المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب العاقلة وما تحمله - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١٦

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌باب العاقلة وما تحمله

‌باب العاقلة وما تحمله

العقل: الدية؛ لأن مؤديها يعقلها بفناءِ أولياء المقتول، يقال: عقلت فلاناً، إذا أعطيت ديته، وعقلت عن فلان: إذا غرمت عنه دية جناية، ويقال لدافع الدية: عاقل؛ لدفعه الإبل بالعُقُل؛ وهي الحبال التي تثنى بها أيدي الإبل إلى ركبها؛ فتشد بها.

وقيل: سمي بذلك؛ لأنه يمنع القاتل، والعقل: المنع؛ ولهذا سمي العقل عقلاً؛ لأنه يمنع صاحبه من القبيح.

وقيل: سمي بذلك؛ لأنه يقودإبل الدية، فيعقلها على باب أولياء المقتول.

وجمع العاقل: عاقلة، ثم عواقل: جمع الجمع، والمعاقل: الديات.

قال: إذا جنى الحر على نفس حر، أي: غير نسه، خطأ، أو عمد خطأ - وجبت الدية على عاقلته.

وجهه في عمد الخطأ: ما روى أبو داود، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال:"اقتتلت امرأتان من هذيل؛ فرمت أحداهما الأخرى بحجر؛ فقتلتها؛ فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية جنينها: غرة: عبد، أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم؛ فقال حمل بن النابغة [الهذلي]: يا رسول الله، كيف أغرم [دية] من لا أكَل، ولا شرب ولا نطق ولا استهل؛ فمثل ذلك بَطل؛ فقال رسول الله: "إِنَّمَا [هَذضا مِنْ] إِخْوَانِ الْكُهَّانِ" من أجل سجعه الذي سجع. وأخرجه البخاري ومسلم.

ص: 204

والوليدة: كناية عما ولد من الإماء في ملك المالك، وقيل: الجارية الصغيرة، والولائد: الوصائف.

وبطل: بالباء الوحدة المفتوحة، ويروى:"يطل" بضم الياء آخر الحروف، ورجحه الخطابي؛ فعلى هذا يكون من بطل دمه: إذا اهدر، ولم يطلب به. وأكثر الروايات على الأول، وحينئذ يكون من "البطلان"؛ بطل الشيء:[ذهب].

ووجهه في الخطأ: ما روي عن أبي سعيد الخدري - رضيا لله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْقَوَدُ بِالسَّيْفِ، وَالْخَطَأُ عَلَى الْعَاقِلَةِ".

ولأنها إذا تحملت بدل شبه العمد مع قصد الجناية، ففي بدل الخطأ ولا قصد لها أولى.

وقد ادعى الإمام إجماع المسلمين على أن دية شبه العمد والخطأ مضروبةٌ على العاقلة، وهذا إذا صدقوا على الجناية، أو قامت عليها بينة، أما إذا عدم ذلك فسنذكره في آخر الباب.

وقد ادعى الإمام إجماع المسلمين على أن دية شبه العمد والخطأ مضروبةٌ على العاقلة، وهذا إذا صدقوا على الجناية، أو قامت عليها بينة، أما إذا عدم ذلك فسنذكره في آخر الباب.

قال العلماء: وتغريم غير الجاني خارجٌ عن الأقيسة الظاهرة، إلا أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة من جنى منهم، ويمنعون أولياء القتيل من أن يدركوا بثأرهم، ويأخذوا من الجاني حقهم، فجعل الشرع بدل تلك النصرة بذلَ المال، وربما شبه إعانة الأقارب بتحمل الدية عنه، بإعانة الأجانب الذين غرموا؛ لإصلاح ذات البين، ويصرف [سهم من] الزكاة إليهم.

وخصص الضرب على العاقلة بالخطأ، وشبه العمد؛ لأن ذلك مما يكثر، سيما في حق الذين يتعاطون الأسلحة، ولا يتأتى الاحتراز عنه؛ فحسن إعانة القاتل؛ كي لا يفتقر بالسبب الذي هو معذور فيه.

وفي الرافعي حكاية وجه: أن دية شبه العمد لا تحملها العاقلة، وعزاه إلى رواية أبي الفرج وابن كج، وأن بعضهم رواه قولاً مخرجاً عن ابن القاص.

وحكى عن "جمع الجوامع": أن بعضهم ذهب إلى أن دية الجنين لا تحملها

ص: 205

العاقلة؛ بناء على أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث من أروش الأطراف، كما سنذكره.

قال: وإن جنى على أطرافه، أي: خطأ، أو عمد خطأ – ففيه قولان:

أصحهما: أنها على عاقلته؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة جميع الدية؛ وهي أثقل نبه به على تحمل ما هو اقلن وقد روينا ان النبي صلى الله عليه وسلم: "قَضَى بِغُرَّةِ الْجَنِينِ عَلضى العَاقِلَةِ"، وقدرها اقل مقدر نص عليه صاحب الشرع؛ فالحق به غيره.

ولأنه لما تحمل الجاني قليل الدية وكثيرها [في العمد]، وجب أن تتحمل العاقلة قليلها وكثيرها في الخطأ، وهذا ما نص عليه في الجديد، و [هو] أحد قولي القديم كما حكاه القاضي الحسين وابن الصباغ.

والقول الثاني: أن العاقلة لا تحملها؛ لأنها [لا] تضمن بالكفارة، ولا تجري فيها القسامة؛ فلم تتحملها العاقلة كبذل المال، وهذا ما حكاه في "المهذب" عن القديم، وكذلك ابن الصباغ، وقال الإمام: إنه قول مهجور لا تعرفه المراوزة، ولا أصل له.

وحكى القاضي الحسين عن القديم بدلاً عن القول الذي قبله: أنها لا تحمل ما دون ثلث الدية، وتحمل الثلث فما زاد، وحكاه الإمام أيضاً، وقال: إنه بعيد، غير معتدٍّ به.

وقد ذكرت مراراً أن القول القديم لا يحل عده من مذهب الشافعي – رضي الله عنه – مع رجوعه عنه.

أما إذا جنى على نفسه، أو قطع طرف نفسه – فلا دية له ولا لورثته على عاقلته، سواء كان ذلك خطأ أو عمد خطأ.

وحكى الإمام وجهاً بعيداً: أنه يجب له دية الطرف؛ إذا قطعه خطأ على العاقلة، وضعفه.

ص: 206

تنبيه: احترز الشيخ بقوله: " [جني] خطأ، أو عمد خطأ" عن جناية العمد؛ فإن الدية فيه واجبة على القاتل، سواء كانت مما يجري فيها القصاص: كقتل الأجنبي، وقطع طرفه، أو لا يجري: كقتل الوالد ولده، والمسلم الذميَّ، وأرش الجائفةونحوها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لَا تَحْمِلُ العاَقِلَةُ عَمْداً وَلَا عَبْداً وَلَا صُلْحاً وَلَا اعْتِرَافاً".

ثم ظاهر قول الشيخ يقتضي أن وجوب الدية يلاقي العاقلة ابتداءن وقد حكى البندنيجي والقاضي الحسين وغيرهما من الفريقين في ذلك قولين:

أحدهما: أن الأمر كذلك؛ لظاهر الخبر.

والثاني: أنها تجب على الجاني، ثم تتحملها العاقلة؛ لأنا إذا قلنا به فقد تمسكنا بطرف من قياس الأصول، ويجعل التحمل في حكم الإعانة؛ كما يؤدي الدين عمن تحمل حمالة في إصلاح ذات البين من سهم الزكاة، وهذا ما صححه الشاشي وابن يونس.

وللقولين [شبيه في] مواضع مضت، ولهما أثر يظهر من بعدز

[ثم] قال الإمام: وما ذكرناه من ترديد القول هاهنا لسنا نسنده إلى منصوص صاحب المذهب نقلاً صريحاً، وإنما تلقيناه من تصاريف كلامه [في التفريعات ومعناه الذي يجريه في أثناء كلامه]، ونظيره كثير؛ فإن النقل يقع تارة لفظاً، وتارة من جهة المعنى والاستنباط.

ص: 207

قال: وإن جنى على عبد؛ ففيه قولان:

أصحهما: أن القيمة في ماله؛ لما روى ابن عباس – [رضي الله عنهما – أنه عليه السلام] قال: "لَا تَحْمِلُ العَاقِلَةُ عَمْداً وَلَا عَبْداص وَلَا صُلْحاً وَلَا اعْتِرَافاً"؛ ولأنه يضمن بالقيمة؛ فأِبه سائر الأموال، وهذا ما يفهم من كلام الإمام، والقاضي الحسين أنه القديم.

فعلىهذا تجب على الجاني حالة، كما حكاه القاضي الحسين.

ولا يجب على العاقلة بدل الجنين الرقيق.

والقول الثاني: أنها تحمله؛ لأنه يجب بقتله القصاص والكفارة؛ فاشبه الحر، وهذا ما نص عليه الشافعي –رضي الله عنه في "المختصر"؛ حيث قال: وتحمل العاقلة كل ما كثر وقل من قتل وجرح، من حر وعبد. وقال في موضع آخر منه: وتحمل عنه العاقلة إذا كان خطأ.

وقال الرافعي والبغوي: إنه الجديد، والأصح. ووافقهما على التصحيح جماعة؛ منهم: البندنيجي، وصاحب "المرشد"، والنواوي، وقال ابن الصباغ: إن المزني اختاره؛ محتجاًّ بأن الخبر لم يثبت متصلاً، وإنما هو موقوف على ابن عباس، وإن ثبت فهو مؤول على أن العاقلة لا تحمل عنه.

قال: وإن جنى عبد على عبد، أو على حر، [أي: بغير إذن السيد]، جناية توجب المال ابتداء، أو آل إليها [بالعفو عليه].

قال: وجب المال في رقبته؛ لأنه لا يمكن إلزام جنايته السيد؛ لأنه إضرار به، والجاني العبد، لا السيد.

ولا يمكن أن يقال: إنه يكون في ذمته إلى أن يعتق ويوسر؛ فإنه تفويت للضمان، أو تأخير لا إلى غاية معلومة، وفيه ضرر ظاهر، ويخالف ما إذا عامله

ص: 208

إنسان بإقراض وغيره؛ فإنه رضي بكون الحق في ذمته؛ فجعل التعليق بالرقبة طريقاً وسطاً في رعاية الجانبين.

وقد روي عن ابن عباس – رضي الله عنهم – أنه قال: "إِنَّ العَبْدَ لَا يُغَرِّمُ سَيِّدَهُ فَوقَ نَفسِهِ شَيْئاً" وبعضهم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وهل يتعلق [مع ذلك] بذمة العبد حتى يتبع بما يفضل عن ثمن رقبته من أرش الجناية، او بجملتها إن اتفق تلف الثمن قبل إيفائه للمجني عليه؟ حكى الإمام فيه وجهين عن الأصحاب، وأصحهما – كما حكاه [الإمام] في كتاب النكاح [والإقرار] وهاهنا: التعلق، وهو ما جزم به الماوردي.

وفي "التهذيب" حكاية الخلاف المذكور قولين، وأن القديم منهما: التعلق، والجديد الأصح: المنع؛ لأن محله الرقبة، وقد بيعت فيه. وكأنه أخذ ذلك من كلام القاضي الحسين الذي سنذكره من بعد.

وفي "الجيلي": أن الغزالي قال في "الخلاصة": إن كان القتل عمداً، وبيع في الجناية، وفضل عنه- يتبع به إذا عتق، وإن كان خطأ لم يتبع على الأصح، وسيظهر لك ثمرة الخلاف، [ومحله – كما قال الإمام في الإقرار – إذا اعترف السيد بالجناية، أما إذا أنكر فلا وجه إلا القطع بأن الأرش يتعلق بذمة العبد.

قلت: ويعضده إطباق الأصحاب على أن الجاني خطأ إذا أقر بالجناية، وكذبته العاقلة – أنها تتعلق بذمته]، وهو قضية ما في "تعليق" أبي الطيب، والبندنيجي، و"الشامل"؛ حيث قالوا في كتاب الرهن [وغيره]: إن العبد إذا أقر بجناية خطأ، لا يقبل قوله على سيده؛ فإذا كذبه بقي أرش الجناية في ذمته يتبع به إذا عتق.

ص: 209

[وعلى هذا: بكم يطالب بعد العتق؟

قال الإمام في كتاب الإقرار: الذي قطع به: المحققون تمام الأرش.

وذكر القاضي وجهاً عن بعض الأصحاب: أنه يطالب بأقل الأمرين من الأرش، وقيمة الرقبة. وهذا ساقط، منحرف عن قاعدة المذهب.

قلت: والذي يظهر: عدم سقوطه؛ لانا ما ألزمناه الغرم بعد العتق في هذه الصورة جزماً إلا لعدم إنكار السيد؛ كما ذكر؛ فغاية الأمر: أن يلزمه ما كان السيد مطالباً بإيفائه من الرقبة، وهو أقل الأمرين على الصحيح.

نعم، إذا قلنا عند اعتراف السيد: يلزم العبد تمام الأرش في ذمته، فلا يجيء هذا الوجه قطعاً.

وقد حكى الإمام في أوائل باب الإقرار: أن القياسيين طردوا الخلاف فيما إذا أنكر السيد الجناية أيضاً؛ فتحصلنا في تقرير محل الخلاف على طريين].

قال: ومولاه بالخيار بي أن يسلمه؛ فيباع [في الجناية]، وبين أن يفديه؛ لأنه متعلق الحق؛ فخير بين تسليمه للبيع وبين إبقائه، وإيفاء [ما عليه]؛ كما لو رهن ماله بدين غيره.

[قال القاضي الحسين في باب موضع اليمين: ويلزم السيد إحضاره إذا كان يقدر عليه، ومؤنة الإحضار عليه؛ كما لو باع عيناً غائبة، يلزمه إحضارها، ومؤنة الإحضار عليه]، ولا يصير العبد ملكاً للمجني عليه؛ لأنه ليس من جنس حقه.

وقد يورد على هذا ما ذكرناه من ملك السيد جزءاً من دية عبده الذي قطعت يده في حال رقه، ثم أعتقه فسرت إلى نفسه؛ فإن ذلك الجزء ليس من جنس حقه.

والبائع عند امتناع السيد من الفداء من يأذن له السيد؛ فإن امتنع فهو الحاكم، ولا يبيع منه إلا بقدر الأرش إلا ألا يوجد من يشتري [إلا] الجميع؛ فيبيع الكل.

قال: فإن أرادالفداء، فداه - في أحد القولين – بأقل الأمرين من قيمته

ص: 210

أو أرش الجناية؛ لأنه إن كانت قيمته أقل فليس على السيد إلا تسليم رقبته؛ فإذا لم يسلم لم تتوجه المطالبة إلا بالقيمة. وإن كان الأرش أقل فليس للمجني عليه إلا ذاك، وهذا ما نسبه الفوراني، والبغوي، والرافعي إلى الجديد.

وبأرش الجناية بالغاً ما بلغ في [القول] الآخر؛ لأنه لو سلم، وعرض على البيع ربما اشترى بأكثر من قيمته؛ فإذا منع البيع، ولا منتهى يقف عنده توقٌّع ما يشتري به – لزمه الأرش بالغاً ما بلغ، وهذا ما نسبه المذكورون إلى القديم.

وفي تعليق القاضي الحسين إطلاق القولين كما ذكرنا عن القديم والجديد، ثم قال: وهما ينبنيان على جوابين مستنبطين، لولا ذانك الجوابان ما عرف القولان، وهذا أصل غير منصوص عليه، [مستنبط من فرع منصوص عليه]؛ إذ لا يتخرج هذا الفرع إلا على ذلك الأصل، والجوابان: أن أرش الجناية هل يتعلق بذمة العبد مع رقبته أم لا؟

وجه البناء – كما قال الإمام -: أنا إن منعنا تعلق الأرش بالذمة، فالفداء يتعلق بالرقبة.

وإن قلنا: الأرش يتعلق بذمة العبد، فقد صارت الرقبة كالمرتهنة بجميعه، فإذا أراد السيد فك الرقبة فلابد من أداء جميع الدين حتى تنفك الوثقة، وكذلك حكاه الفوراني.

ثم قال الإمام: وفي هذا البناء خلل من جهة أن الأصح: أن الأرش يتعلق بذمة العبد، وأنه يطالب به إذا عتق، والأصح: أن السيد يفديه بأقل الأمرين، وحينئذ لا ينتظم البناء.

وهذا منه بناء على اعتقاده ومن معه: أن الأصح تعلق الأرش بذمة العبد، وألا فالبناء لا خلل فيه على اعتقاد من صحح عدم التعلق، وهم الأكثرون كما حكاه الرافعي.

ثم القيمة المعتبرة في ذلك قيمة يوم الجناية على النص، وعن القفال: اعتبار

ص: 211

قيمة يوم الفداء؛ لأن ما قبل ذلك لا يؤاخذ به السيد؛ ألا ترى أنه لو مات قبل اختيار الفداء، لم يلزم السيد شيء؟! وحمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حالة الجناية، ثم انتقصت القيمة.

ولا فرق في تخيير السيد بين الفداء وتسليمه للبيع بين أن يكون قد قال: اخترت الفداء، أو لا يقول ذلك؛ كما هو ظاهر المذهب في "النهاية"، والمجزوم به في "التهذيب".

وحكى افمام أن بعض أصحابنا ذهب إلى أنه إذا قال: اخترت الفداء، لزمه الوفاء بما قال، وأن هذا القائل لا يشترط أن يقول: التزمت، بل إذا قال: اخترت، كفى ذلك، وكذا إذا قال: أنا أفديه، فصيغة الوعد الجازمة كافية.

ولو كان الجاني جارية، فوطئها المولى – فهل يكون الوطء اختياراً للفداء على هذا؟ فيه وجهان، أصحهما في "الرافعي": المنع؛ لأن الوطء لا داللة له على الاختيار، بخلاف اللفظ.

ثم قال الإمام: وكل ذلك خَبْط لا أرى الاعتداد به، ومحله إذا لم يمت العبد، أما إذا مات، قال الرافعي: فلا رجوع له بحال.

أما إذا كنات جناية العبد قد صدرت بإذن السيد، قد قال الإمام في كتاب الإقرار: إن الأرش يتعلق برقبة العبد لا محالة، والأصح: أنه لا يتعلق بكسبه.

والفرق بينه وبين ديو المعاملة: أنه ثَمَّ مأذون له [في] تأدية ما ييق به، ويتعين لهذه الجهة كسبه، والمأذون له في الجناية ليس مأذوناً في قيمة ما يجني عليه؛ [فلا] يتعلق بكسبه.

وأبعد بعض أصحابنا، وقال: إن الأرش يتعلق بالرقبة والكسب جميعاً لمكان الإذن، وهذا غلط، لا أصل له.

ولعل هذا من الإمام مفروض فيما كان للعبد تمييز أما إذا [لم يكن له] تمييز فقد ذكرت ما فيه في باب ما يجب به القصاص من الجنايات، وكتاب [الرهن].

ص: 212

وقد آن ذكر ما تقدم الوعد به من ذكر فائدة القول بأن أرش الجناية يتعلق بذمة العبد مع رقبته.

فمنها: هل يملك المجني عليه فك الرقبة عن التعلق، ور الحق إلى الذمة خاصة؛ كما يملك فك الرهن؟ فيه وجهان حكاهما الإمام في باب العفو عن القصاص.

ومنها: لو ضمن ضامن الأرش في ذمته هل يصح؟ قال الإمام: فيه تردد عندي، مأخوذ من كلام الأئمة:

وجه المنع: أنا وإن أطلقنا ثبوته في الذمة؛ فهو على تقدي رالتوقع، ولا استقرار له في الحال.

ووجه الصحة – وهو الأظهر-: القياس على ضمان ما في ذمة [الميت المعسر]، بل أولى؛ لأن العبد يرجى له العتق وايسار، بخلاف الميت، وضمان ما يلزمه من ديون المعاملات أولى بالصحة.

ولا خلاف أنه يصح ضمان ما يتعلق بكسبه كالمهر في النكاح الصحيح.

ولو ضمن السيد أرش الجناية فهو مرتب – عند الإمام – على ما إذا ضمنه أجنبي، وأولى بالصحة؛ لتعلقه بملكه.

فروع:

إذا قتل السيد العبد الجاني، أو أعتقه، أو استولد الجارية الجانية، ونفذنا ذلك – فالمذهب: أنه لا يلزمه إلا أقل الأمرين؛ لأنه متلف، والمتلف لا يلزمه أكثر من قيمة ما أتلف.

ومن أصحابنا من أجرى القولين.

وفي "الشامل" في كتاب الظهار: أن مجريهما في مسألة [العتق] أبو إسحاق، وان القاضي أبا الطيب صحح ذلك.

ولو مات العبد، أو هرب [قبل] أن يطالب اسيد بتسليمه – فلا شيء على السيد.

وكذا لو طولب به، فلم يمنعه.

ص: 213

وإن طولب به؛ فمنعه، قال الرافعي، والبغوي: صار مختاراً للفداء.

وفي "تعليق" القاضي الحسين: أنه يضمنه. والعبارتان متقاربتان.

ولو جنى العبد جنايات قبل الفداء، فعلى الأصح: يفديه السيد بأقل الأمرين من قيمته، أو أروش جناياته، وعلى الثاني: بأورش جناياته.

وكذا الحكم فيما لو جنى بعد أن سلمه للبيع.

ولو قتل أجنبي العبد الجاني قتلاً يستوجب القصاص؛ فللسيد القصاص.

قال في "التهذيب": وإذا فعل كان عليه الفداء للمجني عليه.

قال الرافعي: ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه، إلى أن موجب العمد القصاص أو أحد الأمرين.

يعني: فإن قلنا: الواجب القصاص عيناً، فينبغي ألا يلزمه الفداء.

ولو كانت الجناية على العبد موجبة للمال، تعلق حق المجني عليه بالمأخوذ، وللسيد بعد ذلك اختيار الفداء، وفيماي فديه به الطريقان؛ كما قاله الرافعي.

[و] لو جنى العبد على شخص، ثم قطع جان يد العبد، ثم جنى العبد على آخر، ومات العبد من القطع، ومات اللذان جنى عليهما العبد من جنايته – فالواجب على الذي قطع يد العبد ومات منها كمال قيمته، وحصة اليد منها يختص بها المجني عليه أولاً، ويتضاربان في الباقي هما أو ورثتهما: هذا بما بقي من حقه، [والآخر بتمام حقه].

وحكى الشيخ أبو علي: أن من الأصحاب من يغلط؛ فيعتبر [أرش اليد] – في هذ الحالة- نصف القيمة، وهو فاسد؛ لأنه لو قطع الجاني يديه، يلزمه أن يقول: يستبد المجني عليه الأول أو ورثته بجميع الدية، وذلك ممتنع.

ولو اشترى المجني عليه أووليه العبد الجاني، فإن كان بغير أرش الجناية، نظر: فإن كان في حقه القصاص لم يسقط، وكان له استيفاؤه، فإذا استوفاه نظر: فإن كان المستحق قطع الطرف فالبيع باق بحاله، ولا خيار له في

ص: 214

نقضه بهذا القصاص؛ لعلمه باستحقاقه، وإن كان المستحق نفسه فقد اختلف أصحابنا في الاقتصاص منه هل يجري مجرى استهلاكه، أو يجري موته بالمرض؟ على وجهين مضيا في البيع.

فعلى الأول: يرجع ولي المجني عليه على البائع بثمنه.

وعلى الثاني: لا يرجع بثمنه؛ لتلفه في يده، ولا بأرش عيبه؛ لعلمه بجنايته.

ولو اشتراه المجني عليه أو وليه بأرش الجناية؛ فإن كان المستحق القصاص، فقد سقط، ورجع الحق إلى المال؛ فينظر:

فإن كان إبلا، وجهلا - أو أحدهما-جنسها وسنها، فالبيع باطل.

وكذا لو كان ورقاً أو ذهبا، وجهله أحدهما.

وإن عرفا سن الإبل وجنسها، [وجهلا وصها] ونوعها - قال الماوردي: ففي جواز جعلها صداقاً قولان

والبيع كالصداق عند ابن أبي هريرة، وإليه صا رأبو عليّ؛ كما ذكره الغزالي في الصلح.

وعند أبي إسحاق المروزي: يبطل قولاً واحداً.

والفرق: اتساع حكم الصداق؛ لثبوته بعقد وغير عقد، وضيق حكم البيع الذي لا يستحق الثمن فيه إلا بعقد.

والإمام بنى ذلك على جواز الاعتياض عن إبل الدية فقال: إن قلنا لا يصح ففي البيع وجهان:

أحدهما: لا؛ كما لايجوز الاعتياض.

والثاني: يجوز؛ فإن هذه المعاملة ليست لإيفاء أرش [واستيفاء أرش] وإنما هي لتبرئة الذمة، والإبراء عن الأرش من الإبل جائز؛ فإن قلنا بصحة البيع برئ العبد من أرش الجناية؛ فلو وجد به عيباً [كان له أن يرده ويعود أرش الجناية في رقبة العبد فيباع] فيها، أو يفديه السيد، وفائدة الرد: تخليص المشتري من عهدته.

ص: 215

وقد ذكرت في كتاب البيع شيئاً من فروع هذه المسألة؛ فليطلب منه.

واعلم أن أرش جناية العمد إذا تعلق برقبة العبد، اقتضى بيعه عند امتناع السيد من الفداء في الحال، ولو تعلق برقبته أرش جناية الخطأ، ففي "تعليق" القاضي الحسين: أن الذي ذكره منصور الفقيه: أنه يباع منه في كل سنة بقدر ثلث الجناية، وتجب دية الخطأ مؤجلةً [في ثلاث سنين في رقبته.

وقيل: يباع العبد في الحال كما لو أتلف مال إنسان، ودية الخطأ إنما تجب مؤجلة] إذا تحملها العواقل لا غير [وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب في كتاب القسامة والبندنيجي في آخر كتاب الكتابة وكذا الماوردي].

ولهذا الخلاف شبيه يعضده، وسأذكره في آخر الباب، إن شاء الله تعالى،

قال: وإن جنت أم الولد فداها المولى بأقل الأمرين؛ لما ذكرناه في بابه.

وقد ذكرنا ثَمَّ قولاً آخر عن المراوزة.

وقال الإمام: إن تعليل إلزام السيد الفداء [مما يغمض؛ لأن السيد تصرف في ملكه، وإلزامه الفداء] بسبب جناية تصدر منها بعد الاستيلاد بعيد عن قياس الأصول، ولكنه متفق عليه بين أصحابنا.

وعلى هذا: فالقيمة المعتبرة عند الشيخ أبي عليّ: قيمة يوم الاستيلاد؛ لأنه الذي صار السيد مانعاً به، وذلك المعنى لا يتجدد.

قال الإمام: وهذا غير متجه، والذي كان يصير إليه شيخي: أن الاعتبار بقيمة يوم الجناية، وهذا أقيس وأفقه.

قال: وإن جنى مكاتب، [فإن] كان على أجنبي فدى نفسه بأقل الأمرين، وإن كانعلى مولاه فدى بأقل الأمرين في أحد القولين، وبالأرش في الآخر.

فإن لم يفد بيع في الجناية، وانفسخت الكتابة؛ لما ذكرناه في بابه؛ فليطلب منه.

ص: 216

ومن نصفه حر ونصفه رقيق إذا قتل خطأ، يجب نصف الدية على عاقلته؛ كذا حكاه الرافعي عن "فتاوى" صاحب "التهذيب".

قال: وما يجب بخطأ الإمام فهو في بيت المال في أحد القولين؛ لأن الدية وجبت بالحكم بين المسلمين؛ فكانت من بيت مالهم، وأيضاً: فإن خطأ الإمام يكثر؛ فلوأوجبناه على عاقلته لأدى ذلك إلى الإجحاف بهم؛ فكان بيت المال احق بهن وهذا ما اختاره في "المرشد".

فعلى هذا: هل تجب الكفارة في بيت المال أو في ماله؟ فيه قولان حكاهما القاضي أبو الطيب والماوردي، وهما في "المهذب" وجهان، واختار في "المرشد" منهما: الأول.

ووجه الفرق على الثاني: أن الكفارة عبادة محضة؛ فكانت في ماله.

قال: وعلى عاقلته في [القول] الآخر؛ كما لو لم يكن إماماً، وهذا ما صححه النواوي والشيخ أبو حامد والقاضي الروياني وغيرهم، ويشهد له: أن عمر – رضي الله عنه –حين ضمن جنين المرأة التي أرهقها؛ فألقته ميتاً، قال لعلي – كرم الله وجهه -:"عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَلَاّ تَبْرَحَ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ" يعني: من قريش؛ لأنهم عاقلة عمر، ولم ينكر ذلك أحد من زمنهم، ولا من جميع الأمة، كما قاله الماوردي.

وحكم عمد خطأ الإمام حكم خطئه على ظاهر المذهب، كما حكيناه عن الأصحاب في مسألة قتل الحامل.

وقد حكينا ثم عن القاضي الحسين وغيره: أنه يكون على عاقلته جزماً، وبه صرح الإمام؛ حيث ذكر هذه المسألة في حد الشرب بفروعها، وقال: إن الأئمة قالوا: ما ذكرناه من القولين فذاك إذا لم يظهر منه تقصير في الواقعة؛ فإن ظهر تقصيره فلا خلاف في أن ما يلزمه لا يضرب على بيت المال. وضرب له مثالاً، وهو استيفاء الحد من الحامل مع علمه بحملها.

ص: 217

[قال: وما يجب من الدية بالخطأ أو عمد الخطأ، فهو مؤجل، لأن العاقلة تملها علىوجه المواساة؛ فوجب أن يكون وجوبها مؤجلاً، أصله: الزكاة؛ فإنها تؤخذ في كل سنة].

قال: فإن كان دية نفس كاملة - أي: وهي دية الرجل الحر المسلم - فهو مؤجل في ثلاث سنين، في كل سنة ثلثها؛ لقول الشافعي رضي الله عنه:ولا اختلاف بين أحد علمته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها في ثلاث سنين".

ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه جعل الدية على العاقلة في الأعطية أثلاثاً في ثلاث سنين.

وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جعل الدية على العاقلة أثلاثاً.

وروى الشيخ أبو حامد عن عليٍّ - كرم الله وجهه- مثل ذلك.

ومنه دليلان:

أحدهما: أنه إجماع الصحابة.

والثاني: أنهم لا يقولون ذلك إلا توقيفاً؛ لأنه لا مدخل للقياس فيه.

وقول ابن المنذر: "إن ما ذكره الشافعي رضي الله عنه لا يعلم له أصلاً من كتاب ولا سنة"، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنه حين سُئل عن ذلك:"لا أعرف فيه شيئاً"- فقد أجاب أصحابنا عنه بجوابين:

أحدهما - وهو قول ابن أبي هريرة - أن مراد الشافعي بقضائه: تأجيل الدية في ثلاث سنين، وانه مروي، لكنه مرسل؛ فلذلك لم يذكر إسناده.

والثاني- وهو ماحكاه القاضي أبوالطيب أنه لا يجوز أن يرد قولالشافعي بذلك؛ لأنه عرفه، وغيره لم يعرفه.

وقد قال الغزالي في كتاب السير، عند الكلام في أراضي الكفار: إن الشافعي أعلم القوم بالأخبار والتواريخ.

قال القاضي الحسين: وقد اختلف أصحابنا في المعنى الذي لأجله كانت في ثلاث سنين:

ص: 218

فقيل: لكونها بدل نفس.

وقيل: لكونها دية كاملة، وهذا أشبه عند الرافعي.

أما الدية الاوجبة بقتل العمد فهي على القاتل حالَّة؛ [لأنه] لا يليق بحالِهِ الرِّفق.

قال: وابتداؤها من وقت القتل- أي: من حين زهوق الروح – لأنه حق مؤجل وجب بسبب؛ فاعتبر ابتاء الأجل من حين وجود السبب؛ كالأثمان في البيع [تجب بوجود البيع]، وهو أول أجل المؤجل.

ولا فرق في ذلك بين أن يحصل الزهوق بجراحة مذففة، أو بسراية من قطع عضو ونحوه، وهذا ما يوجد في "الحاوي"، و"تعليق" أبي الطيب، و"البندنيجي"، و"الشامل"، و"النهاية"، و"التهذيب".

وفي "تعليق" القاضي الحسين: أن الموت إذا حصل بالسراية بعد قطع إصبع، ففي ابتداء الوقت ثلاثة أوجه:

أحدها: من وقت الجراحة؛ لأن سبب الوجوب هو الجرح.

والثاني: من وقت زهوق الروح.

والثالث: أن دية الإصبع ابتداؤها من وقت القطع، والباقي: من وقت الزهوق.

وفي "الوسيط" و"الوجيز": أن ابتداء الحول من وقت الرفع إلى القاضي؛ لأن هذه مدة تناط بالاجتهاد.

وهذا ما حكاه الفوراني فيما وقفت عليه من الإبانة.

ص: 219

وفي "البيان" و"الذخائر" نسبة ذلك إلى الخراسانيين، قال الرافعي: ولعله أخذ من كلام الغزالي.

والصحيح الأول؛ لأن هذه مدة ثابتة بالشرع؛ فلايحتاج فيها إلى قضاء القاضي: كمدة الإيلاء، والعدةن بخلاف العنة؛ لأن تلك تثبت بالشرط؛ فتثبت من حين الشرط؛ كالخيار.

قال: وإن كان أرش طرف، فإن كان قدر الدية-أي كما إذا قطع ذكره، أو يديه، أو رجليه، ونحو ذلك – فهو في ثلاث سنين؛ قياساً على دية النفس.

وفيه وجه حكاه الإمام عن رواية شيخه: أنها تجب في سنة؛ نظراً إلى أن المعنى في بدل النفس [الكاملة]: كونها دية نفس. ثم قال: وليست أعتد به، وإن تكرر سماعي منه. وهو جار في جميع دية الأطراف، وإن زادت على دية النفس، [أو نقصت].

قال: وإن كان الثلث، أي: كدية الجائفة والمأمومة، فما دونه، أي كدية الموضحة ونحوها – ففي سنة؛ لأن العاقلة لا تحمل حالاً؛ فاعتبرت السنة؛ كالزكاة.

فرع: لو قتل ثلاثة واحداً خطأ فالدية على عواقلهم أثلاثاً، يجب على كل منهم ثلث في ثلاث سنين؛ لأن الدية واحدة، ومستحقها واحد.

وفيه وجه: أن الثثل الذي يخص كل واحد منهم يضرب في سنة؛ لأنهم أشخاص متعددون، وقدر الثلث يؤخذ من العاقلة في السنة.

قال: وإن كان الثلثين، أي: كدية اليد – وجب الثلث في سنة؛ [لما ذكرناه]، وما زاد في السنة الثانية؛ لأنه لا يجب على العاقلة شيء في أقل من سنة.

ص: 220

قال: وإن كان قدر الدية أو أقل، أي: كدية يد وجائفة أو مأمومة – وجب الثلثان في سنتين، وما زاد في السنة الثالثة؛ اعتباراً بتقسيط الدية الكاملة في ثلاث سنين.

وقول الشيخ: "قدر الدية" تكرار، جرى فيه على عادته في المسائل قبلها؛ لأنه ذكره من قبل.

قال: وإن كان أكثر من ذلك، كدية اليدين والرجلين – لم يجب في كل سنة أكثرمن الثلث، [أي: ثلث الدية؛ لأنها جناية على واحد؛ فلم يجب في كل سنة أكثر من الثلث]؛ كي لا يحصل بهم الإجحاف، وهذا أصح في "التهذيب".

وفي "تعليق"[القاضي الحسين]: أنا إذا نظرنا إلى المعنى الأول في دية النفس ففيما يجب هاهنا في [كل سنة] وجهان:

أحدهما: ما ذكره الشيخ، وهو الأظهر في "الرافعي" أيضاً.

والثاني: أنه يجمع جميع ذلك في ثلاث سنين.

وقد احترزنا – على الصحيح – بقولنا: جناية على واحد، عما إذا وجبت ديتان فأكثر لشخصين بجناية واحدة [على اثنين فأكثر]؛ فإنه يجب لورثة كل منهم في كل سنة ثلث ديته؛ كما صرح به الماوردي.

وحكى القاضي الحسين في هذه الصورة وجهين؛ بناء على المعنيين السابقين: فمن قال: المعنى في إيجاب الدية الكاملة في ثلاث سنين كونها دية نفس، فهاهنا يجب لكل ولي ثلث دية قتيله.

ومن قال: المعنى: أنها دية كاملة، وجب ذلك هاهنا على العاقلة في ست سنين في كل سنة ثلث الدية؛ مراعاة للقدر

وفي "الرافعي" طريقان آخران:

أحدهما: أنا إن نظرنا إلى المعنى الأول ففيه الوجهان المذكوران، وإن نظرنا إلى المعنى الثاني ففي ست سنين.

ص: 221

والثاني – وهو الأظهر-: أنا إن نظرنا إلى المعنى الأول ففي ثلاث سنين، وإن نظرنا إلى المعنى الثاني فوجهان:

أحدهما: في ست سنين.

وأصحهما: في ثلاث سنين؛ لأن الواجب ديات مختلفة، ومستحقوها مختلفون؛ فلا يؤخر [حق] بعضهم باستحقاق غيره.

قال: وابتداؤها، أي: ابتداء مدة دية الأطراف من وقت الاندمال، أي: إذا سرت إلى عضو آخر دون النفس؛ لأنه وقت استقرار الجناية، وهذا ما ذكره الشيخ أبو حامد وأصحابه، عليه جرى صاحب "الحاوي"، وقال ابن الصباغ والقاضي أبو الطيب: إنه الذي قال به أصحابنا، واختاره في "المرشد".

وصور ذلك البندنيجي بما قطع إصبعه، فسرت الجراحة بعد شهر إلى كفه، ثم اندملت بعد شهر آخر – فابتداء المدة بعد انقضاء الشهرين، لا من وقت القطع، ولا من وقت السراية.

وقيل: يعتبر ابتداء المدة من وقت سقوط الأخير؛ فإنه نهاية الجناية، وقطع الطرف مع السراية كقطع العضوين، وهذا ما ذكره في "التهذيب"، وقال في "الإبانة": أنه الصحيح. وضعفه الإمام.

وقيل: يعتبر أرش الأول من وقت الجراحة، وأرش الثاني من قوت [وقوف] السراية، وهذا يحكي عن اختيار القفال، ورجحه الإمام والقاضي الروياني.

أما إذا لم يسر الجرح أصلاً، فابتداء المدة من حين الجرح، وقد وافق عليه الفوراني؛ لأن الوجوب معلق بها، والاندمال بيّن استقرارها؛ فعلى هذا: إن اندملت بعد انقضاء الأجل استحق تعجيلها.

ولو انقضى الأجل قبل الاندمال، ففي "النهاية": أن [في] جواز مطالبة العاقلة بها الخلاف المذكور في مطالبة الجاني بها عند العمد.

وعن "جمع الجوامع" للقاضي الروياني: أن أبا الفياض ذهب إلى احتساب

ص: 222

المدة من وقت الاندمال، فإن كان الشيخ قصده فكلامه على إطلاقه.

قال: وإن كان دية نفس ناقصة: كدية الجنين، والمرأة، والذميّ –فقد قبل، هي كدية النفس الكاملة؛ فتجب في ثلاث سنين؛ نظراً للمعنى الأول. وهذا أصح في "تعليق" القاضي أبي الطيب، ويقال: إنه اختيار الماسرجسي.

وقيل هي كأرش الطرف إذا نقص عن الدية؛ نظراً للمعنى الثاني. وهذا أشبه في "الرافعي"، والمختار في "المرشد"، والنواوي، وعليهما يخرج – أيضاً – ما إذا قتل عبداً قيمته أكثر من دية حر، وقلنا: تحمله العاقلة؛ فعلى الأول: تجب في ثلاث سنين، قال القاضي أبو الطيب: وهذا نقله القاضي أبو حامد في "جامعه"، ولم ينقله غيره.

وعلى الثاني: يؤدي في كل سنة بقدر ثلث [دية حر].

وقد بنى الماوردي الوجه الأول في هذه الصورة على الوجه الأول في الصورة قبلها، والثاني على الثاني.

قال: والعاقلة: العصبات، أي: الذين يرثون بالنسب والولاء إذا كانوا ذكوراً.

وجهه في عصبات النسب: قول الشافعي – رحمه الله – في "المختصر": ولا مخالف أن العاقلة: العصبة، وهم القرابة من قبل الأب.

ووجهه في عصبات الولاء: قوله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ"، ولأنه لما استحق الميراث بالولاء كاستحقاقه بالنسب، وجب أن يتحمل به العقل كما يحمل بالنسب.

وقد روي "أن عليًّا والزبير اختصما إلى عمر – رضي الله عنه في مولى لصفية بنت عبد المطلب، وقد جنى؛ لأن الزبير ابنها، وعلى ابن أخيها" – وفي "النهاية": أنه ابن عمّها، وهو سهو – فقضى للزبير بالميراث، وعلى عليّ بأن يعقل عنه، ولم يخالفه أحد؛ فكان إجماعاً.

ووجهه فيهما: ما روى أبو داود من طريق عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 223

في قصة المرأتين التي سنذكرها "جَعَلَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ القَاتِلَةِ"، وأخرجه مسلم والترمذي، كما ذكرناه من قبل، وسنذكره برواية أخرى.

قال: ما عدا الأب، والجد، والابن، وابن الابن؛ لما روى أبو داود عن جابر:"أَنَّ امْرَأَتَيْنِ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا زَوجٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا".

قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا؛ مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا".

ولما ذكرناه من خبر سعيد بن المسيب وأبي سلمة في أول الباب.

وعن ابن المسيب، عن أبي هريرة – في هذه القصة – قال:"ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ تُوُفِّيَتْ؛ فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا"، وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

وقد روى ابن المنذر بسنده، عن ابن مسعود أنه – عليه السلام – قال في خطبة الوداع:"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍن لَا يُؤْخَذُ الْمَرْءُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ، وَلَا بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ"، فكان على عمومه.

ولان الجاني لا يتحمل العقلح لما فيه من الإجحاف بهن وهؤلاء أبعاضه؛ فلا يتحملونه؛ لان مالهم كمالهح ولهذا لا تقبل شهادته لهم؛ كما لا تقبل شهادته لنفسه، ويستغني بمالهم كما يستغني بمال نفسه.

ص: 224

ولا فرق – في ذلك –بين ابن القاتل وأبيه، ولا بين ابن المعتق وأبيه على الأظهر، وبه جزم القاضي أبو الطيب، والحسين، وابن الصباغ، وإن كان على خلاف القياس؛ لما ذكرناه من قضاء عمر، رضي الله عنه.

وقيل: [إن المعتق وأباه] يتحملان العقل كالمعتق.

فرع: لو كان للمرأة القاتلة ابن هو ابن ابن عمها، أو ابن هو مولاها- فهل يتحمل العقل؟ فيه وجهان حكاهما الفوراني وصاحب "العدة" والإمام عن العراقيين:

أحدهما – وبه قال الشيخ أبو عليّ [السنجي]-: نعم؛ كما يزوجها، وهذا أقيس في "النهاية".

والثاني – وهو المذكور في "الحاوي" في صورة ابن العم، وفيهما في "تعليق" القاضي أبي الطيب، و"الشامل" -: لا؛ لأن العلة في ذلك أن بينهما بعضية، وهي موجودة، ويخالف ولاية النكاح؛ لأن المنع منهما كان لعدم الولاية، وقد وجدت.

فرع آخر: ذوو الأرحام لا يتحملون العقل، قال في "التتمة":إلا على طريقة من يرى توريثهم؛ فيحملون عند عدم العصبات؛ كما يرثون عند عدمهم.

قال: ولا يعقل بنو أب وهناك من هو أقرب منهم، أي: وكان المضروب عليهم [يفي بقدر] الواجب، بل يقدم الأقرب فالأقرب؛ لأن حق يستحق بالتعصيب؛ فقدم الأقرب فالأقرب كالميراث – فعلى هذا: يُقَدَّم الإخوة، فإن وفى المقسط عليهم بالواجب – كما سنذكره – فذاك، وإن زاد، فسيأتي حكمه، وإن نقص انتقلنا إلى بنيهم، ووزع على كل منهم ما يقتضيه حاله – كما سنذكره – فإن وفى المقسط عليهم بتمام الواجب فذاك، وإن نقص أيضاً [عدلنا إلى الأعمام، ثم بنيهم، ثم أعمام الأب، ثم بنيهم]، وهكذا نفعل إلى ألا نجد

ص: 225

أحداً من عصبات النسب؛ فننتقل إلى المعتق إن كان رجلاً؛ فإن لم يوف المضروب عليه بتمام الواجب، أو كان امرأة – عدلنا إلى إخوته، ثم [إلى] بنيهم، ثم أعمامه، ثم [إلى] بنيهم، وهكذا، [فإن عدموا انتقلنا إلى معتق المعتق، ثم إلى إخوته، ثم بنيهم، وهكذا] على ترتيب الولاء.

ويفارق هذا الميراث – حيث لا يشارك فيه الأبعد الأقرب؛ لأن ما يجب على كل واحد من العاقلة يقدر بمقدار مضبوط كما سيأتي، لا يزاد عليه، وما يرثه كل واحد من العصبة غر مقدر؛ فيحوزه الأقرب، وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب والماوردي والبندنيجي وابن الصباغ.

وحكى الإمام أن الأئمة قيدوا الضرب على عصبات [المعتق بموت المعتق، وأنه يمكن تعليله؛ بأن العصبات] لا حق لهم [في الولاء] ولاحق لهم بالولاء؛ فيقعون من المُعْتِق في حياة المُعْتَق موقع الأجانب؛ فإذا مات المُعْتَق ورثوا بالولاء، وصار الولاء لهم لحمةكلحمة النسب؛ فإذ ذاك يضرب عليهم، وأنه لا يتجه إلا هذا.

نعم، إذا لم يكن ثم معتق، وضربنا على عصبته، فهل يختص الضرب بالأقربين ولا نتعداهم، أم نتعداهم إلى [الأباعد؛ كصنيعنا] في عصبات النسب؟ هذا فيه تردد ظاهر، والأصح الثاني.

قلت: [ومادة الاحتمال] الأولى تقوى بما حكاه القاضي الحسين في باب الولاء، عن نص الشافعي فيما إذا أعتق رجل أمة، فمات المعتق، وخلف ابناً صغيراً، وللابن الصغير جدان، الجد ليس له أن يزوج الأمة المعتقة.

وكذلك يقوى ما حكاه الإمام عن الأئمة في حياة المعتق بما حكاه القاضي الحسين في باب الولاء: أن المعتق لو قتل المعتق، وللمعتق ابن لا يرث

ص: 226

القاتل المقتول، ولا ولده يرثه.

ولا شك في أن المعتق لو كان امرأة، يتحمل العقل عن معتقها من يتحمل العقل عنها؛ كما يملك تزويجها، صرح به الفوراني، وإن سكت عن الكلام فيما سبق.

قال: [فإن اجتمع من] يدلي بالأب والأم، ومن يدلي بالأب – ففيه قولان:

أصحهما: أنه يقدم من يدلي بالأب والأم؛ لأنه أولى بالميراث؛ فوجب أن يكون أولى بالتحمل؛ قياساً على الأخ مع ابن الأخ، وهذا هوالجديد.

والثاني: أنهما سواء؛ لأن قرابة الأم لا تأثير لها في [تحمل العقل]؛ ولهذا لا يجب على الأخ من الأم، وإذا كان كذلك كان الجميع سواء؛ لاشتراكهم في ميراث [مال] الأب، وهذا حكاه القاضي أبو الطيب عن القديم.

قال: وإن [اجتمع منهم جماعة] في درجة واحدة، وبعضهم غيب – ففيه قولان:

ص: 227

أصحها: أنهم سواء؛ كما في الميراث.

والثاني: [يقدم الأقرب]؛ لأن نصرة الحاضر أقوى؛ فيجب أن يكون أولى؛ ولأن في قسمتها على الحاضر والغائب مشقة. فعلى هذا: إن وفى المقسط على الحاضرين بالواجب فذاك، وألا انتقلنا إلى الغائبين، ووزعنا على كل منهم ما يقتضيه حاله؛ كما ذكرناه في الأبعد مع الأقرب.

ولو كان بعض الغائبين داره أبعد من دار بعض، لم نوزع على الأبعد داراً إلا بعد التوزيع على الأقرب، ولم يحصل به تمام الواجب.

وفي "التتمة" نصب الخلاف في مسألة الكتاب في أنه هل يجوز تخصيص الحاضرين؛ بناء على أنه لو كانت العاقلة كلهم حاضرينن لايجوز تخصيص بعضهم بالضرب؛ فإن جوزنا فيجوز تخصيص الحاضرين بلا خلاف.

أما لو كان الغائب أقرب درجة، والحاضر أبعد، ففي "تعليق" القاضي أبي الطيب، والبندنيجي، و"الشامل": أنها على الغائب؛ لأن القرب في الدرجة هو المقدم على الحضور. وفي "الإبانة" حكاية القولين في هذه الصورة مقتصراً عليهما:

أحدهما: يقدم الحضور.

والثاني: يقدم الغيب.

والقاضي الحسين والإمام والمصنف والماوردي حكوا القولين في الصورتين، والأقيس عند الإمام منهما: الثاني.

[تنبيه: غيب: يجوز بضم الغين وتشديد الياء، ويجوز:"غيبٌ": بفتحهما وتخفيف الياء.

قال أهل اللغة: يقال: غاب يغيب غيبة، وغيباً، وغياباً، وغيوباً، وغيبوبة، ومغيباً؛ فهو غائب، وهم غائبون، وغياب، وغب، وغيب، وغيبه].

ثم الغيبة المعتبرة فيما ذكرناه عند الغزالي: الغيبة التي تمنع التحصيل في سنة

ص: 228

- يعني: بالمكاتبة إلى قاضي [ذلك البلد- وهذا احتمال أبداه الإمام لنفسه؛ [فإنه قال: وإذا] قلنا بجواز الأخذ من الحضور دون الأباعد؛ فيجب ألا يجري هذا في كل غيبة، وإن كانت إلى مسافة القصر؛ فإن الضرب يسهل على من يبعد عن مكان العقل مرحلتين، وكذلك لو زادت المسافة، وأقرب معتبر في هذا التعذر عندي يتلقى من الأجل الشرعي؛ فإن كان يمكن تحصيل الغرض من الغيب في سنة فليس الأمر متعذراً، وإن كان لا يتوصل إلى الضرب عليهم في كل سنة فيمكن أن يقضي عند ذلك بالتعذر، ويجري فيه القولان.

وكلام الشافعي رضي الله عنه في "المختصر" لا يساعده على ذلك، فإنه قال: إذا جنى [رجل] بمكة وعاقلته بالشام، [فإن لم يكن خبر قضى بالعقل، وقد قيل: نحمله على عاقلة الرجل ببلده، ثم أقرب العواقل، ولا ينتظر بالعقل غائب.

وكذلك صور الماوردي والبندنيجي وغيرهما [محل القولين] بما إذا كان بعض العاقلة بمكة وبعضهم غيب بالشام] وقالوا فيما إذا فرعنا على تقديم الحاضر، ولم يوف الموزع عيهم بالواجب: أنا نقدم منهم من هو [مقيم] بالمدينة، دون من هو مقيم بالشام، وعلى هذا يظهر أن لا ضابط إلا مسافة القصر.

قال: فإن عدم العصبات، أي: من النسب والولاء، وهناك مولى من أسفل - ففيه قولان:

أصحهما: أنه لا يعقل؛ لأنه ليس بمباشرلهن ولا له عليه ولاء؛ فأشبه الأجانب،

ولأنه حكم من أحكام الولاء؛ فيختص بالمعتق كالميراث.

والثاني: أنه يعقل؛ لأن المولى الأعلى إذا كان يتحمل عن الأسفل، وهو

ص: 229

المنعم؛ فلأن يتحمل المنعم عليه عن المنعم أولى.

ولأن العقل للنصرة، والعتيق أولى بنصرة معتقه؛ لإنعامه عليه، وهذا ما حكى القاضي أبو الطيب أنه نص عليه [هنا]، والبندنيجي أنه نص عيه في "الأم".

ويخالف الميراث؛ لأن ذلك في مقابلة النعمة التي للمعتق؛ بسبب الإعتاق، ولا نعمة للعتيق على المعتق.

وعلى هذا: لا يتعدى العقل إلى أحد من عصبات المولى الأسفل بحال؛ لأنه لا يتحمل الجناية عنهم؛ فلذلك لا يتحملون عنه.

وفي "البيان": أن الذي يقتضيه المذهب أن يكون في عتيق العتيق القولان؛ لأن الجاني يتحمل عنه.

ثم ظاهر كلام الشيخ: أنَّا على قول تحمل المولى من أسفل العقل يكون قبل بيت المال؛ كما صرح به في المهذب، وبه جزم القاضي أبو الطيب والماوردي والبندنيجي.

وفي "ابن يونس": أن بعضهم رأى تأخيره عنه.

قال: فإن لم يكن من يعقل، أي: إما لعدمه، أو لوجوده وإعساره –وجب في بيت المال، أي: إذا كان مسلماً؛ لأن مال بيت المال للمسلمين، وهم يرثونه؛ كما ترث العصبات، ويخالف الذميّ؛ فإنهم لا يرثونه، وإنما ينتقل ماله إلى بيت المال فيئا.

وهكذا إذا وجدنا من يعقل، لكن فضل من الواجب شيء بعد التوزيع عليهم.

قال: فإن لم يكن، أي: بيت المال، وقد عدم من يعقل – فقد قيل:[يجب] على الجاني، [وقيل: لا يجب [عليه].

هذان القولان –كما قال القاضي أبو الطيب وغيره – يبنيان على أن الدية تجب على الجاني، ثم تتحملها العاقلة، أو تجب عليهم ابتداء؟ وفيه القولان السابقان.

ص: 230

فعلى الأول: تجب على الجاني]، وهو المختار في "المرشد"؛ لأنها وجبت عليه في الأصل؛ فإذا تعذر من يتحمل بقي الوجوب في محله، ولأن الأصحاب متفقون على وجوبها على الذميّ إذا لم يكن له عصبة.

وعلى الثاني: لا تجب [عليه]؛ لوجوبها على غيره.

وهما كالوجهين في زكاة الفطر إذا كان الزوج معسراً، والزوجة موسرة، وقطع القاضي الحسين بأن نوجب على الزوجة الفِطْرة، ولا نوجب على الجاني الدية، وإن قلنا: إنها تجب عليه ابتداء، ثم تنتقل إلى العاقلة. وفرق بأن الزكاة الأصل وجوبها على المكلف، غيرأنه يتحمل عنها الزوج لعارض؛ فإذا لم يجب عليه التحمل عاد إلى الأصل. ودية الخطأ الأصل وجوبها على العاقلة وأخذها من مالهم؛ فجاز ألا تعود إليه، وإن تعذر استيفاؤها منهم.

قال الإمام: وما ذكره غير سديد، والأصحاب كلهم على ذكر الخلاف في الجاني، ويتفرع على الوجهين فروع:

منها: إذا كان الجاني معسراً؛ فإن قلنا بوجوبها عليه، ثبتت في ذمته إلى أن يوسر، وإن قلنا: لا تجب عليه، بقيت ديناً في بيت المال، كما قاله الماوردي.

وعن "شرح [مختصر" الجويني] وجه: أنها تجب على جميع المسلمين؛ كنفقة الفقراء.

والقاضي الحسين حكى وجهين فيما إذا لم يكن في [بيت] المال شيء، ثم ظهر بعد ثلاث سنين، [من غير بناء:

أحدهما: لا يؤدي منه؛ كما لو صارت العاقلة موسرين بعد ثلاث سنين]، لا تضرب عليهم.

والثاني: يؤدي؛ لقوله – عليه السلام: "لا يترك في الإسلام مُفْرحٌ". ولأنه مرصد للمصالح، وهذا منها.

ص: 231

[و [قد] قال الإمام: إن القاضي فرعهما على قولنا: إن القاتل لا يؤاخذ بالدية أصلاً. ثم قال]: وقد بنى على هذين الوجهين الخلاف في أن الجاني هل يغرم، أم لا؟

فإن قلنا: يؤخذ عند يسار بيت المال منه، لم تجب عليه، وألا وجبت عليه.

ومنها: إذا أوجبنا عل ىلجاني؛ فهل تجب على ابنه وأبيه؛ كام تجب عليه؟ فيه وجهان:

أحدهما – وبه قال أبو عليّ الطبري -: نعم، ونبدأ بهما قبل القاتل؛ لأنا [لا] نحمل الأب والابن؛ لأنهما بعضه؛ فإذا تحمل تحملا.

قال الرافعي: وأقواهما عند البغوي: المنع؛ لأن الإيجاب على القاتل من جهة أنه الأصل، وغيره يتحمل عنه؛ فإذا تعذر التحمل طولب بحكم الأصل، وهذا المعنى لا يتحقق في الأب والابن، وهذا ما أبداه الشيخ في "المهذب" احتمالا، واختاره في "المرشد".

والوجهان – كما حكاهما العمراني عن رواية الطبري – جاريان فيما إذا لم يكن للذمي عاقلة، وقال: إن الذي عليه الأكثرون: الأول، والذي صححه البغوي والإمام: الثاني أيضاً.

قال: ولا يعقل فقير-أي: وإن كان معتملاً – لأن حمل العاقلة لإزالة الضرر عن ولي المقتول؛ كي لا يهدر الدم، وتخفيفاً عن القاتل، كي لا يذهب جميع ماله، ولا يجوز أن يزال الضرر عن إنسان بإلحاق الضرر بغيره، وفي إيجابه على الفقير إضرار به.

ولأن ذلك طريق المواساة، والفقير ليس من أهلها؛ فلا تجب عليه كنفقة الأقارب.

وبهذا يخرج إيجاب الجزية على الفقير على قولٍ، لأنها تجب عوضا عن حقن دمه، والسكنى في الدار والغني والفقير في ذلك سواء.

وكذا يخرج به وجوب زكاة الفطر.

ص: 232

قال القاضي أبو الطيب وغيره: لأن الزكاة تجب طهرة للصائم من الرفث، ولا تجب للمواساة، ولهذا يجب إخراجها عن العبيد، وليسوا من أهل المواساة.

ومن هذا الفرق يظهر لك أن المراد بالفقير هاهنا: ليس من لا يملك شيئاً [أصلا]؛ فإنه لو كان كذلك لم تجب عليه زكاة الفطر، ولما حسن من الأصحاب ذكر الفرق؛ فتعين أن المراد به: من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام.

قال: ولا صبي ولا معتوه؛ لأن حمل العقل مبني على النصرة، وليس الصبي والمعتوه من أهلها؛ لأن من لا عقل له ولا تمييز لا يصح منه النصرة بالفعل ولا بالرأي، وهذا بخلاف الشيوخ والزمنى والعميان والشباب الضعفاء؛ فإنهم يتحملون العقل، كما حكاه القاضي أبو الطيب، وإن عجزوا عن النصرة بالفعل؛ لقدرتهم على النصرة بالقول والرأي؛ فإن النصرة ليست كلها بالسيف، وإنما هي بالسيف والرأي وبالكلام.

وفي "المهذب" و"الحاوي" حكاية وجه في الشيخ الهِمَّ والمريض البالغ حدّ الزمانة: أنه لا يحمل؛ بناء على القول بامتناع قتل مثله من المشركين إذا أسر.

وحكاه الفوراني في الزَّمِن –أيضاً – بناء على ضرب الجزية [عليه]، وقال به أبو علي بن أبي هريرة في "التعليقط فيما إذا كان زمناً من يديه ورجليه.

وقال القاضي أبو الطيب: إنه خطأ. وقدحكاه الرافعي في الأعمى أيضاً.

والمذهب – كما قال القاضي أبو الطيب -: الأول؛ لما ذكرناه.

فإن قيل: إذا اتبعتم النصرة بالرأي والكلام دون الفعل، فينبغي أن تعقل النساء؛ لأن لهن رأياً وكلاماً، وقد اتفق الأصحاب على أنهن لا يعقلن.

قلنا: جوابه من وجهين.

أحدهما: أن رأيهن ناقص.

ثم لو سلم كماله في بعضهن، فقد منع منه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي حكم عليها بالغرة لما توفيت: بأن ميراثها لبنيها، وبالعقل على عصبتها،

ص: 233

والنساء لا تعصيب لهن؛ ولهذا المعنى لم يذكرهن الشيخ؛ لأنهن خرجن بقوله: والعاقلة العصبات.

قال: ولا مسلم عن كافر، [ولا كافر عن مسلم]؛ لأنه لا موالاة بينهما، ولا توارث؛ فانتفت المناصرة.

نعم، الذمي يعقل عن الذميّ الموافق له في الملة؛ لأن المناصرة بينهما في الحق موجودة لا تمنعها الذمة.

وهل يعقل عنه مع اختلاف الملة كاليهودي عن النصراني، أم لا؟ فيه قولان في "النهاية" و"تعليق" القاضي الحسين:

وأظهرهما فيه، وهو المذكور في "الحاوي" و"تعليق" البندنيجي: نعم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة.

والثاني: لا، والكفر مِلَل.

وهكذا الخلاف في ميراث أحدهما من الآخر، كما مر.

وهل يعقل الحربي عن الذميّظ

أطلق المصنف وغيره: المنع.

وقال في "التتمة": إن قدر الإمام على الضرب عليهم، فينبني على أن اختلاف الدار هل يقطع التوارث؟ إن قلنا: نعم، امتنع العقل، وإلا فوجهان؛ لانقطاع المناصرة باختلاف الدار.

والمعاهد كالذمي، فيحمل عنه الذميّ، ويتحمل عن الذميّ، إذا زادت مدة العهد على أجل الدية، ولم تنصرم قبل مضي الأجل، ولا خلاف في أن الذمّي لا يعقل عن المرتد، كما لا يعقل المرتد عنه.

قال: وإن أرسل الكافر – أي: المحقون الدم –سهما، أي: على طائر، أو صيد، كما قاله في "المهذب"، ثم أسلم، ثم وقع سهمه فقتل، أو رمى مسلماً، ثم ارتد، ثم وقع سهمه، فقتل – كانت الدية في ماله.

أما في الأولى، فلأنه لا يمكن إيجابها على عاقلته الكفار؛ لوقوع القتل في حال الإسلام، ولا على عاقلته المسلمين؛ لتحقق السبب الداخل تحت الاختيار في

ص: 234

حالة الكفر، فتعين إيجابها في ماله، صيانة للحق عن الضياع.

وأما في الثانية، فلأنه لا يمكن إيجابها على عاقلته المسلمين؛ لوقوع القتل في الكفر، ولا على عاقلته الكفار؛ لأنه لا عاقلة له منهم كما ذكرناه؛ فتعين إيجابها في ماله، وهذا مأخذه القاعدة التي ذكرتها عن القاضي الحسين في باب من لا تجب عليه الدية بالجناية.

وهكذا الحكم على ما لاقه القاضي الحسين فيما إذا رمى من أبوه رقيق وأمه معتقة سهما، فقيل أن يصيب السهم عتق أبوه، ثم أصاب سهمه إنساناً – تجب الدية في ماله؛ لأنه لا يمكننا أن نوجبها على موالي أمه؛ لأن الولاء انجر [بعتق الأب] إلى موالي الأب؛ فالإًابة حصلت، ولا ولاء لم عليه، ولا على موالي الأب؛ لأن السبب وجدن ولا ولاء لهم عليه.

وقد ذكرنا ثم أن الرامي وهو مسلم، إذا ارتد، ثم عاد إلى الإسلام قبل الإصابة: أن العاقلة لا تحمل عنه على المذهب، وعلى قول: تجب على عاقلته المسلمين.

ولو كان الكافر قد قطع يد إنسان، ثم أسلم، ومات المقطوع – قال الماوردي والمصنف: تحمل ديته الكاملة عاقلته الكفار، دون المسلمين؛ لحدوث الجناية في الكفر وإن استقرت بعد إسلامه؛ ولذلك لم يسقط عنه القود إسلامه، بخلاف إرسال السهم، لأن هاهنا وجدت الجناية مع القطع، وثَّم حدثت بعد إرسال السهم.

قال الماوردي: وهكذا الحكم لو كان القاطع مسلما، فارتد عن الإسلام، ومات المقطوع – عقله عنه عصباته المسلمون. وهذا ما حكاه الرافعي في الصورة الأولى وجهاً. وحكى عن ابن الحداد أن الواجب على العاقلة نصف الدية، والباقي في ماله، وأن أكثر الأصحاب [ساعدوه.

وبهذا أجاب القاضي الحسين في باب صفة العمد، واختاره صاحب "المرشد"، وهو مطرد عند ابن الحداد والأصحاب] في حر أمه معتقة وأبوه رقيق جرح إنساناً، ثم أعتق أبوه، ثم مات المجني عليه: أنه يجب على موالي الأم مقدار أرش الجناية، والباقي يجب على الجاني؛ لأنه لا يمكن إيجابه على

ص: 235

معتق [الأم؛ لأنه خرج بإعتاق الأب عن استحقاق الولاء، فلا يلزمه ما يجب بعد ذلك. ولا يمك إيجابه على معتق] الأب؛ لأنه وجب بسراية جناية وجدت قبل انجرار الولاء إليه، فلا يلزمه تحمله. ولا يمكن إيجابه في بيت المال؛ لأنه لا يحمل عن المعتق مع وجود معتقه؛ فتعين ضربه عليه.

وقد أبدى الإمام – في هذه الصورة – احتمالاً في الضرب على بيت المال؛ لأنه إذا تعذر الضرب على المعتق كان كمن لا معتق له، وهذا الاحتمال لا يجري في مسألتي الذمي والمرتد؛ لأن بيت المال لا يحمل عنهما.

ولا شك أن وجه ابن الحداد يجري في الصورة الثانية جزما؛ إذ لا فرق بين الصورتين.

وقد قال الرافعي: إن الخلاف في الصورة الألوى ربما بني على الخلاف فيما إذا جرح ذميّ ذميا، ثم أسلم الجارح، ومات المجروح: هل يقتص منه؟ إن قلنا: نعم، اعتباراً بحالة الجرح، فجميع الدية عليهم، وإن قلنا: لا يقتص، لم يلزمهم كمال الدية. وهذا قضية القاعدة التي ذكرناها عن القاضي الحسين من قبل، ومقتضاه: أن يكون الراجح عند الجمهور ما ذكرناه عن الماوردي، وعند الإمام والمتولي: مقابله.

وقد اتفق الفريقان على أن الذمي لوقطع في حال كفره يدي المجني عليه أو رجليه: أن جميع الدية على عاقلته الذميين، وكذلك لو كانت جناية المعتقة أمه مباشرة أو بالسراية في حال رق أبيه، أرشها قدر الدية أو أكثر، تحملها عاقلة الأم، لأن الجراحة حين كان الولاء لهم، فوجب هذا القدر، والمعتبر: ألا يزيد قدر الواجب على المتحمل في حالة الجناية الحاصلة من بعد، وهذا يضعف البناء المذكور، لأن الخلاف في جريان القصاص جار هاهنا.

فروع:

الفرع الأول: إذا جنى ذمي جناية خطأ على رجل ثم أسلم الجاني، ثم جنى جناية أخرى على المجني عليه أولاً خطأ، ومات من الجنايتين –كان على عاقلته من المسلمين نصف الدية، وعلى عاقلته من أهل الذمة أرش الجناية التي وجدت في حال الكفر، فإن كان أرشها أقل من نصف الدية وجب تمام النصف من

ص: 236

مال الجاني، بناء على أصل ابن الحداد، وقد صرح به في "الفروع".

ولو كانت الجراحة بعد الإسلام مذففة، فقد قال الشيخ أبو عليّ: إن أرش الجراحة الواقعة في الكفر على عاقلته الكفار، والباقي إلى تمام الدية على عاقلته المسلمين.

وفي "النهاية" و"البيان": أن هذا جواب على قول ابن سريج والإصطخري: أن أرش الطرف لا يدخل في دية النفس إذا حصل تلفها بالمباشرة دون السراية.

وفي "النهاية" و"البيان": أن هذا جواب على قول ابن سريج والإصطخري: أن أرش الطرف لا يدخل في دية النفس إذا حصل تلفها بالمباشرة دون السراية.

أما إذا قلنا: تدخل، كما تدخل إذا سرت الجراحة إلى النفس – وهو المذهب كما تقدم – فجميع الدية على عاقلته المسلمين، وهو كذلك في شرح الفروع للقاضي أبي الطيب.

[الفرع الثاني:] إذا جرحه وهو مسلم، ثم ارتد، ومضى عليه في الردة زمان يسري فيه الجرح، ثم عاد إلى الإسلام، ومات المجروح – فقولان:

أحدهما: أن جميع الدية على عاقلته، اعتباراً بالطرفين.

والثاني: أن على عاقلته أرش الجراحة، وما زاد [على الأرش] إلى تمام الدية في مال الجاني. وقال في "المهذب" عوض هذا: إنه يجب عليه نصف الدية، وعلى العاقلة نصف الدية، واختاره في "المرشد".

وجزم جازمون بوجوب الجميع على العاقلة إذا قصر زمان الردة المتخللة، وخصصوا القولين بما إذا طال زمانها.

قال في "التهذيب": ويجيء وجه: أن على العاقلة ثلثي الدية، لوجود الإسلام في الأول والأخير.

ولو كان الذمّي قد حفر [ئراً عدواناً]، ثم أسلم، فتردى فيها إنسان – تجب الدية في ماله، قاله القاضي الحسين في باب صفة العمد.

[الفرع الثالث:] إذا لم يتغيرحال الرامي [لكن تغير حال المرمى] إليه قبل الإصابة، بأن رمى إليه وهو حربي، أو مرتد، ثم أسلم، ووقع به السهم، وأوجبنا ديته – ففي تحملها على العاقلة وجهان، قدمت ذكرهما، والذي ذكره القاضي أبو الطيب منهما في شرح الفروع عند الكلام فيما إذا ضرب بطن حربية

ص: 237

حامل، فأسلمت، ثم وضعت: أنها على العاقلة، وحكاه عن نص الشافعي، وأن أصحابنا لم يختلفوا فيه.

وكلام ابن كج يقتضي الجزم بالوجوب على الجاني؛ لانه قال فيما إذا أصاب سهمه من أسلم، وكان مرتداً عند الرمي، ولم يقصد إلى رميه -: تكون الدية في ماله، لا على عاقلته؛ لأنهم يقولون: إنك لما أرسلت السهم، كان الرمي مهدراً لا يلزمنا شيء في قتله.

ومن يوجبها في ماله إذا لم يقصد الرمي إليه، فأولى أن يوجبها فيه إذا قصد. وهما جاريان –كما ذكرنا – فيما إذا رمى إلى شخص ظنه حربيًّا في دار الشرك، فكان مسلماً.

ولو رمى إلى شخص ظنه شجرة، أو ظبية، فكان إنساناً، فالظاهر – وبه قطع الشيخ أبو محمد -: أنه على العاقلة؛ كما لو رمى إلى صيد، فعرض له في الطريق إنسان، فأصابه.

وقربه الإمام من مسألة الرمي إلى من ظنه حربيًّا.

تنبيه: عدول الشيخ عن قوله: "وجبت الدية في ذمته" كما ذكره في "المهذب"، إلى قوله:"وجبت في ماله" – كما قاله في "التهذيب" أيضاً – لنفي توهم تعلقها بمال المرتد، [بناء] على قولنا: إن الردة تزيل ملكه، ووجوب الدية وجد بعد زواله، كما صار إليه بعض الأصحاب، كما سنذكره في باب قتل المرتد، وإلا فهي متعلقة بذمته، مؤجلة في ثلاث سنين، وإذا مات أو قتل قبل انقضائها، سقط الأجل، وأخذت من ماله، صرح به البغوي وغيره.

ويأتي فيه الوجه الذي سنذكره فيما إذا أقر الجاني بجناية الخطأ، وكذبته العاقلة، ومات: أن الأجل لا يسقط، كما حكاه في "التهذيب".

قال: ويجب على الغني نصف دينار، لأن أقل ما يواسي به الغني في زكاته نصف دينار من عشرين ديناراً، فحمل الغني نصف دينار؛ لأن الزيادة عليه تئول إلى الإجحاف، ولا تقف على مقدار.

قال: وعلى المتوسط ربع دينار؛ لأنه إذا لزم الغني نصف دينار وجب أن

ص: 238

يقتصر من المقل على نصفه، كما أن نفقة المعسر نصف نفقة الموسر.

ولك في الاستدلال طريق آخر، فتقول: لا يمكن إيجاب قدر تافه على المتوسط؛ لأنه لو اقتصر عليه لجاز الاقتصار على القيراط والحبة، وذلك مما لا يفي بالدية؛ فيفوت المقصود، وينهدر الدم؛ فوجب اني جب عند القتل ما ليس بتافه، وحده ما يقطع به السارق؛ لقول عائشة – رضي الله عنها:"لَمْ تَكُنِ الْيَدُ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّيءِ التَّافِهِ"، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ".

وإذا لزم المقل ربع دينار، وجب أنا يضاعف في حق المكثر، فيلزمه نصف دينار، كما يلزم الموسر في النفقة مِثْلا نفقة المعسر.

قال: في كل سنة – أي من السنين الثلاثة- لأنه حق تعلق بالحول يجب على سبيل المواساة؛ فتكرر بتكرر الحول كالزكاة، وهذا أصح في "الرافعي"، وأظهر عند القاضي الحسين، وبه قال أكثر الأصحاب، كما قال الماوردي، واختاره في المرشد، فيكون –حينئذ – الواجب: على الغني في السنين الثلاثة دينار ونصف، وعلى المتوسط نصف وربع دينار.

قال: وقيل: لا يجب أكثر من النصف، أي على الغني، والربع، أي: على المتوسط، في الثلاث سنين؛ لأن الأصل عدم الضرب؛ فلا يخالف إلا في هذا القدر، وهذا يحكي عن ابن سريج، وابن القاص. قال الماوردي: فعلى هذا يكون المأخوذ من المكثر، في كل سنة سدس دينار، ومن المقل نصف سدس دينار.

وفي "ابن يونس": أن المحاملي حكى أن ابن سريج قال: يؤخذ منه هذا القدر دفعة واحدة.

وفي "تعليق" البندنيجي: أن ابن سريج قال: الدينار ونصف لا ينقص عنه الغني، وكذلك المتوسط لا ينقص عن نصف وربع دينار، لكن يستوفي من

ص: 239

الغني [ذلك] في تسع سنين، في كل ثلاث سنين نصف دينار، ويستوفي من المتوسط ذلك في تسع سنين في كل ثلاث سنين ربع دينار.

قال الماوردي: ثم معلوم أن قيمة كل بعير من إبل الدية أكثر من نصف دينار، ولا يمكن أن يتجزأ، فينفرد كل واحد منهم بجزور قيمته نصف دينار؛ [يجب أن يشترك في أداء البعير الواحد العدد الذي يكون قسط الواحد من ثمنه نصف دينار] إن كان مكثراً، وربع دينار إن كان مقلاً، ولا يجوز أن يدفع كل واحد منهم جزءاً، كما قاله ابن الصباغ؛ لأن في لك إضراراً بالجميع.

واعلم أن هذا الكلام من الأصحاب لا يمكن جمعه، مع ما حكيناه عنهم في أوائل الديات: أن إبل العاقلة إذا اختلفت أنواعها، وجب على كل منهم من نوع إبله حتى لو اختلفت أنواع إبل الواحد منهم يؤخذ من أغلبها، أو من الجميع بالقسط، لأن الحيوان الواحد لا يمكن أن يكون من نوعين، فضلاً عن أكثر منهما، فتأمل ذلك.

وقول القاضي الحسين: إن للإمام [أن يضرب الدية عليهم بالإبل، فيضرب على جماعة بعيرا، فإن شق وتعذر فله] أن يضرب عليهم الدنانير، ثم لا يجبر ولي الدم على قبولها، بل له أن يكلف [الإمام] حتى يصرفها إلى الإبل – لا ينفي هذا السؤال.

نعم، هذا منتظم مع ما حكيناه عن رواية الإمام عن بعض الأصحاب: أن الاعتبار يغلب إبل البلد، والله أعلم.

ثم إذا أعوزت الإبل – عدلنا إلى الدنانير أو الدراهم، إما مقدرة بألف دينار، أو باثني عشر ألف درهم على قوله [في] القديم، أو بقيمة مائة بعير على قوله [في] الجديد، ويجيء [الإشكال] في أي نوع تقوَّم:

فإن قلنا بالقديم، وكان من أهل الدراهم – تحمل المكثر منها ستة دراهم، والمقل ثلاثة [دراهم]؛ لأن الدينار منها مقابل لاثني عشر درهما. وإن

ص: 240

كان من أهل الذهب، فعليهما ما ذكره الشيخ.

وإن قلنا بالجديد قومت بنقد البلد، فإن كان دراهمن قال الماوردي: ففيه وجهان محتملان:

أحدهما: انه يتحمل المكثر منها ستة دراهم، والمقل ثلاثة دراهم، على ما ذكرنا؛ اعتباراً بقيمة الدينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والوجه الثاني: أنه لما عدل بالإبل إلى قيمة الوقت، وجب أن يعدل بالدنانير إلى قيمة الوقت، فيحمل المكثر من الدراهم قيمة نصف دينار بسعر وقته، والمقل قيمة ربع دينار؛ لأن الدينار في وقتنا أكثر قيمة منه في وقت الرسول، صلوات الله عليه وسلامه.

واعتبار القيمة يكون وقت الدفع؛ لأنه وقت وجوب القيمة، فلو وجدت الإبل، أو شيء منها قبل الدفع، فهو الواجب، ولو وجدت بعد الدفع، لا يرد ما أخذ، ويطالب بالإبل، صرح به الماوردي والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وغيرهم.

ثم ما ذكرناه من إيجاب نصف دينار أو ربع دينار على الشخص الواحد، مفروض فيما إذا كان المخاطب بالأداء عصبات الجاني، أو معتقه إذا كان واحداً، أو عصبات معتقه المنفرد بعتقه.

فلو اشترك جماعة في عتقه وجب على كل منهم بقدر حصته من نصف دينار، إن كان مكثراًن أو [من] ربع دينار عن كان مقلاً.

ويجب على كل من عصبات [كل من] المعتقين قدر ما كان يجب على المعتق نفسه، بحسب السعة والضيق، صرح به القاضي الحسين والإمام.

ولو كان المخاطب بالأداء الجاني، لعدم العاقلة، أو عجز بيت المال، فالدية عليه مقسطة في ثلاث سنين، كما تقسط على بيت المال، لو كان موجوداً، صرح به الإمام وغيره من العراقيين في كتاب المرتد، وغيره. وكذا إذا كانت

ص: 241

العاقلة موجودين، وفضل بعد التوزيع عليهم شيء، وعجز عنه بيت المال – يوزع الباقي على ثلاث سنين، صرح به الرافعي.

وحكى الإمام فيما إذا كان الجاني ذميا، ولا عاقلة له، وقلنا: يتحمل أبوه وابنه العقل معه –أن الأصحاب اختلفوا في المقدار المضروب.

فمنهم من قال: لا يزيد ما يضربه على نصف دينار، على قياس الضرب على العواقل.

ومنهم من قال: الدية مضروبة على القاتل وأبيه وابنه أثلاثاً؛ فإن هذا ليس على قياس الضرب على العواقل. وهذا لا يتخيلن فضلا [عن] ان يعول عليه.

قلت: وقريب منه ما حكيناه عن [رواية] القاضي الحسين، فيما إذا كان الجاني خطأ عبدا – أن دية الخطأ إنما تجب مؤجلة إذا تحملها العواقل، لا غير.

قال: ويعتبر حاله في السعة والقلة عند الحلول، يعني: في الفقر والغنى والتوسط؛ لأنه حق مالي يتعلق بالحول على سبيل المواساة، فاعتبر حاله عند الحول؛ كالزكاة، فعلى هذا: لو كان موسراً أو متوسطاً في [أول الحول، ثم أعسر في آخره – لم يجب عليه من قسط ذلك الحول شيء. ولو انعكس الحال [فكان] فقيراً في ابتداء الحول، مكثراً أو متوسطاً في] انتهائه – وجب عليه قسط ذلك الحول.

قال في "التتمة": وهذا بخلاف ما لو كان صبياً أو معتوهاً أو رققاً في أول الحول، ثم صار عند انتهائه بالغاً أو عاقلاً أو حرًّا – لا تؤخذ منه حصة تلك السنة.

والفرق: أن الفقير مستجمع لصفات الكمال؛ فهو من أهل النصرة، وإنما اعتبر المال؛ للتمكن من الأداء؛ فاعتبر آخر الحولن وهؤلاء ليسوا من أهل الكمال.

نعم، هل يلزمه قسط السنتين الباقيتين؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا؛ لأن الواجب في الأحوال واحد؛ لان سببه واحد، إلا أنه مُنجَّم، فإذا لم يكن الشخص بصفة الكمال في الابتداء لم يدخل في التوزيع.

ص: 242

وحكى في "التهذيب" الوجهين في قسط السنة الأولى، وصحح المنع، وقاس مقابله على اليسار بعد الإعسار، وجزم بوجوبحصة الحول الثاني والثالث.

واعلم أن الأصحاب اختلفوا فيما يضبط به اليسار، والتوسط هاهنا:

فالذي أورده في "التهذيب" أن الاعتبار بالعادة، وأن ذلك يختلف بالبلدان والأزمان، ورأى الإمام: الأقرب اعتبار ذلك بالزكاة؛ كما اعتبر قدر الواجب بالزكاة، فقال: إن كان يملك عشرين ديناراً في آخر الحول فهو غني، لكن يفارق ما تجب فيه الزكاة من وجهين:

أحدهما: أنه لا يشترط أن يملك النقد، أو شيئاً من الأموال الزكاتية، بل إذا ملك ما يساوي هذا القدر من سائر الأموال، كان كما لو ملك هذه الأموال.

والثاني: يشترط أن يكون ما يملكه فاضلاً عن مسكنه وثيابه وسائر ما لا يكلف في الكفارة بيعه وصرفه إلى ثمن الرقبة، وهذا لا يشترط في الزكاة.

والمتوسط هو الذي يملك [أقل من] ذلك، لكنه يفضل عن حاجته، ويشترط أن يكون فوق القدر المأخوذ وهو ربع دينار؛ كي لا يرده أخذه منه إلى حد الفقر.

قال: فإن قسط عليهم، فبقي شيء، أخذ من بيت المال؛ لانه منزل على الميراث، وهذه رتبة المال في الميراث، فلو لم يكن في بيت المال شيء، فهل يجب على الجاني؟ فيه الخلاف السابق.

قال: وإن زاد عددهم على قدر الثلث، يعني: إذا كان في درجة واحدة أشخاص، بحيث إذا قسم الواجب في تلك السنة عليهم خص الغني دون النصف دينار، والمتوسط دون الربع دينار – ففيه قولان:

أحدهما: يقسط عليهم، وينقص كل واحد عن النصف والربع؛ لأنه حق يُستحق بالتعصيب، فقسم قليله وكثره بين الجميع كالميراث، ولأنهم استووا في الدرجة والتعصيب؛ فوجب أن يستووا في الحمل؛ قياساً على ما إذا كان العقل وفقهم لا يزيد عليهم، وهذا هو الأصح والمختار في "المرشد".

والثاني: يقسط الإمام على من يرى منهم؛ لأن في تقسيط القليل على الجميع مشقة.

ص: 243

قال الماوردي: والأولى أن نفضها على من كان أسرع إجابة إليها.

وفي "الجيلي": أن خيرة التعيين هل تثبت للمجني عليه؟ فيه وجهان.

قال: ومن مات من العاقلة قبل محل النجم، سقط ما عليه –أي: من قسط ذلك النجم – كما لا تجب الزكاة عليه قبل الحول، وهذا بخلاف ما لو مات الذمي [في أثناء] الحول؛ فإنا نأخذ منه جزية ما مضى على طريقة تأتي، لأن الجزية بدل السكن، كالأجرة، أما قسط النجم الذي قبله، فلا يسقط بموته إذا كان موسراً في آخره؛ لأنه حق استقر في حال الحياة؛ فوجب ألا يسقط بالموت كالزكاة.

قال الإمام: وهذا يخرج منه أنا لا نحكم بأن الدية تجب مؤجلة على العاقلة، بل نقضي بأن ابتداء وجوبها في آخر السنة، وهذا فيه تعقيد؛ فإن الدية إن كانت واجبة فلتجب على العاقلة، ولتكن مؤجلة عليهم، فإن لم تكن واجبة فهذا يبعد عن قياس الصول؛ فإن موجب الدية القتل، وقد وقع؛ فكان الأصل لوجوب الدية على العاقلة، وهذا أصل بدع لا نظير له.

والأوجه أن يقول: وجبت الدية بالقتل وهي متأصلة، ولكنا لا نضيف وجوبها إلى العاقلة، فإن كانوا فقراء تبينّا أن وجوبها لم يتعلق بهم، ولكنَّ متعلقةٌ ببيت المال.

والدليل عليه: أنا لا نبتدئ بضرب مدة في حق بيت المال عند افتقار العاقلة في الجزء الأخير، وكذلك إذا لم يكن في بيت المال شيء – لا يبتدئ [الأجل

ص: 244

للأخذ] من القاتل على أحد القولين، والله أعلم.

فرع – نختم به الباب -: إذا أقر الجاني بجناية الخطأ أو شبه العمد، فإن صدقه العاقلة فعليهم، فإن لم يكن له عاقلة، وصدقه الإمام – فهي في بيت المال، كما حكاه البغوي عن شيخه.

وإن كذبه العاقلة والإمام في أصل القتل، لم يقبل إقراره عليهم، ولا على بيت المالن ولكن تحلف العاقلة على نفي العلم، فإذا حلفوا، كانت الدية على المقر؛ لأنه لا سبيل إلى التعطيلن وقد تعذر التحمل، ويروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لَا تَحْمِلُ العَاقِلَةُ عَمْداً وَلَا اعْتِرَافاً".

قال الإمام: ولم يخرج الأصحاب الوجوب على المقر، على الخلاف [في] أنه يلاقي الجاني ابتداء وتتحمله العاقلة، [أو يلاقيها] ابتداء؟ ولا يبعد عن القياس أن يقال: إذا لم يلاقِ الوجوب الجاني لا يلزمه شيء؛ لأنه إنما أقر عليهم، لا على نفسه، لأن الخطأ يلزم [عليهم الدية]، فإذا لم يقبل عليهم، وجب ألا يقبل الوجوب، ولست أحمل ترك الأصحاب لهذا إلا على ظهوره عندهمن وطلبهم أن يفرعوا على القول الآخر، وهذا ما حكاه البغوي وغيره عن المزني، والمذهب المنقول الأول. ثم أيده الإمام باتفاق الأصحاب على وجوب [الدية] على الذمي إذا لم يكن له عاقلة.

أما إذا اعترفت العاقلة بالقتل، وأنكرت كونه خطأ، وادعى هو ذلك – فيظهر أن يقال: إن القول قوله؛ لأنه أعرف بقصده إذا لم يكذبه الظاهر.

لكن قضية ما حكيناه عن الماوردي في باب ما تجب به الدية من الجنايات، [عند] الكلام فيما إذا رمى عشرة أنفس [حجراً] بالمنجنيق – يقتضي خلافه، فتأمل ذلك.

ثم الدية تتأجل على المقر بالجناية الخطأ أو عمد خطأ، كما تتأجل على العاقلة في ثلاث سنين، وهل يحل عليه الأجل إذا مات؟ فيه وجهان:

ص: 245

أحدهما: لا، لأن الأجل يلازم دية الخطأ شرعاً، فلم يحل عليه بموته، كما لا يحل على العاقلة بموتها، [وهذا ما ادعى القاضي الحسين في أوائل باب الشهاة بالجناية: أنه المذهب.

وفرق بين ذلك، وبين الدين عليه حيث يحل بموته: بأن الأجل إنما يثبت باستمهاله لأجل التمهل، وبالموت خرج من أن يتمهل؛ فحل. وأما الأجل في باب الدية فثبت بأصل الشرع؛ فلا يحل بموته؛ كما لا يحل على عاقلته].

وأصحهما في "التهذيب"، وبه جزم البندنيجي، والقاضي أبو الطيب في كتاب حكم المرتد -: الحلول. قال في "التهذيب": لأن ذلك بعد موته يتعلق بالتركة، ولا أجل في الأعيان، بخلاف العاقلة؛ لأن الوجوب عليها من طريق المواساة؛ فسقط بموته قبل الأجل الوجوب على الجاني؛ نظراً للمستحق حتى لا يضيع حقه، فإذا مات من عليه، أخذ من تركته.

وما ذكره البغوي من علة الوجه الثاني يؤيد قول من قال: إن دية الخطأ تتعلق برقبة العبد حالَّة، وهذا ما تقدم مني الوعد به.

ولو مات الجاني – والحالة هذه – معسراً ففي "التهذيب": أنه يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال كمن لا عاقلة له، ويحتمل ألا تؤخذ كما لو كان معسراً في حال الحياة.

ولو غرم، ثم اعترفت العاقلة – فإن قلنا: الوجوب يلاقي الجاني، فلا يرد الولي ما أخذ، ويرجع الجاني على العاقلة. وإن قلنا: يلاقي العاقلة ابتداء، فتغريم الجاني كتغريم الغاصب البدل، عند إباق العبد من يده، فيرد إلى الجاني ما أخذ منه؛ كما يرد للغاصب ما بذله عند عود العبد، ويبتدئ الولي مطالبة العاقلة.

واعلم أن دعوى قتل الخطأ وشبه العمد، مسموعة على العاقلة، وكذا على الجاني ابتداء، حتى قال في "التهذيب": إذا ادعى عله، فنكل وحلف المدعي عليه- فإن جعلنا اليمين المردودة كإقرار المدعي عليه، وجبت الدية على المدعي عليه إن كذبت العاقلة المدعي. وإن قلنا: إنها كالبينة، فالدية على العاقلة، وقيل: إنها على المدعي عليه؛ لأنها إن جعلت كالبينة فذاك في حق المتداعيين دون غيرهما، والله أعلم.

ص: 246