمال إلى مستحقه عن إذن مالكه؛ فبرئ من ضمانه وإذا اشترى في ذمته صار قاضياً لدين تعلق بذمته، لم يبرأ من الضمان.

فرع: إذا كان المغصوب منه حاضراً فطالبه الغاصب بقبض ماله وجب عليه، فإن امتنع أناب الحاكم من يقبضه عنه، ولو كان غائباً فقبضه منه.

ص: 485

الحاكم برئ، لكن هل يجب على الحاكم قبضه؟ فيه وجهان في "التتمة".

قال: وإن فتح قفصاً عن طائر فوقف ثم طار لم يضمن؛ لأن الطير له اختيار بدليل توقيه المكاره وطلبه الرعي، وقد وجد من الفاتح سبب غير ملجئ، ومن الطائر مابشرة فرجحت على السبب غير الملجئ واحترزنا بالسبب [غير الملجئ] عن المكره وشهود الزنا ونحوهما، وهذا ما حكاه العراقيون، وحكى صاحب التهذيب وغيرهم طريقة أخرى بجريان قولين في الضمان، ونسب في"التهذيب" قول الضمان إلى القديم.

وغلَّط [الروياني] في البحر من صار إلى وجوب الضمان.

وحكى الرافعي [عنه، وعن الشيخ] أبي خلف السلمي [ونحوهما] اختيار وجوب الضمان، فعلى هذا لو دخلت هرة إلى القفص [وقتلت الطائر عقيب الفتح أو سقط القفص] بسبب خروج الطائر فتكسر، أو كسر الطائر بطيرانه شيئاً؛ ضمنه الفاتح؛ لان فعل الطائر على هذا القول منسوب إليه؛ كذا حكاه الرافعي عما جمع من "فتاوى القفال".

وقياس ما ذكره العراقيون صريحاً في إفساد الدابة الزرع والعلق أنه لا يضمن كما ستعرفه من بعد.

قال: وإن طار عقيب الفتح أي من غير تهييج ففيه قولان: أصحهام: أنه لا يضمن؛ لأنه طار باختياره فأشبه ما لو وقف ثم طار، وقد وافق الشيخ في هذا التصحيح القاضي أبو الطيب.

ص: 486

والقول الثاني: أنه يضمن؛ لأن من طبع الائر النفور ممن قرب منه، فإذا طار عقيب الفتح عرف أن طيرانه لنفوره، فصار كما لو نفّره.

وقد حكى في "التهذيب": أن هذا القول هو القديم، والذي حكاه القاضي أبو الطيب، والبندنيجي أن النص في القديم: أنه لا يضمن مطلقاً.

وحكى في البحر أن ظاهر ما نقله المزني وجوب الضمان، وبه قال أكثر الأصحاب واختاره [الشيخ] أبو إسحاق، وابن أبي هريرة.

وفي "المرشد" وقال الرافعي: إنه الصحيح، وحكى عن بعضهم القطع به، وحكى طريقة أخرى؛ وهي أن خروج الطائر إن كان من غير [اضطراب] فلا ضمان، وإن اضطرب عقيب الفتح ثم خرج ضمن؛ لأنه يدل على [فزعه ونفرته]، ولو كان الطائر في أقصى القفص فأخذ يدب قليلاً قليلاص ثم [طار]، قال القاضي الحسين: حكمه حكم ما لو طار عقيب الفتح، ولا خلاف أنه إذا نفّر الطائر بعد الفتح ضمن، وادعى الماوردي فيه الإجماع، وحكم حل [رباط] الدابة أو فتح باب الإصطبل عنها إذا خرجت عقيب الفتح او شرعت في المشي من أقصى الإصطبل إلى أن خرجت، [أو خرجت] بعد الفتح بساعة وضاعت – حكم فتح القفص.

وحكى الإمام عن شيخه أنه [إن] كان تسبب بالفرق بين الحيوان النافر بطبعه وبين انسيِّ، وأنه جعل خروج [الإنسيِّ] على الاتصال؛ كخروج النافر على الاتصال وقال: إنه منقاس، وحخكم حل قيد العبد المجنون وفتح باب السجن عنه [حكم] حل رباط البهيمة فيما ذكرناه، كذا قاله الغزالي

ص: 487

[وغيره] من المراوزة، وإطلاق الماوردي يقتضي أنه لا ضمان وكذلك الروياني ووجهه بأنه لا يستمسك بالقيد عرفاً، وأبدى [الروياني] الضمان احتمالاً لبعض الأصحاب.

ولو كان العبد عاقلاً؛ نُظر إن لم يكن آبقاً فلا ضمان، وكذا لو كان آبقاً على الصحيح، ومنهم من جعل حل قيده كحل قيد البهيمة، وهو ما حكاه القاضي الحسين وتابعه صاحب التهذيب فيأتي فيه التفصيل السابق.

فرعان:

أحدهما: إذا فتح مُرَاح الغنم فخرجت ليلاً فرعت زرعاً للغير، فإن كان الفاتح المالك وجب عليه الضمان، وإن كان غيره فلا ضمنا عليه عند العراقيين، وبه جزم في "البحر"؛ لأنه لا يجب عليه حفظها بخلاف المالك.

وعن القفال: أنه يضمن [الثاني]: إذا حّل دابة مربوطة عن علف أو شعير فأكلته؛ لم يضمنه؛ لأن الدابة هي المتلفة دونه، وكذا لو كسرت إناء [في الدار] لم يضمنه.

قال الماوردي: سواء اتصل ذلك بالحلِّ أو انفصل عنه

قال: وإن فتح زقًّا فيه مائع فاندفق ما فيه أي في الحال ضمن؛ لأنه محفوظ بوكائه، وحله له سبب تلفه، ولا شيء بقطعه فتعلق الحكم به، وكذا لو اندفق بعضه فابتل أسفله أو ثقل به أحد جانبيه فسقط وذهب ما فيه [ضمن]؛ لأن فعله سببه.

وقيل: إن كان المالك حاضراً أو أمكنه التدارك لكون الخارج شديداً [فلم يفعل] فلا ضمان، ويخالف ما لو قتل عبده، أو حرق ثوبه، وأمكنه منعه من ذلك ولم يفعل حيث يجب الضمان؛ لأن القتل والتحريق مباشرةٌ، وحل

ص: 488

الوكاء سبب [، والسبب] يسقط حكمه مع القدرة على الامتناع منه؛ كمن حفر بئراً فمر بها إنسان وهو يارها ويقدر على اجتنابها، فلم يفعل حتى سقط فيها؛ فإنه لا يضمن، كذا قال في البحر.

قال: وإن بقي ساعةً، ثم وقع بالربح، أو ما في معناه من زلزلة أو سقوط طائر عليه فسال ما فيه لم يضمن، لأنه لم يوجد الخروج بفعله ولا بسبب فعله.

قال ابن الصباغ: وهكذا الحكم فيما لو لم يعلم كيف سقط، وحكم حل السفينة وغرقها عقيبه أو بعد ساعة بسبب [حادث أو] الربح، أو نحوه حكم [حل] الزق الذي فيه المائع، فلو غرقت بعد الحل ولم يظهر سبب حادث؛ ففي التهذيب والمهذب وغيرهما في وجوب الضمان وجهان.

قال في الحاوي [والبحر]: ويخالف مسألة الزق فإن الماء أحد المتلفات.

والرافعي قال: إن الخلاف جارٍ في مسألة الزق.

قال:- وإن كان ما فيه جامداً فَذَابَ بالشمس وخرج، أي وكان الزق على صفة لو كان [ما] فيه ذائباً لخرج عقيب الفتح ضمن؛ لأن [الشمس لا] توجب خروجه بل تذيبه، والخروج بسبب فعله فضمن؛ كالمائع.

وقيل: لا يضمن؛ لأن خروجه إنما حصل بعارض الشروق فأشبه هبوب الريح.

قال: -وليس بشيء لما ذكرناه، [مع ان] الشمس يعلم شروقها فيكون الفاتح معرضاً لما فيه للشمس، وذلك تضييع بخلاف هبوب الريح؛ فإنه ليس مما ينتظر.

وعن القاضي الحسين: إجراء الوجهين فيما إذا أزال اوراق الكرم وجرد

ص: 489

عناقيده للشمس حتى أفسدتها، وأجريا أيضاً فيما إذا ذبح شاة [إنسان] فهلكت سخلتها، أو حمامة فهلك فرخها لفقدان ما يصلحهما، وأجراهما المتولي أيضاً فيما لو كان لإنسان زرع، ونخل وأراد سوق الماء إليهما فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت، وكذا أجريا فيما لو نقل صبياً إلى مسبعة فافترسه سبع، أو إلى أرض محواة فنهشته حية، لكن الأظهر [منهما] هاهنا عدم الضمان، وهو ما حكى الإمام أنه نص الشافعي، والغزالي جعله ومسألة الشمس سواء، ولا خلاف أنه لو حمله إلى مضيعة فاتفق أن سبعاً افترسه فلا ضمان.

فرعان:

أحدهما: -لو كان [ما] في الزق جامداً فحله [واحد] وقرب آخر منه ناراً فخرج، فقد قيل: لا ضمان على واحد منهما، وإن قلنا: إنه إذا خرج بالشمس يضمن الحال.

قال في الحاوي:- لأن طلوع الشمس معلوم فصار كالقاصد له، ودنو النار غير معلوم فلم يصِرْ قاصداً له.

وقيل: يجب الضمان، على المقرب للنار، وهو ما اختاره في المهذب، وجعله الرافعي الأظهر، والغزالي الأصح، وأجرى الرافعي الوجهين فيما لو قرب الفاتح النار منه.

وقال في البحر، [والحاوي]: إنه يضمن وجهاً واحداً.

ص: 490

الثاني: - إذا فتح زقًّا مستعلى الرأس وما فيه شديد فنكسه آخر حتى يسرع خروج ما فيه، فقد قيل: يشتركان في ضمان الخارج بعد التنكيس.

وقيل: يختص به النمكس، وهو الأصح في الرافعي؛ لأنه كالذابح مع الجارح.

تنبيه: الزق: السِّقاء، وجمعه في القلة: أزقاق، وفي الكثرة زِقاق، [وزُقَّاق] – بضم الزاي -؛ كذئب وذئاب [وذؤبان].

قال: -وإن سقي أرضه فأسرف أي جاوز ما يكفي أرضه في العادة؛ لأن الإسراف مجاوزة الحد حتى هلك أي أتلف أرض غيره أو أجَّج ناراً أي تلهبها وأشعلها على سطحه فأسرف حتى تعدَّى إلى سطح غيره [فأحرقه] ضمن لتعديه بالإسراف، وكذا لو لم يسرف في النار، لكنه أوقدها في قوت هبوب الرياح، وكلام القاضي الحسين في باب وضع الحجر يفهم أن في هذه الحالة خلافاً؛ فإنه حكى عن [بعض] الأصحاب فيما إذا أشعل ناراً في ملكه فطارت منه شرارة [فأحرقت أرض] الغير – انه لا ضمان، ثم قال: وقال القفال: إن كان ذلك في وقت هبوب الرياح، وفي [ظلمة الليل] وجب الضمان، وإلا فلا.

وفي الحاوي في باب الصائل على البهائم: أنه إذا أحرق بالنار حشيشاً في أرضه فتعدت فأحرقت زرع غيره، فإن كان زرع الغير [غير] متصل بالحشيش؛ فلا ضمان [وإن كان [الزرع] متصلاً بالحشيش المحرق، فإن كانت الريح مصروفة عن جهة الزرع؛ لهبوبها إلى غره فلا ضمان]، وإن كان هبوبها في جهة الزرع ففي الضمان وجهان:

وجه الوجوب: أن من طبع النار أن تسري إلى جهة الريح.

ص: 491

ووجه المنع: [أن هبوب الريح] ليس من فعله، وقال فيما إذا أرسل الماء في أرضه فخرج إلى أرض غيره فأفسدها، وكان الذي أرسله أكثر من قدر حاجة أرضه وقدر على حبسه؛ ففي الضمان وجهان:

وجه المنع: أن الجار قد كان يقدر على الاحتراز منه [بحظيرة تصد] عنه، أما إذا سقى [أرضه] من غير إسراف؛ كما إذا سقى أرضه بما تحتمله عادة فتعدى إلى أرض غيره، أو أوقد في وقت سكون الريح ما يحتمله سطه ثم عصفت الريح فشرع في طفيها [فتعدت] فأحرقت فلا ضمان؛ لعدم التفريط.

ولو كان في أرضه نقبة فسقى أرضه من غير إسراف فنفذ من النقبة إلى أرض غيره.

قال البندنيجي: إن [علم بها] فلم يسدها ضمن، وإن لم يعلم بها لم يمضن.

وقال القاضي الحسين: انه يضمن سواء علم بالنقبة أو لم يعلم؛ لأنه مفرط حيث لم يطالع ولم يسد، وكذا لوكانت ارضه مستعلية فقاها فخرج ماؤها إلى أرض غيره ضمن ما لم يسدها على ما جرت [به] العادة.

فرع: لو شككنا في أن الساقي أو الموقد أسرف أم لا؟ قال الإمام: لا ضمان.

ولو غلب على الظن مجاوزة الحد من غير قطع [به] قال: أمكن تخريجه على غلبة الظن في النجاسات.

قال: -فإن غصب حرًّا على نفسه لزمه تَخلِيَتُهُ ليبرأ من ظلمه.

[قال]: فإن استوفى منفعته ضمن الأجرة [بعدوانه بإتلاف متقوم، وإن حبسه مدة أي ولم يستوف له منفعة ضمن الأجرة]؛ لأنها منفعة تضمن

ص: 492

بالأجرة فضنت بالغصب، كمنفعة العبد، وهذا ما يحكي عن ابن أبي هريرة.

وقيل: لا يضمن؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد [فمنافعه تفوت تحت يده] بخلاف العبد، وهذا هو الأصح في الرافعي وبه قال جمهور الأصحاب كما حكاه الماوردي، وبنى الغزالي الخلاف على أن الحر [هل] يدخل [تحت] اليد أم لا؟

قال الرافعي: ولم أر ذلك لغيره ولا خلاف في أن أم الولد، والمكاتب إذا [حبسها حتى] مضت [مدة] لمثلها أجرة ضمن أجرتها؛ سواء استوفاها أو فاتت تحت يده.

فرع: لو نقل حرًّا صغيراً، أو كبيراً بالقهر من موضع إلى موضع آخر، فإن لم يكن [للمنقول غرض في] الرجوع إلى الموضع الأول فلا شيء على الناقل، وإن كان له [فيه] غرض واحتاج إلى مؤنة فهي على الناقل؛ لتعدِّيه قاله المتولي.

ولو كان على الحر الصغير ثياب وحلي فهل يضمنها الغاصب؟

قال القاضي الحسين: يحتمل وجهين:

أحدهما: لا يضمن؛ لأنه إذا لم تثبت يده عليه لا تثبت يده على ما معه.

والثاني: يضمن؛ لأن يده ناقصة.

قلت: وهذا الخلاف [كالخلاف] الذي حكاه الشيخ فيما إذا سرق حرًّا صغيراً وعليه حلي يساوي نصاباً؛ هل يقطع [أم لا؟][أو] هو هو.

قال: وإن غصب كلباً فيه منفعة لزمه رده لاستحقاق صاحبه منافعه مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيهَ" وتكون مؤنة الرد على الغاصب،

ص: 493

فلو استوفى منفعته فهل يضمن أجرته؟ فيه وجهان ينبنيان على جواز إجارته.

قال الإمام في باب بيع الكلاب: والذي أراه تصحيح الإجارة، فإ لم نصححها؛ فالوجه عندي إثبات أجرة المثل، فإنها منافع مقصودة [تطلب بالأموال]، فإن امتنعت الإجارة لتغليظ شبه المنع من التعامل على [الكلاب فلا] وجه لتعطيل منفعته، ولو اصطاد الغاصب [به]، فالصيد للغاصب على وجه، كما لو اصطاد بشبكة مغصوبة، وهو الأصح في النهاية وغيرها، وللمغصوب منه على وجه، كما لو اصطاد بالعبد المغصوب؛ لأن للكلب اختياراً، وعلى هذا هل يلزهم أجرة مثل الكلب في [مدة الاصطياد]؟

وإذا قلنا بوجوبها، فلو استعمله لنفسه ففيه وجهان:

وجه الوجوب: القياس [على] ما لو غصب بذراً وأرضاً من واحد فزرعه فيها، فإن الزرع لمالك البذر [والأرض، وعليه مثل البذر] وأجرة الأرض وإن صرفت منفعتها لفائدة مالكها، وهذا الخلاف يجري فيما لو غصب صقراً فاصطاد به.

فائدة: منفعة الكلب تكون بالاصطياد وحفظ الزرع، والماشية، واقتناؤه لذلك جائز، وهل يجوز لحفظ البيوت فيه وجهان:

ظاهر النص منهما: الجواز.

وأما الكلاب التي لا تصلح لذلك فلا يجوز افتناؤها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض [فإنه ينقص] من أجره

ص: 494

قيراطان" خرجه مسلم.

قال الإمام: وأجمع الأصحاب على أنه نهي تحريم، واقتناء الجرو الصغير الصالح للمنافع [المذكورة] عند كبره هل يجوز؟ فيه وجهان؟

واقتناء كلب الصيد، والماشية، والزرع لمن لا غرض له في ذلك في الحال ويتوقعه في المآل فيه وجهان، أجراهما الشيخ أبو حامد، كما حكاه ابن الصباغ في جواز اقتناء كلب الصيد، وإن لم يصطد به.

قال: وإن غصب خمراً من ذمي أي ولم يكن قد أظهرها [فيما] بين المسلمين وجب ردها عليه؛ لأنه مقر على الانتفاع بها.

وفي الجيلي حكاية وجه: أن الواجب عليه تمكينه [منها]، وهذا ما حكاه الإمام عن المحققين قبيل كتاب الصيد والذبائح، وإن الأول كان يقطع به شيخه، وأثر الخلاف يظهر في مؤنة الرد.

أما إذا أظهرها للمسلمين ولو للبيع أريقت ولا ترد إليه.

قال: وإن أتلفها لم يضمن [أي] سواء كان المتلف مسلماً، أو ذميًّا؛ لأنها شراب مسكر فوجب ألا يستحق على [متلفها] قيمة لكافر، كما لو أتلفها على مسلم، ولأن ما أبيح الانتفاع به [من الأعيان] إذا لم يملك الاعتياض عنه؛ كالميتة فما حرم الانتفاع به من الأعيان النجسة؛ كالخمر والخنزير أولى ألا يملك الاعتياض عنها؛ و [لأنه لو ضمن بدلها] للكافر أدى إلى تفضيله على المسلم بسبب كفره وذلك ممتنع.

ص: 495

قال: وإن غصبها من مسلم أراق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر أبا طلحة بإراقة ما كان عنده من خمور الأيتام" حين نزل تحريمها، وهذا هوا لصحيح.

وقيل يجب ردها [إليه] لينتفع بها في طء نار أو بلِّ طين، ونحوه.

قال: فإن صارت خلاًّ؛ ردَّه لأنه فرع ملكه، ولو تلف في يده غرمه.

وقيل: إن [للغاصب تملكه] بحدوث الملك في يده.

وفي ابن يونس: أن وجوب الرد مفرع على القول الصحيح بوجوب الإراقة وحكى وجهين في وجوبه بعد صيرورته خلاًّ على قولنا: بأنها ترد إليه خمراً.

قيل: ولو عكس الأمر لكان أولى، ولا فرق عند العراقيين في وجوب الإراقة بين الخمرة المحترمة وهي التي عصرت لأجل الخلية أو غير المحترمة، وهي التي عصرت للخمرية، كما حكاه في "الاستقصاء" في أوائل الكتاب.

وعند الماروزة: الخمرة المتحرمة [أصلاً، وقال الإمام – قبيل كتاب الصيد والذبائح-: إن في ذلك احتمالاً] على كل حال، وجعل في كتاب الرهن قول من أوجب إراقتها هذياناً، وقال: إنه لم يصر إليه أحد من أئمة المذهب وإنما هو من ركوب أصحاب الخلاف.

وقال في تكاب الإقرار: لو اطلعنا على خمر ومعها مخايل [تشهد] أنها خمر خل، فالمذهب [أنا لا نتعرض] لها.

وقال القاضي الحسين: قبيل باب [بيع الطعام بالعطام] لو أراقها إنسان فهل يجب عليه الضمان؟ فيه وجهان:-

فإن أوجبناه؛ قلنا: كم قيمة ذلك لو صار خلاًّ، وكم قيمته في طريق تصييره

ص: 496

خلاًّ؟ ويوجب عليه ذلك، وغيره بنى الخلاف في الضمان على أنها طاهرة أو نجسة، والمذهب نجاستها.

فرع: من أبرز خمراً وزعم أنها [خمر] خل قال الإمام في كتاب الإقرار: قد سبق طوائف إلى أن ذلك لا يقبل منه.

فرع: من في يده خمر إذا أراقها فجمعها جامع وصارت في يده خلاًّ؛ ففيه وجهان:

أحدهما: يعود ملكاً للأول.

والثاني: يكون للثاني؛ لأن الأول أزال يده عنها وأسقط حقه منها فتكون لمن هي في يده.

قال ابن الصباغ في كتاب الرهن: وهذا لا وجه له؛ لأنه فعل ما أمره الشرع بفعله، ولو كان كذلك لوجب أن يكون مباحاً؛ كالمنبوذ، ولا يختص بملكها الجامع بل يكون أحق لحصولها بيده، وقد أجرى الرافعي الوجهين فيما إذا ألقى الجلد فأخذه أخذ وديعة، لكن ما ضعف به ابن الصباغ الوجه الثاني منتفٍ هاهنا.

قال: وإن غصب جلد ميتة ردَّه؛ لأنه منتفع به وقد قال عليه السلام:"عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ".

قال: فإن دبغه فقد قيل: يُرَدُّ كالخمر إذا صارت خلاًّ.

وقيل: لا يرد أي ويكون ملكاً للغاصب؛ لأن الملك فيه حصل بفعله فكان له بخلاف الخمر.

وحكى المتولي عن بعضهم: أنه جزم بوجوب رد الجلد، وأجرى وجهين في رد الخل وأنه فرق بأن يده في الخمر مستحقة الإزالة شرعاً فلم يجعل لها حكم، ويده على الجلد غير مستحقة الإزالة فكان تفويتها جناية فلا يسقط

ص: 497

بها الحق، وهذه الطريقة ظاهرة عند من لم يفرق بين الخمر المحترمة وغيرها وعند من فرق إذا لم تكن الخمر محترمة، أما إذا كانت محترمة فهي كالجلد سواء؛ لجواز إمساكها.

قال: وإن غصب عصيراً فصار خمراص ثم صار خلاًّ [رده]؛ لأنه عين ماله وما نقص من قيمة العصير أي: إن [حصل] نقص؛ لأنه حصل تحت يده [وقيل يرد] الخل لماذكرناه، ويضمن مثله من العصير؛ لأن ذلك لزمه بانقلابه خمراً، ولم يسقط عنه بعوده خلاًّ؛ كما لو غصب جارية فسمنت في يده، ثم هزلت، ثم سمنت، وقد حكى الخلاف هكذا في المهذب وغيره.

وفي بعض النسخ بعد قوله: [ويضمن مثله من العصير] وأرش ما نقص أي: من قيمة الخل والعصير الذي أخذه بدلاً عن قيمة العصير أي: إن [حصل] نقص؛ لأنه حصل تحت يده [وقيل يرد] الخل لما ذكرناه، ويضمن مثله من العصير؛ لأن ذلك لزمه بانقلابه خمراً، ولم يسقط عنه بعوده خلاًّ؛ كما لو غصب جارية فسمنت في يده، ثم هزلت، ثم سمنت، وقد حكى الخلاف هكذا في المهذب وغيره.

وفي بعض النسخ بعد قوله: [ويضمن مثله من العصير] وأرش ما نقص أي: من قيمة الخل والعصير الذي أخذه بدلاً عن قيمة العصير المغصوب إلى حين انقلابه خمراً، وهذا [كأنه] بناء على مذهب أبي ثور في أن الغاصب يضمن عند رده العين فوات الأسعار.

ومنهم من قال: يظهر بناؤه على أن الاصب يضمن أرش السمنين ولم يظهر لي صحة ذلك فتأمله.

ص: 498

قال: وليس بشيء؛ لأن الخل عين العصير وإنما تغير من صفة إلى صفة، فاشبه ما لو طرأ على العين بياض ثم زال، ومخالف السمن فإن الثاني عين الأول قطعاً.

وقال الماوردي: إن هذا الخلاف يعني المشهور الذي ذكرناه [أولاً] مخرج من الخلاف فيما لو قلع سنَّ مَنْ أثغر ثم عاد سنه بعد أخذ أرشه؛ هل يجب رد الأرش أم لا؟ فإن قلنا: يجب، ردها وما نقص وإن قلنا: لا يجب رد الأرش؛ غرم قيمة العصير، والجمهور على ضمان العصير بالمثل لا بالقيمة.

وحكى الرافعي وغيره على قول ضمان المثل من العصير وجهاً أن الخل يكون للغاصب كالوجه الذي حكيناه فيما إذا غصب الخمر فتخللت في يده.

واعلم أن ما ذكرناه من الخلاف جار فيما لو غصب بيضة فتفرخت عنده، أو بذراً فرعه فنبت وازداد، أو بذر قزّ فصار قزّا فعلى [القول] الأول وهو الصحيح يكون ذلك للمالك ولا يغرم [له] الغاصب إلا ما نقص عن قيمة الأصل، وعلى الثاني يغرم البدل، والحاصل للمالك على أظهر الوجهين، وللغاصب على مقابله.

فرع: لو انقلب العصير خمراً ولم ينقلب خلاًّ.

قال الماوردي: وجب على الغاصب قيمته، وهل له أخذ الخمر؟ فيه وجهان:

قال: وإن غصب صَليباً أو مِزماراً فكسره [أي الكسر المأمور به لم يضمن الأرش لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ" وهذه الصنعة محرمة فلا قيمة لها] أما إذا زاد علىلكسر المأمور به بحيث فوت بكسره صلاحيته لمنفعة مباحة كانت تحصل مع الكسر المأمور به - لزمه ما بين قيمته مكسوراً

ص: 499

[بالكسر المباح] وغيره [وقد اختلف الأصحاب في حد الكسر المأمور به] على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكسره [حتى تنتهي] إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة [منه] لا الأولى ولا غيرها.

والثاني: أن يزيله عن حالته الت قصدت لاستعامله عليها، فالصليب يرفع أحد الجسمين عن الآخر والعود يزيل وجهه حتى يبقى جفنه، وهذا ما حكاه [الروياني] في البحر.

والثالث وهو أظهرها: أن يكسره بحيث لا يمكن إعادته إلى تلك الحالة إلا مع عسر.

قال الرافعي: وما ذكرناه من الاقتصار على تفصيل الأجزاء، فهو [فيما] إذا تمكَّن المحتسب منه، أما إذا منه من هو في يده وكان يدفع عن المنكر؛ فله إبطاله بالكسر [قطعاً].

قال الإمام: ولم يكتف أحد من أصحابنا بقطع الأوتار مع ترك الآلات، وادعى في الوسيط في ذلك الإجماع.

تنبيه: [الصليب] يجمع على صُلُب وصُلبَان، وثوبٌ مصلَّبٌ: عليه نقش؛ كالصَّليب.

قالا لماوردي: وهو موضوع على معصية؛ لزعمهم أن عيسى ابن مريم – عليه السلام – قتل وصلب على مثله واعتقدوا إعظامه طاعة، والتمسك به قربة، وقد أخبر الله تعالى بكذبهم فيه ومعصيتهم به فقال:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [النساء: 157]

ص: 500

[وفيه تأويلان: أحدهما: أن الكناية راجعة إلى عيسى، وتقديره وما قتلوا عيسى يقيناً].

والثاني: أنها ترجع إلى العلم به، وتقديره: وما قتلوا العلمَ به يقيناً، من قولهم: قَتلت ذلك علماً إذا تحققته ومنه جاء [الحديث به]: قتلت الأرض جالها، [وقتلت أرض عالمها].

المزمار: بكسر الميم، واحد المزامير وزَمَرَ َزمِر، [ويزمُز] زمراً، فهو زمار.

وقال الجوهري: ولا يكاد يقال: زامر، قال: ويقال: للمرأة زمَّارة. قال: ويقال للمزمار: مزمور، بفتح الميم وضمها.

قال النواوي: وبالوجهين ضبطناه في الحيدث الصحيح.

قال: وإن اختلفا في رد المغصوب؛ فالقول قول المغصوب منه؛ لأن الأصل عدم الرد، وإن اختلفا في تلف الغصوب، فادعاه الغاصب وأنكره المالك، فالقول قول المالك على وجه؛ لأن الأصل البقاء.

والأصح أن القول قول الغاصب؛ لأن ذلك قد يكون [خفيًّا، وقد] يعجز عن إقامة البينة، فلو لم يصدقه [الجلد انحبس] عليه، ولم يجد منه مخرجاً فعلى هذا إذا حلف هل يلزمه البدل؟ فيه وجهان:

وجه المنع: [أن المالك] يزعم أن العين قائمة، فلا يستحق القيمة.

والأصح: أن له ذلك إذ تعذر الرجوع عليه بسبب الحلف.

قال: وإن اختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب) لأنه غارم والأصل براءة ذمته، وعلى المالك البينة بقدر القيمة إن لم يرض بما قاله الغاصب، ويكفي فيها عند [أبي إسحاق] شاهد ويمين، [وشاهد] وامرأتان.

وعن ابن أبي هريرة طريق ذلك [طريق] الحكم فلا

ص: 501

مدخل للنساء فيه.

قال أبو الحسن، والأولى قول أبي إسحاقك كذا حكاه الزبيلي في [كتابه] أدب القضاء له، [و] ينبغي للبينة أن تشهد بأن قيمة المغصوب كذا، فلو أقام منيشهد على الصفات دون القيمة لم يجز للمقومين [أن يعتمدوا] على الوصف في التقويم؛ لأن المشاهدة هي المعرفة للقيمة.

وعن صاحب التقريب رواية قول غريب: أن لهم الاعتماد على الصفات، وينزل على أقل الدرجات؛ كما في السلم.

والفرق على الأول: أن السلم من باب الرخص فلا يقاس عليه، فعلى هذا لو أبعد الغاصب في التقليل فيطالب بأن يرتقي إلى [أول] درجة تحتمل هذه الصفات.

ولو ذكر الغاصب أن القيمة مائة، فأقام المالك بينة بأنها فوق المائة ولم يعينوا قبلت [هذه] الشهادة في وجوب الزيادة على المائة على الأصح، وهو الذي عليه الأكثرون.

وفائدة ذلك: أن يزيد على ما ذكره ويرتقي، فإن زاد فقالت البين: كانت القيمة أكثر من ذلك فيكلفه الزيادة إلى أن ينتهي إلىموقف لا يقطع الشهود بالزيادة عليه.

قال الإمام: ولا ينحصر ما صورناه بالغصب، بل لو ادعى رجل على ىخر ألف درهم فاعترف المدعي عليه بخمسمائة، فأقام المدعي بينة أن له عليه أكثر من خمسمائة، فالأمر فيه على التفصيل الذي ذكرناه.

ولو وقع اختلاف المالك والغاصب في صفات المغصوب، فقال المالك: إنه

ص: 502

كان سالم الأعضاء، و [قال] الغاصب إنه [كان] مقطوع اليد؛ فالقول قول المالك على الأصح من القولين.

ولو قال الغاصب به عيب من أصل الخلقة مثل كونه أكمه، أو أنه ولد أعمى، أو أعرج، أو عديم اليد، فالقول قوله على الأصح.

وقيل: القول قول المالك في نفي ذلك.

وقيل: إن كان ما ادعاه الغاصب مما يندر من العيوب؛ فالمصدق المالك، وإن كان مما لا يندر؛ فالمصدق الغاصب.

ولو ادعى المالك أن المغصوب كان كاتباً أو محترفاً، وأنكر الغاصب فالقول قوله على الأصح.

وحكى العراقيون: أن القول قول المالك؛ لأنه أعرف بحال مملوكه.

وحكى الماوردي الخلاف في أن القول قول المالك أو قول الغاصب في الصورتين الأوليين في كتاب العتق، وفحوى كلامه الجزم في الأخير بأن القول قول الغاصب.

ولنختم الباب بفروع تتعلق به.

وهو إذا غصب أرضاً فحاله فيها تنقسم أربعة أقسام:

الأول: أن يبني فيها، ويغرس، فينظر إن كان البناء والغراس له – أجبر على قلعه مجناً، ولا يجبر على أخذ قيمة البناء والغراس. وإن كان قلعه يضر بالأرض لما روى هشام بن عروة عن أبيه أن رجلاً غصب أرضاً من رجلين من بني بياضة من الأنصار فغرسها نخلاً [عما] فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقلعه، فروي عنه أنه قال [:"لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقُّ" قال] عروة فأخبرني من رأي القوس يعمل في أصولها.

وفي قوله: [نخلاً عما] تأويلان:

ص: 503

أحدهما: طوالا.

والثاني: أنها [قد] عمت بخيرها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"

عَمَّتكُمُ النَّخْلَةَ" يعني: عمت بخيرها.

وقيل: بل عنى أنها خلقت من فضل طينة آدمن فصارت عمة في النسب، والعروق أربعة:

عرقان ظاهران: البناء، والغراس، وعرقان باطنان: البئر، والنهر، كذا نبه عليه الماوردي في أثناء الباب.

إذا ثبت ذلك فإذا قلع البناء والغراس نظر في الأرض؛ فإن لم تنقص بالقلع فلا شيء على الغاصب سوى الأجرة، وإن نقصت؛ لكونها صارت حفراً، فالغاصب ضامن لها غير أن الشافعي قال هنا: يرد ما نقصت الأرض، وقال في البيوع في رد الحجارة المستودعة: إن عليه تسوية الأرض، فاختلف الأصحاب كذلك في المسألة؛ فبعضهم خرج المسألتين على قولين، وبعضهم فرق بأن الغاصب متعد فغلظ حكمه بالأرش والبائع غير متعد فخفف حكهم بتسوية الأرض، فعلى هذا [هل] تجب الأجرة مع الأرش أو [يتم] أكثرها؟ فيه وجهان في البحر كما في الثوب وغيره، واستبعد مجيء القول الثاني هنا.

ولو باع الغاصب [ذلك من مالك الأرض صح، ولو باعه من غيره، فإن كان بشرط البقاء بطل، وإن كان بشرط القلع والنقص] جاز، وإن أطلق فوجهان:

ولو باع مالك الأرض الأرض صح، وكان للمشتري إجبار الغاصب على

ص: 504

القلع، ولا يستحق البائع أرش نقص الأرض بالقلع؛ لأن المشتري دخل على عيبه.

قال الماوردي ويكون البيع سبباً لسقوط الأرش عن الغاصب، ولو كان البناء، والغراس [لصاحب الأرض، فإن رضي بأن يأخذها لذلك أخذها، ولا شيء عليه من مؤنة الغراس، والبناء]، وليس للغاصب أن يزيل ذلك، ولو طالبه المالك بالإزالة؛ نظر إن كان له فيه غرض صحيح أجبر عليه، ولزمه غرم تنقيص الغراس والبناء عما كان قبل الغراس والبناء، وعليه نقص الأرض أيصاً، وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح لقاصد؛ فهل يجبر على القلع؟ فيه وجهان:

فإن قلنا بعدم الإجبار فللمالك مطالبته إذا لم قلع بأرش ما ينقصه القلع عن الحالة التي كان عليها المغصوب قبل الغرس والبناء؛ لأنه لما استحق المطالبة به مع التزام مؤنة القلع؛ فأولى مع عفوه عنها.

وإن قلنا بمقابله، فلا.

ولو كان الغراس والبناء مغصوبين من ثالث فلكل من رب الأرض والغراس والبناء أن يأخذ الغاصب بالقلع [إن كان له غرض]، ويرجع كل منهما عليه بأرش ما نقص، ولو اشترى مالك الأرض الغراس والبناء – كان له مطالبة الغاصب بالقلع إن كان له غرض ويرجع بنقص البناء والغراس دون الأرض.

ولو هرب الغاصب عن أن يلتزم لهما مؤنة القلع، واختلفا في تحملها ففيمن يجب عليه منهما؟ فيه وجهان.

ولو كان [الغراس في أرض] فقلعه الغاصب، فإن كان باقياً؛ ففي كيفية ضمانه لأصحابنا ثلاثة أوجه:

أحدها: ما بين قيمة [الشجر قائماً ومقلوعاً.

ص: 505

والثاني: يضمن ما بين قيمة] الأرض ذات شجر قائم وبين قيمتها والشجرُ مقلوع منها؛ لأن تعديه قد سرى إلى الأرض.

والثالث: أنه ضمن أغلظ الأمرين.

وإن كان قد استهلك الشجر بعد قلعه، فعلى الأول يضمن قيمة الشجر قائماً، وعلى الثاني ما نقص من قيمة الأرض بقلع الشجر، وعلى الثالث أغلظ الأمرين كذا قاله الماوردي.

القسم الثاني: أن يدفن فيها ميتاً، فإن الغاصب يجبر على نبشه، وإن كان فيه انتهاك حرمة الميت، ثم إذا نبش ضَمِن أرش نقصها كما تقدم، فلو قال المالك: أنا أقر الميت في الأرض إن ضمن لي نقص الأرض بالدفن فيها؛ ففي إجبار الغاصب على بدله وجهان في الحاوي.

القسم الثالث: أن ينقل ترابها، وله حالتان:

أحداهما: أن يكون [قد] كشطه من على وجه الأرض، فللمالك إجباره على رده على صفته إن كان باقياً، ومثله إن كان تالفاً؛ سواء كان للمالك به نفع أم لا، وسواء عظمت مؤنة ذلك أو خفت، ولو لم يجد مثله ضمن القيمة، وفيها وجهان:

أحدهما: وهو ما نقله المزني عن الشافعي في "الكبير" -: أنه تقوم الأرض وعليها الراب الذي أخذ منها، ثم تقوم بعد اخذه منها، ويجب مابينهما.

والثاني: -أكثر الأمرين من هذا أو من قيمة التراب بعد نقله عن الأرض، حكاه الماوردي، ولو لم يطالبه المالك بالرد نُظر فإن كان للغاصب في الرد غرض؛ بأن دخل الأرض نقص يرتفع برد التراب، أو كان قد نقله إلى ملكه أو إلى دار غيره أو إلى شارع يحذر من التعثر به الضمان، فله الاستقلال بالرد، إن لم يتيسر [عليه في الصورتين الأخريين، نقله إلى موات أو نحوه كما قيده

ص: 506

الإمام والماوردي، دون ما إذا تيسر] وله عند إعادته بسطه كما كان، فإن منعه المالك مِنْ بَسْطه لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطاً، وإن لم يكن له غرض فإن منعه [المالك] من الرد لم يرده، وإن لم يمنعه وخالف فهل يفتقر إلى الإذن؟ فيه وجهان في التتمة؛ بناء على وجهين في أنه لو منعه فخالف ورد، هل للمالك مطالبته بالنقل ثانياً؟ إن قلنا: لا، رده من غير إذنه، وإن قلنا: نعم، فلا بد من إذنه وهو الأظهر.

الحالة الثانية: أن يحفر في الأرض بئراً وينقل ترابها، فإن أمره المالك بطمِّها لزمه، إن كان له فيه غرض صحيح، وألا فوجهان حكاهما الماوردي، وإن لم يأمره، كان له أن يستقل به، خلافاً للمزني، فلو تراضيا على تركها فذاك لهما، وعلى الغاصب ضمان ما يسقط فيها، لتعديه بحفرها، وليس لرب الأرض أن يطالبه بمؤنة السد، وإنما له أن يأخذه متى شاء بالسد كذا قاله الماوردي، ولو منعه المالك من السد، وقال: رضيت باستدامة البئر، فإن كان للغاصب غرض في الطم سوى دفع ضمان التردي كما ذكرناه فله الطم، وإن لم يكن له غرض سواه فوجهان، أظهرهما:- وهو قول ابن أبي هريرة -: المنع، ويندفع عنه الضمان؛ لخروجه عن أن يكون جناية وتعدياً.

وقد عبر الماوردي وغيره عن محل الوجهين فيما إذا أبرأه المالك من الضمان.

وقال الإمام: ليس معناه حقيقة الإبراء، فإن الضمان حق عساه يثبت للمتردي فكيف يبرئ عن حق الغير قبل ثبوته، وإنما المارد الرضا بإنقاء البئر.

وقال أيضاً: إن محل جواز الطم له إذا كان بعين التراب المنقول، أما إذا كان قد تلف؛ ففي جواز الطم بتراب آخر دون إذن المالك وجهان.

قال الرافعي: - والظاهر أنه لا فرق بين ذلك [التراب] وغيره، ولو لم يقل المالك: رضيت باستدامة البئر واقتصر على المنع من الطم ففي التتمة: أنه كما لو صرح بالرضا.

ص: 507

وقال الإمام: لا يتضمنه.

ولو كان الغاصب قد طوى [البئر] من مال نفسه فله نقضه، وللمالك إجباره عليه، فإن وهب ذلك منه لم يلزمه القبول على أظهر الوجهين، ثم إذا أعاد هبة الأرض إلى ما كانت في الحالتين إما بطلب المالك أو دونه، فإن لم يدخل الرض نقص فلا أرش عليه، [وعليه الأجرة]، وإن دخلها نقص ففي كيفية جبره ما ذكرناه في حال البناء والغراس.

القسم الرابع: أن يترك الأرض في يده من غير أن يتصرف [فيها] فيجب عليه أجرة مثلها، فلو نقصت بسبب ترك الزراعة؛ كأرض البصرة – ضمن أرش النقص قاله [القاضي الروياني] في البحر. [والله أعلم].

آخر: غصب المشاع متصور عندنا.

قال الشافعي في كتاب الشركة: إذا كان العبد بين شريكين فغصب رجل حصة أحدهما، ثم [إن] الغاصب والشريك الآخر باعا العبد من رجل فالبيع جائز في نصيب الشريك البائع، ولا يجوز بيع الغاصب، كذا حكاه [عنه] القاضي أبو الطيب في شرح الفروع في مسألة أولها:

لو أن رجلاً وكَّل شريكه في عبد أن يبيع نصيبه [مع نصيبه] وإذا كان ذلك متصوراً فتصوره في غير الغاصب من طريق الأولى، لكن قد أشار الأصحاب عند الكلام في ما إذا أقر بعض الورثة [بنسب] وكذبه الآخر [إلى] أن الوارثَين إذا وضعا أيديهما على التركة يكون يد كل واحد منهما على جميعها كما سنذكره ثَمَّ إن شاء الله تعالى، وفيه نظر. والله أعلم.

ص: 508